ابنة “أوسلو” تصمد بعد أن قبرت أمها
لا تزال “اتفاقية باريس الاقتصادية” والتي يفضل البعض تسميتها بالابنة الصغرى لمعاهدة “أوسلو”، تتنفس وتحافظ على متانتها على الرغم من اغتيال الاحتلال الإسرائيلي لأمها وأمام مرأى ومسمع ممن احتضنوها وعقدوا عليها بعقد شهدت عليه الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وكل العالم.
ففي العام 1994 وقعت كل من “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية على اتفاق تعاقدي يعتبر أحد أهم الملاحق الاقتصادية لاتفاقية “أوسلو” للتسوية، والذي كان من المفترض أن يكون عاملا ناظما للعلاقات الاقتصادية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي؛ إلا أنها في الحقيقة إنما تجعل من الاقتصاد الفلسطيني تابعا لاقتصاد “إسرائيل”، ويسمح فيها للاحتلال الإسرائيلي بتعديل قوانين اقتصادية فلسطينية حسب رغبته.
ومما يدلل على تبعات هذه الاتفاقية على الاقتصاد الفلسطيني، التمسك المنقطع النظير من قبل “إسرائيل”، بهذه الاتفاقية، رغم أنها داست على أمها “أوسلو” التي من المفترض أن تكون هذه الاتفاقية ملحقا من ملاحقها.
وقبل عدة سنوات رفضت حكومة الاحتلال إعادة النقاش حول اتفاقية باريس كما طلبت السلطة الفلسطينية، ويكمن السر في تمسك “إسرائيل” بهذا الموقف في كون الاتفاقية مشروع مربح لها ويدخل سنوياً إلى وزارة جيش الاحتلال ما يزيد عن 300 مليون دولار، وتقتطعها سلطات الاحتلال من فواتير المقاصة التي يحرقها التجار الفلسطينيون ورجال الأعمال خوفاً من الضرائب، بحسب ما نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية بتاريخ “22/4/2012.
ونقل عن “أفيغدور ليبرمان” وزير الخارجية “الإسرائيلي” عام 2012 وزير جيش الاحتلال حاليا، قوله: إن “إسرائيل لن تسمح حتى تغيير “فاصلة” في بروتوكول باريس الاقتصادي”.
بنود الاتفاقية/ سياسة الواردات:
وينص هذا البند على: “لدى إسرائيل والسلطة الفلسطينية سياسة شبه متطابقة في ما يتعلق بالواردات والجمارك، ومع ذلك فإن السلطة الفلسطينية تستطيع استيراد منتجات بتعرفات جمركية مختلفة عن تلك المطبقة في “إسرائيل” عقب إجراءات متفق عليها بصورة مشتركة”.
بالإضافة إلى ذلك “تستطيع السلطة الفلسطينية استيراد منتجات من الدول العربية بكميات محدودة متفق عليها.وسيتم اتخاذ ترتيبات لتدير السلطتان بشكل مشترك الحدود في أريحا وغزة”.
الضرائب المباشرة:
وينص البند: “تطبق السلطة الفلسطينية سياستها الخاصة في فرض الضرائب المباشرة بما في ذلك ضريبة الدخل على الأشخاص والشركات وضرائب الملكية ورسوم البلديات، وفقا للسياسة التي تحددها السلطة الفلسطينية”.
ويقوم الطرفان بجمع الضرائب في الأنشطة الاقتصادية التي تجري في مناطقهما، وتنقل “إسرائيل” إلى السلطة الفلسطينية 75% من ضريبة الدخل التي تحصلها من الفلسطينيين الذين يعملون في الأراضي المحتلة منذ عام 1948.
الضرائب غير المباشرة:
وينص هذا البند: “تطبق السلطة الفلسطينية نظاما لضريبة القيمة المضافة مماثلا لذلك المطبق في “إسرائيل”.
وتتراوح معدلات ضريبة القيمة المضافة لدى السلطة الفلسطينية بين 15 و16%.
الوقود:
“يتم تحديد أسعار الوقود في منطقة الحكم الذاتي على أساس سعر الشراء في منطقة الحكم الذاتي والضرائب المفروضة على الوقود في منطقة الحكم الذاتي.
وينص الاتفاق على أن سعر الوقود لا يمكن أن يكون اقل من 15% من السعر الرسمي في “إسرائيل”.
ملاحظات ومآخذ
المحلل السياسي والاقتصادي رانية المدهون كانت قد أشارت في مقالة لها نشرت بتاريخ (15 سبتمبر, 2012) إلى العديد من الملاحظات والمآخذ التي تمس روح الاقتصاد الفلسطيني دون أن يكون ذلك عاملا مؤثرا على حركة الاقتصاد الإسرائيلي، ومنها أن الاتفاقية حدد لها عند توقيعها مدة 5 سنوات لصلاحيتها فقط ، وكان من المقرر أن يتم تعديل هذه الاتفاقية حسب معطيات الواقع، والاحتياج للطرفين، الفلسطيني، و”الإسرائيلي؛ وهو الأمر الذي لم يحدث؛ فهي سارية إلى اليوم.
كما يلاحظ أن الاتفاقية أضرَّت بما يسمى بالغلاف الجمركي (أي حرية انتقال الأفراد والبضائع ما بين الفلسطينيين ، و”إسرائيل”؛ فأصبحت لا تتم بشكل متبادل؛ بل باتجاه واحد.
كما أنه لم يتم تفعيل اللجنة الفنية التي تشكلت بموجب الاتفاقية “اللجنة الاقتصادية المشتركة”.
كما أشارت المدهون إلى وجود تهرُّب ضريبي كبير خاص بالبضائع التي تصل إلى أراضي السلطة الفلسطينية، ما يكبد الفلسطينيين خسائر تتعدى 250-300 مليون دولار سنويًا، يضاف إلى ذلك الكثير من البضائع “الإسرائيلية” التي يتم بيعها في السوق الفلسطينية بدون جباية أي ضرائب عليها.
وأكدت أن الفلسطينيين وبناء على الاتفاقية لن يكونوا قادرين على إقامة علاقات اقتصادية مع دول لا تقيم علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل”، أي ما يساوي 48 دولة، كما تقيد الاتفاقية حرية الاستيراد والتصدير المباشر إلا عن طريق وسطاء “إسرائيليين”.
كما بينت المدهون أن الاتفاقية تقف حائلا أمام إنجاز شراكة أوروبية – فلسطينية، وتقف حائلاً أمام إنجاز اقتصاد وطني قائم على قاعدة إنتاجية، كما تقف حائلاً أمام إنجاز عملة فلسطينية وطنية، ما يوقع الاقتصاد الفلسطيني عن طريق ضرائبه، تحت تقلبات أحوال الشيقل الإسرائيلي، وصعود ضرائب “إسرائيل” الكبيرة؛ رغم صغر الاقتصاد الفلسطيني وسلعه، عكس “الإسرائيلي”.
https://www.qudsn.co/article/127049