الليلة الثانية والتسعين[عدل]
بلغني أيها الملك السعيد أن نزهة المكان أرسلت الخادم يفتش عليه وقالت له : إذا وجدته فلاطفه وائتني به برفق . فخرج الخادم يتأمل في الناس ويدوس بينهم وهم نائمون فلم يجد أحد مستيقظاً ، فجاء إلى الوقاد فوجده قاعداً مكشوف الرأس فدنا منه وقبض على يده وقال له : أنت الذي كنت تنشد الشعر . فخاف على نفسه وقال : لا يا مقدم القوم ما هو أنا . فقال الخادم : لا أتركك حتى تدلني على من كان ينشد الشعر لأني لا أقدر الرجوع إلى سيدتي من دونه . فلما سمع الوقاد كلام الخادم خاف على ضوء المكان وبكى بكاء شديداً وقال للخادم : والله ما هو أنا وإنما سمعت إنساناً عابر سبيل ينشد فلا تدخل في خطيئتي فإني غريب وجئت من بلاد القدس . فقال الخادم للوقاد : قم أنت معي إلى سيدتي وأخبرها بفمك فإني ما رأيت أحداً مستيقظاً غيرك . فقال الوقاد : أما جئت ورأيتني في الموضع الذي أنا قاعد فيه وعرفت مكاني وما أحد يقدر في هذه الساعة ينشد شيئاً من الشعر سواء كان بعيداً أو قريباً لا تعرفه إلا مني . ثم باس رأس الخادم وأخذ بخاطره فتركه الخادم ودار دورة وخاف أن يرجع إلى سيدته بلا فائدة فاستتر في مكان غير بعيد من الوقاد فقام الوقاد إلى ضوء المكان ونبهه وقال له : اقعد حتى أحكي لك ما جرى . وحكى له ما وقع فقال له : دعني فإني لا أبالي بأحد فإن بلادي قريبة . فقال الوقاد لضوء المكان : لأي شيء أنت مطاوع نفسك وهواك ولا تخاف من أحد وأنا خائف على روحي وروحك ، بالله عليك أنك لا تتكلم بشيء من الشعر حتى ندخل بلدك وأنا ما كنت أظنك على هذه الحالة ، أما علمت أن زوجة الحاجب تريد زجرك لأنك أقلقتها وقد كانت ضعيفة وتعبانة من السفر ، وكم مرة قد أرسلت الخادم يفتش عليك . فلم يلتفت ضوء المكان إلى كلام الوقاد بل صاح ثالثاً وأنشد هذه الأبيات : تركـت كــل لائم ........ ملامه أقلـقـنـي يعذلنـي ومـا درى ........ بابه حـرضـنـي قال الوشاة قد سـلا ........ قلت لحب الوطـن قالوا فمـا أحـنـه ........ قلت فما أعشقنـي قالوا فـمـا أعـزه ........ قلت فمـا أذلـنـي هيهات أن أتـركـه ........ لو ذقت كأس الشجن وما أطعـت لائمـاً ........ في الهوى يعذلنـي وكان الخادم يسمعه وهو مستخف فما فرغ من شعره إلا والخادم على رأسه فلما رآه الوقاد فر ووقف بعيداً ينظر ما يقع بينهما ، فقال الخادم : السلام عليكم يا سيدي . فقال ضوء المكان : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته . فقال الخادم : يا سيدي .