الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.وبعد:
فهذه بعض أحكام الجنازة تعم الحاجة إليها، قصدت بجمعها تقريب العلم؛ ليعبد الإنسان ربَّه على بصيرة، أسأل الله أن يباركَ فيما نقول ونفعل، وهو من وراء القصد.
فضل من غسَّل ميتًا وحفر له القبر:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من غسَّل ميتًا فكتم عليه، غفر اللهُ له أربعين مرة، ومن كفَّن ميتًا كساه اللهُ من سندس وإستبرق في الجنة، ومن حفر لميت قبرًا فأجَّنه فيه أجرى اللهُ له من الأجر كأجر مسكنٍ أسكنه إلى يوم القيامة))؛
رواه الحاكم (1307)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3492).
المشي خلف الجنازة:
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -: لكن الأفضل المشي خلفها؛ لأنه مقتضى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((واتبعوا الجنائز)).
ويؤيده قول عليٍّ - رضي الله عنه -: "المشي خلفها أفضلُ من المشي أمامها، كفضل صلاةِ الرجل في جماعة على صلاته فذًّا"؛
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (4/ 101)؛ أحكام الجنائز (96).
حكم القيام للجنازة:
قال الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبدالله التويجري - رحمه الله -: يستحب القيامُ للجنازة إذا مرت به، ومن جلس فلا حرج عليه.
1- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا رأيتم الجنازة فقوموا؛ فمن تبعها فلا يجلس حتى توضعَ))؛ متفق عليه.
2- وعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: مرَّت جنازة فقام لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقمنا معه، فقلنا: يا رسول الله، إنها يهودية، فقال: ((إن الموت فزَعٌ؛ فإذا رأيتم الجنازةَ فقوموا))؛ متفق عليه.
3- وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فقمنا، وقعد فقعدنا، يعني في الجنازة؛
أخرجه مسلم؛ موسوعة الفقه الإسلامي (2/750).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
الراجح في هاتين المسألتين أن الإنسانَ إذا مرت به الجنازة قام لها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أمر بذلك وفعله أيضًا؛ لكنه بعد هذا لم يقُمْ، بل قام ثم قعد، والجمع بين فعله وتركه: أن قعوده ليبين أن القيامَ ليس بواجب.
وأما رفع اليدين في تكبيرة صلاة الجنازة؛ فالصحيح أنه يكون في كل التكبيرات؛ لأنه صح عن ابن عمر موقوفًا، ورُوي عنه مرفوعًا، وقد صحح رفعَه جماعةٌ من أهل العلم؛ فالصواب أن اليدين ترفعان في كل تكبيرة؛
لقاء الباب المفتوح (66/12).
ما يفعله من يتبع الجنازة:
قال الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبدالله التويجري - رحمه الله -: يستحب لمن تبع الجنازة ألا يجلس حتى توضع على الأرض، ولو تقدم الجنازة فله أن يجلسَ قبل أن تنتهيَ إليه، أما حال الدفن وبعد الدفن، فالسنَّة القيامُ للدعاء للميت والتعزية، وله أن يجلس إن شاء حتى يدفن الميت؛ عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، فقال: ((استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل))؛ أخرجه أبو داود؛
موسوعة الفقه الإسلامي (2/769).
دعاء دخول المقبرة:
عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى المقبرة فقال: ((السلام عليكم دارَ قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون))؛
رواه مسلم (249).
تحريم الصلاة على الجنازة بين القبور:
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -: ولا تجوز الصلاةُ عليها بين القبور؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: "أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصلَّى على الجنائز بين القبور"؛
أحكام الجنائز (108).
عن أنس بن مالك، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((نهى أن يصلَّى على الجنائز بين القبور))؛ رواه الطبراني،
المعجم الأوسط (5631)، وصححه الألباني في أحكام الجنائز (6/10).
الجلوس على القبر:
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لأن يجلسَ أحدُكم على جمرة، فتحرقَ ثيابه، فتخلُصَ إلى جلده؛ خيرٌ له من أن يجلسَ على قبر))؛
رواه مسلم (971).
المشي على القبور:
عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لأن أمشيَ على جمرة أو سيف، أو أخصف نَعْلي برِجْلي أحبُّ إليَّ من أن أمشيَ على قبرِ مسلم، وما أبالي أوسط القبور قضيتُ حاجتي أو وسط السوق))؛
أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 133)، وصححه الألباني في الإرواء (63).
خلع الحذاء عند الدخول إلى المقبرة:
عن بشيرٍ: بينما أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [قال: ((يا ابن الخصاصية، ما أصبحت تنقم على الله؟ أصبحت تماشي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم))، قلت: بأبي أنت وأمي، ما أنقم على الله شيئًا، كل خير قد أصبت/829]؛ إذ مرَّ بقبور [وفي رواية: فأتى على قبور] المشركين، فقال: ((لقد سبق هؤلاء خيرٌ كثيرٌ)) ثلاثًا، فمر بقبور [وفي رواية: فأتى على قبور] المسلمين، فقال: ((لقد أدرك هؤلاء خيرًا كثيرًا)) ثلاثًا، فحانت من النبي - صلى الله عليه وسلم - نظرة، فرأى رجلاً يمشي في القبور، وعليه نعلان، فقال: ((يا صاحبَ السِّبْتيَّتينِ، ألق سِبْتيَّتيْكَ))، فنظر الرجل، فلما رأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خلع نعليه، فرمى بهما؛
صحيح الأدب المفرد للألباني (775).
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -: "وقد ثبت أن الامامَ أحمد كان يعمل بهذا الحديث، فقال أبو داود في مسائله (ص 158): (رأيت أحمدَ إذا تبع الجنازة فقرُب من المقابر خلع نعليه)؛ فرحمه الله، ما كان أتْبعَهُ للسنَّة!"؛
أحكام الجنائز (1/200).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: المشي بين القبور بالنعال خلاف السنة، والأفضل للإنسان أن يخلعَ نعليه إذا مشى بين القبور إلا لحاجة، إما أن يكونَ في المقبرة شوك، أو شدة حرارة، أو حصى يؤذي الرِّجل، فلا بأس به؛ أي: يلبس الحذاء ويمشي به بين القبور؛
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (17/202).
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله -: الحديث لا بأس به، ولا يجوز أن يُمشَى بالنعال في المقبرة إلا عند الحاجة، مثل: وجود الشوك في المقبرة، أو الرمضاء الشديدة، أما إذا لم يكن هناك حاجة فينكر عليه، كما أنكر - صلى الله عليه وسلم - على صاحب السِّبتيَّتين، ويعلم الحكم الشرعي؛
مجموع فتاوى ابن باز (13/355).
مسألة ما هو الضابط في خلع النعال عند دخول المقبرة؟
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله -: يخلعها إذا كان يمر بين القبور، أما إذا لم يمرَّ بين القبور فلا يخلعها، مثل: أن يقف عند أول المقبرة ويسلم، فلا يخلع؛
مجموع فتاوى ابن باز (13/355).
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
يشرع لمن دخل المقبرة خلع نعليه؛ لِما روى بشير بن الخصاصية قال: "بينما أنا أماشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رجل يمشي في القبور وعليه نعلان، فقال: ((يا صاحبَ السِّبتيتين، ألْقِ سِبتيتيك، فنظر الرجل، فلما عرَف رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خلعهما فرمى بهما))؛ رواه أبو داود، وقال أحمد: إسناد حديث بشير بن الخصاصية جيدٌ، أذهب إليه إلا من علة، والعلة التي أشار إليها أحمد - رحمه الله - كالشَّوك والرمضاء ونحوهما، فلا بأس بالمشي فيهما بين القبور لتوقي الأذى، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم؛
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الفتوى رقم: (10510).
يجوز للزوج أن يدفن زوجته:
ويجوز للزوج أن يتولَّى بنفسه دفن زوجته؛ لحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: "دخل عليَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الذي بُدِئ فيه، فقلت: وارأساه، فقال: ((وددت أن ذلك كان وأنا حي، فهيَّأتك ودفنتك))، قالت: فقلتُ غَيْرَى: كأني بك في ذلك اليوم عروسًا ببعض نسائك، قال: ((وأنا وارأساه، ادْعُوا لي أباك وأخاك، حتي أكتبَ لأبي بكر كتابًا؛ فإني أخافُ أن يقولَ قائلٌ ويتمنى متمنٍّ: أنا أَوْلى، ويأبى اللهُ - عز وجل - والمؤمنون إلا أبا بكرٍ)).
أخرجه أحمد (6/ 144) بإسناد صحيح على شرط الشيخين، وهو في "صحيح البخاري" بنحوه (10/ 101/، 102)، ومسلم (7/ 110) مختصرًا، أحكام الجنائز (1/184).
لا يشرع لمن وَطِئ أهله تلك الليلة أن يتولى الدفن:
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -: ويجوز للزوجِ أن يتولى بنفسه دفْنَ زوجته...... لكن ذلك مشروطٌ بما إذا كان لم يطأ تلك الليلة، وإلا لم يُشرَعْ له دفنُها، وكان غيره هو الأولى بدفنِها، ولو أجنبيًّا بالشرط المذكور؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "شهدنا ابنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسٌ على القبر، فرأيتُ عينيه تدمعان، ثم قال: ((هل منكم من رجُلٍ لم يقارف الليلة "أهله"؟))، فقال أبو طلحة: نعم، أنا يا رسول الله، قال: ((فانزل))، قال: فنزل في قبرها فقَبَرها"[1].
وفي رواية عنه: "أن رقيةَ - رضي الله عنها - لَمَّا ماتت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يدخُلِ القبرَ رجُلٌ قارفَ الليلة)) أهله، فلم يدخل عثمانُ بن عفان - رضي الله عنه - القبرَ"[2]؛
أحكام الجنائز (1/148).
إدخال الميت من مؤخر القبر، وجعل شقه الأيمن مستقبل القبلة:
قالت اللجنة الدائمة: إن من السنة إدخالَ الميت من عند رجل القبر، إن كان أسهلَ عليه، وجعله على شقه الأيمن مستقبل القبلة، وبما أن الميتَ قد دُفن، وأنك تجهل صفةَ وضعه في القبر، فلا تدري أجعلته على شقه الأيمن أم لا، وأنك لم تفكَّ عُقَد الكفن، فلا شيء عليك في ذلك، إلا أنه ينبغي عليك في المستقبل أن تسألَ أهلَ العلم عما تجهلُ في جميع أمورك، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم؛
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الفتوى رقم: (5751)، الرئيس:عبدالعزيز بن عبدالله بن باز.--الأعضاء:عبدالله بن قعود ... عبدالله بن غديان ... عبدالرزاق عفيفي ...
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -:
والسنة إدخال الميت من مؤخر القبر؛ لحديث أبي إسحاق قال: "أوصى الحارثُ أن يصليَ عليه عبدالله بن يزيد، فصلى عليه، ثم أدخله القبر من قِبَل رجلي القبر، وقال: من السنة"؛ أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (4/ 130)، وأبو داود (2/ 69)، ومن طريقه البيهقي (4/ 54) وقال: هذا إسناد صحيح، وقد قال: "هذا من السنة" فصار من المسند"؛
أحكام الجنائز (1/151).
ويقول الذي يضعه في لحده: "بسم الله، وعلى سنة رسول الله، أو: ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم".
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -: ويقول الذي يضعه في لحده: "بسم الله، وعلى سنة رسول الله[3]؛
أحكام الجنائز (1/151).
حل عقد الكفن عند وضع الميت في القبر:
الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى -: تُحَل عُقَد الكفن عند وضع الميت في قبره، والله أعلم؛
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (17/95).
وقال أيضًا:
حلُّ عقد اللفائف ورَدَ فيه أثرٌ عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "إذا أدخلتم الميت القبر فحُلوا العُقد"؛ مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (17/ 183).
حكم كشف وجه الميت:
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: أما كشفُ وجه الميت كله فلا أصلَ له، وغاية ما ورد فيه - إن صح - أنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "إذا متُّ ووضعتموني في قبري فأفضوا بخدِّي إلى الأرض"؛
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (17/183).
قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
لا نعلم دليلاً يدلُّ على كشف وجه الميت في القبر، بل ظاهرُ الأدلة الشرعية يدلُّ على أنه لا يُكشَف؛ ذكرًا كان أو أنثى؛ لأن الأصلَ تغطية الوجه كسائر بدنه، إلا أن يكون الرجلُ مُحرِمًا، فلا يغطَّى رأسُه ولا وجهُه، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم؛
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الفتوى رقم: (5637).عضو: عبدالله بن قعود--عضو: عبدالله بن غديان--نائب رئيس اللجنة: عبدالرزاق عفيفي--الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز.
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله -:
لا يُكشَف، يُستَر جميعُ البدن حتى الوجه، لا المرأة ولا الرجل، المشروع أنه يُستَرُ وجهُه وغيره، ولا يُكشَف شيء؛
فتاوى نور على الدرب (14/83).
ويسن بعد الفراغ من دفنِه أمورٌ.
استحباب حَثْو ثلاثِ حثوات من التراب بعد سدِّ اللحد:
ويستحب لمن عند القبر أن يحثوَ من التراب ثلاثَ حثوات بيديه جميعًا بعد الفراغ من سدِّ اللحد؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صلَّى على جنازة، ثم أتى قبرَ الميت، فحثا عليه مِن قِبَل رأسه ثلاثًا"؛
رواه ابن ماجه (1565)، وصححه الألباني في الإرواء (751).
• أن يرفع القبر عن الأرض قليلاً نحو شبر، ولا يسوَّى بالأرض؛ وذلك ليتميزَ فيُصانَ ولا يهان.
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -: يُسَن أن يُرفَع القبرُ عن الأرض قليلاً نحو شبر، ولا يسوَّى بالأرض؛ ليتميز فيُصانَ ولا يهان؛ لحديث جابر - رضي الله عنه -: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُلحد له لحدٌ، ونُصِب عليه اللَّبِن نصبًا، ورُفِع قبرُه من الأرض نحوًا من شبرٍ[4]؛
تلخيص أحكام الجنائز (1/64).
أن يجعل القبر مسنمًا:
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -: يسن أن يجعل مسنمًا؛ لحديث سفيان التمار قال: رأيتُ قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبرَ أبي بكر وعمر مسنمًا[5]؛
تلخيص أحكام الجنائز (1/64).
أن يعلمه بحجرٍ أو نحوه؛ ليدفن إليه مَن يموت مِن أهله:
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -: يسن أن يعلمَه بحجر أو نحوه؛ ليدفن إليه من يموت من أهله؛ لحديث المطلب بن أبي وداعة - رضي الله عنه - قال: لَمَّا مات عثمانُ بن مظعون أُخرج بجنازته فدُفِن؛ أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً أن يأتيَه بحجرٍ فلم يستطع حمله، فقام إليها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وحسر عن ذراعيه، قال المطلب: قال الذي يخبرني عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: كأني أنظر إلى بياضِ ذراعَيْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حسر عنهما، ثم حملها فوضعها عند رأسه، وقال: ((أتعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي))[6]؛
تلخيص أحكام الجنائز (1/64).
حث الناس على الاستغفار له:
عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: ((استغفروا لأخيكم وسلُوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل)).
أخرجه أبو داود (3221)، وحسنه الألباني في أحكام الجنائز (156).
هل يُسَن تذكيرُ الناس بالاستغفار والدعاء للميت؟
أجاب الشيخ عبدالمحسن العباد - حفظه الله -: الذي يبدو أنه لا بأس بذلك؛ شرح سنن أبي داود (370/ 90).
حكم رفع اليدين في الدعاء للميت بعد دفنه:
السؤال: هل ترفع اليدان في هذا الدعاء؟
أجاب الشيخ عبدالمحسن العباد - حفظه الله -: الأمرُ في ذلك واسع، فما نعلم شيئًا يدلُّ على إثباته، ولا على نفيه؛ فللإنسان أن يرفعَ، وله ألا يرفع؛
شرح سنن أبي داود (370/87).
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -:
ويجوز رفعُ اليد في الدعاء لهما؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: خرج رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فأرسلتُ بريرة في أثَرِه لتنظر أين ذهب، قالت: فسلك نحو بقيعِ الغَرْقد، فوقف في أدنى البقيع ثم رفع يَدَيه، ثم انصرف، فرجعتْ إليَّ بريرةُ، فأخبرتني، فلما أصبحت سألته، فقلت: يا رسول الله، أين خرجت الليلة؟ قال: ((بُعِثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم))؛ أخرجه أحمد (6/ 92)، ولكنه لا يستقبل القبورَ حين الدعاء لها، بل الكعبة؛ لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاةِ إلى القبور كما سيأتي، والدعاء مخُّ الصلاة ولبُّها كما هو معروف؛ فله حُكْمها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الدعاءُ هو العبادة))، ثم قرأ: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]؛
أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (10/ 151)، والبخاري في "الأدب المفرد"، رقم (714): فإذا كان الدعاءُ مِن أعظم العبادة، فكيف يتوجَّه به إلى غير الجهة التي أُمِر باستقبالها في الصلاة؛ ولذلك كان من المقرَّر عند العلماء المحققين أنه "لا يستقبَلُ في الدعاء إلا ما يُستقبَل في الصلاة".
قال شيخ الاسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في "اقتضاء الصراط المستقيم، مخالفة أصحاب الجحيم" (ص 175): "وهذا أصل مستمر، أنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحبُّ أن يصليَ إليه، ألا ترى أن الرجلَ لَمَّا نُهِي عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها، فإنه يُنهَى أن يتحرى استقبالَها وقت الدعاء، ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبالَ الجهة التي يكون فيها الرجُلُ الصالح، سواءٌ كانت في المشرق أو غيره، وهذا ضلال بيِّن، وشرٌّ واضح، كما أن بعض الناس يمتنع من استدبار الجهة التي فيها بعضُ الصالحين، وهو يستدبر الجهةَ التي فيها بيتُ الله، وقبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم! وكلُّ هذه الاشياء من البدع التي تضارع دينَ النصارى".
وذكر قبل ذلك بسطورٍ عن الإمام أحمد، وأصحاب مالك: أن المشروعَ استقبالُ القِبْلة بالدعاء حتى عند قبرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بعد السلامِ عليه، وهو مذهبُ الشافعية أيضًا، فقال النووي
في "المجموع" (5/ 311)، وقال الإمام أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني - وكان من الفقهاء المحققين - في كتابه في "الجنائز": "ولا يَستلم القبرَ بيده، ولا يقبِّله"، قال: "وعلى هذا مضتِ السنَّة".
قال: واستلام القبور وتقبيلُها الذي يفعله العوام الآن من المبتدعات المنكَرة؛ أحكام الجنائز (1/194).
حكم قراءة أحد أقرباء الميت شيئًا من القرآن على قبره بعد الدفن:
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله -: هذا لا أصل له، الدعاء فقط، القرآنُ ليس بمشروع، ولا يقرأ عند القبور، لكن إذا فرغ يقف عليه ويقول: اللهم اغفِرْ له، اللهم ثبِّتْه بالقول الثابت ... ونحو ذلك، هو والحاضرون، كان النبيُّ إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: ((استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيتَ؛ فإنه الآن يسأل))، هكذا يقول - صلى الله عليه وسلم، يأمر الناسَ بهذا بعد الدفن، أما قراءةُ القرآن فلا يُقرأ عليه القرآن لعدم الدليل؛
فتاوى نور على الدرب (14/136).
قال الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين - رحمه الله -: وأما العمل الثاني وهو طلب قراءة الفاتحة من الحاضرين فهو أيضًا بدعة، فإن النبي - عليه الصلاة والسلام - لم يكنْ إذا دفن الميت يقول للناس: اقرؤوا عليه الفاتحة، أو شيئًا من القرآن، بل كان إذا فرغ من دفنه وقف عليه وقال: ((استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل))، ولم يكن هو الذي يستغفر بهم لهذا الميت، فيدعو ويؤمنون، بل قال: ((استغفروا لأخيكم))، وكل واحد يقول: اللهم اغفر له، اللهم ثبِّتْه؛
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين (17/368).
حكم وعظ الناس في المقابر:
السؤال: هل تجوز موعظة الناس عند دفن الميت في المقابر؟ وهل يجوز أن يدعوَ الواعظ والناس يؤمِّنون من ورائه؟ إذا كان هذا العمل جائزًا فما هو أفضل دعاء؟ وإذا كان غير جائز أرجو من فضيلتكم أن توضح للناس ذلك؟
فأجاب الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين - رحمه الله -: أما الموعظة الخاصة فهذه لا بأس بها، لو كان الإنسان جالسًا وحوله أناس، وصار يتكلم عن الموت وما بعده، وسؤال الميت عن ربِّه ودينه ونبيِّه، هذا طيب، أو مثلاً هو جالس عند القبر، وقال للناس ما قاله الرسول - عليه الصلاة والسلام - وهو جالس على قبر إحدى بناته قال: ((ما منكم من أحدٍ إلا وقد كُتِب مقعدُه من الجنة ومقعدُه من النار))، كل شيء مكتوب، نسأل الله أن يجعل مقاعدنا في الجنة - قالوا: يا رسول الله، إذًا نترك العمل - ما دام كل شيء مكتوبًا - قال: ((لا، اعملوا فكلٌّ ميسَّرٌ لِما خُلق له))، مقعد أهل الجنة لا يكون لمن عَمِل عَمَل أهل النار، مقعد أهل النار لا يكونُ لمن عَمِل عَمَل أهل الجنة، مقعدك مكتوبٌ، لكن مكتوبٌ العمل المؤدي إلى هذا المقعد، فمثل هذه الموعظة لا بأس بها، وكذلك أيضًا في يومٍ من الأيام دخل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى البقيع وهم في جنازة رجُل من الأنصار، لكنه ما تم اللحد، والناس ينتظرون إتمام اللحد، وجلس النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وجلسوا حوله كأن على رؤوسهم الطيرَ احترامًا للرسول - عليه الصلاة والسلام - وتعظيمًا للمقام، فجعل يحدثهم بما يكون عند الاحتضار وما بعد الموت، مثل هذه الموعظة لا بأسَ بها، أما أن يقوم الإنسان خطيبًا عند القبر يخطب الناس، فهذا ليس من السنة في شيء، وما عهدنا أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - ولا الصحابة قاموا خطباءَ في المقبرة يَعِظُون الناس بالخطب، في أي مكان تكون؟ في المساجد، أما المقابر فلا، المقابر محل العزاء، لكن إذا جرت مناسبات موعظة مجلس، ما هي خطبة، فلا بأس.
وأما الدعاء بعد الدفن، فإن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يدعو والناس يؤمِّنون أبدًا، ولكنه كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: ((استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت؛ فإنه الآن يسأل))، وعلى هذا تقف عند القبر وتقول: اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم ثبِّته، اللهم ثبته، اللهم ثبته، ثلاث مرات ثم تنصرف؛ لأن الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دعا دعا ثلاثًا؛
اللقاء الشهري (31/22).
عدم وضع الجريدة على القبر:
ورأى ابن عمر - رضي الله عنهما - فسطاطًا على قبر عبدالرحمن، فقال: انزعه يا غلام، فإنما يظلُّه عملُه".
السؤال: يقول السائل: ما حكم وضع جرائد النخيل أو الأراك على القبر في وقتنا الحاضر؟ لأن البعضَ يحتج بأنَّ وضع الجريد - أي جريد النخل - على القبر هو خاص بالرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنه عَلِم بالعذاب الذي كان يعذَّب به صاحبا القبرين، وجِّهونا في ضوء ذلك!
فأجاب الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - بقوله: هذا هو الصواب، ليس لأحد أن يضعَ الجريد ولا غيره على القبور؛ لأن الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - ما كان يضعُ على القبور شيئًا، قبور البقيع وغيرها ما كان يضع عليها شيئًا، إنما وضع الجريدة على قبرين أطلعه اللهُ على عذابهما، فوضع الجريدتين وقال: ((لعله يخفَّف عنهما ما لم يَيْبسا))، ولم يضع الجريدَ على القبور الأخرى، فدل ذلك على أنه لا يوضع الجريد ولا غير الجريد على القبور؛ لأنا لا نعلم عذابهم، والله - سبحانه - أطْلع نبيَّه على عذاب القبرين، فوضع الجريد لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا، فليس لنا أن نشرع شيئًا جديدًا؛
فتاوى نور على الدرب (14/109).
السؤال: هل وضعُ شيء على القبور من أشجار رطبة وغيرها من السنَّة، بدليل صاحبي القبرين اللذين يعذبان أم أن ذلك خاصٌّ بالرسول - عليه الصلاة والسلام - وما دليل الخصوصية؟
فأجاب الشيخ محمد بن صالح بن محمد العثيمين - رحمه الله -: وضْعُ الشيء الرطَّب - من أغصان، أو غيرها - على القبر ليس بسنة، بل هو بدعة، وسوءُ ظن بالميت؛ لأن النبي - عليه السلام - لم يكن يضعُ على كل قبر شيئًا من ذلك، وإنما وضع على قبرين عَلِم - عليه الصلاة والسلام - أنهما يعذَّبان؛ فوضْعُ الجريدةِ على القبر جنايةٌ عظيمة على الميت، وسوءُ ظن به، ولا يجوز لأحد أن يسيء الظن بأخيه المسلم؛ لأن هذا الذي يضع الجريدة على القبر يعني أنه يعتقد أن هذا القبر يعذَّب؛ لأن النبي - عليه السلام - لم يضعها على القبرين إلا حين علم أنهما يعذبان، وخلاصة الجواب أن وضْعَ الجريدة ونحوها على القبر بدعة وليس له أصل، وأنه سوء ظن بالميت؛ حيث يظن الواضع أنه يعذب، فيريد التخفيف عليه، ثم ليس عندنا علمٌ بأن الله - تعالى - يقبل شفاعتنا فيه إذا فعلنا ذلك، وليس عندنا علم بأن صاحب القبر يعذَّب؛
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (17/192).
----------------------------------------------------------------------------------
[1] رواه البخاري (1285)
[2] رواه أحمد (13398)، وصححه الألباني في أحكام الجنائز (1/149).
[3] عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان إذا وضع الميت في القبر قال: ((بسم الله، وعلى سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم))؛ رواه أبو داود (3213)، وصححه الألباني في أحكام الجنائز (152).
[4] رواه ابن حبان (6635).
[5] رواه البخاري (1390).
[6] رواه أبو داود (3206)، وحسنه الألباني في أحكام الجنائز (155).