مَلَفٌّ خَاصٌّ بِحُكْمِ الْمُظَاهَرَاتِ - الصفحة 6 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم خاص لطلبة العلم لمناقشة المسائل العلمية

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

مَلَفٌّ خَاصٌّ بِحُكْمِ الْمُظَاهَرَاتِ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-11-17, 13:02   رقم المشاركة : 76
معلومات العضو
جواهر الجزائرية
عضو متألق
 
الصورة الرمزية جواهر الجزائرية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

  1. التعقيب على حامد العلي بشأن الدعوة إلى المظاهرات للشيخ الدكتور عبد العزيز السعيد

    بسم الله الرحمن الرحيم
    التعقيب على حامد العلي في اعتراضه على فتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بشأن الدعوة إلى المظاهرات
    الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ، أما بعد ؛ فقد اطلعت على ماكتبه الأستاذ حامد العلي في موقعه على النت ، والذي وجه فيه سؤالا لنفسه وأجاب عليه ، ونص السؤال : فضيلة الشيخ ما هو الرد على الفتوى الصادرة من هيئة كبار العلماء في السعودية في تحريم المظاهرات ؟!
    ثم أجاب الأستاذ بجواب يغلب عليه عدم تصور المسائل ، والحيدة عن النصوص الناقضة لما يستدل به ، والنزع إلى المتشابه ، والاستدلال بالعمومات والمطلقات ، والتجافي عن المخصصات والمقيدات ، بل والتناقض فيما كتب ، والاستدلال بما ينقض عليه ، والاستدلال بمن يُستدل له ولايستدل به من أهل العلم إذا تنزلنا وقلنا : إنما نقله عنهم يدل على مطلوبه ، وليست كذلك ، والخلط في تقرير المسائل العلمية، ولهذا فقد تقحم الأستاذ مركبا صعبا ، كان الأولى به أن يدعه لغيره من أهل العلم ، فأسأل الله أن يهدي قلبه ، ويشرح صدره للحق .
    ثم أقول بعد ذلك : لولا خشية الاغترار به لتركت التنبيه عليه ، ولكن لازم النصيحة ـ وقد نشر ـ بيان الحق.
    وسأختصر الكلام في النقاط الآتية :
    أولا : لم يتطرق الكاتب لنقض فتوى هيئة كبار العلماء بالأدلة ، وإنما أخذ في بيان حكم المظاهرات من منظوره هو فقط ؛ لأنه لن يتمكن من ذلك ؛ لقيام الفتوى على ركائز متعددة مبنية على نصوص الكتاب والسنة وعمل السلف ، سواء ورد التصريح بها في البيان أم لم يرد . فسقط الرد من أصله .
    ثانيا : فتوى الهيئة في تحريم المظاهرات وماشاكلها ـ فيما ظهر لي من البيان ـ مبنية على عدة أمور منها :
    1 ـ وجوب الوفاء بالبيعة ، والسمع والطاعة في غير معصية الله ، وهذه المطالبات والمظاهرات كما لايخفى يرفع سقفها حتى تطالب بتنحية ولي الأمر ـ وقد حصل ـ وهذا خروج عليه ، ونقض للبيعة . ولو فرضنا جواز المظاهرات ، ثم منع منها ولي الأمر ؛ لوجب الالتزام بذلك .
    وقد يقول الكاتب ، بل قال : المظاهرات من إزالة المنكر ونصرة المظلوم واسترداد الحقوق . قلت : هذا كلام من لم يعرف منهاج السلف ، وقد بينت شيئا من ذلك في ردي على الدكتور يوسف القرضاوي ، فليرجع إليه الكاتب .
    2ـ رعاية مقاصد الإمامة ، والمصالح العظمى ، مما تنعم به المملكة العربية السعودية ـ حرسها الله ـ من نشر التوحيد والسنة ، ومحاربة الشرك والبدعة ، وإقامة شعائر الدين وحدوده ، وظهور أعلامه وآثاره على المجتمع والأفراد ، في كافة المناحي : الدينية والاجتماعية والأمنية والسياسية والعلمية .... مما لايوجد له نظير في العالم أجمع من قرون طويلة ، فضلا عن الاجتماع على خادم الحرمين الشريفين ببيعة شرعية على مقتضى أصول أهل السنة والجماعة ، بايعه فيها أهل الحل والعقد في كافة أنحاء المملكة ، وفوض بموجبها بإدارة شؤون البلاد داخليا وخارجيا ، فما اجتهد فيه فأخطأ فله أجر ، وما أصاب فله أجران .
    وهذه الإيجابيات وغيرها كثير جدا ، ونحن في المملكة نعيشها ، وغيرنا يدركها ، هل يجوز سلبها بسبب خطأ أوتقصير ؟ وهل هذا يتفق مع مقاصد الإمامة ؟ وهل هذا يتفق مع قواعد المصالح والمفاسد والمآلات ؟
    3ـ رعاية بشرية الحاكم ، فليس معصوما من الخطأ أوالخطيئة أوالتقصير ، وعلى حد زعم الكاتب يريد حاكما سالما من هذا كله ، وأنّى له ذلك ؟!
    لكن هذا الخطأ والقصور لايعالج بالخروج عليه ، أوالتجمهر ، أوحشد الناس ضده ، بل يكون بالنصيحة على وجهها الشرعي كما بينه العلماء قديما وحديثا ، وقد ذكرت طرفا من ذلك في الرد على القرضاوي. وفي المقال المنشور بعنوان منهج السلف في التعامل مع الحاكم .
    4 ـ عدم حصر المسؤولية في الحاكم وحده ، بل الشعب مسؤول كذلك ، كما دلت عليه النصوص الشرعية ، وهذا يوجب على الطرفين التعاون على البر والتقوى ، والتكامل ، والتناصح ، وليس التنافر والتقاطع والتدابر .
    5 ـ العدل في القول ، فقد حدد البيان الواجب تجاه ولي الأمر ، وفي الوقت نفسه لم يغفل عن تذكير ولي الأمر بما يجب عليه . وكل ذلك بأدلة شرعية .
    أرجو أن لايغفل عن هذا الأستاذ حامد وفقه الله ، وشرح صدره للبر والتقوى .
    ثالثا : نقل الكاتب عن العلامة ابن القيم رحمه الله أنه قال : (ولايتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى ، والحكم بالحق إلاَّ بنوعين من الفهم :أحدهما : فهم الواقع والفقه فيه ، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن ، والإمارات ، والعلامات حتى يحيط به علما . والنوع الثاني : فهم الواجب في الواقع ، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه ، أو على لسان رسوله فـي هذا الواقع ) .
    وهذا كلام لا إشكال فيه ، ولكن الشأن في تنزيله ، وهنا أسأل الأستاذ فأقول :
    1 ـ هل أنت أعلم من علمائنا بالواقع في المملكة ، وهم يعيشون على أرضها ، وأنت تعيش في وطنك الكويت ؟ ولوسألناك عن أشياء يسيرة مما يتداوله غلماننا لما عرفته !!! ( وإذا قلتم فاعدلوا ) .
    2ـ تقديمك بهذا تجهيل لعلمائنا الذين أجمع المسلمون على الثقة بهم ، والرجوع إليهم ، إلا من حرم من متعالم ، أوغافل ، أوذي هوى .
    وليت الأمر كان مقصورا على التجهيل ، بل تجاوزت فأحللت نفسك المحل الذي لست أهلا له ، فنصبت نفسك عالما ، وعرضت عليها أسئلتك في موقعك ، باسم المستفتين . وأظن هذا ـ إن كنت تريد شهرة ـ سيسقطك .
    3 ـ ثم بالنظر في كلامك الذي جعلته دليلا على أحقيتك بالعلم من هيئة كبار العلماء ، يبرز عوارك في جوانب :
    أحدها : ماذكرته من كلام هنا هو مأخوذ من كتاب الدكتور حاكم بن عبيسان المطيري في كتابه
    ( الطوفان ) ، وكان حري بك ـ أمانة ـ أن تسنده إليه .
    الثاني : أن هذا الكلام الذي ذكرته قد رد عليه أحد علماء الكويت ، وهو فضيلة الدكتور المحقق حمد العثمان في كتابه ( الغوغائية هي الطوفان ) ، فلم أعرضت عن ذكر ما أجاب به عن هذه الشبهات التي تنقض عليك ما كتبت ؟ لا أجد جوابا عن ذلك إلا عجزك العلمي . والكتاب طبع عدة طبعات ؛ لنفاسته ، وثناء أهل العلم .
    الثالث ـ إعراضك عن أدلة المانعين من المظاهرات ، ومحاولة أن لايرد على ماذكرته ـ مما تزعم أنه أدلة ـ ماينقضه من النصوص الصريحة الصحيحة .
    الرابع ـ الخلط العجيب في المسائل وتنزيلها ؛ مما يدل على عدم استقرار منهج الاستدلال عندك أوعدم معرفته ، مع سوء فهم النصوص وكلام أهل العلم ووضعه في غير موضعه . وقد بين فساد هذا كله أخونا الشيخ حمد العثمان حفظه الله .
    وأذكر هنا مثالا استشهدت به على جواز المظاهرات ، فقلت في ذلك : ( وأيضـا مما ورد في السنة من استدعاء الحشد للبلاغ ، ما في الصحيحين عن ابن عباس قال : ( لما أنزل الله عز وجـل : وأنذر عشيرتك الأقربـين ، أتى النبي _ صلى الله عليه وسلم _ الصفـا فصعـد عليه ، ثم نادى : يا صباحاه ، فاجتمع الناس إليه ، بين رجل يجيء إليه ، وبين رجل يبعث رسوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بني عبد المطلب ، يابني فهر ، يابني لؤي ، أرأيتم لو أخبرتكم ، أنَّ خيلاً بسفح هذا الجبل ، تريد أن تغيـر عليكم ، صدقتموني ؟ قالوا : نعم ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) ، فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ، أما دعوتنا إلاّ لهذا ؟ وأنزل الله ( تبت يدا أبي لهب وتب ) .فهذا نـصٌ واضـح في أنَّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم ، صعـد ليراه الناس ، واستدعاهم ليجمعهم في مكان واحـد _ في صورة أشبه ما تكون بالمظاهـرات السلمية اليوم التي يراد منها رفع مستوى قـوّة الاحتـجاج _ وليبلّغهم ، فاحتشدوا له ، واستغـلّ هذا الحشـد ، ليوصل صوته إلى أبـعد مدى ، فيبلغ ما أمـر بتبليغـه. فليت شعري أيُّ فرق بين هذا ، وأن يدعو دعاةُ الإصلاح الناسَ لمكان محدد ، يدعون إلى حشـد كبير، ليبلّغوا السلطة مطالبهم ، وليوصلوا حقوقهم ، ليكون فعلهم أشد وطأة ، وأعظـم تأثيرا في التغييـر ؛ إذ من المعلوم أنَّ استدعاء الحشد متظاهرين ، للاحتجاج الجماعـي ، يؤدي دورا بالغ التأثيـر في التغيير، كما هو شأن كلّ ما يجتمع عليها الناس في شئونهـم العامّـة ، فيكونون أقـوى به من حال الانفـراد ، كما ذكرنـا) .
    أرأيت هذا الفهم المقلوب الذي يغني ذكره عن الرد عليه ! بعث عليه الاعتقاد ثم الاستدلال ، أوتوظيف العلم للفكر ؛ فبالله كيف تستدل بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في جمع الناس ليدعوهم إلى عبادة الله وحده ، على مشروعية جمع الناس للخروج بهم على السلطان ؟! فأين هذا من هذا ؟!!
    الخامس ـ ويكفي استدلالا على أجنبيتك عن العلم أنك ذكرت أن أعظم أهداف هذه الأمـّة ، وأرفع غاياتها ، وأسمـى قِيَمِها ، هو العدل ، والإصلاح ، وتحرير العباد من الجور، ورفع المظالم ، والمفاسـد عنهم.
    سبحان الله !! أليس التوحيد هو أعظم شيء ، وأحق مايدعى إليه ؟! أين تذهب يا أستاذ هداك الله ؟
    السادس ـ تختار من الحوادث التاريخية ما ترى أنه يدعم موقفك ـ وهو ليس كذلك ، وعلى فرض صحته، ففعل البشر محجوج بالسنة المحكمة ـ وتترك ما ترى أنه ضدك ، فقد ذكرت بعض أعمال المنتسبين إلى مذهب أحمد ـ التي تعتقد أنه تؤيدك ـ وتركت ماصنعه إمامهم ـ رضي الله عنه ـ وهو من هو في الفقه والاتباع !! حين كان في الأغلال قد حمل على قول الكفر ـ وهو القول بخلق القرآن ـ فيماذكره حنبل في قوله : ( اجتمع فقهاء بغداد فقالوا له : إن الأمر قد تفاقم وفشا يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك ولا نرضى بإمرته ولا سلطانه ، فناظرهم في ذلك وقال عليكم بالإنكار بقلوبكم ولا تخلعوا يدا من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين ، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم ، وانظروا في عاقبة أمركم ، واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر ، وقال ليس هذا بصواب ، هذا خلاف الآثار ) .
    فأين الموضوعية ؟! وأين طلب الهدى ؟! ولستَ في مقام رد ، ولكن في مقام تقرير .
    رابعا : لا أجد لك عذرا فيما كتبت ـ ولايصح الاعتذار به ـ إلا أنك غلبك الجانب السياسي الصحفي، فحاولت جاهدا التوفيق بينه وبينه الشرع على حد قول من ضللهم الله ( إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ) ، ولعل ما يجلي هذا قولك ولأنَّ وسيلة الاحتشاد للتظاهـر ، مؤثـِّرة في التغيير الإصلاحي ، فقد استعملت في تاريخ أمّتنـا الإسلامية، بالطبيعة التي أودعها الله في السنن الاجتماعية البشرية ، أنَّ الناس تجتمع فيما تشترك فيه ، وتستعمـل اجتماعها في تحقيـق أهدافهـا ، ولهذا أُسِّست النقابات ، والاتحادات ، والأحزاب ، ونحوها من التجمَّعات وجعل في يدها وسائـل تمكنها من نيل حقوقها بقوة الدسـتور ، في كلّ دول العالم المتحضّـر ، التي ترفض الاستبداد ، وتترفَّع عن الصيـغ المتخـلّفة للحكم ) .
    فهل اختلط عليك الوحي المنزل من رب العالمين الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، بقوانين البشر ودساتيرهم الوضعية ، التي يصدق فيه قول الله ( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ) ؟ فكلامك خليط منهما ، وليس خالصا للوحي ؛ ولهذا صار تقريرك لما اعتقدت ، وليس لما يجب أن تعتقد !!
    خامسا : أرغب إلى الكاتب أن يبين لنا موقفه من أحاديث السمع والطاعة ، والصبر على جور السلطان ، وتحريم الخروج عليه إلا بالكفر البواح .
    سادسا : اذكر نفسي والكاتب وكل مسلم بقوله تعالى : ( فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى ، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) .
    أسأل الله لي ولأخي حامد التوفيق والسداد ، والاجتماع على الحق ، وإخلاص القصد ، وحسن الاتباع . والحمد لله رب العالمين .
    كتبه / عبدالعزيز بن محمد السعيد
    عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
    في 6 / 3/ 1432هـ










 


رد مع اقتباس
قديم 2011-11-17, 13:04   رقم المشاركة : 77
معلومات العضو
جواهر الجزائرية
عضو متألق
 
الصورة الرمزية جواهر الجزائرية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

من فقه الواقع تجويز المظاهرات أم التحذير منها لكونها مما حُذرنا منهلتركبن سنن من كان قبلكم..حتى لو أن أحدهم ضاجع أمه بالطريق لفعلتم/صحيح)






"كما هو معلوم: ليس من هدي السلف المظاهرات، لأن ذلك يعد خروجا على الحاكم.

وعلى هذا :

كل قطرة دم تسيل، وكل عرض ينتهك، وكل مال يغتصب وكل وكل بسبب ذلك

فوزر ذلك في عنق الدعاة إلى المظاهرات!!!!.

كما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال :

( من سنة في الإسلام سنة سيئة فله وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة).

وقال أيضا:

(كل من قتل نفس بغير حق إلا ولابن آدم وزر منها(لأنه هو من سن سنة القتل) .

قد يقول قائل وكيف المخرج من هذا كله؟

الجواب: أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن نصيحة ولاة الأمور تكون سرا

حفاظا على وحدة الصف و أرواح المسلمين.

ثم أوليس الأولى الدعوة إلى التوحيد، أو ليس التوحيد هو الذي من أجله أرسل الله رسله وأنزل كتبه !!!.

فبالتوحيد يعرف الشرك، وبالنور تعرف الظلمة، وبالحق يعرف الباطل، وبالسنة تعرف البدعة.

قال تعالى : { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا }.

ولقد أخطأ كثير من الناس لما ظن أن سبب ضعف الأمة هو بسبب ضعف الحكام !!!

السبب الحقيق هو البعد عن الدين، قال عمر رضي الله عنه:

كنا قوم أذلة فأعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.

ولا يكون الاجتماع على الدين إلا بالتصفية والتربية .

أي تصفيته من البدع والشركيات التي أدخلت فيه، وتربية الناس على ذلك الدين المصفى.

قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)

والإسلام : هو الإستسلام والإنقياد لكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

قال الألباني:

(صحيح أن الوسائل إذا لم تكن مخالفة للشريعة فهي الأصل فيها الإباحة،هذا لا إشكال فيه

لكن الوسائل إذا كانت عبارة عن تقليد لمناهج غير إسلامية فمن هنا تصبح هذه الوسائل غير شرعية

فالخروج للتظاهرات او المظاهرات وإعلان عدم الرضا أو الرضا

وإعلان التأييد أو الرفض لبعض القرارات أو بعض القوانين

هذا نظام يلتقي مع الحكم الذي يقول :الحكم للشعب، من الشعب وإلى الشعب

أما حينما يكون المجتمع إسلاميا فلا يحتاج الأمر إلى مظاهرات

وإنما يحتاج إلى إقامة الحجة على الحاكم الذي يخالف شريعة الله...

وأخيرا، هل صحيح أن هذه المظاهرات تغير من نظام الحكم إذا كان القائمون مصرين على ذلك؟

لا ندري كم وكم من مظاهرات قامت وقتل فيها قتلى كثيرين جدا

ثم بقي الأمر على ما بقي عليه قبل المظاهرات

فلا نرى ان هذه الوسيلة تدخل في قاعدة أن الأصل في الأشياء الإباحة لأنها من تقاليد الغربيين).

فتاوى الشيخ الألباني/شريط رقم 210

ثم ما الفائدة من هذه المظاهرات؟

ترويع الآمنين وقتل المظلومين وانتهاك أعراض المسلمين !!!

أهذا هو فقه الواقع ؟ّ!!!.

هل السلف كانوا عن هذا غافلين؟ ، وعن فوائد ومقاصد هذا الفقه جاهلين ؟!!!

روى أنس رضي الله عنه:

" أَنَّ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدُوٍّ

فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ

كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ

حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ

فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ

قَالَ أَنَسٌ فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ

(بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا) " . أخرجه البخاري .

فالتعبير عن السخط يكون بالابتهال والدعاء لا الصراخ والحرق والتكسير كما يجري في المظاهرات!

وترى البعض يخطبون في القنوات الفضائية لتحريض الناس للخروح لتغيير الحكم والحكام

ولو كان ذلك يعني الخروج على منهاج السلف ومخالفة هديهم، وإزهاق دماء الأبرياء !!!.

فالأمر عند البعض كما قال عليه الصلاة والسلام:

[لتركبن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع وباعا بباع

حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب دخلتم

وحتى لو أن أحدهم ضاجع أمه بالطريق لفعلتم ] ( صحيح )

قال الألباني:

"فلا يعني أن كل فرد من أفراد الأمة سيتبع سنن الكفار ،وإنما سيكون ذلك في هذه الأمة

فحينما يقول (لتتبعن) فهو بمعنى التحذير أي إياكم أن تتبعوا سنن من قبلكم

فإنه سيكون منكم من يفعل ذلك"

<<< ورحم الله امرءا انتهى إلى ما سمع >>> ".

منقول









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-17, 13:08   رقم المشاركة : 78
معلومات العضو
جواهر الجزائرية
عضو متألق
 
الصورة الرمزية جواهر الجزائرية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

(لا تقوم الساعة حتى يتسافدوا في الطريق تسافد الحمير/صحيح)الألباني:تخرج الفتيات مع الفتيان يتظاهرون/الكتف بالكتف وربما العجيزة بالقبل






قال الإمام الألباني-رحمه الله-:

" إذا عرفتم هاتين الحقيقتين

النهي عن التشبه من جهة والحض على مخالفة المشركين من جهة أخرى

حينذاك وجب علينا ان نجتنب كل مظاهر الشرك والكفر مهما كان نوعها مادام أنها تمثل تقليدا لهم

ولكي نتحاشى أن يصدق علينا نحن معشر المنتمين إلى العمل بالكتاب والسنة

قوله عليه الصلاة والسلام:

( لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع ،حتى لو سلكوا أو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)

هذا خبر من النبي صلى الله عليه وسلم يتضمن تحذيرا

وذلك لأن هذه الأمة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح بل الحديث المتواتر:

( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة)

وفي رواية: (حتى يأتي أمر الله)

إذن قد بشرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح بأن الأمة لا تزال في خير

فعندما يأتي ذلك الإخبار الخطير( لتتبعن سنن من قبلكم)

فلا يعني أن كل فرد من أفراد الأمة سيتبع سنن الكفار وإنما سيكون ذلك في هذه الأمة

فحينما يقول (لتتبعن) فهو بمعنى التحذير أي إياكم أن تتبعوا سنن من قبلكم

فإنه سيكون منكم من يفعل ذلك

وقد جاء في رواية أخرى خارج الصحيحين وهي ثابتة عندي

يمثل فيها الرسول تقليد الكفار إلى درجة خطيرة

لا يكاد الانسان لا يصدق بها إلا إذا كان مؤمنا خالصا، ثم الواقع يؤكد ذلك

قال عليه السلام في تلك الرواية:

( حتى لو كان فيهم من يأتي أمه على قارعة الطريق، لكان فيكم من يفعل ذلك)

حتى لو كان فيهم من يأتي أمه

يزني بأمه وليس ساترا على نفسه وعلى أمه بل على مرئ من الناس وعلى قارعة الطريق

لكان فيكم من يفعل ذلك

التاريخ العصري اليوم يؤكد أن ما نبأنا النبي صلى الله عليه وسلم

من اتباع بعض هذه الأمة لسنن من قبلنا قد تحقق إلى مدى بعيد وبعيد جدا

وإن كنت أعتقد ان لهذا التتبع بقية

فقد جاء في بعض الأحاديث الثابتة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

( لا تقوم الساعة حتى يتسافد الناس على الطرقات تسافد الحمير)، وهو الفاحشة

على الطرقات كما تتسافد الحمير، هذا هو منتهى التشبه بالكفار

إذا علمتم النهي عن التشبه والأمر بالمخالفة، نعود الآن.

هذه التظاهرات التي كنا نراها بأعيننا في زمن فرنسا وهي محتلة لسوريا

ونسمع عنها في بلاد أخرى وهذا ما سمعناه الآن في الجزائر

لكن الجزائر فاقت البلاد الأخرى في هذه الضلالة وفي هذا التشبه

لأننا ما كنا نرى أيضا الشابات يشتركن في التظاهرات

فهذا منتهى التشبه بالكفار والكافرات

لأننا نرى في الصور أحيانا وفي الأخبار التي تذاع في التلفاز والراديو ونحو ذلك

خروج الألوف المؤلفة من الكفار سواء كانوا أوربيين أو صينيين أو نحو ذلك...

يقولوا في التعبير الشامي وسيعجبكم هذا التعبير ، يخرجون رجالا ونساء( خليط مليط)

يتزاحمون الكتف بالكتف وربما العجيزة بالقبل، ونحو ذلك

هذا هو تمام التشبه بالكفار، أن تخرج الفتيات مع الفتيان يتظاهرون

أنا أقول شيئا آخر بالإضافة إلى أن التظاهر ظاهرة فيها تقليد للكفار

في أساليب استنكارهم لبعض القوانين التي تفرض عليهم من حكامهم

أو إظهار منهم لرضا بعض تلك الأحكام أو القرارات

أضيف إلى ذلك شيئا آخر ألا وهو: هذه التظاهرات الأوربية ثم التقليدية من المسلمين

ليست وسيلة شرعية لإصلاح الحكم وبالتالي إصلاح المجتمع

ومن هنا

يخطئ كل الجماعات وكل الأحزاب الاسلامية

الذين لا يسلكون مسلك النبي صلى الله عليه وسلم في تغيير المجتمع

لا يكون تغيير المجتمع في النظام الاسلامي بالهتافات وبالصيحات وبالتظاهرات

وإنما يكون ذلك على الصمت وعلى بث العلم بين المسلمين وتربيتهم على هذا الاسلام

حتى تؤتي هذه التربية أكلها ولو بعد زمن بعيد

فالوسائل التربوية في الشريعة الاسلامية تختلف كل الاختلاف عن الوسائل التربوية في الدول الكافرة

لهذا أقول باختصار

إن التظاهرات التي تقع في بعض البلاد الاسلامية

أصلا هذا خروج عن طريق المسلمين وتشبه بالكافرين وقد قال رب العالمين:

( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين

نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا)"

شريط فتاوى جدة رقم 12









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-17, 13:11   رقم المشاركة : 79
معلومات العضو
جواهر الجزائرية
عضو متألق
 
الصورة الرمزية جواهر الجزائرية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السحيمي:فالدخول في المظاهرات عمل يهودي ماسوني/اختلط فيها..الرافضي مع اليهودي مع النصراني مع أدعياء السنة مع غوغائيين مع الزناة واللوطيين




قال فضيلة الشيخ صالح السحيمي -حفظه الله-:


"هذه المظاهرات التي تقع في بعض البلاد الإسلامية

مهما كان الحاكم , و مهما كان الظلم , و مهما كانت المخالفات

فالدخول في المظاهرات عمل يهودي ماسوني

ليس من عمل المسلمين و لا يقرّه الإسلام و ليس عليه دليل من الشرع

ولا نلتفت إلى من يفتي به من الذين يتسرعون

حتى الذين قتلوا أنفسهم يقولون إنهم شهداء , و الرسول صلى الله عليه و سلم يقول :

(من قتل نفسه فهو في النار)

فنبرأ إلى الله من هذه الفتاوى , و من أهلها

و إن تحدثوا من قناة الخسيرة أو غيرها من القنوات الفاسدة المفسدة ..

و يكفي أن هذه المظاهرات تؤيدها ثلاث جهات :

-الغرب بمن فيهم أمريكا و أوربا بكافة دولها .

-و الرافضة سواء كان منهم في إيران أو حزب الشيطان أو غيرهم في بلاد الشام أو غير ذلك .

- أو كذلك الأمر الثالث الذين يؤيدونهم العلمانيون و اللبراليون و الملاحدة

الذين يريدون أن ينسخوا الدين و يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم

و يأبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون.

فأبلغوا الإخوة بأن الدخول في هذه المظاهرات أو الإضرابات مهما كان الحاكم

فإن هذا العمل غير صحيح

و يمكّن لأعداء الإسلام من الدخول في صفوف المسلمين

و يكفي أنها في بعض البلاد اختلط فيها الحابل بالنابل

الرافضي مع اليهودي مع النصراني مع أدعياء السنة

مع غوغائيين مع الزّناة و اللوطيين و مع العلمانيين و اللبراليين

و مع سائر المجرمين الذين يدخلون في مثل هذه المظاهرات

فأوصي نفسي و إخوتي أهل السّنة أن لا يدخلوا فيها و أن يلزموا بيوتهم

و أن يبتعدوا عن هذه الفتن

إذا اعتدي عليهم يدافعون عن أنفسهم

أمّا أن يدخلوا في هذه المظاهرات مهما كانت المظالم , و مهما كانت الأمور

فإن ذلك لا يقره الشرع , بل هو مبدأ من مبادئ الماسونية الصهيونية العالمية
"









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-17, 13:11   رقم المشاركة : 80
معلومات العضو
رَكان
مشرف عـامّ
 
الأوسمة
المشرف المميز **وسام تقدير** وسام المشرف المميّز لسنة 2011 وسام التميز وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جواهر الجزائرية مشاهدة المشاركة
[




فهل سنقول مثلا لخادم الحرمين الشريفين أنك ضال مبتدع..وهو يجلس على أريكة مذهبة ..وأمامه طاولة مزينة بشتى انواع اللأزهار في لقاء مع علماء المسلمين...ليأخذ الشيخ ابن عثيمين الميكروفون ويتحدث وهو واقف..وراء لاأدري ما اسمها بالعربية خذوها على أصلها ..( pupitre ) مكتب صغير عال ..تماما يشبه مايستخمه ملقوا خطب الأحد بالكنيسة...

هذا يعتبر طعنا و استهزاءاً بالدين فالعاقل لا يقول قولك في رجال اطاعو الله و الرسول بغض النظر عن متاع الحياة التي اعطانها الله و اياهم و هي حلال علينا و عليهم فكيف تشبه رجالا تقات بما يفعله الكفّار يوم الاحد

فهل بلغت بك الدرجة الى هذا الاستهزاء بالدين و كانك لا تمتّ له بصلة !!!!!!!!!!

جواهر ...كم بقي من الوقت لتعلني كفري ؟؟؟؟؟؟؟
ياجوهرة...
لتعلمي انني أحب الوصف ولقد كنت مميّزا في ذلك منذ طفولتي بشهادة من قاموا على تعليمي..
جيد تابعيني على مهل لتفهمي مقصدي مما طرحت..
اولا لايمكنك..الجزم بأنني كنت أستهزئ فإن اختلط عليك الأمر فقد يكون عائقا لديك في فك مدلول الكلمات من معاقلها...
الشيخ ابن عثيمين..أجله وأقدر مكانة ومنزلة عالية ارتقى اليها بفضل ما أنعم الله عليه من علم..وأسأل الله أن يثيبه على ما نشر من الخيرات لعموم المسلمين وخاصتهم..أجبرت على هذا التوضيح إشفاقا عليك الضيعة في متاهة البحث عن صحة عقيدتي..
الأمر المهم ولنعد إليه أخبرتك بداية انني مولع بالوصف وما حكيته لك هو بالفعل مكونات لمشاهد تابعتها على شريط فيديو..وأقسم بالله أنني لم أجتهد ولم أتصرف بالزيادة والنفصان..وأما تشبيهي فلم يكن من ورائه القصد بالإساءة وإنما هو كان العجز عن إيجاد تسمية عربية لأحد مكونات ذلك المشهد...وهي الحقيقة التي لايمكن لأحد طمسها فذلك الذي يشبه المكتب هو مأخوذ شكله وهيئته على صورة كالتي ذكرتهاوأنا أبرأ ممن يحاول توظيف ذلك في مالم أتوجه لتوظيفه..
محبتي للشيخ القرضاوي هي ليست مما يقولون عليه الحب أعمى لاوالله فعثراته أعرفها..وإنه يشفع له تغاضينا عنها كثرة حسناته...إضافة الى أنني لاأوشحه برداء القداسة فهو بشر....تحياتي...
أنا هنا لأجيبك عماشئت ولكن أعذريني لاأجد القدرة في المرور على كل ماتتضمنه المداخلات الطويلة..









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-17, 13:14   رقم المشاركة : 81
معلومات العضو
جواهر الجزائرية
عضو متألق
 
الصورة الرمزية جواهر الجزائرية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

"بيان في حكم المظاهرات / لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد: فقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنها ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الساعي، وثبت في حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الفتن المُلبسة التي لا يتبين فيها المُحق: »كن كخير ابني آدم« ، وثبت في حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أمر بكسر جفون السيوف في الفتنة، وثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: »إن السعيد لمن جُنِّب الفتن، إن السعيد لمن جُنِّب الفتن، إن السعيد لمن جُنِّب الفتن« ثلاثاً.
وإذا وقعت الفتن التي لا يعلم المسلم وجه الحق فيها فالواجب على المسلم الأمور التالية:
1- الاعتصام بالكتاب والسنة، والرجوع إلى أهل العلم والبصيرة المعتبرين حتى يوضحوا له الأمر، ويُجلوا له الحقيقة لقول الله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}.
2-
أن يبتعد عن الفتنة وأن لا يُشارك فيها بقولٍ أو فعلٍ أو حثٍ أو تأيدٍ، أو دعوة إليها، أو جمهرةٍ حولها، بل يجب البُعد عنها، والتحذير من المشاركة فيها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: »من سمع بالدجال فلينأ عنه«.
3- الإقبال على العبادة والانشغال بها، واعتزال الناس، لما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: »العبادة في الهرج كهجرة إليّ«، والهرج اختلاط الأمور، والقتل والقتال.
ونحن والحمد لله في هذا البلد –المملكة العربية السعودية- تحت ولاية مسلمةٍ تُدين بالحكم بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي أعناقنا بيعةٌ لهم على ذلك، ووقوع بعض الأخطاء لا يُجيز الخروج على ولاة الأمر.
وبناء على ما سبق: فإنه لا يجوز الخروج في المظاهرات التي يَخرجُ فيها بعض الناس للأمور التالية:
الأمر الأول:
أن في هذه المظاهرة الخروج على ولي الأمر، والخروج على ولي الأمر من كبائر الذنوب، لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: »أطع الأمير وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك«. وطاعة ولاة الأمر في طاعة الله، والمعاصي لا يُطاعون فيها، ولكن لا يجوز الخروج على ولي الأمر إلا بشروط خمسة دلت عليها النصوص من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم:
أحدها: أن يفعل ولي الأمر كفراً لا فسقاً ولا معصيةً.
الثاني: أن يكون الكفر بُواحاً. أي واضحاً لا لبس فيه، فإن كان فيه شكٌ أو لبسٌ، فلا يجوز الخروج عليه.
الثالث: أن يكون هذا الكفر دليله واضحٌ من الكتاب أو السنة، ودليل هذه الشروط الثلاثة قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لمّا سُئل عن الأمراء وظلمهم قال: »إلا أن تروا كفراً بُواحاً عندكم من الله فيه برهان«.
الرابع: وجود البديل المسلم الذي يحل محل الكافر، ويُزيل الظلم، ويَحكم بشرع الله، وإلا فيجب البقاء مع الأول.
الخامس: وجود القدرة والاستطاعة، لقول الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
الأمر الثاني:
أن إنكار المنكر على ولي الأمر لا يكون بالخروج عليه، بل يكون بالطرق الشرعية المناسبة، بالنصيحة من قِبل أهل العلم، وأهل الحل والعَقد من العقلاء، وذلك أن من شرط إنكار المنكر أن لا يترتب عليه منكر أشد منه، ولا تُرتكب المفسدة الكبرى لدفع المفسدة الصغرى.
وإنكار المنكر على ولي الأمر بالخروج عليه بالمظاهرات وغيرها يترتب عليها مفاسد كبرى، أعظم مما يُطالب به من إصلاحات أو إزالة ظلمٍ أو غيرها.
فمن هذه المفاسد:
1-
إراقة الدماء، وسفك الدماء يُعتبر من أعظم الجرائم بعد الشرك بالله تعالى.
2-
اختلال الأمن، وهذا من أعظم البلايا والمصائب، فإنه لا طعم للحياة مع الخوف، وقد امتن الله على قريش بالأمن، فقال تعالى: {الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف}.
3- اختلال التعليم والصناعة، والتجارة والزراعة، واختلال الحياة كلها.
4-
فسح المجال لتدخل الدول الأجنبية الكافرة.
5-
فتح المجال للمفسدين في الأرض من عصابات كالسُراق، ونحوهم، وعصابات المنتهكين للأعراض، وغيرها من الفتن التي لا أول لها ولا آخر، وتأتي على الأخضر واليابس.
ولهذا فإني أُحذر أشد التحذير من الدخول في المظاهرات أو المشاركة فيها، أو الحث أو التأييد، أو التجمهر، لأن هذه الأمور من العظائم وكبائر الذنوب.
أسأل الله تعالى أن يُجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحمي بلادنا منها، وأن يُوفق ولاة أمورنا لِما يكون سبباً في حفظ الأمن من الاستقامة على دين الله وتحكيم شرعه، وإصلاح ما يحتاج إلى إصلاح.
وأن يُثبتنا على دين الله القويم. إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان.

الموقع الرسمي











رد مع اقتباس
قديم 2011-11-17, 13:16   رقم المشاركة : 82
معلومات العضو
جواهر الجزائرية
عضو متألق
 
الصورة الرمزية جواهر الجزائرية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حكم المظاهرات و إحراق النفوس لأجل الإحتجاج و التنديد للعلامة الفقيه بن حنفية العابدين الجزائري

حكم المظاهرات و إحراق النفوس لأجل الإحتجاج و التنديد

للعلامة الفقيه أبي عبد القادر بن حنفية العابدين المعسكري الجزائري

حفظه الله تعالى


بِسْـــمِ اللهِ الرَّحْمٰن الرَّحِيـــــم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد فهذه أمور كثر السؤال عنها هذه الأيام لها صلة بما يجري في بلدان المسلمين من الفتن جمعتها وأجبت عنها على وجه الاختصار ومن غير ذكر للأدلة لكونها معروفة عند عامة المسلمين فضلا عن أهل العلم وطلابه:



السؤال الأول: هل هذه المظاهرات الجارية في بعض دول المسلمين مشروعة أو لا؟ .

المظاهرات في هذا الزمان مما اعتبر من حقوق الناس، يعبرون بها عن آرائهم، ويحتجون على ما يرونه منافيا لمصالحهم، وقد جرى عليها الكفار في بلدانهم، وهم يمارسونها غالبا بصفة سلمية، وقد ترافقها الاشتباكات التي تخلف جرحى، ونادرا ما تخلف قتلى، وقد قلد المسلمون الكفار في هذه الوسيلة، واقتدوا بهم فيها ككثير مما قلدوهم فيه لانبهارهم بحضارتهم، وشعورهم بالضعف والهزيمة النفسية أمام ما حسبوه تقدما سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وسبب ذلك جهلهم بما في دينهم وتفريطهم في أحكامه، وتركهم الوسائل التي شرعها الله ورسوله للإصلاح، فإنها وافية بالغرض، كافية في تحقيقه، وعليه فهذه المظاهرات ولو زعم زاعم أنه مفضية إلى خير، أو شهد الواقع لبعضها بأنها قد أفضت إلى إصلاح، فإنها غير مشروعة في الإسلام، فإنه كما ينبغي أن تكون المقاصد مشروعة فكذلك الوسائل إليها يتعين أن تكون مشروعة، والغاية عندنا لا تبرر الوسيلة، ولو افترضنا خلو هذه الوسيلة من الدليل المجيز والدليل المانع لكان المتعين تركها لأسباب كثيرا ما ترافقها كلا أو بعضا، ولمآلات كثيرا ما تعقبها، وقد تجتمع كلها، أو يحصل بعضها، فالقول بمنعها يدخل في باب سد الذرائع إلى الفساد، وهو أصل من أصول الأحكام، دل عليه الكتاب والسنة، وقول عامة أهل العلم، ولا ريب أن الفساد موجود في بلدان المسلمين، لكن الفساد لا يدفع بفساد أعظم منه، وأذكر هنا بعض هذه المفاسد وتفصيلها وبيان أدلتها يحتاج إلى كلام واسع لا يسعه المقام:

إن هذه المظاهرات تقليد للكفار ومتابعة لهم في أهوائهم وذلك غير جائز لقول الله تعالى:
﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ (البقرة:120)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم"، رواه أبو داود عن ابن عمر، والمظاهرات فرد من أفراد التشبه بهم، والنهي عن التشبه بالكفار قد بلغ مبلغ التواتر المعنوي كما لا يخفى على من له عناية بالحديث .

ومن ذلك أنها من أسباب نشر الاضطرابات والفتن والترويع والتهجير، وتعريض الناس للجرح والقتل، وهي مؤدية إلى تقاتل المسلمين وتفرقهم كل فريق ينتصر لجهة، ولأنها كثيرا ما تفضي إلى إتلاف الأموال والمنشآت وانتهاك الأعراض والحرمات .

ومن ذلك أن المشاركة فيها غير مقصورة على أناس معينين فلا يمكن ضبط المشاركين ولا التحكم فيهم، ومن ثم فإنها لا تقف عند مطالب محددة، وكثيرا ما يدخل فيها من لا غرض له غير النهب والسلب والإتلاف والتدمير .

ومنها أنها من أسباب إفقار المسلمين واضطرارهم إلى عون هيآت الإغاثة التي يسيطر عليها الكفار، تغتنم الفرصة للتمكين لسمعتها والترويج لباطلها، كما يجري الآن في الصومال وليبيا، وكما جرى من قبل في العراق وقد تؤدي إلى لجوء المسلمين إلى الكفار للمساعدة المالية والحصول على القروض الربوية لإصلاح ما فسد وبناء ما تهدم .

وما رأينا ثورة من هذه الثورات إلا ولجأ متزعموها للكفار ليعترفوا بهم أو ليساعدوهم ويمدوهم بالأسلحة، أو يقاتلوا معهم، فهل يعقل أن تكون هذه الثورات مفضية إلى خير وقد شجعها هؤلاء الكفار ومدوا لها العون، واعترفوا بها ؟ .

ونتج عن بعض هذه المظاهرات تكريس لحكم الكفار بمحاكمة المسلمين أمام محاكمهم وتسليمهم لهم، وهؤلاء الحكام وإن كانوا ظالمين وفيهم جور كثير فإن تسليمهم إلى المحاكم الدولية ومقاضاتهم عندها لا يسوغ .

ولأن الدافع إلى هذه المظاهرات ليس إقامة حكم الله في الأرض، بل غرضها ذهاب الرئيس الفلاني أو الوزير الفلاني أو تغيير النظام أو الإصلاح الاقتصادي والمالي وتحسين المعيشة وخفض أسعار السلع وتوفير مناصب الشغل ونحو ذلك، وهذه المطالب مشروعة بلا ريب متى كانت موارد الدولة المالية كافية للتوسيع على مواطنيها، إلا أننا لا نرى سلوك هذا المسلك لتحقيقها .

إن متزعمي هذه المظاهرات لا يرومون منها أكثر من تثبيت ما يدعى بالديمقراطية الحقة كما يقولون، وهي التي إن قامت على وجهها في بلدان المسلمين فقد تتحقق بها بعض المصالح وكثيرا ما تتحق مصالح دعاة الانحلال والفجور دون مصالح الشرع، لكنها في بعدها وما يراد منها لا تعدو أن تكون استبعادا لحكم الشرع من الحياة العامة، وإقرارا بمنهج أهل الكفر في سياسة الأمة، والإتيان على البقية الباقية من الشرع المتمثلة في كون الشريعة هي المصدر الأول للقوانين، أو كونها المصدر الثاني، أو كون الإسلام دين الدولة، فالغرض من هذه المظاهرات في الواقع تثبيت الحكم الديمقراطي وتكريسه، وإقامة ما يدعونه بالدولة المدنية، ومن المعلوم أن الغرب الكافر لا يرغب في إقامة الديمقراطية في بلدان المسلمين إلا إذا حقق من ورائها مصالحه، وحصل على مرغوبه وهو هيمنته المختلفة الأوجه، والواقع شاهد.

ولنفرض أن النظام في دولة ما قد تغير فهل سيقوم على أنقاضه نظام يتبع الحق ويقيم العدل؟، أنى له ذلك والشعوب المسلمة على ما ترى من الجهل بدينها، وما تنادي يه في هذه المظاهرات أكبر دليل على ذلك، إن كثيرا من المسلمين لا يعرفون الضروري من أمور الدين فكيف يقوم فيها حكم الله ووضعها على ما تعلم؟، لقد تركت هذه الشعوب تفعل ما تشاء من المعاصي بل وفرت لها سبلها، ومع ذلك اعتبرت هذا تضييقا على الحريات، فكيف لو قيل هذا حكم الله وأقيم في العري والقمار والزنا والخمر، وهذا شرعه في تارك الصلاة وفي القصاص والسرقة والقذف، وهذه هي قيود الشرع في عمل المرأة وخروجها وفي اختلاط الرجال بالنساء، والبيع عند النداء يوم الجمعة .

- ومن الفساد الذي يترتب على هذه المظهرات كما هو معروف واقع أنها وسيلة إلى تدخل الكفار في بلاد المسلمين عسكريا وتمزيقها وفرض الحظر عليها وانتهاب ممتلكاتها وتجميد أموالها والاستفادة مما لحقها من التدمير والتخريب فتغدو سوقا مربحا لمنتجاتها وشركاتها التي تعيد بناء ما خرب، وتروج لأسلحتها تعويضا لما استنفذ منها في اقتتال المسلمين وغير ذلك مما لا يخفى، ومن الغريب أن الدول الكافرة لا تتحدث عن ثروات وأموال قادة المسلمين إلا عندما تثور عليهم شعوبهم ليجمدوها ثم يستولوا عليها وكثيرا ما يتم ذلك بطلب من الثوار

- ومن ذلك أن اعتبار المظاهرات مشروعة يؤدي إلى استعمالها في وجه الصالح من الحكام كما تستعمل ضد الطالح، وأول راض سيرة من يسيرها، ولا ريب أن جور الحكام ومخالفتهم للحق ليس في درجة واحدة، فالتسوية بينهم في هذا الأمر ظلم لهم، ولا أريد أن اذكر أمثلة فإنها غير خافية، إن من يقر وسيلة لعموم المسلمين - ومعظمهم جاهل بدينه - لا يمكنه منعهم منها متى رأوا ذلك، لأن مرجعهم في النهوض ضد الحاكم ليس الشرع، بل ما يرونه هم، وما يقدرونه، وما يقال لهم من المحرضين عبر وسائل الإعلام، الذين يبثون الشائعات ويروجون للفتن، وما ذا يقول دعاة المظاهرات عما يجري في البحرين وفي السعودية .

- ومن ذلك أن هذه المظاهرات تجري تحت راية عمياء فهي لا راية لها ولا يعرف على التفصيل المقصود منها، وأنى لك أن تعرف ذلك وقد تعاون فيها الكافر والمؤمن، والبر والفاجر، والعارف والجاهل، وقد رأينا من يقول من المسلمين الجاهلين بدينهم: تعانق الصليب والهلال، بل جمع بعضهم بين المصحف والصليب، التقى الجميع على المطالبة بتنحية رئيس أو وزير أو حكومة، لكنهم لا يعلمون ما بعد، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، وأنى لهم أن يتفقوا على ما وراء ذلك والحال أن تنحي هذا أو ذاك وحده لا يعني بحال تحقق الإصلاح الذي ينشدونه وهو على كل حال ليس هو الإصلاح الذي يتوق إليه المؤمن ويتعين عليه أن يسعى إليه .



السؤال الثاني: ما ذا يقال عن النتائج (المحمودة) التي قد تترتب على هذه المظاهرات؟ .

إذا أفضت هذه المظاهرات والاحتجاجات إلى تنحي حاكم مستبد وجاء غيره ممن هو أفضل منه فهذا مما نحمد الله تعالى عليه، ونستفيد مما يترتب عليه في الدعوة إليه، وهو مما شاءه الله تعالى وقدره، ولا يعني ذلك أن الوسيلة إليه تصير مشروعة يجوز العمل بها، إن الواجب على المسلمين الاهتمام بأحكام الله الشرعية والوقوف عند حدود الله مقاصد ووسائل، أما ما يقدره الله وما يرتبه سبحانه مما يشاء كونه فذاك أمر آخر .



السؤال الثالث: كيف يصنف الذين يموتون في هذه المظاهرات ؟

الذين يموتون في هذه المظاهرات إن كانوا مسلمين فإن لهم حكم من يموت في الفتنة نترحم عليهم، ونستغفر لهم، وإن كنا لا نقرهم على ما فعلوا، لأنهم لم يقيموا عملهم على العلم وحتى لو أصابوا الحق فإنهم خالفوا الطريق إليه، إلا أن يخرجوا على من ثبت كفره من الحكام، فيقتلون في جهاده بعد أن يقودهم من هو أهل، والحال أن له شوكة يظن معها أنه يحقق الغرض المشروع بالخروج، ولا أحسب هذا متوفرا في أي بلد من بلدان المسلمين اليوم،
أما أن يقال إنهم شهداء فهذا بعيد كل البعد عن الحق، وإطلاق كلمة الشهيد هنا من تجاوز الشرع، واستعمال كلماته لتحريك العواطف، وشحن النفوس، والحض على الفتنة للانتقام، إن الشهيد من يقاتل في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، فيقتله الكفار، وقد تجاوز بعض المنسوبين للعلم في إطلاق هذه الكلمة المسلمين إلى غيرهم من النصارى والملحدين لكونهم ممن شاركوا في هذه المظاهرات، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .



السؤال الرابع: إذا لم تكن هذه المظاهرات مشروعة فهل هناك وسائل غيرها للتغيير والصلاح؟ .

التغيير الحق الذي يثمر الثمرة التي نتطلع إليها هو الذي يبتدئ بالنفوس تعليما وتزكية وتصفية وتربية، هذه هي الركيزة الأساس لكل إصلاح، والاعتقاد قائم بأن ظلم الحكام وفسادهم وجورهم آت من أنهم جزء من مجتمعهم الذي لا يعرف عامته دينه، ولا ينتمي الكثير منه له إلا في الشكل والاسم والرسم، فالقول بأن هؤلاء الحكام قد فرضوا على شعوبهم مما لا يقبل، وقد يحصل ذلك في بعض الدول، فإن هذه الشعوب لو غلب خيرها شرها، وصلاحها فسادها؛ لظهر ذلك في قادتها وحكامها، قال الله تعالى:
﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (الأنعام:126)، إن الإصلاح الذي لا يضع في الاعتبار هذا الجانب من الخيال، البعيد المنال، وقد قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (الأنفال:52)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد:11)، وكلما توجه المسلمون نحو الديمقراطية، واستبدلوها بمنهجهم الرباني كلما ابتعدوا عن التمكين لدينهم، وحكموا في حياتهم تقليد الكفار وأهواءهم، نعم إن كثيرا من حكام المسلمين لم يقيموا الديمقراطية على وجهها في بلدانهم لأن من مقتضياتها عند أصحابها ما فيه مزية للدعوة في الظاهر، وهو المساواة بين الناس في حق التعبير، ومبدأ تكافؤ الفرص، وجعل المواطنة مناطا لتلك المساواة، وهذه أمور قد تستفيد منها الدعوة إلى الله بزوال المانع من إيصال الحق للناس، لذلك ترى بعض المنسوبين للعلم يريدون تحقيق ذلك في الواقع، ويجتهدون في الدعوة للديمقراطية، كما كانوا هم أو أسلافهم يدعون للاشتراكية، لأن فيها العدالة الاجتماعية كما يقولون، تحمسوا لذلك في وقت ما، ثم أفل نجم الاشتراكية وذهب ريحها، فتغيرت الأنظمة فتغير رأيهم، أما نحن فالذي ندعو إليه هو الإسلام، فإن تحقق ما يسمى بالديمقراطية وجاء حاكم أو نظام سياسي عامل الناس على قدم المساواة ولم يفرق بين محق ومبطل، وصالح وطالح، اعتبرنا ذلك مخالفة للشرع، وتخليا عن الحق، غير أننا نستفيد من ذلك الوضع في الدعوة إلى الله، أما أن يصبح ذلك هو هدفنا الذي ندعو إليه فلا، إن فعلنا فقد ضللنا إذن وما نحن من المهتدين .

ورغم اعتقادنا بأن التعليم والتوجيه هو حجر الأساس في كل إصلاح، وبداية الطريق لكل فلاح؛ فإننا نرى أن التعليم وحده بمختلف وسائله لا يكفي في الإصلاح، بل لا بد من عمل ميداني يمس الحياة العامة في كل جوانبها، وتظهر من خلاله النماذج الشرعية الصالحة لتطبيق الأحكام حسب الإمكان، ومن ذلك إنشاء المدارس وتأسيس شركات الاقتصاد والخدمات والهيآت المالية يقدم من خلال تسييرها وتنظيمها النموذج الشرعي في مجالات التعامل والتنمية والمحافظة على الصلاة وغير ذلك ومن ذلك القيام بالإصلاح بين الناس وإنشاء هيآت لضمان القروض الحسنة كما ينبغي استغلال ما يدعى عند المعاصرين بالمجتمع المدني في حدود ما هو مشروع للتمكين لأحكام اله تعالى في الحياة والتأثير على الرأي العام، والسعي في مناصحة الحكام، ومطالبتهم بالرفق واللين واستغلال ما يدعى عند المعاصرين بالرسائل المفتوحة يحررها أهل العلم والخبرة ويضمنونها ما يرونه من المطالب، هذه إشارة إلى بعض ما ينبغي أن يعتمد في الإصلاح كما نراه، وهو وإن كان بطيئا فإنه متدرج يرجى من ورائه التمكين، لشريعة رب العالمين .



السؤال الخامس: ما حكم الصلاة في الساحات العامة كما يجري في هذه المظاهرات ؟.

هذه من المخالفات التي رافقت هذه الفتن ومن العجب أن يدعو بعض المنسوبين للعلم إلى الخروج لهذه الساحات، وأن يعتبر ذلك فرضا عينيا في يوم الجمعة لأداء الصلاة في الفضاء، فتترك الصلاة في المساجد التي هي خير البقاع، وتؤدى في الأسواق التي شر القاع، من غير حاجة إلى ذلك، مع أن صلاة الجمعة في غير المساجد مختلف في صحتها بين أهل العلم، ومذهب مالك بطلانها اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يصلها قط إلا في المسجد، وهذا وإن كان مرجوحا إلا أن ترك المسجد والصلاة خارجه مما لا ينبغي أن يختلف في كونه بدعة وضلالة، ولو كانت هذه المظاهرات مشروعة لكان ينبغي أداء الصلاة في المساجد ثم الخروج لها، وحسبنا الله ونعم الوكيل .



السؤال السابع: ما ذا يقال عمن قتلوا أنفسهم بالإحراق أو بغيره فكانوا سببا في قيام هذا المظاهرات، وما ترتب عليها من النتائج التي يقال إنها حميدة ؟ .

قتل النفس بغير حق مما حرمه الله، وأجمع عليه المسلمون، وقتل المرء نفسه أعظم إثما من ذلك فيما أحسب، بدليل أن قاتل نفسه قد فات الاقتصاصُ منه بموته، والاقتصاصُ كفارة لما اقترف، وهو من أسباب مغفرة الذنوب على كل حال، ولهذا يعذب قاتل نفسه يوم القيامة بما قتل به نفسه خالدا مخلدا في النار، فكيف إذا قتل نفسه بالإحراق؟، والحال أن عقوبة أشد الناس جرما في هذا الدين الحنيف لا يجوز أن تكون الإحراق بالنار، لأنه لا يعذب بها إلا خالقها، ومما يؤسف له ويتألم منه أن بعض المنسوبين للعلم حين سئل عن قتل فلان التونسي نفسه لم يبادر إلى الجواب بالحكم الشرعي الواضح الذي لا يخفى على مسلم، حتى لا تكون فتواه سببا في تتابع الناس في هذه الطامة، فأرم المسكين وجمجم، والتمس الأعذار للفاعل بما لاقاه من جور السلطان وتضييقه، وذكر النتائج الحميدة المزعومة التي ترتبت على هذا القتل، وهو انطلاق هذه الثورات كما يسمونها، ثم كان الجواب بعد ذلك مبتسَرا باردا، يحسبه المستمع أنه يقول إن ذلك يشفع له فيما أقدم عليه، وقد يكون كلامه هذا وراء هذه الأسوة السيئة، حيث قتل كثير من الشباب نفسه بالإحراق أو بغيره، ورأينا من دعا المسلمين قاطبة في المنابر الإعلامية إلى الاستغفار لهذا الذي أحرق نفسه، ونحن وإن كنا نرى الاستغفار للمسلمين كيفما كان الذنب الذي اقترفوه ما داموا مسلمين، إلا أن هذه الدعوة العلنية للاستغفار لهذا الذي أحرق نفسه تنطوي على إشارة لا تخفى تشجع غيره ليغدو (بطلا) مثله، والمسلم يجاهد بنفسه متى كان الجهاد مشروعا ليدخل الجنة، فكيف يقدم على إحراق نفسه ليدخل النار؟، ثم يزعم الزاعمون أن فعله هذا ترتبت عليه مصالح، تالله لو قيل إن إصلاح العالم متوقف على إقدام المسلم على معصية واحدة يعلم أنها معصية؛ ما جاز إقدامه عليها، ولا إقراره عليها، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان .



وفي الختام نقول لحكام المسلمين الذين ثارت عليهم شعوبهم اسعوا في ترك الحكم حقنا لدماء المسلمين، ونقول للذين جنب الله تعالى دولهم هذه الفتنة: هل لكم وقد عصيتم الله تعالى بمخالفة شرعه ومع ذلك سخطت عليكم شعوبكم أن تطيعوه وترضوه لعله يرضي عنكم شعوبكم، فإن لم ترض عنكم شعوبكم فإنكم معذورون، وهو سبحانه أحق أن ترضوه إن كنتم مؤمنين، والحمد لله رب العالمين .


معسكر في 6 ربيع الثاني 1432 الموافق لـ 12 مارس 2011
وكتب










رد مع اقتباس
قديم 2011-11-17, 13:21   رقم المشاركة : 83
معلومات العضو
جواهر الجزائرية
عضو متألق
 
الصورة الرمزية جواهر الجزائرية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

  1. لمظاهرات السلميةفي السعوديةوالبحرين بكلمات تحريضيةوأسلحة مخبأة!(أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان/صحيح)



    "إن تعبير " مظاهرة سلمية " ليس صحيحاً، لأن هذا النوع من المظاهرات غير موجود على أرض الواقع

    فالدعوة للتظاهر هي دعوة للفتنة والفرقة وخروج عن الجماعة .

    و في الآونة الأخيرة انتشرت عدة مظاهرات بعد أحداث تونس

    وأطلق عليها "المظاهرات السلمية"

    وذلك برفع الأعلام لذلك البلد الذي تحصل فيه، إيحاء منهم بالوطنية

    ثم جرت بعدها المظاهرات في مصر وليبيا، وأخذت تنتقل العدوى إلى البلاد الأخرى

    ولكن الواقع يشهد أنها وإن سُمّيَت "سلمية" بل وإن أراد أصحابها أن تكون سلمية

    فإنها حتماً لن تكون كذلك لعدة أسباب

    منها أن المتظاهرين ليس لهم قائد يقودهم

    بل هي قيادات متعددة، وأخرى قيادات لا يعرف مصدرها

    ولذا يتصرف كل واحد برأيه وفكره

    ولعل من الشواهد على ذلك ما حدث في بداية المظاهرات في مصر

    حيث حصلت السرقة والاعتداء على أموال الناس، مع التخريب والحرق

    مما لا يقره عاقل فضلاً عن مسلم

    إضافة إلى أن هذه المظاهرات هي ضد الحاكم

    والحاكم بيده القوة والسلاح الأظهر والأقوى، وهو مُطالب بحفظ أمن بلده

    ولذا فلن يقف مكتوف اليد أمام هذه المظاهرات

    وهذا ما ظهر جلياً واضحاً في جميع المظاهرات

    فكيف يُصر البعض على أنها سلمية؟!.

    وحتى ولو بدأت هذه المظاهرات سلمية، فهي لن تنتهي على السلم، وهي غالباً ما تنتهي بالكوارث

    يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

    "وأما قولهم إن هذه المظاهرات سلمية

    فهي قد تكون سلمية في أول الأمر أو في أول مرة ثم تكون تخريبية".

    ومن يرى الدعوات للمظاهرة -مثلاً في السعودية-

    يجد أن الداعين لها يملؤون دعوتهم بالتحريض والتهييج، مع رسومات الدماء، فهل هذا يوحي بالسلمية ؟!.

    و لبلاد الحرمين خصائص ليست لغيرها من البلدان منها وجود الحرمين الشريفين

    والمشركون كانوا يعظمون أهل الحرمين لمجرد وجودهم

    قال تعالى :

    (أولم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون).

    قال القرطبي رحمه الله :

    (ذلك أن العرب كانت في الجاهلية يغير بعضهم على بعض، ويقتل بعضهم بعضاً

    وأهل مكة آمنون حيث كانوا بحرمة الحرم، فأخبر أنه قد أمنهم بحرمة البيت، ومنع عنهم عدوهم

    فلا يخافون أن تستحل العرب حرمة فيقتالهم)
    تفسير ج13 ص300.

    فإذا كان هذا في شأن الكفار، ففي شأن المسلمين أكبر

    وقد أصبحت السعودية كلها بلداً تابعاً للحرمين

    وأي مساس بها هو مساس بأمن المسجد الحرام، وهذا يعرفه كل مطلع

    هذا مع أن أمن الحرمين الشريفين هو أمن للعالم الإسلامي كله

    حيث يأتون إليه من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم وليطوفوا بالبيت العتيق.

    و ليس هناك دولة تعلن تطبيق الشريعة كما هي حال هذه البلاد

    وهذا لا يعني تبرئتها من الخطأ أو الجور أو وجود المنكر

    فإن المعتصم والمأمون والواثق -عليهم رحمة الله تعالى-

    قالوا بقول صريح في الكفر وهو القول بخلق القرآن مع ما أضيف إلى ذلك من قتل العلماء والصلحاء

    ومع ذلك فإن العلماء لم يتربصوا به أو يهيجون الناس عليه

    قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى في يوم المحنة:

    (بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم

    وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة ولم يكفرهم أحمد وأمثاله

    بل كان يعتقد إيمانهم وإمامتهم ويدعو لهم

    ويرى الائتمام بهم في الصلوات خلفهم والحج والغزو معهم والمنع من الخروج عليهم

    ما يراه لأمثالهم من الأئمة.

    وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم وإن لم يعلموا هم أنه كفر

    وكان ينكره ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان

    فيجمع بين طاعة الله ورسوله في إظهار السنة والدين وإنكار بدع الجهمية الملحدين

    وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة، وإن كانوا جهالاً مبتدعين، وظلمة فاسقين)

    مجموع الفتاوى ج7ص507- 508.

    إن طاعة ولي الأمر واجبة بالكتاب والسنة في أدلة ظاهرة

    لا يستطيع أحد أن يردها لمجرد حماسه أو عاطفته أو هواه

    الأدلة القاطعة على تحريم التظاهر:

    الحجة الأولى:

    قول الله عز وجل :

    {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}

    و عن عرفجة رضي الله تعالى عنه قال:

    سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

    " من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه "

    أخرجه مسلم 3443 ورواه مسلم 3442 بلفظ:

    سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

    "ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان"

    وفي لفظ "فاقتلوه"

    وفي لفظ "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه".

    و أهل العلم استقرؤوا مفهوم "الجماعة" في هذه الأحاديث وغيرها

    بأنها تدور على ثلاثة مفاهيم للجماعة:

    الأول: هي جماعة اتباع الحق وترك البدع

    فهذه حتى لو كان الواحد بنفسه، مثل الإمام أحمد رحمه الله تعالى أيام الفتنة بخلق القرآن

    الثاني: يتعلق بالسواد الأعظم من المسلمين فيما يتعلق بالاجتماع

    أما المفهوم الثالث: فهو أن الجماعة هي لزوم إمام المسلمين، ومرادنا هنا هو المفهوم "الثاني" و"الثالث".

    الحجة الثانية:

    تحوي على ثلاث قواعد:

    الأولى هي "لا ضرر ولا ضرار" حديث حسن بمجموع طرقه

    وقد أصبحت قاعدة فقهية كبرى في كثير من أحكام الشرع

    ووجه الاستدلال بهذه القاعدة أنه قد ثبت أن هذه المظاهرات تضر بالناس وتقتلهم وتهلكهم

    وقد كان هذا في بلاد يسمح لهم فيها بهذه المظاهرات

    فكيف إذا حصل هذا في بلاد تمنع فيه هذه المظاهرات

    وهي مبنية على فتاوى لعلماء أجلاء وثق الناس فيهم وفي فتاواهم في زمان مضى

    كالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله تعالى.

    أما القاعدة الثانية فهي تابعة للقاعدة الأولى "الضرر لا يُزال بالضرر"

    فهذه المظاهرات التي تعالج المنكرات والأخطاء

    كضعف الرواتب ووجود البطالة ووجود السجناء المظلومين

    فهذا ضرر لا ينكره أحد مطلع، ولكن الضرر بالمظاهرات أكبر

    حيث تحصل الفتنة وتحصل الدماء

    وإن زعم زاعم غير ذلك فالواقع خلاف ما يزعم

    ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل رأس المنافقين

    على رغم إثارته الفتنة والزعزعة بين صفوف المؤمنين والوقوف مع الأعداء

    ومع ذلك فإنه لم يأمر بقتله وقال (لا يتحدث أن محمداً يقتل أصحابه)

    بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُقم عليه حد القذف مع أنه من تولى حادثة الإفك

    قال ابن القيم رحمه الله تعالى

    في زاد المعاد ج3 ص264 عن سبب عدم إقامة الحد على رأس المنافقين:


    (وقيل: بل ترك حده لمصلحة هي أعظم من إقامته

    كما ترك قتله مع ظهور نفاقه، وتكلمه بما يوجب قتله مراراً

    وهي تأليف قومه، وعدم تنفيرهم عن الإسلام

    فإنه كان مطاعاً فيهم، رئيساً عليهم، فلم تؤمن إثارة الفتنة في حده).

    انظر كيف ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمراً واجباً شرعه الله تعالى

    وهو إقامة الحد بسبب وجود الضرر بإقامته، فكيف بضرر يتعلق بحقوق للآدميين؟!

    القاعدة الثالثة وهي "ارتكاب أخف الضررين" فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى

    لما تحدث عن صلاة أهل البدع، وقد يكونون أئمة على المسلمين

    فيجب ألا ترتكب المفسدة الأعظم بمقابل المفسدة.

    وهنا عندنا ضرران متحققان:

    الأول حصول الظلم من الوالي أو الجور

    المصلحة المترتبة هي وجود الأمن وعدم الاضطراب، مع وجود تحكيم الشرع

    الذي لم تعلن عنه دولة في الأرض "دستوراً" إلا هذه الدولة

    هذا في مقابل المصلحة المرادة بالمظاهرة، وهو الحصول على المطالبات

    وأما الضرر المترتب حصول الفتنة وفرقة الصف وتسليط الأعداء

    بل وخدمة الأعداء الذين يتربصون بهذه البلاد وأهلها سوءاً

    مثل إيران وأمريكا وغيرهما ممن يسعون في تقسيم البلاد

    فأي الضررين أخف من الآخر عند العقلاء وليس أصحاب الحماس والعاطفة؟!.

    وهنا سؤال: هل تعتبر المظاهرات الحالية خروجاً أم لا؟

    يعرف أهل العلم الخارجين على ولي الأمر "البغاة" بتعريفات كثيرة

    تشترك كلها في كون المبغي عليه هو الإمام الذي ثبتت ولايته

    وكذلك ذكروا غرض البغي

    فمنهم من ذكر الامتناع عن الانقياد بمنع حق الله، أو حق لآدمي توجب عليهم

    ولاشك أن من الأشياء التي منعها ولي الأمر حفظاً للأمن في البلاد

    ودفعاً لإثارة النزعات القبلية وغير ذلك، هي المظاهرات

    إذن فالذي يريد أن يتظاهر في هذه البلاد يخالف هذا الأمر

    ويسعى في إثارة الفتنة والبلبلة وفرقة الصف، هذا مع النداءات المشبوهة الكثيرة لهذه المظاهرات.

    و إذا رفض البعض القول إن المظاهرة الموسومة بالسلمية هي "خروج"

    فإننا نقول له إنه لا يعدوا كون المتظاهرين من أهل الحرابة

    لأنهم قطعوا الطريق على المسلمين في هذه التصرفات

    ولو لم يكن لأجل الاعتراض على حكم الحاكم، بل لأجل مطالبات فقط

    فإنهم حينئذ قطاع طريق

    وقد عرف بعض أهل العلم الحرابة بأنها خروج ولو لمجرد إيجاد ربكة وقطع سبيل

    بل ولو لمجرد السعي بإيذاء فئةٍ يسيرة من المسلمين، فكيف إن كانت كثيرة؟.

    قال ابن عرفة:

    "الحرابة هي الخروج لإخافة سبيل، بأخذ مال محترم بمكابرة قتال أو خوفه

    أو ذهاب عقل أو قتل خفية أو لمجرد قطع الطريق, الإمرة ولا لنائرة ولا عداوة".

    مواهب الجليل: 6/314، حاشية الخرشي: 1/334.

    فتأمل قوله "لا لإمرة ولا لنائرة ولا لعداوة"

    يعني من دون سبب في إمارة أو طمع في شيء ولا حقد

    بل هو بمجرد شق عصا الطاعة وإثارة الفتنة.

    إذن فعلى كل حال ستكون هذه المظاهرات محرمة

    سواء أكانت بغياً

    أو كانت قطعاً للطريق وإخافة الناس الذين هم بمنأى عن هذه المظاهرات الغريبة على مجتمعهم.

    الحجة الثالثة:

    إن الإسلام لم يشرع عند ظلم الحاكم الشرعي -مع حكمه الظاهر بالإسلام-

    إلا الصبر على جور الأئمة

    ولا يشك أحد أن حكام هذه البلاد أصلح الحكام من ناحية الحكم الظاهر بالإسلام

    حيث تطبيق الشريعة وحفظ شعائر الإسلام الظاهرة

    وهذا لا يعني عدم وجود المنكرات والظلم والتعدي

    ولكن كل هذا لا يسوغ إثارة الفتنة وإشاعة البلبلة.

    ولم نر سبباً مسوغاً للخروج أو شق العصا

    في كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم

    إلا الكفر البواح سواء من الحاكم أو ما يحكم به

    أو عدم إقامة الصلاة، أو منع الأمور الظاهرة في الإسلام كالصلاة والزكاة والصيام مثلاً

    ولذا جاءت الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي تربط الأمر بالصلاة (ما أقاموا فيكم الصلاة)

    أو بوجود الكفر الصريح (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان)

    ولذا فإن مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته بالصبر عند جور الأئمة

    هو نهي لهم عن استعمال الإثارة والفوضى بأي شكل من الأشكال

    وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر يلزم منه النهي عن ضده، وهو مثل هذه المظاهرات.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

    "ويقول الفقهاء: الأمر بالشيء نهي عن ضده فإن ذلك متنازع فيه.

    والتحقيق أنه منهي عنه بطريق اللازم"
    الفتاوى ج20 ص118.

    الحجة الرابعة:

    أليس هناك طريقة للإنكار أو التغيير غير المظاهرة؟.

    إن الغرض من المظاهرات هو التغيير أو الإصلاح

    وهو أسلوب فوضوي وفيه ترويع، وبخاصة في هذا البلد الذي لم يعتد على مثل هذه التصرفات

    لكن ثبت أن طرقاً أخرى نجحت في التغيير، سواء للخير أو الشر

    فهناك المقابلة للوالي أو المسؤول، وهناك المكاتبة والمهاتفة والمقال

    وغير ذلك من الطرق التي ثبت أنها غيرت أشياء جوهرية

    فكيف نلجأ لشيء فيه إثارة للفتنة مع وجود وسيلة أخرى ليس فيها إثارة للفتنة ولا للسعي فيها؟.

    ففي الحديث المشهور الصحيح عن تميم الداري رضي الله تعالى عنه قال:

    قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:


    (إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة

    قالوا: لمن يا رسول اللّه؟ قال: للّه وكتابه ورسوله وأئمة المؤمنين وعامتهم)

    أو أئمة المسلمين وعامتهم.

    وهذا إرشاد للحل مع ولي الأمر في النصيحة له

    ولا شك أن النصيحة له دليل على عدم وجود الغل والحقد في القلوب

    وهو الذي يسعر نار الفرقة والاختلاف وترك الطاعة والغل والحقد

    وأما الاستماع للعاطفة والهوى فهو الذي يشعل نار الشر بين الحاكم والمحكوم.

    الحجة الأخيرة:

    الأمن مطلب شرعي، والمظاهرات تمزق الأمن وتزعزع الصف وتقتل الوحدة

    وقد جاءت أحاديث كثيرة تحذر من ترويع المسلم أو السعي فيما يقلق نفسه أو يبعث له الهم والحزن

    فضلاً عن إثارة الفتن التي لا يُدرى ما نهايتها.

    قال صلى الله عليه وسلم:

    (من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله ألا يؤمنه من فزع يوم القيامة)،
    المعجم الوسيط 2350.

    وأخيرا:

    إن الفتنة إذا قامت لا تكاد أن تنطفئ إلا على الأجساد والأرواح

    وإنَّ عدو الله إبليس لن يرضى بتحقيق هوى ابن آدم ورغبته في دنياه حتى يفسد عليه آخرته

    ولن يهنأ له بال حتى يديم على ابن آدم الوبال في تفريق للشمل وتمزيق للكلمة وقتل للوحدة

    فعدو الله إبليس لا يرضى أن نكون على قلب واحد، ولا على يدٍ واحدة

    فإن أعظم ما يسعى إليه (ولأضلَّنهم ولأمنينَّهم)

    فلا تذهب بكم الأماني بعيداً، فإن الدنيا لا تدوم على حال، والحال تغني عن المقال

    فلا يأخذنكم الحماس أن تتبعوا بعض الأنجاس

    ممن لا يرجون لله وقاراً، وقد مكروا مكراً كباراً

    وزعموا أنَّهم يريدون الراحة للناس من جميع الأجناس"

    منقول

    يتبع إن شاء الله














رد مع اقتباس
قديم 2011-11-17, 21:41   رقم المشاركة : 84
معلومات العضو
Like An Angel
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

المظاهرات وسيلة طارئة

والوسيلة لها حكم المقصد كما هو معروف عند أهل العلم

والقول أن المظاهرات بدعة حرام لأنها لم تكن على زمن السلف قول غير موفق

فليس من شرط الوسيلة ثبوت حصولها زمن السلف

ومن ذلك مثلا أسلوب الدعوة على الفضائيات :

صرنا نرى رموز الدعوة السلفية على الفضائيات .. رغم تحريم فتاوى التصوير الفوتوغرافي سابقا..ورغم حداثة هذا الأسلوب الدعوي

وهذا التغير في الموقف من وسيلة (الدعوة عبر البث الفضائي) دلالة على أن تلك الفتاوى هي اجتهاد بشري وفتاوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال.

وأما عن تحريم المظاهرات فلا دليل على حرمتها

ومن قال بحرمة المظاهرات بنوا ذلك على مظاهر تنفك عنها

مثل قولهم أن المظاهرات فيها اختلاط ..أو المظاهرات فيها تخريب وشغب

وتلك مظاهر ليس لزوما أن تلازم المظاهرات

أو مثل قولهم : أن المظاهرات هي خروج على ولي الأمر

وهذا ليس بلازم .. لأن ولي الأمر نفسه في بعض البلدان يبيح المظاهرات السلمية

كما أن الخروج على ولي الأمر ليس حراما دائما

بل له ضوابطه وأحكامه : فأحيانا يكون حراما ..وأحيانا مباحا جائزا ..وأحيانا واجبا ..

فالحاصل أن من حرّم المظاهرات لم يحرّمها بدليل صريح صحيح ..وإنما حرّموها من باب سدّ الذرائع

وتلك مسائل اجتهادية يسع فيها الخلاف










رد مع اقتباس
قديم 2011-11-17, 22:21   رقم المشاركة : 85
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

<b>

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Like An Angel مشاهدة المشاركة
المظاهرات وسيلة طارئة
والوسيلة لها حكم المقصد كما هو معروف عند أهل العلم
والقول أن المظاهرات بدعة حرام لأنها لم تكن على عهد الصحابة قول غير سديد
فليس من شرط الوسيلة ثبوت حصولها زمن السلف
ومن ذلك مثلا أسلوب الدعوة على الفضائيات
صرنا نرى الدعوة السلفية ورموزها على الفضائيات .. رغم تحريم فتاوى التصوير الفوتوغرافي سابقا..ورغم عدم ثبوت هذا الأسلوب الدعوي
فهل الظهور على الفضائيات بدعة وحرام ؟
وهذا التغير في الموقف من وسيلة (الدعوة عبر البث الفضائي) دلالة على أن تلك الفتاوى هي اجتهاد بشري وفتاوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال.
أخي الفاضل المسمي نفسه"شبيه بالملاك" أرى أنك لم تظبط معنى البدعة عندك فلم تعد تفرق بين البدعة وبين المصلحة المرسلة ولا بين الوسيلة وبين الأسلوب !

أقول وبالله أستعين:
أولا: المظاهرات لها حكم البدع لأن البدعة هي ما لا أصل له في الشرع
فالبدعة ( عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه)(الإعتصام للشاطبي رحمه)
قال فقيه الجزائر العلامة أحمد حماني رحمه الله""فالبدعة خاصتها انها خارجة عما رسمه الشارع,وبهذه الخاصة ينفصل عنها كل ما يظهر لبادئ الرأي أنه مخترع مما هو متعلق بالدين ,فعلم النحو ,والصرف, واللغة,وأصول الفقه,وأصول الدين وكل العلوم الخادمة للشريعة ان لم توجد في الزمان الأول,فان أصولها موجودة ,فالنحو يتوصل للنطق الصحيح لألفاظ القرآن, وبعلوم اللسان يهتدي إلى الصواب في الكتاب والسنة,وبأصول الفقه يمكن استقراء كليات الأدلة لتكون نصب عين المجتهد والطالب.""

.
قلت: ومن هذا التعريف للبدعة سنجرم جزما لا شك فيه أن المظاهرات من البدع لأنها طريقة محدثة في إنكار المنكر لا أصل لها في الدين بل هي من فعل الخوارج الذين تظاهرو على عثمان رضي الله عنه فهي بدعة محدثة.وقد حدد الشرع المطهر الطرق الشرعية في التعامل مع مثل هذه الأحداث وخصص لكل عبد مسؤولية حسب مكانه وموقعه فإن كان حاكما فهو ملزم بالجهاد لنصرة إخوانه ودفع الظلم عنهم وإن كان محكوما واستنفره الإمام فوجب عليه الجهاد وإلا فقد اتصف بأوصاف المنافقين وإذا لم يستنفره فحسب طاقته وقدرته من إنفاق المال وتقديم الطعام وبدون أن ننسى أقوى سلاح ألا وهو الدعاء والمواضبطة عليه والتوكل على الله والصبر كما صبر أولو العزم من الرسل .
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد – حفظه الله تعالى - :
( ومن رحمة الله تعالى بعباده ، وبالغ حكمته في تشريعه لما يصلح الله به العباد والبلاد أنه – سبحانه – لما شرع الجهاد ، وشرع للأمة وسائل متعددة في ذلك ، ولم يجعلها إلى عقولهم ، بل أحالهم على ما شرعه لهم :
فالجهاد بالنفس ، والجهاد بالمال بالقوة ... والدفاع كذلك . وتغيير المنكر باليد وهذا لذي سلطان ، كرجال الحسبة وباللسان، ومثله القلم .
وبالقلب . والأمر بالمعروف كذلك . والنصيحة لائمة المسلمين وعامتهم بالتي هي أحسن : مناصحة بالكلمة ، ومناصحة بالكتابة ، وتذكير بأيام الله . والدعوة تكون بالوظائف المرتبة في الإسلام : خطب الجمع والعيدين ، والحج ، وبالتعليم ، ومجالس الذكر والإيمان . والصدع بكلمة الحق : ببيانها حتى يكشف الله الغمة عن الأمة . وبفتوى عالم معتبر ، بغير الله بها الحال إلى أحسن ، فتعمل ما لا تعمله الأحزاب في عقودٍ . وهكذا بعمل فردي من عالم بارع ، ينشر علمه في الأمة : في إقليم ، في ولاية ، في مدينة ، في قرية ... وهكذا . وبعمل جماعي على رسم منهاج النبوية لا غير ، كجماعة الحسبة ودور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ومراكز الدعوة ورابطة العلماء
)))


ثانيا:
هناك فرق بين الطريقة(الأسلوب)) في إنكار المنكر كالأنشايد البدعية والمظاهرات ,وبين الوسيلة المباحة التي تدخل في العادات كمكبر الصوت وكالأذان والفضائيات وغيرها.
والفرق بينهما يمكن فيما يلي:
1-القنوات الفضائية وسيلة والمظاهرات طريقة .
2-القنوت الفضائية لم يكن مقتضاه موجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن بوسعهم معرفته أصلا فلم يكن عندهم دش ولا تلفاز ولا مكرفونات أما المظاهرات فكان مقتضاها موجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن أصحابه ومع هذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر ولم يأمرنا بالمظاهرات مع أنهم كانوا يعرفونها.

كما قال تعالى:
﴿والملائكة بعد ذلك ظهير﴾.
قال ابن سيده:
وهذا كما حكاه سيبويه من قولهم للجماعة: هم صديق، وهم فريق.
وقال ابن عرفة في قوله عز وجل:
﴿وكان الكافر على ربه ظهيرا،
أي: مظاهرا لأعداء الله تعالى، كالظهرة بالضم، والظهرة بالكسر.


ثالثا: أما قولك أن الوسيلة لها حكم المقاصد فهذا ليس على إطلاقه وإلا لفتحنا الباب لكل بدعة! بل هي مقيدة بأن تكون الوسيلة مباحة شرعا وليس بدعة فالبدعة ليست لها أحكام المقاصد.
قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله((إذن ماذكر من أن الغاية تبرر الوسيلة هذا باطل وليس في الشرع ، وإنما في الشرع أن الوسائل لها أحكام المقاصد بشرط كون الوسيلة مباحة أما إذا كانت الوسيلة محرمة كمن يشرب الخمر للتداوي فإنه ولوكان فيه الشفاء ، فإنه يحرم فليس كل وسيلة توصل إلى المقصود لها حكم المقصود بل بشرط أن تكون الوسيلة مباحة ليست كل وسيلة يظنها العبد ناجحة بالفعل يجوز فعلها مثال ذلك المظاهرات, مثلاً : إذا أتى طائفة كبيرة وقالوا: إذا عملنا مظاهرة فإن هذا يسبب الضغط على الوالي وبالتالي يصلح وإصلاحه مطلوب

والوسيلة تبرر الغاية نقول :هذا باطل ، لأن الوسيلة في أصلها محرمة فهذه الوسيلة وإن صلحت وإصلاحها مطلوب لكنها في أصلها محرمة كالتداوي بالمحرم ليوصل إلى الشفاء فثم وسائل كثيرة يمكن أن تخترعها العقول لاحصر لها مبررة للغايات وهذا ليس بجيد ، بل هذا باطل بل يشترط أن تكون الوسيلة مأذوناً بها أصلاً ثم يحكم عليها بالحكم على الغاية إن كانت الغاية مستحبة صارت الوسيلة مستحبة وإن كانت الغاية واجبة صارت الوسيلة واجب
ة.))


اقتباس:
وأما عن تحريم المظاهرات فلا دليل على حرمتها
أولا: الذين قالوا بالجواز هم المطالبون بالدليل وليس العكس لأن الأصل في العبادات المنع إلا بدليل ,والمظاهرات تدخل في العبادات لأنها طريقة من طرق إنكار المنكر وهذه عبادة فأي طريقة في إنكار المنكر غير طريقة محمد صلى الله عليه وسلم فهي باطلة كما أن أي طريقة في الصلاة غير طريقة محمد صلى الله عليه وسلم فهي باطلة وأي طريقة في الحج غير طريقة محمد صلى الله عليه وسلم فهي باطلة وهكذا في كل العبادات.
ثانيا: ومع هذا أهديك بعض الأدلة تجدها في هذين الكتابين -لم أقرأ مثلهما في تحرير هذه المسألة-:


الكتاب الأول:


  1. حمل كتاب (المظاهرات والاعتصامات والإضرابات رؤية شرعية) : الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس


    إضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي. إضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي.إضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي.إضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي.إضغط هنا لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي.

    محتويات الكتاب
    :
    المقدمة:
    المبحث الأول:تعريف المظاهرات والإعتصامات والإضرابات.
    المبحث الثاني:حول نشأة أسلوب المظاهرات كوسبة لتغيير المنكر في بلاد المسلمين.
    المبحث الثالث:صلة المظاهرات بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
    المبحث الرابع:في حجج من قال بالمظاهرات كوسيلة لتغيير المنكر
    المبحث الخامس:حجج المانعين للماظهرات كوسيلة لتغيير المنكر
    المبحث السادس:مفاسد المظاهرات وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع
    المبحث السابع:مناقشة أدلة القائلين بالمظاهرات كوسيلة لتغيير المنكر
    المبحث الثامن:ذكر القول الراجح في مسألة المظاهرات
    المبحث التاسع:المظاهرات ليست وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله
    الخاتمة:في بيان خلاصة البحث وقد أوردت(الكلام لصاحب الكتاب) في نهاية الكتاب بعد الخاتمة مجموعة من فتاوى علماء الأمة المعتبرين ,مع أنني ذكرت أجزاء منها متفرقة في ثنايا الكتاب,ولكن رأيت تتميما للفائدة جمعها متوالية بتمامها في آخر الكتاب,حتى يتسنى لمن أراد الرجوع إليها مباشرة دون واسطة إذ أنها تتعلق بمسألة بمسائل النوازل التي تمس الحاجة إلى العلم بها.

    التحميل المباشر للكتاب:
    https://www.archive.org/download/Mudhahrat/Mudhahrat.pdf


    الكتاب الثاني:
المظاهرات في ميزان الشريعة الإسلامية :

عبدالرحمن بن سعد بن علي الشثري ، قدم له وعلق عليه وحث على طبعه د. صالح بن فوزان الفوزان ، ط 1 ، 1432 هـ ، 218 صفحة .


اقتباس:
ومن قال بالحرمة بنوا ذلك على مظاهر تنفك عن المظاهرات
مثل قولهم أن المظاهرات فيها اختلاط ..أو المظاهرات فيها تخريب وشغب
وتلك مظاهر ليس لزوما أن تلازم المظاهرات
كيف ليست لزوما وكل المظاهرات التي مرت علينا فيها ذلك!
1-حتى أصحاب الشر سيقولون مثلكم، مقاصدنا سلمية ثم من يضمن لكم ألا يخرج من بين هذه الجموع من يفسد ويخرب. وتنبه العلامة محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ لمثل هذه الشبهة فقال ردا عليها: "وأما قولهم إن هذه المظاهرات سلمية، فهي قد تكون سلمية في أول الأمر أو في أول مرة ثم تكون تخريبية" انظر: "الجواب الأبهر" لفؤاد سراج .

هذا مستحيل في هذا العصر فالإختلاط أصبح عادة عند الناس فكيف ستتحكمون فيهم؟

2- يرد عليكم بقاعدة سد الذرائع ففي مثل هذه الحالات نسد هذه الذرائع من أساسها أفضل من محاولة وضع ضوابط لا يمكن للجماهير الغفيرة اتباعها خاصة وأنها غير مقتنعة بها ولأخذنا بكلامكم لقلنا بجواز الخمر الذي يحتوي على نسبة ضئيلة من الكحول بضابط عدم الإكثار وهذا مالا يقوله أحد فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(ماكان كثيره مسكر فقليله حرام) ونفس الشيء يقال في المظاهرات.
3-لو كانت المظاهرات خالية من هذه المفاسد فهذا يعني أن المسلمون على عقيدة صحيحة وعلى تسمك بدينهم وهذا يعني بداهة النصر وهذا يعني أنهم لا حاجة للمظاهرات أصلا فلو كان المسلمين اليوم متمسكون بدينهم لما انهزموا أمام أعدائهم-إلا لحكمة أرادها الله تعالى- ولما إحتاجوا للمظاهرات أصلا
4-هناك مفسدتين لا يمكن تركهما إلا بترك المظاهرات ألا وهما:
-المظاهرات بدعة
-المظاهرات تشبه بالكفار.

اقتباس:
أو حرّموها بقولهم أن المظاهرات هي خروج على ولي الأمر
وهذا ليس بلازم .. لأن ولي الأمر نفسه أباح المظاهرات السلمية في بعض البلدان
وإن يكن ذلك فهي-المظاهرات- لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وقد سئل العلامة العثيمين عن حكم المظاهرات إذا أذن بها الحاكم فأجاب((
عليك باتباع السلف، إن كان هذا موجود عند السلف فهو خير، وإن لم يكن موجود فهو شر، ولا شك أن المظاهرات شر، لأنها تؤدي
إلى الفوضى لا من المتظاهرين ولا من الآخرين،وربما يحصل فيها اعتداء إما على الأعراض وإما على الأموال، وإما على الأبدان لأن الناس في خضم هذه الفوضوية قد يكون الإنسان كالسكران ما يدري ما يقول ولا ما يفعل.فالمظاهرات كلها شر، سواء أذن بها الحاكم أو لم يأذن وإذن بعض الحكام بها ما هي إلا دعاية وإلا لو رجعت لما في قلبه لكان يكرهها أشد الكراهة، لكن يتظاهر كما يقولون إنه ديمقراطي. وأنه قد فتح باب الحرية للناس وهذا ليس من طريق السلف.

(عن شريط / لقاء الباب المفتوح ( الجلسة
الثانية)
اقتباس:
كما أن الخروج على ولي الأمر ليس حراما دائما
بل له ضوابطه وأحكامه : فأحيانا يكون حراما ..وأحيانا مباحا جائزا ..وأحيانا واجبا ..
إن قصدت بكلامك الحاكم الكافر فالحاكم الكافر يجب الخروج عليه إلا إذا لم تتوفر القدرة(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)).
وإن قصدت بكلامك الحاكم المسلم وإن ظلم وفسق فقد أبعدت النجعة بل لا يجوز الخروج على الحاكم المسلم وإن ظلم وفسق
قال النبي صلى الله عليه وسلم((
"إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ من أَدْرَكَ مِنَّا ذلك؟ قال: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْمتفق عليه، أخرجه البخاري حديث (3603)، ومسلم حديث (1843).
فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أطلعه الله على ما سيكون في هذه الأمة من جور الأمراء واستئثارهم بالأموال والمناصب وغيرها، ولما أخبر أصحابه بهذا الواقع الذي سيكون لا محالة، سأله أصحابه الكرام: كَيْفَ تَأْمُرُ من أَدْرَكَ مِنَّا ذلك؟

فأجابهم -صلى الله عليه وسلم- بما يجنبهم الخوض في الفتن وسفك الدماء، فقال: "تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الذي لَكُمْ".
ولم يقل -صلى الله عليه وسلم-: ثوروا عليهم وتظاهروا،، وطالبوا بحقوقكم، وامنعوهم حقهم كما منعوكم حقوقكم.
وقال -صلى الله عليه وسلم- للأنصار الكرام
: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حتى تَلْقَوْنِي على الْحَوْضِ"، أخرجه البخاري حديث (3792)، ومسلم (1845)
</b>









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-18, 02:01   رقم المشاركة : 86
معلومات العضو
جواهر الجزائرية
عضو متألق
 
الصورة الرمزية جواهر الجزائرية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جماع الكلام في المظاهرات على الحكام

الحمد لله الذي لم يدع للمسلمين في غير التزام دينه من البلاء مخرجاً، والصلاة والسلام على نبيه الذي بيَّن لنا من كل فتنة مخرجاً، ورضي الله عن أصحابه وأتباعهم الذين لا يجدون في الرجوع إلى كلام ربهم وهُدى نبيهم حرجاً، أما بعد:
فيقول محبكم: أبو بكر أسامة بن محمود الحريري عفا الله عنه:
لقد أحزننا -والله- ما يجري على أمة الإسلام وأن يتهاوى الناس في فتنة كهذه التي يشهدها العالم اليوم من خروج على السلاطين والحكام باسم المظاهرات والسلمية والمطالبة بالحقوق وغير ذلك من الشعارات التي لا يراد بها إلا لجم الأفواه لتسويغ نزع الناس يدهم من طاعة حاكمهم، فيقتل من المسلمين ما يقتل، ويهتك من الأعراض ما يهتك، وتنتهك الحرمات، وتسرق الأموال، وأعظم من ذلك أن يُذهب بالدين في بعض الأحيان.
ومن العجيب أن ذلك كله قد سبق أن انتشر عن الرافضة تخطيطهم له في بروتوكولاتهم الخمسينية، ولم يتأمل أحد من المسلمين ما سبب اختصاص دولٍ كتونس ومصر وليبيا والبحرين والسعودية وسوريا وغيرها من دول المنطقة بمثل هذا الخروج دون دولٍ حكامُها من أكفر أهل الأرض وأظلمهم على الإطلاق، أولم يتفكروا في مجرد احتمال كون هذه فتنة كيف لهم أن يتقوها إن كانت كذلك، أيتهافت الناس على النار تهافت الفراش حتى إذا ذبَّهم عنها ذابٌّ جعلوا يكيلون له الاتهامات وسيول اللعنات!!
لقد ذكرني هذا بالحديث الثابت عن حذيفة رضي الله عنه قال: ذكر الدجال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لأنا لفتنة بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال، ولن ينجو أحد مما قبلها إلا نجا منها، وما صنعت فتنة منذ كانت الدنيا -صغيرة ولا كبيرة- إلا تتَّضع لفتنة الدجال"( ).
لقد بلغ الخلل في تفكير الناس إلى حدٍّ ذهبت معه عقولهم كما ورد في الحديث عن الحسن أن أسيد بن المتشمس قال: أقبلنا مع أبي موسى الأشعري من أصبهان فتعجلنا وجاءت عقيلة فقال أبو موسى: الا فتى ينـزل كنته قال: يعني أمة الأشعري، فقلت: بلى فأدنيتها من شجرة فأنزلتها ثم جئت فقعدت مع القوم، فقال: ألا أحدثكم حديثاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثناه؟ فقلنا: بلى يرحمك الله! قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا أن بين يدي الساعة الهرج، قيل: وما الهرج؟ قال: الكذب والقتل، قالوا: أكثر مما نقتُل الآن؟ قال: إنه ليس بقتلكم الكفار! ولكنه قتل بعضكم بعضاً حتى يقتل الرجل جاره ويقتل أخاه ويقتل عمه ويقتل ابن عمه!! قالوا: سبحان الله! ومعنا عقولنا؟! قال: لا ألا إنه ينـزع عقول أهل ذاك الزمان حتى يحسب أحدكم أنه على شيء وليس على شيء –وفي رواية: إنه لينـزع عقول أكثر أهل ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس يحسب أكثرهم أنه على شيء وليسوا على شيء-، قال أبو موسى: والذي نفس محمد بيده لقد خشيت أن تدركني وإياكم تلك الأمور، وما أجد لي ولكم منها مخرجاً فيما عهد إلينا نبينا صلى الله عليه وسلم إلا أن نخرج منها كما دخلناها لم نحدث فيها شيئاً –وفي الرواية الأخرى: لم نصب فيها دماً ولا مالاً-( ).
وإنما مرجع ذلك وأسبابه فيما بيّن لنا ربنا ونبينا صلى الله عليه وسلم في عدة أمور يجب على كل أحد الوقوف عليها قبل الكلام في هذه الفتن الواقعة في ديار الإسلام نسأل الله لنا وللمسلمين منها العافية.
وجماع هذه الأمور كلها يرجع إلى استقرار عقل الفرد وطريقة تفكيره واطمئنان قلبه تجاه ثلاثة أشياء:
1- الدنيا بما فيها من شهوات وملذات واحتياجات متنوعة ما بين ضرورات وحاجيات وتكميليات.
2- علاقة الحاكم والمحكوم، وما يحف هذه العلاقة من واجبات وحقوق ومخاطر خاصة وعامة.
3- علاقة الفرد بربه تبارك وتعالى، فالعبد يدور بين رغبات يرجو تحصيلها، ومخاوف يرجو نجاته منها.
فطريق الإسلام في الوصول إلى الأمن الشامل يتجلى أساسها في تحقيق الأمن الفكري للمجتمع واستقرار العقل واطمئنان القلب لأفراده؛ وهو يدور على هذه الأمور على النحو الآتي:
أولاً: تحقيق الأمن الفكري باستقرار الفكر واطمئنان القلب تجاه الدنيا:
ذلك أن الإسلام دفع الفرد إلى الراحة النفسية التامة تجاه شؤون الحياة الدنيا من خلال تركيزه على الأمور الآتية:
1- تكفل الله تعالى لعبد بتحقيق ما يسرُّ العبد في دنياه وتوسعة العطاء عليه من الأموال والأولاد والثمرات إذا التفت العبد عنها إلى طاعة ربه سبحانه وتعالى، وذلك ما تردد في العديد من آيات الكتاب العزيز، ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف : 96].
{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} [النساء : 66 - 70].
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة : 65 ، 66].
2- حث الفرد على الزهد في الدنيا وعدم طلبها لذاتها، وبالتالي لا يكون تحصيلها شغله الشاغل، كما في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك( ).
3- قصر نظر الفرد على من هو دونه في شؤون الدنيا، وعلى من هو فوقه في شؤون الدين، مما يجعله شاكراً لنعمة ربه مقدراً لها حق قدرها، فلا يطلب المزيد منها بغير حقه ووسائله المشروعة، كما في الحديث عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسول الله! دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس"( ).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء، فقال: "ما لي وللدنيا! ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها"( ).
4- تبيين حال الدنيا وهوانها على الله تعالى وما ينبغي أن يكون حال العبد معها وما يكفيه منها، كما في الحديث عن عبيد الله بن محصن الخطمي الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا"( ).
ثانياً: تحقيق الأمن الفكري باستقرار الفكر واطمئنان القلب بين الحاكم والمحكوم:
وهذا أمر عظم خطره في الآونة الأخيرة وكثر خطأ الناس وانزلاقهم فيما يخالف المنهج الرباني فيه، فغلا أقوام في الحاكم فقدَّسوه وأطاعوه في معصية الله تعالى، وجفا عنه آخرون حتى تظاهروا وخرجوا عليه وحاربوه، والحق بين هؤلاء وأولئك كما سيتبين من منهج الإسلام في تحقيق الأمن الفكري جهة الحاكم وذلك بعرض الأمور الآتية في محورين اثنين:
المحور الأول: من جهة الحاكم نفسه، وذلك من خلال الآتي:
1- أمَر الله تعالى الحاكم أن يقوم للناس بالقسط والحق والعدل، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء : 58]، قال ابن كثير: "قوله: { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس؛ ولهذا قال محمد بن كعب وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب: إنما نزلت في الأمراء، يعني الحكام بين الناس. وقوله: { إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ } أي: يأمركم به من أداء الأمانات، والحكم بالعدل بين الناس، وغير ذلك من أوامره وشرائعه الكاملة العظيمة الشاملة"( ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها، والحكم بالعدل: فهذان جماع السياسة العادلة، والولاية الصالحة"( ).
وقال ابن القيم: "وجميع هذه الولايات في الأصل ولايات دينية ومناصب شرعية، فمن عدل في ولاية من هذه الولايات وساسها بعلم وعدل؛ وأطاع الله ورسوله بحسب الإمكان، فهو من الأبرار العادلين، ومن حكم فيها بجهل وظلم، فهو من الظالمين المعتدين، و{إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم}"( ).
وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: « إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا »( ).
كما جاء الوعيد الشديد لمن ولي فظلم وجار ولم يقم بحق الله عليه في ولايته، ففي الحديث عن معقل ابن يسار قال في مرضه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة »( ).
2- وجهت الشريعة الإسلامية الحاكم إلى أخذ الناس بالرفق فيما ليس فيه حدٌّ شرعي، كما في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: « اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به »( ).
المحور الثاني: معاملة المحكوم للحاكم المسلم، وذلك من خلال الآتي:
1- عدم طلب الإمارة أصلاً والتزهيد فيها والإقبال على شؤون المرء الخاصة وعلاقته مع ربه ليستكملها ولا ينشغل بالإمارة عنها مع ما فيها من المسؤولية، ففي الحديث عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني قال فضرب بيده على منكبي ثم قال: « يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها »( ).
وفي الحديث عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة؛ وُكِلْتَ إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها؛ فكفر عن يمينك وَائْت الذي هو خير »( ).
وفي الحديث أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة، وبئست الفاطمة »( ).
2-
توجيه المسلم إلى التعامل الشرعي مع الحاكم، وقد سبق استعراض بعض النصوص في ذلك، وهي تدعو في مجملها إلى: الصبر على جوره، والسمع له، والطاعة في المعروف، وعدم نزع يدٍ من طاعة مهما صدر منه دون الكفر البواح، والنصيحة له في السِّرِّ وبرفق، وعدم الغل عليه أو الغش له، والدعاء له في السر والعلن بالصلاح والمعافاة، ونشر محاسنه بين الناس، وأداء حقوقهم علينا وإن تعدوا على حقوقنا( ).
وما فتئ علماء السنة سلفاً وخلفاً( ) يذكرون الدعاء للسلطان بالصلاح والمعافاة على أن سنة واتباع، وخلافُه شرٌّ وابتداع، معلِّلين ذلك بأن صلاحَه صلاحُ الأمة كما ورد في عدة أحاديث( )، وقد روى اللالكائي عن الفضيل بن عياض أنه قال: "لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام، لأنه إذا صلح الإمام أمِن البلادُ والعباد"( ). ورواه عنه أبو نعيم بلفظ: "لو أن لي دعوة مستجابة ما صيَّرتها إلا في الإمام، قيل له: وكيف ذلك يا أبا علي؟ قال: متى ما صيرتها في نفسي لمْ تَجُزْني، ومتى صيرتها في الإمام فصلاح الإمام صلاح العباد والبلاد" وفسَّرها، فقبَّل ابن المبارك جبهته وقال: يا معلم الخير! مَن يحسن هذا غيرك( ).
أما المظاهرات –وإن سلمية زعموا- فضلاً عن الخروج بالسيف فهي من سبيل الكفار وأهل البدع في مختلف الأزمان، كما نص عليه أئمة الإسلام، قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: "لما خرج أبو ذر رضي الله عنه إلى الرَّبَذة لقيه ركْبٌ من أهل العراق فقالوا: يا أبا ذر قد بلغَنا الذي صُنع بك فاعقد لواء يأتيك رجال ما شئت. فقال: مهلاً، مهلاً يا أهل الإسلام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيكون بعدي سلطان فأعزوه، من التمس ذله ثغر ثغرة في الإسلام ولم يقبل منه توبة حتى يعيدها كما كانت"( ).
قال ابن قيم الجوزية: "
لزوم جماعتهم مما يطهر القلب من الغل والغش ؛ فإن صاحبه - للزومه جماعة المسلمين – يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها، ويسوؤه ما يسوؤهم، ويسره ما يسرهم، وهذا بخلاف من انحاز عنهم واشتغل بالطعن عليهم والعيب والذم، كفعل الرافضة والخوارج والمعتزلة وغيرهم؛ فإن قلوبهم ممتلئة غلاً وغشاً، ولهذا تجد الرافضة أبعد الناس من الإخلاص، وأغشهم للأئمة والأمة، وأشدهم بعداً عن جماعة المسلمين. فهؤلاء أشد الناس غلاً وغشاً بشهادة الرسول  والأمة عليهم، وشهادتهم على أنفسهم بذلك؛ فإنهم لا يكونون قط إلا أعواناً وظهراً على أهل الإسلام، فأي عدو قام للمسلمين كانوا أعوان ذلك العدو وبطانته، وهذا أمر قد شاهدته الأمة منهم، ومن لم يشاهده فقد سمع منه ما يصم الآذان ويشجي القلوب"( ).
3-
مسؤولية الحكم العام على الأمة تقع حصراً على الحاكم دون المحكوم، وليس للناس أن يحاسبوه حتى لا ينتكس الوضع وينقلب الحاكم محكوماً والمحكوم حاكماً!، والحاكم وحده يتحمل مسئولية تصرفاته، والله يحاسبه عليها، كما قال صلى الله عليه وسلم: « إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله عز وجل وعدل كان له بذلك أجر، وإن يأمر بغيره كان عليه منه »( ).
وعن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم »( ).
وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: «
أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم »( ).
4- تعريف المسلم بأن الشرع المطهر إنما كلَّف المسلم ببذل النصيحة للإمام إن قدر عليها أو السكوت
وعدم الخوض في جور الإمام ولا معاونته بأي شكل، كما في الحديث عن قتادة حدثنا الحسن عن ضبة بن محصن العنـزي عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع ». قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال: « لا ما صلوا ». قال قتادة: أي: من كره بقلبه وأنكر بقلبه( ).
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفاً ولا شرطياً ولا جابياً ولا خازناً »( ).
5-
عدم الملالة من الصبر على جور الأئمة لأن ذلك من أوامر الشرع الكريم، ولأن الشرع مدَّ أَمَدَ الصبر إلى يوم القيامة، فلم يسمح بنفاد الصبر قبل ذلك، قال البخاري( ): "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار اصبروا حتى تلقوني على الحوض، قاله عبد الله بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم". ثم روى عن أنس بن مالك عن أسيد بن حضير أن رجلاً من الأنصار قال: يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلاناً؟ قال: ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض( ). ثم روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: "إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني وموعدكم الحوض"( ).
ف
هذا أنس بن مالك الصحابي الذي عاصر الحجاج ينقل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل أظلم من الحجاج مضرب المثل في الظلم، وقد صرح أنس رضي الله عنه أن هذا الصبر أراد به مقابلة ظلم الحجاج فقد روى البخاري عن الزبير بن عدي قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: "اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم"( ).
6-
الالتجاء إلى الله تعالى عند جور الأئمة وتقدير الله حق قدره وتحسين الظن به، لأنه هو وحده سبحانه القادر على تغيير حال الناس إلى خير منه، واستعجال الناس التغيير بغير الطريقة الشرعية يؤدي بهم إلى غضب ربهم وعكس مقصودهم، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [المؤمنون : 76 ، 77]، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام : 42 - 44]، {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [الأعراف : 94 ، 95].
قال الحسن البصري: "لو أن الناس إذا ابتلوا من سلطانهم بشيء صبروا ودعوا الله لم يلبثوا أن يرفع الله ذلك عنهم ولكنهم يفزعون إلى السيف فيوكلون إليه، والله ما جاؤوا بيوم خير قط، ثم تلا هذه الآية {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف : 137]"( ).
وقد سبقه إلى هذا المعنى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم أولى بكل خير وأجدر ألا يفوتهم إلى من بعدهم، وإمامهم في ذلك المصطفى لا الرأي والهوى، فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا؛ فإن الأمر قريب"( ).
قال الحافظ ابن حجر: "
وفي حديث عمر في مسنده للإسماعيلي من طريق أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة بن الجراح عن عمر رفعه قال: أتاني جبريل فقال: إن أمتك مفتتنة من بعدك، فقلت: من أين؟ قال: من قبل أمرائهم وقرائهم يمنع الأمراء الناس الحقوق فيطلبون حقوقهم فيفتنون ويتبع القراء هؤلاء الأمراء فيفتنون، قلت: فكيف يسلم من سلم منهم؟ قال: بالكفِّ والصبر، إن أعطوا الذي لهم أخذوه، وإن منعوه تركوه"( ).
قال ابن كثير: "{ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } أي: يدعون ويخشعون ويبتهلون إلى الله تعالى في كشف ما نزل بهم. وتقدير الكلام: أنه ابتلاهم بالشدة ليتضرعوا، فما فعلوا شيئاً من الذي أراد الله منهم، فقلب الحال إلى الرخاء ليختبرهم فيه؛ ولهذا قال: { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ } أي: حولَّنا الحال من شدة إلى رخاء، ومن مرض وسقم إلى صحة وعافية، ومن فقر إلى غنى، ليشكروا على ذلك، فما فعلوا.
وقوله: { حَتَّى عَفَوْا } أي: كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم، يقال: عفا الشيء إذا كثر، { وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } يقول تعالى: ابتلاهم بهذا وهذا ليتضرعوا ويُنيبوا إلى الله، فما نَجَع فيهم لا هذا ولا هذا، ولا انتهوا بهذا ولا بهذا بل قالوا: قد مسَّنا من البأساء والضراء، ثم بعده من الرخاء مثل ما أصاب آباءنا في قديم الدهر، وإنما هو الدهر تارات وتارات، ولم يتفطنوا لأمر الله فيهم، ولا استشعروا ابتلاء الله لهم في الحالين. وهذا بخلاف حال المؤمنين الذين يشكرون الله على السراء، ويصبرون على الضراء"( ).
وقال الحسن البصري: "اعلم –عافاك الله- أن جور الملوك نقمة من نقم الله تعالى، ونِقم الله لا تلاقى بالسيوف، وإنما تُتقى وتُستدفع بالدعاء والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب"( ).
7- النظر إلى الحاكم على أنه مرآة لشعبه، كما قيل في المثل السائر: كما تَكُونوا يُولَّى عليكم، قال الطرطوشي في كتابه (سراج الملوك) في البابُ الحادي والأربعون: كما تكونوا يولى عليكم: لم أزل أسمعُ الناسَ يقولون : " أعمالكم عمالكم كما تكونوا يولى عليكم"؛ إلى أن ظفرتُ بهذا المعنى في القرآن، قال الله تعالى : {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا} [ الأنعام : 129 ].
قال السيوطي: "أخرج أبو الشيخ عن منصور بن أبي الأسود قال: سألت الأعمش عن قوله {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً} ما سمعتهم يقولون فيه قال: سمعتهم يقولون إذا فسد الناس أمر عليهم شرارهم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مالك بن دينار قال: قرأت في الزبور: إني أنتقم من المنافق بالمنافق ثم أنتقم من المنافقين جميعاً وذلك في كتاب الله قول الله {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون}"( ).
8-
ولذلك لم ينفع الشعب أن يكون حاكمهم رسولاً من أولي العزم من الرسل، فهؤلاء بنو إسرائيل لما نجاهم الله تعالى من الغرق وخلصهم بموسى من فرعون وجنوده أجمعين أول شيء وقعوا فيه الشركُ بالله تعالى! أفلا يقعون في غيره من المعاصي والظلم، كما قال تعالى حاكياً حالهم بعد إهلاك عدوه وعدوهم فرعون وجنوده: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف : 137 - 139]، ولذلك وقعوا في قتل الأنبياء والصالحين كما قال تعالى حاكياً حالهم: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة : 61]، فتأمل كيف تمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا، وما أصابهم عندما قالوا: لن نصبر، {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر : 2].
9-
إذا علم المرء ما تقدم ثم أصر على طلب الولاية برغم ذلك كله؛ فليعلم أنْ لا أمل له في أخذ مكان الحاكم إلا أن يشاء الله تعالى فليلجأ إليه وحده، ولا يسلكنَّ الطرق الملتوية للوصول إليها، وليتأمل كيف استأثر الله سبحانه وتعالى بنسبة التمكين في الأرض لنفسه، قال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} [الأنعام : 6]، وقال: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص : 57 - 59]، وقال: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف : 21]، وقال: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يوسف : 56 ، 57]، وقال: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا} [الكهف : 84 ، 85]، وقال: {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} [القصص : 6]، وقال: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الأعراف : 10]، وقال: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج : 41]، وقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ} [النور : 55 - 57].
فقطع سبحانه أنظار الأفراد عن الحكم بأن جعل التمكين في الأرض له وحده.
وقد ذكر أبو الحسن الأشعري خمسة وعشرين خارجاً كلهم من آل البيت! ولم يكتب لأحد منهم نصيب في الخروج!!! ( )
وروى ابن سعد قال: أخبرنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد قال: ذَكر أيوبُ القراءَ الذين خرجوا مع ابن الأشعث فقال:
"لا أعلم أحداً منهم قتل إلا قد رُغب له عن مصرعه، ولا نجا فلم يقتل إلا قد ندم على ما كان منه"( ).
ويكفي من ذلك كله ما ثبت عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليك السمع والطاعة، في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك، ولا تنازعِ الأمرَ أهلَه وإنْ رأيتَ أنَّ لكَ"( )، أي: "وإن اعتقدت أنّ لكَ في الأمر حقًّا؛ فلا تعمل بذلك الظن، بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة"( ).
ثالثاً: تحقيق الأمن الفكري باستقرار الفكر واطمئنان القلب تجاه الله تبارك وتعالى:
ذلك أن المسلم يؤرقه خوفه من ربه تبارك وتعالى مما قد يؤول بالبعض أحياناً إلى القنوط من رحمة الله تعالى وهو ما حذر الله تعالى منه وحذر منه رسوله صلى الله عليه وسلم وأرشد إلى الإقبال على الله تعالى مع حسن الظن به من خلال الآتي:
1- كون الله تعالى حكم عدل لا يظلم مثقال ذرة، وكونه لا يحمل على كل نفس إلا عملها، ولا يهضمها حقها، ولا يثقل عليها بغير عملها، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء : 40]، وقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت : 46]، وقال تعالى: {قَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [طه : 111 ، 112].
2- إكثار الله تعالى من وصف نفسه بصفات الرحمة والعفو والمغفرة والود والرأفة وغيرها، وقرنها بصفات القوة والعزة وشدة العقاب ونحو ذلك، كما قال تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر : 2 ، 3]، وقال: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف : 167]، قال ابن كثير في تفسيره: "وهذا من باب قرن الرحمة مع العقوبة، لئلا يحصل اليأس، فيقرن الله تعالى بين الترغيب والترهيب كثيراً؛ لتبقى النفوس بين الرجاء والخوف"( ).
3- تأكيد الله سبحانه وتعالى على أنه يتجاوز عن الكثير مما يقع من العبد من الذنوب إذا تحرى العبد عدم إصابتها في الجملة، كقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء : 31]، بل وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء : 48]، وغيرها من جنسها، وفي الحديث عن أبي هريرة رذي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي"( ).
والله أعلم بما يُصلح عباده مع عفوه عنهم وتجاوزه عن خطاياهم، قال تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى : 26 - 30].
4- حث المؤمن على إحسان الظن بالله تعالى لأنه يجازي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسيئة بمثلها أو يعفو، بل ويعفو عن كثير، بل قد يبدل سيئات العبد إلى حسنات، كما قال تعالى: {مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان : 70].
وكلمة أخيرة أختم بها لمن كان له قلب فأقول:
إنما الحاكم رجل من الناس، له ذنوبه وأخطاؤه، وله حسناته ورجاؤه، فما بالنا نرجو لأنفسنا النجاة وله النار.
ولماذا يجزم البعض بأن الله لا يغفر لفلان لأنه حاكم، ويظن أنه قد غفر له هو ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
لماذا تعظم في عين الواحد من هؤلاء خطيئة الحاكم ولو صغرت؛ وتصغر في عينه خطيئته وإن كبرت.

ومما اشتهر من السنة حَدِيث: "تُبْصِرُ الْقَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَتَنْسَى الْجذَعَ فِي عَيْنِكَ"( ).
وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنه أنه قدم وافداً على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما فقضى له حاجته ثم دعاه فأخلاه، فقال معاوية رضي الله عنه: يا مسور ما فعَل طعنُك على الأئمة ؟
فقال المسور رضي الله عنه: دعنا من هذا، وأحسِن فيما قدِمْنا له.
فقال معاوية رضي الله عنه: لا والله لتكلَّمن بذات نفسك والذي تعيب عَليَّ.
فقال المسور رضي الله عنه: فلم أترك شيئاً أعيبه عليه إلا بيَّنتُه له.
فقال معاوية رضي الله عنه: لا بريءٌ من الذنب، فهل تعدُّ يا مسور ما لي من الإصلاح في أمر العامة، فان الحسنة بعشر أمثالها، أم تعدُّ الذنوب وتترك الحسنات ؟
فقال المسور رضي الله عنه: لا والله ما نذكر إلا ما ترى من هذه الذنوب.
فقال معاوية رضي الله عنه: فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنبناه، فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلكك إن لم يغفرها الله ؟
فقال مسور رضي الله عنه: نعم !
فقال معاوية رضي الله عنه: فما يجعلك أحق أن ترجو المغفرة مني ؟ فوالله لَمَا أَلِيْ من الإصلاح أكثر مما تلي، ولكنْ والله لا أُخيَّر بين أمرين -بين الله وبين غيره- إلا اخترت الله تعالى على ما سواه. وإنا على دينٍ يقبل الله فيه العمل ويجزي فيه بالحسنات ويجزي فيه بالذنوب إلا أن يعفو عمن يشاء، فأنا أحتسب كل حسنة عملتها بأضعافها، وأوازي أموراً عظاماً لا أحصيها ولا تحصيها؛ مِن عَملٍ لله في إقامة صلوات المسلمين والجهاد في سبيل الله عز وجل والحكم بما أنزل الله تعالى، والأمور التي لست تحصيها وإن عددتُها لك، فتفكر في ذلك.
فقال المسور رضي الله عنه: فعرفت أن معاوية قد خصمني حين ذكر لي ما ذكر.
فلم يُسمع المسور بعد ذلك يذكر معاوية إلا استغفر له"
( ).
وعن الزبرقان قال: كنت عند أبي وائل فجعلت أسب الحجاج وأذكر مساويه. فقال: لا تسبه. وما يدريك لعله قال : اللهم اغفر لي فغفر له"( ).
قال أبو عبد الله محمد المناوي في كتابه "طاعة السلطان" (30): لا يتمنى زوال السلطان إلا جاهل مغرور أو فاسق يقع في كل محذور، فواجب على كل واحد من الرعية أن يرغب إلى الله بنصرة السلطان، وأن يبذل له نصحه بصالح دعائه؛ فإن في نصرته وصلاحه صلاح البلاد والعباد. والسلطان معذور لانتشار الأمور عليه وكثرة ما يكابده من ضبط جوانب المملكة، وقلة الناصح له، وكثرة المدلِّس عليه والطامع.اهـ
ثم تأمل كلمة هذا الإمام الهمام، يقول ابن القيم رحمه الله: "وتأمل حكمته تعالى في أنْ جعَل ملوكَ العباد وأمراءَهم وولاتهم من جنس أعمالهم، بل كأن أعمالهم ظهرت في صور ولاتهم وملوكهم، فإن استقاموا استقامت ملوكهم، وإن عدلوا عدلت عليهم، وإن جاروا جارت ملوكهم وولاتهم، وإن ظهر فيهم المكر والخديعة فولاتهم كذلك، وإن منعوا حقوق الله لديهم وبخلوا بها منعت ملوكهم وولاتهم ما لهم عندهم من الحق وبخلوا بها عليهم، وإن اخذوا ممن يستضعفونه ما لا يستحقونه في معاملتهم أخذت منهم الملوك ما لا يستحقونه وضربت عليهم المكوس والوظائف، وكلُّ ما يستخرجونه من الضعيف يستخرجه الملوك منهم بالقوة، فعمَّالهم –يعني حكامَهم- ظهرت في صور أعمالهم".
ثم يقول: "وليس في الحكمة الإلهية أن يولى على الأشرار الفجار إلا من يكون من جنسهم، ولما كان الصدر الأول خيار القرون وأبرها؛ كانت ولاتهم كذلك، فلما شابوا شابت لهم الولاة، فحكمة الله تأبى أن يولي علينا في مثل هذه الأزمان مثل معاوية وعمر بن عبد العزيز، فضلاً عن مثل أبي بكر وعمر، بل ولاتنا على قدرنا، وولاة من قبلنا على قدرهم، وكلٌّ من الأمرين مُوجب الحكمة ومقتضاها"( ).
فهذا دين الله وإن أبى مَن أبى، وهذا هُدَى نبيه وإن رغب عنه مَن رغب، وهذا منهج صحابته وتابعيهم سلفِ الأمة وأئمتها، فبهداهم اقتده؛ ولا تكن من الذين لا يهتدون.
{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء : 80 - 83].
{لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر: 43، 44].
{يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود : 88 - 90].
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ

الحواشي:
( ) أخرجه أحمد ج5، ص389، وابن حبان (1897). قال الألباني: إسناده صحيح ورجاله ثقات رجال الشيخين. انظر: قصة المسيح الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام، محمد ناصر الدين الألباني، نشر: المكتبة الإسلامية - عمان – الأردن، ص51.
( ) أخرجه أحمد ج4، ص406، رقم (19653). وإسناده صحيح، والرواية الأخرى له ج4، ص414، رقم (19732) بنفس الإسناد.
( ) رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، ج8، ص110، رقم (6416).
( ) رواه ابن ماجه، ج5، ص225، رقم (4102) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (944).
( ) رواه الترمذي، ج4، ص166، رقم(2377) وابن ماجه، ج5، ص229، رقم(4109)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
( ) رواه الترمذي ج4، ص574، رقم (2346) وابن ماجه، ج5، ص253، رقم (4141)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وحيزت: جمعت.اهـ
( ) تفسير القرآن العظيم، ج2، ص341.
( ) السياسة الشرعية، ص4.
( ) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، ص324.
( ) رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، ج6، ص7، رقم (4825).
( ) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار، ج1، ص88، رقم (383)، وفي: كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، ج6، ص9، رقم (4836).
( ) رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، ج6، ص7، رقم (4825).
( ) رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب كراهة الإمارة بغير ضرورة، ج6، ص6، رقم (4823).
( ) رواه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، ج8، ص159، رقم (6622)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب ندب من حلف يميناً فرأى غيرها خيراً منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه، ج5، ص86، رقم (4370).
( ) رواه البخاري، كتاب الأحكام، باب ما يكره من الحرص على الإمارة، ج9، ص79، رقم (7148).
( ) في ذلك أحاديث كثيرة جداً رواها أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها بأسانيد صحيحة. انظر –مثلاً-: الكتاب الرابع : في الخلافة والإمارة، من جامع الأصول في أحاديث الرسول، ج4، ص42 وما بعدها..
( ) انظر: مفهوم الجماعة والإمامة ووجوب لزومها وحرمة الخروج عليها في ضوء الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، أ.د سليمان بن عبد الله أبا الخيل مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الثانية، 1428هـ-2007م، ص155-174.
( ) كما في الحديث عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيف من منى، فقال: نضر الله امرءاً سمع مقالتي فبلغها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل لله، والنصيحة لولاة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم. رواه ابن ماجه (3056).
( ) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، هبة الله بن الحسن بن منصور أبو القاسم اللالكائي، تحقيق: د. أحمد سعد حمدان، نشر: دار طيبة - الرياض، 1402هـ، ج1، ص176.
( ) حلية الأولياء، ج8، ص91-92، وتاريخ دمشق، ابن عساكر، ج48، ص445، بسند صحيح. وانظر ما قالت حكماء العرب والعجم في الباب الثامن من كتاب: سراج الملوك، لأبي بكر الطرطوشي، وهو باب في منافع السلطان ومضاره.
( ) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (499رقم1079). وصححه الألباني في ظلال الجنة (499).
( ) مفتاح دار السعادة (1/277-278).
( ) رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب في الإمام إذا أمر بتقوى الله وعدل كان له أجر، ج6، ص17، رقم (4878) عن أبى هريرة رضي الله عنه.
( ) رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق، ج6، ص19، رقم (4888).
( ) رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، ج4، ص206، رقم (3455)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول، ج6، ص17، رقم (4879).
( ) رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صلوا ونحو ذلك، ج6، ص23، رقم (4907). وبقول قتادة قال الإمام أحمد كما في رواية أبي داود عنه. انظر: جامع العلوم والحكم، زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب، نشر: دار المعرفة – بيروت، الطبعة الأولى، 1408هـ، ص323.
( ) رواه ابن حبان، ج10، ص446، رقم (4586)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (790).
( ) كتاب المناقب، ج5، ص41.
( ) رقم (3792).
( ) رقم (3793).
( ) رواه البخاري كتاب الفتن، باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه، ج9، ص61، رقم (7068).
( ) أخرجه ابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في الدر المنثور في التفسير بالمأثور، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: مركز هجر للبحوث، نشر: دار هجر – مصر، 1424هـ ـ 2003م، ج6، ص534.
( ) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة ج2، ص474، رقم (1015) وابن عبد البر في التمهيد ج21، ص287، وعزاه في كنـز العمال ج5، ص780؛ لابن جرير، وإسناده جيد كما قال الألباني في ظلال الجنة ج2، ص217.
( ) فتح الباري، ج13، ص6.
( ) تفسير القرآن العظيم، ج3، ص449-450.
( ) آداب الحسن البصري، لابن الجوزي، تحقيق: محمد بن ناصر العجمي، نشر: دار النوادر، دمشق، 1426هـ، ص119.
( ) الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج6، ص203.
( ) مقالات الإسلاميين، ج1، ص151-166.
( ) الطبقات الكبرى، ج7، ص188، رقم (9095). وانظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، ج8، ص75.
( ) رواه الإمام أحمد في مسنده، ج5، ص321، رقم (2787)، وإسناده صحيح على شرط الشيخين وأصله فيهما دون قوله: (وإنْ رأيتَ أنَّ لكَ).
( ) فتح الباري، ج13، ص8.
( ) ج3، ص497.
( ) رواه البخاري كتاب التوحيد، باب {وكان عرشه على الماء}، ج9، ص153، رقم (7422).
( ) قال السخاوي في المقاصد الحسنة، ج1، ص249-250، رقم (314).: رواه البيهقي في الشعب والعسكري من حديث محمد بن حميد عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة رفعه بلفظ: "يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه، وينسى الجذع أو الجذل في عينه"، ومن حديث أبي الأشهب عن الحسن البصري، أنه قال: "يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك، وتدع الجذع معترضاً في عينيك"، وللبيهقي في الشعب عن ابن عمر من قوله: "كفى من البغي ثلاث: أن تبصر من الناس ما يخفى عليك من نفسك، وأن تعيب عليهم فيما تأتي، وتؤذي جليسك بما لا يعنيك"، قال: وروي معناه عن عمر، ومما قيل:
أرى كل إنسان يرى عيب غيره... ويعمى عن العيب الذي هو فيه
ولا خير فيمن لا يرى عيب نفسه... ويعمى عن العيب الذي بأخيه
( ) أخرجه عبد الرزاق في المصنف، ج11، ص344، رقم (20717) والخطيب في تاريخه، ج1، ص208، بسند صحيح.
( ) أخرجه هناد السري في الزهد ج2، ص464، رقم (931) ومن طريقه أبو نعيم الأصبهاني في الحلية ج4، ص102، بسند صحيح.
( ) مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، نشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ج1، ص253.









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-18, 02:06   رقم المشاركة : 87
معلومات العضو
جواهر الجزائرية
عضو متألق
 
الصورة الرمزية جواهر الجزائرية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

لشيخ عثمان الخميس حفظه الله: يوضح فتواه أن من مات في المظاهرات ليس شهيدا وتعليق على أحداث البحرين والرد على الديمقراطية الغربية

وضح الشيخ فتواه بأن من قتل في المظاهرات ليس شهيدا وبين حكم الدعوة للديمقراطية وحكم الخروج على الحكام:
من هنا


من هنا









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-18, 02:09   رقم المشاركة : 88
معلومات العضو
جواهر الجزائرية
عضو متألق
 
الصورة الرمزية جواهر الجزائرية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حكم المظاهرات لفضيلة الشيخ عبد المالك بن أحمد رمضاني حفظه الله تعالى

حكم المظاهرات لفضيلة الشيخ
عبد المالك بن أحمد رمضاني


بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله، وصلّى الله وسلّم وبارك على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن والاه.

لا يخفى على القارئ ما حصل في كثير من البلاد الإسلاميّة من القيام على حكّامهم بالمظاهرات للمطالبة بحقوقهم بل للمطالبة بسقوط الأنظمة الموجودة، وقد أيّدهم -إن لم نقل حرّكهم- على ذلك قوى عالميّة كبرى لمآرب لا تخفى على الأذكياء، وأصبح من النّاس من يقول: إنّ خروج النّاس في مظاهرات أو احتجاجات عامّة على أنظمتهم الجائرة من الوسائل الّتي ثبت نفعها؛ إذ كانت سببا في تغيير تلك الأنظمة، وضغطت على الحكّام حتّى يَعملوا لشعوبهم حسابَها ويُحسّنوا أوضاعَها، وهذه المظاهرات ما هي إلاّ إنكار عَلَنيّ للتّعبير عن التّسخّط على أولياء أمور المسلمين، فبأيّ حقٍّ تُنكَر وقد آتت ثمارها كما لا يخفى؟!

والجواب: يُنكِر العلماء المظاهرات المُخترَعة في هذا الزّمن بحقّين:

الأوّل: حقّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الطّاعة؛ فإنّ الأمر الّذي من أجله يقوم المتظاهرون هو طلب حقوقهم الشّرعيّة الّتي يرون أنّ السّلطان قصّر في أدائها لهم، فلو تكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الحالة لكان له حقّ الطّاعة في ذلك كما له حقّ الطّاعة في كلِّ ما أمر به ونهى عنه، وبعضُ المفتونين بالمظاهرات يَحرصون على تخريجها مخرَج المصالح المرسلة وأنّها من النّوازل، لكنّ الّذي يَمنع مِنْ إدراجها تحت المصالح المرسلة هو أنّه صحّ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبر عن فتنة السّلاطين وأعطى أمّتَه المخرج منها، فقد تواتر عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه أنذر أمّته وُجودَ أمراءَ بعدَ زمنه يمنعون شعوبهم حقوقَهم، فأمر فيها بأمرين هما الدّعاء والصّبر، أمّا الدّعاء فثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((إنّها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله! كيف تأمر مَن أدرك منّا ذلك؟ قال: تؤدّون الحقّ الّذي عليكم، وتسألون الله الّذي لكم)) رواه البخاريّ ومسلم والتّرمذيّ، فقد ذكر صلّى الله عليه وسلّم أنّ هؤلاء الحكّام يستأثرون بحقوق الرّعيّة ولا يؤدّونها لهم، فأمر مع ذلك الرّعيّة بأداءِ حقوق السّلطان له وطلبِ حقِّها مِن الله، فما محلُّ المظاهرات مِنْ هذا الحديث الواضح؟! فهل نسيَها صلّى الله عليه وسلّم حتّى يستدركَ عليه مستدركٌ، أو غفلَ عنها حتّى يَفطنَ لها كفرةُ الغرب ويقلّدَهم فيها المستغربون مِن هذه الأمّة؟!
قال ابن تيمة في ((منهاج السّنّة)) (3/372): ((فقد أخبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ الأمراء يَظلمون ويَفعلون أمورًا منكَرة، ومع هذا فأمرنا أن نؤتيَهم الحقّ الّذي لهم ونسأل اللهَ الحقّ الّذي لنا، ولم يأذن في أخذِ الحقِّ بالقتال، ولم يُرخّص في ترك الحقِّ الّذي لهم)).
وقال النّوويّ في ((شرح مسلم)) (12/232): ((هذا مِن معجزات النّبوّة، وقد وقع هذا الإخبار متكرّرًا ووُجِد مخبرُه متكرّرًا، وفيه الحثّ على السّمع والطّاعة وإنْ كان المتولّي ظالمًا عَسوفًا فيُعطَى حقَّه مِن الطّاعة ولا يُخرَج عليه ولا يُخلَع، بل يُتضرّع إلى الله تعالى في كشف أذاه ودفع شرّه وإصلاحِه))، وروى مسلم (1846) عن وائل الحَضرميّ قال: ((سأل سَلمةُ بن يزيدَ الجُعفيُّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا نبيّ الله! أرأيتَ إنْ قامتْ علينا أمراء يسألونا حقّهم ويمنعونا حقَّنا فما تأمرُنا؟ فأعرضَ عنه، ثمّ سألَه فأعرضَ عنه، ثمّ سألَه في الثّانية أو في الثّالثة فجذَبه الأشعث بن قيسٍ وقال: اسمَعوا وأطيعوا؛ فإنّما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم)).
قال النّوويّ في ((شرح صحيح مسلم)) (12/225): ((أي اسمَعوا وأطيعوا وإنِ اختصَّ الأمراء بالدّنيا ولم يوصِلوكم حقَّكم ممّا عِندَهم، وهذه الأحاديثُ في الحثِّ على السّمع والطّاعة في جميع الأحوال، وسببُها اجتماع كلمة المسلمين؛ فإنّ الخلاف سببٌ لفساد أحوالهم في دِينهم ودُنياهم)).
وأمّا الأمرُ بالصّبر فكَيلاَ يقولَ عَجِلٌ: إلى متَى نصبرُ على أثَرَة هؤلاء الجَوَرة؟! فقد روى البخاريّ (3792) ومسلم (1845) عنْ أُسَيْدِ بن حُضَيْر رضي الله عنه ((أنَّ رجلاً مِنَ الأنصار قال: يا رسول الله! ألا تستعملُني كما استعملْتَ فلانًا؟ قال: سَتلْقَوْنَ بعدي أثَرَةً، فاصبروا حتّى تلْقَوني على الحوض))، قال ابنُ حجَر في ((الفتح)) (8/52): ((أي يومَ القيامة، وفي رواية الزّهريّ: [أي في ((صحيح البخاريّ))؛ فإنّها عندَه (3161) عنْ أنَس رضي الله عنه.] ((حتّى تلقَوا اللهَ ورَسولَه، فإنِّي على الحوض)) أي اصبروا حتّى تموتوا؛ فإنّكم ستجدونَني عند الحوض فيحصُل لكم الانتصافُ ممّن ظلَمكم والثّوابُ الجزيلُ على الصّبر)).
هذا الدّاء والدّواء في حديثٍ واحدٍ، فهل يَحلُّ لطبيبٍ أنْ يَدخلَ بين النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأمّتِه بشيءٍ زائدٍ؟! وكلُّ مؤمِن يَعلمُ أنّ هذا الدّواء قرّره مَنْ قال الله فيه: وما ينطق عَنِ الهوى (3) إنْ هو إلاّ وَحْيٌ يُوحَى [النّجم: 3-4]؟!
فبأيِّ حقٍّ يُطاعُ الغربُ الكافرُ في اختراعِه المظاهرات لخلعِ الحكّام، ويُعصى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الرّؤوف الرّحيم بأمّتِه النّاصحُ لهم بتمام نصحٍ وإحكامٍ؟! ومِنَ العجائب أنّ بعضَ المتظاهرين قالوا: إنّهم قاموا بسبب أنّ حكّامَهم لا يَحكمون بما جاءهم به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وهَا هم أنفسُهم لا يَحكمون بما جاءهم به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في مسألَة ظلم الحكّام!!
الثّاني: حقُّ السّلطان المسلم في طاعته في المعروف وتركِ جميع أسباب الخروج عليه؛ فإنّ المتجمِّعين ضدَّه قصدُهم منازَعتُه في منصِبِه وإحلال غيرِه محلَّه، وقد حرّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلَّم منازَعةَ السُّلطان في إمارَتِه ما دام مسلِمًا؛ قال عُبادَة بنُ الصّامت: ((دعانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبايَعْنَاه، فكان فيما أخَذَ علينا أنْ بايعنا على السّمع والطّاعة في منشَطِنا ومكْرَهِنا وعُسْرِنا ويُسْرِنا وأَثَرةٍ علينا، وأنْ لا ننازع الأمرَ أهلَه، قال: إلاَّ أنْ تَرَوْا كُفْرًا بواحًا عِنْدَكم فيه مِنَ الله برهانٌ)) رواه البخاريّ (7055)، ومسلم (1709)، فإنّ أخْذَ السُّلطانِ أموالَ رعيّتِه بغير حقٍّ ظلمٌ عظيمٌ ولكنَّه لا تَسْقُط به حُقوقُه مِن السّمع والطّاعة وتَرْك منازَعَتِه، هذا هو حُكْمُ رَسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسِياسَتُه الحكيمَة الّتي لا يرضى بها أصحاب المظاهرات القائلون: الحاكمُ الّذي لا يُؤدِّي إلينا حقوقَنا المادّيَةَ نُنازِعُه الحُكْمَ!! فأين ذهبَتْ عقولُ المسلمين مع هذه الأدلَّة الصَّريحةِ؟!
قال ابنُ تيمية رحمه الله في ((منهاج السّنّة)) (3/395): ((فهذا أمْرٌ بالطّاعة مع استئثار وليِّ الأمر وذلك ظُلْمٌ منه، ونَهى عنْ منازعة الأمر أهلَه، وذلك نهيٌ عن الخروج عليه؛ لأنّ أهلَه هم أولو الأمر الَّذين أمَرَ بطاعتِهم وهم الَّذين لهم سلطانٌ يَأمرون به، وليس المراد مَنْ يستحقُّ أنْ يُولَّى ولا المتولِّي العادِل؛ لأنَّه قد ذكَرَ أنّهم يَستأثرون، فدلَّ على أنَّه نهى عنْ منازعة وليِّ الأمر وإنْ كان مُستأثِرًا)).
وفي هذا ردٌّ مِنْه -رحمه الله- على مَنْ أرادَ أنْ يُعطِّلَ العملَ بالحديث زاعمًا أنَّ النّهيَ عنْ منازعة الأمر مَنْ كان أهلاً لأنْ يُوَلَّى مِنَ العُدولِ، فلْيُتأمَّل.
وأينَ هي دَعْوى محبّتِهم الرّسولَ صلّى الله عليه وسلّم وقد قال تعالى: قُل إنْ كنتم تُحبُّون اللهَ فاتَّبعوني يُحبِبْكم اللهُ ويَغفِرْ لكم ذنوبَكم والله غفور رحيم [آل عمران: 31]؟! أيكونُ النِّظامُ الدّيمقراطيُّ أهدى إلى استرجاع الحقوق مِنْ هَدْي رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، والله سبحانَه وتعالى يقول: وإنْ تطيعوه تهتدوا [النّور: 54]؟! أيكونُ النّظام الدّيمقراطيُّ أرحمَ بمهضومي الحقوق وأرأفَ واللهُ يقول: لقد جاءكم رسولٌ مِنْ أنفُسِكم عزيزٌ عليه ما عَنِتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم [التّوبة: 128].
وأينَ هم ممَّا روى مسلم (1847) مِنْ حديث حُذَيفةَ رضي الله عنه أنَّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلَّم قال: ((يكونُ بعدي أئمَّةٌ لا يهتدون بِهُدايَ ولا يَستنُّون بسُنّتي، وسيقوم فيهم رجالٌ قلوبُهم قلوبُ الشّياطينِ في جُثمانِ إنس، قال: قلتُ: كيف أصنعُ -يا رسول الله!- إنْ أدركتُ ذلك؟ قال: تَسمَعُ وتُطيعُ للأميرِ وإنْ ضُرِبَ ظهْرُك وأُخِذَ مالُك فاسمعْ وأطِعْ))؟! ونحنُ قد أدركْنا هذا الّذي أخبرَ به النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في كثيرٍ مِنَ البلاد، فلماذا لا تَسَعُنا وصيّتُه صلَّى الله عليه وسلَّم هذه لِحُذيفةَ رضي الله عنه ولسائر الأمّة؟! وقد أمَر صلّى الله عليه وسلّم بالسّمع والطّاعة كما أمَرَ بالصّبر ولم يأمُر بالمظاهرات، فهلِ الكفّارُ أهدى مِنْه سبيلاً؟! وهلْ هُم بالحقِّ أقومُ قِيلاً؟!
مع أنّ مقوِّمات المظاهرات كانتْ متوفِّرةً في كلِّ عهدٍ، أقصِدُ البشرَ الَّذين يتجمَّعون، والأصوات الّتي بها يَصرُخون، والأرجلَ الّتي بها يمشون، والظّلمُ كان ينطحُ بقرنين، ويَمشي قائمًا على قدَمَين، يدعمُه كبراء قريش، حتّى منعوا خيرةَ أهل الأرض آنذاك الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابَه الكرام مِنَ الطّعام والشّراب والزَّواج حتَّى إنَّ أحدَهم ليفرحُ بجِلدِ بَعيرٍ جافٍّ يَجِدُه فيكونُ طعامَه ثلاثةَ أيّام!!! وقد مكثوا على مِثل هذا ثلاث سنين بشِعْب أبي طالبٍ لا يَفزعون إلى مظاهرةٍ ولا يتَتَرَّسونَ بديمقراطيَّة، فعدَمُ اتِّخاذِ الرّسولِ صلّى الله عليه وسلّم هذه الوسيلةَ ذات المقوّمات المتوفِّرةِ في وقته ألا يدلُّ دلالةً واضِحةً على عدَم مشروعيَّة المظاهراتِ، وأنَّه يَجبُ على المسلم المحبِّ له صلّى الله عليه وسلّم أنْ يتَّبِعَه ويقول: قد اختار لي الرَّسولُ النّاصحُ صلَّى الله عليه وسلّم السّمعَ والطّاعةَ والصّبرَ، فلنْ أستدركَ عليه؛ لأنَّ اللهَ يقولُ: وما كان لمؤمِنٍ ولا مؤمِنَةٍ إذا قضى اللهُ ورسولُه أمرًا أنْ يكون لهم الخِيَرَةُ مِنْ أمرِهم ومَنْ يعصِ اللهَ ورسولَه فقد ضلّ ضلالاً مبينًا [الأحزاب: 36]، فإذا اختارَ الرّسولُ صلّى الله عليه وسلّم لأمّتِه المظلومة شيئًا أيَحِلُّ لأحَدٍ أنْ يختارَ غيرَ ما اختارَ أوْ يَستدْرِكَ عليه في هذا الاختيار؟! فإنَّها لا تعمى الأبصارُ ولكنْ تعمى القلوبُ الَّتي في الصُّدورِ [الحجّ: 46]!
قال ابنُ تيميةَ رحمه الله كما في ((مجموع الفتاوى)) (13/62): ((فعَلَى كلِّ مؤمنٍ أنْ لا يتكلَّمَ في شيءٍ مِنَ الدِّين إلاَّ تَبَعًا لِما جاء به الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ولا يتقدَّم بين يديه؛ بل ينظُرُ ما قالَ فيكونُ قولُه تَبَعًا لقولِه وعملُه تبعًا لأمرِه فهكذا كان الصَّحابةُ ومَنْ سلكَ سبيلَهم مِنَ التّابعينَ لهُم بإحسان وأئمّةِ المسلمين؛ فلهذا لم يكن أحدٌ منهم يُعارض النّصوصَ بمعقولِه ولا يُؤسِّسُ دينًا غيرَ ما جاء به الرّسولُ صلّى الله عليه وسلّم، وإذا أرادَ معرفةَ شيءٍ مِنَ الدّين والكلامِ فيه نظَرَ فيما قالَه الله والرَّسول صلّى الله عليه وسلّم، فمِنْهُ يَتعلّمُ، وبه يَتكلَّمُ، وبه يَنظُرُ ويَتفكَّرُ، وبه يَستدلُّ، فهذا أصلُ أهلِ السُّنَّة، وأهلُ البدعِ لا يَجعلون اعتمادَهم في الباطِنِ ونفسِ الأمرِ على ما تَلقَّوْهُ عنِ الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم؛ بلْ على ما رأوْهُ أوْ ذاقوه، ثمّ إنْ وَجَدُوا السُّنَّةَ توافِقُه، وإلاَّ لم يُبالوا بذلكَ، فإذا وجدوها تُخالِفُه أعرَضوا عنْها تفويضًا أوْ حَرَّفوها تأويلاً، فهذا هو الفرقان بين أهلِ الإيمان والسّنّة وأهلِ النّفاقِ والبدعةِ)).
وأمّا ما قيل في نجاح المظاهرات فإنَّه مِنْ تزيين الشّيطان؛ لأنّ مِنْ وظائفِه إضفاء المشروعيَّة على عملٍ ما بتحسينِ نتائجِه فيما يُظهِرُه للنّاس، ويُقنِعُهم بالنّتائج المزيَّنةِ حتّى يَصُدّهم عن البحث عن البيّنَة الّتي هي أصل المسألة، قال الله تعالى: وزيّنَ لهم الشّيطان أعمالَهم فصدَّهم عن السّبيل فهم لا يَهتدون [النّمل: 24]، ولا ريبَ أنَّ النّجاحَ الظّاهريَّ لا يُعدُّ نجاحًا إلاّ بشرطين هما:
الأوّل: أنْ يكونَ العاملون فيه يُريدُونَ وجهَ ربِّهم لا أنْ يَقوموا مِنْ أجل بُطونِهم.
والثّاني: أنْ يكونوا فيه مُتَّبعِين للرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم لا مخالِفين له.
وممَّا سبَق فقد بان مخالفةُ المتظاهرين لهديِ نبيِّهم صلَّى الله عليه وسلّم، أمَّا مِنْ جِهة النّيَّة فقد علِمَ النّاس أنّ أكثر المتظاهرين قاموا طلبًا لِشِبعٍ، أو دفعًا لوجَعٍ، عَرَّاقون مرَّاقون [أي هم طلاّبُ مَرَق وطلاَّبُ عَرْق، وهو العظم عليه بقيَّةٌ من اللَّحم.]، إنْ أُعْطوا مِنْها رَضُوا وإنْ لم يُعطَوا مِنْها إذا هم يَسخَطون.
فالنَّظرُ النَّاقدُ الشَّرعيُّ لكلِّ مسألةٍ مِنْ مسائل القُرَب يَنطلقُ مِنْ هذين الشَّرطَين، وهما سرُّ النَّجاح في الدُّنيا والآخرة، ومَن كان ينطلِقُ في وَزنِ أمورِه من نتائجها اختلَّ ميزانُه ودخل على أحكامِه من الفساد ما لا يَنضبطُ معه شيء مِن الحلال والحرام، ولم يُصبِح يُفكِّر في الدّليل الشّرعيِّ، وهل بِدايَة التّحلّل مِن الدّين إلاَّ هذا؟!
وبهذا صارَ للكهَّان أتباعٌ؛ لأنّهم ربَّما أخبَروا بأمرٍ غيبيٍّ فوقَع كما أخبروا، فمَنْ كان ناظرًا إلى النّتائج تبِعَهم ولا بدَّ، وقد قالتْ عائشة رضي الله عنها: ((سأل أناسٌ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم عنِ الكُهَّانِ؛ فقال لهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لَيْسُوا بِشَيءٍ؛ قالوا: يا رسولَ الله! فإنَّهم يُحَدِّثون أحيانًا بالشَّيء يكونُ حقًّا؟ فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: تِلْكَ الكلمةُ مِنَ الحقِّ يَخطَفُها الجِنِّيُّ فيَقَرُّها في أُذُنِ وَلِيِّه قَرَّ الدَّجاجةِ، فيَخْلِطونَ فيها أكثرَ مِنْ مائةِ كَذْبَة)) رواه البخاريّ (6213)، ومسلم (2228).
وبهذا المنطلَق تَداوى مسلمون بالحرام، أليسَ قد جرَّب أناسٌ مِنْهم التّداويَ بالخمْرِ فظهَرَ لهم الشِّفاءُ بادِيَ الرَّأي؟! مع أنَّه قد جاء في ((صحيح مسلم)) (1984) أنَّ طارِقَ بنَ سويدٍ الجُعفيَّ: ((سألَ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلَّم عنِ الخمْرِ؛ فنهاه -أَوْ كَرِهَ- أنْ يصنعَها؛ فقال: إنّما أصنعُها للدَّواء؛ فقال: ((إنّه ليس بدواء، ولكنَّه داء)).
كما جرَّب كثير مِن النَّاس التَّعامُلَ بالرِّبا فوجَدوه نافعا لهم في ثراء أموالهم، فهل تكون هذه النَّتيجة دليلا شرعيّا لإباحة الرّبا؟! مع أنّ اللهَ نهانا أنْ ننخدع بالنّتيجة المادّيّة الّتي تحصل مِن المال الخبيث فقال: قل لا يَستوي الخبيثُ والطّيِّب ولو أعجبَك كثرةُ الخبيث فاتّقوا الله يا أولي الألباب لعلّكم تفلحون [المائدة: 100].
وجَرَّب الكفَّارُ الكفرَ فوجدوا أنفسَهم مُتحضِّرين أغنياءَ أقوياء، فهل ينبغي للنّاس أنْ ينسلخوا مِن دينِهم ويندفعوا نحوَ الكُفرِ كي يُحقِّقوا هذه النّتائج الثّلاثةَ: أنْ يَتحضَّرُوا ويَستغنُوا ويتقوَّوْا؟! وقد قال الله عزّ وجلّ: لايغُرَّنَّك تَقلُّبُ الَّذين كفروا في البلاد (196) متاعٌ قليلٌ ثمَّ مأواهم جهنَّم وبئس المهاد [آل عمران: 196-197].

ونقول أخيرًا: إنَّ النتائجَ المستحسنة المؤسَّسةَ على مخالفة الشّريعة ندامةٌ وليستْ كرامةً؛ لأنَّها استدراجٌ مِن الله لعبادِه المنحَرفين عن الحقِّ بعدَ أنْ عرَّفَهم إيَّاه حتَّى إذا أخذَهم سبحانَه كادَهم بكيْدِه المتين، كما قال ربُّنا عزَّ وجلَّ: فذَرْني ومَنْ يُكذِّبُ بهذا الحديثِ سَنسْتدرِجُهم مِنْ حيثُ لايَعلمون (44) وأُمْلِي لهم إنَّ كَيْدي متينٌ [القلم: 44-45]، وعنْ عقبةَ بن عامرٍ عنْ رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم قال: ((إذا رأيتَ اللهَ يُعْطي العبدَ ما يُحِبُّ وهو مُقيمٌ على معاصِيه فإنَّما ذلك له مِنْه استدراجٌ، ثمَّ نَزَع هذه الآيةَ: فلمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِه فَتَحْنا عليهم أبوابَ كلِّ شيءٍ حتَّى إذا فَرِحُوا بما أُوتُوا أخَذْناهم بَغتةً فإذا هُم مُبلِسُون (44) فَقُطِعَ دابِرُ القَوْمِ الَّذينَ ظلمُوا والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ [الأنعام: 44-45])) أخرجَه أحمد (4/145)، والطَّبرانيُّ في ((الكبير)) (17/330)، وصحَّحَه الألبانيُّ في ((السِّلسلة الصَّحيحة)) (413).

لذَا؛ فلن يتعلَّقَ بالنَّتائج ولو خالفَتِ الهديَ النَّبويَّ إلاَّ مَنْ ضَعُفَ إيمانُه في نُصوصِ الوحي، وقلَّ يَقينُه فيها مِنَ المتَذَبْذِبين المتَرَدِّدِين المُرْتابين، وأمَّا أهلُ اليقين فإنَّ قلوبَهم معلَّقةٌ بالكتابِ والسُّنَّة ولوْ خالفَتْها المصالِحُ الظَّاهرةُ للخَلْق، ففي ((صحيح مسلم)) (1548) عنْ بعض الصَّحابة أنَّه قالَ: ((نهانا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عنْ أمْرٍ كانَ لنا نافِعًا، وطواعِيَةُ اللهِ ورسولِه أنفعُ لنا))، وفي ((صحيح البخاريِّ)) (5684) ومسلم (2217) عنْ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضيَ الله عنْه قالَ: ((جاءَ رجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالَ: إنَّ أخِي اسْتَطْلَقَ بَطنُه، فقالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: اسْقِهِ عَسَلاً، فسَقاهُ، ثمَّ جاءَهُ فقال: إنِّي سَقَيْتُه عسلاً فلَمْ يَزِدْهُ إلاَّ اسْتِطلاقًا! فقال له ثلاثَ مرَّاتٍ، ثمَّ جاءَ الرَّابِعةَ فقالَ: اسْقِه عَسلاً، فقالَ: لقدْ سَقَيْتُه فلَمْ يَزِدْهُ إلاَّ اسْتِطلاقًا! فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: صدقَ اللهُ، وكَذَبَ بَطْنُ أخيكَ! فسقاهُ فبَرَأَ)).
وقَدْ كنتُ بدأتُ في تأليفِ هذا الكِتابِ قبلَ أنْ يُصيبَ المسلِمينَ ما أصابَهُم مِنْ جرَّاءِ المظاهَراتِ والتَّوسُّلِ بها لإسقاطِ حُكَّامِهم، معَ أنَّهم لا يَدْرون شيئا عمَّنْ سَيَخْلُفهم: أيَخْلُفُهم بِتَحكيمِ شَريعَة الرَّحمنِ، أمْ يَخلُفهم بتحكيمِ قوانينِ الشَّيطان؟! ثمَّ شاءَ اللهُ أنْ يتأخَّر طَبْعُه إلى أنْ بلَغوا هذا الوضعَ مِنْ تقديسِ المظاهَراتِ والاستغاثَةِ بِشَرِّ البَرِيَّات، فأقولُ الآن:

إنَّ ممَّا نخشاه أنْ تَتْرُك الشُّعوبُ التَّأسِّيَ برَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما سبقَ وتتأسَّى بالشُّعوبِ الثَّائرة كثورانِ الشُّيوعيِّين والدِّيمقراطِيِّين، ويَحْمِيهم الكفَّارُ في مظاهَراتِهم ليَحرِموا البلادَ المسلمَةَ الاستِقرارَ وتدخُل الفَوضَى كلَّ بلَدٍ مُسلِمٍ، فيَكسبُ الكفَّارُ المُخَطِّطونَ لهذِه الفِتَن مرَّتَيْن: مرَّةً بتَحويلِ بلادِ المسلمين إلى ميادين تجارُبٍ (خُبْزِيَّة) نِهايَتُها صِراعاتٌ دمويَّةٌ تتَوسَّطُها تمزُّقاتٌ سياسيَّةٌ، كلَّما جاعَ فردٌ دبَّرَ له مِنْ أمثالِه مَنْ يَخرجُ على الدَّولةِ، وكلَّما خافوا أنْ يُمنَعوا استَغاثُوا بالكفَّارِ، ونادَوْا أربابَ الفِتَن ليَزيدُوهم حَطبًا على نار، فيَكسبُ الكفَّارُ حينئذٍ الثَّانيةَ الَّتي هيَ تعلُّقُ المسلِمينَ بهم، ولعلَّها تَتْبَعها ثالثةٌ وهيَ: أنَّه إذا أرادَ الكفَّارُ أنْ يُنصِّبوا أحدَ جُندِهم على المسلمين لم يَتعَبُوا، بلْ يَكفي لضَمانِ نجاحِ فِتنَتِهم أنْ يَدسُّوا للحَرَكِيِّين أوِ الدَّمَوِيِّين أوِ الغَوْغائيِّين عُمومًا مَنْ يَستفِزُّهم بسؤالٍ عنْ حُكمِ المظاهرات ليُسارِعوا إلى التَّأييدِ وهُم يَحسَبون أنَّهم يُحسِنون صُنعًا، مع أنَّهم جَوَّالون في الفِتَن، والأيدِي الخفيَّةُ الَّتي تُحَرِّكُهم تَزيدُهم مِحنًا على مِحَنٍ، دائِبَةٌ على تَفريقِ رِجالِها وإهلاكِ عِيالِها وشُرْبِ دِماءِ أجيالِها، تُحَرِّشُ بينَ الحاكِم والمحكومِ لتَضمَنَ عندَهم حياةً للفوضى السِّياسيَّةِ والاجتماعيَّةِ والاقتصاديَّةِ تَشغَلُهم بها، بَينما هي تتفرَّغُ لشُؤونِها الاستعماريَّة بلا رقيبٍ ولا مُشاكِس، وتَمضِي نحوَ التَّقدُّم بلا منافسٍ ولا معاكِسٍ، يُبدُونَ الغَيْرةَ على الشُّعوبِ وهم يُغِيرُونَ علَيها، ويَبكون عليها في المؤتَمراتِ وهُم يَأتمِرُون عليها!


على كُلٍّ، تِلْكَ هيَ سُنَّةُ المظاهرات! تُهَيِّجُ الفُسَّاقَ، وتُحَرِّكُ المُرَّاق، يَمرُقون عنِ الطَّاعة، ويَخرُجون عنِ الجماعة، وكيفما كان السُّلطانُ في ضَعفِه فإنَّهم بمظاهراتهم يُقِرُّون عينَ الكُفر، ويَذهَلون عنِ الشُّكر؛ لأنَّهم كانوا في أمْنٍ وأمانٍ، فزادوا جِراحاتِ الأمَّة بإثخان، وقد كانَتِ الفِتَنُ فيهم تَخْطُو، فصارتْ تَمْطُو، فكانوا كمَنْ يُعالِجُ الجُروحَ بالقُروح، ويَغسِلُ الرَّجيعَ بالنَّجيع.


إنَّ العلماءَ قد تكلَّموا على هذه الوسيلةِ الَّتي استَحدثَها النِّظامُ الدِّيمقراطيُّ المخالِفُ للإسلام وبيَّنوا فَسادَها، ومِنْ هؤلاءِ شيخُ الإسلام في وقتِه الشَّيخ عبد العزيز بنُ باز -رحمه الله-، فقد سُئِل في شعبان (1412هـ) بمدينة جدَّة مِنْ شريط سمعيٍّ وهو ضمن مجموع فتاوى لكثيرٍ مِنَ المشايخ معَه بعنوان: ((فتاوى العُلَماء في الاغتيالات والتَّفجيرات والعمليَّات الانتحاريَّة والاعتصامات والقنوت))، تَسجيل مِنهاج السُّنَّة بالرِّياض، وتسجيل دار ابنِ رجب بالمدينة، فكان السُّؤال الآتي:


هل المظاهراتُ الرِّجاليَّة والنِّسائيَّة ضدَّ الحكَّام والولاة تُعتَبر وسيلةً مِنْ وسائل الدَّعوة؟

وهلْ مَنْ يموتُ فيها يُعتَبَر شهيدًا أو في سبيل الله؟
فأجابَ -رحمه الله-: ((لا أرى المظاهرات النِّسائيَّةَ والرِّجاليَّةَ مِنَ العلاج، ولكن أنا أرى أنَّها مِنْ أسباب الفِتَن ومِنْ أسباب الشُّرور، ومِنْ أسباب ظُلْمِ بعض النَّاس، والتَّعدِّي على بعض النَّاس بغير حقٍّ، ولكن الأسباب الشَّرعيَّة: المكاتبةُ والنَّصيحة والدَّعوةُ إلى الخير بالطُّرُق الشَّرعيَّة، شَرَحَها أهلُ العلم، وشَرَحَها أصحابُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأتباعُه بإحسانٍ: بالمُكاتَبة والمشافهةِ مع... [كلمة غير مفهومَة]، ومع الأمير ومع السُّلطان، والاتِّصال به، ومُناصَحته والمكاتبة له، دونَ التَّشهير على المنابر بأنَّه فعل كذا، وصارَ مِنْه كذا، والله المستعان)).

ومِنَ الفقهاء المبرِّزينَ في هذا العصر صاحبُ الفضيلَة العلاَّمة محمَّد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله-، سُئِل في المحَرَّم (1416هـ) عن المظاهرات والاعتصامات، فبيَّنَ في الأوَّل عدَم مَشروعيَّتها مِنْ جهة أنَّها خُروجٌ على وليِّ الأمْر وأنَّ مَنْ مات علَيها ماتَ ميتةً جاهليَّة؛ لأنَّه ماتَ ناقضًا لبيعةِ إمامِه، والرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم قد قال: ((مَنْ رأى مِنْ أميرِه شيئا يَكرَهُه فلْيَصبِر عليه؛ فإنَّه مَنْ فارَق الجماعةَ شِبْرًا فماتَ إلاَّ ماتَ ميتةً جاهليَّة)) رواه البخاريّ (7054)، ومسلم (1849)، وذَكَر أنَّ المأمون امتَحنَ العُلماءَ وعذَّبَهم لِيَقولوا كَلمةَ الكُفر وهي: (أنَّ القُرآن مخلوق)، ومِنهم الإمام أحمد -رحمه الله-، فلَمْ يَلجأ أحَدٌ مِنْهم إلى التَّأليب عليه ولا إلى المظاهرات ولا اعتصَمُوا بالمساجِد، بل كانوا يَنْهَون عنِ الخُروج علَيْه، ثمَّ ختمَ فَتواه بقولِه: ((لا نُؤيِّد المظاهراتِ أو الاعتصاماتِ أو ما أشبهَ ذلك، لا نُؤيِّدها إطلاقًا، ويُمكِنُ الإصلاح بدونِها، لكن لا بدَّ أنَّ هناكَ أصابعَ خفيَّةً أو خارجيَّة تُحاوِلُ بثَّ مثل هذه الأمورِ)). [جريدة ((المسلمون)) عدد (540) ص (10) - الجمعة (11 المحرَّم 1416هـ).]

وتأمَّلْ قولَه: ((لكن لابدَّ أنَّ هناكَ أصابعَ خفيَّةً أو خارجيَّة...)) فإنَّنا قدْ عَلِمناه في هذه السَّنَة سنة (1432هـ) حيثُ أصبحَت المظاهراتُ سُنَّةَ كُلِّ بلدٍ مُسلمٍ مع الأسَف الشَّديد، والأيدِي الخفيَّةُ قد أصبحَت جليَّة، لا تَسمعُ ببلدٍ مسلمٍ قامت فيه هذه الفَوضَى إلاَّ سارَعوا لدَعمِها وحمايَتِها، وهذا مِنْ فراسَة أهل العِلْم الأثرِيِّين، وأمَّا الحَرَكيُّون المُغفَّلون فهُم في سُباتِهم العميق، تُحَرِّكُهم الأيدي الخفيَّة وتَرمِي بهم في مكانٍ سحيقٍ، تُحَرِّكهم كما تشاءُ وهُم يُطبِّلون لفِتنَتهم، وما حَدَاهم لذلِكَ إلاَّ حِرصُهم على المُلْك وعِشْقُهم الرِّئاسةَ، وقد قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّكم سَتحرصُون على الإمارةِ، وسَتكونُ ندامةً يومَ القيامةِ، فنِعمَ المُرْضِعةُ وبِئسَتِ الفاطِمَةُ)) رواه البخاريّ (7148).
هذا، وقد اطَّلَعتُ على بحثٍ لأخينا قامِع أهلِ البِدَع فضيلةِ الشَّيخ عبدِ العزيز بن رَيِّس الرَّيِّس -حفظه الله- بعُنوان: ((كشف شُبهات مُجَوِّزِي المُظاهرات))، وقد وُفِّقَ فيه أيَّما تَوفيقٍ جزاهُ الله خيرًا، فأحببتُ أنْ أشرِكَ القارئَ في غُنْمِه، لخَّصتُ منه قولَه الآتي:

((فإنَّ فقدَ عُلماءِ السُّنَّة رَزِيَّةٌ، وتترتَّبُ علَيه مفاسِدُ جَلِيَّة، ومِنْ أعظمِها تَجاسُرُ أهلِ البدع في الدَّعوةِ إلى بِدَعِهم وضلالِهم، قال الآجُرِّيّ في كتابِه ((أخلاق العُلَماء)): ((فَهُمْ سِراجُ العِبادِ، ومَنارُ البلادِ، وقِوامُ الأمَّة، ويَنابيعُ الحِكمَة، همْ غَيْظُ الشَّيطانِ، بهم تحيَا قُلوبُ أهلِ الحقِّ، وتموتُ قلوبُ أهل الزَّيغ، مَثلُهم في الأرض كمثل النُّجومِ في السَّماء، يُهتَدى بها في ظُلُمات البرِّ والبَحر، إذا انطَمَستِ النُّجومُ تَحيَّروا، وإذا أسفَرَ عنها الظَّلامُ أبصَروا)).


ومِنَ الأمثِلة على ذلك: ما ذَكَرَه الذَّهبيُّ في ((سير أعلام النُّبلاء)) عن يحيَى بن أكثَم قال: ((قال لنا المأمون: لولا مكانُ يَزيدَ بن هارون، لأظهرتُ القرآنَ مخلوقٌ، فقِيل: ومَن يَزيدُ حتَّى يُتَّقى؟ فقال: وَيْحكَ؛ إنِّي لأرتضِيه لا أنَّ له سَلطنةً، ولكن أخافُ إنْ أظهرْتُه، فيردَّ عليَّ، فيَختلِف النَّاسُ، وتَكون فتنة)).

وفي هذا ما يدُلُّ على أنَّ حياةَ أئمَّةِ السُّنَّة حِمايَةٌ للشَّريعة ولعُموم البريَّة مِن البدَع والضَّلالاتِ الرَّديَّة، وهذه القصَّةُ -وإنْ كانتْ في ردِّ بِدعة مِن الحاكِم- فهيَ كذلك في عُموم أهل الضَّلالة، سَواء كانوا حكَّامًا أوْ محكومينَ، وبَعض مَنْ رُبِّيَ على الثَّورة والتَّحزُّبات البدعيَّة قَصُرَ فهمُه على أنَّ الشَّجاعةَ في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكَر وقولِ كلِمَة الحقِّ أمامَ الحكَّام فقطْ دونَ غيْرِهم.

والواقِعُ أنَّ الأمرَ أعمُّ وأشمَل، بل إنَّ الشَّجاعةَ حقًّا في مُصابَرَة النَّفسِ على مُخالفَةِ الجماهير لنَصْرِ سُنَّة وقَمْعِ بدعةٍ، وما أكثَرَ الَّذينَ وجَدوا في مواجَهَةِ الحكَّامِ سُوقًا رائجًا في جَمْهَرةِ النَّاس حَولَهُم، وبَعضُهم اتَّخذَه سبيلاً لتَحقيقِ مَأربِه، فإذا تَجمهرَ النَّاسُ حولَه ساوَمَ الحكَّامَ تَصريحًا أوْ تَعريضًا على مصالِحَ مادِّيَّة ونحوِ ذلكَ.


وإنَّنا لمَّا فقدنا في هذا العصر أئمَّتَه الثَّلاثةَ الإمامَ عبدَ العزيز بن باز، والإمام محمَّد ناصر الدِّين الألبانيّ، والإمامَ محمّد بن صالح العثيمين رحمهم الله رحمة واسعة، أظهرَ كثيرٌ مِن أهل البدع والضَّلالة وغيرهم أقوالَهم الضَّالَّةَ بعدَ أن كانوا لها مُستَتِرين خوفا مِن شُهُب هؤلاء الأئمَّة الثَّلاثة.

وعلى إثرِ موتِ هؤلاءِ الأئمَّة الثَّلاثةِ وتَوالي الفِتَن، تقوَّى الحزبيُّون والمتأثِّرون بهم في إظهارِ القول بشرعيَّة المظاهرات، فلمَّا رَغِبوها واستحسنتها نفوسُهم أرادوا أَسْلمَتَها، فأخذوا يتكلَّفون للتَّدليل عليها بما فيه شبهةٌ للدَّلالة علَيها، وما لا شبهةَ فيه، فاعتقَدوا أوَّلاً، ثمَّ استماتوا للاستدلال عليها ثانيا، كما هي عادتُهم في كثير من الوسائل المُحدَثة، كالأناشيد المسمَّاة إسلاميَّة! والتَّمثيلِ المسمَّى إسلاميًّا! وهكذا...
وإليك الأدلَّةَ على حُرْمة المظاهرات:

إنَّ المظاهراتِ قسمان:

القسمُ الأوَّل: المظاهراتُ الَّتي يُرادُ منها أمورٌ شرعيَّةٌ دينيَّةٌ.
القسم الثَّاني: المظاهراتُ الَّتي يُرادُ مِنْها أمورٌ دُنيَويَّة، وهذِه نوعان:
النَّوع الأوَّل: المظاهراتُ لإسقاط حاكمٍ لدافعٍ دُنيَويٍّ لا دينيٍّ.
النَّوع الثَّاني: المظاهراتُ لتَحصيلِ ما سوى ذلكَ مِنْ أمور الدُّنيا.
أمَّ القسمُ الأوَّل: المظاهراتُ الَّتي يُرادُ مِن ورائها تَحقيق أمورٍ شرعيَّةٍ دينيَّةٍ، فهذه بدعةٌ في الدِّين؛ لأنَّها مُحدَثة، والقاعدة الشَّرعيَّة النَّبويَّة: أنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، كما أخرجَ ذلك مسلمٌ في ((صحيحِه)) عن جابرٍ مِن كلام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
فإنْ قيل: إنَّ هذه مِن الوسائل، والأصلُ في اتِّخاذِ الوسائل الجوازُ ما دامتْ مباحةً.
فيُقال: هذا حقٌّ، لكنْ في غير الوسائل المؤدِّيَة إلى العبادات، فإنَّ للوسائل أحوالاً ثلاثةً:
الحالةُ الأولى: الوسائلُ الملغاةُ، وهيَ الوسائلُ الَّتي جاءَ النَّهيُ عنها بدَليل خاصٍّ، ولا إشكالَ في بدعيَّةِ اتِّخاذِ هذه الوسائل، كاتِّخاذِ التَّمثيلِ وسيلةً مِنْ وسائلِ الدَّعوةِ؛ لأنَّه مُحَرَّمٌ؛ لكونِه مُتضمِّنًا الكذبَ.
الحالةُ الثَّانية: الوسائلُ المعتبَرَة، وهيَ الَّتي نصَّ الشَّرعُ على جَوازِها بنصٍّ خاصٍّ، مثلَ: جَعل الأذانِ وسيلةً للإعلامِ بدُخولِ وقت الصَّلاة، ولا إشكالَ في شرعيَّة هذه الوسائلِ.
الحالةُ الثَّالثة: الوسائل الَّتي لم يأتِ نصٌّ خاصٌّ بجوازِها ولا حُرْمتها، وهذه تتردَّدُ بينَ المصالحِ المرسَلةِ والبِدَع المحدَثة، والضَّابط في التَّفريقِ بينَ هذَين النَّوعَيْن دقيقٌ، حرَّرَه تحريرًا بديعًا شيخُ الإسلام ابن تَيمية، وكان يُردِّدُه كثيرًا العلاَّمةُ الألبانيُّ -رحمه الله-، وخلاصةُ ذلكَ أمرانِ:
الأوَّل: أن ينظُرَ في هذا الأمر المرادِ إحداثُه لكَونِه مصلحةً، هل المُقتَضِي لِفعلِه كانَ موجودًا في عهدِ الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم والصَّحابةِ والمانعُ مُنتفيًا؟
أ- فإنْ كانَ كذلكَ فَفِعلُ هذه المصلحةِ المزعومةِ بدعةٌ؛ إذ لو كانت خيرًا لسَبَق القومُ إليه فإنَّهم بالله أعلمُ وله أخشى، وكلُّ خيرٍ في اتِّباعِهم فِعلاً وتركًا.
ب- أمَّا لو كانَ المُقتَضي -أي السَّببُ المُحوِجُ- غيرَ موجودٍ في عهدِهم، أو كانَ مَوجودًا لكنْ هناك مانعٌ يَمنعُ مِن اتِّخاذِ هذه المصلحةِ، فإنَّه لا يكونُ مَصلحةً مُرسَلةً، وذلكَمِثلَ جَمعِ القرآنِ في عهدِ رَسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فإنَّ المُقتَضِيَ لِفِعلِه غيرُ موجودٍ؛ إذ هو بينَ أظهُرِهم لا يُخشَى ذهابُه ونِسيانُه، أمَّا بعدَ موتِه فخُشِيَ ذلكَ، لأجلِ هذا جَمَعَ الصَّحابةُ الكرامُ القرآنَ، ومِنَ الأمثلةِ أيضًا: الأذانُ في مُكَبِّراتِ الصَّوتِ وتَسجيلُ المُحاضراتِ في الأشرطةِ السَّمعيَّة وصلاةُ القِيامِ في رمضانَ جماعةً، فكلُّ هذه الأمورِ كانَ يوجَدُ مانعٌ في عَهدِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ فِعلِها، أمَّا الأمرانِ الأوَّلان: فعدمُ إمكانِه لعدَم وُجودِها في زمانِه، أمَّا الأمرُ الثَّالثُ: فإنَّه ترَكَ الفعلَ خشيةَ فَرضِه، وبعدَ موتِه لم يَكُنْ لِيُفرضَ شيءٌ لمْ يَكنْ مَفروضًا مِنْ قبلُ.
الثَّاني: إنْ كانَ المُقتَضِي غيرَ موجودٍ في عهدِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فيُنظَرُ فيه هل الدَّاعي له عندَنا بعضُ ذُنوبِ العبادِ؟ فمِثلُ هذا لا تُحدَثُ له ما قد يُسَمِّيه صاحِبُه مَصلحةً مُرسَلة، بل يُؤمرون بالرُّجوع إلى دين الله والتَّمسُّك به؛ إذ هذا المطلوبُ مِنهم فِعلُه، والمطلوبُ مِن غيرِهم دعوتُهم إليه، ويُمثَّلُ لهذا بتقديم الخُطبةِ على الصَّلاةِ في العيدَيْن لأجل حَبس النَّاس لسماع الذِّكْر، فمِثل هذا مِن البدَع المحدَثة لا مِن المصالح المرسَلة، وإليك كلامَ الإمام المحقِّق ابن تيميَّة في بيان هذا الضَّابط، قال ابنُ تيميَّة في ((اقتضاء الصِّراط المُستقيم)) (2/598): ((والضَّابطُ في هذا -والله أعلم- أنْ يُقالَ: إنَّ النَّاسَ لا يُحدِثونَ شيئًا إلاَّ لأنَّهم يَروْنَه مَصلحةً؛ إذ لو اعتقدوه مَفسدةً لم يُحدِثوه، فإنَّه لا يَدعو إليه عقلٌ ولا دِينٌ، فما رآه النَّاسُ مَصلحةً نُظِر في السَّبب المُحوِج إليه، فإن كانَ السَّبب المُحوِج أمرًا حدَثَ بعدَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن غيرِ تفريطٍ منَّا، فهُنا قد يَجوزُ إحداثُ ما تَدعو الحاجةُ إليه، وكذلكَ إنْ كانَ المُقتضِي لِفِعلِه قائمًا على عهدِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، لكن تَركَه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لمُعارضٍ زالَ بموتِه.
وأمَّا ما لم يَحدُث سببٌ يُحوجُ إليه، أو كانَ السَّببُ المُحوِجُ إليه بَعض ذنوبِ العباد، فهنا لا يجوز الإحداثُ، فكلُّ أمرٍ يكونُ المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مَوجودًا لو كانَ مَصلحةً، ولم يُفعَلْ يُعلَمُ أنَّه ليس بمصلحةٍ، وأمَّا ما حدثَ المُقتَضي له بعد موته مِن غير معصيةِ الخلق، فقد يكونُ مصلحةً))، ثمَّ قال: ((فأمَّا ما كانَ المُقتَضِي لفعلِه موجودًا لو كانَ مَصلحةً، وهو مع هذا لم يَشرعْهُ، فوَضعُه تَغييرٌ لدينِ الله، وإنَّما دَخل فيه مَن نُسِب إلى تغيير الدِّين مِن الملوكِ والعُلماء والعُبَّاد، أو مَن زلَّ مِنهم باجتهادٍ، كما رُوي عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وغيرِ واحدٍ مِنَ الصَّحابة: ((إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم: زلَّةُ عالِمٍ، وجِدالُ منافِقٍ بالقُرآن، وأئمَّةٌ مُضِلُّون)).
فمِثالُ هذا القِسم: الأذانُ في العيدَيْن، فإنَّ هذا لمَّا أحدَثَه بعضُ الأمراء أنْكَرَه المسلمون؛ لأنَّه بدعة، فلو لم يَكن كونُه بِدعةً كان دليلاً على كراهيتِه، وإلاَّ لقيل: هذا ذِكرٌ لله ودُعاءٌ للخلقِ إلى عبادة الله، فيَدخُل في العمومات كقولِه: اذكُروا اللهَ ذِكرًا كثيرًا(41) [سورة الأعراف] وقولِه تعالى: ومَنْ أحسَنُ قولاً مِمَّن دعا إلى اللهِ وعَمِلَ صالِحًا [فُصِّلَت: 33]... الخ اهـ.
وبعدَ هذا التَّحقيقِ البديعِ مِن شيخ الإسلام ابن تيميَّة، فإنَّ فِعالَ الصَّحابة والسَّلف دالَّة على دُخولِ البدَع في الوسائِل، كما تَدخلُ في الغاياتِ، ومَنْ نازَع في ذلكَ نازَعَ سلفَ الأمَّة وهُم خَصمُه، ومِنَ الأمثلة الدَّالَّة على ذلك:
ما روى البخاريُّ في قصَّة جَمْع المصحفِ وأنَّ عمرَ بن الخطَّاب أشارَ على أبي بكرٍ بالجمعِ، فقال له أبو بكرٍ: كيفَ تَفعلُ شيئًا لمْ يَفعلْهُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وبِمثلِ هذا أجابَ زيدُ بنُ ثابتٍ أبا بكرٍ الصِّدِّيق لمَّا عرض عليه جمعَ المصحف.
ففي هذا دلالة واضحة على أنَّ البدعَ تدخُل في الوسائل كما تدخل في العبادة ذاتِها؛ وذلك أنَّ جمعَ المصحف مِن الوسائل، ومع ذلك احتجُّوا بعدَم فعلِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فإنْ قيلَ: لماذا إذَن جمعوا المصحفَ مع أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يَفعلْه؟ فيُقال: لأنَّ مُقتَضى -أي: سَبب- الجمع وُجِد في زمان أبي بكر رضي الله عنه، ولم يَكن موجودًا في زمان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ إذ هو حيٌّ بينَ أظهُرِهم فَبِوُجُودِه لا يُخشى ذهابُ القرآن.

ومِن الأدلَّة أيضًا: ما ثبتَ عند الدَّارميِّ وابنِ وضَّاح أنَّ ابنَ مسعودٍ أنكرَ على الَّذين كانوا يَعدُّون تَكبيرَهم وتَسبيحَهم وتهليلَهم بالحصى، واحتجَّ علَيهم بأنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابَه لم يَفعلوا، مع أنَّ عدَّ التَّسبيح راجعٌ للوسائل.

وبعدَ أنْ تبيَّن أنَّ المظاهراتِ الَّتي تُفعَل لأمورٍ شرعيَّةٍ دينيَّةٍ بدعةٌ مُحدَثةٌ لم يَفعلْها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولا صحابتُه مع إمكانِ فِعلها، فلا يصحُّ لأحدٍ بعدَ هذا أنْ يَعترِضَ بأنَّ الأصلَ فيها الإباحةُ فلا تُمنَعُ إلاَّ بدليلٍ؛ لأنَّها عبادةٌ، والأصلُ في العبادات الحُرمَة، وهذا مثل مَنْ لم يَقنَع بالمنع من الاحتفالِ بمولِد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بحجَّة أنَّه لا دليلَ يدلُّ على المَنع.
فيُقال: إنَّ الدَّليل على منعِها كَونُها عبادةً، ولا دليلَ على شرعيَّتِها، فتكونُ بدعةً؛ لأنَّ الأصلَ في العباداتِ الحظرُ والمنعُ، وانظُر بحثًا مُفيدًا لأخينا الشَّيخ حمَد العَتِيق بعُنوان: ((المظاهراتُ بين الاتِّباع والابتداع)) .
أمَّا القسمُ الثَّاني: المظاهراتُ الَّتي يُرادُ مِنْها تَحقيقُ أمورٍ دُنيَويَّةٍ، وهذه نوعان كما تقدَّم:
أمَّا النَّوعُ الأوَّل: وهي المظاهراتُ لإسقاط حاكمٍ لدافعٍ دُنيَويٍّ لا دينيٍّ، فهذه محرَّمةٌ بدلالةِ كلِّ نصٍّ على وُجوبِ السَّمع والطَّاعة للحاكم ولو كان فاسقًا غيرَ عدلٍ، فمع تكاثر الأدلَّة في حرمة هذا الفعل -وهذا كافٍ- فكذلك السَّلف أجمعوا على حرمة هذا الفعل وتَضليل مَن خالفَ فيه، ودونَكم ما شئتم مِنْ كُتُب الاعتقاد السَّلفيِّ، ومَن حاولَ المنازعةَ في هذا فقولُه مَردود، وهو ضالٌّ قد خالفَ ما عليه دلائل السُّنَّة وآثارُ السَّلف، وبمثلِه ضلَّل السَّلف أقوامًا.
وتزدادُ حرمةُ هذا النَّوع إذا فُعِل لأجلِ الدِّين أيضًا، فإنَّه بالإضافة إلى كونِه محرَّمًا يكونُ بدعةً، ثمَّ كلُّ ما سيأتي مِنَ الأدلَّة في النَّوع الثَّاني يَصلُح دليلاً على حُرمَة هذا القِسم، وللشَّيخ عبد السَّلام بن بَرْجَس آل عبد الكريم -رحمه الله- كتابٌ نفيسٌ فيما يتعلَّق بهذا النَّوع، قد أثنى عليه شيخُنا العلاَّمة ابنُ عثيمين في شرحِه على ((السِّياسة الشَّرعيَّة)) لابنِ تيميَّةَ، واسمُ الكتاب: ((مُعاملةُ الحُكَّام في ضوء الكتابِ والسُّنَّة)).

أمَّا النَّوع الثَّاني: المظاهراتُ لتَحصيلِ ما سوى ذلك مِنْ أمور الدُّنيا، فهيَ محرَّمةٌ لأوجُه كثيرة، مِنْها:

الوجْهُ الأوَّل: أنَّ المظاهراتِ -ولو كانتْ سِلميَّةً- خلافُ ما أمرَ به رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مِنَ الصَّبْر على جَوْر الحكَّام الَّذينَ اغتصبوا الحقوقَ، كما أخرج الشَّيخان عن ابن مسعودٍ أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ستكونُ أثَرَةٌ [قال الشَّيخ الرَّيِّس: أي حكَّامٌ يُؤثِرون أنفُسَهم علَيكم في أخذِ حُطامِ الدُّنيا.] وأمورٌ تُنكِرونَها [قال الشَّيخ: أي حكَّام عندَهم معاصٍ شرعيَّة.]، قالوا: يا رسولَ الله! فما تأمُرُنا؟ قالَ: تُؤدُّونَ الحقَّ الَّذي عليكم، وتسألونَ الله الَّذي لكم))، وفي ((الصَّحيحَيْن)) عن أُسَيْد بن حُضَيْر قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ستلْقَون بعدِي أثرةً، فاصْبِروا حتَّى تلْقَوني على الحَوْض))، فنحنُ مأمورونَ بالصَّبر، لا بالمظاهرات للضَّغطِ على الحُكَّام، وقد أمَرَ أئمَّةُ السُّنَّة بالصَّبْر وقالوا: ((حتَّى يَستريحَ بَرٌّ، أوْ يُستَراحَ مِنْ فاجِرٍ)).
الوجه الثَّاني: أنَّ فيها فتحَ بابِ شرٍّ بتحكيم الشُّعوب، فكلَّما أرادَ الشَّعبُ أمورًا تظاهَروا للمطالبةِ به، فإذا أرادَ أهلُ الشَّهواتِ أمرًا مِنْ أمورِ الشَّهواتِ المحرَّمة تظاهروا للمطالبةِ به، فاستُجيبَ لهم، وإذا أرادَ العلمانيُّونَ واللِّيبراليُّونَ أمرًا تظاهَروا للمطالبة به، فاستُجيبَ لهم، وهكذا... ومِنَ المعلوم أنَّ أهلَ الاستقامة والدِّيانةِ أقلُّ مِنْ غَيْرِهم بكثيرٍ في المجتمعات الإسلاميَّة؛ قالَ تعالى: فمِنْهُم مهتَدٍ وكثيرٌ مِنْهم فاسقون(26) [سورة الحديد].
الوجه الثَّالث: أنَّ أكثَرَ المظاهرات -إنْ لم يَكُنْ كلُّها- متَضَمِّنةٌ على اختلاط الرِّجالِ بالنِّساء، الاختلاط المحرَّم، وما خالَفَ ذلكَ فهو قليل لا حُكْمَ له، والواقعُ المُشاهَد خيرُ بُرهانٍ.
الوجهُ الرَّابع: أنَّ جَوْرَ الحكَّام بسَبَبِ ذنوبِ المحكومين، والذُّنوبُ لا تُرْفَع إلاَّ بالتَّوبة والاستكانة إلى الله لا بالمظاهرات، قال شيخُ الإسلام في ((منهاج السُّنَّة النَّبويَّة)) (4/315): ((وكانَ الحَسَن البصريُّ يقول: ((إنَّ الحجَّاج عذابُ الله، فلا تدفعوا عذابَ الله بأيديكم، ولكن عليكم بالاستكانة والتَّضرُّع؛ فإنَّ الله تعالى يقول: ولقد أخذْناهم بالعذابِ فما استكانوا لربِّهم وما يَتَضَرَّعون(76) [سورة المؤمنون]))، وكانَ طَلْق بنُ حَبيب يقول: ((اتَّقوا الفتنةَ بالتَّقوى)) )).
هذه الأوجُه الأربعُ في المظاهراتِ الَّتي يقال سلميَّة!
أمَّا غيرُ السِّلميَّة فهيَ -زيادةً على ما تقدَّم- تحتوي على قتلٍ للنُّفوس وإهلاكٍ للأموالِ، وانتهاكٍ للأعراضِ، وغيرِ ذلكَ، وانظُر مقالاً لأخينا الشَّيخ عُمَر العُمَر بعنوان: ((عشرةُ أوجهٍ لبطلانِ المظاهرات)) .

وبعدَ هذا كُلِّه إليكَ شُبَه المجيزينَ للمظاهرات وكَشفَها، وأؤكِّدُ أنَّ واقِعَ حالِهم: اعتقدوا، ثمَّ سعَوْا لِيَستدِلُّوا، فتكلَّفوا وحرَّفوا نُصوصَ الشَّريعة.

الشُّبهة الأولى: ادَّعى مُجَوِّزو المظاهرات أنَّ فعلَ المتظاهرينَ قد دلَّت عليه السُّنَّة؛ فقد أخرجَ أبو نُعَيم في ((الحِلْيَة)) (1/40): ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم خرَجَ بعدَ إسلامِ عمرَ رضي الله عنه على رأس صفَّيْنِ مِنْ أصحابِه، وعلى الأوَّل مِنْهُما عُمَر رضي الله عنه، وعلى الثَّاني حَمزَة رضي الله عنه؛ رغبةً في إظهار قوَّة المسلِمينَ، فعلمتْ قُرَيْشٌ أنَّ لهم منَعةً.
وهذا لا دلالةَ علَيه مِن وجهَيْن: دِرايَةً، وروايةً:
الوجه الأوَّل رِوايَةً: فإنَّ إسناده ضعيف؛ لأنَّ فيه إسحاقَ بنَ فَرْوة، قال الإمام أحمد: لا تَحِلُّ عندي الرِّوايةُ عنه، وقال: ما هو بأهلٍ أنْ يُحمَل عنه، ولا يُروَى عنه، وقال الإمام ابنُ مَعِين عنه: كذَّاب ((تهذيب التَّهذيب)).
الوجه الثَّاني دِرايةً: أنَّه لا ولايةَ في مكَّة، وكان أعداؤهم حربيِّين، فلمَّا تقوَّوا استعملوا القوَّة في مقدار ما يستطيعون، فأين هذا مِنْ تجمُّع أناسٍ على حكَّامِهم لإظهار سخطِهم على فِعلٍ ما؟!
الشُّبهة الثَّانية: أنَّها -أي المظاهرات- وسيلةٌ قد جُرِّبَت فوُجِد نفعُها بأنْ حصلَ المطلوب.
وكَشفُ هذه الشُّبهة مِنْ وجهَيْن:

الوجه الأوَّل: أنَّها أيضًا جُرِّبَتْ في مواطِن كثيرة وكثيرةٍ جدًّا فلم تنفعْ، فهي وسيلةٌ مظنونة، وليس حدَثُ تظاهُرِ المسلمين في فرنسا ضدَّ قرار منع الحجابِ عنَّا ببعيدٍ، فلم يَنفع، والأمثلة كثيرة، وما كان كذلك فلا يُجَوَّز به المُحَرَّم، وقد تقدَّم ذكرُ الأدلَّة على منعِها وحُرْمَتها.

الوجه الثَّاني: أنَّه لو قُدِّر حصولُ النَّتيجة مِن هذه الوسيلة، فإنَّه لا يَدلُّ على حِلِّها ولا صِحَّتها بحالٍ، فإنَّ الغاية لا تُبَرِّر الوسيلةَ، وقد ذكرتُ دليل ذلك في مقال: ((أحداث تونس الحاليَّةُ بين الإفراط والتَّفريط)).

وأذَيِّلُ هذا المقال بنقل فتاوى جماعةٍ مِن عُلمائِنا في حُرمةِ المظاهراتِ ليُقارَن بينها وبينَ كلامِ الحَرَكيِّين والحماسيِّين العاطفيِّين في هذه المسألة الَّتي تذرَّعَ الحركيُّون الثَّوريُّون بها للتَّهييج على الولاةِ وإشاعةِ الفَوْضى مُستَغلِّين عاطفةَ عامَّةِ النَّاس:


قال الشَّيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: ((فالأسلوبُ الحسنُ مِنْ أعظمِ الوسائل لقَبولِ الحقِّ، والأسلوبُ السَّيِّء العنيفُ مِنْ أخطَر الوسائل في ردِّ الحقِّ وعَدَم قبولِه، أو إثارةِ القلاقل والظُّلم والعُدوان والمضاربات، ويُلحَق بهذا البابِ ما يَفْعلُه بعضُ النَّاس مِنَ المظاهرات الَّتي تُسَبِّب شرًّا عظيمًا على الدُّعاة، فالمسيرات في الشَّوارِع والْهُتافاتُ ليسَت هيَ الطَّريق للإصلاح والدَّعوة، فالطَّريقُ الصَّحيحُ بالزِّيارة والمكاتبات بالَّتي هي أحسنُ فتنصَحُ الرَّئيسَ والأميرَ وشيخَ القبيلةِ بهذه الطَّريقةِ، لا بالعُنْفِ والمظاهرَةِ، فالنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مكثَ في مكَّة ثلاثَ عشرةَ سنةً لم يَستعمل المظاهرات ولا المسيرات، ولم يُهَدِّدِ النَّاسَ بتخريبِ أموالِهم واغتيالِهم، ولا شكَّ أنَّ هذا الأسلوبَ يَضرُّ بالدَّعوةِ والدُّعاةِ، ويَمنَعُ انتشارَها، ويَحمِلُ الرُّؤساءَ والكبارَ على مُعاداتِها ومُضادَّتِها بكلِّ مُمْكِن، فهُم يُريدون الخيرَ بهذا الأسلوب، ولكن يَحصُل به ضدُّه، فكَونُ الدَّاعي إلى الله يَسلُك مسلكَ الرُّسل وأتباعِهم -ولو طالَت المدَّة- أولى به مِنْ عملٍ يضرُّ بالدَّعوة ويُضايِقُها أو يَقضِي عليها، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ بالله)) مِنْ مجلَّة ((البحوث الإسلاميَّة)) العدد38 ص210.


وقالَ الشَّيخ الألبانيّ -رحمه الله- في ((سلسلة الهدى والنُّور)) شريط رقم210: ((صحيحٌ أنَّ الوسائلَ إذا لم تَكُن مُخالِفةً للشَّريعة، فالأصلُ فيها الإباحة، هذا لا إشكال فيه، لكن الوسائل إذا كانت عبارةً عن تقليدٍ لمناهج غيرِ إسلاميَّة، فمِنْ هنا تُصبِحُ هذه الوسائل غيرَ شرعيَّة، فالخُروجُ للتَّظاهُرات أو المظاهرات وإعلانُ عدمِ الرِّضا أو الرِّضا وإعلانُ التَّأييدِ أو الرَّفضِ لبعضِ القرارات أو بعضِ القوانين، هذا نظامٌ يَلتَقي مع الحُكْم الَّذي يقول: الحُكْم للشَّعب، مِنَ الشَّعبِ وإلى الشَّعب!! أمَّا حينما يكون المجتمع إسلاميًّا فلا يَحتاجُ الأمرُ إلى مُظاهراتٍ، وإنَّما يَحتاجُ إلى إقامةِ الحُجَّة على الحاكِم الَّذي يُخالِفُ شَريعةَ الله... أقولُ عن هذه المظاهرات: ليسَتْ وسيلةً إسلاميَّةً تُنْبِئُ عن الرِّضا أو عدَم الرِّضا مِنَ الشُّعوب المسلِمة؛ لأنَّ هناك وسائلَ أخرى باستطاعتِهم أنْ يَسلكوها...


وأخيرًا: هل صحيحٌ أنَّ هذه المظاهرات تغيِّر مِنْ نظامِ الحُكْم إذا كانَ القائمونَ مُصرِّينَ على ذلك؟ لا ندري! كَم وكَم مِن مظاهرات قامتْ، وقُتِل فيها قتلى كثيرون جدًّا، ثمَّ بقيَ الأمرُ على ما بقيَ عليه قبلَ المظاهرات، فلا نرى أنَّ هذه الوسيلةَ تَدخلُ في قاعدة أنَّ الأصلَ في الأشياء الإباحة؛ لأنَّها مِنْ تقاليد الغربِيِّين)).

وقال في ((سلسلة الأحاديث الضَّعيفة والموضوعة)) (14/74): ((لا تزالُ بعضُ الجماعات الإسلاميَّة تتظاهرُ بها، غافِلينَ عنْ كونِها مِنْ عادات الكفَّار وأساليبِهم الَّتي تتناسَبُ مع زعمِهم أنَّ الحكمَ للشَّعب، وتتنافى مع قولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((خيرُ الهُدَى هُدَى محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم)) )).
وسُئِلَ الشَّيخ محمَّد بن عثيمين -رحمه الله-: هل تُعتَبرُ المظاهراتُ وسيلةً مِنْ وسائل الدَّعوة الشَّرعيَّة؟
فقال: ((فإنَّ المظاهراتِ أمرٌ حادثٌ، لم يكُن معروفًا في عهدِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا في عهدِ الخُلَفاء الرَّاشِدين، ولا عهدِ الصَّحابة رضي الله عنهم.
ثمَّ إنَّ فيه مِنَ الفوضى والشَّغَبِ ما يَجعلُه أمرًا ممنوعًا؛ حيثُ يَحصُلُ فيه تكسير الزُّجاج والأبواب وغيرِها، ويَحصُل فيه أيضًا اختلاطُ الرِّجال بالنِّساء، والشَّباب بالشُّيوخ، وما أشبه ذلكَ مِنَ المفاسِد والمنكرات، وأمَّا مَسألةُ الضَّغط على الحكومة فهيَ إنْ كانتْ مُسلِمةً فيَكفيها واعظًا كتابُ الله وسُنَّة رسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا خيرُ ما يُعرَض على المسلِم، وإنْ كانتْ كافِرَةً، فإنَّها لا تُبالي بهؤلاء المتظاهِرين وسوفَ تُجامِلُهم ظاهرًا وهي ما هي عليه مِنَ الشَّرِّ في الباطِن، لذلكَ نرى أنَّ المظاهرات أمرٌ مُنكَر.
وأمَّا قولُهم: إنَّ هذه المظاهراتِ سلميَّة، فهيَ قد تكونُ سلميَّةً في أوَّلِ الأمر، أو في أوَّلِ مرَّة، ثمَّ تكونُ تخريبيَّةً، وأنصحُ الشَّبابَ أنْ يتَّبِعوا سبيلَ مَنْ سلَف؛ فإنَّ الله سبحانَه وتعالى أثنى على المهاجرينَ والأنصارِ وأثنى على الَّذينَ اتَّبعوهُم بإحسانٍ))، انظر: ((الجواب الأبهر)) (ص75).
وسُئِلَ الشَّيخ صالح الفوزان -حفظه الله-: هل مِنْ وسائل الدَّعوة القيامُ بالمظاهرات لحلِّ مشاكِل الأمَّة الإسلاميَّة؟ فقالَ: دينُنا ليس دينَ فوضى، دينُنا دينُ انضباط، دينُ نظامٍ ودينُ سكينةٍ؛ المظاهراتُ ليسَت مِنْ أعمالِ المسلمين وما كانَ المسلمونَ يَعرِفونَها، ودينُ الإسلامِ دينُ هُدوءٍ ودينُ رحمةٍ لا فوضى فيه ولا تشويش ولا إثارة فِتَن، هذا هو دينُ الإسلام، والحقوق يُتَوصَّل إليها دونَ هذه الطَّريقة بالمطالبة الشَّرعيَّة والطُّرُق الشَّرعيَّة، هذه المظاهرات تُحدِثُ فِتَنًا، وتُحدِثُ سفكَ دِماء، وتُحدِث تَخريبَ أموالٍ فلا تجوزُ هذه الأمور)) مِنْ ((الإجابات المهمَّة في المشاكل المُلِمَّة)) لمحمَّد الحصين (ص100).

وبعدَ معرِفةِ حُكمِ المظاهراتِ فلا تجوزُ ولو أذِنَ بها النِّظامُ؛ لأنَّها مُحَرَّمةٌ، ولا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالق، هذا ما كانَ يُقرِّره شيخُنا العلاَّمة ابنُ عثيمين .

بل ولو كان الحاكمُ كافرًا والدَّولةُ كافرةً لم تَجُزْ؛ لأنَّها وسيلةٌ محرَّمة.

أسألُ اللهَ الرَّحمنَ الرَّحيمَ أنْ يَلطُفَ بحالِ المسلمين، ويَجمعَ كلمتَهُم على الهُدَى، وما عليه السَّلَف الماضون، ويرُدَّ كيدَ أعدائِهِم مِنَ الدَّاخِلِ والخارِج في نُحورِهم)).


انتهى مُلَخَّص مقالِ فضيلة الشَّيخ عبد العزيز الرَّيِّس -حفظه الله-، وبه أختِمُ بَحْثي هذا، واللهُ المسئولُ أنْ يَنصُرَ الإسلامَ والمسلِمينَ ويقمعَ المبتَدِعةَ والمنافِقين والعلمانيِّين وكلَّ مَنْ يُحارِبُ الدِّين.


كتَبَه عبد المالك بن أحمد رمضاني

منقول









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-18, 02:16   رقم المشاركة : 89
معلومات العضو
جواهر الجزائرية
عضو متألق
 
الصورة الرمزية جواهر الجزائرية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

كلمة توجيهية للشيخ محمد ابن رمزان الهاجري ،حول المظاهرات

هذه كلمة توجيهية للشيخ محمد بن رمزان الهاجري ،حول المظاهرات .ذالمقطع الاول.هنا
هنامقطع التاني.هنا









رد مع اقتباس
قديم 2011-11-18, 02:20   رقم المشاركة : 90
معلومات العضو
جواهر الجزائرية
عضو متألق
 
الصورة الرمزية جواهر الجزائرية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

إنكار الشيخ مصطفى العدوي لمنكرات مظاهرات 25 يناير

إنكار الشيخ مصطفى العدوي لمنكرات مظاهرات 25 يناير

.هنا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله في مشايخنا وفي منتدانا
في هذه المحاضرة المشار إليها على الرابط إنكار الشيخ مصطفى العدوي لمنكرات مظاهرات 25 يناير ،
وها هي عناصر المحاضرة :
* رفع الهلال مع الصليب هذه راية كفر


المؤسف في هذه الأحداث وأشد شئ يُتأسف عليه التداخل الذي حصل بين أهل الكفر وأهل الإسلام حتى نرى زائغاً من الزائغين يرتدي زي رجال العلم في مصر يرفع الصليب مع آخر ، وهذا تكذيب لقوله تعالى : {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157]


* نرى في ذات الوقت جماعة تُنسب إلى الإسلام تقول : إن الشعب هو مصدر السلطات ،


ويتغاضون تمام التغاضي عن الدين الذي هو شرعة الله الذي شرعها لعباده ، وهذا أسوأ ما في هذه الأحداث أن يتميع الدين بهذه الطريقة وتنحل عقدة الولاء والبراء


* تُخفت راية لا إله إلا الله ولا يرفعها رافع في خضم هذه الأحداث




* كذلك ما يخشى من الشر المستطير الذي يخشى أن ينزل بالمسلمين ، وهو إلغاء الشريعة كمصدر من مصادر التشريع


ودائما عهد من ميدان التحرير كل شر ، فهو الذي قامت فيه أيضاً الأفاكة الأثيمة المسماة بهدى شعراوي أو المسماة بصفية زغلول ، ونزعت الحجاب ونزعت الفضيلة عن أهل مصر في هذا الميدان



* المخرج من الفتن له وسائل ( الاعتصام بالله، والبحث عن السلامة في كتاب الله وسنة رسوله - تقوى الله - التوكل على الله - الإكثار من الاستغفار - الإكثار من الدعاء - ويلزم الرجوع إلى الله - الإقلاع عن الذنوب والمعاصي والجرائم ) وهذا يبدوا أن الناس لم يتفطنوا له الآن
، فما رجع راجع إلى الله لا حاكم ولا محكوم ، فهل الحاكم وعد أنه سيقيم في الناس أمر الله وسيقودهم بكتاب الله وسنة رسوله !!!! ، ولا المحكومون طالبوا بذلك ، فبئس الراعي وبئست الرعية



* لم أجد أي مطلب لرفع راية : "لا إله إلا الله ، نريد شرع الله" حتى جماعة من قبل كانت ترفع شعار "الإسلام هو الحل" خفضته في هذه الأيام ونادت بالمواطنة


فالدرس لم يستفد منه


* الهوية الإسلامية مغيبة في هذه الأوساط : أوساط الحكام وأوساط المحكومين




* سنعدل الدستور البند كم وسبعين وكم وسبعين أن الرئاسة لا تكون إلا ثلاث سنوات أو ستة


طيب أريد أن أقيم هذا شرعاً ، إن كان الحاكم ظالماً لا يبقى في الرئاسة يوماً واحداً - إن حاد عن الشرع - ، وإن كان صالحاً يبقى أبد الدهر ، هذا الذي رأيناه في سلفنا الصالح

فلا أبأس على هذا الذي قيل ، ولا أفرح ، فالأمر يستوي بالنسبة لنا

* أما الغوغائية والهمجية ، واختلاط الحابل بالنابل ، فكله غير مجدٍ وغير نافع




* وترون : بالأمس راقصة يطبل لها مطبل وتحتسي السيجارة ، وممثل من أفجر الفجار يقوم ويدلي برأيه ، وآخر صاحب شركة محمول جعلوه من حكماء مصر
- وهو على غير ملة الإسلام - الذين سيسنون للناس الدساتير ، يطالب بمناقشة لإزالة الشريعة الإسلامية



* وإن كانت حصلت إصلاحات دنيوية ، لكن الدين في خطر


فلزاماً أن يتفطن المسلمون لذلك ، وأن يرتبوا من الآن ترتيباً حاسماً ، ماذا نصنع إذا قام العلمانيون وقالوا نحذف بند الشريعة مصدر للتشريع ؟؟ ماذا نصنع إذا قالوا دولة لا دينية ؟؟؟ هل ستخنع وترضى ؟ أم ماذا ستصنع ؟



* الفتوى بأنهم شهداء فتوى بلا شك جائرة وخطل


الشهيد هو قتيل المعركة في حرب الكفار ، وهؤلاء مسلمون ، الشرطة مسلمة ، والمتظاهرون أكثرهم مسلمون ، وسبق وذكر أن هناك مفهومان مغلوطان :


* المفهوم الأول : أن هذا الحادث كلمة حق عند سلطان جائر ، والمقتول فيه شهيد

* ومفهوم يقول : أن هؤلاء خوارج ، خرجوا على أولي الأمر ويجب قتلهم ،


وكلا طرفي الأمور ذميم ،


* فأولاً : هل هؤلاء خوارج ، ويقتلوا ، ومن أتاكم وأمركم جميع على رجل فاقتلوه ،


طبعاً هذا التوصيف خطأ لأمور متعددة :

1- أنهم لم يخرجوا شاهرين سيفاً
2- لم يخرجوا إلا للنهي عن منكر - من وجهة نظرهم - ، فإذا فعل الحاكم منكراً فماذا نصنع ؟؟ وذهبت وقلت له حرام ، وأخذت معي شخصاً آخر ظاهرني - ظاهرني أي عاونني - وأخذت معنا ثالث ورابع وعاشر
وأصل المظاهرة المعاونة : {إِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [التحريم: 4]
{فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 17]
فإن كان التعاون في الخير فهو خير ، وإن كان التعاون في الشر فهو شر ، لكن النظر إلى التوابع ،
3- الحاكم الموجود أذن لهم بالمظاهرات ،
فخرجوا من كونهم خوارج

* وثانياً في المقابل الفهم المغلوط الآخر : وهو أنه كلمة حق عند سلطان جائر :


كلمات الحق التي يُقتل من أجلها الشخص لها ترتيب ولها أولويات ، أعظم كلمة حق عند سلطان جائر أن تقول : أنك غيبت شرع الله عنا ، ونريد شرع الله ، لكن :

أن تترك هذا المطلب الأسمى ، وتناقش ابني عايز له وظيفة - مش مسئولية ولي الأمر إن ابنك عايز له وظيفة - فقد يشتغل ، ابحث عن مطلب للرزق ،
مختلس ، حاكموه كمختلس

* تركوا الأعظم ، وهو : طلب إقامة الشرع فينا ، واتجهوا إلى أشياء دون ذلك بمئات المراحل ، ولم تثُر ثائرتهم لنصرة دينهم ، وثارت لنصرة دنياهم

منقول









آخر تعديل جواهر الجزائرية 2011-11-18 في 02:24.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
(مُتَجَدِّدٌ), مَلَفٌّ, الْمُظَاهَرَاتِ, بِحُكْمِ, خَاصٌّ


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 21:56

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc