السيرة النبوية.. سؤال وجواب - الصفحة 6 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > منتدى نصرة الرسول صلى الله عليه و سلم

منتدى نصرة الرسول صلى الله عليه و سلم كل ما يختص بمناقشة وطرح مواضيع نصرة سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم و كذا مواضيع المقاومة و المقاطعة...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

السيرة النبوية.. سؤال وجواب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-02-21, 05:29   رقم المشاركة : 76
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

نعرف أن المصائب تكون بسبب الذنوب ، وأنها تكفر الذنوب ، لكن ما الحكمة من المصائب التي كانت تصيب الأنبياء ؟.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

من أسباب المصائب : الذنوب ، ولكنها ليست السبب الوحيد ، فقد يبتلي الله تعالى بعض عباده الذين لم يذنبوا ، لينالوا أجر الصابرين ، وترتفع بذلك درجاتهم ، كما قد يبتلي الله بعض الأطفال ، وهم لا ذنب لهم .

ثانياً :

أشد الناس بلاء الأنبياء

روى الترمذي (2398) عَنْ سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ قَالَ : الأَنْبِيَاءُ , ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ , فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ , وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ . صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (143) .

وقد ذكر الله تعالى في كتابه صوراً من الابتلاء الذي تعرض له الأنبياء :

قال تعالى : ( ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) البقرة/87 .

وقال تعالى : ( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ) البقرة/91 .

وقال تعالى : ( فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ) آل عمران/184 .

وقال تعالى : ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ) الصف/5 .

وقال تعالى : ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) التوبة/61 .

وابتلي إبراهيم عليه السلام بمعاداة أبيه وقومه له ، وبالإلقاء في النار .

قال الله تعالى : ( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ ) الأنبياء/68-70 .

وابتلي بالأمر بذبح ابنه إسماعيل

( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) الصافات/102-107 .

قال ابن القيم في الفوائد ص (42) :

" الطريق طريقٌ تعِب فيه آدم ، وناح لأجله نوح ، ورُمي في النار الخليل ، وأُضْجع للذبح إسماعيل ، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ، ونُشر بالمنشار زكريا ، وذُبح السيد الحصور يحيى ، وقاسى الضرَّ أيوب ... وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى .

وأُخبر نبيُّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالابتلاء في أول يوم من النبوة :

قال ورقة بن نوفل : ( يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا , لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ , لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ , وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ) رواه البخاري (4) .

ثالثاً :

وأما الحكمة في ابتلاء الأنبياء ؛ فقد قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" (2/452) :

" فإنه سبحانه كما يحمي الأنبياء ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم :

1- ليستوجبوا كمال كرامته .

2- وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء صبروا ورضوا وتأسوا بهم .

3- ولتمتلئ صاع الكفار فيستوجبون ما أعد لهم من النكال العاجل والعقوبة الآجلة فيمحقهم بسبب بغيهم وعداوتهم فيعجل تطهير الأرض منهم .

فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاء قومهم ، وله الحكمة البالغة ، والنعمة السابغة ، لا إله غيره ، ولا رب سواه " انتهى .

وقال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (1/299–301) :

" وإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهم به إلى أجلِّ الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان . . . وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين الكرامة في حقهم ، فصورته صورة ابتلاء وامتحان ، وباطنه فيه الرحمة والنعمة ، فكم لله مِن نعمة جسيمة ومنَّة عظيمة تُجنى من قطوف الابتلاء والامتحان .

فتأمل حال أبينا آدم صلى الله عليه وسلم وما آلت إليه محنته من الاصطفاء والاجتباء والتوبة والهداية ورفعة المنزلة . . .

وتأمل حال أبينا الثاني نوح صلى الله عليه وسلم وما آلت إليه محنته وصبره على قومه تلك القرون كلها حتى أقر الله عينه ، وأغرق أهل الأرض بدعوته ، وجعل العالم بعده من ذريته ، وجعله خامس خمسة وهم أولو العزم الذين هم أفضل الرسل , وأمَر رسولَه ونبيه محمَّداً أن يصبر كصبره ، وأثنى عليه بالشكر فقال : ( إنه كان عبداً شكوراً ) فوصفه بكمال الصبر والشكر .

ثم تأمل حال أبينا الثالث إبراهيم صلى الله عليه وسلم إمام الحنفاء وشيخ الأنبياء وعمود العالم وخليل رب العالمين من بني آدم ، وتأمل ما آلت إليه محنته وصبره وبذله نفسه لله ، وتأمل كيف آل به بذله لله نفسه ونصره دينه إلى أن اتخذه الله خليلاً لنفسه . . . وضاعف الله له النسل وبارك فيه وكثر حتى ملؤوا الدنيا ، وجعل النبوة والكتاب في ذريته خاصة ، وأخرج منهم محمَّداً صلى الله عليه وسلم وأمَره أن يتبع ملة أبيه إبراهيم . . .

ثم تأمل حال الكليم موسى عليه السلام وما آلت إليه محنته وفتونه من أول ولادته إلى منتهى أمره حتى كلَّمه الله تكليما ، وقرَّبه منه ، وكتب له التوراة بيده ، ورفعه إلى أعلى السموات ، واحتمل له ما لا يحتمل لغيره ، فإنه رمى الألواح على الأرض حتى تكسرت ، وأخذ بلحية نبي الله هارون وجرَّه إليه ، ولطم وجه ملك الموت ففقأ عينه ، وخاصم ربه ليلة الإسراء في شأن رسول الله ، وربه يحبه على ذلك كله ، ولا سقط شيء منه من عينه ، ولا سقطت منزلته عنده ، بل هو الوجيه عند الله القريب ، ولولا ما تقدم له من السوابق وتحمل الشدائد والمحن العظام في الله ومقاسات الأمر الشديد بين فرعون وقومه ثم بنى إسرائيل وما آذوه به وما صبر عليهم لله : لم يكن ذلك .

ثم تأمل حال المسيح صلى الله عليه وسلم وصبره على قومه واحتماله في الله وما تحمله منهم حتى رفعه الله إليه وطهره من الذين كفروا وانتقم من أعدائه ، وقطَّعهم في الأرض ومزَّقهم كل ممزق وسلبهم ملكهم وفخرهم إلى آخر الدهر . . .

فإذا جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتأملت سيرتَه مع قومه وصبره في الله ، واحتماله ما لم يحتمله نبي قبله ، وتلون الأحوال عليه مِن سِلْم وخوف ، وغنى وفقر ، وأمن وإقامة في وطنه وظعن عنه وتركه لله وقتل أحبابه وأوليائه بين يديه ، وأذى الكفار له بسائر أنواع الأذى من القول والفعل والسحر والكذب والافتراء عليه والبهتان ، وهو مع ذلك كله صابر على أمر الله يدعو إلى الله فلم يؤذ نبي ما أوذي ، ولم يحتمل في الله ما احتمله ، ولم يعط نبي ما أعطيه ، فرفع الله له ذكره وقرن اسمه باسمه ، وجعله سيد الناس كلهم ، وجعله أقرب الخلق إليه وسيلة ، وأعظمهم عنده جاهاً ، وأسمعهم عنده شفاعة ، وكانت تلك المحن والابتلاء عين كرامته ، وهي مما زاده الله بها شرفا وفضلا ، وساقه بها إلى أعلى المقامات .

وهذا حال ورثته من بعده الأمثل فالأمثل كلٌّ له نصيب من المحنة ، يسوقه الله به إلى كماله بحسب متابعته له " انتهى .

والله أعلم .


و اخيرا ً

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و ولنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 03:15   رقم المشاركة : 77
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

السؤال:

هل يوجد أي دليل صحيح من القرآن والسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد من معراجه وجد ملاءة سريره مازالت دافئة ، وأن إناء من الماء قد قلبه بعد أن رحل مازال يقطر ماءً على الأرض ، وأن طرف سلسلة الباب كانت تتذبذب كما كان لحين غادر حجرته قبل الرحلة ؟

الجواب :

الحمد لله

لا نعرف لهذا الذي ذُكر في السؤال أصلا : من كون النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد من معراجه وجد ملاءة السرير دافئة ، ووجد الإناء الذي قلبه قبل معراجه لا يزال يقطر ماء ، ووجد سلسلة الباب لا تزال تتذبذب ، ومثل هذا الكلام لا تجوز حكايته لما فيه من التكلف السمج الظاهر .

ولا نعرف أحدا ذكر أنه كان لسرير رسول الله صلى الله عليه وسلم ملاءة ، وإطلاق اسم الملاءة على فَرش السرير إطلاق محدث ، والملاءة في لغة العرب هي الملحفة أو الإزار . انظر : "لسان العرب" (1/160) ، و"النهاية" (4/352).

قال الشيخ الشقيري ، رحمه الله :
" وَمَسْأَلَة ذَهَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورجوعه لَيْلَة الْإِسْرَاء وَلم يبرد فرَاشه ، لم تثبت ، بل هِيَ أكذوبة من أكاذيب النَّاس " انتهى من "السنن والمبتدعات" (143) .

كما لا يعرف أنه كان لباب بيت النبي صلى الله عليه وسلم سلسلة يغلق بها ، وقد كانت عامة البيوت أول الأمر لا أبواب لها ، قال عبد الرحمن بن زيد في قوله تعالى : ( وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ ) ... إلى قوله : ( أَوْ صَدِيقِكُمْ ) قال : إنما كان هذا في الأوّل ، لم يكن لهم أبواب ، وكانت الستور مرخاة " . انتهى من " تفسير الطبري" (19/ 221).

ومما يدل على بطلان هذا الكلام أيضا ما رواه البخاري (3342) ، ومسلم (163) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : كَانَ أَبُو ذَرٍّ ، يُحَدِّثُ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَفَرَجَ صَدْرِي ، ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ، ثُمَّ أَطْبَقَهُ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ ... ) فذكر الحديث .

فهذا يدل على أنه عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء مباشرة ، عن طريق فرجة في السقف لا عن طريق الباب .

والله أعلم
.









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 03:20   رقم المشاركة : 78
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

لقد تجرأ أحد المتعالمين منا في ليبيا على حادثة الإسراء والمعراج ، فقال في مقالة نشرتها إحدى الصحف : إن حادثة المعراج هي محض خرافات ، ولا يمكن أن تحدث لبشر، واستدل بذلك بالآية الكريمة في سورة الإسراء التي يقول الله عزل وجل فيها : ( أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً)الإسراء/93؛ فقال إن القرآن ينفي إمكانية رقي الرسول صلى الله عليه سلم للسماء ،

وقال : إن ذلك يخالف القران بنص الآية ، وأن المعراج مجرد رؤية مناميه واستدل بالآية : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ )الإسراء/60. وفي النهاية أقول لفضيلتكم : إن هذا الموضوع أدخل علي شبهة ، ولكني مؤمن بأنها معجزة ؛ أرجو الإجابة والتوضيح ، بحيث ينتفي التعارض بين الآية التي تنفي رقي البشر ، وبين معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ علما بأنني مؤمن بأنه لا تعارض في القرءان . أفيدونا جزاكم الله خيرا .


الجواب :

الحمد لله

أولا :

لا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل ، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة ، وعلى علوه سبحانه وتعالى على جميع خلقه ، قال الله سبحانه وتعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الإسراء/1 .

وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج به إلى السماوات ، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة ، فكلمه ربه سبحانه بما أراد ، وفرض عليه الصلوات الخمس ، وكان الله سبحانه فرضها أولا خمسين صلاة ، فلم يزل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يراجعه ويسأله التخفيف ، حتى جعلها خمسا ، فهي خمس في الفرض ، وخمسون في الأجر , لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه .

وقد اختلف الناس في الإسراء والمعراج ، فمنهم من قال : إنه كان مناما ، والصحيح أنه أسري وعرج به يقظة ؛ لأدلة كثيرة يأتي ذكرها .

قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة : " والمعراج حق ، وقد أسري بالنبي وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ، ثم إلى حيث شاء الله من العلا ، وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى ، ما كذب الفؤاد ما رأى ؛ فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى " انتهى .

وقال ابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية" رحمه الله : " اختلف الناس في الإسراء :

فقيل : كان الإسراء بروحه ولم يُفْقد جسدُه ، نقله ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية رضي الله عنهما ، ونقل عن الحسن البصري نحوه . لكن ينبغي أن يعرف الفرق بين أن يقال كان الإسراء مناما وبين أن يقال كان بروحه دون جسده ، وبينهما فرق عظيم ، فعائشة ومعاوية رضي الله عنهما لم يقولا كان مناما ، وإنما قالا : أسري بروحه ولم يفقد جسده ، وفرق ما بين الأمرين أن ما يراه النائم قد يكون أمثالا مضروبة للمعلوم في الصورة المحسوسة

فيرى كأنه قد عرج إلى السماء وذهب به إلى مكة ، وروحه لم تصعد ولم تذهب ؛ وإنما ملك الرؤيا ضرب له المثال ، فما أرادا أن الإسراء كان مناما ، وإنما أرادا أن الروح ذاتها أسري بها ؛ ففارقت الجسد ثم عادت إليه ، ويجعلان هذا من خصائصه فإن غيره لا تنال ذات روحه الصعود الكامل إلى السماء إلا بعد الموت .

وقيل : كان الإسراء مرتين : مرة يقظة ، ومرة مناما ... ، وكذلك منهم من قال : بل كان مرتين : مرة قبل الوحي ومرة بعده ، ومنهم من قال : بل ثلاث مرات : مرة قبل الوحي ومرتين بعده ؛ وكلما اشتبه عليهم لفظ زادوا مرة للتوفيق ، وهذا يفعله ضعفاء أهل الحديث ، وإلا فالذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة قبل الهجرة بسنة ، وقيل بسنة وشهرين ، ذكره ابن عبد البر ...

وكان من حديث الإسراء أنه أسري بجسده في اليقظة على الصحيح ، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، راكبا على البراق صحبة جبرائيل عليه السلام ، فنزل هناك وصلى بالأنبياء إماما ، وربط البراق بحلقه باب المسجد ، وقد قيل : إنه نزل بيت لحم وصلى فيه ، ولا يصح عنه ذلك ألبتة .

ثم عرج به من بيت المقدس تلك الليلة إلى السماء الدنيا ، فاستفتح له جبرائيل ففتح لهما ، فرأى هناك آدم أبا البشر ، فسلم عليه فرحب به ورد عليه السلام وأقر بنبوته ، ثم عرج به إلى السماء الثانية..."

إلى أن قال رحمه الله : " ومما يدل على أن الإسراء بجسده في اليقظة قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) الإسراء /1 ؛ والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح ، كما أن الإنسان اسم لمجموع الجسد والروح ؛ هذا هو المعروف عند الإطلاق ، وهو الصحيح ؛ فيكون الإسراء بهذا المجموع ، ولا يمتنع ذلك عقلا ، ولو جاز استبعاد صعود البشر لجاز استبعاد نزول الملائكة ؛ وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة وهو كفر

" انتهى من "شرح الطحاوية" (1/245).

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/33) : " ثم اختلف الناس : هل كان الإسراء ببدنه عليه السلام وروحه ، أو بروحه فقط ؟ على قولين ، فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناماً ، ولا ينكرون أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قبل ذلك مناماً ، ثم رآه بعد يقظة ، لأنه كان عليه السلام لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، والدليل على هذا قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) الاسراء/ 1، فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام ، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء

ولم يكن مستعظماً ، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذبيه ، ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم ، وأيضاً فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد ، وقال تعالى : ( أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ) وقال تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) الاسراء /60، قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم ، رواه البخاري [ 2888 ] ، وقال تعالى :

( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ) النجم/17 ، والبصر من آلات الذات لا الروح .

وأيضاً فإنه حمل على البراق ، وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان ، وإنما يكون هذا للبدن ، لا للروح لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه ، والله أعلم " انتهى .

وقال الشيخ حافظ الحكمي في "معارج القبول" (3/1067) : " ولو كان الإسراء والمعراج بروحه في المنام لم تكن معجزة ، ولا كان لتكذيب قريش بها وقولهم : كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس ، شهرا ذهابا وشهرا إيابا ، ومحمد يزعم أنه أسرى به اللية وأصبح فينا إلى آخر تكذيبهم واستهزاءهم به صلى الله عليه وسلم لو كان ذلك رؤيا مناما لم يستبعدوه ولم يكن لردهم عليه معنى

لأن الإنسان قد يرى في منامه ما هو أبعد من بيت المقدس ولا يكذبه أحد استبعاد لرؤياه ، وإنما قص عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرى حقيقة يقظة لا مناما فكذبوه واستهزؤوا به استبعاد لذالك واستعظاما له مع نوع مكابرة لقلة علمهم بقدرة الله عز وجل وأن الله يفعل ما يريد ولهذا لما قالوا للصديق وأخبروه الخبر قال : إن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا وتصدقه بذلك ؟ قال : نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك في خبر السماء يأتيه بكرة وعشيا أو كما قال " انتهى .

وقال الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية في كتابه ( التنوير في مولد السراج المنير ) : " وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وأبي ذر ومالك بن صعصعة وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس ، وشداد بن أوس وأبي بن كعب وعبد الرحمن بن قرط وأبي حبة وأبي ليلى الأنصاريين ، وعبد الله بن عمرو وجابر وحذيفة وبريدة ، وأبي أيوب وأبي أمامة وسمرة بن جندب وأبي الحمراء

وصهيب الرومي وأم هانىء ، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين ، منهم من ساقه بطوله ، ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد ، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة ، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون ، وأعرض عنه الزنادقة والملحدون يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون " انتهى نقلا عن "تفسير ابن كثير" (3/36).

ثانيا :

لا ينقضي العجب من هذا المسلك الذي سلكه الكاتب المذكور في الاستدلال ، فإنه اقتصر على ذكر مطلب واحد من مطالب الكفار ، فأوهم أن الجواب القرآني : (قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا) منصب على هذا المطلب ، وهو الرقي في السماء ، وأن هذا يدل على عدم إمكانه . والحق أن هذا الجواب وارد على مجموع ما طلبه المشركون تعنتا وتفننا في الجحود والإنكار

وإليك هذه المطالب كما بينها القرآن : ( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) الاسراء/90- 93 فتأمل في هذه المطالب التي لا يحسن في جوابها إلا الجواب القرآني : ( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً ) .

فهل بإمكان من هو بشر أن يفجر الأرض ، والأنهار ، ويسقط السماء ، ويأتي بالله ! وبالملائكة ! ويرقى في السماء فيأتي منها بكتاب موجه إلى كل كافر ! كما جاء في التفسير عن مجاهد وغيره ، وهو موافق لقوله تعالى : ( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً ) المدثر /52 . لا شك أن ذلك ليس من خصائص البشر ، ولا هو في إمكانهم ، فهذا الاستبعاد منصب على مجموع هذه المطالب ، لا على آحاد كل منها

وإلا ففيها مطالب مما هو ممكن عادة ، فقد ثبت أن الماء نبع من بين أصبعيه الشريفتين صلى الله عليه وسلم ، كما في صحيح البخاري (3576) ، وغيره ، فكيف بتفجير نبع من الأرض ، ولا استحالة ـ أيضا ـ في أن يكون له جنة من نخيل .. ، على نحو ما طلبوا ، إلا أن هؤلاء لم يكن له غرض في حصول هذه الأشياء حقيقة ، إنما هي من باب المبالغة في العناد ، والتعنت مع الرسول ، من أجل التمادي في طغيانهم .

قال الطاهر ابن عاشور رحمه الله : " ولما كان اقتراحهم اقتراح مُلاجّة [ المبالغة في الخصومة ] وعناد ، أمره الله بأن يجيبهم بما يدل على التعجب من كلامهم بكلمة ( سبحان ربي) التي تستعمل في التعجب .. ثم بالاستفهام الإنكاري ، وصيغة الحصر المقتضية قصر نفسه على البشرية والرسالة قصرا إضافيا ، أي لست ربا متصرفا أخلق ما يطلب مني ، فكيف آتي بالله والملائكة ، وكيف أخلق في الأرض ما لم يخلق فيها " . انتهى .

"التحرير والتنوير" ( 15/210-211) .

ثالثا :

احرص على قلبك يا عبد الله ، وكن على دينك أحرص منك على الدرهم والدينار ؛ فلا تدع لشياطين الإنس والجن سبيلا أن يسترقوا اليقين من قلبك ، أو يزعزعوا الإيمان فيه ؛ وما دمت لم تحصل من العلم الشرعي ، ما يحصنك ضد شبهات المشككين ، ففر من هؤلاء ، ومجالسهم ، ومنتدياتهم ، ولا تسمع لزخارف قولهم ، فإنك لا تدري إذا نزلت الشبهة في قلبك متى تخرج منه ، وإذا عرضت الفتنة ، هل أنت ناج منها أم من المفتونين .

نسأل الله تعالى لنا ولجميع عباده الموحدين الهداية والتوفيق والسداد .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 03:26   رقم المشاركة : 79
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

عندما قال جبريل عليه السلام للنبي صلي الله عليه وسلم - وهو في غار حراء - : اقرأ ، وقال له النبي صلي الله عليه وسلم : ( ما أنا بقارئ ) ، هل كان النبي صلي الله عيه وسلم أمامه اللوح المحفوظ في ذلك الوقت ليقرأ منه ؟

أم ما معنى اقرأ؟ أما في قوله تعالى : (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) العنكبوت/ 48 . ذكر أحد الأشخاص شبهة أن المقصود من تلك الآية : أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ولا يكتب قبل البعثة ، أما بعد ما بُعِث : فهو الذي كتب القرآن ، بل وخطَّه بيمينه ، حتى يتأكد أنه يأتينا صحيحا ، وأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يقرأ ويكتب سوى القرآن ؟


الجواب :

الحمد لله

أولا :

للعلماء في قول جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم : ( اقرأ ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم له : ( ما أنا بقارئ ) أقوال :

- قيل : أتاه بنمط من ديباج فيه كتاب ، ثم قال له : اقرأ ، يعني اقرأ ما في هذا الكتاب .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" وَقع عِنْد ابن إِسْحَاقَ فِي مُرْسَلِ عُبَيْدِ بِنِ عُمَيْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (أَتَانِي جِبْرِيلُ بِنَمَطٍ مِنْ دِيبَاجٍ فِيهِ كِتَابٌ قَالَ اقْرَأْ . قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ) قَالَ السُّهَيْلِيُّ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ قَوْلَهُ ( ألم ذَلِكَ الْكتاب لَا ريب فِيهِ ) إِشَارَةٌ إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ بِهِ جِبْرِيلُ حَيْثُ قَالَ لَهُ (اقْرَأْ)

" انتهى من " فتح الباري " (8/ 718) .

وقال الحافظ ابن حجر - أيضا - :

" تَكَلَّمَ شَيْخُنَا - يعني البلقيني - عَلَى مَا كَانَ مَكْتُوبًا فِي ذَلِكَ النَّمَطِ فَقَالَ: (اقْرَأْ) أَيِ الْقَدرَ الَّذِي أَقْرَأَهُ إِيَّاهُ وَهِيَ الْآيَاتُ الْأُولَى مِنِ (اقْرَأ باسم رَبك) وَيحْتَمل أَن يكون جملَة الْقُرْآن ، وعَلى هَذَا يَكُونُ الْقُرْآنُ نَزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً بِاعْتِبَارٍ وَنَزَلَ مُنَجَّمًا بِاعْتِبَارٍ آخَرَ

" انتهى من " فتح الباري " (12/ 357) .

أما القول بأنه كان أمامه اللوح المحفوظ ، فقول فاسد ، لأن اللوح المحفوظ في الملأ الأعلى في السماء .

- وقيل : معنى (اقرأ) ، يعني ردِّد خلفي ما أقوله ، ومعنى (ما أنا بقارئ) يعني : لم أتعلم القراءة ، كما هو المعتاد فيمن يقرأ .

قال الحافظ ابن حجر :

" قَوْلُهُ (فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ) : اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ : ( افعل ) : تَرِدُ لِلْتَنْبِيهِ ، وَلَمْ يَذْكُرُوهُ قَالَهُ شَيْخُنَا الْبُلْقِينِيُّ ، ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى بَابِهَا لِطَلَبِ اَلْقِرَاءَةِ ، عَلَى مَعْنَى : أَنَّ الْإِمْكَانَ حَاصِلٌ.

قَوْلُهُ (فَقَالَ اقْرَأْ) قَالَ شَيْخُنَا الْبُلْقِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: دَلَّتِ الْقِصَّةُ عَلَى أَنَّ مُرَادَ جِبْرِيلَ بِهَذَا أَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ مَا قَالَهُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ (اقْرَأْ) .

ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا : وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جِبْرِيلُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (اقْرَأْ) إِلَى مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّمَطِ الَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَة ابن إِسْحَاقَ ، فَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ (مَا أَنَا بِقَارِئٍ) ؛ أَيْ : أُمِّيٌّ لَا أُحْسِنُ قِرَاءَةَ الْكُتُبِ .

قَالَ : وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ . وَهُوَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ ( اقْرَأْ ) : التَّلَفُّظَ بِهَا " انتهى مختصرا من" فتح الباري " (12/ 357) ، وينظر : " طرح التثريب " ، للعراقي (4/ 187-188) ، " مرقاة المفاتيح " (9/ 3730) .

- وقيل : لا يلزم من أَمرِه بالقراءة أن يكون هناك مكتوب يريد منه أن يقرأه ، وإنما المعنى : اقرأ ما يتلى عليك فيما يستقبل ، ويكون معنى ( ما أنا بقارئ ) الاعتذار له عن القراءة التي لا يعرف حقيقتها في ذلك الوقت ، فهو رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب .

قال ابن عاشور رحمه الله :

" وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (اقْرَأْ) أَمْرٌ بِالْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةُ نُطْقٌ بِكَلَامٍ مُعَيَّنٍ مَكْتُوبٍ أَوْ مَحْفُوظٍ عَلَى ظَهْرِ قَلْبٍ.

وَالْأَمْرُ بِالْقِرَاءَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ ، مِنَ الطَّلَبِ لِتَحْصِيلِ فِعْلٍ فِي الْحَالِ أَوِ الِاسْتِقْبَالِ، فَالْمَطْلُوبُ بِقَوْلِهِ: اقْرَأْ : أَنْ يَفْعَلَ الْقِرَاءَةَ فِي الْحَالِ أَوِ الْمُسْتَقْبَلِ الْقَرِيبِ مِنَ الْحَالِ، أَيْ أَنْ يَقُولَ مَا سَيُمْلَى عَلَيْهِ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ بِقِرَاءَةٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْقَرِيبِ : أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ إِمْلَاءُ كَلَامٍ عَلَيْهِ مَحْفُوظٍ ، فَتُطْلَبَ مِنْهُ قِرَاءَتُهُ، وَلَا سُلِّمَتْ إِلَيْهِ صَحِيفَةٌ ، فَتُطْلَبَ مِنْهُ قِرَاءَتُهَا، فَهُوَ كَمَا يَقُولُ الْمُعَلِّمُ لِلتِّلْمِيذِ: اكْتُبْ، فَيَتَأَهَّبُ لِكِتَابَةِ مَا سَيُمْلِيهِ عَلَيْهِ

" انتهى من " التحرير والتنوير " (30/ 435) .

ثانيا :

القول بأن المقصود من قوله تعالى : ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) العنكبوت/ 48 ، أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ولا يكتب قبل البعثة ، أما بعد البعثة فهو الذي كتب القرآن ، وخطه بيمينه ، وأنه لم يقرأ ولم يكتب سوى القرآن : قول باطل من وجوه :

الأول : أن الصواب المقطوع به : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ، من يوم ولد إلى أن توفاه الله .

الثاني : أنه ليس في الآية ، ولا في غيرها من الآيات ، ولا فيما ثبت من السنن والآثار : أنه صلى الله عليه وسلم قرأ وكتب بعد البعثة ، وإنما فيها أنه لم يكن يكتب ولا يقرأ ، ولم يأت ما يدل على تعلمه القراءة والكتابة ، وهذا آكد في الحجة ، وأعظم في البرهان ، والقول بخلاف ذلك ، أو دعوى أنه كان يكتب الوحي بيده صلى الله عليه وسلم : دعوى باطلة في نفسها ، عاطلة عن الدليل الصحيح.

الثالث : قول هذا المدعي : كتبه بيده حتى يتأكد من وصوله إلينا صحيحا ، مِن أفسد القول ؛ لأن فيه غمزا للصحابة رضي الله عنهم ، كأنه يقول : كان لا يأمن الصحابة على كتابة القرآن فكتبه بيده ، فيقال : فكيف استأمنهم من بعد موته على نقله ونقل الشريعة إلى الأمة بأسرها ؟











رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 03:29   رقم المشاركة : 80
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

نرجو شرحاً مفصلاً مصحوباً بتفسير العلماء العظام مثل ابن كثير أو الطبري أو غيرهما لقول الله عز وجل : (في لوح محفوظ) سورة البروج آية 22 .
جزاكم الله خيراً .


الجواب :

الجمد لله

1. قال ابن منظور :

اللوح : كل صفيحة عريضة من صفائح الخشب .

وقال الأزهري : اللوح صفيحة من صفائح الخشب والكتف إذا كتب عليها سميت لوحا .

واللوح الذي يكتب فيه .

و اللوح : اللوح المحفوظ ، وفي التنزيل { في لوحٍ محفوظٍ } يعني : مستودعٌ مشيئات الله تعالى .

وكل عظم عريض : لوح .

والجمع منها : ألواح .

وألاويح : جمع الجمع . " لسان العرب " ( 2 / 584 ) .

2. قال ابن كثير رحمه الله :

في لوح محفوظ أي : هو في الملإ الأعلى محفوظ من الزيادة والنقص والتحريف والتبديل . " تفسير ابن كثير " ( 4 / 497 ، 498 ) .

3. وقال ابن القيم رحمه الله :

وقوله { محفوظ } : أكثر القراء على الجر صفة للوح ، وفيه إشارة إلى أن الشياطين لا يمكنهم التنزّل به لأن محله محفوظ أن يصلوا إليه ، وهو في نفسه محفوظ أن يقْدِر الشيطان على الزيادة فيه والنقصان .

فوصفه سبحانه بأنه محفوظ في قوله { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ، ووصف محله بالحفظ في هذه السورة .

فالله سبحانه حفظ محله ، وحفظه من الزيادة والنقصان والتبديل ، وحفظ معانيه من التحريف كما حفظ ألفاظه من التبديل ، وأقام له مَن يحفظ حروفه مِن الزيادة والنقصان ، ومعانيه مِن التحريف والتغيير . " التبيان في أقسام القرآن " ( ص 62 ) .

4. أما ما جاء في بعض كتب التفسير ، أن اللوح المحفوظ في جبهة " إسرافيل " ، أو أنه مخلوق من زبرجدة خضراء ، وغير ذلك فهو مما لم يثبت ، وهو من الغيب الذي لا يقبل إلا ممن أوحي إليه منه بشيء .

والله تعالى أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد











رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 03:32   رقم المشاركة : 81
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

هل هناك دليل على أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان لا يقدر على القراءة والكتابة ؟ .


الجواب:

الحمد لله

قال الله تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(157)

قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية :

قوله تعالى : "الأمي" .. قال ابن عباس رضي الله عنه : كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب ; قال الله تعالى: "وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك " [العنكبوت: 48] .

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية الأخيرة :

ثم قال تعالى "وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك" أي قد لبثت في قومك يا محمد من قبل أن تأتي بهذا القرآن عمرا لا تقرأ كتابا ولا تحسن الكتابة بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب وهكذا صفته في الكتب المتقدمة كما قال تعالى "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر" الآية وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما إلى يوم الدين لا يحسن الكتابة ولا يخط سطرا ولا حرفا بيده بل كان له كُتّاب يكتبون بين يده الوحي والرسائل إلى الأقاليم . ..

قال الله تعالى "وما كنت تتلو" أي تقرأ "من قبله من كتاب" لتأكيد النفي "ولا تخطه بيمينك" تأكيد أيضا .. وقوله تعالى "إذا لارتاب المبطلون" أي لو كنت تحسنها لارتاب بعض الجهلة من الناس فيقول إنما تعلم هذا من كتب قبله مأثورة عن الأنبياء مع أنهم قالوا ذلك مع علمهم بأنه أمي لا يحسن الكتابة "وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا".

وقال عزّ وجلّ :

( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ(2) الجمعة

قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية :

قيل: الأميون الذين لا يكتبون . وكذلك كانت قريش . وروى منصور عن إبراهيم قال: الأمي الذي يقرأ ولا يكتب . "رسولا منهم" يعني محمدا صلى الله عليه وسلم .. وكان أميا لم يقرأ من كتاب ولم يتعلم صلى الله عليه وسلم. قال الماوردي: فإن قيل ما وجه الامتنان في أن بعث نبيا أميا ؟ فالجواب عنه من ثلاثة أوجه : أحدها: لموافقته ما تقدمت به بشارة الأنبياء . الثاني: لمشاكلة حاله لأحوالهم , فيكون أقرب إلى موافقتهم . الثالث: لينتفي عنه سوء الظن في تعليمه ما دعا إليه من الكتب التي قرأها والحكم التي تلاها . قلت: وهذا كله دليل معجزته وصدق نبوته . انتهى ملخصا من تفسير القرطبي رحمه الله

الشيخ محمد صالح المنجد











رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 03:38   رقم المشاركة : 82
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

كان النبي صلى الله عليه وسلم أمياً لا يكتب ، ولذلك كان له خاتم يلبسه ويختم به مراسلاته ، ولكن كيف يمكن التوفيق بين ذلك وبين ما جاء في صحيح البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (رضي الله عنه) أنه قال : " يوم الخميس ، وما يوم الخميس ، ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء ، فقال : اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس فقال : ( ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ) ، فتنازعوا ،

ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه ) ، وأوصى عند موته بثلاث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، ونسيت الثالثة " قال يعقوب بن محمد : سألت المغيرة بن عبد الرحمن ، عن جزيرة العرب ، فقال : " مكة والمدينة واليمامة واليمن " ،

وقال يعقوب ، والعرج : أول تهامة" (4.228) ، وكتابة الرسول صلى الله عليه وسلم لعقد زواجه على عائشة رضي الله عنها (صحيح البخاري 7.88) ؟


الجواب :

الحمد لله

أولا

اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم ليس لأنه أمي لا يكتب ؛ ولكن ليختم كتبه ورسائله التي كان يرسل بها إلى ملوك الأرض ، وقد كانت عادتهم في ذلك الوقت أن لا يقبلوا كتابا إلا مختوما من صاحبه .

روى البخاري (2938) عن أنس رضي الله عنه قال : " لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ ، قِيلَ لَهُ : إِنَّهُمْ لاَ يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " .

ثانيا :

كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رسولا أميا ، لا يقرأ ولا يكتب ؛ كما وصفه ربه عز وجل بقوله : ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الأعراف/ 158.

وقال تعالى : (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) العنكبوت/ 48 .

فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ كتابا أو يكتب شيئا قبل نزول الوحي .

وقد اختلف أهل العلم : هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم القراءة والكتابة بعد نزول الوحي أم لا ؟

فذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنه كتب صلى الله عليه وسلم ، يوم الحديبية وغيره ؛ فقد روى البخاري (4251) في خبر الحديبية : (... فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكِتَابَ، وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ ، فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ... ) .

وكذلك الحديث الذي رواه البخاري (3053) ، ومسلم (1637) وهو الحديث الذي ذكره السائل في سؤاله .

وأكثر العلماء على أنه صلى الله عليه وسلم ما قرأ ولا كتب شيئا حتى مات .

قال ابن كثير رحمه الله :

" وَهَكَذَا كَانَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا أَبَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَلَا يَخُطُّ سَطْرًا وَلَا حَرْفًا بِيَدِهِ ، بَلْ كَانَ لَهُ كُتَّابٌ يَكْتُبُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْوَحْيَ وَالرَّسَائِلَ إِلَى الْأَقَالِيمِ ، وَمَنْ زَعَمَ مِنْ مُتَأَخَّرِي الْفُقَهَاءِ ، كَالْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، كَتَبَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ : "هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" فَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: (ثُمَّ أَخَذَ فَكَتَبَ): وَهَذِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: ( ثُمَّ أَمَرَ فَكَتَبَ)

وَلِهَذَا اشْتَدَّ النَّكِيرُ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَغْرِبِ وَالْمَشْرِقِ على من قال بقول الباجي، وتبرؤوا مِنْهُ ، وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا وَخَطَبُوا بِهِ فِي مَحَافِلِهِمْ : وَإِنَّمَا أَرَادَ الرَّجُلُ -أَعْنِي الْبَاجِيَّ، فِيمَا يَظْهَرُ عَنْهُ -أَنَّهُ كَتَبَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُعْجِزَةِ ، لَا أَنَّهُ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ ، وَمَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى تَعَلَّمَ الْكِتَابَةَ ، فَضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ

" .انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/ 285-286) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
\
" وَقَدْ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ - يعني رواية يوم الحديبية - أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ فَادَّعَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ بِيَدِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُ يَكْتُبُ ، فَشَنَّعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْأَنْدَلُسِ فِي زَمَانِهِ وَأَنَّ الَّذِي قَالَه مُخَالف الْقُرْآنَ ... وَذكر ابن دِحْيَةَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْعُلَمَاءِ وَافَقُوا الْبَاجِيَّ فِي ذَلِكَ ، وَاحْتج بَعضهم لذَلِك بأحاديث ، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عنها بضعفها، وَعَنْ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ وَالْكَاتِبُ فِيهَا عَلِيٌّ ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بِأَنَّ عَلِيًّا هُوَ الَّذِي كَتَبَ ، فمعنى (كتب) أي : ( أَمَرَ بِالْكِتَابَةِ ) ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ " .

انتهى باختصار من "فتح الباري" (7/ 503-504) .

فالراجح - والله أعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب ولم يقرأ حتى مات ، وما ورد من كونه كتب - كما في حديث الحديبية - ، فإنما معناه : أمر عليا رضي الله عنه أن يكتب .

وعلى ذلك فقوله في حديث ابن عباس : ( ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا) إنما يعني : آمر من يكتب لكم ، لا أنه صلى الله عليه وسلم كان سيكتب بنفسه ، وخاصة أنه في مرض الموت ، وقد أصابه من التعب والضعف ما أصابه ، فالمناسب - ولو كان يحسن الكتابة - أن يأمر أحدا ممن بحضرته أن يكتب .

ثالثا :

قول السائل
:
" وكتابة الرسول صلى الله عليه وسلم لعقد زواجه على عائشة رضي الله عنها " غير صحيح ؛ فلم تكن العقود تكتب وتوثق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .

وكتابة عقد النكاح وتوثيقه إنما يقصد به ضمان الحقوق ، وليست كتابة العقد ركنا من أركان النكاح أو شرطا في صحته .

والله أعلم .










رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 03:48   رقم المشاركة : 83
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

من دواعي سروري وعظيم امتناني أن أتشرف بمراسلة من أوكلوا أنفسهم لخدمة الشرع القويم ، ولمعالجة القضايا الإسلامية ، وإبعاد المسلمين عن الموبقات وشرور الفتن . لا أخفي عليكم ،

فأنا شديد القراءة والمتابعة لمختلف القضايا الدينية والفكرية والاجتماعية ،

وقد كانت قراءتي سببا لمتاهات فكرية جعلتني أحار في أغلب المواقف عن تحليلها . فأفتوني أبعدكم الله عن شرور أنفسكم . ما قولكم في هذا الحديث الوارد في صحيح مسلم -

كتاب الوصية ( باب تَرْكِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ شيء يُوصِي فِيهِ )‏ : 4319- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ - وَاللَّفْظُ لِسَعِيدٍ - قَالُوا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الاَحْوَلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَوْمُ الْخَمِيسِ ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ؟! ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى ‏.

فَقُلْتُ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ؟ قَالَ : اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ ‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ ائْتُونِي اَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدِي ‏"‏ ‏.‏ فَتَنَازَعُوا وَمَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ ‏.‏ وَقَالُوا : مَا شَاْنُهُ ؟! أَهَجَرَ ؟! اسْتَفْهِمُوهُ ‏.‏ قَالَ ‏"‏ دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ ، اُوصِيكُمْ بِثَلاَثٍ : أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ،

وأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ ‏"‏ ‏.

قَالَ وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ أَوْ قَالَهَا فَاُنْسِيتُهَا .

هناك لسان آخر للحديث يتبع هذا المعنى 4321- حدَّثَنَا اِسْحَاقُ بْنُ اِبْرَاهِيمَ، اَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،

أَنَّهُ قَالَ : يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ‏

ثُمَّ جَعَلَ تَسِيلُ دُمُوعُهُ حَتَّى رَاَيْتُ عَلَى خَدَّيْهِ كَاَنَّهَا نِظَامُ اللُّؤْلُؤِ ‏.‏

قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ائْتُونِي بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ - اَوِ اللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ - اَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ اَبَدًا ‏"‏ ‏.‏

فَقَالُوا اِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَهْجُرُ .

أرجو تبيان المعنى الذي تتضمنة الرواية إن صدقت : فهل يصح أن يكون هناك تعالي على مكان ومقام النبي صلى الله عليه وسلم ؟

وهل يحق لأحد أن يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من أمر هو قاضيه ، وهو المسدد ؟

وهل يحق أن نحاسب النبي صلى الله عليه وسلم كما نحاسب أنفسنا بأن يصل عقله إلى حد التخريف والعياذ بالله ؟


الجواب :

الحمد لله

أولا :

نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم وجميع المسلمين لطاعته وخدمة دينه وشرعه .

ثم نوصيك بالعناية بثوابت الدين المتمثلة بأركان الإسلام والإيمان ، وبكليات الشريعة المتمثلة بالقواعد الفقهية والمقاصد العامة ، المقررة في مئات النصوص القطعية من الكتاب والسنة ، فهي الآيات المحكمات التي جعلها الله سبحانه وتعالى عصمة للدين من التحريف والتبديل ، وعصمة لمن خشي على نفسه الفتنة والغواية .

يقول الله عز وجل : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) آل عمران/7

وليست هذه العصمة في الكتاب فقط ، بل العلومُ كلُّها – بطبيعتها - مبنيةٌ على محكمات وثوابت يعرفها أهلها

والمتخصصون بها ، فلا تشكل عليهم شيء من فلتات الأحداث أو الكلمات أو المواقف التي تعارض تلك الأصول ، فالفرع المظنون لا يهدم الأصل الراسخ ، لا في منطق الشرع ولا في منطق العقل .

ولعل الغفلة عن هذه الفكرة سبب أكثر أخطاء المشتغلين بالثقافة اليوم ، سواء كانت ثقافة علمية شرعية أم علمية إنسانية ، فتجد مَن يصدر برأيه متشبثا بسياق مختلف عن السياق العام الذي يحكم ذلك الفكر ، بناء على أفرادِ نصوصٍ أو آحادِ حوادثَ يريد كسر الإطار اللغوي أو التاريخي الذي وردت فيه ، كحال بعض المستشرقين الذين يشككون في السنة النبوية كلها ، ضاربين صفحا عن مئات الآلاف من الصفحات التي سطرها المحدثون بدمائهم وأعمارهم وأموالهم لنقل السنة غضة كما هي ، بحجة فقد كتاب أو اتهام راو أو دخول بعض الوضع والكذب ، مَثَلُهم في ذلك مثل الطفل الذي لا يقيس العالم كله إلا بشخص أبويه ، فكلما رأى امرأة ناداها باسم أمه ، أو كلما رأى رجلا ظن أن أباه أقوى وأفضل منه .

ثانيا :

أما في معرض الجواب عما استشكلته ، فانظر فيه نظرة الاعتدال السابقة ، وحَكِّم في ذلك المحكمات الواردة في عشرات النصوص القرآنية التي تُثنِي على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومئات النصوص النبوية التي تبين عظيم منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلوبهم ، وانظر كتب السيرة التي مُلئت بالتضحيات التي قدموها في نصرة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قارن ذلك بالإشكال الذي وجدته في حديث ابن عباس عن يوم الخميس ، وأظنك لن تحتاج بعدها إلى جواب تفصيلي عن ذلك الإشكال ، فالقاعدة التي سبق شرحها أعلاه تقضي بالتسليم للمحكمات ونبذ المتشابهات .

يقول الشاطبي رحمه الله في "الموافقات" (3/260) :

" إذا ثبتت قاعدة عامة أو مطلقة فلا تؤثر فيها معارضة قضايا الأعيان ولا حكايات الأحوال " انتهى . ثم ذكر أدلة هذا الأصل وأمثلة عليه في كلام محكم ومفيد فليرجع إليه.

ثانيا :

ولكننا – زيادة في البيان ورغبة في بعث الاطمئنان – نقرر لك هنا بعض الأجوبة التفصيلية عن هذه المسألة ، ليزداد يقينك ، ثم ليكون لك هذا المثال ميزانا تقيس عليه كل شبهة ترد عليك ، فنقول :

إن خلاصة الحادثة أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب مِمَّن حوله من الصحابة – وهو في إعياء شديد بسبب المرض – أن يحضروا له كتابا ليأمر بكتابة أمرٍ فيه هدايةٌ للأمة من بعده ، لم يُفصح عنه صلى الله عليه وسلم .

فنظر بعض الحضور في حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما هو فيه من تعب وإعياء شديدين ، فتأخروا عن إحضار الكتاب ، وظنوا أن ما في القرآن العظيم من الهداية يكفيهم عن إجهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتابة ، وذلك قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا ) البخاري (114)

ولكن آخرين أصروا على إحضار الكتاب امتثالا لرغبته صلى الله عليه وسلم .

فحصل بعض اللغط والاختلاف بين الفريقين ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، عدل عن طلبه إحضار الكتاب ، وأوصاهم مشافهة بوصية أخرى جامعة مذكورة في الرواية في السؤال .

هذا هو محصل ما في الروايات ، والقصة بذلك تفهم بسياقها السهل الطبيعي ، ولا يستشكلها أي قارئ ولا أي باحث .
إلا أن بعضهم يأبى إلا أن يقرأ فيها تعالي بعض الصحابة على مقام النبوة ، ومنعهم إياه من أداء رسالته صلى الله عليه وسلم !

ولا نرى هذه القراءة المغرضة إلا اتباعا للهوى والشيطان ، وتحريفا للكلم عن مواضعه ، لسبب يسير ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغضب لِما حصل ، ولم يُنكر على أولئك الذين تباطؤوا عن الكتاب ، ولم يفضحهم الله تعالى بآيات تتلى كما هي عادة القرآن الكريم ، بل سكت وأقرهم ، ولم يكرر صلى الله عليه وسلم طلبه بإحضار الكتاب .
يدلك ذلك على أن الأمر لا يحتمل التفسيرات الباطلة التي يبثها بعض الحاقدين

وإنما هو خلاف يسير حصل بين الصحابة كبعض الخلافات السابقة : كما حصل يوم الحديبية حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالتحلل فتأخروا رجاء نزول الوحي بالمضي في العمرة ، وكما حصل من خلاف بينهم في شأن الأسرى ، ونحوها من الأمور التي كان النبي صلى الله عليه وسلم حاضرها وسكت عنها .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة" (6/26) :

" لو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته لكان النبي صلى الله عليه وسلم يُبينُه ويكتبه ، ولا يلتفت إلى قول أحد ، فعلم أنه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجبا ، ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذ ، إذ لو وجب لفعله " انتهى باختصار .

ويقول المازري رحمه الله – كما ينقله ابن حجر في "فتح الباري" (8/134) -:

" إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب ، مع صريح أمره لهم بذلك ؛ لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب ، فكأنه ظهرت منه قرينة ، دلت على أن الأمر ليس على التحتم ، بل على الاختيار ، فاختلف اجتهادهم ، وصمم عمر على الامتناع ، لما قام عنده من القرائن بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عن غير قصد جازم ، وعزمه صلى الله عليه وسلم كان إما بالوحي وإما بالاجتهاد ، وكذلك تركه إن كان بالوحي فبالوحي ، وإلا فبالاجتهاد ، وفيه حجة لمن قال بالاجتهاد في الشرعيات " انتهى .

ويقول الدكتور إبراهيم الرحيلي في "الانتصار للصحب والآل" :

" فتبين أن اختلافهم ناشئ عن اجتهاد في فهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومراده ، وإذا كان علماء الأمة من بعدهم قد اختلفوا في فهم النصوص اختلافاً كبيراً في مسائل كثيرة إلى أقوال متعددة ، ولم يُذَموا بذلك لِما تضافرت به النصوص من رفع الحرج عنهم ، بل أجرهم على الاجتهاد على كل حال ، فكيف يذم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باختلافهم في مسألة جزئية ، بعد أن عذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعنف أحداً منهم .

بل أخذ بقول الطائفة المانعة من كتابة الكتاب ، ورجع إلى قولها في ترك الكتابـة .

فإنه صلى الله عليه وسلم لو أراد أن يكتب الكتاب ما استطاع أحد أن يمنعه ، وقد ثبت أنه عاش بعد ذلك أياماً - باتفاق السنة والرافضة - فلم يكتب شيئـــاً " انتهى .











رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 03:51   رقم المشاركة : 84
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ثالثا :

أما أن بعض الصحابة يتهم النبي صلى الله عليه وسلم بالتخريف – حاشاه من ذلك – بناء على ما جاء في الرواية أنهم ( قالوا : أهجر ؟! استفهموه ) ، فهذه كذبة أخرى وافتراء على القصة والحادثة ، وبيان ذلك :

أن غاية هذه الكلمة ( أَهَجَرَ ؟ ) الشك في وقوع الهجر – وهو الكلام غير الواضح - من النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس تقريرا لذلك ، فالرواية التي جاءت بصيغة الاستفهام أصح من الروايات الأخرى باتفاق المحدثين :

القاضي عياض في "الشفا" (2/886) ، والقرطبي في "المفهم" (4/559) ، والنووي في "شرح مسلم" (11/93) ، وابن حجر في "فتح الباري" (8/133)

والاستفهام يدل على الشك ، وليس على الجزم .

ثم نقول : إنه شك ليس في محله ، ولا ينبغي أن يصدر تجاه النبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه شك جاء بشبهة ، فقد كان مرض النبي صلى الله عليه وسلم شديدا ، كان يوعك كما يوعك الرجلان من الناس ، وأغمي عليه مرات كثيرة ، كل ذلك ثابت في الصحيحين ، فظن قائل هذه العبارة – وهو مبهم لا يُعرف ، ولم تُسَمِّه الروايات الصحيحة - أن المرض أثَّر عليه أثرا بالغا إلى حد الهجر ، وهو ظن خاطئ ولا شك ، لكن السياق الذي جاء فيه يثبت العذر لمن قاله .

انظر: "منهاج السنة النبوية" (6/24) .

ولذلك لا نجد – ولا في رواية - إنكارَ الحاضرين على قائل هذه العبارة ، بل كان ابن عباس – وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم – يروي هذه اللفظة من غير تحفظ على قائلها ، عذرا منهم رضي الله عنهم لقائلها الذي أخذته شدة الموقف ، حيث كانوا يرون أحب الناس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الشدة والمحنة .

كما أن ثمة احتمالا ثانيا وجيها ، وهو أن يكون قائل هذه العبارة قالها عن دهش ولحظة فجيعة باشتداد المرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يقلها بوعي ولا إدراك تام لحقيقة ما يقول ، تماما كما وقع من عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين مات النبي صلى الله عليه وسلم من إنكار موته وزعم رجوعه بعد الموت .

يقول القرطبي في "المفهم" (4/560) :

" ويحتمل : أن يكون هذا صدَرَ عن قائله عن دهشٍ وحيرةٍ أصابه في ذلك المقام العظيم ، والمصاب الجسيم ، كما قد أصاب عمر وغيره عند موته " انتهى .

ويقول الشيخ عثمان الخميس في كتابه "حقبة من التاريخ" (ص/318-321) :

" وطعنهم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قِبَل هذا الحديث يتمثل في أنهم يدعون كذبا أن عمر قال : " إن رسول الله يهجر "

وهذا كذب على عمر !! لم يقل عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر ، بل الرواية في الصحيحين وغيرهما أن عمر رضي الله عنه قال : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع " ، وفي ذلك الوقت كان مرض الموت على النبي صلى الله عليه وسلم شديدا . ويبين هذا حديث عائشة رضي الله عنها لما أغمي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أفاق فقال : أصلى الناس ؟ قالت : هم في انتظارك يا رسول الله .

فقربوا إليه الماء فاغتسل ، ثم قام يريد أن يذهب إلى الصلاة فسقط معميا عليه ثم أفاق فقال : أصلى الناس ؟ قالوا : هم في انتظارك يا رسول الله . فقال : قربوا لي ماء . فأتوه بالماء فاغتسل ، ثم قام يريد أن يذهب للصلاة فسقط . فلما سقط الثالثة ثم أفاق : قال : أصلى الناس ؟ قالوا : هم في انتظارك . قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس . متفق عليه .
نعم هناك من قال : أهجر . ولكنه ليس عمر .

وعن عبد الله بن مسعود أنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يوعك وعكا شديدا أشفق عليه ، فقال : يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني أوعك كرجلين منكم . قال ابن مسعود : أذلك لأن لك الأجر مرتين ؟ قال : نعم . متفق عليه .

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يوعك وعكا شديدا ، فلما سمع عمر النبي صلى الله عليه وسلم يقول : هلم أكتب لكم كتابا . أشفق على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن رسول الله غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله .

وهذا موافق لقوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )

والرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( والله ما تركت شيئا يقربكم إلى الله والجنة إلا وأخبرتكم به ، وما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به ، وما تركت شيئا مما نهاكم الله عنه إلا قد نهيتكم عنه ) النسائي (2719)

فما بقي شيء في الدين لم يبينه الرسول صلى الله عليه وسلم .

فما هذا الكتاب الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يكتبه ؟

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته من بعده . قال : فخشيت أن يموت قبل أن يأتيه الكتاب ، فقلت : يا رسول الله إني أحفظ وأعي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوصيكم بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم ) البيهقي (5/17) – ومسند أحمد (1/90) -

فإذا قالوا : الصحابة عصوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأتوه بالكتاب .

فنقول : علي أول من عصى ، فإنه هو المأمور مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه بالكتاب . فلماذا لم يأته به ؟ فإذا لُمنا أصحاب النبي صلى الله علهي وسلم على هذا الأمر فعلي يُلام !!

والحق أنه لا لَوم على الجميع ، لأمور :

أولا : إن عليا رضي الله عنه في هذا الحديث نفسه قال : فخشيت أن تذهب نفسه ، فقلت : يا رسول الله إني أحفظ وأعي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوصيكم بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم . فالنبي صلى الله عليه وسلم إذًا تلفظ بما أراد أن يكتب .

ثانيا : الذي أراد أن يكتبه النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون واجبا عليه أو مستحبا ، فإن قالوا : إنه أمر واجب وهو من أمور الشريعة الواجب تبليغها ، فقولهم هذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ جميع الشرع ، وهذا طعن في النبي صلى الله عليه وسلم وطعن في الله الذي قال : ( اليوم أكملت لكم دينكم )

وإن قالوا : إنه مستحب !! فنقول : هذا هو قولنا جميعا .

ثالثا : إن الصحابة امتنعوا شفقة على النبي على النبي صلى الله عليه وسلم لا من باب المعصية " انتهى .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 03:59   رقم المشاركة : 85
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

قرأت على النت مقالاً جاء فيه : " كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يطبخ وينظف ويكنس . إن زوجاتكم لسن عبيداً عندكم ، وإنما هن شريكات لكم ، فكونوا كمحمد صلى الله عليه وسلم " ، فهل هذا الكلام صحيح ؟

وما الأدلة من الكتاب والسنة ؟


الجواب :

الحمد لله


أولا :

ليس الحديث الوارد في ذلك الشأن هو باللفظ المذكور في السؤال ، ولا بهذا التفصيل ، وإنما الذي يبدو أن المذكور زاد في الأمر ، ونزله تنزيلا جديدا ، ليثبت المساهمة من الزوج لزوجته ، والمشاطرة لها في كل شيء ، وكأنه عمل مشترك ، أو قسمة بين الطرفين .

وإنما الوارد في ذلك نموذج من كمال خلقه ، وكريم خصاله ، صلى الله عليه وسلم ، وتواضعه ، وعدم ترفعه عن شيء ، حتى إنه ليشارك أهل بيته في شأنهم ، ومهنتهم ، لا يترفع عن شيء منه .

فقد روى الترمذي (3895) وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح سنن الترمذي " .

وقد سئلت عائشة رضي الله عنها : " مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ ؟ فقَالَتْ : كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ "

رواه أحمد (26194) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسة الصحيحة " (671) .

وفي رواية له أيضا (24903) : " كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ " وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (4937) .

وروى البخاري (676) عن الأسود ، قال : " سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ ؟ قَالَتْ : كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ " .

ثانيا :

الزوجات شريكات الأزواج في الحياة ، ولهن حقوق ، كما أنه عليهن حقوق ، إلا أن للزوج مزيد حق . وكما يجب على الزوجة مراعاة حق زوجها ، كذلك يجب على الزوج مراعاة حق زوجته ، قال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) البقرة/ 228 .

قال السعدي رحمه الله :

" للنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة .

( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) أي : رفعة ورياسة ، وزيادة حق عليها ، كما قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )

" انتهى من " تفسير السعدي " (ص/102) .

فكرّم الإسلام المرأة زوجةً ، فأوصى بها الأزواج خيرا ، وأمر بالإحسان في عشرتها ، وأخبر أن لها من الحق مثل ما للزوج إلا أنه يزيد عليها درجة ، لمسئوليته في الإنفاق والقيام على شئون الأسرة ، وبين أن خير المسلمين أفضلُهم تعاملا مع زوجته .

قال علماء اللجنة للإفتاء في السعودية :

" الشريعة الإسلامية قد جاءت بتكريم المرأة ، والرفع من شأنها ، وإحلالها المكان اللائق بها ؛ رعاية لها ، وحفظا لكرامتها ، فأوجبت على وليها وزوجها الإنفاق عليها ، وحسن كفالتها ، ورعاية أمرها ، ومعاشرتها المعاشرة الحسنة

" انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى " (17/ 6) .

ثالثا :

لا شك أن النساء لسن جواري وإماء عند أزواجهن ، يستخدموهن بالقهر والنكال ، ويعاملونهن معاملة الأسياد للعبيد والجواري ، وإنما جاءت الأصول الشرعية تقرر حسن الصحبة وطيب العشرة ، فالزوجة في الإسلام صاحبة الزوج ، وأهله وعياله ، ولم يأت في الشرع وصفها بأنها جارية خادمة عند زوجها ، ولكن : صاحبة لها حقوق ووصاية بالخير وحسن المعاشرة .

وأما ما رواه الترمذي (1163) وصححه عن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ ) ، وحسنه الألباني في " صحيح سنن الترمذي " .

وقال الترمذي رحمه الله : " وَمَعْنَى قَوْلِهِ : ( عَوَانٌ عِنْدَكُمْ ) ، يَعْنِي : أَسْرَى فِي أَيْدِيكُمْ " .

فالمقصود الوصاية لهن بالخير ؛ كما يدل صريح الحديث ، والمعنى في وصفهن بالعواني : تشبيههن بالأسارى ، من حيث إن الأسير : ضعيف في قبضة غيره ، إن شاء أطلقه من أسره ، وإن شاء لم يطلقه ، فكذلك المرأة عند زوجها : إن شاء أبقاها وإن شاء طلقها .

وليس المعنى أنهن ذليلات مقهورات عند أزواجهن قهر المأسور عند من أسره .

قال ابن عثيمين رحمه الله :

" يعني : بمنزلة الأسرى ؛ لأن الأسير : إن شاء فكه الذي أسره ، وإن شاء أبقاه ، والمرأة عند زوجها كذلك ، إن شاء طلقها وإن شاء أبقاها ، فهي بمنزلة الأسير عنده ، فليتق الله فيها " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " .

على أن الواجب ألا ننسى أيضا أن حق الزوج على زوجته : أعظم من حقها عليه ، وأن الله جعل له درجة عليها ، وجعلها قواما راعيا لها .

قال الله تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) النساء/228 ، وقال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) النساء/34 .

ولذلك وجب على المرأة خدمة زوجها ، على أرجح القولين لأهل العلم في المسألة ، حتى قال زيد بن ثابت رضي الله عنه : " الزَّوْجُ سَيِّدٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ " وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ( وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ) يوسف/ 25

" ينظر : " الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (3/106) .

والله أعلم .











رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 04:05   رقم المشاركة : 86
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

كيف كان يقضي النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يومه " نموذج من حياته اليومية " ؟ وفي الأصل فأنا أريد أن أفهم الروتين اليومي في حياة النبي ؟ ماذا كان يفعل من بعد صلاة الفجر ؟ كيف كان يتناول إفطاره ومتى ؟ كيف كانت آدابه في الطعام ؟ وماذا كان يفعل من وقت الظهيرة إلى أن يخلد للنوم وبعد التهجد ؟ والخلاصة أنني أبغي معرفة الروتين اليومي للنبي محمد (صلى الله عليه و سلم).


الجواب :

الحمد لله

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصبح صلى الصبح بأصحابه في المسجد ، ثم يجلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ، وكان أصحابه رضي الله عنهم يجالسونه ، وربما تحدثوا وذكروا من أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم .

وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى ، وكان يصليها أربع ركعات ، أو يزيد ؛ فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللهُ " رواه مسلم (719) .

وأما في بيته الشريف صلى الله عليه وسلم ؛ فكان يكون في مهنة أهله : يحلب شاته ، ويرقع ثوبه ، ويخدم نفسه ، ويخصف نعله ، فإذا حانت الصلاة خرج إلى الصلاة وصلى بالناس ، ثم جلس إليهم فحدثهم وعلمهم ووعظهم وذكّرهم واستمع إلى شكواهم وأصلح بينهم ، ثم يعود إلى بيته .

وقد سئلت عَائِشَة رضي الله عنها : " مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ فقَالَتْ: كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ " .

رواه أحمد (26194) ، وصححه الألباني في "الصحيحة" (671) .

وفي رواية له أيضا (24903) : " كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ " وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4937).

وروى البخاري (676) عَنِ الأَسْوَدِ ، قَالَ: " سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ " .

وكان صلى الله عليه وسلم لا يعيب طعاما قط ، إن اشتهاه أكله وإلا تركه .

وكان ربما دار الشهر وراء الشهر فلا يجد ما يقوته إلا التمر والماء .

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " مَا عَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ " رواه البخاري (3563) ، ومسلم (2064) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلاَلِ ثُمَّ الْهِلاَلِ ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَارٌ ، فَقُلْتُ – أي عروة بن الزبير - : يَا خَالَةُ ! مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ ؟ قَالَتِ : الأَسْوَدَانِ : التَّمْرُ ، وَالْمَاءُ ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَلْبَانِهِمْ ، فَيَسْقِينَا

" . رواه البخاري (2567) ، ومسلم (2972) .

وليس في السنة تفصيل وجبات الطعام التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتناولها

ولم تكن من عادة المسلمين في الزمان الأول أن يأكلوا ثلاث مرات ، كل يوم ، كما هي حال الناس اليوم ، وإنما غاية ذلك عندهم أكلتان : أكلة أول النهار ، وتُسمى الغداء ، لأنها تكون في الغدوة ، أي : أول النهار ، وأكلة بالمساء ، وتسمى العشاء.

وكان إذا أراد أن يجمع الناس لأمر ذي شأن أمر من يجمعهم له أو ينادي فيهم " الصلاة جامعة " ثم يكلمهم عما أرادهم لأجله ، فإذا أراد أن يبعث بعثا بعثه ، وإذا أراد أن يذكرهم ذكرهم ، وإذا أراد أن يخبرهم بتشريع أخبرهم ، ونحو ذلك .
وكان صلى الله عليه وسلم يقيل نصف النهار ليستعين بالقيلولة على قيام الليل ، وقال : ( قِيلُوا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَقِيلُ ) رواه الطبراني في "الأوسط" (28) ، وحسنه الألباني في "الصحيحة" (1647) .

وكان صلى الله عليه وسلم يتفقد الناس في معايشهم وفي معاملاتهم وفي أسواقهم ، ويغشاهم في مجالسهم ، ويزور مريضهم ويجيب داعيهم ، ويمشي في حاجة الضعيف والمسكين ، فكان يكون عامة يومه فيما أهمه من أمر الدين وأمور المسلمين ، من دعوة ونصح وتذكير وتشريع وجهاد وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإعانة محتاج وغير ذلك :

- روى مسلم (102) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: ( مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ ؟ ) ، قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ( أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) .

- وروى البيهقي (20851) عَنْ جَابِرٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى الْبَصِيرِ الَّذِي فِي بَنِي وَاقِفٍ نَعُودُهُ ) , وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى " . صححه الألباني في "الصحيحة" (521) .

- وروى النسائي (1414) عن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي أَوْفَى، قال: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ ، وَلَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ ، وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ الْحَاجَةَ ". صححه الألباني في " صحيح النسائي " .

فإذا جاء الليل وصلى بالناس العشاء ، فإن كان هناك ما يهتم له من أمور المسلمين انشغل به مع كبار أصحابه ، وإلا سمر مع أهله شيئا .

روى الإمام أحمد (178) ، والترمذي (169) وحسنه ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ كَذَلِكَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنَا مَعَهُ " . صححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

قال ابن كثير رحمه الله

: " وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العِشْرَة دائم البِشْرِ ، يداعب أهله ، ويَتَلَطَّفُ بهم ، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته ، ويُضاحِك نساءَه ... ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها ، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد ، يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار ، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام ، يُؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم

" انتهى من " تفسير ابن كثير " (2/242) .

ثم كان صلى الله عليه وسلم ينام من أول الليل ، ثم يقوم لصلاة الليل ، فيصلي ما شاء الله أن يصلي ، حتى إذا أذن بلال لصلاة الصبح صلى ركعتين ثم خرج للصلاة .

روى أبو داود (56) عَنْ عَائِشَةَ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوضَعُ لَهُ وَضُوءُهُ وَسِوَاكُهُ ، فَإِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ تَخَلَّى ثُمَّ اسْتَاكَ "
.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ ، فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ، ثُمَّ رَقَدَ ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ ، قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ) ، ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ " .

رواه البخاري (4569) ومسلم (763) .

وبالجملة :

فلم تكن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم : روتينا رتيبا ، كما قد يفهم من هذه الكلمة ، بل كانت هديا قاصدا ، وعملا مباركا ، كما أمره ربه : ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام/ 162 .

فكان هديه صلى الله عليه وسلم ، هو التأويل الواقعي لأمر الله وشرعه ، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :
روى مسلم في صحيحه (746) سَعْد بْنِ هِشَامٍ بن عَامِرٍ، أنه قال لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : " يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ؛ أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟

قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟

قُلْتُ: بَلَى !!

قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ ".

والله اعلم











رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 04:07   رقم المشاركة : 87
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

ما هي حقوق المرأة في الإسلام ؟ وكيف تغيرت منذ العصر الذهبي للإسلام ( من القرن الثامن إلى الثاني عشر) إن طرأ عليها تغييرات ؟.

الجواب

الحمد لله


أولا :

لقد كرم الإسلام المرأة تكريما عظيما ، كرمها باعتبارها ( أُمّاً ) يجب برها وطاعتها والإحسان إليها ، وجعل رضاها من رضا الله تعالى ، وأخبر أن الجنة عند قدميها ، أي أن أقرب طريق إلى الجنة يكون عن طريقها ، وحرم عقوقها وإغضابها ولو بمجرد التأفف ، وجعل حقها أعظم من حق الوالد ، وأكد العناية بها في حال كبرها وضعفها ، وكل ذلك في نصوص عديدة من القرآن والسنة .

ومن ذلك : قوله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ) الأحقاف/15 ، وقوله : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الإسراء/23، 24 .

وروى ابن ماجه (2781) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَال َ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ : قَالَ : وَيْحَكَ أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : ارْجِعْ فَبَرَّهَا . ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ الْجَانِبِ الآخَرِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، قَالَ : وَيْحَكَ ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا . ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ، قَالَ : وَيْحَكَ ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة . وهو عند النسائي (3104) بلفظ : ( فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا ) .

وروى البخاري (5971) ومسلم (2548) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ .قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ ) .

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يتسع المقام لذكرها .

وقد جعل الإسلام من حق الأم على ولدها أن ينفق عليها إذا احتاجت إلى النفقة ، ما دام قادرا مستطيعا ، ولهذا لم يعرف عن أهل الإسلام طيلة قرون عديدة أن المرأة تُترك في دور العجزة ، أو يخرجها ابنها من البيت ، أو يمتنع أبناؤها من النفقة عليها ، أو تحتاج مع وجودهم إلى العمل لتأكل وتشرب .

وكرم الإسلام المرأة زوجةً ، فأوصى بها الأزواج خيرا ، وأمر بالإحسان في عشرتها ، وأخبر أن لها من الحق مثل ما للزوج إلا أنه يزيد عليها درجة ، لمسئوليته في الإنفاق والقيام على شئون الأسرة ، وبين أن خير المسلمين أفضلُهم تعاملا مع زوجته ، وحرم أخذ مالها بغير رضاها ، ومن ذلك قوله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 ، وقوله : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228 .

وقوله صلى الله عليه وسلم : ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ) رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) .

وقوله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ) رواه الترمذي (3895) وابن ماجه (1977) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

وكرمها بنتا ، فحث على تربيتها وتعليمها ، وجعل لتربية البنات أجرا عظيماً ، ومن ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ) رواه مسلم (2631) .

وروى ابن ماجه (3669) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ ، وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .

وقوله : (من جِدَته) أي من غناه .

وكرم الإسلام المرأة أختا وعمة وخالة ، فأمر بصلة الرحم ، وحث على ذلك ، وحرم قطيعتها في نصوص كثيرة ، منها : قوله صلى الله عليه وسلم : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفْشُوا السَّلامَ ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ ) رواه ابن ماجه (3251) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .

وروى البخاري (5988) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : قال اللَّهُ تعالى – عن الرحم- : ( مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ ) .

وقد تجتمع هذه الأوجه في المرأة الواحدة ، فتكون زوجة وبنتا وأما وأختا وعمة وخالة ، فينالها التكريم من هذه الأوجه مجتمعة .

وبالجملة ؛ فالإسلام رفع من شأن المرأة ، وسوى بينها وبين الرجل في أكثر الأحكام ، فهي مأمورة مثله بالإيمان والطاعة ، ومساوية له في جزاء الآخرة ، ولها حق التعبير ، تنصح وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله ، ولها حق التملك ، تبيع وتشتري ، وترث ، وتتصدق وتهب ، ولا يجوز لأحد أن يأخذ مالها بغير رضاها ، ولها حق الحياة الكريمة ، لا يُعتدى عليها ، ولا تُظلم . ولها حق التعليم ، بل يجب أن تتعلم ما تحتاجه في دينها .

ومن قارن بين حقوق المرأة في الإسلام وما كانت عليه في الجاهلية أو في الحضارات الأخرى علم حقيقة ما قلناه ، بل نجزم بأن المرأة لم تكرم تكريما أعظم مما كرمت به في الإسلام .

ولا داعي لأن نذكر حال المرأة في مجمتع الإغريق أو الفرس أو اليهود ، لكن حتى المجتمعات النصرانية كان لها موقف سيء مع المرأة ، فقد اجتمع اللاهوتيون في "مجمع ماكون" ليبحثوا : هل المرأة جسد بحت أم جسد ذو روح ؟! وغلب على آرائهم أنها خِلْو من الروح الناجية ، ولا يستثنى من ذلك إلا مريم عليها السلام .

وعقد الفرنسيون مؤتمرا سنة 586م للبحث في شأن المرأة : هل لها روح أم لا ؟ وإذا كانت لها روح هي روح حيوانية أم روح إنسانية ؟ وأخيرا قرروا أنها إنسان ! ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب .

وأصدر البرلمان الإنجليزي قرارا في عصر هنري الثامن يحظر على المرأة أن تقرأ "العهد الجديد" لأنها تعتبر نجسة .

والقانون الإنجليزي حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته ، وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات .

وفي العصر الحديث أصبحت المرأة تطرد من المنزل بعد سن الثامنة عشرة لكي تبدأ في العمل لنيل لقمة العيش ، وإذا ما رغبت في البقاء في المنزل فإنها تدفع لوالديها إيجار غرفتها وثمن طعامها وغسيل ملابسها !

ينظر : "عودة الحجاب" (2/47- 56) .

فكيف يقارن هذا بالإسلام الذي أمر ببرها والإحسان إليها وإكرامها ، والإنفاق عليها ؟!

ثانياً :

وأما تغير هذه الحقوق عبر العصور ، فلا تغير فيها من حيث المبدأ والتأصيل النظري ، وأما من حيث التطبيق فالذي لا شك فيه أن العصر الذهبي للإسلام كان المسلمون فيه أكثر تطبيقا لشريعة ربهم ، ومن أحكام هذه الشريعة : بر الأم والإحسان إلى الزوجة والبنت والأخت والنساء بصفة عامة . وكلما ضعف التدين كلما حدث الخلل في أداء هذه الحقوق ، لكن لا تزال طائفة إلى يوم القيامة تتمسك يدينها ، وتطبق شريعة ربها ، وهؤلاء هم أولى الناس بتكريم المرأة وإيصال حقوقها إليها .

ورغم ضعف التدين عند كثير من المسلمين اليوم إلا أن المرأة تبقى لها مكانتها ومنزلتها ، أمّاً وبنتا وزوجة وأختا ، مع التسليم بوجود التقصير أو الظلم أو التهاون في حقوق المرأة عند بعض الناس ، وكل مسئول عن نفسه .











رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 04:15   رقم المشاركة : 88
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

ما هي حقوق الزوجة على زوجها وفقا للكتاب والسنة ؟

أو بمعنى آخر، ما هي مسؤوليات الزوج تجاه زوجته وبالعكس ؟.


الجواب

الحمد لله

أوجب الإسلام على الزوج حقوقاً تجاه زوجته ، وكذا العكس ، ومن الحقوق الواجبة ما هو مشترك بين الزوجين .

وسنذكر - بحول الله - ما يتعلق بحقوق الزوجين بعضهما على بعض في الكتاب والسنة مستأنسين بشرح وأقوال أهل العلم .


أولاً :

حقوق الزوجة الخاصة بها :

للزوجة على زوجها حقوق مالية وهي : المهر ، والنفقة ، والسكنى .

وحقوق غير مالية : كالعدل في القسم بين الزوجات ، والمعاشرة بالمعروف ، وعدم الإضرار بالزوجة .

1. الحقوق الماليَّة :

أ - المهر : هو المال الذي تستحقه الزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها ، وهو حق واجب للمرأة على الرجل ، قال تعالى : { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } ، وفي تشريع المهر إظهار لخطر هذا العقد ومكانته ، وإعزاز للمرأة وإكراما لها .

والمهر ليس شرطا في عقد الزواج ولا ركنا عند جمهور الفقهاء ، وإنما هو أثر من آثاره المترتبة عليه ، فإذا تم العقد بدون ذكر مهر صح باتفاق الجمهور لقوله تعالى : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } فإباحة الطلاق قبل المسيس وقبل فرض صداق يدل على جواز عدم تسمية المهر في العقد .

فإن سمِّي العقد : وجب على الزوج ، وإن لم يسمَّ : وجب عليه مهر " المِثل " - أي مثيلاتها من النساء - .

ب - النفقة : وقد أجمع علماء الإسلام على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن بشرط تمكين المرأة نفسها لزوجها ، فإن امتنعت منه أو نشزت لم تستحق النفقة .

والحكمة في وجوب النفقة لها : أن المرأة محبوسة على الزوج بمقتضى عقد الزواج ، ممنوعة من الخروج من بيت الزوجية إلا بإذن منه للاكتساب ، فكان عليه أن ينفق عليها ، وعليه كفايتها ، وكذا هي مقابل الاستمتاع وتمكين نفسها له .

والمقصود بالنفقة : توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام ، ومسكن ، فتجب لها هذه الأشياء وإن كانت غنية ، لقوله تعالى : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) البقرة/233 ، وقال عز وجل : ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ) الطلاق/7 .

وفي السنة :

قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة - زوج أبي سفيان وقد اشتكت عدم نفقته عليها - " خذي ما يكفيكِ وولدَكِ بالمعروف " .

عن عائشة قالت : دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيَّ إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل علي في ذلك من جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك . رواه البخاري ( 5049 ) ومسلم ( 1714 ) .

وعن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع : " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " . رواه مسلم ( 1218 ) .

ج. السكنى : وهو من حقوق الزوجة ، وهو أن يهيىء لها زوجُها مسكناً على قدر سعته وقدرته ، قال الله تعالى : ( أسكنوهنَّ من حيث سكنتم مِن وُجدكم ) الطلاق/6.

2. الحقوق غير الماليَّة :

أ. العدل بين الزوجات : من حق الزوجة على زوجها العدل بالتسوية بينها وبين غيرها من زوجاته ، إن كان له زوجات ، في المبيت والنفقة والكسوة .

ب. حسن العشرة : ويجب على الزوج تحسين خلقه مع زوجته والرفق بها ، وتقديم ما يمكن تقديمه إليها مما يؤلف قلبها ، لقوله تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف ) النساء/19 ، وقوله : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) البقرة/228.

وفي السنَّة : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " استوصوا بالنساء " . رواه البخاري ( 3153 ) ومسلم ( 1468 ) .

وهذه نماذج من حسن عشرته صلى الله عليه وسلم مع نسائه - وهو القدوة والأسوة - :

1. عن زينب بنت أبي سلمة حدثته أن أم سلمة قالت حضت وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخميلة فانسللت فخرجت منها فأخذت ثياب حيضتي فلبستها ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنفستِ ؟ قلت : نعم ، فدعاني فأدخلني معه في الخميلة .

قالت : وحدثتني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ، وكنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة . رواه البخاري ( 316 ) ومسلم ( 296 ) .

2. عن عروة بن الزبير قال : قالت عائشة : والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللهو . رواه البخاري ( 443 ) ومسلم ( 892 ) .

3. عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي جالسا فيقرأ وهو جالس فإذا بقي من قراءته نحو من ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم ثم يركع ثم سجد يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك فإذا قضى صلاته نظر فإن كنت يقظى تحدث معي وإن كنت نائمة اضطجع . رواه البخاري ( 1068 ) .

ج. عدم الإضرار بالزوجة : وهذا من أصول الإسلام ، وإذا كان إيقاع الضرر محرما على الأجانب فأن يكون محرما إيقاعه على الزوجة أولى وأحرى .

عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى " أن لا ضرر ولا ضرار " رواه ابن ماجه ( 2340 ) . والحديث : صححه الإمام أحمد والحاكم وابن الصلاح وغيرهم .

انظر : " خلاصة البدر المنير " ( 2 / 438 ) .

ومن الأشياء التي نبَّه عليها الشارع في هذه المسألة : عدم جواز الضرب المبرح .

عن جابر بن عبد الله قال : قال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " .

رواه مسلم ( 1218 ) .

ثانياً :

حقوق الزوج على زوجته :

وحقوق الزوج على الزوجة من أعظم الحقوق ، بل إن حقه عليها أعظم من حقها عليه لقول الله تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ) البقرة/228.

قال الجصاص : أخبر الله تعالى في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقا ، وأن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه .

وقال ابن العربي : هذا نص في أنه مفضل عليها مقدم في حقوق النكاح فوقها .

ومن هذه الحقوق :

أ - وجوب الطاعة : جعل الله الرجل قوَّاماً على المرأة بالأمر والتوجيه والرعاية ، كما يقوم الولاة على الرعية ، بما خصه الله به الرجل من خصائص جسمية وعقلية ، وبما أوجب عليه من واجبات مالية ، قال تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) النساء/34 .

قال ابن كثير :

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { الرجال قوامون على النساء } يعني : أمراء عليهن ، أي : تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله .

وكذا قال مقاتل والسدي والضحاك . " تفسير ابن كثير " ( 1 / 492 ) .

ب - تمكين الزوج من الاستمتاع : مِن حق الزوج على زوجته تمكينه من الاستمتاع ، فإذا تزوج امرأة وكانت أهلا للجماع وجب تسليم نفسها إليه بالعقد إذا طلب ، وذلك أن يسلمها مهرها المعجل وتمهل مدة حسب العادة لإصلاح أمرها كاليومين والثلاثة إذا طلبت ذلك لأنه من حاجتها ، ولأن ذلك يسير جرت العادة بمثله .

وإذا امتنعت الزوجة من إجابة زوجها في الجماع وقعت في المحذور وارتكبت كبيرة ، إلا أن تكون معذورة بعذر شرعي كالحيض وصوم الفرض والمرض وما شابه ذلك .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح " رواه البخاري ( 3065 ) ومسلم ( 1436 ) .

ج - عدم الإذن لمن يكره الزوج دخوله : ومن حق الزوج على زوجته ألا تدخل بيته أحدا يكرهه .

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ، ...." . رواه البخاري ( 4899 ) ومسلم ( 1026 ) .

وعن سليمان بن عمرو بن الأحوص حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال : استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوانٍ ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن لكم من نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن .

رواه الترمذي ( 1163 ) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وابن ماجه ( 1851 ) .

وعن جابر قال : قال صلى الله عليه وسلم : " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " . رواه مسلم ( 1218 ) .

د - عدم الخروج من البيت إلا بإذن الزوج : من حق الزوج على زوجته ألا تخرج من البيت إلا بإذنه .

وقال الشافعية والحنابلة : ليس لها الخروج لعيادة أبيها المريض إلا بإذن الزوج ، وله منعها من ذلك .. ؛ لأن طاعة الزوج واجبة ، فلا يجوز ترك الواجب بما ليس بواجب .

هـ - التأديب : للزوج تأديب زوجته عند عصيانها أمره بالمعروف لا بالمعصية ؛ لأن الله تعالى أمر بتأديب النساء بالهجر والضرب عند عدم طاعتهن .

وقد ذكر الحنفية أربعة مواضع يجوز فيها للزوج تأديب زوجته بالضرب ، منها : ترك الزينة إذا أراد الزينة، ومنها : ترك الإجابة إذا دعاها إلى الفراش وهي طاهرة ، ومنها : ترك الصلاة ، ومنها : الخروج من البيت بغير إذنه .

ومن الأدلة على جواز التأديب :

قوله تعالى : ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ) النساء/34 .

وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ) التحريم/6 .

قال ابن كثير :

وقال قتادة : تأمرهم بطاعة الله ، وتنهاهم عن معصية الله ، وأن تقوم عليهم بأمر الله ، وتأمرهم به ، وتساعدهم عليه ، فإذا رأيتَ لله معصية قذعتهم عنها ( كففتهم ) ، وزجرتهم عنها .

وهكذا قال الضحاك ومقاتل : حق المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله عليهم وما نهاهم الله عنه .

" تفسير ابن كثير " ( 4 / 392 ) .

و- خدمة الزوجة لزوجها : والأدلة في ذلك كثيرة ، وقد سبق بعضها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة .

" الفتاوى الكبرى " ( 4 / 561 ) .

ز - تسليم المرأة نفسها : إذا استوفى عقد النكاح شروطه ووقع صحيحا فإنه يجب على المرأة تسليم نفسها إلى الزوج وتمكينه من الاستمتاع بها ; لأنه بالعقد يستحق الزوج تسليم العوض وهو الاستمتاع بها كما تستحق المرأة العوض وهو المهر .

ح- معاشرة الزوجة لزوجها بالمعروف : وذلك لقوله تعالى ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) البقرة/228 .

قال القرطبي :

وعنه - أي : عن ابن عباس - أيضا أي : لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لأزواجهن .

وقيل : إن لهن على أزواجهن ترك مضارتهن كما كان ذلك عليهن لأزواجهن قاله الطبري .

وقال ابن زيد : تتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله عز وجل فيكم .

والمعنى متقارب والآية تعم جميع ذلك من حقوق الزوجية .

" تفسير القرطبي " ( 3 / 123 ، 124 ) .

والله أعلم.

الشيخ محمد صالح المنجد









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 04:24   رقم المشاركة : 89
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

المشهور أن قتلى بدر من المشركين كانوا سبعين ، وكذلك الأسرى كانوا سبعين ، وكان عددهم في بداية المعركة بين التسعمائة والألف ، فأين ذهب البقية ؟ هل يعقل أن قرابة ثمانمائة وخمسين رجلا فروا من أرض المعركة ؟!

الجواب :

الحمد لله

روى مسلم (1763) ، وأحمد (208) عن ابن عباس قال :\

" حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ، قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ ثَلاثُ مِائَةٍ وَنَيِّفٌ ، وَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا هُمْ أَلْفٌ ، فَاسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ ، وَعَلَيْهِ رِدَاؤُهُ وَإِزَارُهُ ، ثُمَّ قَالَ: ( اللهُمَّ أَيْنَ مَا وَعَدْتَنِي ؟ اللهُمَّ أَنْجِزْ مَا وَعَدْتَنِي ، اللهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلامِ ، فَلا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا ) ، قَالَ : فَمَا زَالَ يَسْتَغِيثُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَيَدْعُوهُ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ

فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ ، فَرَدَّاهُ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ ، كَفاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) الأنفال/ 9 ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُئِذٍ ، وَالْتَقَوْا ، فَهَزَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُشْرِكِينَ ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا ، وَأُسِرَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا ) .

قال ابن كثير رحمه الله :

" الْمَشْهُورُ أَنَّ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ كَانُوا سَبْعِينَ ، وَالْقَتْلَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ ، كَمَا وَرَدَ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ

" انتهى من " البداية والنهاية " (5/ 172) .

وفر الباقون من الكفار هاربين ، بعد أن ألقى الله في قلوبهم الرعب .

قال تعالى : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) القمر/ 45 .

قال أبو محمد القيرواني رحمه الله في " الهداية " (11/7204):

" فصدق الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم وعده ، وهزم المشركين يوم بدر وولوا هاربين .

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لما نزلت (سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر) جعلت أقول: أي جمع يهزم ؟ فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) ، وأكثر المفسرين على أنه يوم بدر ، هزموا فيه ، وولوا الدبر " انتهى .

وروى الطبري (13/445) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال : " رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ: ( إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ فَلَنْ تَعْبُدَ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا ) ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ( خُذْ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ ) ، فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنَ تُرَابِ فَرَمَى بِهَا وُجُوهَهُمْ، فَمَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا أَصَابَ عَيْنَيْهِ وَمِنْخَرَيْهِ وَفَمَهُ تُرَابٌ مِنْ تِلْكِ الْقَبْضَةِ، فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ " .

وروى الطبراني في " الكبير " (3128) عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، قَالَ :" لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ كَفًّا مِنَ الْحَصْبَاءِ فَاسْتَقْبَلَنَا بِهِ ، فَرَمَانَا بِهَا، وَقَالَ : ( شَاهَتِ الْوُجُوهُ ) ، فَانْهَزَمْنَا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى) " ، وحسنه الهيثمي في " المجمع " (6/84) .

وروى أيضا (11750) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ : ( نَاوِلْنِي كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ ) ، فَنَاوَلَهُ " ، فَرَمَى بِهِ وُجُوهَ الْقَوْمِ، فَمَا بَقِي أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلَّا امْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحَصْبَاءِ " .

قال الهيثمي في "المجمع" (6/84) : " رجاله رجال الصحيح " .

وليس ذلك على الله بعزيز ، فقد قذف في قلوبهم الرعب ، وأمد المسلمين بمدد من عنده ، وكان حقا عليه سبحانه نصر رسوله ونصر المؤمنين ، وما وجه العجب في أن قذف الله الرعب في قلوب أعدائه حتى ولوا مدبرين ، وقد جعلها آية لنبيه : أن ينصره على عدوه بالرعب ، كما ثبت ذلك عنه ، صلى الله عليه وسلم .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-02-22, 04:32   رقم المشاركة : 90
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

( اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ ، مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً ، لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ ، لَوْ قَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) رواه البخاري (6115) ، ومسلم (2610) . ( دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ ، لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ ، فَلَعَنَهُمَا ، وَسَبَّهُمَا ، فَلَمَّا خَرَجَا ،

قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا ، مَا أَصَابَهُ هَذَانِ ، قَالَ : ( وَمَا ذَاكِ ) ، قَالَتْ : قُلْتُ : لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا ، قَالَ : ( أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي ؟ قُلْتُ : اللهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ ، أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا ) رواه مسلم (2600) . ( لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ ) البخاري (6114) ، ومسلم (2609) . ( فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ مَسِسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا ؟ فَقَالَا : نَعَمْ . فَسَبَّهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ ) مسند أحمد (36/389) لا أظن لبيبا إلا ويجد تعارضا صريحا في تلك الأحاديث ،

مة إلى رواتها وناقليها . وطبعا لا تنفع بعض الاعتذارات الباردة لهذه الأحاديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر ويغضب ، هذا صحيح ، لكن النبي عليه السلام هو القدوة الحسنة في الرضا والغضب ، فعندما أغضب مثلا لا يكون تثريب علي إن سببت ولعنت لأنه جاءت روايات عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك وقت الغضب ! وجاءت روايات أخرى تنهى عن الفحش في الكلام ، وضبط النفس وقت الغضب ، فمن المستحيل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) البقرة/44. وحديث (.. اللهم إنما أنا بشر ..) فأنا أفهمه مثل ما أفهم حديث : ( فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ) رواه مسلم (2702) ، زيادة تقوى منه عليه الصلاة والسلام .

فلماذا الكثير منكم ينتصر للرواية على حساب الرسول صلى الله عليه وسلم ؟

لماذا ليس مهما عندكم أن يظهر الرسول بمظهر المتناقض في أقواله ، كل هذا لكي لا يقال إن في الصحيحين أحاديث باطلة ؟


الجواب :

الحمد لله

إذا كنت تؤمن معنا ببشرية الرسول عليه الصلاة والسلام ، فذلك يعني أنك تؤمن بأنه عليه الصلاة والسلام يأكل ويشرب وينام ويستيقظ ويتزوج النساء ويدخل الخلاء ، وأيضا من لوازم بشريته عليه الصلاة والسلام أنه قد ينسى ويخطئ ، وقد يتصرف على خلاف الأولى والأجدر ، بل قد قرر ذلك جمهور العلماء : أن الأنبياء غير معصومين من الصغائر ، ووردت بذلك الأدلة .

ألم تقرأ قول الله عز وجل : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى . وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى . أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى . فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى . وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى . وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى . وَهُوَ يَخْشَى . فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) عبس/1-10، فهو عتاب صريح من الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام ، نتيجة تصرفه خلاف الأولى مع ذلك الأعمى ، وقد كان الأصل أن يقبل عليه ويكرمه بما يليق به .

وكذلك ألم تقرأ قول الله سبحانه : ( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) التوبة/43. يقول العلامة السعدي في تفسيره : " أي : سامحك وغفر لك ما أجريت " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " (ص/338) ، ففيه عتاب واضح على إذن النبي صلى الله عليه وسلم لمن استأذنه من المنافقين بالتخلف عن القتال ، وهو واحد من أمثلة بشريته صلى الله عليه وسلم التي من مقتضاها السهو والخطأ والغضب ، وإن كان ذلك منه صلى الله عليه وسلم في الأحيان النادرة ، بعكس من يغلب ذلك عليه ، أو يكون ديدنا له ، وينقاد لمتقضى الطبع في أمره كله ، أو في غالبه .

وتصور ما سبق يعينك على جواب سؤالك واستشكالك ، خاصة حين تسائل نفسك : لماذا لم يخطر لك الإشكال نفسه على هذه الآيات ، بأن تقول : لو جاءك أعمى يطلب منك دعوته إلى الحق ، وتعليمه الخير ، فأعرضت عنه : فلا تثريب عليك ؛ لأن ذلك حصل من النبي صلى الله عليه وسلم !!

بل نقول إن التثريب عليك واقع ، واللوم عليك حاصل أيضا ، ولا يحل لك التعلل بقصة الأعمى ، ابن أم مكتوم ، وما كان من شأنه .

وحالك تماما كحال الذي يريد أن يقع فيما نهاه الله عنه ، ويقول : إن آدم عليه السلام نهي عن الأكل من الشجرة ، فخالف وأكل ؟!!

أو كحال من يقتل النفس المحرمة ، ويتعلل بأن موسى عليه السلام وكز رجلا بعصاه فقضى عليه !!

إلى أمثال هذه التعليلات الباطلة المردودة ، حتى يعود ما قص الله علينا في كتابه وبالا على فاعل ذلك ؛ نتيجة الفهم الخاطئ لقضية بشرية الرسل والأنبياء .

ولعله ألا يكون من الأدب في حقنا تقصي مثل هذه المخالفات للرسل والأنبياء الكرام ، أو العمد إلى جمعها ، والإكثار فيها ؛ حتى قال ابن العربي رحمه الله : " لا يجوز لأحد منا اليوم أن يخبر بذلك ( أي بعصيان آدم ) إلا إذا ذكرناه في أثناء قوله تعالى عنه ، أو قول نبيه ، فأما أن يبتدئ ذلك من قبل نفسه ، فليس بجائز لنا في آبائنا الأدنين المماثلين لنا، فكيف في أبينا الأقدم الأعظم الأكرم النبي المقدم الذي عذره الله وتاب عليه وغفر له " .

انتهى من " أحكام القرآن " لابن العربي (3/259) .

فإن الله جل جلاله لم يقص ذلك في كتابه عن أنبيائه ، ليعيرهم بها ، أو ليكون ذلك موضع الأسوة والقدوة فيهم ، حتى يقول القائل : لي أن أغضب كما غضب نبي الله ، ولي .. ولي ؛ فإن محل القدوة هو في مقام الأنبياء بعد ذلك ، وعبوديتهم لربهم إثر ما ألموا به من ذلك .

قال أبو المعالي الجويني رحمه الله :

" مَذْهَبُنَا الَّذِي نَدِينُ بِهِ ، لَا تَجِبُ عِصْمَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ صَغَائِرِ الذُّنُوبِ ، وَآيُ الْقُرْآنِ فِي أَقَاصِيصِ النَّبِيِّينَ مَشْحُونَةٌ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى هَنَاتٍ كَانَتْ مِنْهُمْ ، اسْتَوْعَبُوا أَعْمَارَهُمْ فِي الِاسْتِغْفَارِ مِنْهَا " انتهى من "غياث الأمم " (94) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَإِنَّمَا ابْتَلَى اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ بِالذُّنُوبِ : رَفْعًا لِدَرَجَاتِهِمْ بِالتَّوْبَةِ ، وَتَبْلِيغًا لَهُمْ إلَى مَحَبَّتِهِ وَفَرَحِهِ بِهِمْ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ وَيَفْرَحُ بِتَوْبَةِ التَّائِبِ أَشَدَّ فَرَحٍ فَالْمَقْصُودُ كَمَالُ الْغَايَةِ لَا نَقْصُ الْبِدَايَةِ ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ لَهُ الدَّرَجَةُ لَا يَنَالُهَا إلَّا بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ الْبَلَاءِ

" انتهى من " مجموع الفتاوى " (20/89) .

وحينئذ ؛ فليس غضب النبي هو محل القدوة ولا الأسوة ، بل ما يحدثه لربه من العبوديات بعد ما ألم به ، هو محل الأسوة والقدوة .

ثم إن من حِكَم ذلك : أن تتعلم منه الأمة أن الكمال المطلق لله سبحانه وتعالى .

" قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ : إِن الله تَعَالَى لم يذكر ذنُوب الْأَنْبِيَاء فِي الْقُرْآن ليعيرهم بهَا؛ وَلَكِن ذكرهَا ليبين موقع النِّعْمَة عَلَيْهِم بِالْعَفو، وَلِئَلَّا ييأس أحد من رَحمته .

وَقيل: إِنَّه ابْتَلَاهُم بِالذنُوبِ ليتفرد بِالطَّهَارَةِ والعزة ، ويلقاه جَمِيع الْخلق يَوْم الْقِيَامَة على انكسار الْمعْصِيَة

" انتهى من " تفسير السمعاني " (3/22) .

ثم لتلعم أن غضب النبي صلى الله عليه وسلم رحمة بمن غضب عليه منهم ، وأجر له ، وصدقة ، كما في الحديث المذكور آنفا في سؤالك ؛ وصدق الله العظيم : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) التوبة/128.

وحينئذ تعلم أنه لا تعارض بين هذا الغضب وبين الأحاديث النبوية الشريفة التي تحذر منه ، أو مع المواقف الغالبة للنبي صلى الله عليه وسلم التي استعمل فيها الحلم والعفو والصفح ، حتى مع أشد الأعداء قساوة وضراوة في محاربة الإسلام والمسلمين .

فهل يبقى بعد ذلك أي إشكال في حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : " دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ ، لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ ، فَلَعَنَهُمَا ، وَسَبَّهُمَا ، فَلَمَّا خَرَجَا ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا ، مَا أَصَابَهُ هَذَانِ ، قَالَ : ( وَمَا ذَاكِ ) . قَالَتْ : قُلْتُ : لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا ، قَالَ : ( أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي ؟ قُلْتُ : اللهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ ، أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا ) رواه مسلم (2600) .

والله أعلم .











رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سؤال وجواب


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 12:38

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc