الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فإننا نعيش في بلدان عرفت نور الهداية إلى الإسلام؛ دين الله تعالى الخالد الذي حطَّم سلطان الخرافة، وأرسى دعائم عقائد التوحيد وسد ذرائع الشرك ووسائله، ودعا إلى العلم وإعمال الفكر في آيات الله الكونية والمتلوَّة، ونَهى عن التقليد والخرافة والدجل، وحرَّم على المسلم الكذب كما حرم عليه نشر الأكاذيب والأساطير وإشاعةَ المنكرات والخرافات.
وإننا والحمد لله نُبغض الكذب والتحريف؛ وهما من أبغض الأشياء إلى الفطرة الإنسانية، ونُحارب إشاعة الأساطير التي تعتبر دليل التخلُّف والانحطاط الفكري، ولا نرضى بأن ينتشر فينا الدجَل وتجارة الدجل، وخاصة إذا تعلق الأمر بأشياء تَمس العقيدة الإسلامية وتُزعزِع انتماء الأمة إلى الحضارة الإسلامية، وإنَّ من الأكاذيب التي أصبح الإعلام يروج لها، ومن الخرافات التي صار بعض بني جلدتنا يعتبرها تراثا يعتزُّ به، ومن مظاهر الشرك التي يريد بعض المخذولين أن يبعثها بعد أن قبرها الإسلام: ما يسمى بـعيد يناير وما تعلق به من اعتقادات جاهلية وطقوس وثنية. لازلنا نسمع بالتقويم المحلي الذي يعتبر تقويما شمسيا يتأخر قليلا عن التقويم الغريغوري المعروف، من الناس من يظنه عربيا ومنهم من يعدُّه أمازيغيا، ومنهم من يسميه أعجميا، وبعض الناس يخص أوَّله ببعض الأطعمة، ولكن ما تنامى إلى أسماعنا في هذه السنوات الأخيرة عن عيد يناير; جعلني أتطلع إلى قراءة من يكتب عنه وسماع ما يقال فيه لبيان الموقف الشرعي منه، حيث إن هذا اليوم قد أصبح عند بعض الناس عيدا لا بد من الاعتراف به كسائر الأعياد الوطنية والدينية، وصارت تُربط به اعتقادات وتُعطى له دلالات، ويُدعى إلى تعميم الاحتفال به ببعض الطقوس الوثنية، والزعم أن تلك الطقوس من التراث الأمازيغي الذي ينبغي أن يحافظ عليه من الزوال والاندثار. وفي هذا المقال تجلية لحقائق وبيان لأساطير وكشف لأكاذيب لا يجوز لمن علمها أن يسكت عنها.
كذبة التسمية ;ينايريزعم دعاة هذا العيد الجديد أن هذا العيد عيد أمازيغي محض وحتى يثبتوا ذلك كان لزاما عليهم أن يفصلوا مدلوله عن المعنى الروماني، لأن مما يعلمه العام والخاص أن يناير هو اسم للشهر الذي نترجمه نحن من الفرنسية ونقول جانفي، وهم يقولون عيد يناير أو الناير أو ينِّير، وينِّير ما هو إلا تحريف حدث بفعل النقل إلى اللهجة الأمازيغية، ومنه يظهر أنه لا تَميُّز لها لهذا اليوم من حيث الاسم ولا من حيث التقويم، وإنما هو تقويم شمسي بدايته هي عينها بداية السنة الشمسية كما يأتي توضيحه، وأسماء الشهور هي أسماء رومانية معروفة يناير وفورار (فبراير) ومغرس (مارس) إبرير (أبريل) مايو (ماي) يونيو (جوان) يوليو (يوليو) غشت (أوت -أغسطس) سكتمبر أو شوتمبر (سبنتمبر) توبر (أكتوبر) نونمبر أو وانبر (نوفمبر) دوجنبر أو جنبر (ديسمبر). أمَّا ما يَحكيه بعض فلاسفة العصر من أن يَنِّير كلمة أمازيغية مركبة من كلمتين (يان!!) التي تعني الأول و(أيُّور) التي تعني الشهر، فيكون معنى ينيرالشهر الأول فمجرد تخيل وتكلُّف لإيجاد تفسير أمازيغي لكلمة لاتينية، ولو كان كلامهم صحيحا لكان التركيب يَنُّور، والذي أعرفه أن ترجمة الشهر الأولعندنا في لهجتنا أجور(aggour) أمزوارو وهذه عبارة لا تشبه ينِّير ولا يناير، ولو تأمَّل العارف كلمة أجور التي تنطق في بعض المناطق أيُّور([1]) وهي تطلق على القمر أيضا لعَلِم بُعد انطباقها على المعنى المراد، بل ربما استفاد أن الأمازيغ كانوا يعتمدون على تقويم قمري لا شمسي. وهذا يُبيِّن أن ما يتداوله هؤلاء الفلاسفة! ما هو إلا كذب يشبه الاستهزاء والاستخفاف بعقول شعوب الشمال الإفريقي كله. وأما قولهم إن بعض الأمازيغ يعبرون عن اليوم ب(ثبورث أوسجاس) بمعنى باب السنة، فهو تحصيل حاصل ولا دلالة تاريخية ولغوية فيه، لأن كل الناس يعتبرون أول شهور التقويم باب السنة وأولها وبدايتها وفاتحها سواء كان غريغوريا أو غيره.
حقيقة ما يسمى التأريخ الأمازيغي الذي ينبغي أن يُعلم أن هذا التقويم الذي بدايته في 12 يناير في الجزائر، وفي 13 يناير في المغرب، وهو عينه التقويم الشمسي الذي لا تزال تعتمده الكنيسة الشرقية إلى اليوم، وهو تقويم وضعه القيصر الروماني يوليوس في سنة 46 قبل الميلاد لأنَّه اكتشف خللا في التقويم الروماني القديم، وكان أوَّل من جعل السنة الشمسية تتكون من 365 يوما، وأدرج يوما إضافيا كل أربع سنوات لتسمى تلك السنة بالسنة الكبيسة، وجعل هذا اليوم في آخر شهر فبراير، ولكن إضافته ليوم في كل أربعة سنوات كان أمرا تقريبيا لأن دورة الشمس السنوية تدوم 365.2422 يوما وليس 365.25 يوما، وهذا الفارق الضئيل جدا (0.0078يوم) سيصبح بَعدَ قرون يُعدُّ بالأيام، ففي سنة 1582 اكتشف البابا غريغور الثامن أن الحسابات المعتمدة للتاريخ أصبحت متقدمة عشرة أيام عن الدورة الحقيقية للشمش، فقرَّر أن يتراجع في التاريخ عشرة أيام كاملة بحيث يصبح الفاتح يناير الجديد في 22 ديسمبر القديم، والفاتح يناير القديم في 10 يناير الجديد، وحتى يتجنب خطأ يوليوس فيما يستقبل من الزمن قرَّر أن تُحذف ثلاثة أيام كل أربعمائة سنة، والآن قد مرَّ على تجديده أكثر من أربعمائة سنة، وهذا ما جعل التقويم اليوليوسي متأخرا 13 يوما عن التقويم الغريغوري، ولأجل هذا فإن الفاتح من يناير يأتي 13 جانفي في المغرب، أما في الجزائر فبقي الفاتح يناير في اليوم 12 لأنه كان كذلك في سنة 1831 (وهي السنة التي بدأت الجزائر تعمل فيها بالتقويم الغرغوري) فبقي الناس يتوارثون ذلك إلى اليوم!!
لماذا 13 جانفي الجواب قد علمناه في الفقرة السابقة، وهو بكل بساطة لأنه الفارق الطبيعي بين التقويمين اليوليوسي والغريغوري للسنة الشمسية. وأما عند الخرافيين الجدد (وهم دعاة علمنة وحداثة مع الأسف الشديد) فله تفسيرات علمية وتاريخية!! سنحاول إيقاف القارئ الكريم عليها.
التفسير الأول: وهو تفسير يسمونه تاريخيا وهو أسطوري ويعتبرونه دينيا وهو مبني على الخرافة والوثنية، وذلك أن بعضهم ودون حياء من الله تعالى أو من عباده يكتب أن هذا اليوم (13 أو 12 جانفي) ارتبط بمعتقدات أمازيغية قديمة تحكي أن امرأة عجوزا استهانت بقوى الطبيعة واغترت بنفسها وأرجعت صمودها أمام برد الشتاء إلى قوتها، فغضب يناير رمز (أو إله) الخصوبة والزراعة من صنيعها فطلب من فورار (فبراير) أن يقرضه يوما لمعاقبة العجوز على جحودها، فحدثت عاصفة شديدة أهلكت العجوز وعنزتها وجميع ما تملكه، فتحوَّل ذلك اليوم إلى رمز للعقاب الذي قد يَحِلُّ بكلِّ من سوَّلت له نفسه الاستخفاف بالطبيعة! ويُعلِّل بعض الكتاب بذلك تسمية بعض الناس لهذا اليوم بيوم العجوز، تجنبهم الخروج فيه للرعي أو للزراعة خوفا من قوى الطبيعة، ومن جهة أخرى يجعلونه يوما للاحتفال بالأرض وما ينتج منها من الخيرات، ولعل في هذا جوابا عمن تساءل عن سر جمع بعض أهل منطقة أولاد نايل بين مظاهر الحزن والفرح في هذا اليوم! ولنا وقفة مع هذا التفسير الذي نعتبره دعوة صريحة إلى معتقدات جاهلية وخرافية لا أثر عليها من علم ولا عقل من منطق، وتأملوا كيف يجرؤ دعاة الاحتفال بهذا اليوم بربطه بالاعتقاد في قوى الطبيعة وأن للطبيعة قدرة على الانتقام من العباد الذين لم يشكروها، إن هذا الاعتقاد وإن كان موجودا فعلا عند بعض الناس كما سنبينه فإنه ينبغي علينا إن كنا مسلمين أن نُحاربه ونسعي إلى محوه والقضاء عليه وعلى جميع الأفكار البالية التي ارتبطت به، لا أن ندعو إلى إحيائه وجعله مناسبة نحتفل بها ونجعلها عيدا وطنيا أو دينيا. وحتى الخرافة التي حكاها هؤلاء الكتاب فيها تحريف وكذب لأن مدَّة البرد الشديد لا يعلم انتهاؤها في الثالث عشر من جانفي، بل في نهايته مع احتمال عودة البرد والثلوج في العشر الأول من فبراير، والذي تلقيته سماعا في خصوص هذه القصة أعني قصة العجوز أنها استهانت بيناير بعد انقضائه فهنا اضطر إلى أن يستعير يوما من فبراير ليتمكن من الانتقام من العجوز بالثلوج والبرد القارس، فكان فبراير سخيا وأعاره سبعة أيام ولياليها فقضى على العجوز وعنزتها، وهذه الأسطورة على سذاجتها وبطلانها أنسب لقضية الاستعارة، لأنه لا يمكن لفبراير أن يعير يناير يوما ليس له وهو الفاتح من يناير أو 13 منه حسب هذا الزاعم. على أن هذه الخرافة لا اختصاص للأمازيغ بها لأن العرب في المشرق يحكون حكاية مقاربة لها عن أيام سبعة يسمونها أيام برد العجوز، أيام يعتبرونها ختام فصل الشتاء، وزعم أحدهم في موقع فلكي بعد أن عرَّف فيه بهذه الأيام وحكى حكاية العجوز أن هذا الاسم اسم محلي وشعبي خاص بدولة الكويت!! في حين إننا نَجد الاسم عربيا يرجع إلى الجاهلية، وأهل اللغة يجعلون لكل يوم من هذه الأيام اسما، وأهل الأدب يحكون عن هذه العجوز هذه الحكاية وحكايات أخرى غيرها تنظر في كتاب الأزمنة والأمكنة للمرزوقي (المتوفي سنة412هـ) وثمار القلوب في المضاف والمنسوب لأبي منصور الثعلبي (المتوفي سنة 429هـ) (ص310 وما يليها)
وأما التفسير الثاني: وهو ما يسميه الكثيرون تفسيرا طبيعيا، فيقولون إن هذا اليوم مرتبط بالطبيعة، وقد وجدت منهم من يقول إنه يوم يفصل بين مدتين، مدة البرد القارس ومدة الاعتدال، ومنهم من يقول يُعتبر بداية السنة الفلاحية أو الإنجازات الحقيقية للأشغال الفلاحية، ومن ثَمَّ وُجِد من يُطلق على هذا اليوم رأس السنة الفلاحية. والذي أعرفه أن أول السنة الفلاحية هو أول الخريف من حيث الجملة وليس أول يناير أو وسطه، لأنَّ أهمَّ أعمال الفلاحة هو الحرث وهذا يكون دائما مع أوائل نزول المطر في أواخر أكتوبر أو أوائل نوفمبر، وأوَّل السنة عند الفرس في القديم هو يوم المهرجان تاريخه يوم 26 أكتوبر، وذلك بمناسبة ما يسمى بالاعتدال الخريفي الذي يعبر عن بداية الموسم الفلاحي. وأما كذبة الانتقال من البرد القارس إلى الاعتدال فأتفه من أن يجاب عنها، وتنفيها أيام برد العجوز التي هي من أيام شهر فبراير بلا خلاف.
بداية التأريخ : لماذا 950 قبل الميلاد والآن يبقى طرح تساؤل، لماذا يزعم دعاة هذا التأريخ أنه يبدأ من سنة 950 قبل الميلاد؟ وهل عندهم شيء من الوثائق تثبت اعتماد الأمازيغ على هذا التاريخ؟ تزعم الأساطير الحديثة أنه في هذه السنة هزم الزعيم البربري شيشنق (أو شاشناق أو شيشرون أو سوكاسوس أو شيشق) فرعون مصر ثم اعتلى عرش مصر، وقد تواتر عندهم أنه هزمه في بني سنوس قرب تلمسان بعد أن جاء ليستولي على مملكته، ومنهم من زاد في الخبر أن رمسيس الثاني كان قد تحالف مع الرومان، (ومنهم من كتب أنه رمسيس الثالث) فهزمهم شيشنق في تلمسان ليتربَّع على عرش مصر!! وذلك في سنة 950 (ق م)، ويقال إن في هذه المنطقة احتفال سنوي يسمى احتفال إيرار الذي يعني الأسد حسب لهجة تلك الجهة. ومنهم من شعر بالتناقض في هذه القصة التي لا مستند لها، إذ كيف يهزمه في تلمسان ثم يتربع على عرش مصر، فزعم أنه إنما هزمه على ضفاف النيل، وهذا وإن كان فيه حلٌ لمشكلة؛ ففيه مشكلة أخرى، وهي كيف ساغ للأمازيغ وهم الأحرار ودعاة الحرية أن يجعلوا عيدهم ويومهم التاريخي وبداية تأريخهم يوما ثبت عليهم جرم الاستعمار لبلاد مجاورة. إنَّ هؤلاء المروجين لهذه الخرافات من أبعد الناس عن العلوم بجميع أنواعها، ويستغفل أحدهم أُمَماً بأكملها بكتابة تُرَّهات لا قيمة لها في ميزان العلم والنقد، وإني أقف متعجبا ممن يكتب دون أدنى روية أن شيشنق هزم رمسيس الثاني المتوفي سنة 1202 قبل الميلاد في سنة 950 قبل الميلاد، أو هزم ابنه رمسيس الثالث المتوفي سنة 1152 قبل الميلاد. وإن من مقتضى هذه الكِذبة أن يكون شيشنق حاكما على شمال أفريقيا كله بما فيه مصر والسودان، ولا دليل على وجود مملكة بهذا الحجم في ذلك الزمن، والذي تدل عليه الدلائل التاريخية أن مدة وجود شيشنق في مصر تزامن مع وجود الفنيقيين في شمال أفريقيا. والذي يعرفه المؤرخون أن شيشنق ملك مصري الجنسية من أصول ليبية هاجرت إلى مصر، وكانت رئاسة كهانة الديانة المصرية في أجداده وآخرهم والده، وقد تزوج من ابنة فرعون مصر المسمى بسوسنس الثاني الأمر الذي أهله للاستيلاء على الحكم في سنة 950 قبل الميلاد تقريبا حسب بعض الدراسات، وبعضهم يقول إنه تولى الحكم سنة 940 قبل الميلاد. والخبر الذي تسنده الوثائق التاريخية في خصوص الملك شيشنق أنه كان ظالما نهابا لخيرات الدول المجاورة، فإننا نجد في العهد القديم أن شيشنق هجم على القدس ونهب ما فيها من كنوز، وذلك في سنة 930 قبل الميلاد، جاء في سفر الملوك الأول (إص14 ع25-27وفي السنة الخامسة للملك رَحُبعام صغد شيشق ملك مصر إلى أورشليم وأخذ خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك ، وأخذ كل شيء وأخذ جميع أتراس الذهب التي عملها سليمانوبقيت مصر تنفق من هذه الكنوز التي نهبها مدة قرنين كاملين من الزمن. والواقع الذي لا يَمتري فيه اثنان أن أكثر المحتفلين بليلة يناير لا يعرفون شيشنق الذي ظهر فجأة ليعتبر رمزا للأمازيغ، ولا يعرفون خبره لا أخبار دولته ولا أخبار عدوانه ونهبه، ولا تلك الأرقام التي يرصها بعض الناس إلى جنب بعض كل عام ويقولون هذه سنة أمازيغية جديدة.
ما طبيعة هذا العيد، هل هو عيد قومي أم ديني؟ إن الذي نقرأه على لسان دعاة الأمازيغية حين يطالبون بِجعل هذا العيد عيدا معتمدا في دول المغرب العربي؛ أن هذا العيد لا صلة له بالدين أو أي حادث ديني، وأنه تقويم يختلف عن التقاويم المرتبطة بالدين كميلاد المسيح عليه السلام والهجرة النبوية، وهذا ليؤكدوا للحكومات أن مطلبهم ثقافي قومي بريء لا يعادي الانتماء للإسلام. وما نكاد ننتهي من قراءة تلك العرائض المقدمة والمقالات التي تتضمن هذا المطلب حتى نقف أمام نصوص أخرى لهؤلاء وأمام تصريحات لهم تجعلنا نشك في صدق دعواهم من أن هذا العيد الذي يطالبون به لا علاقة له بالدين. فضلا عن قصة العجوز وما تعلق بها فإننا نجد بعضهم يقول إن طقوس الاحتفالات فيها تقاليد وثنية إلا أنها أُسلمت بدخول الأمازيغ في الإسلام، ومن ذلك وضع النساء كميات صغيرة من الطعام الذي تعده الأسرة تحت الموقد وعمود البيت والمغزل للتقرب من الأرواح الخفية ونيل رضاها، وحينما جاء الإسلام هذب هذا السلوك ليتماشى مع القيم الإسلامية، وأصبحوا يقولون إن هذه الأفعال من أسباب البركة لا من التقرب إلى الأرواح، ومنهم من يدخل هذا اليوم فيما يسمى بالعواشير، وهي أيام تعتبرها العامة أياما دينية. وتزل أقلام بعضهم في حالة غضب أو حماسة أو غفلة فيقول أحدهم:" لا بد أن يجعل يوم يناير يوم عطلة للجميع ولا بد من الاعتراف به مثله مثل السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية، ويقول آخر معظما لهذا العيد: لقد ارتبط يناير بمعتقدات ضاربة في القدم، ومنهم من يكتب عنخروج النساء إلى حقول الزيتون لمناجاة الطبيعة لإعطاء محصول وفير، ومنهم من يقول عن الديك الذي يذبح في هذه المناسبة: ليكون أُضحية الناير لإعداد عشاء ليلة الناير. ويقول آخر:يقوم فيه الناس بتناول شربة يناير على لحم قرابين الديوك أو الأرانب، ويدخل هذا اليوم ضمن ما يسمى بأيام العواشير، التي تعتبر قبل كل شيء أياما دينية. ويقول آخر:إذ يتم الاحتفال برأس السنة بشكل كبير على غرار باقي الأعياد الدينية، ويتم خلالها تبادل الزيارات والتهاني بين أفراد العائلة. ويكفينا للدلالة على أنه عند دعاة تعميمه وترسيمه من الأعياد الدينية، أنهم يقولون لا بد من ردِّ الاعتبار لهذا اليوم بدءا من ردِّ الاعتبار لمظاهر الاحتفال التي لا تخلو من دلالات رمزية، فتعالوا بنا نُلقي نظرة على هذه الطقوس التي يدعون إلى إحيائها.
طقوس الاحتفال ويعتقد دعاة إحياء هذا العيد أنَّ من يحتفل به يُمضي سنة سعيدة، ويُبعد سوء الطالع، كما يرمز الاحتفال به إلى الخصوبة والرزق، لذلك لا بد من تقديم قرابين وتضحيات وإظهار التفاؤل بوفرة المحاصيل ولإبعاد شبح الجوع، وعند النظر في طقوس الاحتفال التي تختلف باختلاف مناطق الشمال الإفريقي، فإننا نجدها تحوي مظاهر شركية بَيِّنة وبدعا وخرافات ما أنزل الله من سلطان، فإضافة إلى المظاهر التي تدل على معنى العيد، كارتداء الملابس الجديدة، وتنظيف البيوت وتزيينها، وحلق رؤوس الصغار وتزيينهم ووضع الحنة في أيديهم وتوزيع الهدايا عليهم، وتبادل الزيارات والتهنئة ونحو ذلك، نَجد أشياء تمس العقيدة الإسلامية في صميمها منها.
أولا : الذبح لغير الله عز وجل ومن مظاهر الجاهلية في هذا اليوم ذبح الدجاج عند عتبات المنازل بزعم أن ذلك يصد أنواع الشرور التي قد تصيب الإنسان، ومعروف أن هذا من الذبح للجن ومن الاستعاذة بالشياطين لا منهم، وبعضهم لا يصرح بذلك بل يكتفي أن يشترط أن يُشترَى الديك حيّا ليتولى أهل البيت ذبحه، بمعنى أنه لو اشتراه مذبوحا لم يُجزئه. ومنهم من يذبح في هذا اليوم عن الرجل ديك وعن المرأة دجاجة وعن الحامل دجاجة وديك ويعتقدون أن في ذلك وقاية من الحسد والعين، وهذا تعوُّذٌ ما أنزل الله به من سلطان.
ثانيا : دعاء غير الله عز وجل كما سبق نقله عن بعضهم أنه ينبغي للنساء أن يَخرجن إلى الحقول لمناجاة الطبيعة لطلب محصول وفير، ومن مظاهر هذه المناجاة ما تقوم بعض النساء بعد ذبح الديَكة حيث يقومن برمي ريشها في الحقول، ويرددن هذه العبارة:;أيها العام الجديد منحناك الريش فلتمنحنا العيش. وهذا مظهر من مظاهر عبادة الطبيعة أو الإله ;يناير، وهذا من مظاهر الشرك الصريح.
ثالثا : تبركات شركية ومما يتبع دعاء غير الله تعالى التبرك بأفعال غريبة لا دليل على بركتها قصد استجلاب الرزق والرخاء، ومن ذلك وضع عيدان خضراء أو عراجين على سقف البيت رجاء أن تكون السنة الجديدة خضراء مثل اخضرار تلك العيدان، ومنهم من يضع قصبا طويلا وسط الحقول حتى تكون الغلة جيدة وتنمو بسرعة، ومنهم من يكلف الأطفال بقطف الأزهار والورود ووضعها عند مداخل البيوت وبتغطية أرضية حظائر الحيوانات الداجنة بالأعشاب الطرية للغاية نفسها.
رابعا : عبادة الأرواح في بعض المناطق المغربية يعمد السكان بعد الانتهاء من أكل وجبة العشاء إلى ترك ما يقابل حصة فرد واحد من الأكلة لتوزع على جميع زوايا البيت، كتعبير عن اقتسام ما تجود به الأرض مع كائنات خفية أو قوى مباركة، وهذه من العقائد الوثنية التي قيل إنها كانت قبل الإسلام والظاهر أنهم قد حافظوا عليها ولم ينفعهم معرفتهم للإسلام ولا لعقائده وشعائره، وفي بعض المناطق يضعون على مائدة الطعام الأطباق والملاعق بعدد أفراد العائلة الأحياء والأموات منهم، وهذا ينبئ عن اعتقاد حضور الأرواح في أيام الأعياد والأفراح وهو اعتقاد جاهلي منتشر في المنطقة كلها.
خامسا : استسقاء وكهانة في بعض المناطق المغربية المعروفة بالسحر والشعوذة تقوم النساء في ليلة رأس السنة بوضع ثلاث لقمات في سطوح المنازل، ترمز كل لقمة أحد الشهور الثلاثة الأولى من السنة: يناير، فبراير ومارس، ثم يقمن برش الملح على تلك اللقمات من مكان بعيد استدرارا للمطر، وفي الغد يقمن بتفحص هذه اللقمات، ويعتقدن أن اللقمة التي سقط عليها الملح تحدد الشهر الذي سيكون ممطرا.
سادسا : تمائم تحمي من قرصنة الحليب ومن الفلاحين أصحاب المواشي من يقصد في يناير بعض المشعوذين ليكتب له تميمة على غصن صغير من شجرة ذكر التين (الذُكَّار) بهدف حماية حليب أبقاره من القرصنة، لأنهم يعتقدون أن الحليب يمكن أن يقرصن ويحول من بقرة إلى أخرى!!
سابعا : ترك العمل والحياكة
ومن مظاهر التقديس لهذا اليوم أنَّهم يُحرمون فيه النسيج والحياكة، بل ويخرجون آلات ذلك من البيت، كالآلة التقليدية التي تسمى بـأزطا (آلة حياكة البرانس والأفرشة) فإنَّه إن لم تُنتهَ أشغال الحياكة قبل نهاية السنة يضطرون إلى تفكيكها وإخراجها من البيت إلى غاية انتهاء الاحتفال. وكذلك يحرمون الرعي والعمل في الأرض لأنه يوم عيد من جهة ولأنهم يخافون إن خرجوا في هذا اليوم إلى المزارع أن يصيبهم مثل ما أصاب تلك العجوز المغرورة.
ثامنا : تحريم الطبخ وغسل الأواني وربما اللحوم الحمراء ومنهم من نقل على سبيل الإشاعة والإذاعة لا الإنكار، أنَّ من تقاليد الأمازيغ في ليلية يناير تحريم أكل اللحم ولعله يقصد اللحوم الحمراء، لأن ذبح الدجاج من طقوس اليوم كما سبق، وأنَّهم لا يشعلون النيران، والمراد نيران الطبخ لأنهم يُعدُّون الأكل يوما من قبل، لأن يوم السنة الجديد لا طبخ فيه. وذكر أنَّهم لا يغسلون الأواني المنزلية التي تخص الطبخ، وهذه بدعة معروفة يراد بها التبرك وجلب الخيرات تُفعل في عاشوراء على وجه الخصوص، ومنهم من ذكر أنهم لا يغتسلون حتى نهاية يوم الاحتفال ودخول يوم جديد.
تاسعا : الماما نوال!؟ ومنهم من حكى عن أهل تلمسان اعتقادا يشبه اعتقاد النصارى في ;البابا نوالوهو سميته بالماما نوال، وذلك أنهم يقولون أن امرأة يناير; تطوف ليلا بالمنازل وتوزع الحلوى والهدايا على الأطفال، وفي ظني أن هذا تركيب بين خرافة عجوز يناير وبين الخرافة النصرانية المعروفة.
عاشرا : التفاؤل بمطر ذلك اليوم ومن الأمور المنقولة أن بعض الناس يعتقد أنه إذا أمطرت السماء في تلك الليلة أو في اليوم الأول من السنة الجديدة، فإن الأمطار ستنزل بغزارة خلال هذه السنة وسيكون الموسم الفلاحي مباركا.
الحادي عشر : عشاء يناير وبدعه وأهم شيء في هذا اليوم، وربما يكون الشيء المشترك الوحيد بين المناطق التي تحتفل بليلة يناير إعداد عشاء خاص من مأكولات تقليدية متعارف عليها؛ تختلف باختلاف المناطق وباختلاف أنواع المحاصيل المنتجة بها، ودعاة الأمازيغية يزعمون أن هذا الصنيع تعبير من الأمازيغ عن تشبثهم بالأرض وخيراتها، وكأن الأمازيغ فقط هم من كان يسترزق من الأرض، وكأنهم هم وحدهم من يُعدُّ مأكولات خاصة في المناسبات وما يعتبرونه من الأعياد. ومن هذه المأكولات ما يسمى بإركمن (المحتوية على جميع أنواع الحبوب والبقول) وتسمى أيضا (تمغطال وأوفثيان والشرشم) أو ثركيمت (وهي نوع من العصيدة) أو البسيسة أو البركوكس (العيش) أو الشخشوخة أو الرشتة أو الكسكس الذي يُعدُّ مرقه بأنواع متعددة من الخضر منهم من يقول سبعة فصاعدا. ويتعلق بهذا العشاء بدع سنبينها، ونقول إنها بدع لأننا بينا أنه احتفال ديني، فمن اعتبر الاحتفال من الوثنية كان مشركا، ومن اعتبره من دين الإسلام كان مبتدعا لأنه لا صلة له بالإسلام ولطقوسه.
ومن البدع المتعلقة بهذا العشاء
1-إيجاب إركمن، منهم من يقول إن إركمن تعتبر من الوجبات الضرورية التي يجب على كل أسرة أن تتناولها في ليلة رأس السنة مع جواز إضافة وجبات أخرى حسب إمكانيات كل أسرة.
2-تحريم كل أكل عدا البسيسة والكسكس ، وفي تونس قرأت لبعضهم أنهم يحرمون كل أكل إلا أن يكون البسيسة أو الكسكس.
3-وجوب الشبع في ليلته ، ومن الاعتقادات الباطلة التي يُروَّج لها أنَّ من لم يشبع من الطعام في ليلة رأس السنة فإن الجوع سيطارده طيلة تلك السنة، ومن أجل إرغام الأطفال على الأكل حتى التخمة يقال لهم إن من لم يشبع في تلك الليلة تأتيه عجوز في الليل فتملأ بطنه بالتبن والهشيم.
4-التكهن بأسعد أفراد العائلة، ومن مظاهر الجاهلية التي يلصقها البعض بهذا اليوم أنَّهم يجعلون عشاءهم من الكسكس أو العصيدة ويجعلون في القصعة نواة تمر، ثم تجتمع العائلة عليها ويأكلون منها، ومن يَجد تلك النواة أثناء الأكل يعتبر رجل أو امرأة السنة صاحب الحظ السعيد فيها.
5-التفاؤل باللبن، ومنهم من لا يجعل للكسكس مرقا بل يقدمه مع اللبن الأبيض فقط، وذلك تفاؤلا بالسنة الجديدة حتى تكون صافية مثل لون اللبن المسكوب على الكسكس.
6-تبرك غير مشروع، وذلك برمي القليل من الكسكس أو الطعام في أنحاء البيت بغية حصول البركة، وهذا من جنس ما يفعل للأرواح وقوى الطبيعة كما سبق في فقرة سابقة.
7-إطعام الحشرات، ومن عادات بعضهم في هذا اليوم إطعام الحشرات حتى لا تأكل الزرع، وهذه سذاجة وحمق من فاعله ومصدقه.
8-حلويات ومكسرات من أجل عام طيب، وفي بعض المناطق الغربية وفي المغرب الأقصى يعدون أطباقا تُملأ بأنواع الحلويات والمكسرات والفواكه الجافة فيضعون فيها التين المجفف والزبيب والفول السوداني واللوز والجوز والفستق وغيرها، والغاية من إعدادها وتقديمها كما يقولون هو الاستبشار بعام طيب كهذه الأطباق.
الخاتمة
هذه هي الأساطير التي تُروَّج في مثل هذه الأيام حول الفاتح يناير، وهذه هي الأكاذيب التي يُسَوِّقها الإعلام في هذه المناسبة، وهذه هي طقوس الاحتفال الوثنية والشركية والبدعية التي يريد بعض الناس تعميمها، وأن يجعلوها رمزا للثقافة التي يعتزون بها، ويتميزون بها عن العرب وباقي المسلمين، ومما ينبغي التنبه له أن ما ذُكر في هذا المقال ليس أمرا عاما في بلدان الشمال الإفريقي بل هي طقوس واعتقادات تنتشر في مناطق محصورة، وأن الظاهرة الأكثر انتشارا ظاهرة العشاء وليست عامة، ولكن من يكتب عن هذه الاحتفالات يشيع تلك الطقوس ويَجعل القارئ يتخيلها احتفالات عامة وطقوسا منتشرة عند أغلب السكان المسلمين وليس الأمر كذلك، ثم إننا عند تصنيف تلك الطقوس ووصفها لم نتقصَّد نقدها على ضوء الأدلة الشرعية ولا على ضوء العقل والمنطق، لأن ذلك قد يجعل المقال أكثر طولا ويُخرجه عن مقصوده، فمن أراد طلب الأدلة الشرعية على تحريم الكهانة أو الذبح لغير الله والتبرك بما لم تثبت له البركة وغير ذلك فليطلبها في مظانها من كتب العقيدة الإسلامية، والمقصود بيان حقيقة الأكاذيب التي تنتشر حول التقويم الأمازيغي المزعوم، ثم بيان أن دعاته إنما يدعون من خلاله إلى الوثنية التي كانت دين أجدادهم قبل الإسلام، والحمد الله رب العالمين.
المصدر: الآجري