من اروع ما قيل في شعر الحكمة
صـرَمَتْ حبـالَكَ بعـد و صـلك زينـبُ
و الـدهـر فيـه تصـرُّمٌ و تقلُّبُ
نشـرت ذوائبـها التي تُزْهىَ بهـا
سـوداً و رأسـكَ كالثـغامـةِ أشـيَبُ
و اسـتنفـرتْ لّمـا رأتكَ و طـالمـا
كانت تحـنُّ إلى لقـَـاكَ و ترهـبُ
و كذاك و صـلُ الغـانيـات فـإنّـه
آلٌ ببلقـعةٍ و بـرق خُلَّبُ
فـدع الصِّـبا فلقـد عـداك زمـانُه
و ازهـدْ فعمـرُك منـه ولَّى الأطيـبُ
ذهـب الشـباب فمـا لـه مـن عـودةٍ
و أتَى المشـيبُ فـأينَ منـه المهـربُ
ضيـفٌ ألمَّ إليـكَ لـم تحـفل به
فتـرى لـه أسـفاً و دمعـاً يَسـْكَبُ
دع عنـك مـا قـد فـات في زمـن الصِّـبا
و اذكُـرْ ذبـوبَكَ و ابكِهـا يـا مـذنِبُ
و اخـشَ مناقشـةَ الحسـابِ فـإنّـه
لا بـدَّ يُحـصَى مـا جنـيتَ و يكتـب
لـم ينسَـهُ المـلَكـانِ حيـن نسـيتهُ
بـل أثـبـتاه و أنـتَ لاه تلعـبُ
و الـروحُ فيـكَ وديعــةٌ أُوِدعــتهَاَ
سـتردُّهَـا بالـرّغم منـكَ و تُسْـلَبُ
و غـروُر دنيـاك التي تسـعَى لهـا
دارٌ حقيـقتُـهاَ متـاعٌ يُذْهَبُ
و الليـلُ فـاعلـم و النهـارُ كلاهمـا
أنفـاسُـنَا فيـها تُـعَدُّ و تُحسـبُ
و جميـعُ ما حصَّـلتـه و جمعـته
حقـاً يقيـناً بعـد مـوتِكَ يُنـهبُ
تـباً لـدارٍ لا يـدوم نعيمُـها
و مُشـيدُهـا عمـا قليـلٍ يُخْـربُ
فاسـمعْ هُـدِيتَ نصـائحاً أولاكـها
بَرَّ لبـيبٌ عـاقلٌ متـأدَّبُ
صـحبَ الـزمـانَ أهـله مسـتبصـراً
ورأى الأمـور بما تؤوبُ و تُعْـقِبُ
أُهـدى النصيحـةَ فاتعـظْ بمـقالة
فهـو التـقيُّ الـلـوذعيُّ الأدرب
لا تأمـن الـدهـرَ الصُّـرُوفَ فـإنَّـهُ
لا زال قِـدْمـأً للـرجـال يُهـذّب
و كذلكَ الأيامُ في غـدواتها
مـرَّتْ يُذلُّ لهـا الأعـزُّ الأنجب
فعـليكَ تقـوى الله فـالزمهـا تـفُزْ
إنّ التـقي هـو البـهي الأهيـبُ
و أعمـل لطـاعته تنـلْ منـه الـرِّضـا
إنّ المطيـعَ لـربه لمُقـرّبُ
فاقنـعْ فتفي بغـض القـناعـةِ راحـةٌ
و اليـأسُ مّمـا فـات فهـو المطلب
و إذا طمعتَ كُسـيتَ ثوب مـذلةٍ
فلقـد كُسِِىَ ثوبَ المـذلة أشـعبُ
و تـوقَّ من غـدْرِ النـساءِ خيـانةً
فجميعـهنَّ مكائـدٌ لك تُنـصَبُ
لا تُأمِـن الأنثى حيــاتَكَ إنّهـا
كالأفعـوانِ يُـراعُ منـه الأنيـب
لا تُأمِـن الأنثى زمـانَكَ كلَّـه
يـوماً و لـو حلفـتْ يميـناً تـكذبُ
تُـغْـرى بطـيب حـديـِثـها و كلامِهـا
و إذا سـطتْ فهـي الثقـيلُ الأشـطبُ
واجـه عـدوك بالتحيـة لا تكـن
منـه زمـانكَ خـائفـاً تتـرقبُ
و احـذرهُ يومـاً إن أتى لك باسـماً
فـالليـثُ يبـدو نـابُه إذْ يغضَـبُ
إن الحقـودَ و إنْ تقـادمَ عهـدهُ
فـالحقـدُ باقٍ في الـصدورِ مُغَيَّـبُ
و إذا الـصديقُ رأيتـهُ متـعلَّقـاً
فهـو العـدوُّ و حقُّـه يُتـجنّبُ
لا خيـر في ودِّ امرئٍ متملـقٍ
حلـو اللسـان و قلبُـهُ يتـلهَّـبُ
يلقـاك يحلـفُ أنَّـه بك واثـق
و إذا توارى عنـك فهْـو العقـربْ
يعطيـكَ من طـرفِ اللسـان حـلاوةً
و يروغُ منـك كمـا يـروغُ الثـعلبُ
و اختـرْ قريـنَك و اصطفيـِه تفـاخـراً
إنّ القـرينَ إلى المقـارن يُنْسـبُ
إنّ الغـنىَّ من الرجـال مكـرَّمُ
و تـراه يُـرْجَى مـا لـدَيْـه و يُـرْهَـبُ
ويُبـشُّ بالـرحيـبِ عنـد قـدومه
و يُـقَـامُ عنـد سـلامـهِ و يُـقــرَّبُ
و الفقـرُ شَـيْنٌ للـرجـال فـإنَّـهُ
يُـزرىَ بـه الشـهمُ الأديبُ الأنسـبُ
و اخْفـضْ جنـانكَ للأقـاربِ كلِّـهم
بتـذلُّـلٍ و اسمـح لهـم إن أذنبـوا
و دع الكـذُوب فلا يكـن لك صـاحبـاً
إن الكـذوب لبئـسَ خِـلاً يُصْـحَبُ
و ذِر الكلامَ إذا نطقتَ و لا تكـنْ
ثرثـارةً في كل نـادٍ تخـطُبُ
و احـفظْ لسـانَكَ و احتـرِزْ من لفـظِه
فـالمـرءُ يَـسْـلَمُ باللـسان و يُعْـطَـبُ
و السـرَّ فـاكتُـمهُ و لا تنـطق بـه
فهـو الأسـيرُ لـديكَ إذْ لا يُنْـسَـبُ
و احـرص على حفـظ القـلوب من الأذى
فـرجـوعِهـَا بعـد التنـافـرِ يصْـعَـبُ
إن القلـوب إذا تنـافـر ودُّهَـا
شبـه الـزجـاجة كسـرُها لا يُشْـعبُ
و كـذاك سـرُّ المرءِ إنْ لم يطْوه
نشــرتْه ألسـنةٌ تـزيـدُ و تكْـذِبُ
لا تحـرصنّ فـالحـرصُ ليس بزائدٍ
في الـرزق بل يُشقِى الحـريص و يُتْعَـبُ
و يظـلُّ ملهـوفـاً يرومُ تحـيُّلاً
و الـرزقُ ليس بحـيلةٍ يُسـتجلبُ
كم عـاجـزٍ في النـاس يُـؤْتِي رزقَـهُ
رِغـداً ويُحـرَمُ كيَّـس و يخيَّـبُ
أَدِّي الأمـانةَ، و الخيـانةَ فـاجتنـبْ
واعـدِلْ ولا تظلِـمْ فيطـبُ الكسـبُ
وإذا بُليـتَ بنكبـة فـاصْـبر لهـا
أوقـد رأيت مسـلِّمـاً لا يُنْـكـبُ
وإذَا أصـابكَ في زمـانِكَ شِـدّةُ
و أصـابكَ الخـطبُ الكريهُ الأصعـبُ
فـالجـأْ لـِرَبّك إِنّه أدنى لمـنْ
يدعـوهُ من حـبل الـوريد وأقـربُ
كن ما استطعـتَ عن الأنام بمعـزلٍ
إن الكثيـرَ من الـورى لا يُصحـبُ
واجعـلْ جليسـك سـيِّداً تحـظى به
حبـرٌ لبيـبٌ عـاقـلٌ متـأدِّبُ
واحـذر من المظـلوم سهـماً صـائبـاً
واعلـمْ بأن دُعَـاءَهُ لا يُحجَـبُ
وإذا رأيتَ الـرزقَ ضـاق ببـلدةٍ
وخشيـتَ فيهـا أن يضـيقَ المكسـبُ
فارحَـلْ فأرضُ الله واسعـةُ الفضـا
طـولاً و عـرْضـاً شـرقُهـا و المغـربُ
فلقـد نصحـتُكَ إن قبلتَ نصيحـتي
فـالنصـحُ أغلَى مـا يُبَـاعُ و يوهَـبُ
خُـذهـا إليـك قصيـدةً منظـومةً
جـاءت كنظـم الدر بل هي أعجـبُ
حِـكَمٌ وآدابٌ وجُـلٌ مَـواعـِظٍ
أمثـالُهـا لـذوى البصـائرِ تُكتَـبُ
فاصِـخْ لـوعظِ قصيـدةٍ أو لاَكَهـا
طـودُ العلـومِ الشـامخـاتِ الأهيـبُ
أعْنِي عليـاً وابن عمِّ محمـدٍ
من نـاله الشـرفُ الـرفيـعُ الأنســبُ
يـا ربِّ صـلِّ على النبـيِّ و آلـهِ
عـددِ الخـلائقِ حصـرُهـا لا يحسـبُ
صرمت حبالك = أي انقطعت صلتك، و الصر هو الهجر و القطيعة
الذوائب = جدائل الشعر
الثغامة = شجرة بيضاء الثمر تنبت في قمة الجبل وإذا يبست اشتد بياضها
الغانيات = جمع غانية و هي المرأة الجميلة الفاتنة التي استغنت عن الزينة بجمالها
الآل = السراب
البلقعة = الصحراء الشاسعة
الخلب = الكاذب
تباً = أي هلاكاً و دماراً
أي دار الدنيا فهي لا يدوم نعيمها ولا تبقى لذاتها لأنها دار فناء لا دار بقاء
أشعب هذا كان رجلاً طماعاً و كان يضرب به المثل في الطمع، فقيل أطمع من أشعب
توق = أي احفظ نفسك و احميها
الأفعوان = ذكر الأفعى وهي حية من شرار الحيات رقشاء دقيقة العنق عريضة الرأس قاتلة السم
الأنيب = صاحب الأنياب
الثقيل = السيف و الأشطب الحاد القاطع
شين = أي عيب و مذموم
يزرى به = يعاب و يحتقر بسببه
الخل = الصديق و الصاحب
الثرثرة = كثرة الكلام بالباطل و ما لا فائدة فيه
لا يشعب = أي لا يجبر و لا يمكن التحكم فيه
اصخ = استمع و افهم ما يقال لك
منقول