السيرة النبوية.. سؤال وجواب - الصفحة 7 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > منتدى نصرة الرسول صلى الله عليه و سلم

منتدى نصرة الرسول صلى الله عليه و سلم كل ما يختص بمناقشة وطرح مواضيع نصرة سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم و كذا مواضيع المقاومة و المقاطعة...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

السيرة النبوية.. سؤال وجواب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-02-22, 04:42   رقم المشاركة : 91
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

سؤالي عن الرسول صلى الله عليه وسلم. بعض المسلمين يقولون إنه بدون خطايا ، وآخرون يقولون إنه ليس بدون خطايا . أنا شخصيا لا أعتقد أنه بدون خطايا لأنه بشر . هل يمكنك أن تخبرني بالرأي الصحيح من الكتاب والسنة؟ ولكم جزيل الشكر. والله أكبر

لجواب

الحمد لله
:
أولا : استعمال كلمة خطايا في السؤال خطأ كبير ، لأن الخطايا جمع خطيئة وهذا مُحال على الرسل والأصح أن تقول أخطاء جمع خطأ لأن الخطأ قد يكون عفوياً وليس كذلك الخطيئة .

ثانياً : أما الخطيئة فاٍن الرسل ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم لم يرتكبوا شيئاً منها بقصد معصية الله تعالى بعد الرسالة وهذا بإجماع المسلمين ، فهم معصومون عن كبائر الذنوب دون الصغائر .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر : هو قول أكثر علماء الإسلام ، وجميع الطوائف ... وهو أيضاً قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء ، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول . " مجموع الفتاوى " ( 4 / 319 ) .

وهذا سؤال موجه إلى اللجنة الدائمة حول الموضوع :

سؤال : بعض الناس يقولون ومنهم الملحدون : إن الأنبياء والرسل يكون في حقهم الخطأ يعني يخطئون كباقي الناس ، قالوا : إن أول خطأ ارتكبه ابن آدم قابيل هو قتل هابيل ... داود عندما جاء إليه الملكان سمع كلام الأول ولم يسمع قضية الثاني .... يونس وقصته لما التقمه الحوت ، وقصة الرسول مع زيد بن حارثة قالوا بأنه أخفى في نفسه شيئا يجب عليه أن يقوله ويظهره ، قصته مع الصحابة : انتم أدرى بأمور دنياكم ، قالوا بأنه اخطأ في هذا الجانب . قصته مع الأعمى وهي { عبس وتولى أن جاءه الأعمى } فهل الأنبياء والرسل حقا يخطئون وبماذا نرد على هؤلاء الآثمين ؟

الجواب :

ج : نعم الأنبياء والرسل يخطئون ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم بل يبين لهم خطأهم رحمة بهم وبأممهم ويعفو عن زلتهم ويقبل توبتهم فضلا منه ورحمة والله غفور رحيم كما يظهر ذلك من تتبع الآيات القرآنية التي جاءت فيما ذكر من الموضوعات في هذا السؤال ... وأما أبناء آدم فمع انهما ليسا من الأنبياء .... بين الله سوء صنيعه بأخيه ....انتهى

عبد العزيز بن باز - عبد الرزاق عفيفي - عبد الله بن غديان - عبد الله بن قعود . " فتاوى اللجنة الدائمة " برقم 6290 ( 3 / 194 ) .

ثالثاً : أما قبل الرسالة فقد جوَّز عليهم العلماء أنه قد يصدر منهم بعض صغائر الذنوب ، وحاشاهم من الكبائر والموبقات كالزنا وشرب الخمر وغيرها فهم معصومون من هذا .

= وأما بعد الرسالة ، فإن الصحيح أنه قد يصدر منهم بعض الصغائر لكن لا يُقرون عليها .

قال شيخ الإسلام :

وعامة ما يُنقل عن جمهور العلماء أنهم غير معصومين عن الإقرار على الصغائر ، ولا يقرون عليها ، ولا يقولون إنها لا تقع بحال ، وأول من نُقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقاً ، وأعظمهم قولاً لذلك : الرافضة ، فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل . " مجموع الفتاوى " ( 4 / 320 ) .

= وهو معصومون في التبليغ عن الله تعالى .

قال شيخ الإسلام رحمه الله :

فان الآيات الدالة على نبوة الأنبياء دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل فلا يكون خبرهم إلا حقا وهذا معنى النبوة وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب وأنه ينبئ الناس بالغيب والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه . " مجموع الفتاوى " ( 18 / 7 ) .

رابعاً : أما الخطأ الذي بغير قصد فهو في سبيلين :

في أمور الدنيا فهذا يقع ووقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فيه مثل سائر البشر كأمور الزراعة ، والطب والنجارة وغيرها لأن الله تعالى لم يقل لنا إنه أرسل إلينا تاجراً أو مزارعاً أو نجاراً أو طبيباً ، فالخطأ في هذه الأمور جِبلِّيّ لا يقدح برسالته صلى الله عليه وسلم .

عن رافع بن خديج قال : " قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُأبِّرون النخل قال : ما تصنعون ؟ قالوا : كنا نصنفه قال : لعلكم لو لم تفعلوا كان أحسن فتركوه فنقصت فذكروا ذلك له فقال : إنما أنا بشر مثلكم ، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوه ، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر . رواه مسلم ( 2361 ) .

ومعنى التأبير : التلقيح .

نلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخطأ في هذا الأمر من أمور الدنيا لأنه كسائر البشر ولكنه لا يخطئ في أمر الدين .

وأما الخطأ بأمور الدين من غير قصد :

فالراجح في ذلك من أقوال العلماء : أنه يقع من النبي مثل هذا ولكن على سبيل فعل خلاف الأولى .

فقد تعْرِض له المسألة وليس عنده في ذلك نص شرعي يستند إليه فيجتهد برأيه كما يجتهد العالِم من آحاد المسلمين فإن أصاب نال من الأجر كِفْلين وإن أخطأ نال أجراً واحداً وهذا قوله صلى الله عليه وسلم " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد " . رواه البخاري ( 6919 ) ومسلم ( 1716 ) من حديث أبي هريرة .

وقد حدث هذا منه في قصة أسرى بدر.

عن أنس قال : استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال إن الله عز وجل قد أمكنكم منهم ، قال : فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله اضرب أعناقهم قال فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس ، قال : فقام عمر فقال : يا رسول الله اضرب أعناقهم ، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك ، فقام أبو بكر فقال : يا رسول الله إن ترى أن تعفو عنهم وتقبل منهم الفداء ، قال : فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم قال فعفا عنهم وقبل منهم الفداء ، قال : وأنزل الله عز وجل ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) [ سورة الأنفال /67 ] . رواه أحمد ( 13143 ) .

فنلاحظ أن هذه الحادثة لم يكن عند رسول الله فيها نص صريح فاجتهد واستشار أصحابه ، فأخطأ في الترجيح .

ومثل هذا في السنّة قليل فيجب أن نعتقد العصمة للرسل والأنبياء وأن نعلم أنهم لا يعصون الله تعالى ، وأن ننتبه غاية الانتباه لقول من يُريد أن يطْعن في تبليغه للوحي من خلال كونه صلى الله عليه وسلم قد يُخْطئ في أمور الدنيا ، وشتّان ما بين هذا وهذا ، وكذلك أن ننتبه للضالين الذين يقولون إنّ بعض الأحكام الشّرعية التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم هي اجتهادات شخصيّة قابلة للصواب والخطأ أين هؤلاء الضلال من قول الله تعالى . ( وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى ) ، نسأل الله أن يجنّبنا الزّيغ وأن يعصمنا من الضلالة ، والله تعالى أعلم ، والله أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد












 


رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 04:48   رقم المشاركة : 92
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

أجد صعوبة في فهم حديثين، هما: الحديث الأول: صحيح البخاريكتاب الفضائل حدثنا عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي، حدثنا أبو علي الحنفي. حدثنا مالك (وهو ابن أنس) عن أبي الزبير المكي؛ أن أبا الطفيل عامر بن واثلة أخبره. أن معاذ بن جبل أخبره. قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك. فكان يجمع الصلاة. فصلى الظهر والعصر جميعا. والمغرب والعشاء جميعا. حتى إذا كان يوما أخر الصلاة. ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا. ثم دخل ثم خرج بعد ذلك . فصلى المغرب والعشاء جميعا.

ثم قال "إنكم ستأتون غدا، إن شاء الله، عين تبوك. وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار. فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي" فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان. والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء. قال فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم "هل مسستما من مائها شيئا؟" قالا: نعم. فسبهما النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لهما ما شاء الله أن يقول. قال ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا. حتى اجتمع في شي

. قال وغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده ووجهه. ثم أعاده فيها. فجرت العين بماء منهمر. أو قال غزير - شك أبو علي أيهما قال - حتى استقى الناس. ثم قال "يوشك يا معاذ! إن طالت بك حياة، أن ترى ما ههنا قد ملئ جنانا". الحديث الثاني: صحيح البخاري كتاب البر والصلة والآداب حدثنا زهير بن حرب. حدثنا جرير عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة. قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان. فكلمها بشي

لا أدري ما هو. فأغضباه. فلعنهما وسبهما. فلما خرجا قلت: يا رسول الله! من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان. قال "وما ذاك" قالت قلت: لعنتهما وسببتهما. قال "أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم! إنما أنا بشر. فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا". سؤالي هو: إن الرسول صلي الله عليه و سلم هو الذي علمنا عفة اللسان، والقرآن مليء بالآيات التي تحض علي حسن القول، وأيضا السيرة مليئة بمواقف الرسول صلي الله عليه وسلم التي فيها لين القول، حتى مع تطاول اليهود، وغضب أمنا عائشة رضي الله عنها. فكيف يستقيم هذان الحديثان مع باقي النصوص الصحيحة، مع العلم أن الحديثين أيضا صحيحان؟ جزاكم الله خيرا وجعل الإجابة في ميزان حسناتكم.


الجواب

الحمد لله

الحلم والأناة وعفة اللسان من أعظم صفات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، حتى إن الثناء عليه بهذه الصفات سبق في كتب الأنبياء تَنَزُّلَه في القرآن الكريم .

يقول الله عز وجل :

( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) آل عمران/159

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال :

( وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ...لَيْسَ بِفَظٍّ ، وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ )

رواه البخاري (2125)

وبهذا عُرف صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ، وانتشرت سيرته في الآفاق :

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

( لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا ، وَلَا فَحَّاشًا ، وَلَا لَعَّانًا ، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ - أي عند العتاب - : مَا لَهُ ! تَرِبَ جَبِينُهُ )

رواه البخاري (6031)

ولم تكن رحمته صلى الله عليه وسلم مقتصرة على المسلمين ، بل نالت رحمته وشفقته صلى الله عليه وسلم كثيرا من المشركين والمنافقين .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ :

( قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَ : إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً )

رواه مسلم (2599)

ولو رحنا نعدد صورا من تجليات قوله صلى الله عليه وسلم ( إِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً ) وتطبيقات ذلك لما وسعت الأوراق الكثيرة جزءا يسيرا مما ثبت في السنة الصحيحة من ذلك .

غير أننا في الوقت نفسه نقول :

لا يلزم من كون الرحمة والشفقة هي الهدي الغالب عليه صلى الله عليه وسلم أن لا يقع منه عليه الصلاة والسلام نزر يسير في بعض المواقف التي تقتضيه ، بحكم الطباع البشرية .

وفي ذلك صور عديدة من الحكم البالغة ، منها :

1- أنه كان عليه الصلاة والسلام ولي أمر المسلمين ، والولي يحتاج إلى شيء من الشدة في بعض المواقف ، كي يستقيم حال الناس ، وتعتدل أمورهم ، ولا يغرهم حلم الوالي ، ولا صفح الحاكم ، ألا ترى معي كيف أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم الزاني ، مع ما في ذلك من الشدة والإغلاظ في العقوبة ، لكن إصلاح المجتمعات لا يكون إلا بإقامة العدل ، وتطبيق الشرع ، وإلا أفسد الحلم حياة الناس ، وعاد على أصله بالنقض والإبطال .

وهذا هو ما استنبطه القاضي عياض رحمه الله من حديث معاذ المذكور في السؤال ، قال :

" فيه تأديب الحاكم باللسان ، والسب غير المقزع نفسه " انتهى.

" إكمال المعلم " (7/242)

2- ولعل من أعظم الحكم أيضا هو تحقيق مقام القوة الكاملة الذي نصبه الله عز وجل في هذا الرسول الكريم ، وذلك في قوله سبحانه وتعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الأحزاب/21. والشدة وإغلاظ القول إذا وقع موقعه الصحيح من الضرورات التي يلجأ إليها القادة والرعاة في هذه الأمة ، وقدوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالإصلاح لا يكون إلا باجتماع جناحي الترغيب والترهيب ، والخوف والرجاء .

ولذلك نجد في السنة النبوية صورا من الشدة التي تعامل بها النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المواقف التي تقتضي ذلك .

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ :

( مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا ) رواه البخاري (3560) ومسلم (2327)

ومحل الشاهد هو قول عائشة رضي الله عنها : ( إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا )

ومن ذلك أيضا الحديثان المذكوران في السؤال ؛ والذي دعا إلى هذا الإغلاظ في القول منه صلى الله عليه وسلم ما نقله المفسرون والشراح من أن الرجلين اللذين أفسدا على المسلمين عين الماء في تبوك كانا من المنافقين ، وكان ما وقع منهما على وجه القصد والعمد لأذية المسلمين وقطع الماء عنهم ، فعاقبهما النبي صلى الله عليه وسلم بأقل ما يمكن أن يعاقب به الحاكم من التعزير بالقول والإغلاظ في الكلام .

يقول الواقدي رحمه الله :

" فيما ذكر لي، سبقه إليها أربعة من المنافقين معتب بن قشير، والحارث بن يزيد الطائي، ووديعة بن ثابت، وزيد بن لصيت " انتهى.

نقلا عن " الروض الأنف " (7/384)

ويقول ابن حزم رحمه الله :

" فهذان استحقا السب من النبي صلى الله عليه وسلم لخلافهما نهيه في مس الماء " انتهى.

" الإحكام في أصول الأحكام " (3/282)

والسب ههنا إنما هو التقريع والإغلاظ في القول والمعاتبة ، أو الدعاء عليهما بما تدعو به العرب عند الغضب ، كقولهم : أخزاك الله ، وقاتلك الله ، ونحو ذلك .

قال ابن إسحاق رحمه الله :

" وكان في الطريق ماء يخرج من وشل ، وما يروي الراكب والراكبين والثلاثة ، بواد يقال له وادي المشقق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سبقنا إلى ذلك الوادي فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه .

قال : فسبقه إليه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه ، فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليه فلم ير فيه شيئا فقال : من سبقنا إلى هذا الماء ؟ فقيل له : يا رسول الله فلان وفلان ، فقال : أو لم أنههم أن يسقوا منه شيئا حتى أتيه ، ثم لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا عليهم ، ثم نزل فوضع يده تحت الوشل ، فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصب ، ثم نضحه به ، ومسحه بيده ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما شاء الله أن يدعو به ، فانخرق من الماء – كما يقول من سمعه – ما إن له حسا كحس الصواعق ، فشرب الناس ، واستقوا حاجتهم منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لئن بقيتم أو من بقي منكم لتسمعن بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه "

" مغازي ابن إسحاق " (605-606)

الوشل : الماء القليل يتحلب من جبل أو صخرة ، يقطر منه قليلا قليلا ، لا يتصل قطره . وقيل : لا يكون ذلك إلا من أعلى الجبل . وقيل : هو ماء يخرج من بين الصخر قليلا قليلا . انظر: " لسان العرب " (11/725) .

3- النبي صلى الله عليه وسلم غير معصوم من الخطأ في قوله ، أو سبق اللسان ؛ وقد يظن في إنسان أنه مستحق للعن أو السب ، فيسبه بحكم ما بدا له من ظاهر أمره ، فإذا لم يكن مستحقا لهذا السب أو اللعن من النبي صلى الله عليه وسلم ، في حقيقة أمره ، فقد شارط الرؤوف الرحيم ربه أن يجعل هذا في ميزان حسنات من سبه ، وأن تكون زكاة له ، وكفارة لذنبه:

روى مسلم (4706) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ؛ فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ : فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً ) .

وفي رواية له (4708) : ( اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ ؛ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ ، وَإِنِّي قَدْ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ ؛ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .

قال النووي رحمه الله :

" هَذِهِ الْأَحَادِيث مُبَيِّنَة مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّفَقَة عَلَى أُمَّته , وَالِاعْتِنَاء بِمَصَالِحِهِمْ , وَالِاحْتِيَاط لَهُمْ , وَالرَّغْبَة فِي كُلّ مَا يَنْفَعهُمْ . وَهَذِهِ الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة آخِرًا تُبَيِّن الْمُرَاد بِبَاقِي الرِّوَايَات الْمُطْلَقَة , وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُون دُعَاؤُهُ عَلَيْهِ رَحْمَة وَكَفَّارَة وَزَكَاة وَنَحْو ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَالسَّبّ وَاللَّعْن وَنَحْوه , وَكَانَ مُسْلِمًا , وَإِلَّا فَقَدْ دَعَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ , وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ رَحْمَة .

فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَدْعُو عَلَى مَنْ لَيْسَ هُوَ بِأَهْلِ الدُّعَاء عَلَيْهِ أَوْ يَسُبّهُ أَوْ يَلْعَنهُ وَنَحْو ذَلِكَ ؟ فَالْجَوَاب مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاء , وَمُخْتَصَره وَجْهَانِ :

أَحَدهمَا : أَنَّ الْمُرَاد لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ عِنْد اللَّه تَعَالَى , وَفِي بَاطِن الْأَمْر , وَلَكِنَّهُ فِي الظَّاهِر مُسْتَوْجِب لَهُ , فَيَظْهَر لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتِحْقَاقه لِذَلِكَ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّة , وَيَكُون فِي بَاطِن الْأَمْر لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ , وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُور بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ , وَاَللَّه يَتَوَلَّى السَّرَائِر.

وَالثَّانِي : أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ سَبّه وَدُعَائِهِ وَنَحْوه لَيْسَ بِمَقْصُودٍ , بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْعَرَب فِي وَصْل كَلَامهَا بِلَا نِيَّة , كَقَوْلِهِ : تَرِبَتْ يَمِينك , عَقْرَى حَلْقَى ... وَنَحْو ذَلِكَ ، لَا يَقْصِدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَة الدُّعَاء , فَخَافَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَادِف شَيْء مِنْ ذَلِكَ إِجَابَة , فَسَأَلَ رَبّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَرَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَجْعَل ذَلِكَ رَحْمَة وَكَفَّارَة , وَقُرْبَة وَطَهُورًا وَأَجْرًا , وَإِنَّمَا كَانَ يَقَع هَذَا مِنْهُ فِي النَّادِر وَالشَّاذّ مِنْ الْأَزْمَان , وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا مُنْتَقِمًا لِنَفْسِهِ , وَقَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُمْ قَالُوا : اُدْعُ عَلَى دَوْس , فَقَالَ : " اللَّهُمَّ اِهْدِ دَوْسًا " وَقَالَ : " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " انتهى .

"شرح صحيح مسلم" ، للنووي .

والله أعلم .











رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 04:54   رقم المشاركة : 93
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

ما صحة هذا الحديث : ( اللهم إنما أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة ) ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

إن من أعظم الصفات التي كان نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم يتصف بها الحلم والأناة وعفة اللسان ، وصفه بذلك الله الخالق عز وجل في محكم التنزيل فقال سبحانه : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) آل عمران/159 .

وجاء وصفه بذلك في الكتب السابقة كما قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه :

" وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ ... لَيْسَ بِفَظٍّ ، وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ " رواه البخاري (2125) .

وعرفه الصحابة رضوان الله عليهم بذلك أيضا في سيرته العطرة ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا ، وَلَا فَحَّاشًا ، وَلَا لَعَّانًا ، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ – أي عند العتاب - : مَا لَهُ ! تَرِبَ جَبِينُهُ " رواه البخاري (6031) .

حتى رفض صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال أن يدعو على المشركين مع استحقاقهم ذلك اللعن : فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : " قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ؟

قَالَ : (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً) " رواه مسلم (2599) .

ثانيا :

الحديث المذكور حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد ورد عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم :

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .

رواه البخاري (6361) واللفظ له ، ومسلم (2601) ، وقد روى نحوه الإمام أحمد في " المسند " (3/33) من حديث أبي سعيد الخدري ، وفي " المسند " أيضا (5/294) من حديث أبي السوار عن خاله . فالحديث من أصح الأحاديث .

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَإِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ : أَيُّ عَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا ) رواه مسلم (2602) .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :

" كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ - وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ - فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَتِيمَةَ فَقَالَ : ( آنْتِ هِيَهْ ، لَقَدْ كَبِرْتِ لَا كَبِرَ سِنُّكِ ) ، فَرَجَعَتْ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِي ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ : مَا لَكِ يَا بُنَيَّةُ ! قَالَتْ الْجَارِيَةُ : دَعَا عَلَيَّ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنِّي ، فَالْآنَ لَا يَكْبَرُ سِنِّي أَبَدًا ، فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :َ ( ما لَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟! ) ، فَقَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ! أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِي ؟ ، قَالَ : ( وَمَا ذَاكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ؟!) ، قَالَتْ : زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنُّهَا وَلَا يَكْبَرَ قَرْنُهَا ، قَالَ : فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : ( يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ! أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِي عَلَى رَبِّي أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ : إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه مسلم (2603) .

ثالثا :

في هذا الحديث رد على أهل الغلو في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد بين أنه " بشر " ، يغضب كما يغضب البشر ، وإن كان أعلم الخلق بالله ، وأتقاهم لله ، وأبعدهم عن كل سوء وخطأ ، إلا أنه ليس معصوما من الخطأ في اجتهاده ، وليس معصوما من مثل ذلك الذي يصدر منه على وجه الندرة ، بوصفه بشرا ؛ لكنه صلى الله عليه وسلم معصوم من أن يقر على اجتهاد أخطأ فيه ، بل ينزل عليه الوحي بتصحيح ما أخطأ فيه . ثم إن ما صدر منه في حال غضبه ، وتعلق به حق غيره من البشر ، من مثل ذلك السب واللعن ، هذا الذي صدر منه : مأمون العاقبة ، إذا كان قد صدر في حق من ليس أهلا ، بما وعده الله في هذه الأحاديث ، أن يجعل ذلك له زكاة وأجرا وقربة من الله يوم القيامة
.
قال الشيخ الألباني رحمه الله :

" قد يبادر بعض ذوي الأهواء أو العواطف الهوجاء إلى إنكار مثل هذا الحديث بزعم تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتنزيهه عن النطق به ! ولا مجال إلى مثل هذا الإنكار فإن الحديث صحيح ، بل هو عندنا متواتر ، فقد رواه مسلم من حديث عائشة ، وأم سلمة كما ذكرنا ، ومن حديث أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما ، وورد من حديث سلمان ، وأنس ، وسمرة ، وأبي الطفيل ، وأبي سعيد وغيرهم ، انظر " كنز العمال " ( 2 / 124 )

وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما مشروعا إنما يكون بالإيمان بكل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم صحيحا ثابتا ، وبذلك يجتمع الإيمان به صلى الله عليه وسلم عبدا ورسولا دون إفراط ولا تفريط ، فهو صلى الله عليه وسلم بشر بشهادة الكتاب والسنة ، ولكنه سيد البشر وأفضلهم إطلاقا بنص الأحاديث الصحيحة ، وكما يدل عليه تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم وسيرته وما حباه

الله تعالى به من الأخلاق الكريمة ، والخصال الحميدة ، التي لم تكتمل في بشر اكتمالها فيه صلى الله عليه وسلم ، وصدق الله العظيم ، إذ خاطبه بقوله الكريم : ( وإنك لعلى خلق عظيم )

" انتهى من " السلسلة الصحيحة " (رقم/84) .

رابعا :

تكلم أهل العلم في توجيه هذا الحديث ونحوه ، مع ما هو متواتر عنه ، مقطوع به من كمال خلقه ، وشفقته بأمته ، وحلمه وعلمه .

قال الإمام النووي رحمه الله :

" هَذِهِ الْأَحَادِيث مُبَيِّنَة مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّفَقَة عَلَى أُمَّته ، وَالِاعْتِنَاء بِمَصَالِحِهِمْ ، وَالِاحْتِيَاط لَهُمْ ، وَالرَّغْبَة فِي كُلّ مَا يَنْفَعهُمْ .

وَهَذِهِ الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة آخِرًا تُبَيِّن الْمُرَاد بِبَاقِي الرِّوَايَات الْمُطْلَقَة ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُون دُعَاؤُهُ عَلَيْهِ رَحْمَة وَكَفَّارَة وَزَكَاة وَنَحْو ذَلِكَ ، إِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَالسَّبّ وَاللَّعْن وَنَحْوه ، وَكَانَ مُسْلِمًا ، وَإِلَّا فَقَدْ دَعَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ رَحْمَة .

فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَدْعُو عَلَى مَنْ لَيْسَ هُوَ بِأَهْلِ الدُّعَاء عَلَيْهِ أَوْ يَسُبّهُ أَوْ يَلْعَنهُ وَنَحْو ذَلِكَ ؟ فَالْجَوَاب مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاء ، وَمُخْتَصَره وَجْهَانِ :

أَحَدهمَا : أَنَّ الْمُرَاد لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ عِنْد اللَّه تَعَالَى ، وَفِي بَاطِن الْأَمْر ، وَلَكِنَّهُ فِي الظَّاهِر مُسْتَوْجِب لَهُ ، فَيَظْهَر لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتِحْقَاقه لِذَلِكَ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّة ، وَيَكُون فِي بَاطِن الْأَمْر لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ ، وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُور بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ ، وَاَللَّه يَتَوَلَّى السَّرَائِر .

وَالثَّانِي : أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ سَبّه وَدُعَائِهِ وَنَحْوه لَيْسَ بِمَقْصُودٍ ، بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْعَرَب فِي وَصْل كَلَامهَا بِلَا نِيَّة ، كَقَوْلِهِ : تَرِبَتْ يَمِينك ، عَقْرَى حَلْقَى وَفِي هَذَا الْحَدِيث ( لَا كَبِرَتْ سِنّك ) وَفِي حَدِيث مُعَاوِيَة ( لَا أَشْبَعَ اللَّه بَطْنك ) وَنَحْو ذَلِكَ ، لَا يَقْصِدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَة الدُّعَاء ، فَخَافَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَادِف شَيْء مِنْ ذَلِكَ إِجَابَة ، فَسَأَلَ رَبّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَرَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَجْعَل ذَلِكَ رَحْمَة وَكَفَّارَة ، وَقُرْبَة وَطَهُورًا وَأَجْرًا .

وَإِنَّمَا كَانَ يَقَع هَذَا مِنْهُ فِي النَّادِر وَالشَّاذّ مِنْ الْأَزْمَان ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا مُنْتَقِمًا لِنَفْسِهِ ، وَقَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُمْ قَالُوا : اُدْعُ عَلَى دَوْس ، فَقَالَ : (اللَّهُمَّ اِهْدِ دَوْسًا) وَقَالَ : ( اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) . وَاَللَّه أَعْلَم " .

انتهى من " شرح مسلم " (16/152) .

وقد تكلم ابن الأثير رحمه الله في شرحه لحديث ، فيه نحو مما هنا من الإشكال ، فقال :

" وفي هذا الدعاء من النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قولان :

أحدهما : تَعَجُّبُه من حرص السائل ومُزَاحَمَته .

والثاني : أنه لما رآه بهذا الحال من الحرص ، غلَبَه طبع البَشَرِية فدعا عليه ، وقد قال في غير هذا الحديث : ( اللّهُمَّ إنَّمَا أنا بَشَرٌ فمن دَعوتُ عليه فاجعلْ دُعائي له رَحْمَة ) " .

انتهى من " النهاية في غريب الحديث " (1/71) .

وينظر : " الآداب الشرعية " ، لابن مفلح (1/81-83، 343-344) .

والأقرب إلى ظاهر النصوص : أن ذلك اللعن ، أو السب ، أو الجلد والضرب ، المذكور في هذه النصوص : قد صدر في حق من ليس أهلا له ، إما باجتهاد منه صلى الله عليه وسلم ، وحكم على ظاهر الشخص ، وهو في باطن الأمر غير مستحق لذلك ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ، بما أنه بشر: لا يعلم الغيب

وإما بحكم غلبة الطباع البشرية ، فيغضب ـ في هذه الحال ـ على من لا يستحق غضبه وسبه ، ولأجل ذلك اقترنت هذه النصوص بقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا بشر ) ؛ غير أن ذلك مأمون العاقبة منه صلى الله عليه وسلم ، فلا يتحقق مقتضى اللعن والسب فيمن ليس أهلا له ، بل وعد الله نبيه أن يكون الأمر بعكس ذلك ، فيكون له كفارة وقربة من الله ، ولا يبقى لهذا الشخص مظلمة ولا حق عند النبي صلى الله عليه وسلم ، بل ربما كانت نعمة في حقه ، أن ينال تلك الدرجة والكفارة .

وينظر : " سير أعلام النبلاء " ، للذهبي (3/123-124، 14/130) .

والله أعلم .











رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 05:02   رقم المشاركة : 94
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

أود أن أسال عن العقيدة ، هل من عقيدتنا الإيمان بصدور الذنب عن الأنبياء وأنهم غير معصومين ؟.

الجواب

الحمد لله

الأنبياء هم صفوة البشر ، وهم أكرم الخلق على الله تعالى ، اصطفاهم الله تعالى لتبليغ الناس دعوة لا إله إلا الله ، وجعلهم الله تعالى الواسطة بينه وبين خلقه في تبليغ الشرائع ، وهم مأمورون بالتبليغ عن الله تعالى ، قال الله تعالى : " أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين " الأنعام / 89 .

والأنبياء وظيفتهم التبليغ عن الله تعالى مع كونهم بشرا ، ولذلك فهم بالنسبة للأمر المتعلق بالعصمة على حالين :

1- العصمة في تبيلغ الدين .

2- العصمة من الأخطاء البشرية .

أولاً : أما بالنسبة للأمر الأول ، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون في التبليغ عن الله تبارك وتعالى ، فلا يكتمون شيئاً مما أوحاه الله إليهم ، ولا يزيدون عليه من عند أنفسهم ، قال الله تعالى لنبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – " يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " المائدة /67 ، وقال تعالى : " ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين " الحاقة /47 - 44 .

وقال تعالى : " وما هو على الغيب بضنين " التكوير /24 ، قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله – في تفسير هذه الآية " وما هو على ما أوحاه الله إليه بشحيح ، يكتم بعضه ، بل هو – صلى الله عليه وسلم – أمين أهل السماء ، وأهل الأرض ، الذي بلغ رسالات ربه ، البلاغ المبين ، فلم يشح بشيء منه ، عن غني ولا فقير ، ولا رئيس ولا مرؤوس ، ولا ذكر ولا أنثى ، ولا حضري ولا بدوي ، ولذلك بعثه الله في أمة أمية جاهلة جهلاء ، فلم يمت – صلى الله عليه وسلم – حتى كانوا علماء ربانيين ، إليهم الغاية في العلوم ... " انتهى

فالنبي في تبليغه لدين ربه وشريعته لا يخطأ في شيء البتة لا كبير ولا قليل ، بل هو معصوم دائماً من الله تعالى .

قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – ( فتاوى ابن باز ج6/371 ) :

" قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام – ولاسيما محمد – صلى الله عليه وسلم – معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل ، قال تعالى : " والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى " النجم /1-5 ) ، فنبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – معصوم في كل ما يبلغ عن الله قولاً وعملاً وتقريراً ، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم " انتهى .

وقد اتفقت الأمة على ‏أن الرسل معصومون في تحمل الرسالة ، فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم ، إلا شيئا قد ‏نسخ ، وقد تكفل الله جل وعلا لرسوله _ صلى الله عليه وسلم _ أن يقرئه فلا ينسى ، إلا شيئاً ‏أراد الله أن ينسيه إياه وتكفل له بأن يجمع له القرآن في صدره . قال تعالى . " سنقرئك فلا ‏تنسى إلا ما شاء الله " الأعلى /6-7 ، وقال تعالى : " إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع ‏قرآنه " القيامة /17-18 .

قال شيخ الإسلام رحمه الله ( مجموع الفتاوى ج18 / 7 ) :

" فان الآيات الدالة على نبوة الأنبياء دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل فلا يكون خبرهم إلا حقاً وهذا معنى النبوة وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب وأنه ينبئ الناس بالغيب والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه " انتهى .

ثانيا : بالنسبة للأنبياء كأناس يصدر منهم الخطأ ، فهو على حالات :

1- عدم الخطأ بصدور الكبائر منهم :

أما كبائر الذنوب فلا تصدر من الأنبياء أبدا وهم معصومون من الكبائر ، سواء قبل بعثتهم أم بعدها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ( مجموع الفتاوى : ج4 / 319 ) :

" إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام ، وجميع الطوائف ... وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء ، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول " انتهى .

2- الأمور التي لا تتعلق بتبيلغ الرسالة والوحي .

وأما صغائر الذنوب فربما تقع منهم أو من بعضهم ، ولهذا ذهب أكثر أهل العلم إلى أنهم غير معصومين منها ، وإذا وقعت منهم فإنهم لا يُقرون عليها بل ينبههم الله تبارك وتعالى عليها فيبادرون بالتوبة منها .

والدليل على ‏وقوع الصغائر منهم مع عدم إقرارهم عليها :‏‏ - قوله تعالى عن آدم : " وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ) طه / ‏‏121-122 ، وهذا دليل على وقوع المعصية من آدم – عليه الصلاة والسلام - ، وعدم إقراره عليها ، مع توبته إلى ‏الله منها .‏

‏ - قوله تعالى " قال هذا من عمل الشيطان إنه عدوٌ مضلٌ مبين* قال رب إني ظلمت ‏نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم " القصص/15،16 . فموسى – عليه الصلاة والسلام - اعترف ‏بذنبه وطلب المغفرة من الله بعد قتله القبطي ، وقد غفر الله له ذنبه .

- قوله تعالى : ‏" فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب * فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " ‏‏ص / 23،24 ، وكانت معصية داود هي التسرع في الحكم قبل أن يسمع من الخصم ‏الثاني .

وهذا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يعاتبه ربه سبحانه وتعالى في أمور ‏ذكرت في القرآن ، منها :

- قوله تعالى " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي ‏مرضات أزواجك والله غفور رحيم " التحريم /1 ، وذلك في القصة المشهورة مع بعض أزواجه – صلى الله عليه وسلم - .

- كذا عتاب الله تعالى للنبي – صلى الله عليه وسلم - في أسرى بدر :

فقد روى مسلم في صحيحه ( 4588 ) " قال ابن عباس : فلما أسروا الأسارى قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأبي بكر وعمر – رضي الله عنهما - : " ما ترون في هؤلاء الأسارى ؟ " فقال أبو بكر : يا نبي الله ! هم بنو العم والعشيرة , أرى أن تأخذ منهم فدية , فتكون لنا قوة على الكفار , فعسى الله أن يهديهم للإسلام ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " ما ترى يا ابن الخطاب ؟! " قال : قلت لا ، والله يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم

ما أرى الذي رأى أبو بكر ، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم ، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكني من فلان - نسيبا لعمر – فأضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها ، فهوي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت ، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر قاعدين وهما يبكيان ، قلت : يا رسول الله ! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :

" أبكي للذي عَرَضَ عليّ أصحابُك من أخذهم الفداء ، لقد عُرِض عليّ عذابُهم أدنى من هذه الشجرة " – شجرة قريبة من نبي الله – صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله عز وجل : " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " إلى قوله : " فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا " الأنفال / 67–69 ، فأحل الله الغنيمة لهم .

ففي هذا الحديث اتضح أن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للعفو عن الأسرى إنما كان أمرا اجتهاديا منه بعد مشاورة أصحابه ، ولم يكن عنده صلى الله عليه وسلم فيه من الله تعالى نص .

- قوله تعالى : " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى " عبس /1-2 ، وهذه قصة الصحابي الجليل عبد الله ابن أم مكتوم الشهيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي عاتبه الله فيها .











رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 05:07   رقم المشاركة : 95
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى : ج4 / 320 ) :

" وعامة ما يُنقل عن جمهور العلماء أنهم ( أي الأنبياء ) غير معصومين عن الإقرار على الصغائر ، ولا يقرون عليها ، ولا يقولون إنها لا تقع بحال ، وأول من نُقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقاً ، وأعظمهم قولاً لذلك : الرافضة ، فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل " انتهى .

وقد يستعظم بعض الناس مثل هذا ويذهبون إلى تأويل النصوص من الكتاب والسنة ‏الدالة على هذا و يحرفونها . والدافع لهم إلى هذا القول شبهتان :

الأولى : أن الله تعالى أمر ‏باتباع الرسل والتأسي بهم ، والأمر باتباعهم يستلزم أن يكون كل ما صدر عنهم محلاً ‏للاتباع ، وأن كل فعل ، أو اعتقاد منهم طاعة ، ولو جاز أن يقع الرسول صلى الله عليه وسلم في معصية ‏لحصل التناقض ، لأن ذلك يقتضي أن يجتمع في هذه المعصية التي وقعت من الرسول ‏الأمر باتباعها وفعلها ، من حيث إننا مأمورون بالتأسي به ، والنهي عن موافقتها ، من ‏حيث كونها معصية .‏

‏وهذه الشبهة صحيحة وفي محلها لو كانت المعصية خافية غير ظاهرة بحيث تختلط ‏بالطاعة ، ولكن الله تعالى ينبه رسله ويبين لهم المخالفة ، ويوفقهم إلى التوبة منها من غير ‏تأخير .‏

الثانية : أن الذنوب تنافي الكمال وأنها نقص . وهذا صحيح إن لم يصاحبها توبة ، فإن التوبة ‏تغفر الذنب ، ولا تنافي الكمال ، ولا يتوجه إلى صاحبها اللوم ، بل إن العبد في كثير من ‏الأحيان يكون بعد توبته خيراً منه قبل وقوعه في المعصية ومعلوم أنه لم يقع ذنب من نبي إلا وقد سارع إلى التوبة والاستغفار، فالأنبياء لا يقرون ‏على ذنب ، ولا يؤخرون توبة ، فالله عصمهم من ذلك ، وهم بعد التوبة أكمل منهم ‏قبلها .‏

3- الخطأ في بعض الأمور الدنيوية – بغير قصد - :

وأما الخطأ في الأمور الدنيوية ، فيجوز عليهم الخطأ فيها مع تمام عقلهم ، وسداد رأيهم ، وقوة بصيرتهم ، وقد وقع ذلك من بعض الأنبياء ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويكون ذلك في مناحي الحياة المختلفة من طب وزراعة وغير ذلك .

فقد روى مسلم في صحيحه ( 6127 ) عن رافع بن خديج قَالَ: قَدِمَ نَبِيّ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم – الْمَدِينَةَ ، وَهُمْ يَأْبُرُونَ النّخْلَ . يَقُولُونَ يُلَقّحُونَ النّخْلَ . فَقَالَ : "مَا تَصْنَعُونَ ؟ " قَالُوا : كُنّا نَصْنَعُهُ. قَالَ : "لَعَلّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْراً " فَتَرَكُوهُ . فَنَفَضَتْ أَوْ قال : فَنَقَصَتْ . قَالَ : فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : " إِنّمَا أَنَا بَشَرٌ ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيي ، فَإِنّمَا أَنَا بَشَرٌ" وبهذا يكون قد علم أن أنبياء الله تعالى معصومون عن الخطأ في الوحي ، ولنحذر ممن يطعنون في تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويشككون في تشريعاته ويقولون هي اجتهادات شخصية من عنده حاشاه صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : " وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى " النجم /3-4 .

وسئلت اللجنة الدائمة : هل الأنبياء والرسل يخطئون ؟

فأجابت :

نعم ، يخطئون ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم بل يبين لهم خطأهم رحمة بهم وبأممهم ، ويعفو عن زلتهم ، ويقبل توبتهم فضلاً منه ورحمة ، والله غفور رحيم ، كما يظهر ذلك من تتبع الآيات القرآنية التي جاءت في هذا" اهـ

"فتاوى اللجنة الدائمة" (3/194) .

والله اعلم .


و اخيرا ً

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر

وارجوا المعذره علي الاطاله اليوم

و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء


و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-23, 02:47   رقم المشاركة : 96
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

السؤال

كيف كانت عادة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الأكل والحمية ؟

الجواب

الحمد لله

1. أما هديه صلى الله عليه وسلم في الأكل فأكمل هدي ، وقد بيَّنه الإمام ابن القيم ، فقال :

أ. كان إذا وضع يده في الطعام قال : "بسم الله" ، ويأمر الآكل بالتسمية ، ويقول : "إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله في أوله وآخره" حديث صحيح . - رواه الترمذي (1859) و أبو داود (3767)- .

والصحيح : وجوب التسمية عند الأكل ، .. وأحاديث الأمر بها صحيحة صريحة ولا معارض لها .

ب. وكان إذا رفع الطعام من بين يديه يقول : "الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفيٍّ ولا مودَّع ولا مستغنى عنه ربَّنا عز وجل ذكره البخاري . - البخاري ( 5142 ) - .

ج. وما عاب طعاماً قط ، بل كان إذا اشتهاه أكله ، وإن كرهه تركه ، وسكت . - رواه البخاري ( 3370 ) ومسلم ( 2064 ) - .

وربما قال : "أجدني أعافه إني لا أشتهيه" . - رواه البخاري ( 5076 ) ومسلم ( 1946) - .

د. وكان يمدح الطعام أحياناً ، كقوله لما سأل أهلَه الإدام ، فقالوا : ما عندنا إلا خلّ ، فدعا به فجعل يأكل منه ، ويقول : "نِعْم الأُدْم الخل" . - رواه مسلم (2052) - .

هـ. وكان يتحدث على طعامه كما تقدم في حديث الخل .

وكما قال لربيبه عمر بن أبي سلمة وهو يؤاكله : "سمِّ الله وكُلْ مما يليك" . - رواه البخاري ( 5061 ) ومسلم ( 2022) - .

و. وربما كان يكرر على أضيافه عرض الأكل عليهم مراراً ، كما يفعله أهل الكرم ، كما في حديث أبي هريرة عند البخاري في قصة شرب اللبن وقوله له مراراً : "اشرب" ، فما زال يقول : "اشرب" حتى قال : والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكاً . - رواه البخاري ( 6087 ) - .

ز. وكان إذا أكل عند قوم لم يخرج حتى يدعو لهم ، فدعا في منـزل عبد الله بن بسر ، فقال : "اللهم بارك لهم فيما رزقتهم ، واغفر لهم ، وارحمهم" ذكره مسلم . - رواه مسلم (2042) - .

ح. وكان يأمر بالأكل باليمين وينهى عن الأكل بالشمال ، ويقول : "إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله" - رواه مسلم (2020) - ومقتضى هذا تحريم الأكل بها ، وهو الصحيح ؛ فإن الآكل بها إما شيطان ، وإما مشبه به .

وصح عنه أنه قال لرجل أكل عنده فأكل بشماله : "كل بيمينك" ، فقال لا أستطيع فقال : "لا استطعت" ، فما رفع يده إلى فيه بعدها . - رواه مسلم (2021) - فلو كان ذلك جائزاً لما دعا عليه بفعله ، وإن كان كِبره حمله على ترك امتثال الأمر : فذلك أبلغ في العصيان ، واستحقاق الدعاء عليه.

ط. وأمر من شكوا إليه أنهم لا يشبعون "أن يجتمعوا على طعامهم ، ولا يتفرقوا وأن يذكروا اسم الله عليه يبارك لهم فيه" . - رواه أبو داود (3764) وابن ماجه (3286) - .

انظر لما سبق : " زاد المعاد " ( 2/ 397 - 406 ) .

ك. وصح عنه أنه قال : "لا آكل متكئاً" . - رواه البخاري ( 5083 ) .

ل. وكان يأكل بأصابعه الثلاث وهذا أنفع ما يكون من الأكلات .

انظر : " زاد المعاد " ( 220 - 222) ، والله أعلم .

2. وأما هديه صلى الله عليه وسلم في الحمية :

أ. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ما يأكل .

ب. ويأكل ما ينفع .

ج. ويجعل من قوته قياماً لصلبه لا تكثيراً لشحمه ، لذلك روى لنا ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء" . رواه البخاري ( 5081 ) ومسلم ( 2060 ) .

د. وعلَّم أمته أمراً يحتمون به مِن أمراض الطعام والشراب فقال : "ما ملأ آدمي وعاء شرّاً من بطنٍ بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا بد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنَفَسه" . رواه الترمذي (1381) وابن ماجه (3349) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2265 ) .

والله تعالى أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-23, 02:50   رقم المشاركة : 97
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

أريد أن أعرف كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام ؟ هل كان ينام على السرير أم على الأرض ؟

وهل كان يقرأ دعاءً معيناً إذا أراد النوم ؟.


الجواب

الحمد لله

كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام على الفراش تارة وعلى النطع تارة وعلى الحصير تارة وعلى الأرض تارة وعلى السرير تارة بين رماله وتارة على كساء أسود .

قال عباد بن تميم عن عمه : رأيت رسول الله مستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رجليه على الأخرى . رواه البخاري(475) ومسلم (2100) .

وكان فراشه أَدَماً حشوُه ليف ، وكان له مِسْحٌ ينام عليه يُثنى بثَنيتين .

والمقصود أنه نام على الفراش وتغطى باللحاف ، وقال لنسائه : " ما أتاني جبريل وأنا في لحاف امرأة منكن غير عائشة " . رواه البخاري (3775) .

وكانت وسادته أَدَماً حشوها ليف .

وكان إذا أوى إلى فراشه للنوم قال : " اللهم باسمك أحيا وأموت " رواه البخاري (7394) .

وكان يجمع كفيه ثم ينفث فيهما ، وكان يقرأ فيهما قل هو الله أحد و قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات .

وكان ينام على شقة الأيمن ويضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ثم يقول : " اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك وكان يقول إذا أوى إلى فراشه : " الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي " ذكره مسلم وذكر أيضا أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه : " اللهم رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر " رواه مسلم (2713) .

وكان إذا انتبه من نومه قال : " الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور " رواه البخاري (6312) ثم يتسوك وربما قرأ العشر الآيات من آخر آل عمران من قوله تعالى : { إن في خلق السماوات والأرض .. } إلى آخرها (آل عمران 190 - 200)

وقال : " اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق والساعة حق ، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت " رواه البخاري (1120) .

وكان ينام أول الليل ويقوم آخره ، وربما سهر أول الليل في مصالح المسلمين ، وكان تنام عيناه ولا ينام قلبه ، وكان إذا نام لم يوقظوه حتى يكون هو الذي يستيقظ .

وكان إذا عرس بليل ( أي إذا توقف للاستراحة في السفر) اضطجع على شقه الأيمن ، وإذا عرس قُبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه هكذا قال الترمذي .

وكان نومه أعدل النوم وهو أنفع ما يكون من النوم والأطباء يقولون هو ثلث الليل والنهار ثمان ساعات .

المرجع زاد المعاد (1/155).









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-23, 02:52   رقم المشاركة : 98
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

أرغب في معرفة السنَّة في التجارة , كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتاجر ، ويصف السلَع ، ويتبادلها ، ويعيدها ... الخ

الجواب

الحمد لله

يمكن تلخيص هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التجارة ، والبيع ، والشراء فيما يلي:

1. عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالتجارة قبل البعثة مع عمه أبي طالب ؛ وعمل لخديجة كذلك ، وسافر لذلك إلى بلاد الشام , وكان أيضا يتاجر في الأسواق ؛ فمجنة ، وعكاظ : كانت أسواقاً في الجاهلية ، وكان التجار يقصدونها للبيع ، والشراء .

2. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يباشر البيع بنفسه ، كما سيأتي في حديث جمل عمر ، وجمل جابر رضي الله عنهما ، أو يُوكل ذلك إلى أحدٍ من أصحابه ، كما في عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ الْبَارِقِيِّ قَالَ : أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِينَاراً يَشْتَرِي بِهِ أُضْحِيَةً - أَوْ شَاةً - فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ ، فَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ ، فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ .

رواه الترمذي ( 1258 ) وأبو داود ( 3384 ) وابن ماجه ( 2402 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

3. كان صلى الله عليه وسلم يأمر التجار بالبرِّ ، والصدق ، والصدقة .

عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ) .

رواه البخاري ( 1973 ) ومسلم ( 1532 ) .

ب. عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُصَلَّى ، فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ : ( يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ ) ، فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ : ( إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّاراً ، إِلاَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ ) .

رواه الترمذي ( 1210 ) وابن ماجه ( 2146 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1785 ) .

ج. وعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ قال : كان صلى الله عليه وسلم يقول : ( يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ ) .

رواه الترمذي ( 1208 ) وأبو داود ( 3326 ) والنسائي ( 3797 ) وابن ماجه ( 2145 ) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

4. وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بالسماحة ، واليسر ، في البيع والشراء .

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى ) .

البخاري (1970)

قال ابن حجر – رحمه الله - :

وفيه الحض على السماحة في المعاملة , واستعمال معالي الأخلاق , وترك المشاحة , والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة ، وأخذ العفو منهم .

" فتح الباري " ( 4 / 307 ) .

ومن صور سماحته صلى الله عليه وسلم :

أ. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ ، فَكَانَ يَغْلِبُنِي فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ الْقَوْمِ ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ : ( بِِعْنِِيهِِ ) قَالَ : هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( بِعْنِيهِ ) فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ ) .

رواه البخاري ( 2610 ) .

ب. وعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ قَالَ : فَلَحِقَنِى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لِي وَضَرَبَهُ فَسَارَ سَيْرا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ قَالَ : ( بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ ) قُلْتُ : لاَ ، ثُمَّ قَالَ : ( بِعْنِيهِ ) ، فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِى فَقَالَ : ( أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ ) .

رواه البخاري ( 1991 ) ومسلم ( 715 ) - واللفظ له - .

5. وكان صلى الله عليه وسلم يحسن أداء الحقوق لأهلها ، ويحث عليه .

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ : ( أَعْطُوهُ ) ، فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلاَّ سِنًّا فَوْقَهَا ، فَقَالَ ( أَعْطُوهُ ) ، فَقَالَ : أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ بِكَ ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً ).

رواه البخاري ( 2182 ) ومسلم ( 1601 ) .

8. وكان صلى الله عليه وسلم يحث على إقالة النادم .

عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَقَالَ مُسْلِماً أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .

رواه أبو داود ( 3460 ) وابن ماجه ( 2199 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".

والإقالة : هي المسامحة ، والتراجع عن البيع ، أو الشراء ، وتدل على كرمٍ في النفس .

" وصُورَة إِقَالَة الْبَيْع : إِذَا اِشْتَرَى أَحَد شَيْئًا مِنْ رَجُل ثُمَّ نَدِمَ عَلَى اِشْتِرَائِهِ ، إِمَّا لِظُهُورِ الْغَبْن فِيهِ أَوْ لِزَوَالِ حَاجَته إِلَيْهِ ، أَوْ لِانْعِدَامِ الثَّمَن : فَرَدَّ الْمَبِيع عَلَى الْبَائِع ، وَقَبِلَ الْبَائِع رَدَّهُ : أَزَالَ اللَّه مَشَقَّته وَعَثْرَته يَوْم الْقِيَامَة ، لِأَنَّهُ إِحْسَان مِنْهُ عَلَى الْمُشْتَرِي , لِأَنَّ الْبَيْع كَانَ قَدْ بَتَّ فَلَا يَسْتَطِيع الْمُشْتَرِي فَسْخه " انتهى . من "عون المعبود" .

6. وكان صلى الله عليه وسلم يساوم في الشراء ، ولا يبخس الناس بضاعتهم ، كما مر معنا في حديث جمل جابر .

وعن سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَمَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ " هَجَرَ " فَأَتَيْنَا بِهِ مَكَّةَ ، فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي ، فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ ، فَبِعْنَاهُ .

رواه الترمذي ( 1305 ) وقال : حسن صحيح ، وأبو داود ( 3336 ) والنسائي (4592) وابن ماجه ( 2220 ) .

7. وكان صلى الله عليه وسلم يأمر برجحان الوزن .

عن سُوَيْد بْنِ قَيْسٍ قَالَ : ( رأى ) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَزِنُ بِالأَجْرِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( زِنْ وَأَرْجِحْ ) .

وهو تتمة الحديث السابق .

8. وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بإنظار المعسر ، والحط عنه .

عن أبي اليسر رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ ) .

رواه مسلم ( 3006 ) .

9. وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن التعامل بالربا ، وبيع الغرر ، وبيع العِينة ، والتجارة بالمحرمات , وعن الغش والخداع .

والأدلة على ذلك كثيرة ، ومشتهرة .

وليس عندنا تفاصيل بيعه وشرائه في كل معاملاته التجارية صلى الله عليه وسلم ؛ فقد كانت تجارته في الجاهلية ، ولم يكن نبيّاً حتى تُنقل تصرفاته من أصحابه ، وما نُقِلَ عن سنَّته صلى الله عليه وسلم كافٍ إن شاء الله .









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-23, 02:57   رقم المشاركة : 99
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

ما هي الملابس التي اعتاد النبي صلى الله عليه وسلم أن يلبسها ؟

أرجو ذكر الدليل والمصدر .


الجواب:

الحمد لله

ورد في السنة والآثار العديد من الملابس التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها ، حاصل ما جاء فيها أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس ما يتيسر من اللباس الذي كان معروفا في قومه ، فلا يرد موجودا ، ولا يتكلف مفقودا ، ولا يتميز بلبسة دون الناس ، ولا يقتصر على لبسة واحدة ، بل يلبس من أنواع القماش كلها إلا الحرير ، ومن أنواع الثياب ما كان ساترا جميلا منها ، وقد جمع العلامة ابن القيم رحمه الله خلاصة ما ورد في الأحاديث من وصف ملابس النبي صلى الله عليه وسلم ، ننقله هنا مع شيء من الاختصار ، ولا نُطوِّلُ على القارئ الكريم بذكر الأحاديث الواردة في ذلك ، فمحلها كتب السنة ، يمكن الرجوع إليها في كتب اللباس والزينة .

يقول ابن القيم رحمه الله :

" كانت له عمامة [ وهي : ما يُلفُّ على الرأس ، كما هو اللباس الشعبي في بعض البلاد اليوم كاليمن والسودان ] تُسمى : السحاب ، كساها علياً ، وكان يلبَسُها ويلْبَسُ تحتها القَلَنسُوة ، وكان يلبَس القلنسُوة بغير عمامة ، ويلبَسُ العِمامة بغير قلنسُوة ، وكان إذا اعتمَّ أرخى عِمامته بين كتفيه ، كما رواه مسلم في " صحيحه " عن عمرو بن حريث قال : ( رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على المنبرِ وَعَلَيهِ عِمَامَة سَوْدَاءُ قَدْ أرخَى طَرفَيهَا بينَ كَتِفَيْهِ ) ، وفي مسلم أيضاً عن جابر بن عبد اللّه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : ( دَخَلَ مَكَّة وَعَلَيْهِ عمَامَةٌ سَودَاء ) ، ولم يذكر في حديث جابر: ذؤابة ، فدل على أن الذؤابة لم يكن يرخيها دائماً بين كتفيه . وقد يقال : إنه دخل مكة وعليه أهبةُ القتال والمِغفَرُ على رأسه ، فلبسَ في كل مَوطِنٍ ما يُناسبه .

ولبس صلى الله عليه وسلم القميص [ وهو : كالثياب المعروفة اليوم ، وفي بعض البلاد يسمى "الجلباب" أو"الجلابية"] ، وكان أحبَّ الثياب إليه ، وكان كُمُّه إلى الرُّسُغ .

ولبس الجُبَّةَ [ وهي : ثوب سابغ ، واسع الكُمَّين ، مشقوق المقدم ، يلبس فوق الثياب ، يشبه في زماننا الجبة في اللباس الأزهري المعروف

انظر " المعجم الوسيط " (1/104)] .

والفَرّوج ، وهو شبه القَباء [ وهو : ثوب يلبس فوق الثياب ، ويتمنطق عليه . انظ: " المعجم الوسيط " (2/713)] .
والفرجية [ وهي : ثوب واسع طويل الأكمام ، يتزيا به علماء الدين . انظر: " المعجم الوسيط " (2/679)] .

ولبس في السفر جُبة ضَيِّقَةَ الكُمَّين .

ولبس الإِزار والرداء [ وهو : اللباس الذي يلبسه الناس في الإحرام اليوم ] ، قال الواقدي : كان رداؤه وبرده طولَ ستة أذرع في ثلاثة وشبر ، وإزاره من نسج عُمان ، طول أربعة أذرع وشبر في عرض ذراعين وشبر .

ولبس حُلة حمراء ، والحلة : إزار ورداء ، ولا تكون الحُلة إلا اسماً للثوبين معاً ، وغلط من ظن أنها كانت حمراء بحتاً لا يُخالطها غيره ، وإنما الحلةُ الحمراء : بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود ، كسائر البرود اليمنية ، وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط الحمر ، وإلا فالأحمر البحتُ منهي عنه أشد النهي .

ولبس الخميصة المُعْلَمَةَ والساذَجَة .
ولبس ثوباً أسود .
ولبس الفَروة المكفوفة بالسندس .

روى الإِمام أحمد وأبو داود بإسنادهما عن أنس بن مالك ( أن ملك الروم أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم مُسْتَقَةً مِنْ سُنْدُسٍ ، فلبسها ، فَكأَنِّي أنظرُ إلى يَدَيْه تَذَبْذَبانِ ) .

قال الأصمعي : المساتق فراء طوال الأكمام . قال الخطابي : يشبه أن تكون هذه المستقة مكففة بالسندس ؛ لأن نفس الفروة لا تكون سندسا .

واشترى سراويل ، والظاهر أنه إنما اشتراها ليلبَسها ، وقد روي في غير حديث أنه لبس السراويل ، وكانوا يلبسون السراويلات بإذنه .

ولبس الخفين ، ولبس النعل الذي يسمى التَّاسُومة .

ولبس الخاتم ، واختلفت الأحاديث هل كان في يمناه أو يُسراه ، وكلها صحيحة السند .

ولبس البيضة التي تسمى : الخوذة ، ولبس الدرع التي تسمى : الزردية ، وظاهر يومَ أُحد بين الدرعين .

وفي " صحيح مسلم " عن أسماء بنت أبي بكر قالت : هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخرجت جبةَ طيالِسة كَسِروانية لها لبنةُ دِيباج ، وفرجاها مكفوفان بالديباج ، فقالت : هذِهِ كانت عند عائشة حتى قُبِضَت ، فلما قبضت قبضتُها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبَسُها ، فنحنُ نَغْسلهَا للمرضى تسْتَشفى بها .

وكان له بردان أخضران [ البردة كساء مخطط مفتوح المقدم يوضع على الكتفين كالعباء لكنه أصغر منها ، يلتحف به لابسه أو يسدله سدلا ، وقريب منه الكساء ] وكِساء أسود ، وكساء أحمر ملبَّد ، وكساء من شعر .

وكان قميصه من قطن ، وكان قصيرَ الطول ، قصيرَ الكُمَّين ، وأما هذه الأكمام الواسعة الطِّوال التي هي كالأخراج ، فلم يلبسها هو ولا أحد من أصحابه البتة ، وهي مخالفة لسنته ، وفي جوازها نظر ، فإنها من جنس الخيلاء .
وكان أحبَّ الثياب إليه القميصُ والحِبَرَةُ ، وهي ضرب من البرود فيه حمرة .

وكان أحبَّ الألوان إليه البياضُ ، وقال : ( هي مِنْ خَيْرِ ثِيَابكُمْ ، فَالبسوها ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكمْ ) وفي " الصحيح " عن عائشة أنها أخرجت كِساءً ملبَّدا وإزاراَ غليظاً فقالت : قُبِضَ روح رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في هذين .
وأما الطيلسان [ وهو : غطاء يطرح على الرأس والكتفين ، أو على الكتفين فقط ، يلبسه اليوم كثير من القساوسة وأحبار اليهود ، انظر: " المعجم الوسيط " (2/553)] ، فلم ينقل عنه أنه لبسه ، ولا أحدٌ من أصحابه ، بل قد ثبت في " صحيح مسلم " من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدَّجَّال فقال : ( يخْرُجُ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفاً مِنْ يَهُودِ أَصْبِهَانَ عَلَيْهِمُ الطَّيالِسَةُ ) ، ورأى أنس جماعة عليهم الطيالسة ، فقال : ما أشبَههُم بيهود خيبر . ومن ها هنا كره لبسها جماعة من السلف والخلف .

وكان غالبُ ما يلبس هو وأصحابُه ما نُسِجَ مِن القطن ، وربما لبسوا ما نُسِجَ من الصوف والكتَّان ، وذكر الشيخ أبو إسحاق الأصبهاني بإسناد صحيح عن جابر بن أيوب قال : دخل الصَّلْتُ بن راشد على محمد بن سيرين وعليه جُبة صوف ، وإزارُ صوف ، وعِمامة صوف ، فاشمأزَّ منه محمد ، وقال : أظن أن أقواماً يلبسون الصوف ويقولون : قد لبسه عيسى بن مريم ، وقد حدثني من لا أتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لبس الكتان والصوف والقطن ، وسُنَّةُ نبينا أحقُّ أن تُتَّبَعَ .

ومقصود ابن سيرين بهذا أن أقواماً يرون أن لبس الصوف دائماً أفضلُ من غيره ، فيتحرَّونه ويمنعون أنفسهم من غيره ، وكذلك يتحرَون زِيًّا واحداً من الملابس ، ويتحرَّون رسوماً وأوضاعاً وهيئات يرون الخروج عنها منكراً ، وليس المنكرُ إلا التقيد بها ، والمحافظة عليها ، وترك الخروج عنها .

والصواب أن أفضل الطرق طريقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم التي سنها ، وأمر بِها ، ورغَّب فيها ، وداوم عليها ، وهي أن هديَه في اللباس أن يلبس ما تيسر مِنَ اللباس ، من الصوف تارة ، والقطن تارة ، والكتان تارة ، ولبس البرود اليمانية ، والبردَ الأخضر ، ولَبسَ الجبة ، والقَباء ، والقميص ، والسراويل ، والإِزار ، والرداء ، والخف ، والنعل ، وأرخى الذؤابة من خَلْفِه تارة ، وتركها تارة ، وكان يتلحَّى بالعمامة تحت الحنك ، وكان إذا استجدَّ ثوباً سمَّاه باسمه ، وقال : اللَّهمَّ أَنتَ كَسَوتَنِي هذا القَمِيصَ أَو الرِّدَاءِ أَوِ العِمَامَةَ ، أَسْألُكَ خَيرَهُ وَخَيرَ مَا صنعَ لَهُ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ ما صنعَ لَهُ .
وكان إذا لبس قميصه بدأ بميامِنه .

ولبس الشعر الأسود ، كما روى مسلم في " صحيحه " عن عائشة قالت : خرج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّل مِنْ شَعَر أَسْوَدَ . وفي " الصحيحين " عن قتادة قلنا لأنس : أيُّ اللباسِ كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: الحِبَرَة .

والحِبَرة : برد من برود اليمن ، فإن غالب لباسهم كان مِن نسج اليمن ؛ لأنها قريبة منهم ، وربما لبسوا ما يُجلب مِن الشَّام ومصر ، كالقباطي المنسوجة من الكتان التي كانت تنسجها القبطُ .

وفي " صحيح النسائي " عن عائشة أنها جعلت للنبي صلى الله عليه وسلم بُردة من صوف ، فلبسها ، فلما عَرِق فوجد رِيحَ الصوف ، طرحها ، وكان يُحبُ الرّيحَ الطَّيِّب .

وفي " سنن أبي داود " عن عبد اللّه بن عباس قال : لَقَدْ رأيتُ عَلَى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الحُلَلِ .

وفي " سنن النسائي " عن أبي رِِمْثَةَ قال : رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَخطُبُ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخضَرَانِ .
والبرد الأخضر: هو الذي فيه خطوط خضر ، وهو كالحلة الحمراء سواء ، فمن فهم مِن الحُلة الحمراء الأحمر البحت ، فينبغي أن يقول : إِنَّ البرد الأخضر كان أخضرَ بحتاً ، وهذا لا يقولُه أحد " انتهى باختصار
.
" زاد المعاد " (1/135-145) .

ومن أراد الاطلاع على صور أسماء الألبسة السابقة الواردة ، فيمكنه الرجوع إلى كتاب : " اللباس والزينة من السنة المطهرة " لمحمد عبد الكريم القاضي ، كما يمكن الرجوع لمعرفة تفاصيل هيئات هذه الألبسة إلى كتاب : " المعجم العربي لأسماء الملابس " لرجب إبراهيم ، وكتاب : " المعجم المفصل بأسماء الملابس عند العرب " للمستشرق دوزي رينهارت . وقد رجعنا إليه ونقلنا كتابيا ما يمكن أن يوضح صورة اللباس الحقيقية .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-23, 03:02   رقم المشاركة : 100
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

ادعى بعض غير المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج سيدتنا خديجة رضوان الله تعالى عليها من أجل أموالها ، وقالوا : بأن هذه الأموال استخدمت في استئجار الصحابة لنشر الإسلام ، كما أثاروا التساؤلات حول زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها .

هل كل هذه الادعاءات صحيحة . وإذا كان الجواب : لا ، فأرجوكم أن تشرحوا لي المسألة بكل التفصيل ؟


الجواب :

الحمد لله

نحن نربأ بالسائل الكريم ، وبجميع الإخوة القراء أن يتعاملوا مع جميع الادعاءات بالقدر الجاد الذي يأخذ منهم الجهد والوقت ، ويشغل بالهم وفكرهم ، فلو رحنا نتابع كل دعوى ساقطة قضينا زماننا وأضعنا أعمارنا ولم نقض منها شيئا ، ويكون المدعي بذلك قد كسب لا محالة ، إن لم يكسب قوة الدعوى وتطريق الشبهة ، كسب ضياع وقتنا في ترهاته ، وشغل عمرنا في سيء فكره ومقالاته .

ولكن – بما أن السؤال قد حضر هنا – فليكن أحد الأمثلة التي نقيس عليها كل ما نسمع من سخافات هؤلاء الحاقدين ، فنقول :

أولا وقبل كل شيء :

لم يُقِم المدَّعِي على كلامه أي دليل ، بل ولا شبهة دليل ، ولم يورد مستندا سوى ما يجده في نفسه مِن حقد أسود يحجبه عن التفكير السليم ، وكل دعوى تخلو من الدليل ساقطة أصلا وموضوعا .

ثانيا :

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم هو البادئ في عرض المتاجرة بمال أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها قبل زواجه بها ، بل كانت هي مَن رغب بذلك ، بعد أن سمعت عن أمانته وصدقه عليه الصلاة والسلام .

يقول محمد بن إسحاق (ت151هـ) – راوي السيرة المشهور -:

" كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ، ذات شرف ومال ، تستأجر الرجال في مالها ، وتضاربهم إياه بشيء تجعل لهم منه . وكانت قريش قوما تجارا ، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بلغها من صدق حديثه ، وعظم أمانته ، وكرم أخلاقه - بعثت إليه ، فعرضت أن يخرج في مالها تاجرا إلى الشام ، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار ، مع غلام لها يقال له ميسرة ، فقبله منها رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم " .

انتهى من " السير والمغازي " لابن إسحاق (ص/81) .

والشاهد قوله ( بعثت إليه ) فقد كانت حريصة على تجارتها ، تنتخب شركاءها فيها ، فلم تجد حرجا رضي الله عنها – وذلك قبل الإسلام – في مصارحة الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام في شأن مالها ، فكيف يقال بعد ذلك إنه عليه الصلاة والسلام هو الذي سعى في شراكتها طمعا في مالها !!

لن يتعب الحاقد في الطعن في هذه الرواية ، نحن نعلم ذلك ؛ حسنا ، فأين الرواية الصادقة الموثوق بها ، التي تؤيد ما يقول ؟!

ثالثا :

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم هو من طلب الزواج من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ، ولكنه رأى فيها من الصفات الفاضلة ، والأخلاق الكريمة ، ما يجعله يقبل عرض الزواج الذي جاءت به إحدى صديقاتها
.
عن نفيسة بنت منية قالت :

" كانت خديجة امرأة حازمة جلدة شريفة ، مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير ، وهي يومئذ أوسط قريش نسبا ، وأعظمهم شرفا ، وأكثرهم مالا ، وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك ، قد طلبوها وبذلوا لها الأموال ، فأرسلتني دسيسا إلى محمد ، بعد أن رجع في عيرها من الشام ، فقلت : يا محمد ، ما يمنعك أن تزوج ؟ فقال : ما بيدي ما أتزوج به ، قلت : فإن كفيت ذلك ، ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب ؟ قال : فمن هي ؟ قلت : خديجة ، قال : وكيف لي بذلك ؟ قالت : قلت : عَلَي .

قال : فأنا أفعل . فذهبت ، فأخبرتها ، فأرسلت إليه أن ائت لساعة كذا وكذا ، وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها ، فحضر ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته ، فزوجه أحدهم ، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة " .

رواه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " (1/131) قال : أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي ، أخبرنا موسى بن شيبة ، عن عميرة بنت عبيد الله بن كعب بن مالك ، عن أم سعد بنت سعد بن الربيع (صحابية)، عن نفيسة بنت منية (واسم أبيها أمية) به .

وهذا إسناد ضعيف فيه مقال ظاهر ، فعميرة بنت عبيد الله لم نجد لها ترجمة ، وصرح غير واحد من الباحثين بعدم الوقوف على ترجمة لها .

انظر " رجال الحاكم في المستدرك " لمقبل الوادعي (2/432) .

وموسى بن شيبة : سكت عنه البخاري في " التاريخ الكبير " (7/286) ، وقال فيه أبو حاتم : صالح الحديث ، كما في " الجرح والتعديل " (8/146) ، ونقل عن الإمام أحمد أنه قال فيه : أحاديثه مناكير ، ولكن علق عليه المعلمي بقوله : " أخشى أن يكون أحمد إنما قال هذا في صاحب الترجمة السابقة "

انتهى من تحقيقه لكتاب " الجرح والتعديل " ، وصاحب الترجمة السابقة اسمه أيضا موسى بن شيبة ، ولكن ليس هو المقصود هنا ، وإنما تشابهت الأسماء . ولذلك لم ينقل الذهبي في " تاريخ الإسلام " (4/986) كلام الإمام أحمد هذا ، والراوي المقصود هنا من أهل المدينة ، معروف بين النقاد ، وذكره ابن حبان في " الثقات " (9/158) .

ولكن ذلك لا يعني الحكم لحديثه بصحته ، إلا أننا نذكره هنا على سبيل الاستئناس والاعتبار في مرويات السير والتاريخ المحكية في الكتب .

وشيخ ابن سعد : محمد بن عمر ، هو الواقدي المعروف ، متروك الحديث ، مع سعة علمه وكثرة مروياته ، لا سيما في أبواب السير والتواريخ .

وعلى كل حال ، فما روي بإسناد ضعيف في مثل ذلك : أولى من الدعاوى المرسلة من غير إسناد صحيح ولا ضعيف ، فتأمل كيف تبلغ الجرأة بهم إلى إطلاق الكلام على عواهنه حتى يكثروا الشبهات على المسلمين ، فيصيبوا بذلك داء في قلوبهم .

وقد أقر المستشرقون بأن الزواج وقع بمبادرة من خديجة رضي الله عنها ، حتى الحاقدون من المستشرقين قرروا ذلك ، كما فعل ( سفاري ) الفرنسي المتوفى سنة (1788م) في كتابه " مختصر حياة محمد "، المطبوع ضمن كتاب " السيرة النبوية وكيف حرفها المستشرقون " (ص/40-41) ، ولم نجد من يلقي هذه الدعوى ، سوى بعض الحاقدين من جهلة النصارى اليوم في المنتديات الحوارية على شبكة الإنترنت .











رد مع اقتباس
قديم 2018-02-23, 03:04   رقم المشاركة : 101
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

رابعا :

ومن الحق : أن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها قد واست رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسها ، ومالها ، كما تفعل كرائم النساء مع أزواجهن ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف ذلك لها ، ويذكره ولا ينساه :

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ ، قَالَتْ : فَغِرْتُ يَوْمًا ، فَقُلْتُ : مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا ، قَالَ : ( مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ ) " .

رواه الإمام أحمد في مسنده (24864ـ ط الرسالة) ، وصححه محققو المسند .

لكن ذلك كما قلنا : هو شأن المرأة الكريمة مع زوجها الذي تزوجها من قبل أن يوحى إليه ، ومن قبل أن يعلم شيئا عن أمر النبوة والوحي والرسالة ، بخمسة عشر عاما ، ثم إنها توفيت رضي الله عنها ، في العام العاشر من بعثته الشريفة ، قبل أن يهاجر إلى المدينة بنحو من ثلاث سنين ، حيث لم يكن له ولا لأصحابه في مكة شوكة ولا منعة ، ولا كان لهم دولة ولا سلطان ، ولا جيش ولا عتاد ، وكان أمر الدعوة إلى الله قائما في مكة على جهد آحاد الناس ، ودعوتهم لذويهم ، ومن يثقون في أمرهم ، لا يحتاج شيء من ذلك إلى نفقة ، أو تفرغ لأمر الدعوة ، أو استئجار أحد ليقوم بذلك ، ولا كان لهم من الظهور والمنعة ما يسمح بتلك الصورة التي يعرضها المغرضون .

ثم ماتت رضي الله عنها ، ولا نعلم أنه قد بقي له من مالها شيء ينفق منه على أصحابه ، ولو كان شيء من ذلك ، لما أخره عن أن يشتري من أسلم من الرقيق وتعرض للظلم والعذاب ، كحال بلال بن رباح مثلا ؛ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتمكن من تجهيز رحلته حين هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة .

خامسا :

وأي حاجة له عليه الصلاة والسلام لمال أحد من البشر وقد خيَّره رب البشر بين أن يعطيه الدنيا وزهرتها وبين أن يكون عبدا رسولا ، فاختار الثاني ، كي يحيا حياة النبوة والرسالة المقترنة بالطبيعة البشرية الضعيفة .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ ، فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ ، فَقَالَ جِبْرِيلُ : ( إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ ) ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ : ( يَا مُحَمَّدُ ! أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ ، أَفَمَلِكًا نَبِيًّا يَجْعَلُكَ ، أَوْ عَبْدًا رَسُولًا ؟ ) ، قَالَ جِبْرِيلُ : تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ ، قَالَ : بَلْ عَبْدًا رَسُولًا ) رواه أحمد في " المسند " (12/76) وقال المحققون : إسناده صحيح على شرط الشيخين .

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ فَقَالَ : ( إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ ) رواه البخاري (3904)، ومسلم (2382) .
وعاش حياة البسطاء ، قريبا من الناس ، يجوع ويشبع ، ويغنى ويفتقر ، حتى قالت عائشة رضي الله عنها : " تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ ، إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي ، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ " متفق عليه .

فمن كان هذا قراره واختياره ، أفيطمع في مال أو ثروة أو تجارة تملكها امرأة تكبره بخمس عشرة سنة ، يتزوجها ولا يتزوج غيرها ، ويحبها حبا عظيما ، ويرى من خلالها ما يفيض عطفا ومودة وصلاحا ، ثم يقول هذا المدعي : إن زواجه بها كان لدافع مادي محض !!

ولعل هذا يكفي عن الإطالة في مناقشة شبهة باطلة كهذه ، ليس لها من الجدية والأسس العلمية ، ما يستدعي الوقوف عندها أطول من هذا .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-23, 03:08   رقم المشاركة : 102
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

بالنسبة للمنافقين الذين كانوا زمن النبي صلى الله عليه وسلم الذين ذكروا في القرآن الكريم ، ، والذين حكم الله تعالى بكفرهم ؛ لانهم آمنوا ثم كفروا .

أردت أن أعرف : ماهي عقيدتهم بعد كفرهم ؟ هل كانت الشرك بالله أم الإلحاد؟


الجواب :

الحمد لله

أولا :

المنافق : هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام ، والمنافقون شر أصناف أهل الشر وأسوؤهم طوية وأعظمهم خطراً ، قال تعالى بشأنهم : ( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) المنافقون/ 4 .

جاء في " الموسوعة الفقهية " (41/17) :

" النِّفَاقُ لُغَةً : مَصْدَرُ نَافَقَ ، يُقَالُ : نَافَقَ الْيَرْبُوعُ إِذَا دَخَلَ فِي نَافِقَائِهِ ، وَمِنْهُ قِيلُ : نَافَقَ الرَّجُلُ : إِذَا أَظْهَرَ الإِسْلامَ لأَهْلِهِ وَأَضْمَرَ غَيْرَ الإِسْلامِ وَأَتَاهُ مَعَ أَهْلِهِ .

وَلا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاصْطِلاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ .

قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ : وَالنِّفَاقُ اسْمٌ مِنَ الأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي وَضَعَهَا الشَّرْعُ ، لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً بِمَعْنَاهَا الاصْطِلاحِيِّ هَذَا قَبْلَ الإِسْلامِ ، وَهُوَ الَّذِي يَسْتُرُ كُفْرَهُ وَيُظْهِرُ إِسْلامَهُ .

عَلَى أَنَّ النِّفَاقَ يُطْلَقُ تَجَوُّزًا عَلَى مَنِ ارْتَكَبَ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ النِّفَاقِ الآتِي ذِكْرُهَا ، كَالْكَذِبِ وَإِخْلافِ الْوَعْدِ ، أَوْ يُقَالُ : هَذَا نِفَاقٌ عَمَلِيٌّ ، وَلَيْسَ اعْتِقَادِيًّا حَقِيقِيًّا " انتهى .

ثانياً :

لم يكن يعرف أهل جزيرة العرب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الإلحاد بمعناه اليوم ( اللادين ) ، وإنما كانوا : إما مشركين من عبدة الأوثان أو يهوداً أو نصارى ، ثم بقية من أهل الكتاب ممن بقي على التوحيد ، وهم قلة .
أما إنكار وجود الإله الخالق المدبر ، فلم يكن معروفاً في العرب إلا في قلة لا تكاد تُذكر من الدَّهريين .

قال تعالى : ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ) يونس/ 31 .

وقال تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) العنكبوت/ 61 .

ثم ظهر النفاق في بعض هؤلاء المشركين من عبدة الأوثان واليهود والنصاى .

قال ابن كثير رحمه الله :

" النِّفَاقُ : هُوَ إِظْهَارُ الْخَيْرِ وَإِسْرَارُ الشَّرِّ ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ : اعْتِقَادِيٌّ ، وَهُوَ الَّذِي يَخْلُدُ صَاحِبُهُ فِي النَّارِ ، وَعَمَلِيٌّ وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الذُّنُوبِ ، كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي مَوْضِعِهِ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : الْمُنَافِقُ يُخَالِفُ قَوْلُهُ فِعْلَهُ ، وَسِرُّهُ عَلَانِيَتَهُ ، وَمَدْخَلُهُ مَخْرَجَهُ ، وَمَشْهَدُهُ مَغِيبَهُ .

وَإِنَّمَا نَزَلَتْ صِفَاتُ الْمُنَافِقِينَ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ ؛ لِأَنَّ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نِفَاقٌ ، بَلْ كَانَ خِلَافُهُ ، مِنَ النَّاسِ مَنْ كَانَ يُظْهِرَ الْكُفْرَ مُسْتَكْرَهًا ، وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ مُؤْمِنٌ .

فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ بِهَا الْأَنْصَارُ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَكَانُوا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ عَلَى طَرِيقَةِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ ، وَبِهَا الْيَهُودُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى طَرِيقَةِ أَسْلَافِهِمْ ، وَكَانُوا ثَلَاثَ قَبَائِلَ : بَنُو قَيْنُقَاعَ حُلَفَاءُ الْخَزْرَجِ ، وَبَنُو النَّضِيرِ ، وَبَنُو قُرَيْظَةَ حُلَفَاءُ الْأَوْسِ ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، وَأَسْلَمَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ قَبِيلَتَيِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَقَلَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْيَهُودِ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ نِفَاقٌ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدُ شَوْكَةٌ تُخَافُ ، بَلْ قَدْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَادَعَ الْيَهُودَ وَقَبَائِلَ كَثِيرَةً مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ حَوَالَيِ الْمَدِينَةِ .

فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ الْعُظْمَى وَأَظْهَرَ اللَّهُ كَلِمَتَهُ ، وَأَعْلَى الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِيِّ بْنِ سَلُولَ ، وَكَانَ رَأْسًا فِي الْمَدِينَةِ ، وَهُوَ مِنَ الْخَزْرَجِ ، وَكَانَ سَيِّدَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانُوا قَدْ عَزَمُوا عَلَى أَنْ يُمَلِّكُوهُ عَلَيْهِمْ ، فَجَاءَهُمُ الْخَيْرُ وَأَسْلَمُوا ، وَاشْتَغَلُوا عَنْهُ ، فَبَقِيَ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ قَالَ : هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ ، فَأَظْهَرَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ ، وَدَخَلَ مَعَهُ طَوَائِفُ مِمَّنْ هُوَ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَنِحْلَتِهِ ، وَآخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَمِنْ ثَمَّ وُجِدَ النِّفَاقُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْأَعْرَابِ .

فَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ يُهَاجِرُ مُكْرَهًا ، بَلْ يُهَاجِرُ وَيَتْرُكُ مَالَهُ ، وَوَلَدَهُ ، وَأَرْضَهُ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ " .

انتهى من "تفسير القرآن العظيم "(1/177).

والحاصل :

أن الإلحاد ، بمفهومه المعاصر : لم يكن معروفاً في جزيرة العرب ، لا في المشركين صراحة ، ولا في المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ، وعامة المنافققين : كانوا من الكفار أهل الأوثان ، أو من اليهود والنصارى ؛ غير أن ذلك لا يؤثر في وصف النفاق ولا حكم أهله ؛ بل المعتبر أن يبطن الكفر بالله ، والرغبة عن دين الإسلام ، ثم يظهر من الإسلام ، خلاف ما في باطنه ، ثم لا فرق في ذلك كله بين كفر وكفر ؛ فالكل سواء .

والله تعالى أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-23, 03:12   رقم المشاركة : 103
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

رُوي عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال : " جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت يا رسول الله : أريد أن أهب نفسي لك لتتزوجني ، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إليها من الأعلى إلى الأسفل ، ثم خفض رأسه وصمت..الحديث . فما السبب الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليها من الأعلى إلى الأسفل ، ثم يخفض رأسه ؟ ، ولماذا لم يتزوجها ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى البخاري (5030) ، ومسلم (1425) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ : " أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ ، فَلَمَّا رَأَتِ المَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: ( هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ ؟ ) ، فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ

قَالَ : ( اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا ؟ ) ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا ، قَالَ: ( انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ) ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي - قَالَ سَهْلٌ : مَا لَهُ رِدَاءٌ - فَلَهَا نِصْفُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ، إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ ؟ ) ، فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ، ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: ( مَاذَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟ ) ، قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا - عَدَّهَا – قَالَ : ( أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ ؟ ) ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ( اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ ) .
وقد رواه أهل السنن الأربعة أيضا .

وإنما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه في مقام الخاطب الذي يشرع له النظر إلى المخطوبة ، فنظر إليها : فإن أعجبته تزوجها ، وإن لم تعجبه غض طرفه عنها ، وهذا ما حصل في هذه القصة .

قال النووي رحمه الله :

" أَمَّا صَعَّدَ: فَبِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ أَيْ رَفَعَ ، وَأَمَّا صَوَّبَ: فَبِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ خَفَضَ " انتهى .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قَوْله : " فَصَعَّدَ النَّظَر إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ " دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُرِيد التَّزْوِيج لَوْ أَعْجَبَتْهُ " انتهى .

وقد استدل أهل العلم بهذا الحديث على جواز النظر إلى المخطوبة .

قال النووي رحمه الله :

" فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ النَّظَرِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَتَأَمُّلِهِ إِيَّاهَا " .

انتهى من " شرح مسلم " (9/212) .

وقال بدر الدين العيني رحمه الله :

" فِيهِ: دَلِيل على جَوَاز النّظر للمتزوج وتكراره ، والتأمل فِي محاسنها ، فهم ذَلِك من
قَوْله: فَصَعدَ النّظر إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ " انتهى من "عمدة القاري" (12/ 144) .
.
ثانيا :

أما لماذا لم يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ، فلأنه لم يرغب فيها ، ولم يُرِدْها زوجة له ، وهل يلزم كل خاطب نظر إلى مخطوبته وتأملها : أن يتزوجها ؟!

إنما جُعل هذا النظر ليقرر بعده : هل يتزوجها أم لا ؟

قال ابن الجوزي رحمه الله :

" ( فصعد النظر فيها وصوبه ) أي نظر إلى وجهها وحط النظر إلى ما دونه. وهذا يدل على جواز النظر إلى المرأة التي يراد نكاحها، وإنما فعل ذلك لجواز أن يريدها، فلما لم يُرِدها ، طأطأ رأسه " انتهى من "كشف المشكل" (2/ 270) .

والله تعالى أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-23, 03:18   رقم المشاركة : 104
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

شاهدت أمي مؤخرا محاضرة لشيخ ، وادعى فيها أن صحابة النبي محمد صلي الله عليه وسلم كانوا يأخذون قلب النبي منه ، وينظفونه بماء زمزم حتى يظل طاهرا نقيا ، ويرجعونه ثانية له .

أتساءل بحرص عن صحة هذا الادعاء ، ولك أن ترجح هذا أو ترفضه . هذا الادعاء يبدو بالنسبة لي ادعاءً غير منطقي ؛ لأن النقاء والطهارة تأتى من داخل الإنسان ، لذلك لماذا تعني الصلاة وتلاوة القرآن وعمل الحسنات طهارة الداخل ؛ لأنها تنقي الإنسان وتسلمه من الداخل .

ادعاء آخر قاله الشيخ أيضا ، وهو : أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يجوع ويحرم نفسه من أجل هذه الأمة ، أعلم أنه في وقت الحرب والجهاد كان يربط النبي صلي الله عليه وسلم على بطنه حجرين - أو شيئا من هذا القبيل - حتى يذهب عنه ألم الجوع ، وكذلك كان يفعل باقي صحابته الكرام ، ولكن أن يدعي الشيخ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُجوع نفسَه لإنقاذ أو لتقديم النفع لهذه الأمة ، فهي فكرة خاطئة بجدارة ، حيث تشبه الادعاء النصراني الزائف أن المسيح عليه السلام قد مات تكفيرا عن خطايا النصارى ، وإنقاذا لهم ، لذلك أشك أيضا في هذا الادعاء أيضا .


أرجو توضيح هذه الأمور .


الجواب :

الحمد لله

من دواعي سرورنا أن نقرأ في أسئلة المسلمين قدرا عاليا من الوعي والفهم ، بحيث لا تمر بهم الأحاديث والحكايات دون أن يتثبتوا منها ويتوثقوا من أصلها ، يستعملون في ذلك ما يمليه العقل من محاولة النقد والتأمل ، ثم بعد سؤال المختصين يتوصلون إلى التصويب أو التخطئة .

وهنا نقول لك إنه لم يرد عن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أنهم كانوا يغسلون قلب النبي صلى الله عليه وسلم بماء زمزم ، وأنى لهم ذلك وهم بشر كأي بشر ، لا يملكون التصرف في هذا الكون إلا بما تجيزه سنن الكون وقوانينه ، وقلب النبي صلى الله عليه وسلم أطهر القلوب وأنقاها ، لا تبلغه أيدي البشر ، بل هو محفوظ بحفظ الله سبحانه .
ولكننا ننبه هنا إلى حادثة قريبة ، قد يكون اختلط على المتحدث الذي سمعتموه أمرها ، أو قد يكون الاختلاط قد حصل من السامع نفسه ، لا من القائل ؛ وهي حادثة " شق الصدر

"، وقد وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم مرتين ، واحدة في صغره وطفولته ، والأخرى ليلة الإسراء والمعراج ، ولم تقع بأيد بشرية وإنسية ، بل بأيدي الملائكة الكرام .

والحكمة منها – كما ورد في الحديث الصحيح – نزع العلقة ( القطعة السوداء ) التي هي حظ الشيطان من الإنسان من قلبه في طفولته ، وملء القلب حكمة وإيمانا وطهرا ويقينا . وهذا كله من عالم الغيب الذي لا ندرك حقيقته ، الله سبحانه وتعالى أكرم نبيه به بأيدي الملائكة الكرام ، دون جرح ولا إيلام ، وهو عز وجل قادر على كل شيء ، وله الحكمة البالغة سبحانه ، يعلمنا دائما أن الغيب لله ، ولكنه يرتبط بحياة الإنسان ارتباطا وثيقا ، فحظ الشيطان في قلب الإنسان مركب فيه لا محالة ، والمسلم يجاهد هواه في سبيل تخليص النفس من آثار نصيب الشيطان هذا ، ليلقى الله سبحانه وتعالى قلبا تقيا نقيا سليما ، كما قال سبحانه : ( إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) الشعراء/89 ، وقال عز وجل : ( وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ) ق/33 .

وإذا كان الإيمان يتحقق في القلب بالطاعة والمجاهدة ، فهو يتحقق أيضا بما يلقيه الله من أنواره وجلاله سبحانه ، وإذا كان عز وجل ( يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ) الحج/75، فمن مقتضيات الاصطفاء اصطفاء القلب وتهيئته لتلقي الوحي الذي وصفه الله عز وجل بقوله : ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ) المزمل/5 .

ألا ترى أننا جميعا نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يفتح قلوبنا لنور الإيمان ، وندعوه دائما عز وجل أن يطهر قلوبنا من كل سوء ، وأن يكرمنا بما أكرم به قلوب أوليائه المؤمنين ، في قوله سبحانه : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) الفتح/ 4، وفي قوله جل وعلا : ( وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ) الحديد/27 ، فلماذا إذن نستكثر أن يطهر الله قلب النبي صلى الله عليه وسلم بأيدي ملائكته ، في حادثة جسدية مادية تُعلم الناس أن ديننا يرتبط فيه عالم الغيب بعالم الشهادة ، وتنتظم فيه قواعد السنن الكونية والحكم الإلهية .

عَنْ أبي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَفَرَجَ صَدْرِي ، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا ، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ، ثُمَّ أَطْبَقَهُ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي ، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ) رواه البخاري (349) ، ومسلم (163) .

وهذا لا يتعارض مع قولنا بأن التزكية تبدأ من الداخل ، وتنطلق من الذات والإرادة الحرة التي خلقها الله سبحانه وتعالى في الإنسان ، ولكن ذلك لا يعني أن البداية والنهاية لها ، بل وعد الله عز وجل عباده المتقين الذين طهروا قلوبهم ونفوسهم ، أن يزيدهم طهرا ونقاء وتصفية من عنده ، وأن يجعل ذلك كرامة لهم وإحسانا جزاء ما وقع في قلوبهم من حب الخير والإيمان ، كما قال سبحانه : ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ) محمد/17 ، وقال سبحانه : ( وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا ) مريم/76 ، وقال جل وعلا : ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) التغابن/11.

أما الشق الثاني من السؤال ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ( يجوع ليشبع غيره ، ويعطش ليروى سواه ) فذلك مما لم ترد به السنة المطهرة ، ولا كتب السيرة المشرفة ، ولا نعرفه مذكورا في كتب العلماء ، وإن كان مقبولا من حيث الفكرة ، فالكرم والإيثار من الأخلاق الفاضلة الحميدة ، التي يتحلى بها كثير من البشر ، فمن باب أولى أن يتصف بها الرسل والأنبياء ، وأولهم خير البشر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الحشر/9.

وليس هناك إشكال في وقوع مثل ذلك في أي موقف اضطرار ، بحيث يقل الطعام عن حاجة القوم ولا يبقى إلا أن يؤثر الناس بعضهم بعضا ، فسيكون النبي عليه الصلاة والسلام أول من يؤثر غيره ولا شك ، لكن مثل هذا سوف يكون واقعة معينة ، تتعلق بمن حضرها ، لا بمن غاب عنها من البشر في زمانها ، فضلا عمن يأتي بعد أزمانهم من الناس ؛ ومثل ذلك كله لا علاقة له من قريب أو من بعيد ، بعقيدة الفداء التي افتراها النصارى على الله .

على أننا لم نقف على شيء من ذلك الاحتمال الممكن ، مرويا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما ورد في معجزاته ، صلى الله عليه وسلم : أن يكثر الطعام بين يديه ، حتى يشبع القوم من عند آخرهم . كما ثبت عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ( لَمَّا حُفِرَ الخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا ، فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي ، فَقُلْتُ : هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا ، وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ ، فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي

وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا ، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : لاَ تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَنْ مَعَهُ ، فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا ، فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ ، فَصَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا أَهْلَ الخَنْدَقِ ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا ، فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ ، وَلاَ تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ . فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْدُمُ النَّاسَ ، حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي ، فَقَالَتْ : بِكَ وَبِكَ . فَقُلْتُ : قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ .

فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ ، ثُمَّ قَالَ : ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعِي ، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلاَ تُنْزِلُوهَا . وَهُمْ أَلْفٌ ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا ، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ ، وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُو ) رواه البخاري (4102) ، ومسلم (2039) .

فلا يجوز أن يدفعنا كفرنا بعقيدة ( الفداء ) التي يؤمن بها النصارى إلى الجور في الأحكام والتصورات ، وإفساد طريقة التفكير السليم ، فنحن لم ننكر في عقيدة ( الفداء ) خلق الإيثار الذي هو قيمة فاضلة في نفسه ، وإنما المنكر هو أن يكون الرب الذي هو المسيح عليه السلام – في زعمهم - مضطرا إلى ( الموت ) كي يكفر خطايا بني آدم . فالباطل في هذه العقيدة أمور محددة :

1. أن المسيح عليه السلام بشر نبي مرسل ، وليس إلها ولا ابنا لله سبحانه وتعالى.

2. أن عقيدة الفداء تقوم على فكرة ميراث الذنوب والخطايا ، وأن ما أذنبه آدم عليه السلام حين أكل من الشجرة تتحمله ذريته من بعده ، وهذا ما يعارض المبدأ الإلهي العادل : ( مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الإسراء/15، أما الإيثار في الطعام والشراب والسعادة فلا ينطوي على تحميل أحد ذنوب الآخرين ، وما اقترفت أيديهم ، بل هي تضحية وتفضل من المؤثر ، لا يلزمه به أحد ، ولا مدخل له في مسألة الذنب والمغفرة ؛ فإن أحدا لا يحمل عن أحد شيئا من ذنبه ، ولو كانت الوالدة ، ووليدها .

3. أنه ليس ثمة تفسير عقلي مقبول لاضطرار الرب أن يضحي بنفسه أو بولده – على اختلاف بين طوائف النصارى – كي يكفر خطايا بني آدم ، رغم أنه سبحانه وتعالى ( الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء ) ؛ فليكفر عنهم ـ إذا ـ وليغفر لهم ، من غير تلك الكلفة الباهظة !!

4. الحقيقة القرآنية الناصعة أن عيسى عليه السلام لم يصلب ، كما قال تعالى : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ) النساء/157.

5. أنه لا دليل أصلا على عقيدة ( الفداء ) فالمسيح عليه السلام لم يتكلم بما يدل عليها ، فكل من تكلم بها إنما أحدثها بعد رفعه عليه السلام إلى السماء الدنيا ، فكلامه إنما هو رأي وتفسير من عنده لا يجوز أن يلزم الناس به ، وأن يجعله المعتقد الذي تحمل عليه البشرية جميعها .
هذا باختصار

والخلاصة :

أنه لم يصح عن الصحابة تغسيل قلب النبي صلى الله عليه وسلم بماء زمزم ، وإنما وردت حادثة شق الصدر من فعل الملائكة الكرام . كما لم يثبت في الآثار أنه عليه الصلاة والسلام كان ( يجوع ليشبع غيره ) ، وإنما صح في السنة والسيرة النبوية أنه عليه الصلاة والسلام كان يجوع ، وتمر عليه الأشهر ، ولا قوت في بيته سوى التمر والماء .

والله أعلم
.









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-23, 03:23   رقم المشاركة : 105
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

أحببت استفسر عن صحه مقولة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهي : أنه كان يكاسر ( يماكس ) بسعر السلعة حتى يعرق جبينه أو فيما معناه .

هل هذا الفعل المنسوب للرسول صلى الله عليه وسلم صحيح ؟


الجواب :

الحمد لله

أولا :

كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ، وأسهلهم معاملة : إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى ، ولم تكن الدنيا من همته صلى الله عليه وسلم ، ولا كان أمر البيع والشراء أكبر همه .

ولكنه كان يمشي في الأسواق ويبيع ويشتري ، ويعلّم الناس بالقول والفعل آداب التعامل ، وما الذي ينبغي أن يكون عليه التاجر من الصدق والعفة والأمانة والمعاملة الحسنة وحب الخير للناس .

ثانيا :

ربما ماكس النبي صلى الله عليه وسلم في الشراء - والمماكسة : المناقصة في الثمن - ولم يكن ذلك منه لمحبة التنافس على الدنيا ، ولكنه المشرع الذي يأخذ عنه الناس أمر دينهم في تجاراتهم وكافة أمورهم ، فكان يبين لهم ما أهمهم من أمرهم كله ، بالقول والفعل .

ثم إن الحفاظ على المال ، وتوفيره بأمر مباح : مما جبلت النفوس عليه ، وليس في ذلك ما يخالف أدبا ولا دينا .

وتأمل حال النبي صلى الله عليه وسلم ، وما صح عنه في ذلك :

روى البخاري (1991) ، ومسلم (715) - واللفظ له - عن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما ، " أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا، فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ ، قَالَ: فَلَحِقَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا لِي ، وَضَرَبَهُ ، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ ، قَالَ: ( بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ ) ، قُلْتُ: لَا، ثُمَّ قَالَ: ( بِعْنِيهِ ) ، فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ، وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي ، فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ، ثُمَّ رَجَعْتُ، فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي ، فَقَالَ: (أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ ، خُذْ جَمَلَكَ ، وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ) .

قال في " سبل السلام" (2/ 7):

" فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِطَلَبِ الْبَيْعِ مِنْ الرَّجُلِ لِسِلْعَتِهِ ، وَلَا بِالْمُمَاكَسَةِ " انتهى.

وعن سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : " جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَمَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ " هَجَرَ " فَأَتَيْنَا بِهِ مَكَّةَ ، فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي ، فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ ، فَبِعْنَاهُ .

رواه الترمذي ( 1305 ) وقال : حسن صحيح ، وأبو داود ( 3336 ) ، والنسائي (4592) ، وابن ماجه ( 2220 ) وصححه في "صحيح أبي داود" .

والْمُسَاوَمَةُ : المُجاذَبَة بَيْنَ البائِع وَالْمُشْتَرِي عَلَى السّلْعةِ وفَصلُ ثَمنِها. كما في "النهاية" (2/ 425) وهي المماكسة والمفاصلة .

وهذه المماكسة المعتدلة دليل رشد وعقل وعلم بسعر السوق ، ومثل هذا محمود لأن صاحبه يكون أبعد عن الغبن والغش والخديعة في البيع والشراء .

ولذلك يقول الفقهاء : يُعرف رشد الصبي ولد التاجر باختباره في البيع والشراء والمماكسة فيهما .

انظر "الموسوعة الفقهية" (22/215) .

ثالثا :

وأما ما ورد السؤال عنه من كون النبي صلى الله عليه وسلم كان يماكس حتى يعرق جبينه ، أو نحو ذلك : فلا نعلم له أصلا مرويا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا هو من أخلاقه وحاله وسماحته في بيعه وشرائه ، ورفقه في أمره كله ، في شيء .

والله تعالى أعلم .









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سؤال وجواب


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 00:12

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc