هل يجوز تسمية الله تعالى
بـ " قاضي الحاجات "
و " شافي الأمراض " والدعاء بهما ؟
السؤال
بعض الناس في بلدنا يسمُّون الله بهذا الاسم ، ويدْعون قائلين " يا قاضي الحاجات "
" يا شافي الأمراض " ، " يا حلاَّل المشكلات " ، " يا رافع الدرجات "
من فضلكم هل هناك أي أحاديث تدل على هذه الأسماء التي يطلقونه على الله ؟
الجواب
الحمد لله
أولاً:
قاعدة أهل السنَّة والجماعة في أسماء الله تعالى من حيث إثباتها لله تعالى وتسميته بها أنهم لا يثبتون له – عز وجل – من الأسماء إلا ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في السنَّة الصحيحة
والاسم هو ما دلَّ على ذاته وعلى الصفة التي يحويها ، كاسمه تعالى العزيز
فقد دلَّ على ذاته وعلى صفة العزة ، وأسماؤه تعالى كلها حسنى ، وهي يُدعى بها بنص القرآن
كما قال تعالى ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) الأعراف/ 180 .
ولا يجوز في باب الإثبات اشتقاق أسماء لله تعالى من صفاته أو من أفعاله
فلا يقال " المحب " و " الغاضب " – مثلاً - .
وما ذكره الأخ السائل من أسماء فلم يثبت منها شيء في نصوص الوحي فلا تُثبت لله تعالى أسماءً له وإن كانت معانيها صحيحة ؛ فأسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للاجتهاد ولا للقياس فيها .
ثانياً:
وقاعدة أهل السنَّة أنه يجوز " الإخبار " عن الله تعالى بأسماء لها معاني حسنة دلَّت على معانيها أفعال وصفات له تعالى ثابتة بالكتاب والسنَّة
كـ " نَاصِر المُسْتَضْعَفين " و " مفرِّج الكربات " و " عَالَم الخَفيَّاتِ " وَ " بَاعِثَ الأَمْواتِ " وَ " مُجِيبَ الدَّعَوَاتِ "
وهي أسماء دلَّت على معانيها نصوص من الوحي كثيرة ، فلا حرج في الإخبار عن الله تعالى بها .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
" الفعل أوسع من الاسم , ولهذا أَطلق الله على نفسه أفعالاً لم يتسمَّ منها بأسماء الفاعل
, كأراد وشاء وأحدث , ولم يُسمَّ بـ " المريد " و" الشائي " و" المُحدث " كما لم يسمِّ نفسه بـ " الصانع "
و" الفاعل " و" المتقن " وغير ذلك من الأسماء التي أطلق على نفسه ,
فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء .
وقد أخطأ خطأً كبيراً من اشتق له من كل فعل اسماً وبلغ بأسمائه زيادة على الألف فسمَّاه " الماكر , والمخادع , والفاتن , والكائد " ونحو ذلك .
وكذلك باب " الإخبار " عنه بالاسم أوسع من تسميته به فإنَّه يُخبر عنه بأنه " شيء وموجود ومذكور , ومعلوم , ومراد " ولا يسمَّى بذلك "
انتهى من " مدارج السالكين " ( 3 / 415 ) .
فضابط الإخبار الجائز عن الله تعالى : أن يُخبر عنه بمعنى صحيح لم يُنفَ في الكتاب والسنَّة وأن يكون قد ثبت جنسه فيهما .
فيكون ما ذكره الأخ السائل من أسماء صالحاً للإخبار عن الله تعالى مع توقف في اسم " حلاَّل المشكلات
" لعدم اختصاصها بالله تعالى عند الإطلاق ولخلو الثناء على الله تعالى من ألفاظها المشابهة للمستهلك من كلام الناس .
ثالثاً:
وهل يجوز دعاء الله تعالى بما يصح الإخبار عنه به من أسماء ؟ الذي يترجح لنا أنه لا حرج في دعاء الله تعالى بمثل تلك الأسماء
وهو الذي عليه علماء أهل السنَّة قديماً وحديثاً في أدعيتهم في مصنفاتهم وخطبهم ودروسهم
مع بيان أن الأكمل دعاء الله تعالى بما ثبت من أسمائه تعالى في الكتاب والسنَّة توسُّلاً بها لحصول مقصود الداعي .
فتبيَّن من هذا أنه وإن كان لا يجوز إثبات هذه الأسماء لله تعالى
لأنها لم ترد بعينها في الكتاب والسنَّة إلا أن ذلك لا يمنع من الدعاء بها ، ونعني بذلك الأسماء التي تدل على الله تعالى بإطلاقها فيختص بها أو التي يصح ذِكره بها والثناء عليه – سبحانه وتعالى - .
سئل الشيخ عبد الرحمن البراك – حفظه الله - :
ما حكم الدعاء بغير الأسماء الحسنى مما صح معناه مثل قولهم " يا سامع الصوت ويا سابق الفوت ويا كاسي العظام لحما بعد الموت " ، " يا دليل " ، " يا ساتر " ، ونحو ذلك ؟ .
فأجاب: " ... وما يُشتق من صفاته الفعلية إذا كان يظهر أنه مختص بالله : فيجوز الدعاء به
كـ : فارج الكربات " و " مغيث اللهفات " و " مصرف الرياح " و " مجري السحاب "
و " هازم الأحزاب " ، وأما إذا كان لا يظهر اختصاصه بالله فلا يجوز الدعاء به مثل " سامع الصوت "
و " سابق الفوت " ، وأما " كاسي العظام لحماً بعد الموت " : فهو من جنس ما سبق – أي : " فارج الكربات " و " مغيث اللهفات " .
كذلك لا يُدعى سبحانه وتعالى بالأسماء التي لا يصح ذكره بها والثناء عليه وإنما يجوز الإخبار بها عنه ، مثل " موجود " و " شيء " و " واجب الوجود " .
وأما " الدليل " و " الساتر " فلم يرد إطلاقهما على الله لكن إذا قُيدا بما يدل على ما يختص به سبحانه جاز الدعاء بهما ، مثل " يا دليل الحائرين "
و " يا ساتر العورات " ، فأما " دليل الحائرين "
فقد جاء عن الإمام أحمد أنه قال لرجل " قل يا دليل الحائرين " – "
مجموع الفتاوى " لشيخ الإسلام ( 22 / 483 ) -
وأما " ساتر العورات " فهو من جنس " مقيل العثرات " لا ينصرف إلا إلى الله تعالى " انتهى .
وسئل الشيخ خالد بن علي المشيقح – وفقه الله - :
عن جواز للإنسان أن يدعو قائلاً " يا مُسهِّل يا رب " ، مع أن المسهِّل ليس من أسماء الله الحسنى ؟
.
فأجاب : " فالأولى بالمسلم أن يدعو بأسماء الله الحسنى ؛ لأن الله عز وجل
قال : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) الأعراف/ 180 ، وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة )
صحيح البخاري ( 2736 ) وصحيح مسلم ( 2677 )
ومن إحصاء هذه الأسماء دعاء الله عز وجل بها .
ومن آداب الدعاء التوسل إلى الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا
هذا هو الأولى بالمسلم ، فيختار من أسماء الله الحسنى ما يلائم دعوته ؛ إذا سأل الله الرزق قال " يا رزاق "
إذا سأل الله عز وجل الرحمة قال " يا رحمان يا رحيم " ، إذا سأل الله عز وجل العزة قال " يا عزيز "
إلى آخره .
وإن دعا بما يُخبَر به عن الله عز وجل فإن هذا لا بأس به ، فهو جائز ، مثل " يا مسهِّل "
ولو قال " يا مسهِّل سهِّل أموري " إلى آخره : فإن هذا من الخبر عن الله عز وجل ، وهذا من صفاته سبحانه فلا بأس بذلك إن شاء الله " انتهى
وعليه :
فيجوز الدعاء بـ " يا قاضي الحاجات " و " يا شافي الأمراض " و " يا رافع الدرجات " ، ولا ينبغي الدعاء بـ " يا حلاَّل المشكلات " لعدم اختصاصها بالله تعالى عند الإطلاق .
وانظر في التوسل المشروع ومنه التوسل بأسمائه تعالى جوابي السؤالين القادمين
والله أعلم