فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم - الصفحة 7 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة > أرشيف قسم الكتاب و السنة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2019-01-25, 15:58   رقم المشاركة : 91
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قوله تعالى (جنةٍ بربوة) .

السؤال

جاءت كلمة" ربوة" في سورة البقرة، الآية رقم/265 ، وقد ترجمت الكلمة لتعني الحديقة فوق الأرض العالية التي تؤتي ضعف غيرها من الثمار.

ولكن قرأت في تفسير ابن كثير أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنه المكان المرتفع من الأرض ، وهو أحسن ما يكون فيه النبات. فهل هناك إجماع على ذلك. لم أستطع فهم الحكمة من ذكر المكان العالي على وجه التحديد

مع وجود أماكن خصبة في الوديان، ويمكنها أن تؤتي ضعف الثمار ؟ وهل يمكن اعتبار المكان الخصب المتدني ربوة أيضًا ؟

وهل أثبت العلم فضل المكان الخصب المرتفع من الأرض على غيره من الأماكن الخصبة ؟

وأين يمكن إيجاد مثل هذه الأماكن؟

وإن كان المكان مرتفعا كثيرا، فقد يكون الجو حارا ويؤدي ذلك إلى الجفاف؟


الجواب


الحمد لله

اختلف المفسرون في تفسير كلمة (ربوة) في قول الله تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ

أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة/ 265. وذلك على قولين:

القول الأول:

الربوة: المكان المرتفع من الأرض. وهو ما قرره جمهور المفسرين، مستندين إلى أصل المعنى اللغوي لكلمة (الربوة) التي هي المكان المرتفع من الأرض.

يقول ابن جرير الطبري رحمه الله:

"والرَّبوة من الأرض: ما نشز منها فارتفع عن السيل. وإنما وصفها بذلك جل ثناؤه

لأن ما ارتفع عن المسايل والأودية : أغلظ ، وجنان ما غلُظ من الأرض أحسنُ وأزكى ثمرًا وغرسًا وزرعًا، مما رقَّ منها، ولذلك قال أعشى بني ثعلبة في وصف روضة:

مَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الحَزْنِ مُعْشِبَةٌ ...
خَضْرَاءُ جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ

فوصفها بأنها من رياض الحَزن، لأن الحُزون: غرسها ونباتها أحسن وأقوى من غروس الأودية والتلاع وزروعها.
وإنما سميت (الربوة) لأنها ربت ، فغلظت وعلت، من قول القائل: ربا هذا الشيء يربو، إذا انتفخ فعظُم.

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:

ثم ذكر قول مجاهد :

هي الأرض المستوية المرتفعة...

وذكر نحوه عن قتادة والضحاك والسدي والربيع .

وقال : قال ابن عباس :

(كمثل جنه بربوة)، قال: المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار" .

انتهى من "جامع البيان" (5/535-536) ، ملخصا .

ويقول ابن قتيبة رحمه الله:

"وأحسن ما تكون الجنان والرّياض: على الرّبا"

انتهى من "تأويل مشكل القرآن" (ص: 196).

ويقول أبو إسحاق الزجاج رحمه الله:

"والربوة ما ارتفع من الأرض، والجنة البستان، وكل ما نبت وكثف وكثر، وستر بعضه بعضاً فهو جنة .
والموضع المرتفع إِذا كان له ما يرويه من الماءِ : فهو أكثر ريْعاً من المستفِل .

فأعلم اللَّه عزَّ وجلَّ أن نفقة هُؤلاءِ المؤمنين ، تزْكو كما يزكو نبْتُ هذه الجنة التي هي في مكان مرتفع"

انتهى من " معاني القرآن وإعرابه" (1/ 348) .








 


قديم 2019-01-25, 15:58   رقم المشاركة : 92
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ويقول ابن قيم الجوزية رحمه الله:

"(كمثل جنة بربوة) وهي المكان المرتفع الذي تكون الجنة فيه نصب الشمس والرياح، فتتربى الأشجار هناك

أتم تربية، فنزل عليها من السماء مطر عظيم القطر، متتابع، فرواها ونماها، فآتت أكلها ضعفي ما يؤتيه غيرها ، بسبب ذلك الوابل"

انتهى من "إعلام الموقعين" (1/ 141).

ويقول أيضا:

"والجنة بربوة - وهو المكان المرتفع- لأنها أكمل من الجنة التى بالوهاد والحضيض، لأنها إذا ارتفعت كانت بمدرجة الأهوية والرياح، وكانت ضاحية للشمس وقت طلوعها واستوائها وغروبها

فكانت أنضج ثمراً، وأطيبه، وأحسنه، وأكثره، فإن الثمار تزداد طيباً وزكاءَ بالرياح والشمس، بخلاف الثمار التي تنشأُ في الظلال .

وإذا كانت الجنة بمكان مرتفع ، لم يخش عليها إلا من قلة الشرب، فقال تعالى: (أصابَها وَابِلٌ) [البقرة: 265]، وهو المطر الشديد العظيم القدر، فأدت ثمرتها وأعطت بركتها، فأخرجت ثمرتها ضعفي ما يثمر غيرها، أو ضعفي

ما كانت تثمر بسبب ذلك الوابل، فهذا حال السابقين المقربين"

انتهى من "طريق الهجرتين" (ص369)

وانظر أيضا "مدارج السالكين" (1/ 255).

ويقول العلامة السعدي رحمه الله:

"وهذه الجنة (بربوة) أي: محل مرتفع ضاحٍ للشمس في أول النهار ووسطه وآخره، فثماره أكثر الثمار وأحسنها، ليست بمحل نازل عن الرياح والشمس" .

انتهى من "تيسير الكريم الرحمن" (ص114) .

القول الثاني:

الربوة تعني الأرض المستوية السهلة ، سواء كانت مرتفعة أم نازلة في الوديان، ولكن المهم أنها لا صعوبة فيها، ولا تختلف أجزاؤها.

روى عبد الرزاق الصنعاني في "التفسير" (1/ 370) عن الحسن البصري, في قوله تعالى: (جنة بربوة) [البقرة: 265] قال: هي الأرض المستوية التي لا تعلو فوقها الماء.

وأسنده أيضا الطبري بعد أن نقل هذا الوجه الثاني قائلا: "وكان آخرون يقولون: هي المستوية".

ينظر "جامع البيان" (5/537) .

وقال الماوردي رحمه الله:

"(كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) في الربوة قولان:

أحدهما: هي الموضع المرتفع من الأرض ، وقيل المُسْتَوِي في ارتفاعه.

والثاني: كل ما ارتفع عن مسيل الماء ، قاله اليزيدي"

انتهى من "النكت والعيون" (1/ 340) .

ويقول الرازي رحمه الله:

"واعلم أن المفسرين قالوا: البستان إذا كان في ربوة من الأرض كان أحسن وأكثر ريعا.

ولي فيه إشكال:

وهو أن البستان إذا كان في مرتفع من الأرض كان فوق الماء، ولا ترتفع إليه أنهار، وتضربه الرياح كثيرا، فلا يحسن ريعه ، وإذا كان في وهدة من الأرض انصبت مياه الأنهار

ولا يصل إليه إثارة الرياح ، فلا يحسن أيضا ريعه ، فإذن البستان إنما يحسن ريعه إذا كان على الأرض المستوية التي لا تكون ربوة ولا وهدة

فإذن ليس المراد من هذه الربوة ما ذكروه، بل المراد منه كون الأرض طينا حرا، بحيث إذا نزل المطر عليه انتفخ وربا ونما، فإن الأرض متى كانت على هذه الصفة يكثر ريعها، وتكمل الأشجار فيها.

وهذا التأويل الذي ذكرته متأكد بدليلين:

أحدهما: قوله تعالى: (وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) [الحج: 5] والمراد من ربوها ما ذكرنا ، فكذا هاهنا.

والثاني: أنه تعالى ذكر هذا المثل في مقابلة المثل الأول، ثم كان المثل الأول هو الصفوان الذي لا يؤثر فيه المطر، ولا يربو، ولا ينمو بسبب نزول المطر عليه

فكان المراد بالربوة في هذا المثل ، كون الأرض بحيث تربو وتنمو.

فهذا ما خطر ببالي والله أعلم بمراده"

انتهى من "مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير" (7/ 49)

ويبدو أنه ترجيح الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله، فقد أيد كلام الرازي بدليل سياق الآيات، فقال:

"(كمثل جنة بربوة) أي بستان بمكان مرتفع من الأرض. قالوا: وما كان كذلك من الجنات كان عمل الشمس والهواء فيه أكمل، فيكون أحسن منظرا وأزكى ثمرا، أما الأماكن المنخفضة

التي لا تصيبها الشمس في الغالب إلا قليلا فلا تكون كذلك.

وقال بعضهم - واختاره الإمام الرازي -: إن المراد بالربوة الأرض المستوية الجيدة التربة، بحيث تربو بنزول المطر عليها وتنمو، كما قال: (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت) الآية

ويؤيده كون المثل مقابلا لمثل الصفوان الذي لا يؤثر فيه المطر، أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين، أي فكان ثمرها مثلي ما كانت تثمر في العادة أو أربعة أمثاله على القول بأن ضعف الشيء مثله مرتين"

انتهى من " تفسير المنار" (3/ 57) .

وهكذا يتبين أن ما أورده السائل هو قول معتبر لدى المفسرين، يركز على خصوبة الأرض وسلامة تربتها وبيئتها بغض النظر عن انخفاضها أو ارتفاعها.

ونحن نقول هنا : إن هذا هو المقصد الأهم الذي وردت الآيات الكريمات تضرب فيه الأمثال .

ولكن لا مانع أن نجعل ارتفاع الأرض وإطلالتها الواسعة، وانفتاحها على الأفق، مزايا أخرى مهمة، إلى جانب خصوبتها وحيازتها أسباب النماء والبقاء.

وبهذا يمكن أن نجمع بين القولين، فالقول الأول الذي يؤكد أن الربوة مكان مرتفع من الأرض

لم يقصد بحال من الأحوال مجرد الارتفاع، بقطع النظر عن أسباب الخصوبة الأخرى، بل لا بد من اشتمالها – مع ارتفاعها – على جميع عوامل الإثمار.

والقول الثاني : لا يعارض هذه الفكرة، المهم عنده أن تكون الأرض مستوية سهلة الزرع، وبعيدة عن مسيل المياه الجارفة.

وعلى أية حال : فالمراد بذلك كله ، كما سبق : ضرب المثل على توسعة الله لأهل الإنفاق ، وإخلافه عليهم ، ومضاعفته لأجرهم ، وشكره لعملهم ؛ فلا ينبغي أن يصرفنا المثل ، وألفاظه ، عن المعنى الذي سيقت له الآيات .

والله أعلم.









قديم 2019-01-25, 16:08   رقم المشاركة : 93
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفصيل الخلاف في الستة أيام التي خلقت فيها السماوات والأرض

السؤال

وجدت أنّ الكثير من الناس يفسرون مسألة خلق الله السموات والأرض في ستة أيام (أو 6000 سنة) أنّ الأيام تعني مراحل، بمعنى أنّ الله خلقهم على ست مراحل

وذلك لأنّ المسألة لا تتطابق مع العلم الحديث، (وهو بحد ذاته غير موثوق به). فهل هذا التفسير صحيح؟


الجواب


الحمد لله

أولا:

يتفق العلماء والمفسرون على أن الزمان الناتج عن حركة الأفلاك السماوية لم يكن موجودا قبل خلق السماوات والأرض

ولهذا فإخبار الله عز وجل عن خلقهما في (ستة أيام) لا يراد به أيامنا الناتجة عن حركة الأرض حول الشمس، بل المراد المقدار المماثل في الزمان بما يناسب ظرف الخلق في ذلك الحين.

قال البغوي رحمه الله :

"أراد به: في مقدار ستة أيام، لأن اليوم من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، ولم يكن يومئذ يوم، ولا شمس، ولا سماء"

انتهى من "تفسير البغوي" (3/ 235)

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"والرسل أخبرت بخلق الأفلاك، وخلق الزمان، الذي هو مقدار حركتها، مع إخبارها بأنها خلقت من مادة قبل ذلك، وفي زمان قبل هذا الزمان؛ فإنه سبحانه أخبر أنه خلق السموات

والأرض في ستة أيام. وسواء قيل: إن تلك الأيام بمقدار هذه الأيام المقدرة بطلوع الشمس وغروبها؛ أو قيل: إنها أكبر منها كما قال بعضهم: إن كل يوم قدره ألف سنة

فلا ريب أن تلك الأيام التي خلقت فيها السموات والأرض ، غير هذه الأيام، وغير الزمان الذي هو مقدار حركة هذه الأفلاك. وتلك الأيام مقدرة بحركة أجسام موجودة قبل خلق السموات والأرض"

انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/ 235)

ويقول الألوسي رحمه الله:

"ولا يمكن أن يراد باليوم اليوم المعروف؛ لأنه كما قيل: عبارة عن كون الشمس فوق الأرض، وهو مما لا يتصور تحققه حين لا أرض ولا سماء"

انتهى من "روح المعاني" (6/ 62)

وهؤلاء العلماء كلهم أشاروا إلى الخلاف – الذي سيأتي التوسع فيه –

في معيار "تقدير" الستة أيام، إن كان بأيام الدنيا أم بأيام الله، ولكنهم نبهوا على أنه – على جميع الأقوال

– لا يجوز تفسير الزمان بالزمان المعروف في دنيا الناس اليوم، وهو الناتج عن حركة الأرض والشمس.

ثانيا:

ثم اختلفوا في هذا "المقدار" للستة أيام، إن كان مساويا لمقدار أيام الدنيا، أم لا، وذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها ستة أيام كأيام الدنيا العادية

واستدلوا عليه بظاهر قول الله عز وجل: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) الأعراف/ 54

وقوله سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) السجدة/ 4.

كما يمكن أن يستدل عليه بحديث خلق التربة المشهور في "صحيح مسلم"،

ولكن دلالته على هذا القول محل نظر كبير؛ لأن الحديث يبين تفاصيل المخلوقات على الأرض، وليس أصل خلق السماوات والأرض، فضلا عما يكتنف هذا الحديث من كلام نقدي يطول شرحه

يقول الزمخشري رحمه الله:

"الظاهر أنها من أيام الدنيا"

انتهى من "الكشاف" (3/ 288).

ويقول ابن عطية رحمه الله :

"قال أكثر أهل التفسير: الأيام: هي من أيام الدنيا. وقالت فرقة: هي من أيام الآخرة يوم من ألف سنة. قاله كعب الأحبار، والأول أرجح"

انتهى من "المحرر الوجيز" (3/ 152) .

وقال ابن كثير رحمه الله:

"الجمهور على أنها كأيامنا هذه"

انتهى من " البداية والنهاية" (1/ 16) .

وجاء في "حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي" (5/ 4):

"(فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) قيل: هي مدة مساوية لأيام الدنيا. وقيل: هي بالمعنى اللغوي، وهو مطلق الوقت. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها من أيام الآخرة التي هي كألف سنة مما تعدون.

قيل: والأوّل أنسب بالمقام لما فيه من الدلالة على القدرة الباهرة بخلق هذه الأجرام العظيمة في مثل تلك المدّة اليسيرة، ولأنه تعريف لنا بما نعرفه" انتهى.

وهو ما اختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حين قال:

"خلقها الله عز وجل في ستة أيام، والأيام أطلقها الله عز وجل، ولم يبين أن اليوم خمسين ألف سنة، أو أقل، أو أكثر، وإذا أطلق يحمل على المعروف المعهود

وهي أيامنا هذه، وقد جاء في الحديث أنها الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة" انتهى من "تفسير العثيمين: الحجرات – الحديد" (ص: 364) .

هذا حاصل من قال بالقول الأول، مع التحفظ على نسبة هذا القول إلى الجمهور؛ إذ لا يبدو أن الجمهور يقولون به، بل بالقول الثاني الذي وصفه الإمام الطبري بقوله: "لا نعلم قائلا من أئمة الدين قال خلافه".

القول الثاني: مقدار كل يوم كألف سنة من أيام الدنيا

عن ابن عباس في قوله: (في ستة أيام) قال: يوم مقداره ألف سنة. رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" (5/ 1496)، والطبري في "جامع البيان" (20/168) .

وعن مجاهد:

يوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدّون.

"تفسير الطبري" (12/482)

وعن الضحاك: (وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام)

قال: من أيام الآخرة، كل يوم مقداره ألف سنة. ابتدأ في الخلق يوم الأحد، وختم الخلق يوم الجمعة، فسميت "الجمعة"، وسَبَت يوم السبت فلم يخلق شيئًا".

"تفسير الطبري" (15/245)، (20/168)

ونحوه قال يحيى بن سلام كما في "تفسيره" (2/ 685) ,

ويقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:

"أما قوله: (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [الحج: 47] فهذا من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض، كل يوم كألف سنة"

انتهى من "الرد على الجهمية" (ص70)

ونسب ابن كثير هذا القول إليه أيضا في

"تفسير القرآن العظيم" (3/426) .









قديم 2019-01-25, 16:08   رقم المشاركة : 94
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ويقول ابن جرير الطبري رحمه الله:

"فإن قال قائل: وما دليلك على أن الأيام الستة التي خلق الله فيهن خلقه كان قدر كل يوم منهن قدر ألف عام من أعوام الدنيا، دون أن يكون ذلك كأيام أهل الدنيا التي يتعارفونها بينهم

وإنما قال الله عز وجل في كتابه: (الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام)، فلم يُعلمنا أن ذلك كما ذكرت، بل أخبرنا أنه خلق ذلك في ستة أيام

والأيام المعروفة عند المخاطبين بهذه المخاطبة ، هي أيامهم التي أول اليوم منها طلوع الفجر إلى غروب الشمس. ومن قولك: إن خطاب الله عباده بما خاطبهم به في تنزيله إنما هو موجه إلى الأشهر

والأغلب عليه من معانيه، وقد وجهت خبر الله في كتابه عن خلقه السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام إلى غير المعروف من معاني الأيام، وأمر الله عز وجل ، إذا أراد شيئا أن يكونه

: أنفذُ وأمضى من أن يوصف بأنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام

مقدارهن ستة آلاف عام من أعوام الدنيا، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون، وذلك كما قال ربنا تبارك وتعالى: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر)؟

قيل له:

قد قلنا فيما تقدم من كتابنا هذا : إنا إنما نعتمد في معظم ما نرسمه في كتابنا هذا على الآثار والأخبار عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وعن السلف الصالحين قبلنا

دون الاستخراج بالعقول والفكر، إذ أكثره خبر عما مضى من الأمور، وعما هو كائن من الأحداث، وذلك غير مدرك علمه بالاستنباط [و] الاستخراج بالعقول:

فإن قال: فهل من حجة على صحة ذلك من جهة الخبر؟

قيل: ذلك ما لا نعلم قائلا من أئمة الدين قال خلافه.

فإن قال: فهل من رواية عن أحد منهم بذلك؟

قيل: علم ذلك عند أهل العلم من السلف ، كان أشهر من أن يحتاج فيه إلى رواية منسوبة إلى شخص منهم بعينه، وقد روي ذلك عن جماعة منهم مسمين بأعيانهم .

فإن قال: فاذكرهم لنا.

قيل: [فأورد مجموعة آثار بأسانيده عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وكعب الأحبار]"

انتهى من "تاريخ الرسل والملوك" (1/ 57-59) .

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"وقد أخبر الله أنه: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) في مواضع متعددة من القرآن. وأخبر أنه: (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ)، وأنه: (وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ.

ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ.

فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ... ) ، وأمثال هذه النصوص التي تدل على أن السماوات والأرض مخلوقة في أيام، وأن كل يوم كألف سنة، كما قال ذلك طائفة من السلف"

انتهى من "مسألة حدوث العالم" (ص: 152) .

ويقول العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله:

"(وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) من أيام الله تعالى في الخلق والتكوين وما شاء من الأطوار، لا من أيامنا في هذه الدار التي وجدت بهذا الخلق

لا قبله، فلا يصح أن تقدر أيام الله بأيامها كما توهم الغافلون عن هذا، وما يؤيده من قوله: (وإن يوما عند

ربك كألف سنة مما تعدون) (22: 47) وقوله: (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) (70: 4)"

انتهى من " تفسير المنار" (12/ 15) .

القول الثالث: اليوم مطلق الوقت، أي : مرحلة زمنية تقديرية غير محددة .

يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله:

"قيل المراد: في ستة أوقات، فإن اليوم يطلق على الوقت، كما في قوله تعالى: (ومن يولهم يومئذ دبره) [الأنفال: 16]

أي: حين إذ يلقاهم زحفا. ومقصود هذا القائل أن السماوات والأرض خلقت عالما بعد عالم، ولم يشترك جميعها في أوقات تكوينها"

انتهى من "التحرير والتنوير" (8-ب/ 161) .

رابعا:

إذا تبين أن المسألة يدخلها الاحتمال والاختلاف، وأن الآراء الشرعية في تناولها متنوعة بقدر كبير، وليس فيها حد قطعي ولا ترجيح جزمي

عرفنا أن خلق التعارض أو التناقض بين النقل الديني ، وعلوم الفلك والفيزياء في هذه المسألة

: ليس من الصواب ولا من المنهجية الموضوعية، وسواء ترجح لدى الفلكيين أو الفيزيائيين خلق السماوات والأرض في مدة طويلة أو قصيرة، فلا يدل ذلك بحال على بطلان المنظور الكوني في النصوص الإسلامية

لما علمت من اتساع دلالة هذه النصوص، واحتمال العلماء لمجموعة من الأقوال في تفسيرها وتأويلها، مما يعني ضرورة بذل الباحث جهده في التوفيق بين المنظورين:

الكوني والشرعي، وقراءتهما جميعا كوحدة واحدة صادرة عن الله سبحانه، الذي له الخلق والأمر، دون تكلف ادعاء تناقض، ولا تبجح باكتشاف التعارض.

وقد وجدنا في المختصين الفيزيائيين من يجمع بين النظرين، ويبين أن ادعاء الحسم في مثل هذه القضايا

على المستوى الفيزيائي والفلكي – مخاطرة ومغامرة، كما أكد الأستاذ الدكتور حسين راشد عمري – الأستاذ في قسم الفيزياء في جامعة مؤتة –

في بحث محكم منشور له في مجلة مؤتة للبحوث والدراسات، حيث يقول:

" إذا كانت مادّة خلق السّماوات السّبع والأرضين السّبع مادّة نيوكليونيّة، فإنّ طول اليوم الواحد من أيّام خلقهنّ يعدلُ ألف سنةٍ ممّا نعدُّ.

أمّا إذا كانت مادّة خلقهنّ مادّة غير نيوكليونيّة، فيرجّح أنّ أيّام خلق السّماوات السّبع والأرضين السّبع هي بطول الأيّام الأرضيّة (24 ساعة)" انتهى، وللتوسع ينظر البحث مطولا على الرابط الآتي:


https://www.mutah.edu.jo/eijaz/univcreation.htm

والله أعلم.









قديم 2019-01-25, 16:13   رقم المشاركة : 95
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

أوجه البلاغة في آية سورة النور : ( ليس على الأعمى حرج ..) الآية .

السؤال

من ضمن تعاريف البلاغة ، أن تستطيع إيصال المعنى المراد بأقل عدد من الكلمات في إيجاز ووضوح وقوة أسلوب لذلك هذا المنطلق على سبيل المثال يجعلني أتساءل حول البلاغة والبيان في قوله تعالى:

"لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ

أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ۚ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"

ألم تكن هنالك طريقة أبسط لتوصيل المراد؟

ما الاعجاز البلاغي الموجود بالاية ؟


الجواب

الحمد لله

أولًا:

نزل القرآن الكريم ، على أمة من العرب كانت الصناعة الرائجة في وقتهم

( صناعة البيان ) ومع ذلك فقد ظهر عجزهم مع توافر هممهم آنذاك على كراهية الرسول صلى الله عليه وسلم وكراهية ما جاء به

لقد جاء القرآن بما يعرفون ويفهمون، بيد أن واحدًا منهم لم يستطع أن يأتي بمثل القرآن، ولا بعشر سور مثله، بل ولا بسورة واحدة من القرآن .

وأمر آخر؛ أن واحدًا منهم لم يعترض على آية واحدة، فعاب أسلوبها، أو تنقص من فصاحتها، بل كانوا له مذعنين، ولبلاغته خاضعين .

يقول العلامة الشيخ محمد عبد الله دراز ، رحمه الله :

"ها نحن أولاء ندعو كل من يطلب الحق بإنصاف، أن ينظر معنا في القرآن من أي النواحي أحب: من ناحية أسلوبه، أو من ناحية علومه، أو من ناحية الأثر الذي أحدثه في العالم، وغيَّر به وجه التاريخ

أو من تلك النواحي مجتمعة = على أن يكون له الخيرة بعد ذلك أن ينظر إليه في حدود البيئة، والعصر الذي ظهر فيه، أو يفترض أنه ظهر في أرقى الأوساط والعصور التاريخية.

وسواء علينا أيضًا أن ينظر إلى شخصية الداعي الذي جاء به، أو يلتمس شخصًا خياليًّا تجمعت فيه مَرانات الأدباء، وسلطات الزعماء، ودراسات العلماء بكافة العلوم الإنسانية .

ثم نسأله:

هل يجد فيه إلا قوة شاذة، تغلب كل مغالب، وتتضاءل دونها قوة كل عالم، وكل زعيم، وكل شاعر وكاتب، ثم تنقضي الأجيال والأحقاب، ولا ينقضي ما فيه من عجائب

بل قد تنقضي الدنيا كلها ولما يُحِطِ الناس بتأويل كل ما فيه ( يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) [الأعراف: 53]"، النبأ العظيم: (108).

وإن غبي عن بعض الناس ذلك؛ فإن دواءه :

" أن يطيل النظر في أساليب العرب، وأن يستظهر على فهمها بدراسة طرف من علوم الأدب، حتى تستحكم عنده ملكة النقد البياني، ويستبين له طريق الحكم في مراتب الكلام وطبقاته، ثم ينظر في القرآن بعد ذلك.

وأنا له زعيم، بأن كل خطوة يخطوها في هذه السبيل ستزيده معرفة بقدره، وستحل عن نفسه عقدة

من عقد الشك في أمره؛ إذ يرى هنالك أنه كلما ازداد بصيرة بأسرار اللغة، وإحسانًا في تصريف القول، وامتلاكًا لناصية البيان، ازداد بقدر ذلك هضمًا لنفسه، وإنكارًا لقوته، وخضوعًا بكليته أمام أسلوب القرآن !!

وهذا قد يبدو لك عجيبًا، أن يزداد شعور المرء بعجزه عن الصنعة، بقدر ما تتكامل فيها قوته ويتسع بها علمه ؟!!

ولكن لا عجب؛ فتلك سنة الله في آياته التي يصنعها بيديه: لا يزيدك العلم بها، والوقوف على أسرارها، إلا إذعانًا لعظمتها، وثقة بالعجز عنها. ولا كذلك صناعات الخلق، فإن فضل العلم بها، يمكنك منها

ويفتح لك الطريق إلى الزيادة عليها؛ ومن هنا: كان سحرة فرعون هم أول المؤمنين برب موسى وهارون" النبأ العظيم: (110).

ثانيًا:

البلاغة في الكلام هي : "مطابقته لمقتضى الحال، مع فصاحته"، انظر: عروس الأفراح: (1/ 90).

وعلى ذلك :

"فيشترط في الكلام البليغ شرطان:

الشرط الأول: أن يكون فصيح المفردات والجمل.

الشرط الثاني: أن يكون مطابقاً لمقتضى حال من يُخَاطبُ به.

ولمّا كانت أحوال المخاطبين مختلفة، وكانت كلُّ حالةٍ منها تحتاج طريقةً من الكلام تلائمها، كانت البلاغة في الكلام تستدعي انتقاء الطّريقة الأكثر ملاءمة لحالة المخاطب به، لبلُوغ الكلام من نفسه مبلغ التأثير الأمْثل المرجوّ... " .

ينظر : "البلاغة العربية"، لحبنكة (1/ 130) ، وفي بيان : الأحوال التي تستدعي اختلافاً في طرائق الكلام وأساليبه .

ونحن ندعوك لمطالعة كتاب ( النبأ العظيم ) لمؤلفه الشيخ محمد دراز رحمه الله، لتقف على طرف من بلاغة القرآن، وروعة أسلوبه وبيانه .

ثالثًا:

أما الآية التي سألت عنها، فإن الله سبحانه " يخبر عن منته على عباده، وأنه لم يجعل عليهم في الدين من حرج؛ بل يسره غاية التيسير، فقال: ( لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ )

أي: ليس على هؤلاء جناح، في ترك الأمور الواجبة، التي تتوقف على واحد منها، وذلك كالجهاد ونحوه، مما يتوقف على بصر الأعمى، أو سلامة الأعرج، أو صحة للمريض

ولهذا المعنى العام الذي ذكرناه، أطلق الكلام في ذلك، ولم يقيد، كما قيد قوله: ( وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ )

أي: حرج (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) أي: بيوت أولادكم، وهذا موافق للحديث الثابت: (أنت ومالك لأبيك)، والحديث الآخر: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم) .

وليس المراد من قوله: (مِنْ بُيُوتِكُمْ) بيت الإنسان نفسه، فإن هذا من باب تحصيل الحاصل، الذي ينزه عنه كلام الله، ولأنه نفى الحرج عما يظن أو يتوهم فيه الإثم من هؤلاء المذكورين، وأما بيت الإنسان نفسه فليس فيه أدنى توهم .

(أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ) : وهؤلاء معروفون .

(أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ) أي: البيوت التي أنتم متصرفون فيها بوكالة، أو ولاية ونحو ذلك ...

(أَوْ صَدِيقِكُمْ) وهذا الحرج المنفي عن الأكل من هذه البيوت: كل ذلك، إذا كان بدون إذن .

والحكمة فيه معلومة من السياق، فإن هؤلاء المسمَّيْن قد جرت العادة والعرف، بالمسامحة في الأكل منها، لأجل القرابة القريبة، أو التصرف التام، أو الصداقة .

فلو قدر في أحد من هؤلاء عدم المسامحة، والشح في الأكل المذكور: لم يجز الأكل، ولم يرتفع الحرج، نظرا للحكمة والمعنى.

وقوله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا) فكل ذلك جائز، أكل أهل البيت الواحد جميعا، أو أكل كل واحد منهم وحده . وهذا نفي للحرج، لا نفي للفضيلة؛ وإلا فالأفضل الاجتماع على الطعام.

(فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا) نكرة في سياق الشرط، يشمل بيت الإنسان وبيت غيره، سواء كان في البيت ساكن أم لا ؛

فإذا دخلها الإنسان: (فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) أي: فليسلم بعضكم على بعض، لأن المسلمين كأنهم شخص واحد، من تواددهم، وتراحمهم، وتعاطفهم .

فالسلام مشروع لدخول سائر البيوت، من غير فرق بين بيت وبيت، والاستئذان تقدم أن فيه تفصيلا في أحكامه .

ثم مدح هذا السلام فقال: (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) أي: سلامكم بقولكم: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ، أو : (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) ؛ إذ تدخلون البيوت، (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي: قد شرعها لكم

وجعلها تحيتكم، (مُبَارَكَةً)، لاشتمالها على السلامة من النقص، وحصول الرحمة والبركة والنماء والزيادة، (طَيِّبَةً) لأنها من الكلم الطيب المحبوب عند الله، الذي فيه طيب نفس للمحيا، ومحبة وجلب مودة.

لما بين لنا هذه الأحكام الجليلة : (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ) الدالات على أحكامه الشرعية وحكمها، (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) عنه فتفهمونها، وتعقلونها بقلوبكم، ولتكونوا من أهل العقول والألباب الرزينة

فإن معرفة أحكامه الشرعية على وجهها، يزيد في العقل، وينمو به اللب، لكون معانيها أجل المعاني، وآدابها أجل الآداب، ولأن الجزاء من جنس العمل، فكلما استعمل عقله، للعقل عن ربه

وللتفكر في آياته التي دعاه إليها، زاده من ذلك... "

انتهى، من " تفسير الشيخ السعدي: (575).









قديم 2019-01-25, 16:14   رقم المشاركة : 96
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

رابعًا:

ونحن نعجز عن بيان بلاغة هذه الآية، وعظيم معانيها، غير أننا سنذكر لك طرفًا من لطائفها، فمن ذلك:

1- نص الله تعالى على نفي الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض بالتفصيل

لأن الحرج منفي عن الأعمى في التكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط فيه المشي والركوب، وعن المريض في التكليف الذي يؤثر المرض في إسقاطه كالصوم وشروط الصلاة والغزو.

ولكن المناسبة في ذكر هذه الرخصة عقب الاستئذان: أن المقصد الترخيص للأعمى أنه لا يتعين عليه استئذان لانتفاء السبب الموجبة.

ثم ذكر الأعرج والمريض إدماجا وإتماما لحكم الرخصة لهما للمناسبة بينهما وبين الأعمى.

2- وأما مناسبة عطف هذه الرخص على رخصة الأعمى، على تقدير أنه منفصل عنه: هو تعلق كليهما بالاستئذان، والدخول للبيوت، سواء كان لغرض الطعام فيها، أو كان للزيارة ونحوها، لاشتراك الكل في رفع الحرج .

وعلى تقدير أنه متصل به على قول الجمهور، فاقتران الجميع في الحكم: هو الرخصة للجميع في الأكل، فأذن الله للأعمى والأعرج والمريض أن يدخلوا البيوت للأكل

لأنهم محاويج لا يستطيعون التكسب، وكان التكسب زمانئذ بعمل الأبدان؛ فرخص لهؤلاء أن يدخلوا بيوت المسلمين لشبع بطونهم.

3- أنه نص على الصديق، وجعل في مرتبة القرابة، لما هو موقور في النفوس من محبة الصلة مع الأصدقاء.

5- أعيدت جملة: (ليس عليكم جناح) تأكيدا للأولى في قوله: (ولا على أنفسكم) إذ الجناح والحرج كالمترادفين. وحسَّنَ هذا التأكيدَ: بُعْدُ ما بين الحال وصاحبها

وهو واو الجماعة في قوله: (أن تأكلوا من بيوتكم)، ولأجل كونها تأكيدًا، فصلت بلا عطف.

6- وفي قوله سبحانه: (فإذا دخلتم بيوتًا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون).

تفريع على الإذن لهم في الأكل من هذه البيوت بأن ذكرهم بأدب الدخول المتقدم في قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) [النور: 27]

لئلا يجعلوا القرابة والصداقة والمخالطة مبيحة لإسقاط الآداب، فإن واجب المرء أن يلازم الآداب مع القريب والبعيد، ولا يغرنه قول الناس: إذا استوى الحب سقط الأدب.

7- وفي قوله (فسلموا) ولم يذكر غيرها، لأن لفظ السلام يجمع معنيين: لأنه مشتق من السلامة فهو دعاء بالسلامة، وتأمين بالسلام، لأنه إذا دعا له بالسلامة، فهو مسالم له، فكان الخبر كناية عن التأمين .

وإذا تحقق الأمران: حصل خير كثير، لأن السلامة لا تجامع شيئا من الشر في ذات السالم، والأمان لا يجامع شيئا من الشر يأتي من قبل المعتدي، فكانت دعاء ترجى إجابته

وعهدا بالأمن يجب الوفاء به. وفي كلمة (عليكم) : معنى التمكن، أي السلامة مستقرة عليكم.

ولكون كلمة (السلام) جامعة لهذا المعنى، امتن الله على المسلمين بها، بأن جعلها من عند الله؛ إذ هو الذي علمها رسوله بالوحي.

8- وجملة (كذلك يبين الله لكم الآيات) تكرير للجملتين الواقعتين قبلها في آية الاستئذان

لأن في كل ما وقع قبل هذه الجملة بيانا لآيات القرآن، اتضحت به الأحكام التي تضمنتها، وهو بيان يرجى معه أن يحصل لكم الفهم، والعلم بما فيه كمال شأنكم.

يُنظر: التحرير والتنوير: (18/ 299 - 305).

وينظر أيضا ، للفائدة : "روائع البيان في تفسير آيات الأحكام" (2/ 226 - 228) .

خلاصة الجواب :

تضمن القرآن لأعلى درجات الفصاحة والبيان، ومن ذلك آيات سورة النور ؛ غير أن إدراكها ، والتمرس ببلاغة القرآن ، يحتاج دربة من القارئ ، وإلماما بطرائق العرب في بيانها ، ومعرفة بأساليب البلغاء، وأسرار جمالها .

والله أعلم


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









قديم 2019-01-25, 17:10   رقم المشاركة : 97
معلومات العضو
ERTHCEROKO
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

الله يبارك فيكم










قديم 2019-01-25, 17:10   رقم المشاركة : 98
معلومات العضو
ERTHCEROKO
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

و جزاكم الله خيرا










قديم 2019-01-28, 14:58   رقم المشاركة : 99
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة erthceroko مشاهدة المشاركة
و جزاكم الله خيرا
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة erthceroko مشاهدة المشاركة
الله يبارك فيكم

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اسعدني حضورك المميز مثلك
و في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيك
و جزاك الله عنا كل خير









قديم 2019-01-28, 15:10   رقم المشاركة : 100
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



لا تعارض بين وصف القرآن بالتفصيل وورود الحروف المقطعة فيه

السؤال

نص القرآن على أنّ الآيات القرآنية فصلت للناس، كما في الآية رقم (1) من سورة هود، والآية (3) من سورة فصلت.

ولكن الحروف المقطعة - حسب ما ذكر بعض أهل العلم - لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم معانيها. أجد في ذلك تناقضا. فكيف التوفيق بين قول أهل العلم، والآيات التي جاءت في أنّ آيات القرآن قد فُصلت؟


الجواب

الحمد لله

وصف الله تعالى كتابه العزيز ، وقرأنه الكريم: بأنه كتاب : مُفَصّل من عنده سبحانه.

قال تعالى: (قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) الأنعام/ 97، وقال عز وجل: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فصلت/3

وقوله عز وجل: (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 52]

قال ابن كثير رحمه الله:

"(قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ) أَيْ: قَدْ بَيَّنَّاهَا وَوَضَّحْنَاهَا "

انتهى من "تفسير القرآن العظيم" (3/ 305)

ولا تناقض بين ذلك الوصف الجليل ، واشتمال القرآن الكريم على الحروف المقطعة في أوائل السور.

وذلك من أوجه عديدة:

الأول:

التفصيل وصف لمجمل القرآن وسوره وآياته، وليس لجميع كلماته، الأمر الذي لا ينفي الاستثناء، فقد صرح القرآن الكريم نفسه بوجود الاستثناء

وذلك في قول الله عز وجل: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ

مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 7]

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في "العذب النمير" (2/ 168) :

(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً) أي: مُوَضَّحًا مُبَيَّنًا فيه العقائدُ، مُبَيَّنًا فيه الحقُّ من الباطلِ، والنافعُ من الضارِّ، والحسنُ من القبيحِ، بَيَّنَ اللَّهُ فيه العقائدَ

والحلالَ والحرامَ، وما يقرِّب إلى اللَّهِ، وما يُوَصِّلُ إلى جنتِه، وما يُبْعِدُ من اللَّهِ ويسخطُه، ويوصلُ إلى نارِه، وَبَيَّنَ مصيرَ الفريقين

وما أعدَّ لأوليائه، وما أعدَّ لأعدائِه، كُلُّ هذا مُوَضَّحٌ مُفَصَّلٌ في القرآنِ، وإن كان في القرآنِ بعضُ الآياتِ المتشابهاتِ، فإنها تُرَدُّ إلى الْمُحْكَمَاتِ، وَيُعْرَفُ إيضاحُها بِرَدِّهَا إلى المحكماتِ.

كَمَا قَدَّمْنَا في سورةِ آلِ عمرانَ في تفسيرِ قولِه: (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) [آل عمران: آية 7].

يعني: أن المحكماتِ هُنَّ أُمُّ الكتابِ التي يُرَدُّ إليها ما أَشْكَلَ من مُتَشَابِهَاتِهِ. وهذا معنَى قولِه: (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً) [الأنعام: آية 114] التفصيلُ: ضِدُّ الإجمالِ، وهو الإيضاحُ والبيان" انتهى.

الثاني:

تفصيل آيات الكتاب لا يعني عدم اشتمالها على الإجمال أو الإبهام أو التأويل أو النسخ أو الاحتمال، بل وجود هذه الأنواع من الدلالات : حقيقة واقعة، ولكن القرآن الكريم – في الوقت نفسه – يشتمل على ما يفصل

أي يبين – هذا الإجمال والتأويل والنسخ ونحوه، وتشتمل آياته على بيان بعضها بعضا، وعلى الشرح والتفسير الذي يحتاج إليه الناس.

ومن هنا يمكننا أن نعد خوض العلماء في المراد من الأحرف المقطعة، هو أيضا تفصيل، أي بيان لها، فلا تعارض بين وجودها، وبين وصف القرآن بالكتاب "المفصل".

يقول ابن العربي المالكي رحمه الله:

"قال العلماء: لو كان القرآن كله سواء في البيان ودرك المعنى ، لما تفاوتت درجات العلماء،

وقد سبق من حكم الله أن قوما يرفعون بالعلم، ويتفاوتون في المعرفة، فوقعت أحوالهم على ما وقع به العلم من تنويع البيان لهم"

انتهى من "عارضة الأحوذي" (1/124)

ويقول أيضا:

"أما كونه كله محكماً: فبحُسْن الرصف، وبديع الوصف، وغاية الجزالة، ونهاية البلاغة، وقلة الحروف، وكثرة المعاني، وعنه وقع البيان بقوله عَزَّ وَجَلَّ: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ).

وأما كونه متشابهاً كله: فباستوائه في هذه المعاني التي فصلنا، لا تقصير، ولا فضول

ولا حشو، ولا تعارض، ولا تناقض، كما قال الله تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) وعنه أخبر عَزَّ وَجَلَّ بقوله: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا).

وأما كونه على قسمين: منه محكم، ومنه متشابه، فالمراد: منه جلي في البيان، ومنه خفي، ولو شاء ربنا سبحانه لجعله على مرتبة واحدة في الجلاء والبيان، ولكنه قسم الحال فيه

لما سبق من علمه في تقسيمه الخلق إلى عالم وجاهل، ومستوفٍ وناقص، وتفضيلهم في درك المعارف

كما قال عز وجل: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) فأخبر عز وجل أنه يرفع بالإيمان درجة، ويرفع بالعلم معه أخرى، والذي لا يعلم تأويله: يقتصر على الإيمان به

والتصديق له، والتسليم به في علم الله سبحانه.

والراسخ في العلم: ينظر فيه، ويقرن المتشابه بالمحكم، فما وافق المحكم من احتمال المتشابه قال به، وما خالفه أسقطه، وإن احتمل الأمر عنده بعد ذلك عضده بقول الرسول صلى الله عليه وسلم"

انتهى من " القبس في شرح موطأ مالك بن أنس" (ص1058)









قديم 2019-01-28, 15:11   رقم المشاركة : 101
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الثالث:

الأحرف المقطعة هي استهلالات مجردة للسور، كالمدخل المنبه فيها، وليست من صلب سياق السورة، ولا من الآيات التي يتحدث القرآن عنها في وصفه لها بالتفصيل

بدليل أن وصف الإحكام والتفصيل جاء أكثره بعد الأحرف المقطعة نفسها مباشرة،

قال تعالى: (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هود: 1].

وقال عز وجل: (حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [فصلت: 1 - 3]

فلو كان هذا تناقضا لما وقع على هذا الوجه الذي يُحسِن تجنبَه كلُّ أحد من البشر، فضلا عن رب البشر الذي له الكمال المطلق.

وإنما يتضح أن المقصود بالتفصيل هو الآيات التي وردت بمقاصد القرآن الكريم الأساسية، التي فيها بيان توحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ونفي الشريك عنه

وتعليق الحاكمية المطلقة إليه عز وجل، ونحوها من المفاهيم الأساسية التي بعث النبي صلى الله عليه وسلم لتصحيحها في كفار قريش .

أما لو لم تفصل بعض الآيات في بعض التفاصيل الخبرية أو الغيبية أو التشريعية، فلا ضير في ذلك .

ولعل الحكمة من هذا: فسحُ أبواب الاجتهاد، وخلق بواعث الحراك العلمي والتأويلي من قبل الراسخين في العلم، وهي من أعظم الحكم وأهمها من وجود المتشابهات في الكتاب والسنة.

الرابع:

كما يمكن القول بأن القرآن "مفصل" عند الراسخين في العلم، حتى الحروف المقطعة ، والمتشابهات في القرآن داخلة في دائرة علمهم وفهمهم.

وبناء عليه ، فلا تعارض ولا تناقض، أما بالقياس على أفهام غير الراسخين في العلم، فالآيات غير المفصلة

أي غير البينة – بالنسبة لهم عديدة وكثيرة، وليست هي الحروف المقطعة فحسب.

كما قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) رواه البخاري (52) ومسلم (1599)، فالاشتباه لا يلحق العلماء، وإنما عامة الناس فحسب.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"التشابه أمر نسبي، فقد يتشابه عند هذا ما لا يتشابه عند غيره، ولكن ثم آيات محكمات لا تشابه فيها على أحد

وتلك المتشابهات إذا عرف معناها صارت غير متشابهة؛ بل القول كله محكم كما قال: (أحكمت آياته ثم فصلت)"

انتهى من " مجموع الفتاوى" (13/ 144)

الخامس:

هذا الإشكال لا يرد إلا إذا فسرنا "تفصيل القرآن" باتضاح معناه وبيانه، كما سبق نقله عن ابن كثير. أما إذا فسرنا كلمة "التفصيل" بتفسيرات أخرى، فيتبين أنها لا تتعارض مع ورود الأحرف المقطعة.

فوصف القرآن بأنه "مفصل" لا يعني اتضاح المعنى والتفسير في قول كثير من العلماء، بل يعني عندهم أنه يبين الصدق من الكذب، ويبين الحق من الباطل، أو يبين الحلال ويفصله عن الحرام...

أو ما سوى ذلك من الوجوه المذكورة في تفسير "تفصيل" القرآن الكريم .

فإذا حملنا معنى "التفصيل" عليها: فلا يتعارض معها وجود الحروف المقطعة في أوائل السور، لأن وجود الأحرف المقطعة ، لا يعطل بيان القرآن الكريم الحق من الباطل، والحلال والحرام.

يقول الإمام الماوردي رحمه الله:

"ثم قال: (وُهُوَ الَّذِيِّ أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً) في المفصَّل أربعة تأويلات:

أحدها: تفصيل آياته لتبيان معانيه فلا تُشْكِل.

والثاني: تفصيل الصادق من الكاذب.

والثالث: تفصيل الحق من الباطل, والهدى من الضلال, قاله الحسن.

والرابع: تفصيل الأمر من النهي, والمستحب من المحظور, والحلال من الحرام" انتهى من "النكت والعيون" (2/ 160)
ويقول أيضا رحمه الله:

"(كتابٌ فصلت آياتُه) وفي تفصيل آياته خمسة تأويلات:

أحدها: فسّرت, قاله مجاهد.

الثاني: فصلت بالوعد والوعيد, قاله الحسن.

الثالث: فصلت بالثواب والعقاب, قاله سفيان.

الرابع: فصلت ببيان حلاله من حرامه وطاعته من معصيته، قاله قتادة.

الخامس: فصلت من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم, فحكم فيما بينه وبين من خالفه, قاله عبد الرحمن بن زيد"

انتهى من "النكت والعيون" (5/ 167)

والله أعلم









قديم 2019-01-28, 15:16   رقم المشاركة : 102
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

معنى قوله تعالى : ( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ).

السؤال

قال تعالى : ( حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) .

لدي بعض الأسئلة حول معنى هذه الآية ...ترد علي بعض المعاني حول هذه الاية ولا أدري هل هذه المعاني صحيحة أم لا ….قرأت لأحد الكتاب مستنبطا من الآية "أن الحضارة على الأرض لابد أن تبلغ ذروتها

بتقدير الله تعالى حتى قيام الساعة "..

. إذا قال قال قائل أن الساعة عندما تقوم لن تقوم إلا في اللحظة التي تبلغ فيها الحضارة أقصى حدودها وعند ذلك يأتيها أمر الله بقيام الساعة هذا المعنى الأول ...المعنى الثاني أن الحضارة-

وقد تكون الحضارة المعاصرة هي المقصودة- قد تتقدم وتصل حداً متطورا جداً وعندها يأتيها أمر الله ليس بالضرورة بقيام الساعة وإنما بأي كارثة أو أمر يعود بها إلى الوراء ..

. وهناك معنى أخير قرأت عنه وهو أن الحضارات عموماً منذ الأزل تتقدم وتتطور حتى تصل حد معين ثم تنهار وترثها حضارة أخرى مثل ما جرى للحضارات القديمة ؟

هل هذه المعاني صحيحة ؟ وهل يصح استنباطها من الآية المذكورة ؟


الجواب

الحمد لله

ليس في الآية إشارة إلى الساعة وأنها تقوم بعدما تبلغ حضارة الدنيا أوجها ، وأقصى حدودها .

ومعنى الآية واضح ، وله نظائر عديدة في القرآن ، يشبه الله عز وجل حال الدنيا وسرعة زوالها من أهلها ، مع اغترارهم بها بالنبات ، حيث لا يلبث حتى يصير هشيما

كما قال تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا) [ الكهف : 45 ] .

وسياق الآية بتمامه ظاهر جدا في ذلك

قال الله تعالى : (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ

وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) يونس/24

فقد صرحت الآية بأن سياقها سياق مثل للحياة الدنيا ، وما يكون من مآلها ، وسرعة زوالها .

قال ابن كثير :

" ضرب تبارك وتعالى مثلا لزهرة الحياة الدنيا وزينتها وسرعة انقضائها وزوالها ، بالنبات الذي أخرجه الله من الأرض بما أنزل من السماء من الماء ، مما يأكل الناس من زرع وثمار

على اختلاف أنواعها وأصنافها ، وما تأكل الأنعام من أبٍّ وقَضْبٍ وغير ذلك ، ( حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ) أي : زينتها الفانية ، ( وازينت ) أي : حسنت بما خرج من رُباها من زهور نضرة مختلفة الأشكال والألوان

( وظن أهلها ) الذين زرعوها وغرسوها ( أنهم قادرون عليها ) أي : على جذاذها وحصادها ، فبينا هم كذلك ، إذ جاءتها صاعقة ، أو ريح باردة ، فأيبست أوراقها ، وأتلفت ثمارها

ولهذا قال تعالى : ( أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا ) أي : يبسا بعد تلك الخضرة والنضارة ، ( كأن لم تغن بالأمس ) أي : كأنها ما كانت حسناء قبل ذلك "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (4/260) .

وقال الشيخ محمد رشيد رضا ، رحمه الله :

" (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أَيْ كَهَذَا الْمَثَلِ فِي جَلَائِهِ وَتَمْثِيلِهِ لِحَقِيقَةِ حَالِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَغُرُورِ النَّاسِ فِيهَا، وَسُرْعَةِ زَوَالِهَا، عِنْدَ تَعَلُّقِ الْآمَالِ بِنَوَالِهَا

نُفَصِّلُ الْآيَاتِ فِي حَقَائِقِ التَّوْحِيدِ، وَأُصُولِ التَّشْرِيعِ، وَأَمْثَالِ الْوَعْظِ وَالتَّهْذِيبِ،

وَكُلِّ مَا فِيهِ صَلَاحُ النَّاسِ فِي عَقَائِدِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ، وَاسْتِعْدَادِهِمْ لِمَعَادِهِمْ، لِقَوْمٍ يَسْتَعْمِلُونَ عُقُولَهُمْ وَأَفْكَارَهُمْ فِيهَا، وَيَزِنُونَ أَعْمَالَهُمْ بِمَوَازِينِهَا، فَيَتَبَيَّنُونَ رِبْحَهَا وَخُسْرَانَهَا.

وَالْعِبْرَةُ لِمُسْلِمِي عَصْرِنَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ الْمُنَزَّلَةِ وَأَمْثَالِهَا، الَّتِي اهْتَدَى بِهَا الشَّعْبُ الْعَرَبِيُّ فَخَرَجَ مِنْ شِرْكِهِ وَخُرَافَاتِهِ وَأُمِّيَّتِهِ وَبَدَاوَتِهِ، إِلَى نُورِ التَّوْحِيدِ وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالْحَضَارَةِ، ثُمَّ اهْتَدَى بِدَعْوَتِهِ

إِلَيْهَا الْمَلَايِينُ مِنْ شُعُوبِ الْعَجَمِ، فَشَارَكَتْهُ فِي هَذِهِ السَّعَادَةِ وَالنِّعَمِ = أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ حَظٌّ مِنْهَا إِلَّا تَرْتِيلَهَا بِالنَّغَمَاتِ فِي بَعْضِ الْمَوَاسِمِ والْمَآتِمِ، وَلَا يَخْطُرُ لَهُمْ بِبَالٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمُ التَّفَكُّرُ لِلِاهْتِدَاءِ بِهَا!!

وَلَوْ تَفَكَّرُوا: لَاهْتَدَوْا، وَإِذًا لَعَلِمُوا أَنَّ كُلَّ مَا يَشْكُو مِنْهُ الْبَشَرُ مِنَ الشَّقَاءِ بِالْأَمْرَاضِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ، وَالرَّذَائِلِ النَّفْسِيَّةِ، وَالْعَدَاوَاتِ الْقَوْمِيَّةِ، وَالْحُرُوبِ الدَّوْلِيَّةِ، فَإِنَّمَا سَبَبُهُ التَّنَافُسُ فِي مَتَاعِ هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا،

وَأَنَّ مَنْ تَفَكَّرَ فِي هَذَا، وَكَانَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْهُ، فَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يَلْتَزِمَ الْقَصْدَ وَالِاعْتِدَالَ فِي حَيَاتِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْمَادِّيَّةِ، وَيَصْرِفَ جُلَّ مَالِهِ وَهِمَّتِهِ فِي إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللهِ وَعِزَّةِ أَهْلِ مِلَّتِهِ، وَقُوَّةِ دَوْلَتِهِ

وَالِاسْتِعْدَادِ لِآخِرَتِهِ، فَيَكُونَ مِنْ أَهْلِ سَعَادَةِ الدَّارَيْنِ."

انتهى، من "تفسير المنار" (11/284) .

ولم نجد أحدا فسّر الآية بمثل ما قاله السائل سوى تفسير محدَث قاله به الشيخ أحمد الغماري ، ورد عليه فيه الشيخ حمود التويجري ، في كتابه " إيضاح المحجة "
.
قال الشيخ حمود التويجري في

" إيضاح المحجة في الرد على صاحب طنجة " (ص74) ، ناقلا قول الغماري :

وقال في صفحة (38) ما نصه :

" ومن ذلك زينة الأرض وحضارتها ، بتعبيد الطرق وإحداث الشوارع وإضاءتها بالأنوار ووجود الأبنية الطويلة ذات الطبقات المتعددة ، وغير ذلك من أنواع الزينة والحضارة .

وقد ذكر الله تعالى ذلك من أشراط الساعة الدالة على قربها جداً ، فقال تعالى ( حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ ) .

والجواب أن يقال: إن هذه الآية ليست واردة في أشراط الساعة كما زعمه المصنف ، وإنما هي مثل ضربه الله تعالى لزهرة الحياة الدنيا وزينتها ، وسرعة انقضائها وزوالها

بالنبات الذي يخرجه الله تعالى من الأرض ، بالماء الذي ينزله من السماء .

ولهذه الآية نظائر في سورة الكهف وسورة الزمر وسورة الحديد وقد ذكرتها فيما تقدم " انتهى .


والله أعلم .









آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-01-28 في 15:17.
قديم 2019-01-28, 15:25   رقم المشاركة : 103
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

كيف يؤمر اليهود والنصارى بالعمل بما في كتبهم ، والقرآن قد نزل ناسخا لهما ؟

السؤال

هل يفهم من قول الله تعالى في سورة المائدة : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ) أن أهل الكتاب مأمورون بإقامة أحكام التوراة والإنجيل التي عندهم ؟

لكن من المعلوم أن القرآن ناسخ لما قبله من الشرائع بحيث لا يسع أحدا من أهل الشرائع السابقة أن يخرج عن أحكامه ، فما المراد بالآية الكريمة ؟

هل يصح أن يقال إن المعنى هو أمرهم باتباع ما جاء في التوراة والإنجيل من الأمر بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع القرآن الكريم ؟


الجواب

الحمد لله

ليس كل ما في التوراة والإنجيل من أحكام وشرائع ، منسوخا بالقرآن

كما أنه ليس كل ما فيهما قد ناله التحريف والتبديل من جهة أهل الكتاب ، فهناك من الحق ما هو موجود في الكتابين

وقد جاء القرآن مصدقاً لذلك الحق

كما قال تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) المائدة : 48 .

قال الشيخ السعدي رحمه الله :

" ( مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ ) لأنه شهد لها ، ووافقها ، وطابقت أخباره أخبارها ، وشرائعه الكبار شرائعها ، وأخبرت به ، فصار وجوده مصداقا لخبرها ، ( وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ )

أي : مشتملا على ما اشتملت عليه الكتب السابقة ، وزيادة في المطالب الإلهية والأخلاق النفسية .

فهو الكتاب الذي تَتَّبع كل حق جاءت به الكتب ، فأمر به ، وحث عليه ، وأكثر من الطرق الموصلة إليه "

انتهى من " تفسير السعدي " (ص/234) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" فَلَيْسَ فِي أَمْرِ اللَّهِ لِأَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، أَمْرٌ بِمَا نَسَخَ ؛ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي أَمْرِ أَهْلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ : أَمْرٌ بِمَا نَسَخَ ، بَلْ إِذَا كَانَ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ

فَالَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ هُوَ الْحُكْمُ بِالنَّاسِخِ دُونَ الْمَنْسُوخِ ، فَمَنْ حَكَمَ بِالْمَنْسُوخِ ، فَقَدْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .

وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى : ( قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) المائدة : 68

فَإِنَّ هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ لِأَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِي بُعِثَ إِلَيْهِمْ : إنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ حَتَّى يُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ .

فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ عِنْدَهُمْ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ ، وَأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِإِقَامَتِهِ ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَرَّرَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْسَخْهُ .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ ، وَلَمْ يَنْسَخْهُ النَّبِيُّ الثَّانِي ، بَلْ أَقَرَّهُ ؛ كَانَ اللَّهُ آمِرًا بِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ بَعْدَ نَبِيٍّ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي بَعْثَةِ الثَّانِي مَا يُسْقِطُ وُجُوبَ اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ الْأَوَّلُ وَقَرَّرَهُ النَّبِيُّ الثَّانِي.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ يَنْسَخُ بِالْكِتَابِ الثَّانِي جَمِيعَ مَا شَرَعَهُ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ ، وَإِنَّمَا الْمَنْسُوخُ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْكُتُبُ وَالشَّرَائِعُ .

وَأَيْضًا : فَفِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَا دَلَّ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا حَكَمَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمَا ، حَكَمُوا بِمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِمُ اتِّبَاعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .... "

انتهى من " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " (2/440) .

ومن ذلك الحق الذي جاء في الكتب السابقة البشارة بمبعثه عليه الصلاة والسلام ، وصدق نبوته

كما قال تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ) الأعراف : 157 .

وقال تعالى : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) البقرة : 146

وقوله : ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) الصف : 6 .

وعليه ، فالمراد بالآية : اتباع ما في التوراة والإنجيل من الحق المنزل من عند الله ، ومنه الإيمان بمبعثه عليه الصلاة والسلام .

جاء في " تفسير ابن كثير " (3/155) :

" يقول تعالى : قل يا محمد : ( يا أهل الكتاب لستم على شيء ) أي : من الدين ، ( حتى تقيموا التوراة والإنجيل ) أي : حتى تؤمنوا بجميع ما بأيديكم من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء ، وتعملوا بما فيها .

ومما فيها : الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بمبعثه ، والاقتداء بشريعته ؛ ولهذا قال ليث ابن أبي سليم ، عن مجاهد ، في قوله : ( وما أنزل إليكم من ربكم ) يعني : القرآن العظيم " انتهى .









قديم 2019-01-28, 15:26   رقم المشاركة : 104
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وقال العلامة ابن عاشور رحمه الله :

" والمقصود بأهل الكتاب : اليهود والنصارى جميعا ؛ فأما اليهود فلأنهم مأمورون بإقامة الأحكام التي لم تنسخ من التوراة، وبالإيمان بالإنجيل إلى زمن البعثة المحمدية، وبإقامة أحكام القرآن المهيمن على الكتاب كله

. وأما النصارى فلأنهم أعرضوا عن بشارات الإنجيل بمجيء الرسول من بعد عيسى- عليهما السلام-.

ومعنى ( لستم على شيء ) : نفي أن يكونوا متصفين بشيء من التدين والتقوى

لأن خوض الرسول لا يكون إلا في أمر الدين والهدى والتقوى، فوقع هنا حذف صفة شيء

يدل عليها المقام ، على نحو ما في قوله تعالى: (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا) [الكهف: 79] ، أي كل سفينة صالحة، أو غير معيبة.

والشيء : اسم لكل موجود، فهو اسم متوغل في التنكير ، صادق بالقليل والكثير، ويبينه السياق أو القرائن. فالمراد هنا : شيء من أمور الكتاب، ولما وقع في سياق النفي في هذه الآية

استفيد نفي أن يكون لهم أقل حظ من الدين والتقوى ، ما داموا لم يبلغوا الغاية التي ذكرت، وهي أن يقيموا التوراة والإنجيل والقرآن. والمقصود نفي أن يكون لهم حظ معتد به عند الله

ومثل هذا النفي على تقدير الاعتداد شائع في الكلام ...

والمقصود من الآية : إنما هو إقامة التوراة والإنجيل عند مجيء القرآن ، بالاعتراف بما في التوراة والإنجيل من التبشير بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى يؤمنوا به وبما أنزل عليه.

وقد أومأت هذه الآية إلى توغل اليهود في مجانبة الهدى ، لأنهم قد عطلوا إقامة التوراة منذ عصور قبل عيسى، وعطلوا إقامة الإنجيل إذ أنكروه

وأنكروا من جاء به، ثم أنكروا نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم فلم يقيموا ما أنزل إليهم من ربهم ... "

انتهى ، من "التحرير والنوير" (6/265-266).

وقال العلامة القاسمي رحمه الله :

" قال بعض المحققين: معنى قوله تعالى: (حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) أي: تعملوا طبق الواجب بأحكامهما، وتحيوا شرائعهما، وتطيعوا أوامرهما، وتنتهوا بنواهيهما.

فإن الإقامة هي الإتيان بالعمل على أحسن أوجهه، كإقامة الصلاة مثلا. أي فعلها على الوجه اللائق بها.

ولا يدخل في ذلك القصص التي فيهما، ولا العقائد ونحوها، فإنها ليست عملية.

والمراد : أن يعملوا بما بقي عندهم من أحكام التوراة والإنجيل على علاته، وعلى ما به من نقص وتحريف

وزيادة. فإن شرائع هذه الكتب وأوامرها ونواهيها هي أقل أقسامها تحريفا، وأكثر التحريف في القصص والأخبار والعقائد وما ماثلها، وهي لا تدخل في الأمر بالإقامة.

ولا شك أن أحكام التوراة والإنجيل وما فيهما من شرائع ومواعظ ونصائح ونحوها، لا تزال فيهما أشياء كثيرة لا عيب فيها، ونافعة للبشر وفيها هداية عظمى للناس

فهي مما يدخل تحت قوله تعالى: (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ) [آل عمران: 3- 4] ، فإذا أقام أهل الكتاب أحكامهما على علاتها، كانوا لا شك على شيء يعتد به ويصح أن يسمى دينا.

وإذا لم يقيموهما، وجروا على خلافهما، كانوا مجردين من كل شيء يستحق أن يسمى دينا. وكانوا مشاغبين معاندين، وبدينهم غير مؤمنين إيمانا كاملا.

وهذا معنى صحيح، وهو المتبادر من الآية.

فأي شيء في هذا المعنى يدل على عدم تحريف التوراة والإنجيل وعلى وجودهما كاملين، كما يدعي ذلك المكابرون من أهلهما، وخصوصا بعد قوله تعالى: (وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ؟) [المائدة: 13] .

ثم قال: ولك أن تقول: معنى قوله تعالى: ( لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ) :

الحقيقيّين ؛ وذلك يستلزم البحث والتنقيب ، والجد والاجتهاد ، في نقد ما عندهم منهما نقدا عقليا تاريخيا صحيحا، حتى يستخلصوا حقهما من باطلهما بقدر الإمكان .

ونتيجة ذلك العناء كلّه : أن يكونوا على شيء من الدين الحقّ، وهذا أمر لا شبهة فيه.

ولو اتبعوا القرآن : لأراحوا ، واستراحوا. ولكنهم- كما أخبر تعالى عنهم- لا يزيدهم القرآن إلّا طغيانا وكفرا

حسدا وعنادا فلا يؤمنون به. ولا يهتم جمهورهم بإصلاح دينهم من المفاسد وتنقيته من الشوائب. فلم يدركوا خير هذا ولا ذاك.

فكأن الآية تريهم أنهم إذا لم يتبعوا القرآن : يجب عليهم القيام بعبء ثقيل جدّا من البحث والتمحيص، وبعد ذلك يكونون على شيء من الحق ، لا على الحق كله

ولو أقاموا التوراة والإنجيل الحقيقيين غاية الإقامة، فما بالك إذا كان ذلك مستحيلا لعدم وجودهما على حقيقتهما؟

فهم ليسوا على شيء مطلقا. ولا يمكن أن يكونوا عليه. فإن كتبهم قد صارت خلقة بالية.

لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه، حينما رأى ورقة من التوراة بيده: ألم آتكم بها بيضاء نقية؟ والله لو كان موسى حيّا ما وسعه إلّا اتباعي.

(فإن قيل) : وكيف يحثهم الله على العمل بأي شيء من دينهم، ومنه ما جاء القرآن ناسخا له؟ (قلت) :

لا شك عند كل عاقل: أنه خير لأهل الكتاب أن يعملوا بشرائع دينهم الأصلية، فإنهم حينئذ يتجنبون الكذب والتحريف والعناد، والأذى والإفساد في الأرض، وإهلاك الحرث والنسل والزنى، وغير ذلك مما يعمله الناس.

فمراد القرآن على التفسير الأول للآية : حثهم- إن أصروا على عدم الإيمان به- على العمل بدينهم على الأقل

ليستريح النبيّ وأتباعه من أكثر شرورهم ورذائلهم. ولكن بعد العمل بدينهم لا يكونون على الدين الحق الكامل ، بل الذي يفهم من الآية : أنهم يكونون على شيء من الدين، وهو- ولا شك- خير من لا شيء.

ولا يفهم أنهم يكونون على الحق كله

وعلى الدين الكامل الذي لا غاية أعظم منه، فإن ذلك لا يكون إلّا بالإسلام : ( أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) [آل عمران: 83] . انتهى.

ولا يخفى أنهم إذا أقاموا التوراة والإنجيل، آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم. لما تتقاضى إقامتُهما الإيمانَ به ؛ إذ كثر ما جاء فيهما من البشارات به والتنويه باسمه ودينه.

فإقامتهما على وجوههما : تستدعي الإسلام البتة، بل هي هو، والله الموفق ...

انتهى، من "محاسن التأويل" (4/203-205).

وقال العلامة الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله :

" (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) :

أَيْ : (قُلْ) لِأَهْلِ الْكِتَابِ، مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فِيمَا تُبَلِّغُهُمْ عَنِ اللهِ تَعَالَى (لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ) يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، وَلَا يَنْفَعُكُمُ الِانْتِسَابُ إِلَى مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيِّينَ (حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ)

فِيمَا دَعيَا إِلَيْهِ مِنَ التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَفِيمَا بَشَّرَا بِهِ مِنْ بَعْثَةِ النَّبِيِّ الَّذِي يَجِيءُ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ الْمَسِيحُ بِرُوحِ الْحَقِّ، وَبِالْبَارَقْلِيطِ (وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) عَلَى لِسَانِهِ،

وَهُوَ الْقُرْآنُ الْمَجِيدُ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي أَكْمَلَ بِهِ دِينَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، عَلَى حَسَبِ سُنَّتِهِ فِي النُّشُوءِ وَالِارْتِقَاءِ بِالتَّدْرِيجِ.
وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ: مَا أُنْزِلَ عَلَى سَائِرِ أَنْبِيَائِهِمْ

كَمَا قِيلَ مِثْلُهُ فِي آيَةِ: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) ...

إِلَّا أَنَّ ذَاكَ حِكَايَةٌ مَاضِيَةٌ، وَهَذَا بَيَانٌ لِلْحَالِ الْحَاضِرَةِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ فِي الزَّمَنَيْنِ قَائِمَةٌ ;

فَهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُقِيمِينَ لِتِلْكَ الْكُتُبِ قَبْلَ هَذَا الْخِطَابِ، وَلَا فِي وَقْتِهِ، وَلَا كَانَ فِي اسْتِطَاعَتِهِمْ أَنْ يُقِيمُوهَا فِي عَهْدِهِ، كَمَا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُقِيمُوهَا الْآنَ .

فَهَذَا تَعْجِيزٌ لَهُمْ ، وَتَفْنِيدٌ لِدَعْوَاهُمُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ اتِّبَاعِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، بِاتِّبَاعِهِمْ لِأَنْبِيَائِهِمُ السَّابِقِينَ، وَلَا يَتَضَمَّنُ الشَّهَادَةَ بِسَلَامَةِ تِلْكَ الْكُتُبِ مِنَ التَّحْرِيفِ.

وَمِثْلُهُ : أَنْ تَقُولَ الْآنَ لِدُعَاةِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنَ الْأَمْرِيكَانِ وَالْأَلْمَانِ وَالْإِنْكِلِيزِ: يَا أَيُّهَا الدَّاعُونَ لَنَا إِلَى اتِّبَاعِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، نَحْنُ لَا نَعْتَدُّ بِكُمْ، وَلَا نَرَى أَنَّكُمْ عَلَى إِيمَانٍ وَثِقَةٍ بِدِينِكُمْ، وَصِدْقٍ

وَإِخْلَاصٍ فِي دَعْوَتِكُمْ، حَتَّى تُقِيمُوا أَنْتُمْ وَأَهْلُ مِلَّتِكُمُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ اللَّذَيْنِ فِي أَيْدِيكُمْ، فَتُحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَتُبَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ، وَتُعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ، وَتَخْضَعُوا لِكُلِّ سُلْطَةٍ ; لِأَنَّهَا مِنَ اللهِ،

وَإِذَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فَلَا تَعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ، بَلْ أَدِيرُوا لَهُ الْخَدَّ الْأَيْسَرَ إِذَا ضَرَبَكُمْ عَلَى الْخَدِّ الْأَيْمَنِ، وَاتْرُكُوا التَّنَافُسَ فِي إِعْدَادِ آلَاتِ الْفَتْكِ الْجُهَنَّمِيَّةِ ; لِيَكُونَ لِلنَّاسِ السَّلَامُ فِي الْأَرْضِ

وَاخْرُجُوا مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ الْكَثِيرَةِ وَالثَّرْوَةِ الْوَاسِعَةِ ; لِأَنَّ الْغَنِيَّ لَا يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ، وَلَا تَهْتَمُّوا بِرِزْقِ الْغَدِ. . . إِلَخْ.

وَنَحْنُ نَرَاكُمْ عَلَى نَقِيضِ كُلِّ مَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ ; فَأَنْتُمْ لَا تَخْضَعُونَ لِكُلِّ حَاكِمٍ، بَلْ مَيَّزْتُمْ أَنْفُسَكُمْ، وَاسْتَعْلَيْتُمْ عَلَى الشَّرَائِعِ وَالْحُكَّامِ مِنْ غَيْرِكُمْ

وَإِذَا اعْتُدِيَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ فِي بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ تُجَرِّدُونَ سُيُوفَ دَوْلَتِكُمْ، وَتُصَوِّبُونَ مَدَافِعَهَا عَلَى بِلَادِ الْمُعْتَدِي وَدَوْلَتِهِ، لَا عَلَيْهِ وَحْدَهُ ; حَتَّى تَنْتَقِمُوا لِأَنْفُسِكُمْ بِأَضْعَافِ مَا اعْتَدَى بِهِ عَلَيْكُمْ

وَلَا هَمَّ لِأُمَمِكُمْ وَدُوَلِكُمْ إِلَّا امْتِلَاكُ ثَرْوَةِ الْعَالَمِ وَزَيَّنَتِهِ وَنَعِيمِهِ، وَتَسْخِيرِ غَيْرِكُمْ مِنَ الْأُمَمِ لِخِدْمَتِكُمْ بِالْقُوَّةِ الْقَاهِرَةِ، وَالِاسْتِعْدَادِ لِسَحْقِ مَنْ يُنَافِسُكُمْ فِي مَجْدِ هَذَا الْعَالَمِ الْفَانِي ; لِعَدَمِ اهْتِمَامِكُمْ بِمَجْدِ الْمَلَكُوتِ الْبَاقِي.

فَنَحْنُ لَا نُصَدِّقُ بِأَنَّكُمْ تَدِينُونَ اللهَ بِهَذِهِ الْكُتُبِ الَّتِي تَدْعُونَنَا إِلَيْهَا، حَتَّى تُقِيمُوهَا عَلَى وَجْهِهَا

فَهَلْ يَعُدُّ دُعَاةُ النَّصْرَانِيَّةِ مِثْلَ هَذَا الْخِطَابِ لَهُمُ، اعْتِرَافًا مِنَّا بِسَلَامَةِ كُتُبِهِمْ مِنَ التَّحْرِيفِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ؟ أَمْ يَفْهَمُونَ أَنَّهُ حُجَّةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّسْلِيمِ الْجَدَلِيِّ لِأَجْلِ الْإِلْزَامِ؟

نَعَمْ، يَفْهَمُونَ هَذَا، وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ لِعَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ شَهَادَةٌ لِلتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بِالسَّلَامَةِ مِنَ التَّحْرِيفِ!" انتهى من "تفسير المنار" (6/392-393) .

والله أعلم .









آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-01-28 في 15:26.
قديم 2019-01-28, 15:36   رقم المشاركة : 105
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

سبب عدم تعليق يوسف عليه السلام الأمر بمشيئة الله في قوله تعالى (اذهبوا بقميصي هذا ..)الآية

السؤال

في سورة يوسف الآية ( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) (93) ينتابني تساؤل معين وهو أنه، ما الحكمة في عدم قول سيدنا يوسف عليه السلام "إن شاء الله"

أو "باذن الله" بعد كلمة يأت بصيراً، ولم ينسب الأمر لله، مع إنه في مثل هذه الحالات ينسب الأمر لله للتأكيد على أن القدرة والمشيئة بيد الله وليس بسبب الإنسان أو المادة، كما ورد في عدة مواضع في القرآن الكريم. مثل:

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99)يوسف وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)البقرة قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا

وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)الكهف سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)القصص يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)الصافات لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُ

حَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)الفتح وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)

فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ والسؤال هنا هو للاستزادة من العلم والتفقه والتدبر في كتاب الله وليس من باب الطعن او المخالفة والعياذ بالله وبارك الله بكم


الجواب


الحمد لله


أولًا:

قد أرشد الله سبحانه وتعالى أهل الإيمان إلى لون من ألوان الأدب

وهو تقديم مشيئة الله تعالى

كما قال سبحانه: (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا) الكهف/ 24.

"وهذا تأديب من الله عز ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم عهد إليه: أن لا يجزم على ما يحدث من الأمور أنه كائن لا محالة، إلا أن يصله بمشيئة الله، لأنه لا يكون شيء إلا بمشيئة الله"

تفسير الطبري: (15/ 224).

يقول الشيخ السعدي رحمه الله:

"هذا النهي كغيره، وإن كان لسبب خاص وموجها للرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الخطاب عام للمكلفين، فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة، (إني فاعل ذلك) من دون أن يقرنه بمشيئة الله

وذلك لما فيه من المحذور، وهو: الكلام على الغيب المستقبل، الذي لا يدري، هل يفعله أم لا؟

وهل تكون أم لا؟

وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا وذلك محذور محظور، لأن المشيئة كلها لله (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) ولما في ذكر مشيئة الله، من تيسير الأمر وتسهيله، وحصول البركة فيه، والاستعانة من العبد لربه .

ولما كان العبد بشرا، لا بد أن يسهو فيترك ذكر المشيئة، أمره الله أن يستثني بعد ذلك، إذا ذكر، ليحصل المطلوب، ويندفِع المحذور .

ويؤخذ من عموم قوله: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) الأمر بذكر الله عند النسيان، فإنه يزيله، ويذكر العبد ما سها عنه .

وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله، أن يذكر ربه، ولا يكونن من الغافلين .

ولما كان العبد مفتقرا إلى الله في توفيقه للإصابة، وعدم الخطأ في أقواله وأفعاله، أمره الله أن يقول:

(عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) فأمره أن يدعو الله ويرجوه، ويثق به أن يهديه لأقرب الطرق الموصلة إلى الرشد.

وحري بعبد، تكون هذه حاله، ثم يبذل جهده، ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرشد، أن يوفق لذلك، وأن تأتيه المعونة من ربه، وأن يسدده في جميع أموره"، تيسير الكريم الرحمن: (474).

ثانيًا:

لقد استخدم يوسف عليه السلام هذا الأدب كما حكى الله عنه: (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) يوسف/99.

قال الإمام أبو الحسن الواحدي رحمه الله :

" والاستثناء يعود إلى الأمن، وإنما قال: آمنين لأنهم كانوا ، فيما خلا ، يخافون ملوك مصر ولا يدخلونها إلا بجوارهم."

انتهى، من "التفسير الوسيط" (2/635) .

وقال أيضا :

" وقوله تعالى: (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) قال لهم هذا القول قبل دخولهم إلى مصر؛ لأنه كان قد استقبلهم، هذا قول السدي وفرقد السبخي ، وقال عطاء عن ابن عباس: يريد انزلوها آمنين

وعلى هذا سمى النزول دخولاً؛ لاقتران أحدهما بالآخر.

وأما معنى الاستثناء في قوله: (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) فإنه يعود إلى الأمن ، لا إلى الدخول، والمعنى: ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله؛ لأنه لا يتيقن الأمن، فتقدم الاستثناء وهو منوي به التأخير

ذكره أبو بكر وغيره، قال ابن عباس : وإنما قال آمنين؛ لأنهم كانوا فيما خلا يخافون ملوك مصر، ولا يدخلونها إلا بجوارهم ... ".

انتهى من "التفسير البسيط" (12/248) .

وأما ترك يوسف عليه السلام للمشيئة في قوله: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين ) [يوسف: 93].

فالذي يظهر أن يوسف عليه السلام إنما قطع ببصر أبيه يعقوب عن وحي من الله تعالى، ولم يكن ذلك عن اجتهاد منه ، بل بتوقيف من الله تعالى .

وهو أيضًا من تمام البشرى، ومن إتمام النعمة التي أنعمها الله على آل يعقوب، وفيه أيضًا: بيان لإخوة يوسف بزوال الغمة، وإتمام النعمة .

يقول الماتريدي: "وقوله - عز وجل -: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين) .

دل هذا من يوسف؛ حيث قطع القول فيه أنه يصير بصيرا ، أنه عن وحي قال هذا ، لا عن رأي منه واجتهاد؛ إذ قطع القول فيه ، أنه إذا ألقي على وجهه يصير بصيرا"، تأويلات أهل السنة: (6/ 284).

وقال ابن أبي زمنين: "(فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا) أي: يرجع.

قال: ولولا أن ذلك علمه من وحي الله، لم يكن له به علم"، التفسير: (2/ 339).

وقال ابن الجوزي: "فإن قيل: من أين قطع على الغيب؟

فالجواب: أن ذلك كان بالوحي إليه

قاله مجاهد"، زاد المسير: (2/ 470).

وقال الحسن : " لم يعلم أَنه يعود بَصيرًا إِلَّا بعد أَن أعلمهُ الله ذَلِك."

انتهى، من "تفسير السمعاني" (3/63) .

وقد ذكر بعض أهل التفسير في ذلك القميص أنه كان من ثياب الجنة ، وأن الله كساه لإبراهيم حين خرج من النار ، ثم انتقل إلى إسحاق ثم إلى يعقوب ثم إلى يوسف .

قال ابن عطية الأندلسي رحمه الله بعد أن حكى ذلك : " وهذا كله يحتاج إلى سند، والظاهر أنه قميص يوسف الذي هو منه بمنزلة قميص كل أحد"

انتهى من المحرر الوجيز: (3/ 278).

والحاصل :

أن الله قد أدب عباده أن يقرنوا حديثهم عن الأمر المستقبل بقول : " إن شاء الله " .

وأما ترك يوسف عليه السلام لذلك في الآية المذكورة : فالظاهر أن ذلك الخبر كان عن وعد الله له ، وخبره بذلك ، ووعده صادق ، وخبره لا يتخلف ، فلذلك لم يحتج إلى الاستثناء فيه ، لأنه ليس بيد العباد ، ولا مشيئتهم .

والله أعلم .









 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 10:28

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc