لكل من يبحث عن مرجع سأساعده - الصفحة 60 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم البحوث العلمية والمذكرات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

لكل من يبحث عن مرجع سأساعده

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-02-21, 23:04   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
bxman303
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

بحث حول المجتمع الموشوري









 


رد مع اقتباس
قديم 2012-02-22, 09:27   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
لمجد بوزيدي
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

اريد مراجع حول المخاطر التسويقية في المؤسسة










رد مع اقتباس
قديم 2012-02-22, 21:33   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لمجد بوزيدي مشاهدة المشاركة
اريد مراجع حول المخاطر التسويقية في المؤسسة
https://205.196.123.188/cywayvvp7bjg/...9%8A%D8%A9.doc









رد مع اقتباس
قديم 2012-02-23, 03:16   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
سفير الهضاب
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

أريد مراجع في الرثاء في العصر العباسي من فضلك










رد مع اقتباس
قديم 2012-02-23, 10:47   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
laysa
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا على هذه المعلومات وجعلها الله في ميزان حسناتك.










رد مع اقتباس
قديم 2012-03-23, 14:00   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سفير الهضاب مشاهدة المشاركة
أريد مراجع في الرثاء في العصر العباسي من فضلك
الرثاء
أما غرض الرثاء فمن الطبيعي أن تظل له منزلته السامية في النفوس لانبثاقه من عاطفة الحزن الواري في كل زمان ومكان. غير أن فن الرثاء ارتقى في هذا العصر، واكتسب غنى وعمقاً، بفضل شعراء كبار أبدعوا فيه وفي سائر أغراض الشعر، وفي طليعة شعراء الرثاء أبو تمام الذي قيل عنه «مداحة نواحة»، ومن بعده ابن الرومي الذي عرف برثاء أولاده.
كذلك افتن الشعراء في هذا الغرض تبعاً لتشابك العلاقات الاجتماعية في ذلك العصر، وتوطد صلاتهم مع أولي الأمر. إذ لم يمت خليفة ولا وزير، ولا قائد ولا عظيم، إلا رثوه رثاء حاراً وأبَّنوه تأبيناً رائعاً، مبرزين في قصائدهم كل ما كان يتحلى به الفقيد في حياته من مناقب وما كان له من فضل.
وكم ألمت بهذا العصر العباسي المديد أحداث جائحة وفتن طاغية وجدت لها في النفوس صدى أليماً وتجلت على ألسنة الشعراء مراثي دامعة. وحدث أن اجتاح الزنج البصرة في فتنة هوجاء حين زحفوا إليها من ظاهر المدينة، فاستباحوها وأعملوا فيها يد التخريب والتنكيل. وراع هذا النبأ الفاجع ابن الرومي فقال في رثاء المدينة المنكوبة قصيدة تعد من أروع الشعر مطلعها:
ذاد عــن مقلتي لذيــذ المنـــام شـــغلها عنه بالدموع الســـجام
ولم يكن هذا النمط من رثاء المدن معهوداً في الشعر العربي،ولكن أحوال ذلك العصر المتفجر اقتضت مواكبة الشعر لها. ولعل هذه القصيدة باكورة رثاء الممالك الذي أخذ في الظهور فيما بعد ولاسيما إثر سقوط بغداد بيد التتار القساة، وإثر تساقط دويلات المسلمين في الأندلس بيد الفرنجة.
وقد تستدعي حقيقة الموت من الشاعر أن يتأمل في طبيعة الحياة وحال الدنيا،فيكون له من ذلك نظرات وآراء،ولاسيما بعد أن تشبع الشعراء بأفكار ثقافات أغنت معارفهم وعقولهم، ومن هذا القبيل كثير من شعر أبي العتاهية في الوجود والعدم، والحياة والموت، والبقاء والفناء.
ولأبي العلاء المعري (ت449هـ/1058م) فلسفة أعمق في هذا الصدد تبعاً لغنى فكره ونفاذ بصيرته، حين عمد إلى رثاء صديقه الأثير أبي حمزة الفقيه في قصيدته المشهورة التي مطلعها:
غير مجــد فـي ملتي واعتقـادي نـــوح بــاك ولا ترنـــم شـــــاد
فقد استطاع أبو العلاء أن يحلق في أجواء علوية سامية وينظر من خلالها إلى الكون والحياة نظرة كلية شاملة وبذلك ارتفع في رثائه من نطاق الحادثة الفردية المحدودة إلى رحاب الإنسانية الشاملة.
كل ذلك يعني أن هذه المراثي تغاير في كثير من ملامحها معهود شعر الرثاء الذي يغلب عليه النواح وتبلل قوافيه الدموع

https://www.marefa.org/index.php/%D8%...A7%D8%B3%D9%8A









رد مع اقتباس
قديم 2012-03-23, 14:02   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سفير الهضاب مشاهدة المشاركة
أريد مراجع في الرثاء في العصر العباسي من فضلك
العصر العباسي مايو 20th 2010, 1:38 pm
العصر العباسي
قامت الدولة العباسية على أثر ثورة ضد الأمويين كان العباسيون قد أعدّوا لها في روّية وإحكام وسريّة عام 132هـ ، 749م . وسقطت الدولة العباسية بسقوط بغداد على أيدي التتار عام 656هـ ، 1258م .
وقد اصطلح المؤرخون على تقسيم هذه الخلافة العباسية إلى ثلاثة عصور هي : العصر العباسي الأول ، من قيام الخلافة العباسية إلى أول خلافة المتوكل (132 - 232هـ ، 749 - 846م) ، والعصر العباسي الثاني (232 - 334هـ ، 846 - 945م) من خلافة المتوكل إلى استقرار الدولة البويهية ، والعصر العباسي الثالث (334 - 656هـ ، 945 - 1258م) من استقرار الدولة البويهية إلى سقوط بغداد على أيدي التتار.

العصر العباسي الأول (132 - 232هـ ، 749 - 846م). حققت الدولة الإسلامية في ظل العباسيين تقدمًا حضاريًا كبيرًا ، إذ أفادت من جهود الأمويين ثم زادت عليها أضعافًا تأليفًا وترجمة ، فضلاً عن ازدهار فنون الغناء والموسيقى والعمارة ، وازدهار وسائل العيش في الملابس والمساكن والطعام والشراب. وكان لخلفاء بني العباس إسهام كبير في تشجيع المدّ الحضاري وتغذيته ، فعقدوا المجالس للأدباء والعلماء والمغنين ، وأجزلوا العطاء ، وأنشأوا المكتبات ودور العلم ، وجلبوا الكتب الأجنبية من شتى البقاع.

كانت دمشق حاضرة الخلافة الأموية ، ثم صارت بغداد حاضرة العباسيين ، وزخرت بالشعراء والعلماء وأهل الفن. وإذا كان الأمويون أدخلوا الثقافة البيزنطية ، فإن العباسيين قد تأثروا بالثقافة والحضارة الفارسية.

كان من الأمور الناجمة عن الثراء والترف والامتزاج بالشعوب التي فتحت بلدانها أن نشأت تيارات منحرفة تمثلت في الشعوبية والزندقة والمجون.
أما الشعوبية فهم أولئك القوم الذين عادوا العرب ، ولم يروا فيهم إلا بدوًا ورعاة غنم وسكان خيام ، ومجرّد قبائل لم تجمعهم دول منظمة مثل غيرهم من الأمم كالروم والفرس. ويعكس تيار الشعوبية حقد الشعوب المغلوبة على الأمة العربية التي حباها الله برسالة الإسلام ، وحقق لها الغلبة على أعداء هذه الرسالة. ومن أشهر دعاة الشعوبية: علاَّن الشعوبي وسهل ابن هارون وبشار بن بُرد وأبو نواس.

يفسّر الجاحظ في عبارة له تيار الشعوبية فيقول: "إن عامة من ارتاب بالإسلام إنما كان أولُ ذلك رأي الشعوبية والتمادي فيه وطول الجدال المؤدّي إلى الضلال ، فإذا أبغض شيئًا أبغض أهله ، وإن أبغض تلك اللغة أبغض تلك الجزيرة ، وإذا أبغض تلك الجزيرة أحبَّ من أبغض تلك الجزيرة ، فلا تزال الحالات تنتقل به حتى ينسلخ من الإسلام ، إذ كانت العرب هي التي جاءت به ، وهي السلف والقدوة". وعبارة الجاحظ هنا تصور بدقة العلاقة بين الزندقة والشعوبية باعتبارهما تيارًا معاديًا للعرب والإسلام معًا.

أما الزندقة ، فقد نجمت عن الامتزاج بشعوب من نحَل وديانات شتى ، منها المانوية والمزْدكية والزرادشتية. وقد تعقَّب خلفاء بني العباس هذا التيار بحزم ، وبخاصة الخليفة المهدي ، الذي اتخذ ديوانًا خاصًا لتعقّبهم. وكان للكتب التي حملت أفكار الزندقة أثرها في طائفة من ضعاف النفوس. ويوجد دائمًا في فترات الانفتاح العقلي من يولع بالتقليد لأرباب الأفكار الشاذة المستوردة ، ويميل إلى اعتناقها والولاء لها أكثر من أربابها.

ومن أشهر زنادقة ذلك العصر: ابن المقفَّع ، الذي قال فيه الخليفة المهدي: "ما وجدت كتاب زندقة قطّ إلا وأصله ابن المقفع". ومن هؤلاء الزنادقة أيضًا: صالح بن عبد القدوس الشاعر ، وبشّار بن بُرد. وإذا كنا قد خصصنا المهدي بالإشارة في تعقب الزنادقة فإنّ غيره من خلفاء بني العباس لم يقلوا عنه تحمسًا للعقيدة وتعقبًا لأعدائها من الزنادقة.

وإذا كان الخلفاء وولاتهم قد تعقَّبوا الزنادقة قتلاً وقمعًا ، فإن المتكلمين تعقبوهم حوارًا ومناظرة ، وكثيرًا ما كان الحوار يجري بحضور الخليفة. كما تعقَّبوهم أيضًا من خلال نقض آرائهم في مقالاتهم ورسائلهم ومناظراتهم.

أما تيار المجون ، فقد كان أيضًا أحد الوجوه السلبية للاختلاط بالأعاجم وانفتاح المجتمع العربي المسلم على عقائدهم وعاداتهم وأخلاقهم من خلال هذا الاختلاط ومن خلال حركة الترجمة والنقل التي اتسعت في هذا العصر اتساعًا عظيمًا. والأمر الذي لا شك فيه أنه كان ثمة علاقة وثيقة بين هذه الظواهر الثلاث ، وهي: الشعوبية والزندقة والمجون ، وذلك بحكم أنها جميعها كانت صادرةً عن مصدر واحد ، هو المصدر الأجنبي ، كما كانت صبغة العداء للدولة الإسلامية تشكَّل عاملاً مشتركًا بينها. وحين نطالع المصادر الأدبية في العصر العباسي يطالعنا أدب مصطبغ بالمجون في شعره وقصصه وأخباره. وفي كتاب الأغاني الكثير من أخبار أبي نواس وأشعاره ، وكذلك مطيع ابن إياس وحماد عجْرد ، وسواهم.

ومع كل ما تقدم فلا ينبغي التصور بأنَّ حياة المجتمع العباسي قد أسلمت قيادها تمامًا للشعوبية والزندقة والمجون ، وأن هذه الحياة قد تحلَّلت من كل قيود العقيدة والأخلاق ، فلقد كان لتيار الدين سلطانه الذي لم يُقهر ، إذ ظهر الزهد والزهَّاد ، بل ظهرت بواكير التصوف ، هذا إلى جماهير العلماء والوعاظ وأهل النُسْك ، ومجالسهم التي عمرت بها أرجاء بغداد في مساجدها ورباطاتها وقصورها. ومن هؤلاء عبد الله بن المبارك ، وسفيان الثَّوري ، ومعروف الكرْخي ، وابن السَّمَّاك. كما كان من وعاظ البصرة: موسى الأسواريّ الذي وصفه الجاحظ بقوله: " كان من أعاجيب الدنيا ، كانت فصاحته بالفارسـية في وزن فصاحته بالعربية".

على أنه ينبغي ألا نُغفل تيار الحركة العقلية ، إذ نضجت العلوم ، ورسخت مناهج البحث فيها ، وكثرت المؤلفات في علوم الدين عقيدة وشريعة ، فضلاً عن المؤلفات اللغوية والنحوية ، وكتب الأدب الخاص ، ودواوين الشعراء. وقد كان التيار الديني والتيار العقلي يحاولان معًا كبح تيارات الشعوبية والزندقة والمجون. وإذا كانت هذه التيارات قد أحدثت آثارها السَّلبية في المجتمع فإنها شكلت لونًا من ألوان التحدي للعقل العربي ، فراح يقاومها بكل سبيل ، كما حفزت همم أهل الغيرة الدينية للتصدي لها والتغلب عليها. وهكذا شهدت الساحة لونًا من الصراع العقلي والروحي. فكان للإسلام تأثيره الواسع في أنحاء الدولة الإسلامية ، وانتشرت اللغة العربية ، وتعربت الشعوب الأعجمية. وإذا كان من الأعاجـم من عادى الإسـلام وأهله ، فإن جمهورهم الـغالب كان سندًا للإسـلام ، وعضدًا للمسلمين.

الشعر. حقق الشعر في هذا العصر تطورًا كبيرًا في أغراضه وأفكاره وفي شكله الفني ، وزنًا وقافية ولغة. وهذه نتيجة طبيعية لاتساع جوانب التجربة العقلية عن طريق الترجمة والاختلاط بأجناسٍ بشرية مختلفة ، وتطور المعارف الدينية واللغوية والأدبية ، واتساع حركة التأليف ، وظهور المعارف الفلسفية. وفي هذا العصر ظهر من يطلق عليهم الباحثون الشعراء المحدثون ، أو الشعراء المولّدون ، مثل بشار وأبي نواس ومطيع بن إياس.

وترتب على تطور الشعر في تلك الحقبة نشأة صراع حادٍ بين أولئك المحدثين ، ومن تصدّى لهم من المحافظين في ما يسمى اصطلاحًا قضية عمود الشعر. أي: (الأصول التقليدية المرعية للقصيدة العربية). وكان للغويين خاصة دور كبير في تمثيل تيار المحافظين ، وبخاصة في جانبي اللغة والصورة الفنية للقصيدة العربية. وقد تبدت مظاهر التطور الشعري في الأغراض والمعاني ، والوزن ، والقافية ، وبناء القصيدة ، واللّغة.

الأغراض والمعاني. هناك أغراض جدّت واستحدثت ، وأغراض بقيت على ماكانت عليه ، مع شيءٍ من التجديد في بعض عناصرها. فمما جدَّ من الأغراض الزهد الذي كان أبو العتاهية رمزًا بارزًا له ، وهناك أبو نواس ، وهو وإن اشتهر بالمجون والخمريات ، فقد ألمّ بشيء من الزهد في بعض شعره في أخريات حياته. وقد كان هذا الزهد إسلاميَّ الطابع ، ومن هنا حفلت الزهديات بالكثير من قيم التقوى وترقب يوم الحساب والإعراض عن ملذَّات الحياة الزائلة. وكان هذا الشعر يمثل تيار ردّ الفعل لشعر المجون والخمريات. ومن الأغراض الجديدة الشعر التعليمي. كما ظهر لون جديد من الشعر هو الشعر الفكاهي الذي ضم النوادر المضحكة ، والمعاني الفكهة. وقد هيّـأ لظهور هذا اللون الجديد جو المرح واللهو في هذا العصر ، وانتشار مجالس الأنس والسّمر ، خاصة في قصور الخلفاء والولاة والأعيان. ومن هذا ما نجده لدى بشّار في أبيات له تحكي قصة عشق حمارٍ لأتانٍ ، وفيها يقول بشّار على لسان حماره:

سيــدي مِلْ بعناني نحـو باب الأصـبهاني
إن بالبــاب أتانـًا فَضلــتْ كـلَّ أتـان
تَيَّمتني يـوم رحـنا بثنــاياهــا الحسان
و بحســـنٍ ودلالٍ سـلَّ جسـمي وبراني
و لهـا خــدٌ أسيل مثـل خـد الشيفـران

ثم سأل أحدُ الجالسين بشارًا عن معنى لفظ الشيفران ، فأجابه بشار: هذا من غريب الحمار فإذا لقيتم حمارًا فاسألوه. وواضح أن الكلمة مرتجلة إمعانًا من الشاعر في التفكُّه ، وكان تفسير بشار لها أكثر فكاهةً. وواضح من الأبيات سخرية الشاعر من شعراء الغزل في عصره خاصة. كما أن هذا اللون الجديد من الشعر الفكاهي قد استخدمه فريق من الشعراء للسخرية والنقد لبعض ما لا يروقهم من الأفكار والعادات.

ظهر في هذا العصر أيضًا ما يسمى بشعر الطرديات وهو ذلك الشعر الذي يصف رحلات الصيد والطرائد وكلاب الصيد والصقور ، وما إلى ذلك. وهذا الغرض وإن كانت له جذور فيما سبق من العصور فقد اتسعت جوانبه ، وتفنن فيه الشعراء حتى صار فنًا جديدًا ، وكان أبو نواس من أبرز الشعراء ميلاً لهذا الغرض. ولا شك أن حياة الترف والثراء كانت وراء هذا الغرض الشعري. كما ظهر شعر الشكوى من البؤس ، الذي كان تعبيرًا عن بعض مظاهر الفقر ، كما كان سواه صدى لحياة الثراء والترف ، وقريب من شعر الشكوى من البؤس شعر الشكوى من العاهات ، وهو ضرب من رثاء ما ذهب من الأعضاء أو الحواس ، مثل أشعار أبي يعقوب الخريمي الذي أكثر من بكاء عاهة العمى لديه ، وتصوير مشاهده ومواقفه بكل صدق. وقد كان هذا الغرض الشعري وأمثاله من الأغراض نتيجة لعمق الوعي بالذات ، فضلاً عن رقَّة المشاعر التي اكتسبها الشعراء ، خاصة بحكم ما أصاب الحياة من التحضر والرفاهية. كما أن دقة تصوير الشعراء للنفس البشرية في أدق خلجاتها كانت نتيجة لاتساع ألوان الثقافة ، التي تثري التجربة الشعرية وتكسبها العمق والاتساع.

أما الأغراض التي بقيت مع شيء من التطوير فمنها ، على سبيل المثال ، المديح ، وهو غرض عريق شائع في الشعر العربي ، غير أن الشعراء المحدثين أثروه بما أدخلوا عليه من عمق التحليل للفضائل النفسية والخلقية ، نتيجة لما اكتسبوه من الثقافات ، ومثل ذلك شعر الهجاء ، فقد تناولوه أيضًا بشيءٍ من البسط والتحليل للأخلاق ، ولكن في جوانبها السلبية. على أن شعراء هذا العصر بمدائحهم وأهاجيهم قد تغلغلوا في النفس البشرية وكشفوا عن كوامنها ، كما أنهم بتناولهم للفضائل والرذائل رسموا المثُل التي ينبغي الإقبال عليها.

ولعل شعر الرثاء ، وإن كان غرضًا قديمًا ، قد أصابه حظ غير قليل من التطور ، فلم يعد رثاءً للناس فحسب ، بل صار رثاءً للمدن والأماكن ، كرثاء بغداد على أثر ضربها بالمنجنيق في عصر الأمين ، حيث عمّها الخراب ، وعاث في جوانبها المفسدون.

كما طرأ تغيُّرٌ على الرِّثاء ليصبح رثاءً للحيوان والطيور المستأنسة ، وقد استكثر أحمد بن يوسف الكاتب من هذا اللون الطريف ، الذي يدل على اتساع آفاق الإبداع الشعري نتيجة لاتساع آماد الثقافة.

ويمكن القول إجمالاً أنه ما من غرض شعري قديم إلا دخله التطوير والتجديد على أيدي الشعراء المحدثين ، على تباين في ذلك.

اللغة. امتدت حركة التجديد في الشعر إلى اللغة وذلك من جملة وجوه توجز فيما يلي:

أولاً: سهولة الشعر ، ولا يعني هذا أن الشعراء المولعين باللفظ الغريب قد انقرضوا ، فقد بقي منهم أمثال أبي البيداء الرياحي وابن الدُّمينة وأبي ضمضم الكلابي ، وقدكانوا من أهل البادية ، كما كانوا رواة للشعر القديم وللغة.

على أن هذه اللغة السهلة التي عمد إليها الشعراء المحدثون ، لقيت إنكارًا من علماء اللغة الذين لم يكن ذوقهم يسيغ إلا الشعر القديم بألفاظه الغريبة ، وذلك لسببين: الأول يتعلق بقضية الاحتجاج اللغوي ، والثاني أنهم كانوا يقتصرون على رواية الشعر القديم ويتخذونه مادةً للتعليم ، ويعتقدون أن هذا الشعر القديم هو الوعاء الحقيقي لأصول اللغة.

ثانيًا: استخدام بعض الألفاظ الأعجمية ، ومن أشهر الشعراء في ذلك أبو نواس إذ كان يستكثر من هذه الألفاظ ، حتى لتأتي بعض عباراته الشعرية فارسية خالصة ، ولا شك أن امتزاج الأعاجم بالعرب قد قيَّض لهذا الشعر شيئًا من الرواج.

ثالثا: مخالفة بعض الشعراء للأقيسة المعروفة في اللغة ، مما جعل نقاد هذا العصر يتهمون الشعراء بالخروج على أصول العربية ، مع أن في كثير من مخالفات هؤلاء الشعراء ما يمثل لهجة عربية أو يكون من قبيل الضرورات الشعرية. يقول ابن قتيبة ـ دفاعًا عن لغة أبي نواس: "وقد كان أبو نُواس يُلَحَّنُ في أشياء من شعره لا أراه فيها إلا حُجّة من الشعر المتقدم وعلى علَّةٍ بيِّنة من علل النحو".

وخلاصة ماتقدم أن التجديد في عنصر اللغة خاصة قد أثار تيار الصراع بين القديم ، الذي كان يمثّله اللغويون بمعاييرهم التقليدية المتشددة ، وبين الشعراء المولدين يساندهم فريق من أنصار حركة التجديد ، وعلى رأسهم ابن قتيبة.

الأوزان. تطور شعر هذا العصر في أوزانه ، فعمد المولَّدون خاصة إلى المقطعات وإلى المجزوءات ، واستكثروا من الأوزان الخفيفة الزاخرة بالإيقاع وبخاصة المقتضب والمتدارك ، والوزن الأخير أغفله الخليل واستدركه عليه تلميذه الأخفش.

وفي تجديد الشعراء في القافية استحدثوا ما يسمى بالمزدوج والمسَمّطات. والمزدوج نوع من النظم المتعدد القوافي ، إذ تختلف القافية فيه من بيتٍ إلى بيت ، ثم تتحد القافية في الشطرين المتقابلين ، وتكون على بحر الرجز. وقد كثر استعماله في المنظومات التعليمية بوجه خاص.

أما المسمَّطات فهي قصائد تتألف من أدوار ، يتركب كل دور من أربع شطرات أو أكثر ، وتتفق شطرات كل دور في قافية واحدة ، عدا الشطر الأخير ، فإن قافيته تكون مخالفة.

بناء القصيدة. من أهم عناصر التجديد الشعري ما يتعلق ببناء القصيدة ، فقد تخلَّص الشعراء المولّدون من المقدمات الطللية التي كانت لدى القدماء ، وتجاوزوها إلى أطلال مستحدثة اقتضتها تطورات الحياة ، فكان هناك أطلال القصور في المدن تستقل بها قصائد تامة ، ولا تتوقف عند المقدمة ، ومنها سينية البحتري التي وقف فيها على أطلال إيوان كسرى وصوَّر لوحاته الفنية المنقوشة على جدرانه. وأحيانًا يستخدم الشاعر العباسي مقدمات لقصائده في وصف الطبيعة في المدن ، وهي تتمثل في الحدائق التي افتن العباسيون في تنسيقها ، كما اتخذوها متنزهات لهم.

النثر. إذا كان فن الشعر قد تطور على هذا النحو ، فإنه من البدهيّ أن يتطور النثر ، بحكم أن النثر ألصق بالواقع وأن الحاجة إليه في أمور الحياة أكثر. وكان هذا التطور نتيجة طبيعية لهذا السيل من الثقافات الأجنبية المتنوعة في مصادرها وفي أجناسها ، ونتيجة لاتساع مجالات الحياة في هذا العصر. وقد استجاب النثر العربي لحاجات الواقع الاجتماعية والسياسية والعقلية والدينية ، وأثبتت اللغة العربية مرونتها وقدرتها على التعبير عن هذه الحاجات جميعها. وسوف نتناول هنا ـ في إيجاز ـ أهم أشكال النثر في هذا العصر بادئين بفن الخطابة.

عرف العصر العباسي أشكالاً من الخطابة ، منها الخطابة السياسية ، والخطابة الدينية ، والخطابة الحفلية ، فأما الخطابة السياسية فإنها قويت في أول العصر العباسي بحكم استخدام العباسيين لها في تثبيت سلطانهم ومقاومة أبناء عمومتهم من العلويين ، وبسبب قوة القريحة التي تميز بها أوائل خلفاء بني العباس كأبي عبد الله السفّاح وأبي جعفر المنصور والرشيد والمأمون ، لكن الخطابة السياسية لم تلبث بعد هذا أن ضعفت حين ترسخ سلطان العباسيين ، وحين جاء من بني العباس جيل ضعفت فيه القريحة الخطابية ، وبشكلٍ عام ، فإن الخطابة السياسية لهذا العصر كانت أضعف مما كانت عليه في العصر الأموي.

عرف هذا العصر الخطابة الدينية ، ومارسها بعض الخلفاء ، وتوسع فيها الوعاظ. فمن الخلفاء هارون الرشيد ، الذي تدل النصوص على بلاغته وقوة قريحته فضلاً عن تقواه وورعه. غير أن الخطابة الدينية لدى الخلفاء العباسيين باستثناء القلة النادرة كانت ضعيفة المستوى بشكل عام. أمّا الوعاظ فقد نهضت على أيديهم الخطابة الدينية بحكم تخصصهم وبسبب ماتميز به أكثرهم من الفصاحة والبيان ، فضلاً عن سعة ثقافتهم. وعمق مشاعرهم الدينية ، وأشهر هؤلاء الخطباء الوعاظ عمرو بن عبيد المعتزلي واعظ الخليفة أبي جعفر المنصور ، وصالح بن عبد الجليل واعظ المهدي ، وابن السمّاك واعظ الرشيد ، ومنهم أيضًا موسى بن سيّار الإسواري ، وصالح المرِّي ، ولهؤلاء نصوص خطابية أوردتها كبريات المصادر التاريخية والأدبية ، ويزخر كتاب البيان والتبيين للجاحظ بالكثير من نصوصهم الخطابية ، فضلاً عن وصف الجاحظ لهم ولأدبهم.

والفن النثريّ الثاني هو فن المناظرة ، وقد بلغ في هذا العصر مبلغًا كبيرًا من الازدهار ، فاق ما سبقه من العصور ، والسبب واضح ، وهو أن العصر شهد من اتساع المعارف وتنوعها الشيء الكثير ، وجدير بهذا الاتساع والتنوع أن ينتج خلافًا في الآراء ، واختلافًا في الاتجاهات ، فكانت هناك الفرق التي تتناظر فيما بينها ، أو تناظر إحداها خصوم الإسلام من أهل الكتاب وأصحاب العقائد الفلسفية وأهل الزنَّدقة. وأشهر هذه الفرق المعتزلة ، وأشهر مناظريهم أبو الهذيل العلاف والنَّـظَّام. وكان للمناظرة أكبر الأثر في نشأة علم البلاغة وتطوره ، وذلك لحاجة المتناظرين إلى البيان الناصع والحجة القوية وحضور البديهة وتشقيق المعاني والقدرة على تحليلها.

ظهر نوع من المناظرة لا يقصد إلى انتصار عقيدة أو ترسيخ مبدأ ، بل كان هدفه الجدل للجدل ، والتدليل على البراعة في الاحتجاج والاستدلال ، وهو لون من ألوان الترف العقلي الناجم عن سيطرة الجو الجدلي على ساحة المعرفة ، وقدرة العقل على اكتساب المزيد من القدرة على الحوار والانتصار. فمن ذلك مثلاً تلك المناظرة الطريفة في المفاضلة بين جمال الديك وجمال الطاووس ، ففريق ينتصر للأول ، وآخر ينتصر للثاني ، وكل منهم يورد من طريف الحجج ما يثير العجب حقًا.

ومن الفنون النثرية لهذا العصر فن الرسالة الديوانية وما يلحق بها من العهود والوصايا والتوقيعات.


العصر العباسي الثاني (232 - 334هـ ، 846 - 945م). وأول خلفائه هو المتوكل على الله العباسي ، ونهايته ظهور الدولة البويهية. وإذا كان للفرس في العصر الأول ، نفوذهم الثقافي والحضاري الذي ظهرت آثاره في الأدب والمجتمع ، فقد كان للترك نفوذهم السياسي في هذا العصر من خلال تحكمهم في الخلفاء ، مما كان له أثره في إضعاف الخلافة العباسية. وكان الترك فرسانًا ولكنهم لم يكونوا حملة تراث أدبي أو حضاري.

تزايد الترف في عهد الخلفاء العباسيين ، ومع تزايده ازدهرت حركة الغناء والموسيقى ، وعُرف من المغنِّين والموسيقيين في هذا العصر عمرو بن بانج وابن المكي وعثْعث وسليمان الطبّال وصالح الدفاف وزُنام الزامر ، ومن المغنيات عَريب وبدعة وشارية وجواريها.

دخلت الموسيقى في هذا العصر مرحلة جديدة من التطور ، وهي التأليف ، واختراع بعض الآلات ، فظهرت مؤلفات لكل من الكِنْدي والفارابي ، الذي ألف وشارك في تطوير بعض الآلات الموسيقية واخترع آلة العود كما ألف في الموسيقى إسحاق الموصلي ، وعُدّت مؤلفاته ، فيما بعد ، مصادر أساسية لكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.

وكما عرف العصر السابق الشعوبية والزندقة والمجون ، وعرف تيار رد الفعل ممثلاً في الزهد والتصوف ، فكذلك كان هذا العصر. وكلا التيارين كان له أنصاره ، وكان له صداه في الأدب شعرًا ونثرًا. ومثلما تصدى المتدينون لتياري الزندقة والمجون ، تصدّى للشعوبية فريق من الأدباء أمثال الجاحظ وابن قتيبة. وللجاحظ مقالات وردود على الشعوبية في كتابه البيان والتبيين خاصة ، كما أن لابن قتيبة مبحثًا سماه كتاب العرب أو (الرد على الشعوبية). ومن عجب ألا تكون الشعوبية مجرد أقوال بين الناس ، بل إن الشعوبيين ألّفوا كتبًا في النَّيل من العرب واحتقار شأنهم ، وقد سجّل صاحب الفهرست عناوين لبعض هذه الكتب ، مثل كتاب فضل العجم على العرب وافتخارها لسعيد بن حميد بن النْختكان.

ونشطت الحركة العلمية في هذا العصر نشاطًا كبيرًا ، تمثل في العناية بالتعليم ، لا فرق في ذلك بين الخلفاء وولاتهم ، وبين العامة. وكانت المساجد مراكز نشطة للتعليم ، فضلاً عن الكتاتيب وقصور الخلفاء والولاة ، الذين كانوا يجزلون المكافأة للعلماء القائمين على تعليم أبنائهم ، كما كثرت المكتبات وحوانيت الوراقين التي كانت تتكفل ببيع الكتب وشرائها فضلاً عن نسخها وتجليدها. كما نشطت حركة الرواية والرحلة في طلب العلم وبخاصة الحديث ، كما تزايدت حركة النقل والترجمة ورعاية الخلفاء لها ، ومن أشهر مترجمي هذا العصر إسحاق بن حنين وحنين بن إسحاق ولده وثابت بن قرة. وكانت حركة الترجمة شاملة للعلوم والفنون والآداب.

وكان من البدهيّ أن تنشط ، أيضًا حركة التأليف في مختلف العلوم والفنون والآداب ، وخاصة التأليف في العلوم الإسلامية عقيدة وشريعة ، إذ شهد هذا العصر أوثق مدوَّنات الحديث وأشهرها ، مثل الكتب الستة ، وهي صحيحا البخاري ومسلم وسنن ابن ماجة وأبي داود والترمذي والنَّسائي. كما شهد تآليف فقهية في المذاهب الأربعة ، وتآليف كلامية خاصة في الاعتزال. كما ظهرت عقليات علمية فذّة لها دورها في تاريخ العلوم على مستوى العالم بأسره ، ومن هؤلاء الخوارزمي في الرياضيات وواضع علم الجبر ، والكِنْدي العالم الفيلسوف ، والجاحظ الأديب المتكلم. وبدا واضحًا أن العقل العربي المسلم استطاع أن يستوعب ثقافات الأمم وأن يتمثلها ، ثم يشارك مشاركة فعالة في الجهود الإنسانية الحضارية ، فضلاً عن تميزه وابتكاره.

الشعر. وأبرز أعلامه ، لهذا العصر البحتري وابن الرومي وابن المعتز ، وهؤلاء أشهر شعراء هذه الحقبة ، ولكن الذين لم يحظوا بشهرة كشهرتهم كثير ، منهم على سبيل المثال علي بن يحيى المنجِّم وأبو بكر الصولي ، وابن دريد والحسين بن الضحّاك والناشئ الأكبر والخُبز أُرْزي.

ونظرة عامة إلى ساحة الشعر في هذا العصر ، توضح أن حركة التجديد والتطوير قد اقتصرت على التفنن والاتساع في الأغراض التقليدية ، أو تلك التي استحدثت في حقبة العصر العباسي الأول ، فالمديح والهجاء والغزل والوصف اتسع الشعراء في معانيها ، تحليلاً وغوصًا في المعاني. ورثاء المدن والأماكن ـ وهو من مستحدثات العصر الماضي ـ ظلَّ قائمًا إلى هذا العصر ، فتناول البحتري في سينيته المشهورة إيوان كسرى ، يرثيه ويصف أطلاله ويحلل لوحاته ونقوشه في تصوير دقيق رائع. ويتجه الشعراء بالوصف إلى الطبيعة ، ويتوسَّعون أيّما اتساع ، وخاصة في وصف الورود والأزاهير والأشجار والثمار وجداول المياه ، وينتج عن توسّعهم في هذا الوصف باب جديد لفن الوصف. وأشهر الشعراء الواصفين للطبيعة: ابن المعتز وابن الرومي والصَّنَوْبري. وابن الرومي -غير مدافَع- أبرع الواصفين المصورين للطبيعة ولغير الطبيعة من المشاهد البشرية والحسية الأخرى.

النثر. ضعفت الخطابة السياسية والحفلية في هذا العصر ، وقويت الخطابة الدينية على أيدي الوعاظ والقُصّاص كما كان الحال في العصر السابق. وفي هذا العصر نشأت طائفة جديدة من الوعاظ ، هم المذكّرون أي المتصوفة. ومنهم على سبيل المثال: يحيى بن معاذ الرازي ، وأبو حمزة الصوفي. ويؤخذ على أفراد من هذه الطائفة أنهم أدخلوا في مواعظهم ما ليس من الإسلام مثل فكرة التناسخ وفكرة الحلول. ومن هؤلاء: أبو يزيد البسطامي ، والحلاّج.

أما المناظرات ـ وقد نشأت وازدهرت منذ العصر العباسي الأول ـ فقد تزايد الاهتمام بها ، ولم تعد قاصرة على طائفة المتكلمين ، بل تجاوزتها إلى الفقهاء واللغويين والنحاة. ومن أشهر المناظرات ما دار بين أبي علي الجبّائي المعتزلي وشيخه أبي الحسن الأشعري ، وما دار بين أبي العباس بن سُريج الفقيه الشافعي وداود الظاهري ، ثم محمد بن داود من بعده ، وما دار بين أبي العباس المبرِّد النحوي البصري وأبي العباس ثعلب النحوي الكوفي ، وما كان بين السيرافي النّحوى ومَتَّى بن يونس المترجم المتفلسف. وكل هذا كان ثمرة طبيعية لتيارات الثقافات الواسعة والمتباينة ، وبخاصة الثقافة الفلسفية.

أما الرسائل الديوانية فقد ظلت على نشاطها ، وأبرز كُتّابها إبراهيم بن العبّاس الصّولي كاتب المتوكل وأحمد ابن الخصيب كاتب المنتصر.

النقد الأدبي. حقق النقد الأدبي تقدمًا واسعًا شهده العصر مُمثلاً في كثرة النقاد وتنوع مناهجهم وشمولية النظرة للأدب. وأبرز نقاد هذا العصر ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء.
كما شهد هذا العصر ، أيضًا ، نضجًا في التأليف البلاغي الذي لا يعدم صلته بالنقد الأدبي. وأبرز الأعمال البلاغية النقدية كتاب البديع لعبد الله بن المعتز مع نثار نقدي قليل ومتفرّق في كتابه طبقات الشعراء المحدثين ، كما لايخلو كتاب الكامل لأبي العباس المبرد من نظرات نقدية بلاغية.
هذا إلى ما للجاحظ من جهود رائدة في تأسيس البلاغة الممزوجة بنظرات نقدية صائبة. وبالجملة فإن القرن الثالث الهجري شهد ظهور أمهات كتب النقد الأدبي ، التي غَدَت مصادر نقدية أساسية للعصور اللاحقة.

العصر العباسي الثالث. من قيام الدولة البويهية إلى سقوط بغداد ، (334 - 656هـ ، 945 - 1258م). بدا واضحًا في هذا العصر أن الدول والإمارات التي انقسمت إليها الخلافة العباسية كانت ، بحكم ما بينها من تنافس ، سببًا في الازدهار الأدبي والحضاري ، وإن كانت عامل ضعف سياسي في بناء الخلافة. وإذا كانت حركة الترجمة والاتصال بالثقافات الأجنبية قد بدأت تؤتي ثمارها في العصر السابق ، فقد تأكدت نتائج هذا الاتصال بظهور مواهب فنية وعقلية فذّة ، كما اتسعت فنون الأدب ، شعره ونثره.

ففي مجال الشعر ظهر المتنبي والمعري والشريف الرضيّ. وفي مجال النثر ظهر أبو حيان التوحيدي وبديع الزمان الهمذاني. وفي مجال التأليف ظهر أبو الفرج الأصفهاني بموسوعته الكبرى الأغاني.ا
وبرز أبو منصور الثعالبي بمؤلفه يتيمة الدهر الذي كان مدرسة في التأريخ الأدبي احتذاها كثير من المشارقة والمغاربة ، هذا إلى كتب أبي علي التنوخي مثل نشوار المحاضرة ، والفرج بعد الشِّدّة.

اتسعت حركة التأليف اللغوي ، فشهد هذا العصر لونًا جديدًا من البحث اللغوي تمثل في كتاب الخصائص لابن جِنِّي ، وظهور أنماط شتى من المعاجم اللغوية. كما تمثل في حركة التأليف في التاريخ الإسلامي والجغرافيا والعلوم الإسلامية ، والفلسفة والعلوم البحتة والتطبيقية ، إلى غير ذلك من العلوم. ويعكس هذا النشاط التأليفي هضم العقل العربي للثقافات هضمًا جعله قادرًا على الابتكار والإسهام في الحضارة الإنسانية بجهد متميز.

أما الفنون الأدبية ، فأبرزها ما اصطُلح حديثًا على تسميته بالأدب الشعبي ، مثل ألف ليلة وليلة ذات التأثير الواسع والعميق في الآداب العالمية ، وسيرة عنترة ، ثم هذا النوع من القصص الابتكاري ، ومن أبرز نماذجه رسالة الغفران لأبي العلاء المعري.
كما ظهرت في مجال الشعر فنون شعبية مستحدثة ، منها الموشح والزجل والمواليا. وهكذا ، فإن الصورة العامة لهذا العصر أدبًا وعلمًا ، تدل على ازدهار متميز حقق به الإبداع العربي نبوغه ومقدرته الفذة على الابتكار.

ولم يعد الابتكار الفني والعقلي قاصرًا على بيئة دون أخرى ،بل اتسعت رقعة هذا الابتكار ليشمل شتى الحواضر العربية ، ثم يتجاوزها إلى ديار الأعاجم الذين شاركوا ـ بعمق ـ في حركة الابتكار الفني والعقلي.

الشعر اصطبغ بصبغ فكري جعله قادرًا على تجسيد قضايا الإنسان والكون والحياة ، دون أن يفقد نبضه الوجداني ومقدرته الفذة على التخييل والتصوير ، وقد ظهر أبو الطيب المتنبي نموذجًا للشاعر الذي تمثل في عمق شتَّى الثقافات ، مع موهبة فنية نادرة النظير وثروة لغوية وارتكاز على التراث الأصيل ، وهو يعبّر عن هموم عصره من خلال ذاته وفكره.
وإذا كان المتـنبي والمعري يمثلان النموذج المتفرد في التعبير الإنساني ، فقد كان من الطبيعي أن يظهر إلى جوارهما عشرات الشعراء ، ممن كانوا دونهما نبوغًا وعبقرية ، لكنهم ، على كل حال ، كانوا يمثلون اتجاهات شعرية متباينة ومستويات شعرية مختلفة. ومن هؤلاء الشعراء: أبو فراس الحمداني ، وكشاجم والوأواء الدِّمشقي والشريف الرضِي ومهيار الدَّيـْلمي وابن نباتة السَّعْدي. ويزخر كتاب يتيمة الدهر للثعالبي بجمهور كبير من هؤلاء الشعراء الذين ظهروا في بيئات عربية وأعجمية مختلفة. وإذا كان الأندلس يفاخر المشرق بفن الموشح ، فإن المشرق ، في محاولة للتميز ، حاول أن يتفرد بدراسة هذا الفن المستحدث واستخلاص قواعده وأوزانه ، فظهر ابن سناء الملك بكتابه دار الطراز في عمل الموشحات. ولئن عجز ابن سناء الملك عن استخلاص أعاريض الموشح وحصر أوزانه في كتابه المتقدم فإنه وفق إلى استخلاص سائر قواعده من خلال منهج سديد جمع بين النظرية والتطبيق.

ونطالع في مرحلة متأخرة من هذا العصر أسماء شعراء مثل البهاء زهير وابن مطروح ، وهما من أصدق الشعراء تمثيلاً لروح العصر ، إذ اتسمت أشعارهما بالرّقة والعفوية ، فضلاً عن تلك اللغة السهلة التي تقترب كثيرًا من لغة الحياة الدارجة ، إلى ما لدى البهاء زهير من نزوع إلى الغزل الذي ، وإن لم يعبر عن معاناة حقيقية ، يعكس روح الدعابة وخفة الظل لديه.

كما نطالع شعر التصوف لعمر بن الفارض ولغيره من الشعراء ، إذ كان الشعر الصوفي صدىً لتيار التصوف في هذا العصر.

وإذا كان الغزو الصليبي يشكل لهذا العصر أعمق الأحداث أثرًا في حياة الناس ، خاصة في ديار الشام ومصر ، فمن البدهي أن يترك هذا الغزو تأثيره على الشعر ، إذ راح الشعراء يعبرون عن أحزانهم بهزيمة أو أفراحهم بنصر ، مع رثاء المدن أو مدح السلاطين من بني أيوب. ولكن ينبغي الاعتراف بأن الشعر العربي ، لهذه الحقبة ، كان من الضعف بحيث لا نجد شاعرًا فحلاً في مستوى أبي تمام والمتنبي ، وهما يعبران في قصائدهما الحماسية عن حركة النـضال ضد الروم.

النثر. أبرز أشكال النثر في هذا العصر الفن القصصي ، وقد حقق تقدمًا ملحوظًا ، فلم يعد مجرد حكايات تراثية يرويها الأديب ، ويُحدث فيها بعض التعديل ، بل ظهر القصص الابتكاري. وتُعدّ مقامات بديع الزمان الهمذاني وتلميذه الحريري أوضح نماذج القصص الابتكاري الواقعي ، ممزوجًا بصبغ تعليمي يتمثل فيما حوته المقامات من ألفاظ اللغة والألغاز والثروة البلاغية والنقدية.
وإذا كان أدباء المتصوفة شاركوا في هذا العصر بأشعارهم ، فقد شاركوا أيضًا بكتاباتهم التي تمثلت في تلك الابتهالات التي نجدها لدى أمثال أبي الحسن الشاذلي وتلميذه ابن عطاء الله السكندري.

وإلى جانب القصص الشعبي عرف هذا العصر النثر الفكاهي الذي دار حول النقد الاجتماعي للعادات والتقاليد والنقد السياسي لممارسات بعض الحكام. وكتاب الفاشوش في حكم قراقوش نموذج لهذا اللون من القصص الفكاهي ، الساخر من قراقوش قائد صلاح الدين الأيوبي ونائبه بمصر إبان الحروب الصليبية. فقد كان الرجل جادًا ملتزمًا في عمله إلى حد القسوة أحيانًا ، مما جعل ابن ممّاتي يحمل عليه ويصوّره ، في هذا الكتاب ، بصورة ساخرة مبالغ فيها.

النقد الأدبي. ازدهر النقد الأدبي ازدهارًا كبيرًا في هذا العصر منتفعًا بما سبق من جهود النقاد. وأهم النقاد في هذا العصر أبو هلال العسكري والقاضي الجرجاني والآمدي ، وابن رشيق القيرواني وابن الأثير.

وإذا كان أبو هلال العسكري يمثل الاتجاه النظري في النقد ، متأثرًا بشيخه قدامة بن جعفر ، فإن القاضي الجرجاني في الوساطة ، والآمدي في الموازنة ، يمثلان الاتجاه التطبيقي في النقد الأدبي.

أما كتاب العمدة لابن رشيق القيرواني ، فيعد أشمل مؤلف في دراسة الشعر ، إذ لا يقتصر على النقد بل يتجاوزه إلى البلاغة وبعض الثقافات التراثية التي تُعدّ ، بحق ، مفتاحًا لدراسة الشعر العربي القديم ، وبخاصة الجاهلي.

كما أن كتاب المثل السائر في أدب الشاعر والناثر لضياء الدين بن الأثير يُعدُّ نموذجًا للنقد الأدبي الذي يجمع بين الشعر والنثر.
https://ngoussa90.talk4her.com/t757-topic









رد مع اقتباس
قديم 2012-03-23, 14:10   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سفير الهضاب مشاهدة المشاركة
أريد مراجع في الرثاء في العصر العباسي من فضلك
4- الرثاء :

توسع الرثاء في العصر العباسي , إذ لم تمت شخصية من الشخصيات العامة , إلا و أبنه الشعراء . و قد صوروا في مراثيهم أعمال الفقيد و حزن الأمة .

قد يكون هذا اللون من الرثاء باهت العواطف , غير أنه يزخر بالحماسة و القوة و التمجيد , يسعى إلى إذكاء الحمية في نفوس الشباب للدفاع عن الأمة و مقدساتها . يقول أبو تمام في رثاء محمد بن حمبد الطوسي القائد العباسي الذي دافع في عهد المأمون عن الخلافة حتى الموت :[15]

فَتَى كُلَّما ارتاد الشجاعُ من الرّدى مقرًّا غداة المأزقِ ارتاد مَصْرَعا
فإن ترْمِ عن عُمْرٍ تداني به المدى فخانك حتّى لم تجدْ فيه منزعــــــا
فما كنت إلا السيف لاقى ضريبةً فقطَّعها ثمّ أثْنَى فتقطّعــا *
كان الشعراء العباسيون يتنافسون في استنباط المعاني النادرة التي تستدعي دقة التفكير و بعد الخيال . يقول أبو تمام في رثاء إدريس بن بدر الشامي :

لإدريس َ يوْمٌ ما تَزَال لذكْره دموعٌ و إنْ سكَّنْتَها تَفْزَعُ

و لما نَضا ثَوْبَ الحياة ِ و أَوْقَعَتْ به نائِباتُ الدّهْــرِ ما يُتَوَقَّـــــــــــــــعُ

غَدَا لَيْسَ يدْري كيف يصنع مُعَدَّمُ درى دمْعُه في خدِّه كيف يصنعُ

أبو تمام يفرض على السمع صيغا جديدة و معاني مبتدعة , فإن الدموع , و إن حبستها , تفزع لذكر الفقيد , و هو يجعل الحياة ثوبا فإن مات المرء نزع هذا الثوب , و المقابلة في البيت الثالث من البراعة بحيث تستحق الإعجاب فالفقير من حزنه عليه ليس يدري ما يصنع و لكن دمعه في خده يدري ما يصنع , إنه يسيل و ينهمر وفاءً و حزنا . [16]

رثى الشعراء العباسيون الأمم السابقة و العصور الخالية , و كانوا كلما رثوا قريبا أو صديقا تأملوا في حقائق الحياة و الموت . يقول أبو العلاء المعري :

غيرُ مجدٍ في ملَّتي و اعتِقادي نوحُ باكٍ , و لا ترنُّمُ شادِ
و شبيهُ صوتُ النعْيّ إذا قيـ سَ , بصوتِ البشير في كلّ نادِ
أبكتْ تلْكُمُ الحمامة ُ أو غـ نّتْ على فرع غصنها الميّاد ؟
صاحٍ هذي قبورُنا تمْلأُ الرحْـ بَ , فأينَ القبورُ من عهد عــادِ ؟[17]
ظهرت ألوانا جديدة من الرثاء من ذلك رثاء المدن لما تحل بها الكوارث , أو رثاء الحيوانات المستأنسة . يقول ابن العلاف في رثاء هر ّ :

يا هِرُّ فارقْتَنا و لمَ ْ تَعُدِ و كنتَ منّا بمنْزل الولدِ
فكيف ننَفكُ من هواك و قد كنتَ لنا عُدّةً من العُدَدِ
تُطْرِدُ عنّا الأذى و تحْــرُسُنا بالغيب من حَيّة ٍ و من جُرَدِ
و تُخْرجُ الفأر من مكامنها ما بين مفتوحها إلى السَُدَدِ[18]
5 – العتاب و الاعتذار :

اعتنى الشعراء في العصر العباسي بشعر العتاب و الاعتذار , و قد تفننوا فيه , إذ استخلصوا معاني جديدة , و صور فريدة . يقول سعيد بن حميد :

إقْلِلْ عتابَــــــــك فالبــــقاءُ قليلُ و الدهرُ يعدل تارةً و يمـــيلُ
لم أبك من زمنٍ ذمـمتُ صروفه إلا بكيت عليه حين يزولُ
فلئن سبقتُ لتبكينَّ بحسرةٍ و ليكثر نَّ عليك منك عويلُ
و لتفجعنّ بمخلصٍ لك وامقٍ حبلُ الوفاء بحبلـــــه موصولُ [19]
5- الغزل :

اعتنى الشعراء العباسيون بالغزل , و قد اقترن هذا اللون بالجواري و القيان . لذلك شاع الغزل الماجن بكل ألوانه . غير أن انشغال المعتزلة و أصحاب الملل و النحل بالحب الأفلاطوني اليوناني قد دفع شعراء المجون النظم في الحب العفيف . يقول بشار بن برد

دعا بفراق مَنْ تَهْوَى أبانُ ففاضَ الّدمْعُ و احترق الجَنَانُ
كأن شرارةً وقعتْ بقْلبي لها في مقلتي و دمي استبانُ
إذا أنشدتُ أو نسمتْ عليها رياحٌ الصيف هاجَ لها دُخاَنُ
على أن سرعان ما ظهر شعراء متخصصون في الغزل العفيف , لعل أشهرهم العباس بن الأحنف [20]. يقول :

يا مَنْ بُسَائِلُ عن (فوز) و صُورتَها إنْ كنتَ لم ترها فانْظِرْ إلى القَمَرِ
كأنّما كان في الفردوس مسكنها صارتْ إلى الناس للآيات و العِبَرِ
لم يخلق اللهُ في الدنيا لها شبيها لها لأحسبُها ليست ْ من البَشَرِ[21]
أدى اتساع حركة المجون , و انتشار مجالس الخمر و الرقص و الغناء في العصر العباسي إلى اتساع وصف الخمر . و قد اقترن هذا اللون من الشعر بالغزل الماجن و الغزل الشاذ . [22] يقول ابن نواس :

ألا فاسقني خمراً , و فُلْ لي : هِيَ الخمْرُ و لا تسْقني سرّا , إذا أمكن الجهْرُ
فعيْشُ الفتى في سكرة ٍ بعد سكرةٍ فإنّ طال هذا عنْدَهُ , قَصُرَ الدهـــــــرُ
و ما الغبنُ إلا أن تراني صاحيًا و لا الغنْم إلا أن يُتَعْتِعُني السكـرُ[23]
6- الزهد :

انتشر في العصر العباسي شعر زهد , و كان أكثر اتصالا بحياة الرعية من شعر الخمر و المجون . و قد تاب العديد من الشعراء عن الحياة اللاهية , و عكفوا بعد ذلك على الزهد , و أشهر هؤلاء : أبو نواس , و أبو العتاهية [24]. يقول أبو نواس :

يا ربُّ , إن عظُمتْ ذنوبي كثيرة فلقد علمتُ بأنّ عَفوك أعظمُ
إن كان لا يرجوك إلا محسنُ فبمن يلوذُ و يستجير ُ المجـــــــرمُ[25]
ثانيا الموضوعات الجديدة :

شهدت الموضوعات الشعرية التقليدية تجددا واسعا في معانيها , حيث دخلت عليها إضافات كثيرة , و قد اتجه الشعراء العباسيون إلى ترقية هذه الجوانب الجديدة حتى أدى ذلك إلى تشكّل موضوعات جديدة . فاهتمام شعراء المدح بالإشادة بالقيم العربية الرفيعة , و حرصهم على التفصيل فيها , دفعهم إلى أن يخصصوا لكل شيمة من الشيم الأخلاقية مقطوعة أو قصيدة . يقول محمد بن يسير في الصبر :

لا تيأسنّ و إن طالتْ مطالبةُ إذا استعنْتَ بصبرٍ أن ترى فَرَجا
إن الأمور إذا انسدتْ مسالكها فالصبر يفتح منها كل ما ارتتًجا
أخلقْ بذي الصبر أن يحظى بحاجته و مدمن قرع للأبواب أن يلجـــا
فاطلبْ لرجلك قبل الخطو موضعها فمن علا زلفا عن عزة زلَجــــا
الحق إن توسع الشعراء في الحديث عن القيم المحمودة أو المذمومة فتح الباب لتحليل الأخلاق . و بذلك أتاح الشعراء للمربين مادة لتأديب الناشئة . يقول حماد عجرد في التصنّع و التزلف :

كم من أخٍ لك ليست تنْكرهُ مادمتَ من دنياك في يُسْرِ
متصنّـــــــــعُ لكَ في مودته يلقاك بالترحيبِ و البِشْرِ
يطري الوفاء و ذا الوفـاء و يلـْ حى الغدْرَ مجتهداً و ذا الغدْرِ
فإذا عدا – و الدهر ذو غيَرٌ - دهْرٌ عليك عَدا مع الدهــرَ
يقول أبو العتاهية في صداقة الأحمق :

احْذرِ الأحْمقَ أن تصْحبهُ إنما الأحمقُ كالثوب الخَلَقْ
كلما رفعته من جانبٍ زعزعته الريحُ يوما فانخرقْ[26]
و من الموضوعات الجديدة شعر التهاني , و هو لون تحول إليه شعراء المدح , م خاصة لاحياء المناسبات الدينية و الاجتماعية كعيد النيروز , و كان أول من استهل شعر التهاني أحمد بن يوسف في عهد المأمون . يقول ابن الرومي في قدح أهداه إلى علي بن يحي المنجم :

و بديع من البدائع يُسْـــــبِي كلَّ عقْلٍ ويصْلي كلَّ طرفِ
كم الحبِّ في الملاحةِ بل أشْـــــــــهى و إن كان لا يناجي بحرفِ
وسط القدر لم يكــبِّر لجرع متوالٍ و لم يصغـِّــــــــر لرشْفِ[27]
الواقع أن التغيرات التي طرأت على الحياة الاجتماعية , و تصاعد حركة التمدن أدى إلى بروز أشكال جديدة من الحياة المختلفة عن الأنماط السابقة . لذلك توسع شعر الوصف , فظهرت موضوعات جديدة , كوصف المهن أو البرك أو القصور .

بقول ابن الرومي في وصف الزلابية :

و مُسْتَقِر على كرسيه , تعِبٍ , روحي الفداءُ لهُ من مُنصَبِ تعبِ
رأيته سِحْراً يقلي زلابيَّــةً , في رقّة القِشْرِ و التجْويفَ كالقصبَ
كأنّما زَيْتُه ُ المقْليُّ , حين بدا , كالكيمياء التي قالوا , و لم تُصبِ
يُلْقي العَجِينَ لُجَيْناً من أنامِلِـــــــــــ ـهِ فيستحيلُ شَبايِكاً من الذهـــبِ[28]
يقول ابن الرومي في المغنية وحيد :

تتغنىّ , كأنها لا تغنـــــــي من سكون ِ الأوصالِ , و هي تُجيدُ
لا تراها , هُناك , تجْحَظُ غَيْنٌ لك , منها , و لا يَدرِ وريدُ
مَدَ في شَأْوِ صَوْتِها نَفَسٌ كا فٍ كأنْفاسِ عاشقِهــا مديدُ
و أرَقَّ الدلالُ و الغنْجُ منـــهُ , و يَراهُ الشَجَا , فَكَادَ يبيدُ
فتراهُ يَموت ُ طوراً , و يحيــا مستلذُّ بسيطُهُ و النشيــــــــــدُ
فيه وشيٌ , و فيه حليٌ من النغـــــ مِ مصوغُ , يختالُ فيه القصيــدُ [29]
يقول البحتري في وصف بركة المتوكل :

يا مَنْ رأى البركةَ الحسناءَ رؤيتهُا و الآنساتِ , إذا لاحت مغانيها

بحسبِها أنّها , في فضلٍ رُتبتَها تُعدُّ واحـــــــدةً , و البحرُ ثانيها

ما بالُ دجلةَ كالغيرى تنــــــافسها في الحسن , طورا , و أطوارا تباهيها[30]

[1] – د . شوقي ضيف : العصر العباسي الثاني . مصر , دار المعارف . ط ( 3) ص : 204

[2] – د . شوقي ضيف : العصر العباسي الأول : ص : 160

[3] – زيدان . جرجي : تاريخ آداب اللغة العربية . بيروت , منشورات مكتبة الحياة . ط : الثانية (1978) . ص : 350-351 .

[4] – د . الشكعة مصطفى : الشعر و الشعراء في العصر العباسي . بيروت , دار العلم للملايين . ط (1980) ص : 46 .

[5] – د . شوقي ضيف : العصر العباسي الأول : ص 161 .
https://univ-mascara.ba7r.org/t11-topic
[6] – المرجع السابق : ص : 162 .

[7] – د . شوقي ضيف : العصر العباسي الثاني : ص : 205 .

[8] – د . شوقي ضيف : العصر العباسي الأول : ص : 163 .

[9] – د – عطوان حسين : مقدمة القصيدة العربية في العصر العباسي الأول . القاهرة . دار المعارف . ط ( 1974) ص : 22 .

* مسجور : موقد . الصباخيد : جمع مفرده صيخود : اللافح الحر .

· الأين : الإعياء . الفلول الجماعات . وعوث : جمع مفرده رعث : و هو المكان السهل .









رد مع اقتباس
قديم 2012-03-23, 14:13   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سفير الهضاب مشاهدة المشاركة
أريد مراجع في الرثاء في العصر العباسي من فضلك
رثاء الأبناء في العصر العباسي




وفي هذا العصر سوف نختار بعض القصائد التي قيلت في رثاء الأبناء,وسوف نختار لكل شاعر قصيدة واحدة فقط برغم كثرة قصائد الرثاء في هذا العصر







1




ونستهل العصر العباسي بقصيدة لبشار بن البرد بن يرجوخ بن شروستان بن فيروز

يرثي بها ابنه محمد
فيقول فيها:



أجارتنـا لا تجـزعـي وأنـيبــــي أتاني من الموت المطل نصيبي
بني على رغمي وسخطي رزئته وبدل أحجــار وجـال قـلــــــيب
وكان كريحان الغصون تخـــالـه ذوي بعد إشارق يسر وطـــيب
ومانحن الا كالخليط الذى مضى فرائــــس دهر مخطئ ومصيب
نؤمــل عيـشا في الـحيـاة ذميمة أضــرت بــأبدان لنــــا وقلوب
أصيب بني حيــن أورق غصنـه وألقى علي الهــم كـــل قــريــب
عجبـت إســراع المنـيـة نـحـوه ومــا كــان لـــو مليتـه بـعـجـيب












2





ومن القصائد المبكية التي قيلت في رثاء الأبناء
قصيدة لإبراهيم المهدي وهو إبراهيم بن المهدي بن المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب

حيث يرثي ابناً له أصيب به بالبصرة وهو واليها,ويقول فيها:



نأى آخر الأيّام عنك حبيب فللعين سحٌّ دائمٌ وغروب
دعته نوىً لا يرتجى أوبةٌ لها فقلبك مسلوبٌ وأنت كئيب
يؤوب إلى أوطانه كلّ غائبٍ وأحمد في الغيّاب ليس يــؤوب
تبدّل داراً غير داري وجيرةً سواي وأحداث الزّمان تنوب
أقام بها مستوطناً غـــير أنّه على طـــول أيّام الــمقام غريب
تولّى وأبقى بيننا طيب ذكره كباقي ضياء الشّمس حين تغيب
خلا أنّ ذا يفنى ويبلى وذكره بقلبي على طول الزّمان قشيب
كأن لم يكن كالدّرّ يلمع نوره بأصدافــــه لمّا تشنه ثقــــــوب
وريحان قلبي كان حين أشمّه ومؤنس قصري كان حين أغيب










3



وهذا ابن الرومي وهو أبو الحسن علي بن العباس بن جريج الرومي مولى بني العباس
يرثي ابنه الأوسط محمد بقصيدة من اروع ما قيل في الرثاء ويقــول فيــها:


بكاؤكُـمـايشـفـي وإن كــان لا يـجـدي فـجـودا فـقـد أودى نظيركـمُـا عـنــدي
بُـنَــيَّالـــذي أهـدتــهُ كـفَّــاي لـلـثَّـرَى فيا عزَّة َ المهـدى ويـا حسـرةالمهـدي
ألا قــاتــل الــلَّــهُ الـمـنـايـا ورمـيــهــا مـن القـومِ حَبّـاتالقلـوب علـى عَـمـد
ِتوخَّـى حِمَـامُ المـوت أوسـطَ صبيـتـي فلـلـه كـيـفاخـتـار واسـطــة َ الـعـقـد
ِعلـى حيـن شمـتُ الخيـرَ مـن لَمَحاتِـهِ وآنـسـتُمـــن أفـعـالـه آيـــة َ الـرُّشــدِ
طـواهُ الـرَّدى عنِّـي فأضـحـىمَــزَارهُ بعيـداً علـى قُــرب قريـبـاً عـلـى بُـعـد
ِلـقـد أنـجـزتْ فـيـهالمـنـايـا وعـيـدَهـا وأخلـفَـتِ الآمــالُ مـاكـان مــن وعـــد
ِلـقـد قــلَّبـيـن الـمـهـد والـلَّـحـد لـبـثُهُ فلم ينسَ عهد المهد إذ ضـمَّ فـياللَّحـدِ
تـنـغَّـصَ قَـبــلَ الـــرَّيِّ مـــاءُ حَـيـاتــهِ وفُــجِّــعَمــنــه بـالـعـذوبــة والــبـــردِ
ألـــحَّ عـلـيـه الـنَّــزفُ حـتــىأحـالــهُ إلى صُفرة الجاديِّ عـن حمـرة الـوردِ
وظــلَّ عـلـى الأيــدي تسـاقـطنَـفْـسْـه ويذوِي كما يذوي القضيـبُ مـن الرَّنْـدِ
فَـيـالـكِ مـــن نـفــستـسـاقـط أنـفـســاً تـسـاقـط درٍّ مـــن نِـظَــام بـــلا عـقــدِ
عجبـتُلقلـبـي كـيـف لــم ينفـطـرْ لــهُ ولـو أنَّـهُ أقـسـى مــن الحـجـرالصَّـلـدِ
بـــودِّي أنـــي كــنــتُ قُــدمْــتُ قـبـلــهُ وأن المنـايـادُونــهُ صَـمَـدَتْ صَـمـدِي
ولـكـنَّ ربِّـــي شـــاءَ غـيــرَ مشيـئـتـيولـلـرَّبِّ إمـضـاءُ المشيـئـة ِ لا الـعـبـدِ
ومــــا ســرنــي أن بـعــتُــهُبـثــوابــه ولــو أنــه التَّخْلـيـدُ فــي جـنَّـة ِ الخُـلـدِ
ولا بـعـتُـهُطَـوعــاً ولـكــن غُـصِـبـتـه وليس على ظُلـمِ الحـوداث مـن معـدِي
وإنّــــيوإن مُـتِّـعــتُ بـابـنــيَّ بــعــده لـذاكـرُه مــا حـنَّـتِ النِّـيـبُ فــينـجـدِ
وأولادنــــا مــثــلُ الــجَــوارح أيُّــهـــا فـقـدنـاه كـــانالـفـاجـع الـبَـيِّـنَ الـفـقـد
ِلــكــلٍّ مــكـــانٌ لا يــسُـــدُّاخـتــلالــهُ مـكـانُ أخـيـه فــي جَــزُوعٍ ولا جـلــدِ
إذالـعِـبـا فـــي مـلـعــب لــــك لــذَّعــا فؤادي بمثل النار عـن غيـر مـاقَصـدِ
فمـا فيهمـا لــي سَـلـوة ٌ بــلْ حَــزَازة ٌ يَهيجانِهـا دُونـيوأَشقـى بـهـا وحــدي
وأنـتَ وإن أُفــردْتَ فــي دار وحْـشـة ٍ فإنـي بـدارالأنـسِ فـي وحشـة الـفـردِ
أودُّ إذا مـــا الـمــوتُ أوفـــدَ مَـعـشَــراًإلـى عَسكـر الأمـواتِ أنِّـي مـن الـوفْـدِ
ومــن كــانَ يَستـهـدي حَبِيـبـاًهَـديَّــة ً فطيفُ خيـالٍ منـك فـي النـوم أستهـدي
عـلـيـك ســلامُ اللهمــنـي تـحــيَّــة ً ومنْ كل غيثٍ صادقِ البـرْقِ والرَّعـدِي











4



وهذا أبو الحسن التهامي
هو أبو الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي. توفي يوم 9 جمادى الأولى 416هـ.
يرثي ابنه في قصيده

لم اسمع بأروع منها في الرثاء على مر العصور فبالفعل أن موت ابنه اثر فيه الأثر الواضح
في أبياته المبكية التي تقطر دمعاً على فراق ابنه ويقول في قصيدته الرائية




حكم المنية في البرية جاري ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يُرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبار
طُبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدار!!
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء على شفير هار
فالعيش نوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال سار
فاقضوا مآربكم عجالاً إنما أعماركم سفر من الأسفار
وتراكضوا خيل الشباب وبادروا أن تسترد فإنهن عوار
يا كوكباً ما كان أقصر عمره وكذاك عمر كواكب الأسحار
وهلال أيام مضى لم يُـستدر بدراً ولم يمهل إلى الأسحار
عجل الخسوف إليه قبل أوانه فمحاه قبل مظنة الإبدار
واستُـل من أترابه ولداته كالمقلة اسـتُلت من الأشفار
فكأن قلبي قبره وكأنه في طيّـه سر من ألأسرار
إن الكواكب في علو مكانها لترى صغاراً وهي غير صغار
ولد المعزى بعضه فإذا مضى بعض الفتى فالكل في الآثار
أبكيه ثم أقول معتذراً له وُفّـقتَ حين تركتَ ألأم دار
جاورتُ أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري








5



وهناك أبيات للشاعر أبو العتاهية


وهو يرثي ابنه علي في أبيات تملائها الحكمة والموعظة ويقول فيها:



بكيتك يا بني بدمع عيني
فلم يغن البكاءُ عليك شيّا
وكانت في حياتك لي عظاتٌ
وأنت اليوم أوعظُ منك حيّا












6


أبو عبد الرحمن العتبي يرثي بنيه:
أما يزجر الدّهر عنّا المنونا يبقّي البنات ويفني البنينا
وأنحت عليّ بلا رحمةٍ فلم تبق فوق غصوني غصونا
وكنت أبا ستّةٍ كالبدور وقد فقؤوا أعين الحاسدينا
فمرّوا على حادثات المنون كمرّ الدّراهم بالنّاقدينا
فألقين ذاك إلى صارخٍ وألقين ذاك إلى ملحدينا
فما زال ذلك دأب الزّما ن حتّى أماتهم أجمعينا
وحتّى بكى لي حسّادهم وقد أتعبوا بالدّموع العيونا
وحسبك من حادثٍ بامريءٍ ترى حاسديه له راحمينا
رأيت بنيّ على ظهرها فصاروا إلى بطنها ينقلونا
فمن كان يسليه مرّ السّنين فحزني تجدّده لي السّنونا




وقال فيهم ايضا

يا ستّةً أودعتهم حفر البلى لخدودهم تحت الجبوب وساد
منعوا جفوني أن يصافح بعضها بعضاً فهنّ وإن قربن بعاد












7

ابو الوليد الباجي يرثي ولديه وقد ماتا غريبين

رعى الله قبرين استكانا ببلدة هما أسكناها في السواد من القلب
لئن غيبا عن ناظري وتبوّءا فؤادي لقد زاد التباعد في القرب
يقر بعيني أن أزور ثراكما وألزق مكنون الترائب بالترب
وأبَكي وأبُكي ساكنيها لعلنّي سأنجد من صحب وأسعد من سحب
فما ساعدت ورق الحمام أخا أسى ولا روّحت ريح الصبا عن أخي كرب
ولا استعذبت عيناي بعدكما كرى ولا ظمئت نفسي إلى البارد العذب
أحنّ ويثني اليأس نفسي عن الأسى كما اضطر محمول على المركب الصعب


https://www.alajman.net/vb/showthread.php?t=98390









رد مع اقتباس
قديم 2012-02-23, 19:29   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
ramzidz19
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

ابحث عن تحليل منهاج الرياضيات في التعليم الابتدائي بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2012-02-24, 11:33   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
laysa
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته اريد مرجع حول
l'umminité spécifique ( humorale et cellulaire)










رد مع اقتباس
قديم 2012-02-24, 15:57   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
الفاكر
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية الفاكر
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اريد بحث النظريات النقدية ومدرسة فرانكفورت

مدة البحث اسبوع فقط










رد مع اقتباس
قديم 2012-02-24, 19:55   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفاكر مشاهدة المشاركة
اريد بحث النظريات النقدية ومدرسة فرانكفورت

مدة البحث اسبوع فقط
الأسس النقدية لمدرسة فرانكفورت : الطالب الباحث محمد الجلالي 1/1/2011, 1:56 pm
تقديم

إن مساءلة الفكر النقدي انطلاقا من استحضار مختلف تطوراته النظرية في فضاء التفكير الفلسفي يكشف عن وجود تلوينات مختلفة لمناهج النقد الفلسفي من خلال تبلوره في تيارات واتجاهات فلسفية مختلفة بل ومتضاربة أحيانا، كما هو الشأن بالنسبة لمدرسة فرانكفورت النقدية التي تشكل انعطافة مهمة في مسيرة الفكر الأوروبي الحديث، بحيث كان لهذه المدرسة الآثار الكبير والفاعل في صياغة نظرية نقدية تتعامل مع: السوسيولوجيا، الفلسفة ، والسياسة والثقافة كأبعاد متداخلة ومتشابكة في عملية تكون ودراسة النظريات الاجتماعية والآفاق المعرفية والحضارية التي رافقت التطورات والتحولات التي شهدها المجتمع الأوروبي في ميادين الاقتصاد والسياسة ، وبروز النظام الرأسمالي كعامل حاسم ترك آثاره على الأدبيات الفلسفية والاجتماعية ـ
فأين تأسست مدرسة فرانكفورت؟ ومتى كان هذا التأسيس؟ وما هي الخلفية الفكرية لهذه المدرسة وما هي أسسها الجوهرية؟











I-نشأة مدرسة فرانكفورت
لقد حصلت مدرسة فرانكفورت على طابعها المؤسسي عبر تأسيس معهد الأبحاث الاجتماعية في عشرينات القرن الماضي، وقد وضعت الحلقة الدراسية الأولى للعمل الماركسي لبنات التفكير في أسباب أزمة الفكر الماركسي وإخفاق ثورة 1918 في ألمانيا، وقد جمعت الحلقة الدراسية ثلة من الباحثين من أبرزهم رجل الأعمال فليكس فايل والاقتصادي فريدريك بلوك والمفكر االماركسي جورج لوكاتش... الا أن المشروع لم يتكلل بالنجاح، غير أنه يعتبر بمثابة الانطلاقة التي دفعت بعض المشاركين في الحلقات في التفكير جديا في تأسيس معهد الأبحاث الاجتماعية.
وقد تأسس معهد الأبحاث الاجتماعية رسميا في 3 فبراير 1923 في جامعة غوته بمدينة فرانكفورت بألمانيا ، وقد توخا المعهد في البداية احتضان الأبحاث النظرية الاشتراكية التي أقفلت الجامعة الألمانية الأبواب في وجهها، وكان المعهد يظم جملة من المثقفين اللذين لم يتبنوا أطروحات الاشتراكية، ورفضوا الانضمام الى الحزب الشيوعي الألماني بعد فشل ثورة 1918 يحدوهم العزم لبلورة فحص عميق لأسس النظرية النقدية .
كان المعهد في البداية يتولى الإشراف عليه أستاذ القانون والعلوم السياسية في جامعة فيينا كارل غرونبر، وفي العام 1931 تم تنصيب هوركهيمر رئيسا للمعهد وتعيين تيودور أدورنو أستاذا مساعدا له، وبتعاون هوركهايمر وأدورنو أخذ اسم النظرية النقدية في اللمعان بحيث لم يعد الاهتمام منصب فقط على نقد الاقتصاد السياسي كأداة تحليل للمجتمع الرأسمالي كما كانت ترى الماركسية. اعتمدت مقاربة تركيبية تقوم على ربط الفلسفة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية .
وبعد سيطرة النازية في ألمانيا وصعود هتلر إلى الحكم سنة 1933 اضطر هوركهايمر وزملاءه للهرب إلى سويسرا وفرنسا وبريطانيا ومن ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الوقت الذي صدرت فيه الأوامر بإغلاق المعهد ومصادرة مكتبته القيمة أسس هوركهايمر وزملاءه فروعا أخرى للمعهد في كل من باريس ولندن ثم في جامعة كولومبيا، غير أن الوضع السياسي في أمريكا جعلهم يتجنبون استخدام المفاهيم الراديكالية بسبب فقدانهم الثقة في الطبقة العاملة في أوروبا وأمريكا ، وكذلك بالماركسيين اللذين أصبحوا تقليديين. وفي المنفى تطورت النظرية النقدية إلى فلسفة التاريخ والمجتمع مثل ما كان ذلك في عصر التنوير ، وفي هذه الفترة قدم الرواد الأوائل أهم أعمالهم حيث أصدر هوركهايمر عدد من الكتب المهمة من أهمها " السلطة والعائلة" ، و" كسوف العقل".
وفي سنة 1950 بعد الحرب العالمية الثانية وسقوط النازية عاد بعض الرواد الى فرانكفورت وعلى رأسهم هوركهايمر من أجل إكمال العمل الذي بدؤوه قبل الهروب من ألمانيا لتنطلق بعد العودة من المنفى المرحلة الثانية في تاريخ المدرسة والتي يعتبر أهم ممثليها يورغن هابرماس'1929....' والذي اعتبر الوريث الشرعي لتركة مدرسة فرانكفورت.

II-الأسس الجوهرية لفكر مدرسة فرانكفورت:
لا يمكن فهم النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت إلا بالرجوع إلى الأسس الجوهرية لفكر هذه المدرسة، لكن ما يميز هذه المدرسة عن باقي المدارس الفلسفية والسوسيولوجية الأخرى هو عدم اقتصارها على المرجعية الفلسفية أو السوسيولوجية فقط، فقد تشربت هذه المدرسة من ينابيع جميع العلوم الانسانية ، من الفلسفة " كانط و هيغل..." ومن علم الاجتماع " كارل ماركس وماكس فيبر وهربرت ميد وأغوست كونت..." وعلم النفس " فرويد ، جان بياجي..." والعلوم اللغوية " أوستين ..." لكن نظرا لشساعة الموضوع لن نتكلم الا عن الأسس الفلسفية والسوسيولوجية.
1- الأسس الفلسفية.
يبدو أن مدرسة فرانكفورت أو ما يعرف بالنظرية النقدية اتخذت من النقد أساسا لها، والنقد هو تقليد ألماني قديم وقد تبدى جليا خاصة مع كانط ومن بعده هيغل وأتباع هيغل من بعده"الهيغليين الشباب" ليصل هذا التقليد إلى مدرسة فرانكفورت ، بحيث تكونت النظرية النقدية انطلاقا من نقد مفكرين ونصوص فلسفية أخرى لأنه بدون استلهام للماضي ومحاورة الحاضر ليمكن اتخاذ أية مسافة نقدية كيفما كانت دلالتها ومقاصدها .
ويرجع العديد من المهتمين بالنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت أن النقد الكانطي يعتبر مرجعا أساسيا اعتمد عليه أصحاب النظرية النقدية وخاصة في كتبه الرئيسية الثلاثة : نقد العقل الخالص(1781) ونقد العقل العملي(1788)وكتاب نقد ملكة الحكم(1790).
وقد حاول بعض مفكري النظرية النقدية نحت منحى توفيقيا بين الفلسفة الكانطية والمادية الجدلية(لاسيما في بعديهما المتعالي كما يقول ماركيوز) . وانطلاقا من القيمة التي أسستها الكانطية في التاريخ الحديث للفلسفة الكلاسيكية الألمانية يسعى فلاسفة فرانكفورت الى تقديم النظرية التي يجتهدون في بنائها وتوضيحها كوريث شرعي للعقلانية الكلاسيكية من كانط .
واذا كان هناك اختلاف بين الباحثين حول ما اذا كانت فلسفة تمثل احدى الخلفيات الفلسفية لمدرسة فرانكفورت، اذ هناك اجماع على أن فلسفة هيغل تمثل مرجعية أساسية لفكر مدرسة فرانكفورت وقد تبين ذلك بوضوح في كتابات هربرت ماركيوز وخاصة في كتابه "العقل والثورة".
فإذا كان كانط قد أقام فلسفته النقدية لتمييز المعرفة العلمية الصحيحة عن المعرفة الميتافزيقية التي تؤدي الى وقوع العقل في التناقض، فان هيغل قد جعل من التناقض جوهرا لفلسفته ومنهجه الجدلي .
وقد قام هيغل من خلال منطقه الجدلي، بإدخال العقل في الوعي وفي الطبيعة ثم تجلى في التاريخ، و أصبح هو جوهر التاريخ ومحركه، بل أصبحث العملية المعرفية نفسها تنمو في مراحل متعددة ، وقد قام هيغل أيضا بمهاجمة المعرفة العقلية الخالصة التي فصلت الفكر عن الوجود، كما هاجم هيغل الفلسفة التجريبية الخالصة التي أغفلت السمات العقلية للواقع .
ويعتبر هيغل حسب منظري مدرسة فرانكفورت رائد الفلسفة الاجتماعية لأنه خلص الفلسفة من القيود الشخصية المفردة ، حين ألقى بالوعي في تجربة جماعية وكونية يخوضها الروح منذ اللحظة الأولى التي انفصل فيها عن الطبيعة، وتظهر هذه التجربة في الدين والفن والسياسة وتجد في الفلسفة تعبيراتها المفهومية.
وقد انقسمت المدرسة الهيغيلية بعد وفاته الى جناح يميني وجناح يساري ، وقد تمسك الجناح اليميني بالاتجاه المحافظ في مذهب هيغل ووسعه، أما الجناح اليساري فقد طور الاتجاهات النقدية عند هيغل بادئا هذا التطوير بتفسير تاريخي للدين ، وقد دخلت هذه الجماعة الأخيرة في نزاع اجتماعي وسياسي متزايد الحدة مع عهد عودة الملكية، وانتهى أمرها اما الى الاشتراكية والفوضوية الكاملة واما الى الليبيراليىة التي تحمل طابع البرجوازية المصغرة .
وقد تعارضت معايير هيغل النقدية وجدبه بوجه خاص، مع الواقع الاجتماعي السائد، ولهذا السبب كان من الممكن أن يسمي مذهبه بحق" فلسفة سلبية" وهو الاسم الذي أطلقه خصومه المعاصرون لها، وقد ظهرت في العقد التالي لموت هيغل فلسفة ايجابية أو وضعية ترمي الى ازالة تأثير اتجاهاته الهدامة وأخذت هذه الفلسفة على عاتقها أن تخضع العقل الى سلطة الواقع، وأن الصراع الذي حدث بعد ذلك بين الفلسفة السلبية والايجابية أو الوضعية، ليقدم مفاتيح متعددة تساعد على فهم نشأة النظرية الاجتماعية الحديثة في أروبا .
2- الأسس السوسيولوجية :
أ- التأثير الماركسي: من المعروف أن منظري مدرسة فرانكفورت تأثروا بالماركسية حتى اعتبر البعض أن هذه المدرسة ليست إلا فرعا من فروع الماركسية ، لكن أصحاب النظرية النقدية وان تبنوا الماركسية كمبدأ أو كمنهج فإنهم لم يلتزموا بها كليا ولم يتشبثوا بمقولاتها المتمركزة حول نقد النظام الاقتصادي والرأسمالي وحول الايدولوجيا بصفة عامة، بل تركزت ماركسيتهم على نقد الاغتراب والأسباب الكامنة وراءه في المجتمعات الصناعية القائمة على الكليانية والمعقولية التقنية والبيروقراطية التي ادعت التقدمية وتباهت بالهيمنة على الطبيعة وعلى الإنسان في العالم الشيوعي والرأسمالي، ولم يكن المصدر الأساسي لهذا النقد هو النظرية النقدية برمتها ولا الارتباط بالطبقة العاملة بقدر ما كان التأثر بماركس الشاب خاصة في كتاباته الأولى وتحديدا في مخطوطات 1844، فقد وجدوا في أرائه تأكيدا لاغتراب الكانسان وعرفوا أن نقدهم لها لا ينبغي أن يقتصر على الإصلاح الاقتصادي والسياسي وعلى " وثنيتها السلعية"-حسب المفكر الماركسي جورج لوكاتش- وعقلانيتها المزعومة التي تقف حجر عثرة أمام كل حياة إنسانية أصيلة.
وهذا ما حاول القيام به كل من أدورنو وهوركهايمر في كتابهما المشترك " جدل العقل"، وقد انطلق هابرماس(أحد رواد الجيل الثاني) من فكرة أن الماركسية فكر يحتوي على قدرة نقدية هائلة لكل ما هو عام وشامل، وقد طرح نفس في نفس الوقت مشروع إعادة " توجيه الماركسية" ، واذا كان ماركس قد قلب الجدل الهيغيلي على رأسه وجعله يسير على قدميه كما يقال فان هابرماس هو أيضا قد قلب الماركسية من على رأسها لتسير على قدميها وذلك استنادا على عقلانية ماكس فيبر.لكن رغم المكانة التي تحضى بها الماركسية في مدرسة فرانكفورت فانها لم تسلم من النقد خاصة في شقها التقليدي والستاليني الدوغمائي اذ اعتبر رواد المدرسة أن الماركسية لم تعد تواكب التغيرات التي تحدث في العالم الرأسمالي ، وأن الرهان على الطبقة العاملة في القيام بالثورات أصبح شبه مستحيل في مجتمع استطاع احتواء هذه الشريحة الواسعة ، ليراهنوا على فئات أخرى من قبيل الطلاب والأقليات العرقية كطليعة استراتيجية للتغيير، وهذا ما تبين جليا ف ي أحداث 1968في فرنسا وفي أمريكا حين رفض الطلاب الأمريكيين الحرب على الفيتنام.
ب- التأثير الفيبيري: تعتبر كتابات ماكس فيبر حول العقلانية من إحدى المرجعيات الأساسية لمدرسة فرانكفورت، و قد ظهرت بوضوح في كتابات ماركيوز وخاصة كتابه الانسان ذو البعد الواحد ، وخاصة في حديثه عن منطق الهيمنة وهو المفهوم الأساسي الذي أضحى مبدأ جوهريا مميزا لمدرسة فرانكفورت في أوج ازدهارها ويعني أن السيطرة على الطبيعة من خلال العلم والتكنولوجيا تنشئ عنه بالضرورة شكلا جديدا من التسلط على الإنسان
ويمكن أن ندرج وجهين رئيسيين للتشابه بين مدرسة فرا نكفورت وكتابات ماكس فيبر:
-الوجه الأول: هو أن العقلانية التقنية أو الترشيد قد تم تصورهما كقوى مجردة تشكل مجتمعا يقع خارج نطاق التحكم البشري، حيث أن المنطق الداخلي للنظام الذي خلقه العلم والادارة العقلانية يقوم بهذا العمل على نحو ما من وراء ظهر الأفراد أو الجماعات الاجتماعية المعينة وأنه يقوم بهذا أيا العمل أيا كان الشكل الظاهري للمجتمع، أي بصرف انظر عما اذا كان المجتمع رأسماليا أو اشتراكيا شموليا أو ديمقراطيا، وبهذا المعنى يتم إحلال مفهوم " المجتمع الصناعي" محل " المجتمع الرأسمالي" .
وقد برهن ماركيوز على مقولات فيبر بقوله: (...ليس تطبيق التكنولوجيا فحسب، بل التكنولوجيا نفسها ، هي التي تمثل تسلطا على الطبيعة والإنسان بطريقة منهجية علمية ومحسوبة وماكرة ، وأن الأهداف والمصالح المحددة لهذا التسلط لا يتم دسها على التكنولوجيا فيما بعد ومن الخارج، وإنما هذا يدخل في تصميم بناء الجهاز التقني) .
- أما الوجه الثاني : يمكن العثور على وجه التشابه في النزعة التشاؤمية الكئيبة التي تنشأ من تفسيرهما للمجتمع الصناعي الحديث، فإذا كان فيبر ليبرالي يائس- على حد تعبير توم بوتومور- فان مفكري مدرسة فرانكفورت وخاصة( هربرت ماركيوز ) يمكن وصفهم بأنهم " رديكاليون يائسون "- حسب بوتومور- اذ ينظر ماكس فيبر ومعه رواد مدرسة فرانكفورت الى أن التوسع الأكثر أو الأقل قسوة للترشيد والعقلنة يعني أن المجتمع سيصبح عرضة للتسلط من جانب علاقات اجتماعية ذرائعية محضة، وسيصبح " قفصا حديديا" ودولة " للتحجر الآلي" تختنق فيه الإبداعية الفردية والقيم الشخصية .
إن تشاؤمية ماركيوز وهوركهايمر فيما يخص مصير الفرد هي من نفس تشاؤمية فيبر، فالعقلانية التقنية، أي العقل الذرائعي هو الذي يسود الحياة الاجتماعية وان بقيت قوى قليلة تعارضها، وهذا ما يخلص إليه ماركيوز في كتابه : "الإنسان ذو البعد الواحد".
وإذا كان الرواد الأوائل لمدرسة فرانكفورت قد اعتمدوا على كتابات ماكس فيبر وكارل ماكس....فان هابرماس كأحد رواد الجيل الثاني من المدرسة لم يكتفي بكتابات ماكس وماركس بل انفتح على كتابات سوسيولوجيين اخرين من قبيل هربرت ميد وايمل دوركهايم ، حيث يؤكد هابرماس أن مفهوم التواصل بوصفه نظرية علمية قد بدأ مع السوسيولوجي هربرت ميد في نظريته المرتبطة بالتفاعل الرمزي، اذ دافع –هابرماس- عن فكرة أن التواصل هو المبدأ المؤسس للمجتمع، أما فيما يخص دوركايم فيتجلى فكره بوضوح في كتابات هابرماس حول كيفية دمج الفرد في مجتمع طغت فيه القيم الفردانية، ويظهر ذلك في حديث هابرماس عن الفضاء العمومي وكيفية تحقيق الديمقراطية، ففي كتابه "نظرية الفعل التواصلي" يخصص فصلا مطولا للحديث عن دوركايم وميد، يقول هابرماس(...ان تحول البراديغم الذي انتقل من الفعل الغائي الى الفعل التواصلي بدأ مع ميد ودوركايم، فماكس فيبر واميل دوركايم وهربرت ميد ينتمون الى جيل المؤسسين للسوسيولوجيا الحديثة) .
III-مشروع النظرية النقدية ومنطلقاتها الفكرية:
1-نقد النزعة الوضعية الحديث والتجريبية.
وجه الرعيل الأول لمدرسة فرانكفورت انتقاداته الحادة إلى النزعة العلمية المفرطة وأنساقها التي تحولت إلى إيديولوجيات تستند إلى يقين معرفي ومعتقدات ايمانية فكلها في نظرهم قد غدت أنظمة معرفية مغلقة تعتمد أشكالا تنظيمية جد مقننة للحياة الاجتماعية، من خلال إسقاط اليات فهم الظواهر الطبيعية على الظواهر الاجتماعية بمعنى أنها أصبحت ايديولوجيات شمولية تنظم علاقات الانسان بالانسان والانسان بالأشياء، مما حدا برواد مدرسة فرانكفورت إلى رصد تحول العقلانية كايديولوجية ، ومحاولة الكشف عن مكامن التسلط فيها ومحاربة نزعتها الوثوقية .
واعتمادا على ارث النظرية النقدية واستكمالا لمشروعها واستنادا الى التطورات الاقتصادية التي عرفها المجتمع الغربي الحديث، وجه هابرماس انتقاداته أيضا لكل من النزعتين " الوضعية والتجريبية " انطلاقا من كون المهمة الفلسفية تقتضي ذلك من أجل كشف الوهم الإيديولوجي الكامن من وراء النزعتين معا، لأنهما يمثلان وجهين لعملة واحدة .
إن المعرفة العلمية التي سخرت لفهم الطبيعة والتحكم فيها تم استخدامها أيضا للتحكم في الإنسان، بمعنى أن منطق النظم الذي تصوره الإنسان للسيطرة على الطبيعة، ثم نقله بالكامل للتحكم في الأفراد والجماعة، وهذا ما يبادر إلى أذهاننا عند فحص مختلف التنظيمات القانونية والإدارية، وأشكال الترشيد والضبط والتقنين والعقلنة لمختلف جوانب الحياة في العالم المعاصر، فكل هذه الاليات تعمل وفق نظمها ومنطقها الداخلي وتكرارها إنتاج مجتمع طبقا لمقاسات ومواصفات معينة، لكن مدرسة فرانكفورت ترفض أي تناظر أو تماثل تجريبي قد يعقد بين الظواهر الطبيعة والاجتماعية، يمكن صياغته في قواعد وقوانين محددة، على اعتبار أن السلوك الإنساني لا يمت بأي صلة للقواعد التي تتحكم في ظواهر الطبيعة.
الأمر الذي جعل رواد مدرسة فرانكفورت يقفون في مواجهة معارضة للنزعة الوضعية التجريبية والتقنو علموية* الجامحة في حدود عواقبهما، ولعل ما يميز هذا النقد العنيف هو محاولة الكشف عن العقلانية بوصفها " اليات للتسلط والهيمنة"، التي طورت العقل التقني تحت ستار العلم ومن أجل العلم وبدعوى الحياد والموضوعية العلمية .
ويمكن أن نجمل النقد العنيف الذي قام به رواد فرانكفورت في العناصر التالية:
- لا تحفل النزعة الوضعية الحديثة الا بالتجربة الخالصة والمحضة، ووحده التجريب الذي تقوم به العلوم الحقة يستحق لقب " المعرفة " وما عداه يلقى به في قمامة التاريخ.
- تنظر النزعة الوضعية للحاضر كحدث تم انجازه، وتتنصل كليا من تغييره.
- تعلن السوسيولوجيا التجريبية( أن كل ما يمكن ملاحظته لا يعدوا أن يكون في نظرها أشياء، ومحض أشياء) .
2- نقد المجتمع الاستهلاكي
لقد كان الاستهلاك في الماضي هو وسيلة لغاية ما، وهي تحقيق سعادة الإنسان، أما اليوم فقد أصبح الاستهلاك غاية في حد ذاته، فالإنسان اليوم مفتون بإمكانية شراء المزيد من الأشياء الجديدة والأفضل اذ أصبح فعل الشراء والاستهلاك هدفا لا عقلانيا لأنه غاية في ذاته، فشراء أخر موديلات " السيارات، الملابس،الآلات..." هو هدف كل إنسان، وتكون اللذة الحقيقية لاستخدام هذه الأشياء ثانوية بالنسبة للحصول عليها عليها.
لقد حقق المجتمع الصناعي الصناعي وفرة في الانتاج ومن أجل تصريف هذه الوفرة يجب أن توازيها وفرة في الاستهلاك، وبالتالي ومن أجل ترسيخ قيم الاستهلاك تعمل الشركات الكبرى من خلال آليات الإشهار على توحييد الأذواق، فوفرة الإنتاج والاستهلاك- حسب رواد مدرسة فرانكفورت- تخدر المجتمع وتجعله يكتسب مناعة ضد أي تغيير نوعي، فالفرد في هذا المجتمع يعتقد أن له قيمة وأنه حر بمجرد أنه يستطيع أن يختار بين أنواع المنتجات الصناعية لتلبية حاجاته( انه حر في اختيار أسياده ) حسب ماركيوز .
تدفع الرغبة في الاستهلاك الإنسان إلى تكوين رغبة مطلقة منفصلة تماما عن حاجاته الحقيقية، فالمجتمع الصناعي يعتقد أنه حر في وقت فراغه غير أن وقت الفراغ أصبح هو الأخر خاضع للمنظومة الرأسمالية، فالإنسان اليوم يستهلك وقت فراغه في مشاهدة المباريات الرياضية والأفلام السينمائية...بطريقة لا تختلف عن استهلاكه للسلع، فالإنسان يستمتع بمشاهدة ما هو مفروض عليه أن يراه وأن يسمعه.
حاول رواد النظرية النقدية -بعد ما شاهدوه من انحطاط للقيم الفردية داخل المجتمع المتقدم ومن انسحاب لحق الفرد في الاختلاف في النظام الشمولي أولا وفي النظام الرأسمالي- إعمال العقل لإعادة الاعتبار للفرد ولتنشيط الفكر النقدي (وانطلاقا من ذلك عملوا على إعادة قراءة النص الفرويدي على ضوء تحولات المجتمع الصناعي متسائلين عن دلالات الرغبة والتصعيد اللاشعوري وموقع الجنس في آليات الإغراء الحديثة و علاقتها بالعملية الإنتاجية، وعن المعاني الجديدة التي يتخذها الحب) .
3-نقد الايديولوجيا:
لقد دأب المنظرون الأوائل منذ ظهور المجتمع البرجوازي إلى الإشارة للايديولوجيا على أنه " الوعي الزائف" وقد خلص أدورنو الى أن ظهور مفهوم الايدولوجيا مرتبط بالمجتمع البرجوازي وليس بالمجتمع الصناعي، وتعتبر صناعة الثقافة التي ترجع جذورها إلى القرن الثامن عشر المولدة للايديولوجيا، وهي غير منفصلة عن تاريخ المجتمع البرجوازي .
ويعتبر علم الاجتماع المعاصر الايديولوجيا كقاعدة " لسوسيولوجيا المعرفة " أي كوصف للتكون الثقافي ولتمثلات الشرائح الاجتماعية المختلفة، بالإضافة إلى العلاقة بينهما وبين الوضع الاجتماعي، فعلم اجتماع المعرفة ينظر الى معنى الحياة الانسانية من منظور الثقافة أو القيم السائدة فيه.
وعلى العموم يرى أدورنوا أن علم الاجتماع يجب أن يهتم بالايديولوجيا عن طريق أبحاثه في التواصل ، ووضعه الى جنب المنتجين والمستهلكين لصناعة الثقافة الموضوعة بهدف انتاج معارف محدودة وعقل محدود، غير أن علم الاجتماع اذا أراد أن يصبح ناقدا للايديولوجيا يجب عليه أن يحلل وسائط الاتصال العامة ويدرس" سيناريوهاتها" التي تعرف بثقافة الجماهير، والتي تصب بعناية بالغة في تبرير ما هو موجود والسيطرة المحكمة على الذوق والنقد على حد سواء .
وعلى العموم تعلن تلك الايديولوجيا أنه ليس هناك ما هو أحسن مما هو كائن ( وهذه الثقافة دعائية ليس إلا، وما تنفك تتحول رويدا رويدا إلى إرهاب، عندما تعمل على إقرار الوضع القائم كأمر لا مناص أو بديل عنه) .
خلاصة
يبدو أن نشأة النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت لم تكن وليدة الصدفة بل جاءت نتيجة ظروف العصر والمشاكل التي يتخبط فيها ، وبالتالي ومن أجل صياغة نظرية تساير متطلبات العصر لم يتم الرجوع إلى فكر فيلسوف أو عالم اجتماع واحد، ولم يساير رواد النظرية النقدية التقاليد التي كانت موجودة في تلك المرحلة بالاعتماد على منهج واحد أو إتباع طريق مفكر واحد، بل قام الرواد الأوائل بالمزاوجة بين الكثير من العلوم الاجتماعية، والانطلاق من مفكرين مختلفين وفي بعض الأحيان متعارضين في أطروحاتهم مثل الجمع بين فكر ماكس وماركس، الأمر الذي أكسب مدرسة فرانكفورت قيمة علمية مكنتها من تسيد الفكر الفلسفي المعاصر من خلال مختلف الإشكالات التي تثيرها.




لائحة المراجع
محمد نور الدين أفاية : الحداثة والتواصل في الفلسفة المعاصرة، نموذج هابرماس، إفريقيا الشرق ، الطبعة الثانية المغرب1998.
-محمد الخوني، التنوير والنقد، منزلة كانط في فرانكفورت ، دار الحوار للنشر والتوزيع الطبعة الأولى، سوريا 2006.
- محمد الأشهب : الفلسفة والسياسة عند هابرماس، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء ، المغرب 2006.
- حسن مصدق : يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء المغرب ، الطبعة الأولى سنة 2005.
-حسن حنفي وآخرون : فلسفة النقد ونقد الفلسفة في الفكر العربي والغربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت بدون تاريخ.

- هربرت ماركيوز :الانسان ذو البعد الواحد ، ترجمة د ،جورج طرابيشي، ا
لطبعة الثالثة دار الآداب بيروت1988
-هربرت ماركيوز : العقل والثورة هيغل ونشأة النظرية الاجتماعية ،ترجمة د فؤاد زكريا، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1970.
- علاء طاهر ، مدرسة فرنكفورت من هوركهايمر الى هابرماس ، منشورات الانماء القومي،بيروت الطبعة الأولى بدون تاريخ.
-توم بوتومور: مدرسة فرانكفورت ، ترجمة سعد هجرس ،دار أويا طرابلس،ليبيا ،1998.
المراجع باللغة الفرنسية:

-Paul larant Assoun; l école de francfort; 2 édition : paris 1990 .
-Haberrnas ;j : connaissance et l interet ;tr : jean- renée ladrrniral ; Gallirrnard ;1976



الفهــــــــرس

تقديــــــــــم................................... .................................................. ..........................1
I-نشأة مدرسة فرانكفورت......................................... .................................................. .................2
II –الأسس الجوهرية لفكر مدرسة فرانكفورت......................................... ........................3
1- الأسس الفلسفية.......................................... .................................................. ..........3
2-الأسس السوسيولوجية...................................... .................................................. ......5
III – مشروع النظرية النقدية النقدية ومنطلقاتها الفكرية........................................... ............8
1-نقد النزعة الوضعية والتجريبية الحديثة........................................... ............................8 2-نقد المجتمع الاستهلاكي........................................ .................................................. 9
3-نقد الايديولوجيا...................................... .................................................. ..........10
خلاصة............................................. .................................................. .....11
لائحة المراجع........................................... ....................................11
https://social.subject-line.com/t2673-topic









رد مع اقتباس
قديم 2012-02-24, 19:59   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفاكر مشاهدة المشاركة
اريد بحث النظريات النقدية ومدرسة فرانكفورت

مدة البحث اسبوع فقط
مدرسة فرانكفورت.. من نقد الفكر إلى نقد المجتمع

كتبهاصابر الفيتوري ، في 16 أغسطس 2007 الساعة: 01:17 ص
ابراهيم الحيدري

قدمنا في دراسة سابقة تعريفاً بفكر وفلسفة مدرسة فرانكفورت التي اسست نظرية نقدية للمجتمع. وفي هذه الحلقة نحاول توضيح اهم المحاور التي تقوم عليها وتطويرها الى فلسفة للتاريخ والمجتمع.
ومن المعروف ان البناء الفكري والاجتماعي في المانيا هو بناء فلسفي في اصوله ومقوماته وفي شكله ومحتواه، وان جميع النظريات الاجتماعية والاقتصادية كانت ولا تزال تصطبغ بطابع فلسفي أو هي فلسفات اجتماعية. ومن هنا نجد ان النظرية النقدية ترتبط من جهة بالفلسفة الألمانية المثالية التي تمثلت بصامونيل كانت، وبالفلسفة المثالية ـ الموضوعية التي وقف على رأسها فردريك هيغل وكذلك بفلسفة التاريخ والمادية الديالكتيكية.

وسوف نتعرض بايجاز شديد الى أهم المحاور الأساسية للنظرية النقدية والمفاهيم الرئيسية التي التزمت بها كالعلاقة بين النظرية والممارسة والجدل النقدي ومفاهيم العقلانية التكنولوجية وخاصية النظام الكلياني والاغتراب الثقافي وكذلك مفاهيم الرفض والسلب.

الهيغليون الشباب من اجل فهم افضل للأسس الجوهرية للنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت لا بد لنا من استعراض الخلفية الفكرية والفلسفية التي قامت عليها، بحكم صلتها بفكر عصر التنوير والفلسفة الالمانية الموضوعية والمواقف الفكرية التي التزم بها الهيغليون الشباب في اتخاذ موقف محدد من النظام الفلسفي المحكم لمثالية هيغل ومنهجه الجدلي.

لقد تمرد الهيغليون الشباب ضد الجانب التأملي المحافظ في فلسفة هيغل المثالية، ذلك الجانب الذي تفتح في ذات الوقت، عن المنهج الديالكتيكي. وفي الحقيقة لم يكن اتباع هيغل سوى معارضيه من الشباب، وكان على رأسهم كارل ماركس وبونو بوير ولودفيغ فيورباخ وغيرهم، الذين اطلق عليهم «الهيغليون الشباب» الذين اسسوا عام 1841 «حوليات الأدب والفن»، وأرسوا دعائم فلسفة اجتماعية جديدة رفضت الفكر الفلسفي التقليدي، مثلما رفضوا النظام الاجتماعي القائم ومؤسساته، محاولين تطوير الجانب النقدي من الفلسفة والانطلاق منها الى صياغة نظرية جديدة وعلم اجتماع نقدي له مفاهيمه الخاصة وميدانه المحدد، كبديل للفلسفة التقليدية وعلم الاجتماع الوضعي الذي بدأ به اوكست كونت وبخاصة بعد ان توقفت النظرية النقدية التي بدأ بها الهيغليون الشباب في ان تكون نقدية ورافضة وبعد ان تحولت المادية الديالكتيكية التي وضع اسسها كارل ماركس الى مادية ميكانيكية.

لقد كان من الضروري على الجيل الجديد، بحسب هوركهايمر، احياء الماركسية من جديد وبحث الامكانيات التي يمكن بموجبها تغيير الواقع الاجتماعي القائم على التسلط والقهر، وكذلك ايديولوجيته، من خلال نظرية نقدية بديلة.

وهكذا جندت مدرسة فرانكفورت نفسها لإحياء ما دعا اليه الهيغليون الشباب الذين يعودون في تاريخهم الى منتصف القرن التاسع عشر ووضعوا امام اعينهم الارتباط الجدلي بين الفلسفة والتحليل الاجتماعي.

ومثلما عمل الهيغليون الشباب في فهم المنهج الجدلي الذي طوره هيغل، حاولوا وضع تصور جديد لبحث الامكانيات التي تؤدي الى تغيير النظام الاجتماعي من خلال الممارسة العملية. غير ان المائة عام التي مرت على أوروبا كانت قد احدثت تغيرات نوعية عميقة الأثر، مثلما انتجت شروطاً وظروفاً جديدة للعمل النظري ايضاً، حيث لعبت التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية دوراً كبيراً في تشكيل مقدمات النظرية النقدية. ففي الوقت الذي كتب فيه الهيغليون الشباب افكارهم، كانت المانيا تمر بتحديث رأسمالي سريع، وكانت كتابات شوبنهاور ونيتشة وفيبر وهوسرل، التي اعقبت الهيغليين الشباب، قد سيطرت على الفكر والفلسفة في المانيا بصورة عامة، كما تأسست مدرسة فرانكفورت في وقت كانت فيه المانيا قد وصلت الى مرحلة نوعية متقدمة، بسبب تنامي الاحتكارات وتدخلات الدولة بصورة مباشرة في اتخاذ القرارات الاقتصادية.

ارخ هوركهايمر تأسيس معهد البحث الاجتماعي في جامعة غوته بفرانكفورت بقوله «وقد توحدت الاهتمامات والقناعات لبناء نظرية نقدية للمجتمع، لأنهم وجدوا ان من الضروري التعبير عن كل ما هو سلبي.. وان ما وحدهم هو اتفاقهم على نقدهم للمجتمع القائم وايديولوجيته..».

في عام 1930 تم تنصيب هوركهايمر رئيسا للمعهد وتعيين تيودور ادورنو استاذاً مساعداً في المعهد. وبتعاون هوركهايمر وادورنو اخذ اسم النظرية النقدية في التطور والظهور، وارتبط بمدرسة فرانكفورت في علم الاجتماع النقدي، خاصة بعد ان وجه هوركهايمر نقداً «للمركزية البولشفية»، ووقف ضد اغتيال روزا لوكسمبورغ واصدار مجلة «البحث الاجتماعي»، التي عبرت في بحوثها النظرية، الميدانية عن رؤية نقدية جديدة.

أزمة العلم من أزمة المجتمع في افتتاحية العدد الأول في مجلة «البحث الاجتماعي» كتب هوركهايمر عن «أزمة العلم» التي لا تنفصل عن أزمة المجتمع والتطور الاجتماعي في أوروبا، التي جلبت للعلم قيوده. فالعلم هو قبل كل شيء وسيلة لانتاج المعرفة، وهو في ذات الوقت قوة منتجة، غير انه لم يدرك بعد وظيفته الاجتماعية، ولذلك فهو يعكس تناقضات المجتمع الصناعي. كما عالج هوركهايمر التشتت المعتاد للعلم وكذلك للعلاقات الاجتماعية التي قادت الى تفتيته، وعلى العلم ان يدرك جميع شروط المعرفة حتى يستطيع تذليل الأزمة، مثلما عليه عدم ترك دوره الاجتماعي المطلوب. وحالما يكون العلم واعياً بوظيفته وبوضعيته المتأزمة، فانه يستطيع ان يطالب القوى الاجتماعية بضرورة تحريكه.

أما ادورنو فقد كتب «اسس علم اجتماع الموسيقى»، واريك فروم «الماركسية والتحليل النفسي» ولو فينتال «واجبات علم اجتماع الأدب»، وهكذا عكس المجلد الأول من مجلة البحث الاجتماعي مرحلة جديدة في علم الاجتماع الألماني واتجاها مفارقاً ينحو الى الاهتمام بالنقد والتحليل السوسيولوجي والنفسي والفلسفي الجاد. وفي الاعداد الاخرى عالجت المجلة اوضاع الطبقة العاملة في المانيا والدول الأوروبية الأخرى.

وفي هذا الوقت ايضاً تأسس للمعهد فرع في جنيف كانت مهمته جمع المعلومات والاحصائيات اللازمة لإعداد دراسات نظرية وميدانية حول الطبقة العاملة، وكذلك اقامة علاقات وثيقة مع منظمة العمل الدولية والتوجه نحو البحوث والدراسات الاجتماعية الأمبيريقية.

في عام 1932التحق بالمعهد كل من هربرت ماركوزه، الذي ساعد على تحريك النشاط العلمي والسياسي في المعهد، حتى اصبحت أفكاره في ما بعد، رموزاً وشعارات «ثورية» استخدمها الشباب والطلاب في ما بعد في نهاية الستينات من القرن الماضي. كما التحق بالمعهد كارل مانهايم وريورغن هبرماس واريك فروم وفالتر بنيامين.

النظرية النقدية في المنفى ان سيطرة النازية على السلطة في المانيا وصعود هتلر الى الحكم عام 1933اضطرت هوركهايمر وزملاءه للهرب الى سويسرا وفرنسا وبريطانيا، ومن ثم الى الولايات المتحدة الأميركية. وفي الوقت الذي صدرت فيه الأوامر باغلاق المعهد ومصادرة مكتبته القيمة، اسس هوركهايمر وزملا


https://saberalfaituri.maktoobblog.co...%D8%AF-%D8%A7/









رد مع اقتباس
قديم 2012-02-24, 20:02   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفاكر مشاهدة المشاركة
اريد بحث النظريات النقدية ومدرسة فرانكفورت

مدة البحث اسبوع فقط
في الطريق إلى هابرماس (1)
البداية من مدرسة فرانكفورت

قراءة: عبدالله المطيري

يورغين هابرماس ( 1929-) أحد أكبر وأهم فلاسفة العالم اليوم، هذا إن لم نذهب مع د. عصام عبدالله، صاحب كتاب "رهان الحداثة وما بعد الحداثة" في قوله أن هابرماس يعتبر أكبر فلاسفة ألمانيا المعاصرين وأهم فيلسوف في أوروبا والغرب كله. صدرت حديثا عن المكتبة الشرقية ترجمة عربية لكتاب هابرماس "مستقبل الطبيعة الإنسانية نحو نسالة ليبرالية".. ولكن قراءة هذا الكتاب تتطلب الكثير من القراءات السابقة التي يمكن أن تضع القارئ في الخط الفكري الذي يسيره هابرماس وينحت فيه مصطلحاته ومناهجه في التفكير ورؤيته للأشياء. هابرماس هو أبرز أفراد الجيل الثاني لمدرسة فرانكفورت الشهيرة. ولذا فإن فهم هابرماس، برأيي، يلزم له فهم هذه المدرسة النقدية، وهذا ما دعا إلى أن نسبق قراءة كتاب هابرماس الجديد بقراءتين تعنى الأولى بمدرسة فرانكفورت من خلال ثلاثة كتب هي: "مدرسة فرانكفورت" لبول - لوران آسون. والثاني "مدرسة فرانكفورت" لتوم بوتومور . والثالث: "يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت" لحسن مصدق. أما القراءة الثانية فتقترب بنا أكثر من هابرماس من خلال ثلاثة كتب: الأول: "التفكير مع هابرماز ضد هابرماز" لكارل أوتو آبل. والثاني: "رهان الحداثة وما بعد الحداثة" لعصام عبدالله. والثالث "إشكالية التواصل في الفلسفة الغربية الحديثة" لعمر مهيبل. على أن تخصص القراءة الثالثة لقراءة كتاب هابرماس الحديث "مستقبل الطبيعة الإنسانية" موضوع الحفاوة.

"مدرسة فرانكفورت" نظرة تاريخية

بحسب بول - لوران آسون فإن مدرسة فرانكفورت هي التيار الذي تحقق في فرانكفورت - ألمانيا، عند إنشاء هذه المدرسة بقرار من وزارة التربية بتاريخ 3- فبراير - 1923بالاتفاق مع معهد الأبحاث الاجتماعية. قبل التكوين الرسمي للمعهد رأس كيرت جيرلاخ هذا التجمع الفكري، لكنه توفي قبل افتتاحه بقليل، فاختير لإدارته المؤرخ كارل جرونبرج ما بين عامي 1923- 1929، والذي كرّس توجهات بحوث المعهد نحو أطروحات الماركسية الأورثوذكسية، ونحو أنشطة الحركة العمالية الأوروبية وكان عضوا منخرطا في صفوفها. وفي يناير 1931، الحديث هنا لتوم بوتومور، خلف هوركهيمر ( 1895- 1973) جرونبرج ( 1861- 1940)، وانضم إليه معظم المفكرين المشهورين فيما بعد: فروم ( 1900- 1980)، ماركوزه ( 1898- 1979)، وأدورنو ( 1903- 1969).

في هذه المرحلة بلور المعهد، كما يرى حسن مصدق، برنامج بحث أصيل حيث لم يعد الاهتمام منصبا فقط على نقد الاقتصاد السياسي كأداة تحليل للمجتمع الرأسمالي كما كانت ترى الماركسية، بل اعتمد مقاربات تركيبية تقوم على ربط الفلسفة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية. وهي بمثابة الانطلاقة الحقيقية التي أفرزت لاحقا ما عرف باسم النظرية النقدية. أخذ هؤلاء الرواد على عاتقهم متابعة المشروع النقدي الذي أرساه كانط في ثلاثيته (نقد العقل الخالص، نقد العقل العملي، نقد ملكة الحكم) وتحيين فلسفة التاريخ لدى هيجل بإجراء تعاون وطيد بين الفلسفة والعلوم التجريبية. فلم يقتصر دورهم فقط على الكشف عن دلالة المعرفة في العلوم الإنسانية، ولكنهم قاموا بإنتاج رؤية منسجمة ومتمايزة لتجليات النشاط الإنساني، خاصة لتركيباته الاجتماعية والتاريخية والثقافية بناء على الأبحاث الوضعية التي تتمترس وراء التجربة والملاحظة العلمية الدقيقة.

ومع استيلاء هتلر على الحكم في ألمانيا، أغلق المعهد وصودرت مكتبته، وغادر أعضاؤه، ومعظمهم من اليهود، عام 1933إلى بعض العواصم الأوروبية، وأنشأوا فرعا له في جنيف أطلقوا عليه (المؤسسة العالمية للبحث الاجتماعي)، وكوّنوا له إدارة جماعية، إضافة إلى فرعين آخرين في لندن وباريس. وبسبب التوسع النازي، اضطر هؤلاء المفكرون ثانية إلى مغادرة أوربا عام 1934، متوجهين إلى الولايات المتحدة، ونقلوا المعهد معهم إلى نيويورك باسم (المدرسة الجديدة للبحث الاجتماعي)، ليستقر بعد ذلك في الحرم الجامعي لجامعة كولومبيا . ثم ما لبثوا أن انتقلوا عام 1941إلى لوس أنجلوس.

أثرت هجرة أعضاء المعهد إلى الولايات المتحدة في أعمالهم، ولذا فهم ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، وغروب النظم الفاشية والنازية، بدأوا تحليلا جديا للمجتمع الرأسمالي، الذي رأوا نمط صعوده الجديد في الولايات المتحدة، خاصة مع تنامي (المعجزة الاقتصادية) التي كوّنت رأسمالية قوية، حالت دون فعالية الطبقة العاملة في تحقيق أهدافها، وهذا ما يفسر توجه بحوث المعهد هناك إلى قضايا عديدة في هذا المجتمع، كقضية السيطرة الشاملة، والقضاء على قيمة الفردية، والقهر التقني، وصناعة الثقافة.

حصار الغربة، الحديث مستمر هنا لتوم بوتومور، وعدم اندماج أعضاء المعهد مع البنى الاجتماعية الأمريكية واعتماد اليسار الجديد وحركة تحرير السود هناك لسياسات براجماتية محسوسة أكثر من اهتمامهم بالتنظير، تضافرت جميعها في ابتعادهم عن الممارسة، وانكفائهم في عزلة (الفخ) الأكاديمي، رغم انتقادهم لهذا السلوك، مما أدى بهم إلى الابتعاد عن فكرة الوحدة بين النظرية والممارسة، والتزامهم أكثر بالتجديد النظري، وهو ما رآه البعض سببا مهما في خصوبة أعمالهم النظرية. عموما عاد معهد البحوث الاجتماعية مرّة أخرى إلى موقعه الأصلي في مدينة فرانكفورت حيث عرف لأول مرة باسم (مدرسة فرانكفورت) تحديدا لتكوينه الجديد كمدرسة نقدية .

"مدرسة فرانكفورت" منطلقاتها الفكرية

ولدت مدرسة فرانكفورت في قلب العاصفة، دعونا هنا نحاول تصور الأوضاع في ألمانيا في العشرينات من القرن المنصرم وما تلاها مع امتداد عمر المدرسة. اندلاع الحرب العالمية الأولى، قيام الثورة البلشفية، إخفاق الثورة في ألمانيا، عدم نجاح الحركات الاشتراكية الراديكالية في أوروبا الغربية، ظهور الستالينية في الاتحاد السوفييتي، ظهور النظم الفاشية والنازية في إيطاليا وألمانيا، هيمنة النظم الرأسمالية وتعزيز سيطرتها الاقتصادية والأيديولوجية خصوصا بعد خروجها من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي مرّت بها في الثلاثينات.

كل هذه الأحداث المثيرة خلقت لدى أفراد المدرسة كما يعبر سعد هجرس (مترجم كتاب بوتومور) شهوة عارمة ورغبة في صوغ أساس لنظرية وممارسة أكثر قدرة وفاعلية على تفسير الظروف التاريخية المستجدة والتعامل معها، بواسطة ممارسة نمط من النقد السلبي، يتجاوز أفكار كانط التي ساهمت في تأسيس العقلانية الحديثة، وأفكار الماركسية الأرثوذكسية التي استبعدت الذات الإنسانية من حساباتها. من المفيد جدا إيراد ما يقوله ماكس هوركهيمر مدير معهد البحوث الاجتماعية الشهير ب "مدرسة فرانكفورت" يقول: "يحركني الوعي أن فكرة الحرية الفردية التي قضت عليها النازية قد تم إحياؤها في قلوب كثير من الناس لمجرد أن المدرسة موجودة. وإذا كانت الستالينية قد تقلدت اليوم دور النازية فإنه في حالة انتصارها في أوروبا، ليس هناك مجال لأدنى شك أنها ستهدم كل ما بنيناه، وكل ما يمكن أن نتمناه هو أن ننفذ بجلدنا من جلادي التوتاليتارية الروسية كما تمكنا من الانفلات من أيدي النازية. لكن ربما ما زال هناك متسع من الوقت حتى نعلّم الشباب من الطلاب معنى الإنسانية كما تعلمناها نحن ".

وإن كانت الممارسة النقدية هي سمة وخاصية هذه المدرسة التي لم تتخل عنها إلا أنه من المضلل ربما إجمال كل هذه التجربة بتنقلاتها المكانية والفكرية و تبدل روادها وأجيالها في خطوط مشتركة، ولذا يذهب توم بوتومور إلى أنه يمكن التمييز في الواقع بين مراحل أربع واضحة المعالم في تاريخ "المعهد" و "مدرسة فرانكفورت".المرحلة الأولى تقع بين عامي 1923- 1933الفترة التي كان يدير المعهد كارل جرينبرج المؤرخ الاقتصادي والاجتماعي وثيق الصلة بوجهة نظر الماركسيين النمساويين. جزء هام من عمل المعهد كان يحمل السمة الأمبيريقية بقوة ولم يكن المعهد يستوحي أثناءها مفهوما معينا للفكر الماركسي كما تجسد بعد ذلك في النظرية النقدية.

المرحلة الثانية، هي مرحلة المنفى في أمريكا الشمالية ما بين عامي 1933- 1950والتي ترسخت فيها بشكل حاسم الأفكار المميزة للنظرية النقدية الهيجلية الجديدة، بوصفها المبدأ الموجه لنشاطات المعهد. وكان هذا التوجه الجديد للأفكار والاهتمامات البحثية قد بدأ بالفعل قبل ذلك ببضع سنوات، خاصة تحت تأثير تعيين هوركايمر مديرا للمعهد في يوليو عام 1930وقد لاحظ جاي، استنادا إلى خطاب تنصيب هوركايمر وعنوانه "الوضع الراهن للفلسفة الاجتماعية والواجبات المنوطة بمعهد البحوث الاجتماعية" عام 1931أن: "الاختلافات بين منهجه ومنهج سلفه كانت واضحة منذ الوهلة الأولى . فقد جاءت الفلسفة الآن، أكثر من التاريخ والاقتصاد، لتحتل المكانة الأرفع شأنا في عمل المعهد. تعزز هذا الاتجاه، كما يؤرخ توم بوتومور، عندما انضم إلى عضوية المعهد كل من ماركيوز عام 1932وأدورنو عام 1938، في أعقاب ارتباط فضفاض وأقل تحديدا منذ عام 1931، وفي الوقت نفسه أبدى المعهد اهتماما اكبر بالتحليل النفسي، ليظل بعد ذلك مبدءا سائدا في أعماله اللاحقة.

وفي المنفى، بدأ الأعضاء البارزين به، وبتوجيه من هوركايمر، في تمحيص آراؤهم النظرية بطريقة أكثر منهجية، لتشكل بالتدريج معالم مدرسة فكرية متميزة.

المرحلة الثالثة هي المرحلة التي تلت 1956وانتشر تأثير المدرسة فيها في معظم أنحاء أوروبا، مع ظهور اليسار الجديد، كما امتد أثر المدرسة إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث ظل بها عديد من أعضاء المعهد، وبخاصة ماركيوز. هذه المرحلة هي مرحلة الذروة في التأثير الفكري والسياسي، خصوصا في أواخر الستينات، مع النمو المتسارع لحركة الطلبة الراديكالية، في هذه الفترة ظهر ماركيوز أكثر من غيره بوصفه الممثل البارز لشكل جديد من الفكر النقدي الماركسي.

أما المرحلة الرابعة، مع بداية السبعينيات، انحسر تأثير مدرسة فرانكفورت ببطء، خصوصا بعد موت أدورنو 1969وهوركايمر 1973حتى أنها كفّت أن تتواجد كمدرسة وحادت في سنواتها الأخيرة بعيدا عن الماركسية التي وهبتها الحياة في الأصل. كذلك أخذ تناولها الإجمالي للنظرية الاجتماعية في الابتعاد بشكل متزايد عن الأشكال الجديدة أو المتجددة من الفكر الماركسي. ومع ذلك شقت بعض المفاهيم الرئيسية لهذه المدرسة طريقها إلى مؤلفات الكثيرين من المشتغلين بعلم الاجتماع، سواء من الماركسيين أو غيرهم، كما أنها تطورت بطريقة مبدعة على يد هابرماس، فيما يتصل بنقد متجدد لشروط إمكانية المعرفة الاجتماعية، وفي إعادة تقويم نظرية ماركس من التاريخ والرأسمالية الحديثة.

اشتهرت مدرسة فرانكفورت بقضايا فكرية عديدة سأحاول هنا إبراز عدد منها استكمالا لمحاولة فهم منطلقات المدرسة الفكرية:

نقد النزعة الوضعية الحديثة والتجريبية:

من المعلوم أن بدايات القرن العشرين شهدت أوج رواج الفلسفة الوضعية المنطقية والفلسفة التجريبية التي شنت حملات عنيفة على التأمل الفلسفي و النظريات الفكرية المجردة ورأت أن المنطق العلمي والتجريبي يجب أن يكون المرجع الوحيد للنظريات والتفكير الصحيح. إلا أن الجيل الأول لمدرسة فرانكفورت قد وجه انتقاداته الحادة إلى النزعة العلمية المفرطة وأنساقها التي تحولت إلى أيديولوجيات تستند إلى يقين معرفي ومعتقدات إيمانية. فكلها في نظرهم قد غدت أنظمة معرفية مغلقة تعتمد أشكالا تنظيمية جد مقننة للحياة الاجتماعية، وحمّالة قيم وسلوكيات تنافح وتدافع عنها، من خلال إسقاط آليات فهم الظواهر الطبيعية على الظواهر الاجتماعية. بمعنى أنها أصبحت أيديولوجيات شمولية تنظم علاقة الإنسان بالإنسان والإنسان بالأشياء، مما حدا برواد مدرسة فرانكفورت إلى رصد تحول العقلانية الغربية إلى أيديولوجيات شمولية، ومن أسباب انتقادهم علانية العقلانية كأيديولوجيا ومحاولة الكشف عن مكامن التسلط فيها ومحاربة نزعتها الوثوقية.

نقد الماركسية الكلاسيكية والدوغمائية الستالينية:

يقسم ماركس أشكال الوعي الاجتماعي إلى مستويين: 1- أشكال الوعي الأيديولوجي. 2- أشكال الوعي "الموضوعي": (العلوم، والفلسفة التي تقدم نظرية موضوعية كما هو شأن الماركسية مثلا في تقويتها للتحليل الاقتصادي والتاريخي وإعلائها من قيمتها ...). والمشكلة التي تراها النظرية النقدية تكمن في تأكيد ماركس وبشدة أنه ليس هناك من معرفة دون مصلحة، فأي معرفة سواء كانت أيديولوجية أو علمية، مشروطة أولا وأخيرا بمصلحة تدافع عنها ومن أجل قيم معينة ومحددة. غير أن ماركس في نظريته عن المصلحة لا يشير في الغالب إلا إلى مصالح اجتماعية يراها خاصة، كالمصالح الطبقية (مصالح الربح، أو تملّك وسائل الإنتاج...) بوصفها شروطا ضرورية (أي من دونها لا يمكن أن يحصل أي تعبير وتمثيل) وفي الوقت نفسه بوصفها شروطا محددة (لأنه من خلالها يتم تحديد الأفكار والنظريات). وبالتالي فإن فرضية المصالح الاجتماعية لا تسعفنا في فهم إمكانية الانتقال من الوعي الأيديولوجي إلى الوعي العلمي الموضوعي. علاوة على أن العلم كما الفلسفة يشتركان في القول بأن هناك ثمة مصالح كونية، منها الحقيقة التي تشكل معيارا مقبولا بالنسبة للفرد أيا كانت طبقته. وهذا الدحض يشمل ماركس وإنجلز المنتميات للطبقة البرجوازية ولكن كل طرحهم موجه لمصلحة طبقة غير طبقتهم وهو ما يسمح بالقول أن المعرفة لا يمكن أن توضع دائما من اجل مصلحة. فإذا اعتبرنا نظريتهم "موضوعية" فهي حجة بأن الوعي لا يتحدد دائما بالمصلحة الطبقية التي ننتمي إليها.

نقد الأيديولوجيا:

إذا كانت الأيديولوجيا توصف بأنها الوعي الزائف إلا أنه لا يمكن القبض عليها بسهولة، ولذا، يقول أدورنو، إن تأمل النظام الستاليني يظهر أن الأيديولوجيا كانت "وسيلة للاضطهاد"، أما في الغرب فلم يعد لها من وجه واضح القسمات لنتعرف عليها، بل أصبحت تجيد لف الحبل على الغارب وأكثر قدرة على التخفي والذوبان ومن دون أي علاقة مع الحقيقية. الأيديولوجيات العلموية تعلن أن ليس هناك ما هو أحسن مما هو كائن، ولا داعي للبحث عما ينبغي أن يكون، فالواقع ما هو كائن. هذه الثقافة دعاية ليست إلا، وما تلبث، كما يرى أدورنو، أن تتحول رويدا إلى إرهاب عندما تعمل على إقرار الوضع القائم كأمر لا مناص أو بديل عنه. وخلافا لذلك تعتمد النظرية النقدية إلى عدم إغفال تحليل الواقع التاريخي لارتباطها به أشد الارتباط حتى يتسنى لها ربط النظرية بالممارسة، فإذا كانت الممارسة تؤثر في التمثلات، فالنظرية تؤثر أيضا في الإدراك. وعلى الرغم أنها تبحث باستمرار عن سبل تجاوز المجتمع، فيجب عليها أن تتحاشى السقوط في فخ أن تصبح أيديولوجيا بدورها أو أن تتحول إلى صيغة جاهزة للاستعمال.

مدرسة فرانكفورت: أعلام ومؤلفات:

نذكر هنا ابرز علماء المدرسة مع أبرز مؤلفاتهم. 1- ماكس هوركايمر ( 1895- 1973) من أبرز أعماله "النظرية التقليدية والنظرية النقدية"، "جدلية التنوير" مع أدورنو 2- تيودور أدورنو ( 1903- 1970) من أعماله: تعالي الغيري والنيوماني في ظاهرية هوسرل "، "كيركجارد وبناء الجمالية"، "الشخصية الاستبدادية" مع آخرين، "الجدل السلبي ". 3- هربرت ماركيوز ( 1898- 1979) أبرز مؤلفاته: "العقل والثورة"، "الحب والحضارة"، "فلسفة النفي"، "الإنسان ذو البعد الواحد"، "نحو التحرر"، "الثورة والثورة المضادة ". 4- فردريك بولوك ( 1894- 1970) من أعماله: "نظرية العملة عند ماركس"، "تجارب التخطيط في الاتحاد السوفييتي بين عامي 1917- 1927". أما هابرماس فسنصل إليه أكثر في الحلقة التالية.
https://www.alriyadh.com/2006/12/14/article208864.html









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مرجع, يبدة, ساساعده


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 06:23

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc