يعرَّف الصبر عادة بأنه تحمل الآلام والمرارات, وهذا التعريف والفهم ربما نجده جلي الوضوح عند مجتمع يعيش الظلم والقهر،
هنا تلعب مجريات قصتنا في تحدي فتاة لمآسي حياتها استطاعت ان تتحداها بالصبر والعزيمة في : حلم ريتاج
في زمن ساده الفقر وكثرت فيه الأحزان , تعيش فتاة في مقتبل عمرها وسط أسرة فقيرة تلقب برتاج الجنة
كانت فتاة محبة للتحدي واثقة من خطواتها تحب الجميع , لا تعلوها الغيرة و لا الحقد , كانت مصدر أمل لأهلها لكونها الفتاة الوحيد لوالديها.
اتصفت ريتاج الجنة بأخلاقها السامية وجمالها الفاتن و الأخاذ وحسنها الباهر, الذي جلب أنظار الجميع لها لعذب صوتها ونقاوة قلبها ونقاء خلقها حتى ألهمت كل من حولها و البنات صرن يحقدن عليها لذكائها الحاد و لباقة أسلوبها في الحديث و قدرتها على الإقناع , فلم تكن لابتسامتها الرائعة التي تسلب العقول لتفارق شفتيها ولم تكن لتدمع يوما للحياة رغم ما يحمله قلبها الصغير من أعباء وأحزان ,عانت هذه الفتاة من صعوبات جمة وسلسلة من البلاءات في الحياة ولا سيما في مسارها الدراسي .
كانت ريتاج فتاة طموحة عالية الهمة نشأت محبة للسعادة للجميع فكانت تقر بان كمال سعادتها حين تجد كل من حولها بصحة وعافية لذا اختارت لحلمها في المستقبل أن تكون طبيبة تعيل كل من سرقته مآسي حياته السعادة و تشفي المرضى و تصنع الابتسامة على وجوههم و تحمل هم الآخرين فتسهر على راحتهم
لذلك كانت تحرص على الاجتهاد في دراستها لتصنع مستقبلا مجيدا لها ولعائلتها
لم تدري ريتاج أن ما اختارته سينطبق على أباها الذي أصيب بمرض في قلبه , بل اكتفت بإخفاء الأمر عن والدها لما تعلمه فقط أنه حريص عليها فيضل يجهد نفسه في سنه التي لم تعد تتحمل المشاق والتعب
علم أب ريتاج بحلم ابنته من طرف أمها التي لم تستطع كتمان سر ابنتها خشية من ريتاج في أن تشغله
حتى يجهد نفسه بالعمل الشاق والمضني لتوفير المال من اجل إكمال دراستها
طلب والد ريتاج من زوجته أن تخبر ريتاج بان تأتي لغرفته حال عودتها من المدرسة , فعند وصولها إلي البيت كلمها
أرادت أمها أمها ان تعلم سبب طلب الاب ابنته فكانت تستمع لكلامهم من وراء باب الغرفة والدموع تذرف من عينيها الوديعتين منهمرة على وجنتيها لانها تعلم ماذا يقصد الاب في كلامه.
أخذ الوالد يوصيها على الدوام باليقظة والصبر والحذر في كل خطوة تخطوها
بنيتي ريتاج .. علمت من امك انك تريدين في المستقبل ان تكوني طبيبة , أنا سعيد جدا لأختيارك هذا المبتغى المجيد يا ابنتي , واعلم انه امر ليس بالهين الحصول عليه لذا احسني الاستماع لي و طاعتي في كل كلمة سأقولها عليك يا ابنتي في البداية ان تتخلي بالفكر الحصيف، والعقل الرزين حين تقدمي على اي خطوة او اي تجربة في حياتك وهو يضمن لك درب مملوء بالوفاق والوئام.,اصبري ولا تبكي للحياة ابدا ولا تحزني واستمري معها ولو أخذت لك اغلى ما تملكين ولا تخافي انت كنا أنا و أمك لسما معك لأن الله دائما معك وعالجي الفقراء وساعدي كل محتاج ، ولا تنسي امك التي سهرت من اجلك وساعديها في كبرها وعوضي لها كل ما عانته ونفذي كل كلمة قلتها بتأني ولاتستعجلي في اتخاذ القرارات واستعيني بالصبر ولا تفقدي الامل و ادعي الله دائما .
لم تكاد تدرك الفتاة بأن والدها قد صار على حافة الموت .
وفي صبيحة اليوم التالي في تلك الصبيحة الصاعقة المحبطة و مرعبة
التي استيقظت فيها ريتاج على صوت صراخ وبكاء
يهز أرجاء المنزل آلا وهو صوت أمها وأقربائها حزنا على فراق
كنز حياتها ومسقاها الذي ترتوي منه بالحب والحنان, مات والد ريتاج
وغدت هي مليئة بالإحزان وقلبها في قمة الآلام. .
ركب الفتاة توتر عظيم افقدها العزيمة في المواصلة وكذا خيبة كبيرة أغلقت لها أبواب الأمل والإرادة .. اشتد إحساسها بالحزن ..هذا الإحساس أتى ثقيل جدا عليها جعلها تضيع بلا غاية . مشردة في الطريق الذل والهوان بلا مأوى .. تائهة بلا دليل . وبدأت تهيم في خضم هذه الحياة تصارع معاناتها بلا أسلحة.
لكن أمها لم تلبث في أن تترك ابنتها على هاته الحال المزرية
فوقفت إلى جانبها تذكرها بأنه على الإنسان المؤمن أن يكون صبورا
و لأن عدم الصبر على قضاء الله وقدره يسخط الرب وينافي كمال التوحيد؛ لما فيه من عدم الاستسلام والرضا والإيمان بقضاء الله وقدره.
أخبرتها أمها بحقيقة وفاة والدها,
الأم : بنيتي العزيزة اربد أن أعلمك بحقيقة وفاة أباك الذي توفى بسبب مرض أنهك قلبه مما افقده حياته ولم يكن ليخبرك لأنه لا يحب رؤية
وجهك الجميل هذا حزين ولا يريد أن تلمك الآلام بل كان ينتظر مجيئك لتحكي له يوميات دراستك لأنه يشعر ببعض الراحة , تفاقم هذا المرض عليه
رغم انه كان يحتاج إلى إجراء عملية جراجية لقلبه ولكن العملية كانت بدورها تحتاج إلى مال كثير يفوق وسعنا , أتعلمين انه حين كان يبتسم في وجهك
كان في نفس الوقت يتألم بشدة ؟, لم يكن لدي وقتها دواء حتى اتمكن من تسكين حدة ألمه, إلا الدعاء والتضرع لله في شفائه او حتى أن يشعر ببعض الفرج .
لم تجد ماتفعله هاته المسكينة سوى الجلوس بقرب والدتها وكل منهما تواسي الأخرى .
أتى اليوم الذي تعود فيه ريتاج إلى الدراسة , وهي في طريقها إلى المنزل إذ بفتيات يحاولن التلاعب بأعصاب الفتاة وجرحها بكلامهن
تتجرأ فتاة قائلة : ماذا سوف تصنعين بعد وفاة أباك صرت بلا دعم لذا انسي ذاك الحلم .
سرن الفتيات وهن يقهقهن عليها أما ريتاج فتمسكت بالموقف المتصلب اتجاههن بل لم تكترث بما قالته الفتيات
.و لأنها كانت تريد أن تفعل شيء له قيمة في حياتها، ومستعدة للكفاح من أجله لتحقيقه، صارعت نفسها لتقف وتكمل مشوارها الدراسي و حلمها
مرت الأيام والحلم في انهدام مستمر والفتاة في حالة بحث عن أمل ضاع منها بعد فراق أعز الناس .
كيف لا وموعد الرحيل لإكمال الدراسة قد اقترب . تشكل في مخيلة ريتاج هاجس افقدها التفكير في حل مناسب
بدأت علامات اليأس تبدوا عليها رغم ابتساماته الساحرة أما أمها التي وتطبيقا لوصايا أبوها الراحل لكن وراء تلك الضحكة
جبال من الأحزان أرادت شفاهها النطق بها . فما باليد حيلة إلا الكتمان في قلبها . .
أتى اليوم الذي كانت ريتاج تنتظره بخوف لعدم اقتنائها المال اللازم للذهاب إلى البلاد المجاورة لمزاولة الدراسة,
ازداد حزنها واجتمعت عليها أمور كثيرة استطاعت في أن تجاريها بصبرها .
وكعادة الفتاة أن تتخذ ضلال شجرة تتموقع بالقرب من تلة خضراء تبعد قليلا عن موقع سكنها ودراستها أين تفرغ كل همومها
وأحزانها وتشكو إلى الله عسى أن يفرج عليها .
وفي احد الأيام عندما قصدت مكانها المريح تفا جئت بوجود كتب وكيس من المال ملصق عليه بطاقة معنونة باسمها
نعم هو الفرج الذي اتاها مشيعا بعد كل الاحزان والصعاب ,احتارت الفتاة لما وجدت هذا الكنز المستقبلي فقالت: مستحيل.لا أظن أن أي شخص سوف يقصد هذا المكان لبعده عن القرية
وعن طرق سير الحافلات والقوافل فيا ترى من وضعه هنا؟ولماذا هو موجه خصيصا لي؟ و من اجل مساعدتي؟ ربآه إني لا اصدق
ما تراه عيناي, أأستطيع الالتحاق بالكلية الآن ؟
لم تستوعب الفتاة حقيقة الأمر أخذت نفسا عميقا ومدت يدها إلى السماء قليلا شاكرة مولاها على نعمته,.
ثم قامت يحمل الكتب والكيس متجهة صوب بيتها أين امتلكها الارتباك الشديد خوفا, من عدم قبوله من طرف أمها
دخلت البيت والرأس للأسفل, وضعت الكتب وكذا المال فوق الطاولة فاندهشت الأم وقالت : من أين هذا؟
فأجابت الابنة: لقد وجدته يا أمي معنونا باسمي .
فاِحتضنت الأم ابنتها قائلة:لا تزال الرحمة في القلوب فهذا المال كفيل لتسدية احتياجاتك اللازمة لدراستك .
واستمر الحال بتكرر هذه المساعدات مرات ومرات في نفس اليوم والمكان.
وجاء اليوم الذي انتظرته ريتاج. جاء موعد السفر الذي تتوعد فيه ريتاج إلى التطبيق من اجل تحقيق حلمها المنشود .لكنه كان يوما عصيبا يسوده فراق القلب العطوف الذي بوجود تكتمل فرحتها وتستمر في حياتها دون ضعف او هوان .
سافرت الفتاة بكل أمل لإكمال دراستها وهي بشوق أحر من الجمر لاستقبال رسائل امها الحاملة للكلمات ..... ومعهم المال الكفيل بدراستها.
لكنها رغم ذلك لم تنسى هذا الصاحب المتصدق وهو من كان وراء هذا المال الذي مكنها من مزاولة دراستها
أنهت ريتاج الجنة دراستها وعينت الطبيبة الوحيدة للقرية, فازدادت شعبيتها ومحبة الناس لها وتحقق الحلم المراد الوصول إليه منذ سنين.
عادت رتاج لبلدها وهي مرفوعة الرأس تغمرها السعادة لأنها استطاعت أن تطبق وصايا والدها و متشوقة لرؤية والدتها، وعند وصولها وجدت أمها بانتظارها
لم تتمالك البنت نفسها وارتمت في أحضان أمها الدافئة وكلا منهما تذرف دموع الفرح
وبعد ذلك فتحت رتاج عيادة خاصة بها في قريتها وقد قررت مساعدة كل محتاج فقير
لم تنسى الفتاة اهم شيء في حياتها، فقد ذهبت لزيارة قبر والدها وعند وصولها بدأت الدموع تتساقط من عينيها وهي تقول: أبي ها أنا ذا ، ابنتك ريتاج، لقد حققت حلمي وأصبحت طبيبة ، وقد عدت هنا لبلدي كي انهي حياتي هنا، وأحقق ماوعدتك به، لن ادع أحدا آخر يعاني ما عانيته أنت، سابقي إلى جانب والدتي
ولن أنسى تشجيعك لي على مزاولة الدراسة سأضل أفتخر لأني كسبت أبا أغلى من الالماس.
كانت ريتاج تغمرها الابتسامة والسعادة للعودة إلى حضن أمها وزيارة المرحوم أبيها
لكن رغم ذلك الفرح والسرور
كانت ريتاج تشعر بالحزن والأسى لعدم معرفة المتصدق عليها.
فأشفقت عليها أمها وقررت إخبارها بالوعد الذي آن الأوان لمعرفة ابنتها له
فقالت الأم: بنيتي لقد أتى المال من اعطف الناس اليك , انه الرجل الذي حمل هم الأسرة كلها ورفع شأننا عاليا انه والدك رحمه الله فقد قام بجمع المال منذ شهور قبل وفاته ولم يرد إخبارك إلا بعد انتهاء دراستك وها أنا ذا أوفي بوعدي له.
مرت السنين وكبرت ريتاج وغدت كالقلب نابضا مليئا بالحيوبة يهتز مثل الشعلة وعلى شانها بين اصقاع بلدتها وتعلمت من حياتها عبرا خلدت في تاريخها ناقلة قصتها إلى أحفادها.
فاِيأك أن تقول [لا أستطيع] بل قل [لا أريد] لأنك لو أردت فعلآ أن تحقق أمرا ستحققه فكلنا نستطيع لكن لسنا كلنا نريد.
اعدت كتابة الوصية بنفسي