![]() |
|
قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها ..... |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
معا لمراجعة مجستار ا الدستوري والأدارة العامة
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 61 | ||||
|
![]() بعد التحية والسلام
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 62 | |||
|
![]() شكرا لك الاخت هادية |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 63 | |||
|
![]() شكرا للمعلومات هنا |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 64 | |||
|
![]()
لحد الساعة لم يعلن عنه
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 65 | |||
|
![]() شكرا اختي |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 66 | |||
|
![]() ضمانات احترام القواعد الدستورية |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 67 | |||
|
![]() اين تفاعلكم |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 68 | ||||
|
![]() اقتباس:
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 69 | |||
|
![]() ما هي اهم التعديلات التي طر أت مؤخرا على الدستور الجزائري ( اقصد التعديلات الجديدة ) |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 70 | |||
|
![]() السلام عليكم |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 71 | ||||
|
![]() اقتباس:
تكتسي موضوعات القانون الدستوري أهمية في مجال الدراسات القانونية فهي على علاقة بفكرة الدولة القانونية التي يلتزم فيها كل من الحاكم و المحكوم حدود القانون، و دراسة القانون الدستوري تتركز أساسا في دراسة الجوانب المختلفة للدستور. فالدستور هو القانون الأساسي للدولة، يملك من الخصائص التي تضعه في منزلة أعلى من غيره من القوانين و القوة التي يتميز بها الدستور، يمكن رؤيتها من ناحيتين. الأولى تتعلق بمضمونه أي السيادة المادية، فالتفوق المادي للدستور يعود إلى أن النظام القانوني بكليته و جميع النشاطات التي تمارسها سلطات الدولة ترتكز على الدستور و تستمد منه شرعيتها، إذن هو القاعدة الأساسية المكونة و المنظمة لاختصاصات السلطة العامة، أما الناحية الثانية، تتعلق بالسيادة الشكلية للدستور، و هي نتيجة منطقية لسيادته المادية و يقصد بها، الأصول الواجب اعتمادها لإعداد النصوص الدستورية و احترامها. و لجعل هذه النصوص تتمتع بالحماية و الاحترام فان إعدادها و تعديلها يفترضان إتباع بعض الشروط الشكلية التي قد تحد من حرية السلطات التي تتولى أمر تطبيق الدستور و تعديله. فمن خلال ما تقدم تبرز أهمية الدستور في النظام القانوني للدولة و من بين المواضيع الهامة في إطار الدراسات القانونية، موضوع التعديل الدستوري، فهو ضرورة قانونية و سياسية في جميع الأنظمة الدستورية، فلابد أن يساير الدستور التغيير و التطور المستمر و لابد من إيجاد تنظيم لوسائل شرعية لتعديل الدساتير، فمن أهم دوافع حركة تدوين الدساتير في أواخر القرن السابع عشر و ما بعدها هو تأكيد استقرار القواعد الدستورية و ضمانها في وثائق مكتوبة، فهذا التقابل بين الحرص على استقرار القواعد الدستورية، و التطور المستمر و المتنوع و المتسارع في جميع مجالات الحياة البشرية و الحضارية جعل من التعديل الدستوري ضرورة لابد منها لإقامة التوازن بين هذين العاملين (التطور و الاستمرار) و ضمانا منطقيا و عمليا للحفاظ على الشرعية الدستورية. فالواقع الدستوري و السياسي لغالبية دول العالم اليوم يشهد تنافرا شديدا بائنا بين الكثير من النصوص الدستورية و تطبيقاتها على أرض الواقع العملي، و هذا السبب هو الذي يؤدي بنا إلى دراسة موضوع التعديل الدستوري لأنه يمس بالحريات العامة و حقوق الإنسان و المواطن و يمس بالتوازن بين السلطات حيث يؤدي التعديل الدستوري إلى تفوق إحدى السلطات الثلاث في الدولة على الأخرى و هذا الأمر قد يترتب عليه تغيير في النظام السياسي للدولة. و من هذا المنطلق تأتي أهمية دراسة موضوع التعديل الدستوري في الجزائر، وسبب اختيارنا لهذا الموضوع يعود أن كل الدساتير الجزائرية جاءت في ظروف الأزمات، و بعبارة أخرى أن التعديل الدستوري جاء لحل الأزمات التي عرفتها الجزائر، مما يؤكد ضرورة التمعن في خلفيات هذه التعديلات و السياق الذي جرت فيه هذه التعديلات. فالوثيقة الدستورية هي التي تحتل القمة في النظام القانوني في الدولة ذلك أنها تحدد نظام الحكم في الدولة و تنظيم الحريات و حقوق الإنسان، و العلاقة بين السلطات الثلاث. و على أساس ما تقدم فان التعديل الدستوري يمكن أن يؤدي إلى هشاشة الدولة ذلك أن النظام الدستوري الجزائري هو تقليد للأنظمة الغربية. فهذه الأخيرة جاءت نتيجة تطورات تاريخية و ظروف سياسية و اقتصادية و اجتماعية و لا يمكن تقليدها أو تطبيقها في بيئة غير المحيط الذي ظهرت فيه. و لا يشترط في النظام الدستوري أن يتبنى نظاما معينا (برلمانيا أو رئاسيا أو حكومة جمعية) لكي يطلق عليه وصف النظام الديمقراطي، و إنما يشترط في النظام احترام مبادئ و أسس و قواعد النظام الديمقراطي و مبادئ و قيم المجتمع و تراثه. من جهة أخرى فان الوثيقة الدستورية لابد أن تصاغ بطريقة قانونية فلا تؤدي إلى أي تأويل من خلال أحكامها. و من خلال ما تقدم نطرح الإشكالية التالية: ما هي القواعد التي تحكم التعديل الدستوري و كيف يمكن للتعديل الدستوري في الجزائر أن يؤثر على ضبط التوازنات بين السلطات المختلفة و على الحقوق و الحريات العامة؟ و لمعالجة هذا الموضوع نستخدم المناهج الآتية: المنهج التاريخي. المنهج المقارن بين مختلف النصوص المعتمدة ذات الصلة بموضوع البحث محل الدراسة. المنهج التحليلي و النقدي. و سنحاول اظهار الاقتراحات المقدمة و التي قد تعتبر كبدائل مقبولة و حلول مناسبة في موضوع التعديل الدستوري و سيتم تقسيم البحث على النحو التالي: الفصل الأول: النظام القانوني للتعديل الدستوري في الجزائر. المبحث الأول: تعريف التعديل الدستوري و أهميته. المبحث الثاني: إجراءات التعديل الدستوري. المبحث الثالث: قيود التعديل الدستوري. المبحث الرابع: الصياغة القانونية للتعديل الدستوري. الفصل الثاني: آثار التعديل الدستوري على النظام السياسي الجزائري. المبحث الأول: مضمون التعديلات الدستورية. المبحث الثاني: تطور الحقوق و الحريات العامة في الدساتير الجزائرية. المبحث الثالث: آثار التعديل الدستوري على مبدأ الفصل بين السلطات. المبحث الرابع: آثار التعديل الدستوري على المجتمع المدني و العمل السياسي. الفصل الأول: النظام القانوني للتعديل الدستوري في الجزائر تخضع عملية إعداد الدساتير لأسلوبين قديمين و هما أسلوب المنحة و أسلوب العقد أما الأسلوب الثاني فهو حديث أو أكثر ديمقراطية و هو الأسلوب الرضائي و المتمثل في الجمعية التأسيسية، أما الدساتير من حيث تعديلها فتنقسم إلى دساتير جامدة عندما يكون تعديلها خاضعا لإجراءات تفوق تلك التي يتطلبها القانون العادي عند تعديله، على عكس ذلك هناك الدساتير المدنية التي لا يتطلب تعديلها أي إجراء خاص أو استثنائي، و إنما تخضع في عملية تعديلها إلى نفس الكيفيات و الإجراءات التي يعدل بمقتضاها القانون العادي . و تأسيسا على ذلك سوف نتناول في هذا الفصل الأول تعريف التعديل الدستوري و بيان أهميته (مبحث أول)، ثم إجراءات التعديل الدستوري من خلال الدساتير الجزائرية (مبحث ثاني)، ثم نتطرق للقيود الواردة على التعديل الدستوري في الجزائر (مبحث ثالث)، و ننهي الفصل الأول بدارسة الصياغة القانونية للتعديل الدستوري (مبحث رابع). المبحث الأول: تعريف التعديل الدستوري و أهميته يعتبر التعديل الدستوري ضرورة قانونية و سياسية في جميع الأنظمة الدستورية، ذلك أن الدستور هو القانون الأساسي في الدولة يقبل التعديل في كل وقت، أما من الناحية السياسية فان الدستور يقوم بوضع القواعد الأساسية للدولة وفقا لأوضاعها السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية وقت صدوره، فلابد من إيجاد تنظيم لوسائل سلمية، شرعية لتعديل القواعد الدستورية حتى لا تؤدي الحاجة و الضرورة إلى تعديلها بطريق مصحوب بالعنف غير الشرعي أو حصول تباعد و تنافر بين النصوص الدستورية و الواقع السياسي في الدولة. من خلال ما تقدم نحاول تعريف التعديل الدستوري من حيث اللغة و الاصطلاح، و بيان أهميته. المطلب الأول: تعريف التعديل الدستوري لغة و اصطلاحا الفرع الأول: التعريف اللغوي يقول الله تعالى في كتابه الكريم:" الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ " ، و جاء في قراءة هذه الكلمة عند علماء القراءة في علم التجويد أنه يصح للقارئ أن يقرأ الكلمة مرتين مرة (فَعَدَلَكَ) و هي تعني أن الله جعلك معدلا مستقيما لمرة واحدة أو للمرة الأولى في بدء خلق الإنسان. و المرة الثانية تقرأ (فَعَدَّلَكَ) و هي تعني أن الله يعدّل الإنسان قولا و عملا كلما حصل منه اعوجاج في القول أو العمل ليعود إلى جادة الصواب في حياته كلها. و جاء في كتاب التفسير الواضح في تفسير هذه الآية الكريمة، و قد عدلك أي صرفك عن صورة غيرك إلى صورة حسنة كاملة. و جاء في مختار الصحاح، "تعديل الشيء تقويمه، يقال عدله تعديلا فاعتدل، أي قومه فاستقام، و كل مثقف معدل". أما معنى التعديل في اللغة الانجليزية Amendment، هو تغيير في نص ما، باستبداله أو تغيير أو إضافة إليه أو لكل هذه الوسائل مجتمعة، الغرض منه تحسينه في جانب ما، أو هو تغيير في قانون من قبل البرلمان . الفرع الثاني: التعريف الاصطلاحي جاء في المعجم الدستوري بأن التعديل هو اقتراح تغيير نص يخضع لتصديق الجمعية النيابية عليه، و حق التعديل و هو نتيجة طبيعية للحق العام في المبادرة حسب تعبير Engene Pierre، و قد استعاده المجلس الدستوري الفرنسي و لم يظهر بهذه الصفة في الدساتير الفرنسية الأولى، و لا يتضمن حق التعديل القدرة على اقتراح الإلغاء الكامل أو الجزئي أو التغيير فيما يختص بعناصر أحكام مشروع أو اقتراح فحسب، بل الحق أيضا في إكمال النص بأحكام جديدة، فهذا الإكمال يأخذ شكل تعديل يحمل مادة ملحقة، أما التعديلات للتعديل فتسمح بتفسيره و لا يمكنها أن تكون تعديلات معدلة بحد ذاتها ، بمعنى أن المواد المعدلة يمكن أن تكون لها أحكام التفسير، و لا يقصد منها إضافة أو إلغاء أحكام. فالتعديل إذن هو تغيير جزئي لأحكام الدستور سواء بإلغاء البعض منها أو بإضافة أحكام جديدة أو بتغيير مضمون بعضها. و لذا فان الإنهاء الكلي للدستور لا يشكل تعديلا له بل إلغاء ، و عليه فان التعديل يقتضي الإبقاء على نفس الدستور، و ليس وضع دستور جديد، بناء على ذلك يتبين أن التعديل يختلف عن الوضع الذي يعني إنشاء دستور جديد، كما يختلف عن الإلغاء أو الإنهاء الكلي الذي يعدم الدستور بصفة تامة . و ينبغي الإشارة إلى أن هناك مجموعة من المصطلحات المرادفة للتعديل منها التغيير، التنقيح الاستبدال، الإضافة، المراجعة. و من خلال ملاحظة دساتير الدول نجد كثير من التخبط و التكرار في استعمالاتها للتعابير و المصطلحات المختلفة، فبعض هذه الألفاظ لا يوجد بين مدلولاته اللفظية و مدلولاته الاصطلاحية أي تشابه أو تقارب، فالإلغاء أو الحذف و هما معنيان متشابهان لا يمكن الاستدلال منهما على معنى الإضافة أو الاستدلال في مضمون المدلول الاصطلاحي كذلك فان المدلول اللفظي للتنقيح لا يعطي إلا معنى الإنقاص أو الحذف و لا يشبه بأي وجه معنى الإضافة و الاستبدال أيضا، فلذلك فانه من الأفضل استعمال مصطلح التغيير في الدستور على غيره من المصطلحات فهو يغطي معاني الحذف و الإضافة و الاستبدال، و هو أصح في مدلوله من مصطلح تغيير الدستور لأن هذا المعنى قد ينصرف إلى تغيير الدستور كله . المطلب الثاني: أهمية التعديل الدستوري الدساتير لا تتمتع بنفس الديمومة، و هي ليست أزلية، و قد يكون لبعضها من طول النفس و القدرة على التأقلم مع تطور الأوضاع ما ليس للبعض الآخر، فدستور الولايات المتحدة الأمريكية الذي وضع منذ قرنين ما زال نافذ إلى يومنا هذا، مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية دولة متمتعة باستقرار دستوري واضح و على العكس من ذلك، فان تاريخ فرنسا المعاصر تمتع بعدم الاستقرار الدستوري ذلك أن هذه الدولة عرفت منذ عام 1871 ما لا يقل عن 12 دستورا. أما عن التجربة الدستورية في الجزائر، فكانت مع بداية استقلالها المعلن عنه سنة 1962، مع أول دستور لها عام 1963 و إن بقي حبر على ورق و لم يطبق، إلى أن ألغي بموجب الأمر الصادر في 10/07/1965 و توقفت بذلك أول تجربة دستورية في حياة الدولة الجزائرية المستقلة إلى غاية وضع دستور 1976 الذي وقعت عليه ثلاث تعديلات (1979- 1980-1988) و إن كان التعديلين الأول و الثاني لا تقل أهميتها، إلا أن التعديل الثالث (1988) كان أكثر أهمية، فقد تحقق بموجبه النظام الجزائري وجهة تختلف عن تلك التي وقع إقرارها في الدساتير السابقة (1963-1976)، بحيث انتقل من طبيعة نظام سياسي موحد (حزب – سلطة واحدة) إلى نظام سياسي تعددي، الفصل بين السلطات و ثنائية السلطة التنفيذية. إن هذا الكم الضخم في عملية التعديلات الدستورية - و التي سوف نتطرق لها بالتفصيل في الفصل الثاني- و في فترة زمنية قصيرة، يعكس حقيقة الصعوبات التي يواجهها الحكام في إيجاد الحلول المقبولة لمشاكل الحكم و من جهة أخرى فإنها تكشف عن الرغبة المستمرة في البحث عن عملية تأسيس الدولة. و كما أشار الأستاذ"جيرار كوناك" Gerard Conac، فان على الرغم من الاستقرار الدائم فان التحولات و التعديلات الدستورية تعكس رغبة البحث عن هياكل و إجراءات أكثر ملاءمة للحقائق السوسيولوجية و الثقافية لكل دولة. و هكذا فان حداثة الدولة الجزائرية، يكشف أن كل محاولات التقليد على كل المستويات و اللجوء للنماذج الكلاسيكية للحكم لم تتمكن من إيجاد وسائل مقبولة لترشيد علاقة السلطة. و مهما يكن الأمر، فان التعديلات الدستورية تأتي من الرغبة في حل التناقض داخل النظام السياسي. إن أشكال هذا التناقض متنوعة و توحي كل عملية تعديل نحو نظام معين، و بالتالي فان التحولات الدستورية ينبغي تفسيرها على مستويين الاستقرار و الاستمرار. لكن عمليا و إن كانت عملية التعديل الدستوري دليل على الاستمرار الدستوري، تدل على عدم الاستقرار السياسي و أن ما حدث في الجزائر في نوفمبر 1988، و نوفمبر 1989 و 28 نوفمبر 1996 و نوفمبر 2008، خير دليل على ذلك. كانت هذه التعديلات الدستورية تخضع عند اقتراحها و إقرارها لتقدير رئيس الجمهورية و من ثمة فإنها لن تهدف بطبيعة الحال سوى الحفاظ و تقوية هيمنة السلطة التنفيذية في النظام السياسي و المستفيد الأكبر بالنظر لفائدة التعديل الدستوري، تلك الفائدة التي يراها القانون الدستوري يجب أن تحقق ملاءمة القانون الأساسي مع الحياة السياسية و لعل ذلك من أهم أبعاد و أهمية التعديل الدستوري . المبحث الثاني: إجراءات التعديل الدستوري في الجزائر إن الميزة الأساسية للنصوص الدستورية هو سمو قواعدها مقارنة مع باقي النصوص القانونية، الأمر الذي يفرض ضرورة مسايرة النصوص الأدنى لها من حيث المضمون، كما أن النتيجة الثانية هي تميز النصوص الدستورية بنوع من الثبات، إلا أن ذلك لا يعني جمودها المطلق و عدم قابليتها للتعديل لأن القول بعكس ذلك مرفوض لاعتبارين، الأول سياسي و مفاده أن قواعد الدستور هي مرآة عاكسة لمجموع الظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي تعرفها الدولة، لذلك لابد أن يتم تعديل الدساتير حتى تساير التطور الذي يصيب تلك الظروف، و القول بعدم تعديلها يؤدي حتما إلى نشوب ثورات و انقلابات. و الاعتبار الثاني قانوني حيث أن فكرة الجمود المطلق للدساتير لا يتماشى و فكرة السيادة التي تكون ملكا للشعب أو للأمة، فعندما يقرر صاحب السيادة الجمود المطلق للدستور معنى ذلك أنه تنازل عن حقه في ممارسة التعديل. و بناء على ما تقدم، نتناول إجراءات التعديل الدستوري من خلال دراسة مقارنة بين الدساتير الجزائرية (1963-1976-1989-1996). المطلب الأول: مرحلة المبادرة بالتعديل المبادرة بالتعديل قد تتقرر للحكومة وحدها، و قد يتقرر هذا الحق للبرلمان وحده و قد يتقرر هذا الحق للحكومة و البرلمان معا و قد يتقرر هذا الحق للشعب ذاته. و تقرير حق اقتراح تعديل الدستور لأي من هذه الهيئات أمر يتوقف على مكانة كل منها إزاء الأخرى، فإذا كان الدستور يميل إلى رجحان كفة السلطة التنفيذية في الدولة و تقويتها على حساب السلطة التشريعية فانه يجعل المبادرة بالتعديل من اختصاص الحكومة و إذا كان الدستور يميل إلى رجحان كفة البرلمان و تقويته على السلطة التنفيذية أو على الأقل يجعل منه صاحب الولاية العامة في التشريع فان الدستور يجعل حق المبادرة بالتعديل من اختصاصه وحده، و إذا كان الدستور يميل إلى تحقيق التوازن و التعاون المتبادل بين السلطتين التنفيذية و التشريعية فانه يجعل حق المبادرة مشترك بينهما. و إذا كان الدستور يجعل للشعب مكانا في مجال مباشرة مظاهر الحكم فانه يجعل للشعب فضلا عن البرلمان حق المبادرة بالتعديل . و بالرجوع إلى الدساتير الجزائرية بداية بدستور 1963 حيث تقضي المادة 71 منه على أن المبادرة بتعديل الدستور ترجع إلى كل من رئيس الجمهورية و الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني معا، و تبيانا لذلك فان المشرع الدستوري لم يحرص على جموده جمودا كليا لمدة زمنية محددة في إحدى قواعده حيث لا يجوز خلالها محاولة تعديله، بل سمح بإجراء تعديله و ذلك في أي وقت، لكن بشرط أن تتم المبادرة بمشاركة رئيس الجمهورية و الأغلبية المطلقة لنواب المجلس و الملاحظ أن دستور 1963لم يخص رئيس الجمهورية بالمبادرة لوحده. و بذلك يمكن القول بأن سلطة الرئيس تم تقييدها بمشاركة ممثلي الشعب (النواب) في المبادرة بالتعديل. و يبدوا من خلال ما تقدم بأن المشرع الدستوري لم يستبعد بعض المسائل أصلا من إمكانية التعديل كما أنه حاول تقييد حق المبادرة و عدم إطلاقه و بذلك فان دستور 1963 يعتبر دستورا جامدا من حيث إجراءات تعديله . و الدليل على ذلك هو مناقشة المبادرة بالتعديل الدستوري من طرف المجلس الوطني و يكون ذلك تلاوتين و تصويتين. أما دستور 1976 الصادر بالأمر رقم 76-97 الموافق لـ22 نوفمبر سنة 1976 و المتضمن إصدار دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. حيث تنص المادة 191 منه"لرئيس الجمهورية حق المبادرة باقتراح تعديل الدستور في نطاق الأحكام الواردة في هذا الفصل" و منه نلاحظ أن حق المبادرة بالتعديل لرئيس الجمهورية وحده على عكس دستور 1963 . و قد أبقى دستور 1989 على أحقية المبادرة باقتراح التعديل لرئيس الجمهورية لوحده و هذا من خلال نص المادة 163 منه. إلا أن دستور 1996 الصادر عن طريق المرسوم الرئاسي رقم 96-438 الموافق لـ7 ديسمبر سنة 1996 و المتعلق بإصدار نص تعديل الدستور السابق المصادق عليه في استفتاء 28 نوفمبر 1996 . هذا الأخير جاء بالجديد فمن خلال المادة 174 و التي أعطت حق المبادرة بالتعديل الدستوري لرئيس الجمهورية أضافت المادة 177 على حق 3/4 ثلاثة أرباع أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعين معا أن يبادروا باقتراح تعديل الدستور على رئيس الجمهورية. بمعنى أعضاء مجلس الأمة المستحدث في دستور 1996 و أعضاء المجلس الشعبي الوطني، و رغم هذا الامتياز الذي منح للسلطة التشريعية إلا أنه لا يوجد مبادرات بالتعديل من طرف البرلمان و كل التعديلات التي عرفتها الدساتير الجزائرية المبادرة فيها للسلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية. المطلب الثاني: مرحلة إقرار التعديل تلجأ معظم الدساتير إلى منح البرلمان سلطة إقرار مبدأ التعديل، فيكون له سلطة البت فيما إذا كان هناك محل لإجراء التعديل من عدمه أي ضرورة تعديله أو عدم تعديله. على أن بعض الدساتير قد تتطلب فضلا عن موافقة البرلمان على مبدأ التعديل موافقة الشعب . و الذي يلفت النظر في هذه الحالة أنه ما دام البرلمان منتخبا من طرف الشعب فعلام اشتراط موافقة الشعب أيضا على إقرار مبدأ التعديل؟ قد يكون الجواب على ذلك أن البرلمان ربما يكون في فترة معينة فاقد لثقة الشعب فيه . الفرع الأول: إقرار التعديل من طرف البرلمان إن دستور 1963 و من خلال أحكام تعديله الواردة في المواد من 71 إلى 74 فانه إذا تحقق شرط المبادرة بالتعديل السابق الذكر فان ذلك يستتبع أن تكون هناك تلاوتين لمشروع التعديل تكونان متبوعتان بتصويتان لأعضاء المجلس الشعبي الوطني بالأغلبية المطلقة مع اشتراط أن يتم الفصل بين التلاوتين و التصويتين مدة شهرين لكن هذا النص من المادة 72 لم يحسب طريقة التلاوتين و التصويتين ذلك أن البرلمان إذا كان رافضا للتعديل الدستوري في المرتين، فليس هناك مشكل يطرح لأن هذا المشروع سوف لن يعرض على استفتاء الشعب و سوف لن يكون هناك مشكل أيضا في حالة اذا كانت التلاوتين و التصويتين بقبول المجلس الشعبي الوطني لهما لأنهما يعرضان حتما على استفتاء الشعب، لكن الإشكال إذا كانت التلاوة الأولى بالرفض و الثانية بالقبول و العكس فهل العبرة بالتصويت الأخير؟ المادة لا تعطينا جوابا عن ذلك و يفترض في هذه الحالة أن الحكم يكون التلاوة الثانية، بمعنى أنه إذا كانت التلاوة الأولى بالرفض و الثانية بالقبول فان مشروع التعديل يعرض على الشعب و العكس. و بالعودة إلى دستور 1976، و في حالة قيام رئيس الجمهورية بمبادرة التعديل التي لم يبين الدستور الشكل الذي تتم فيه إن كانت جمعية تأسيسية منتخبة من قبل الشعب أو من قبل البرلمان أو لجنة حكومية....فإنها تعرض على البرلمان لإقرار مشروع التعديل بأغلبية 2/3 أعضائه . و قد ميز دستور 1976 بين صورتين من مشروع التعديل، الأولى و هي التي تخص الإطار العام لأية مبادرة بالتعديل، أما الصورة الثانية الخاصة بمشروع تعديل أحكام التعديل التي قيدها المشرع الدستوري أكثر بالنظر إلى أهميتها و اشترط من أجل تحققها توافر 3/4 ثلاثة أرباع أصوات أعضاء البرلمان مع قيد واحد و هو عدم قابلية تعديل نص المادة 195 ، فمجرد التفكير في مشروع التعديل محظور. إلا أن الملاحظ أن دستور 1989 قد أغفل طريقة التصويت على إقرار التعديل الدستوري في المادة 163 و هو ما جاء به دستور 1996 حيث أن إقرار التعديل يتم بتصويت المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة بنفس الصيغة حسب الشروط نفسها التي تطبق على نص تشريعي . الفرع الثاني: إقرار التعديل من طرف الشعب بالرجوع إلى دستور 1963 نجد أن المشرع الدستوري منح حق إقرار التعديل الدستوري لأعضاء المجلس الشعبي الوطني دون الشعب و هو ما سار عليه دستور 1976، أما دستور 1989 منح للشعب إلى جانب المجلس الشعبي الوطني حق إقرار التعديل الدستوري و السؤال الذي يطرح لماذا ألزم المشرع الدستوري موافقة الشعب؟ الجواب سبق و أن أشرنا إليه و هو أنه قد يكون البرلمان فاقد للمصداقية و ثقة الشعب فيه. و مكنت المادة 164 من دستور 1989 رئيس الجمهورية بأن يلجأ إلى تعديل الدستور و يعرضه مباشرة متى أحرز ثلاثة أرباع 3/4 من أصوات أعضاء المجلس الشعبي الوطني شريطة أن لا يمس التعديل المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري و حقوق الإنسان و المواطن و حريتهما، و لا يمس بأي شيء التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية . أما دستور 1996 فقد جعل إقرار التعديل الدستوري للمجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة و يشترط لذلك عرضه على استفتاء الشعب خلال 50 يوما الموالية لإقراره. المطلب الثالث: مرحلة الإقرار النهائي للتعديل الإقرار النهائي للتعديل الدستوري يكون إما عن طريق الشعب (الاستفتاء الدستوري) و إما عن طريق الهيئة التي أنيطت بها مهمة إعداد التعديل. و أخيرا يكون الإقرار النهائي عن طريق إصدار رئيس الجمهورية للتعديل الدستوري. الفرع الأول: الإقرار النهائي عن طريق الاستفتاء الدستوري تنص المادة 73 من دستور 1963 على: "يعرض مشروع قانون التعديل على مصادقة الشعب عن طريق الاستفتاء" و الملاحظ أن دستور 1976 لم ينص على الاستفتاء. أما دستور 1989 فقد نص في المادة 165 منه على اشتراط موافقة الشعب بعد إقرار المجلس الشعبي الوطني. و تضيف المادة 166 من نفس الدستور "يصبح القانون الذي يتضمن مشروع التعديل الدستوري لاغيا، إذا رفضه الشعب، و لا يمكن عرضه من جديد على الشعب خلال نفس الفترة التشريعية"و تقابل هذه المادة من دستور 1996 المادة 175. الفرع الثاني: الإقرار النهائي لذات الهيئة التي أنيطت بها مهمة إعداد التعديل إن التعديل يجب أن يتم بنفس طريقة وضع الدستور نفسه احتراما لقاعدة توازي الأشكال، فإذا وضع الدستور عن طريق جمعية تأسيسية فيجب إذن إقرار التعديل عن طريق جمعية تأسيسية أو غير ذلك من أساليب الوضع ، و هذا المبدأ أخذ به المشرع الدستوري في دستور 1976 في المادة 193 منه حيث تنص: "إذا تعلق مشروع قانون التعديل بالأحكام الخاصة بتعديل الدستور، فمن الضروري أن يتم الإقرار بأغلبية ثلاثة أرباع المجلس الشعبي الوطني، لا تسري هذه الأحكام على المادة 195 من الدستور التي لا تقبل أي تعديل". الفرع الثالث: إصدار رئيس الجمهورية للتعديل الدستوري بالرجوع إلى دستور 1963 المادة 74 منه فانه يتبين أن إصدار التعديل يكون من طرف رئيس الجمهورية خلال الأيام الثمانية الموالية لتاريخ الاستفتاء، بعد مصادقة الشعب على مشروع التعديل الدستوري. و ينص دستور 1976 في الفصل السادس منه و المعنون بالسلطة التأسيسية في المادة 196: "يصدر رئيس الجمهورية القانون المتعلق بالتعديل الدستوري" و كذلك الحال في دستور 1989 في نص المادة 167. أما دستور 1996 فقد تكلم عن الإصدار في المادة 174 فقرة 2، و تكلم أيضا عن الإصدار في المادة 176 و التي تنص: "إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري و حقوق الإنسان و المواطن و حريتهما و لا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية، و علل رأيه: أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع 3/4 أصوات أعضاء غرفتي البرلمان". كذلك المادة 177 تتكلم عن الإصدار في حالة ما إذا كانت المبادرة باقتراح التعديل من طرف ثلاثة أرباع 3/4 أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعين معا. المبحث الثالث: قيود التعديل الدستوري إن لدراسة موضوع قيود التعديل الدستوري أهمية كبيرة، و يستلزم ذلك أن نميز بين السلطة التي تضع الدستور و التي تسمى السلطة التأسيسية الأصلية و هي سلطة غير مقيدة و السلطة التي تعدل الدستور (السلطة التأسيسية المنشأة). ثم نتطرق لقيود التعديل الوضعية و نقصد بها القيود المنصوص عليها في الدستور، و أخيرا نتناول القيود غير الوضعية. و ينبغي أن نشير أن الرأي القائل باستمرار سلطة وضع الدستور يجعل من غير المفيد الحديث عن قيود لتعديل الدستور، لأن التمييز بين السلطتين هو الذي يسمح بالقول بوجود قيود لتعديل الدستور ترجع إلى اختلاف مصدر اختصاص كل منهما و مداه من جانب. المطلب الأول: التمييز بين السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المنشأة يمكن تعريف السلطة التأسيسية بصفة عامة، بأنها تلك السلطة التي تحوز اختصاص دستوري لوضع دستور جديد أو لإجراء تعديل لدستور موجود سلفا. و هذا التعريف العام يحمل في ثناياه تمييزا بين سلطة تأسيسية أصلية و سلطة تأسيسية منشأة، فالأولى هي التي لا تتقيد بأي شرط و تتدخل في ظروف الفراغ الدستوري لعدم خضوع سلطتها لمحددات و قيود سابقة، تتولى سن الدستور في ضوء ما تراه محققا لمصالح الوطن و المواطن، و هي أثناء قيامها بهذه المهمة تقرر بعض القيود الشكلية و الموضوعية، التي يمكن عن طريقها تغيير بعض قواعد الدستور التي تضعه، فهي تدرك أن الجمود و الاستقرار أمران متطلبان لأي دستور باعتباره أسمى قاعدة قانونية في الدولة، دون أن تهمل في الوقت نفسه ضرورة أن يساير الدستور التطور الزمني و ما يفرزه من متطلبات و حاجيات جديدة لم يستطع المشرع الدستوري التنبؤ بها لبعدها الزمني عن لحظة تدخلهم، فيقرر بالتالي إمكانية تغيير بعض نصوصه بشروط معينة، تجعل السلطة التي تتدخل لانجاز هذه المهمة باقية في ذات الإطار و الخط العام الذي سبق أن وضعه المشرع ووافق عليه الشعب. و هذا يؤكد اختلاف السلطة التي تتدخل لتعديل الدستور عن السلطة التي وضعته فبالرغم من أن السلطتين تسنان قواعد دستورية تتمتع بذات القيمة القانونية، فان السلطة التي تضع الدستور تتمتع بالسمو من ناحيتين الأولى أنها تتدخل لوضع الدستور دون أن تخضع لشروط أو لقواعد مسبقة من ناحية، و الثانية أنها تقر مبدأ تعديل الدستور و تقرر الشروط التي على أساسها يمكن إدخال هذا التعديل من ناحية أخرى. و للتمييز بين السلطتين الأصلية و المنشأة يستدعي البحث عن معيار يفرق بينهما بصورة دقيقة. و يمكن تصنيف الاجتهادات الفقهية بصدد هذه المسألة إلى اتجاهين كبيرين: اتجاه يستند إلى معيار شكلي و آخر يستند إلى معيار موضوعي و كل اتجاه ينطلق من الفلسفة و المفهوم الذي يعتنقه في تعريف كل من السلطتين. الفرع الأول: المعيار الشكلي يعد الفقيه كاريه دو مالبرج Carré De Malberg أول من قال بالمعيار الشكلي و له الفضل الأول في تقديم تصور واضح يؤدي إلى تمييز دقيق بين السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المنشأة، و يبدأ هذا الفقيه ببيان فكرته انطلاقا من التمييز الضروري بين وضع السلطة التأسيسية في حال الإعداد الأول لدستور الدولة و وضعها حيث تكون الدولة موجودة سلفا، و يرى أن السلطة الأولى لا يمكن أن تجد سندها في القانون، بل ترتد إلى مجرد الواقع، الذي لا يمكن أن يحكم، في مثل هذا الفرض، في ضوء مبادئ القانون الوضعي، في حين أن الأمر يختلف بالنسبة للسلطة التأسيسية في حالة الوجود السابق للدولة، حيث تعد سلطة يمكن إسنادها إلى النظام القانوني و تصنيفها، بالتالي كأحد مؤسسات الدولة الموصوفة بواسطة دستورها، و هذه المؤسسة قد تأخذ شكل لجنة خاصة منتخبة، تشكل لهذا الغرض، و قد تجد أصلها في تشكيلات حكومية منتخبة على سبيل المثال، و في كل الأحوال، فان هذه الجمعية التي تتولى الاختصاص الدستوري في هذه الحالة تجد أصلها في النظام القانوني كإحدى مؤسسات الدولة، على عكس الحال بالنسبة للسلطة التأسيسية التي تضع دستور للدولة نفسه. و يقسم "مالبرج" بعد ذلك السلطة التأسيسية تبعا للظروف المصاحبة لتدخلها إلى سلطة تأسيسية تتدخل في ظروف استثنائية كما في أحوال الثورات أو الانقلابات و سلطة تأسيسية تتدخل في ظروف طبيعية، فالسلطة التأسيسية التي تباشر عملها في ظروف غير طبيعية هي سلطة لا تفسر أو تفهم بالنظر إلى النظام القانوني الذي يحدده الدستور الساري فعلا، حيث لا يمكن القول بوجود قواعد قانونية أو دستورية، بل القوة فقط هي التي تصاحب عمل هذه السلطة، و لذلك فان الدستور الجديد سيأتي حتما بطريقة مخالفة لكل الأصول الدستورية التي كانت سارية من قبل سبب انقطاع كل صلة قانونية بين هذا الدستور و الدستور السابق. أما حيث تتدخل السلطة التأسيسية في ظروف طبيعية، فان التعديل الدستوري يجب أن يتم طبقا للقواعد المحددة دستوريا و بواسطة المؤسسات التي عهد إليها الدستور بذلك. و من جانب آخر و في ذات الإطار العام الذي قدمه "كاريه دو مالبرج" ، للتفرقة بين السلطة التأسيسية الأصلية و المنشأة، جاء تصور الفقيه الكبير "جورج بيردو" "G.Burdeau"، و لكن باستخدام تحليل مغاير ينتهي إلى ذات النتيجة فالأستاذ "جورج بيردو" يرى أن مصطلح السلطة التأسيسية يشتمل على تعبيري السلطة التأسيسية بالمعنى الفني لتلك السلطة التي يكون لها الاختصاص بوضع دستور جديد للدولة و التي توجد عادة عقب الحركات الثورية ، بينما يشير اصطلاح سلطة التعديل إلى عضو في الدولة معرف بواسطة نظامها القانوني و يتدخل بقصد تعديل أو استبدال الدستور و هذه السلطة بهذا المعنى سلطة قانونية تستمد اختصاصها من النظام القانوني الساري و بالدرجة الأولى من الدستور. و يرجع الفضل للأستاذ "بونار" "Bonnard" في استخدام التسميات المعروفة حاليا للسلطتين التأسيسيتين، حيث يعد أول من استخدم وصف السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المؤسسة. و هذه التعبيرات التي استخدمها الأستاذ "بونار" لأول مرة، لقيت استحسانا من بعض الفقه على أن الأستاذ "جورج فيدل" "G.Vedel" فضل استخدام السلطة التأسيسية المنشأة بدلا من السلطة التأسيسية المؤسسة و هو المصطلح الذي شاع استخدامه بواسطة الفقه بعد ذلك. الفرع الثاني: المعيار الموضوعي في إطار هذا التصور الموضوعي، يطرح الفقيه كارل سميث تصوره بادئا بتحديد المصطلحات التي على أساسها يبني أفكاره حيث يرفض استخدام مصطلح السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المنشأة، و يستخدم تعبير"السلطة التأسيسية" للإشارة إلى السلطة الأولى، و تعبير "سلطة التعديل الدستوري" للإشارة إلى السلطة الثانية، ليصل إلى الإعلان بأن السلطة الثانية – أي السلطة التأسيسية المنشأة- ليست سلطة تأسيسية. فالسلطة التأسيسية لا تتجزأ، و الغموض في التمييز بين الدستور و القانون الدستوري هو الذي أدى إلى الخلط بين السلطة التأسيسية و الاختصاص بالتعديل الدستوري، و هو ما أدى بدوره إلى تصنيف هذا الاختصاص الأخير على أساس أن الهيئة التي تتولاه لا تعدو أن تكون سلطة تأسيسية، تمييزا لها عن السلطات الأخرى في الدولة. فدور السلطة التأسيسية يظهر من خلال الاختيارات و القرارات السياسية الجوهرية المؤسسة للنظام، من خلال نهج موضوعي و شكلي يعكس الوجود السياسي للجماعة، و على ذلك، فان السلطة التأسيسية (الأصلية) تختلف و تفترق عن سلطة التعديل الدستوري (السلطة التأسيسية المنشأة) من خلال موضوع اختصاص كل منهما، فالسلطة التأسيسية تتولى وضع الدستور، بينما تختص سلطة التعديل الدستوري بتعديل نصوص القوانين الدستورية السارية، فالتمييز يعتمد في أساسه إذن على التفرقة بين الدستور و القوانين الدستورية، فالدستور عند "كارل شميت" يتمثل في الاختيار الإجمالي لنهج و شكل الوحدة السياسية للجماعة، فهو عمل السلطة التأسيسية و لا يتضمن اتجاهات أو معايير سياسية خاصة، و إنما يحدد فقط الوجه العام للجماعة السياسية للدولة دون تمييز بين التيارات المختلفة، أما القوانين الدستورية فتتضمن على العكس فكرة المعايير الخاصة للجماعة السياسية واضعة نصب عينيها أن هناك دستورا موجودا و ساريا لا تتخطاه و النتيجة المستفادة من التمييز السابق هي أنه إذا كانت هذه القوانين لها صفة دستورية من ناحية موضوعها، إلا أنها لا تتساوى من هذه الناحية القانونية مع الدستور، بل هي أقل قوة و قيمة منه و ينتهي هذا الفقيه إلى صياغة فكرته من خلال التمييز بين الدستور و القوانين الدستورية من ناحية التعديل، فالدستور لا يمكن تعديله بواسطة ذات الإجراءات المتطلبة لإجراء تعديل لقانون دستوري، فتعديل الدستور لا يعدو أن يكون تعديلا لنصوص القوانين الدستورية السارية و ليس تعديلا للدستور نفسه، لأن سلطة التعديل لا يمكن أن تتساوى مع السلطة التأسيسية التي تتولى وضع دستور جديد. و بعبارة أخرى فسلطة التعديل مقيدة بالأسس و القرارات الجوهرية المشار إليها باعتبارها مكونا لجوهر دستور الدولة، فلا يتناولها التعديل. و تكريسا لتصور سميث السابق ذكره، يؤكد الفرنسي "O.Beaud" أن عمل الدستور و إجراء التعديل يختلفان و يتعارضان بصورة جوهرية، فعمل الدستور يصدر عن عمل تأسيسي، و إجراء التعديل ينسب إلى سلطة التعديل، و يسمى الأول من الناحية القانونية السليمة بالسلطة التأسيسية بدلا من السلطة التأسيسية الأصلية، بينما يسمى الثاني سلطة التعديل الدستوري بدلا من السلطة التأسيسية المنشأة. و نتيجة لهذه التوصيفات، يعتقد الفقيه بوجود تدرج بين السلطة التأسيسية و سلطة التعديل يقوم على أسس موضوعية. فالسلطة الأولى هي سلطة ذات سيادة أو سلطة عليا، و سلطة التعديل لا تتوفر لها هذه الخصائص بذات القدر، و بعبارة أخرى، فالسلطة التأسيسية هي سلطة غير مقيدة و سلطة التعديل هي سلطة مقيدة. أي أن السلطة التأسيسية هي سلطة أصلية و سلطة التعديل هي سلطة منشأة. و على ذلك فالسلطة التأسيسية المنشأة أو سلطة التعديل تلتزم بقيود وضوابط وضعتها السلطة التأسيسية الأصلية، ليست فقط ذات طبيعة شكلية أو إجرائية، و إنما أيضا ذات طبيعة موضوعية، فالنصوص المتعلقة بالسيادة الوطنية من الاختصاص الحصري للسلطة التأسيسية الأصلية و تستعصي على أي تدخل لسلطة التعديل، لأن هذه النصوص تحتوي على أحكام أساسية أو جوهرية تتعلق بذاتية الدولة و لا يمكن أن تطالها سلطة التعديل، نظرا لخطورة مثل هذا التعديل . المطلب الثاني: القيود الوضعية لتعديل الدستور تتنوع القيود التي تأتي بها الدساتير بين موضوعية و زمنية و شكلية، فالعديد من الدساتير تحظر من الناحية الموضوعية المساس بموضوعات معينة، بحيث لا يمكن أن يطالها أي تعديل لاحق عن نفاذها لارتباطها في الحقيقة بجوهر النظام السياسي الذي تتبناه الدولة، مثل حظر المساس بالنظام الجمهوري أو بأحد رموز الدولة . كما توجد العديد من الدساتير أيضا التي تحظر إدخال أي تعديل عليها في فترات معينة، كحظر تعديلها خلال مدة محددة تالية لبدء سريانها، بهدف تمكين المؤسسات التي أنشأها الدستور من أن تثبت فاعليتها و تفاعلها مع الواقع لتحقيق الاستقرار المؤسساتي و السياسي في الدولة. أما من ناحية القيود ذات الطبيعة الشكلية، فهي تلك التي ترتبط بإجراءات تعديل الدستور، بدءا من تحديد السلطة التي يمكن منحها هذا الحق و هل هي السلطة التشريعية أم السلطة التنفيذية أو هما معا أو الشعب باعتباره صاحب السيادة الأصلي، مرورا إلى الهيئة التي تتولى إعداد التعديل الدستوري و هل يتم عن طريق جمعية تأسيسية أم عن طريق البرلمان كسلطة تشريعية و طبيعة الأسلوب الذي تنتهجه هذه الهيئة حتى تمام الانتهاء من صياغة التعديل، و انتهاء بإقرار التعديل الدستوري. و موضوع القيود الوضعية لتعديل الدستور سنتعرض له من خلال الدساتير الجزائرية و التعرض للقيود التي جاءت بها و القيمة القانونية لمثل هذه القيود من ناحية سريانها و مدى إمكانية تجاوزها عن طريق سلطة التعديل. الفرع الأول: القيود ذات الصبغة الشكلية بالرجوع إلى المادة 89 من الدستور الفرنسي و بعض النصوص الأخرى، نجد أن القيود ذات الصبغة الشكلية المتوجبة للتعديل الدستوري يمكن أن تنقسم إلى قيود زمنية و أخرى إجرائية و سوف نتناول هذه القيود من خلال دستور فرنسا و الدساتير الجزائرية. أولا: القيود الزمنية: تتمثل هذه القيود تتمثل في: القيد الأول: حظر تعديل الدستور في أحوال الاعتداء على أراضي الدولة . القيد الثاني: حظر تعديل الدستور في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية . القيد الثالث: حظر تعديل الدستور أثناء العمل بالمادة 16 المنظمة لحالة الأزمة . من خلال ما تقدم و بالرجوع إلى دستور الجزائر لعام 1996، نجد أن المشرع الدستوري الجزائري لم يتناول القيود الزمنية للتعديل الدستوري المنصوص عليه في الباب الرابع في المواد 174 إلى 178. و لكن لدراستنا للدستور الفرنسي يفهم ذلك من خلال المادة 88 من دستور 1996. و المنظمة لحالة شغور منصب رئيس الجمهورية و المادة 90 فقرة أولى و التي تنص: "لا يمكن أن تقال أو تعدل الحكومة القائمة إبان حصول مانع لرئيس الجمهورية أو وفاته أو استقالته حتى يشرع رئيس الجمهورية الجديد في ممارسة مهامه". إضافة إلى المواد من 91 إلى 96 المنظمة لحالات الطوارئ و الحرب و الاعتداء على الدولة حيث أنه في هذه الحالات لا يمكن إجراء تعديل دستوري و لا يمكن أن يكون الوصول إلى صيانة الوحدة الوطنية أو المؤسسات الدستورية بتعديل الدستور و لهذا فان فترة تطبيق المادة 93 من القيود الزمنية التي تحول دون تعديل الدستور. و بالرجوع إلى دساتير الجزائر فان نص المادة 59 من دستور 1963 المنظمة للحالة الاستثنائية، و المادة 194 من دستور 1976 و التي تنص: "لا يمكن الشروع في إجراء أي تعديل أو مواصلته اذا كان هناك مساس بسلامة التراب الوطني". و المادة 84 من دستور 1989 و المنظمة لحالة شغور منصب رئيس الجمهورية و المواد 85 إلى المادة 90 من نفس الدستور (د 1989) و التي تنظم حالات الطوارئ و الحرب. من خلال هذه المواد يمكن اعتبارها كقيود زمنية لتعديل الدساتير الجزائرية. ثانيا: القيود الإجرائية: من خلال دراسة نصوص المواد 71 إلى 74 من دستور 1963، حيث أن القيود الإجرائية تتمثل في أن المبادرة بالتعديل تكون من طرف رئيس الجمهورية و الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني، بالإضافة إلى قيد آخر يتمثل في ضرورة إجراء تلاوتين و تصويتين بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني. و هنا نجد أن المشرع الدستوري الجزائري كان أكثر تشدد في إجراء أي تعديل دستوري و يمكن تفسير ذلك أن الحفاظ على الدولة و المؤسسات من الأولويات ذلك أن الجزائر استقلت عام 1962 و كان من واجب المشرع الدستوري التشدد في إجراءات التعديل الدستوري أما دستور 1976 فقد كان أقل تشددا من حيث الإجراءات بالمقارنة مع دستور 1963 حيث جعل المبادرة حق لرئيس الجمهورية لوحده، يليه إقرار المجلس الشعبي الوطني بأغلبية ثلثي 2/3 أعضائه. و قد نص دستور 1996 على القيود الإجرائية و التي تتمثل في اقتراح التعديل الدستوري كخطوة أولى ممنوحة لرئيس الجمهورية أو أعضاء غرفتي البرلمان و هذا من أجل إقامة توازن بين السلطتين التنفيذية و التشريعية، فإذا بادر البرلمان باقتراح التعديل فانه يشترط أن يكون موقعا من طرف ثلاثة أرباع أعضاء الغرفتين. و في مرحلة أخيرة نجد الاستفتاء الدستوري فإذا وافق الشعب على التعديل أعتبر نافذا من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء و للرئيس الخيار بين اللجوء إلى الاستفتاء أو طلب التصويت على مشروع التعديل من قبل مجلسي البرلمان مجتمعين . الفرع الثاني: القيود ذات الصبغة الموضوعية بالرجوع إلى نصوص الدستور الفرنسي، يمكن رصد قيد موضوعي واحد تلتزم السلطة التأسيسية المنشأة باحترامه عند إحداث أي تعديل دستوري جديد. و هذه القيد تكرسه الفقرة الأخيرة من المادة 89 من الدستور 1958 و التي تنص "الشكل الجمهوري للحكومة لا يمكن أن يكون محلا لتعديل دستوري". و ينبغي أن نشير أن دستور الجزائر لعام 1963 لم يشر إلى أي قيد موضوعي للتعديل الدستوري على عكس دستور 1976 في نص المادة 195 و التي سبق الإشارة إليها عند دراستنا لإجراءات التعديل الدستوري في الجزائر و مضمونها يتلخص في أن أي مشروع لتعديل الدستور لا يمكن أن يمس بالصفة الجمهورية للحكم و بدين الدولة، و بالاختيار الاشتراكي و بالحريات الأساسية للمواطن، و بمبدأ التصويت عن طريق الاقتراع العام المباشر و السري و بسلامة التراب الوطني. و جاء في المادتين 164 من دستور 1989 و 176 من دستور 1996 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن أي مشروع لتعديل الدستور لا يمس بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري و حقوق الإنسان و المواطن و حريتها، و لا يمس بأي شيء التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية. في هذه الحالة يمكن لرئيس الجمهورية أن يصدر القانون المتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي متى أحرز ثلاثة أرباع من أصوات أعضاء الغرفتين معا و تنص المادة: 178 من دستور 1996 على: "لا يمكن أي تعديل دستوري أن يمس: 1- الطابع الجمهوري للدولة، 2- النظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية، 3- الإسلام باعتباره دين الدولة، 4- العربية باعتبارها اللغة الوطنية و الرسمية، 5- الحريات الأساسية و حقوق الإنسان و المواطن 6- سلامة التراب الوطني و ووحدته" و أضاف التعديل الجزئي الأخير في نوفمبر 2008 لدستور 1996 في نص المادة الخامسة منه قيدا آخرا و يتمثل في عدم جواز و قابلية تغيير العلم و النشيد الوطنيين باعتبارها من مكاسب الثورة. الفرع الثالث: القيمة القانونية لقيود تعديل الدستور اختلف فقهاء القانون الدستوري حول القيمة القانونية للنصوص الدستورية التي تحظر التعديل سواء كان زمنيا أو حظر تعديل بعض مواد الدستور بشكل مطلق. أولا: الاتجاه الأول يجمع أنصار هذا الاتجاه على تجريد النصوص التي تحظر تعديل الدستور من أي قيمة قانونية، و دون استثناء أو تمييز فلا تعدو أن تكون مجرد رغبات تفتقر إلى أية قيمة أو قوة ملزمة، تخالف طبيعة الدستور و ماهيته. فالدستور بوضعه تجسيدا للحاجة إلى تنظيم الدولة يكون قابلا للتعديل و التبديل لمسايرة الظروف المتغيرة التي تعيشها الدولة، و الأكثر من ذلك أن حظر التعديل يخالف مبدأ سيادة الأمة، و يحرم هذه الأخيرة من أهم عناصر سيادتها، أي ممارسة السلطة التأسيسية و إدخال ما تراه مناسبا من تعديلات على الدستور، تماشيا مع تغير الظروف و تطور الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية. و يرى أنصار هذا الاتجاه أن السلطة التأسيسية التي قامت بوضع الدستور في وقت معين لا تملك الحق في تقييد السلطة التأسيسية التي تعبر عن إرادة الأمة في المستقبل، فكل أمة كما قرر رجال الثورة الفرنسية في دستور سنة 1791 لها الحق الذي لا يمكن سقوطه بالتقادم، في تغيير الدستور، كما أن للشعب كله أن يعدل الدستور و يغيره و أن جيلا من الأجيال لا يملك أن يخضع لقوانينه الأجيال القادمة. و من هنا ينطلق هذا الاتجاه في رفض النصوص الدستورية التي تخطر تعديل الدستور و يجردها من أي قيمة دون تمييز، سواء كان حظر التعديل مطلقا، أو مؤقتا، أو ظروف خاصة. ثانيا: الاتجاه الثاني يجمع أصحاب هذا الاتجاه بعكس ما ذهب إليه الاتجاه الأول، على النصوص التي تخطر تعديل الدستور تعد مشروعة، و تتمتع بقوة قانونية ملزمة، و بلا تمييز، و إن كان من الممكن أن يحدث عكس ذلك من الناحية السياسية. و يقدم أنصار هذا الاتجاه سندهم على أساس أن حظر التعديل، و إن كان يبدو متعارضا مع سيادة الشعب، و حقه في ممارسة السلطة التأسيسية، فانه لا يجوز تجاهل هذه السيادة، لأن هذه النصوص في النهاية ليست إلا تعبيرا عن سيادة الشعب، فان النصوص التي تحظر التعديل تعد صحيحة من وجهة نظر قانونية، و يجب احترامها، احتراما للسيادة التي عبرت عنها. ثالثا: الاتجاه الثالث ظهر هذا الاتجاه للتخفيف من حدة الاتجاهين السابقين، و يرى أنصاره أن ما ذهب إليه الفقهاء بشأن إقرار مشروعية النصوص التي تحظر التعديل لا يعني بأي حال من الأحوال عدم جواز تعديل هذه النصوص، فهم يفرقون بين مشروعية النص، و مشروعية التعديل و يذهبون إلى أنه على الرغم من تمتع النص بالقوة القانونية الملزمة، فانه يجوز تعديل الدستور عند الحاجة إلى ذلك، على أساس أن القيمة الفعلية لهذه النصوص تنحصر في كونها تؤدي إلى منع إجراء التعديل إلا بعد روية و تفكير. إذن هذا الاتجاه ينتهي إلى التوفيق بين الاعتبارات القانونية و السياسية، فهو يحافظ على احترام مبدأ المشروعية من جهة، و من جهة ثانية لا يغفل إرادة الأجيال الحالية و الأجيال المقبلة، إذا ما دعت الحاجة إلى التعديل و توفر القبول الشعبي. رابعا: الاتجاه الرابع يذهب أنصار هذا الاتجاه و على رأسهم جورج بوردو إلى وجوب التفريق بين نوعين من أنواع الحظر، فالنصوص التي تحظر تعديل بعض أحكام الدستور (حظر موضوعي) بشكل دائم تفتقر إلى القيمة القانونية، و لهذا فهي باطلة كونها قيدا على مبدأ سيادة الأمة، إذ لا تستطيع السلطة التأسيسية الحالية أن تضع قيودا على سيادة الأمة في المستقبل، و على الأجيال القادمة بينما يقر هذا الاتجاه بمشروعية النصوص التي تحظر التعديل لمدة زمنية محددة، أو في ظروف معينة، و هذه النصوص ملزمة، لما تتمتع به من قيمة قانونية. و يدعم هذا الاتجاه ما ذهب إليه على أساس اختلاف نوعي الحظر السابقين، و لهذا ليس من المنطق أن يأخذ الحكم نفسه، إذ لا يعدو النوع الأول أن يكون جمودا مطلقا كليا لهذه النصوص، الأمر الذي رفضه معظم فقهاء القانون الدستوري، و ليس الفرق بين الخطر (الذي رفضه أنصار هذا الاتجاه) ة الجمود المطلق الكلي الذي يلحق جميع نصوص الدستور، إلا أن الأول ما هو إلا جزء من الثاني، و لهذا يأخذ حكمة في البطلان. و يجد النوع الثاني مشروعيته في أنه لا يحرم الأمة من ممارسة سلطتها التأسيسية، إنما يأخذ بالحسبان ظروف ممارسة هذه السلطة من ناحية، و من ناحية ثانية ليس هناك من فارق بينه و بين إبداء الرغبة في تعديل الدستور و التصويت عليه، حيث يشترط مرور مدة زمنية معينة بين تقديم اقتراح التعديل و التصويت عليه، و هذا ما لا يختلف الفقهاء حول مشروعيته، و لعل هذا الاتجاه أكثر منطقية و قبولا من غيره من الاتجاهات الأخرى نظرا للحجج التي قام عليها. خامسا: الاتجاه الخامس يقوم هذا الاتجاه على أساس التفريق بين قيمة حظر التعديل بالنسبة للسلطة التأسيسية الأصلية، و قيمته بالنسبة للسلطة التأسيسية المنشأة، فالأول عديم القيمة لأن السلطة التأسيسية الأصلية تتمتع دائما باختصاص مطلق و لا يجوز تقييدها، بينما يجب احترام حظر التعديل من قبل السلطة التأسيسية المنشأة لأن الدستور هو من أنشأها و منحها اختصاصا محددا فعند ممارستها لهذا الاختصاص يجب احترام الحدود التي رسمها الدستور لها، غير أن هذا الاتجاه و إن كان يلقي تأييدا من جانب أساتذة القانون الدستوري في مصر، إلا أنه يثير التساؤل حول حقيقة هذه التفرقة التي تأسس عليها، ففي الحديث عن تعديل الدستور ليس منطقيا أن تقدم السلطة التأسيسية الأصلية في مهمة التعديل خصوصا أن هناك شبه اتفاق على أن عمل هذه السلطة يكون في حالتين لم يزد الفقه عليهما هما حالة ولادة دولة جديدة، أو حدوث انقلاب أو ثورة على نحو يحدث تغييرا جذريا في النظام السياسي القائم في الدولة، فالدستور يكون غير موجود في الحالة الأولى و يسقط أو يصبح غير نافذ في الحالة الثانية. و هذا ما يجعل من البداهة أن السلطة التأسيسية الأصلية لا تقيدها نصوص حظر التعديل . المطلب الثالث: القيود غير الوضعية لتعديل الدستور تعرضنا فيما سبق لقيود تعديل الدستور المنصوص عليها في الدساتير الجزائرية، الشكلية منها و الموضوعية، و حاولنا استخلاص المعايير التي تعطى لهذه القيود مشروعيتها القانونية، و بصورة تؤدي إلى التزام سلطة التعديل (السلطة التأسيسية المنشأة) بأعمالها عند التدخل لتعديل الدستور و السؤال الذي يطرح نفسه الآن يتخلص في معرفة مدى وجود قيود أخرى لتعديل الدستور غير منصوص عليها فيه و بعبارة أخرى، هل توجد قيود خارج نصوص الدستور تلزم السلطة التأسيسية المنشأة باحترامها عند إحداث تعديل دستوري؟ و إذا كانت الإجابة بنعم فعلى أي أساس تلتزم سلطة التعديل باحترام مثل هذه القيود غير المنصوص عليها؟ و هل يعني ذلك أن عدم احترامها ينتج خرقا للدستور من قبل سلطة التعديل؟ و الحقيقة أن مصدر هذه التساؤلات و غيرها يرجع إلى أن العديد من الفقهاء لم يكتفوا فقط بقيود تعديل الدستور الواردة في الوثيقة الدستورية، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك معتقدين بوجود قيود أخرى غير منصوص عليها تفرض على سلطة التعديل، مستندين إلى فكرة وجود مبادئ و قواعد أسمى من الدستور أو فوق دستورية. الفرع الأول: أثر تدرج القواعد الدستورية على اختصاص سلطة التعديل إذ خرجنا من إطار القيود المنصوص عليها دستوريا إلى نطاق قيود غير منصوص عليها، و يعترف لها الفقه بقيمة تعلو أو تسمو على القيود الدستورية، فانه يمكن أن نفرق بين اتجاهين كبيرين، أحدهما يعتقد بوجود مبادئ قانونية أسمى من الدستور و تتمتع بقوة أعلى منه و الآخر يدور حول مناقشة مدى وجود تدرج بين مختلف نصوص الوثيقة الدستورية، و يطلق الفقه على الاتجاه الأول اصطلاح المبادئ الأسمى من الدستور بالمعنى الكامل أو الفني و الثاني، المبادئ الأسمى من الدستور غير الكاملة أو المستترة. و إذا كانت الفكرتين السابقتين تختلفان في أن إحداهما تعتقد بوجود قواعد أعلى من الدستور ذات أصل غير دستوري و الثانية تؤمن بوجود قواعد أسمى من الدستور و لها أصل دستوري أي تومن بتدرج نصوص الوثيقة الدستورية من حيث القيمة القانونية، فانه يجمعهما بالرغم من ذلك قاسم مشترك و هو أنهما تبحثان معا في وجود قيود لتعديل الدستور غير منصوص عليها فيه، تلتزم سلطة التعديل باحترامها كما تحترم القيود المنصوص عليها، بحيث إذا حدث تعرض بين قاعدة فوق دستورية و قاعدة أخرى دستورية فانه يجب إكمال الأولى و إهمال الثانية. كما أنه طبقا للاتجاه الثاني الذي يقيم تدرجا بين نصوص الدستور، فحيث يحدث تعارض بين قاعدة دستورية أسمى من قاعدة دستورية أخرى، فانه يجب إكمال الأولى دون الثانية و في كل الأحوال فان الاتجاهين لهما هدف مشترك واحد يتمثل في إيجاد قيود تحد من تعديل الدستور ليس لها أصل في نص دستوري يقننها. أولا: مدى خضوع سلطة التعديل لقيود أسمى من الكتلة الدستورية نادى بعض الفقهاء بسمو مبادئ القانون الطبيعي على الدستور، فالقاعدة الدستورية تكتسب صحتها من مطابقتها لمقتضيات تتعلق بالغاية المرتبطة بفكرة العدالة التي تستهدفها هذه القاعدة و إلا فقدت صفتها كقاعدة قانونية، و في هذا الإطار فان فكرة العدالة كأحد عناصر القانون الطبيعي تعد قيدا من قيود تعديل الدستور، فإذا تم إجراء تعديل دستوري غير مستوفي لمبادئ العدالة، فانه لا يكون مشروعا و لا يكتسب قوة نفاذه الدستورية لأن معيار العدالة أسمى من مبادئ الدستور المكتوب و تخضع له سلطة التعديل. فسلطة التعديل لا توجد إلا من أجل بناء الإطار السياسي و المجتمع السياسي لأجل الإنسان، و لا يمكنها بهذه الصفة أن تعدل الدستور بطريقة لا تحترم الميول و الاتجاهات الطبيعية لهذا الإنسان و ذلك لأن هذه السلطة خاضعة للقانون الطبيعي، فسلطة التعديل لا تستطيع أن تغفل مقتضيات العدالة و لا تستطيع أن تنشئ علاقات قانونية مدنية بين الأفراد على أساس غير العدالة و إلا كانت سلطة متعسفة يجب استبعاد ما استحدثته مخالفا لمبادئ القانون الطبيعي كما يؤمن البعض الآخر من الفقهاء بوجود مبادئ عامة للقانون أسمى من حيث القوة القانونية من النصوص الدستورية الواردة في الوثيقة. و في هذا الإطار تساءل بعض الفقه حول مدى وجود مبادئ عامة للقانون لا تلزم فقط المشرع العادي، بل تلزم أيضا المشرع الدستوري، أي سلطة التعديل، فالعميد فيدل Vedel تساءل عما إذا كان يجب على سلطة التعديل أن تحترم فكرة المبادئ العامة للقانون و بطريقة تضمين تعديل لم يطبقها بعدم المشروعية القانونية، بحيث لا تكون نافذة. و في ذات المعنى يعلن البعض الآخر أن القانون الدستوري لا يتحدد بحاله بالنظر إلى النصوص الدستورية فقط، و لكن أيضا بالنظر إلى بعض المبادئ العامة التي لم يكرسها المشرع في نصوص قانونية و تلزم المشرع الدستوري نفسه بحيث لا يمكن له أن يتعداها لسموها على النصوص الدستورية المكتوبة. و قال البعض الآخر من الفقه بوجود عرف له قيمة فوق دستورية و يفرض على سلطة التعديل و لا تستطيع مخالفته عند إجراء تعديل دستوري. من خلال ما تقدم فان مجال القانون الدستوري هو مجال حيوي فلا يمكن أن نتحدث عن قيود غامضة غير دقيقة لتعديل الدستور بما يمكن أن يؤدي إلى تعسف سلطة التعديل و خرق نصوص الدستور المكتوب بما قد يؤدي أيضا إلى هدم النظام القانوني للدولة. المحدد وفق الأسس التي وضعتها السلطة التأسيسية الأصلية، و بعبارة أخرى فان غياب التحديد الدقيق للمبادئ فوق الدستورية يؤدي بالتبعية إلى عدم وجودها المادي و يحرمها من ثم من قيمتها الدستورية. فلا يمكن إلزام سلطة التعديل بضوابط لا وجود لها فمثل هذه المبادئ و في مجال القانون الدستوري ليس لها سوى طبيعة سياسية لا قانونية و لا تشكل أي قيد لممارسة سلطة التعديل الدستوري. ثانيا: مدى التباين في القيمة القانونية لمكونات الكتلة الدستورية و أعمال سلطة التعديل لها: تدور الأفكار الفقهية بين نوعين من التدرج بين مكونات الكتلة الدستورية فالبعض يؤمن من جانب بوجود تدرج بين النصوص المكونة لهذه الكتلة، بينما يؤمن البعض الآخر بوجود تدرج لا بين نصوص هذه الكتلة، بل بين مختلف القواعد الدستورية المكونة لها، و كلا الرأيين يؤمن بالتالي بوجود قيود على سلطة تعديل الدستور غير تلك المنصوص عليها فيه. الرأي الأول: المناداة بالتدرج بين نصوص الكتلة الدستورية استنادا إلى اعتبارات تاريخية يمكن تعريف الكتلة الدستورية بأنها ذلك الإطار الذي يضم كل القواعد ذات القيمة الدستورية و المتضمنة في الدستور بالمعنى الدقيق أو غير متضمنة فيه و استمدت قيمتها الدستورية منه. و ليس المقصود بالتدرج هنا التدرج بين القواعد الدستورية الواردة في الوثيقة الدستورية، و لكن نقصد به التدرج بين مختلف النصوص الدستورية المكونة للدستور في الدولة، و لا يثور هذا الفرض إلا حيث تتعدد الوثائق المكونة للدستور. و في هذا الإطار نجد أن المشرع الدستوري نص في ديباجة دستور 1963 ما يلي: "إن ضرورة قيام حزب الطليعة الواحد، و دوره المرجح في إعداد و مراقبة سياسة الأمة، هما المبدآن الجوهريان اللذان حملا على اختيار شتى الحلول لمعالجة المشاكل الدستورية التي تواجه الدولة الجزائرية و بذلك يتم ضمان السير المنسجم، و الفعال للنظم السياسية المقررة في الدستور عن طريق جبهة التحرير الوطني التي: تعبئ و تنظم الجماهير الشعبية، و تهذبها لتحقيق الاشتراكية....و يتم إعداد هذه السياسة و تنشيطها و توجيهاها من طرف أشد العناصر الثورية وعيا و نشاطا.... إن الحزب وحده باعتباره الجهاز المحرك الدافع الذي يستمد قوته من الشعب هو الذي يستطيع أن يحطم أجهزة الماضي الاقتصادية....". أما دستور 1976 حيث جاء في ديباجته ما يلي:"إن المصادقة الشعبية على الميثاق الوطني في استفتاء 27 يونيو 1976، قد أتاحت من جديد فرصة للثورة الجزائرية كي تحدد مذهبها و ترسم إستراتيجيتها....و يمثل الدستور أحد الهداف الكبرى المسطرة في الميثاق الوطني..." و جاء في نص المادة السادسة من نفس الدستور ما يلي:"الميثاق الوطني هو المصدر الأساسي لسياسة الأمة و قوانين الدولة. و هو المصدر الإيديولوجي و السياسي المعتمد لمؤسسات الحزب و الدولة على جميع المستويات. الميثاق الوطني مرجع أساسي أيضا لأي تأويل لأحكام الدستور" كما نجد أن المادة 10 تنص على:" الاشتراكية اختيار الشعب الذي لا رجعة فيه، كما عبر عن ذلك بكامل السيادة في الميثاق الوطني، و هي السبيل الوحيد الكفيل باستكمال الاستقلال الوطني. مفهوم الاشتراكية، طبقا لما ورد في الميثاق الوطني نصا و روحا، هو تعميق لثورة فاتح نوفمبر 1954..." من خلال ما تقدم نطرح السؤال الآتي ما القيمة القانونية للميثاق الوطني الذي تحدث عنه دستور 1976؟ استنادا إلى الظروف السياسية التي صدر فيها دستور 1976، ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار الميثاق الوطني أعلى قيمة من النصوص الدستورية التي تأتي في المرتبة الثانية، و بالتالي فان نصوص الميثاق تعلو على نصوص الدستور (دستور 1963 و 1976) و إذا ما تعارضا تكون الأولوية و الأفضلية لنصوص الميثاق، باعتبارها أسمى من نصوص الدستور. و يترتب على ذلك، خضوع سلطة التعديل (السلطة التأسيسية المنشأة) لكل نصوص الميثاق باعتبارها قيدا لتعديل الدستور إلى جانب القيود المنصوص عليها فيه. فقيود تعديل الدستور ذات قيمة دستورية عادية، في حين أن نصوص الميثاق لها قيمة فوق دستورية. الرأي الثاني: المناداة بالتدرج بين القواعد الدستورية استنادا إلى اعتبارات موضوعية: يتساءل العميد جورج فيدل G.Vedel عما إذا كان من الممكن الحديث عن قواعد أو مبادئ ذات مرتبة أولى و أخرى ذات مرتبة ثانية أو ثالثة. فإذا كانت كل القواعد المكتوبة في الدستور هي دستورية، فهل يمكن القول بأن بعضها أعلى قيمة دستورية من البعض الآخر؟. في الإجابة على تساؤلات العميد فيدل، ذهب الفقه إلى المناداة بوجود مثل هذا النوع من التدرج بين القواعد الدستورية. و اتجه هذا الفقه إلى القول بأن القواعد التي يمكن وصفها بالقواعد ذات المرتبة الأولى تعد قيدا على تعديل الدستور، فلا تستطيع السلطة التأسيسية المنشأة أن تعدلها أو تخالفها، فهي عصية على التعديل، و ذلك يرجع غالى أهميتها الخاصة. 1- المناداة بنظرية الحقوق ذات المرتبة الأولى: يعتقد العديد من الفقهاء أن القيمة القانونية للحقوق و الحريات الواردة في الدستور ليست متماثلة، إذ يمكن القول بوجود حقوق أساسية أو جوهرية أكثر من غيرها، و بعبارة أخرى يميز الفقه بين الحقوق ذات المرتبة الأولى فالثانية فالثالثة. و بصورة تؤدي بالتالي إلى إثبات تدرج بين النصوص الدستورية المتعلقة بهذه الحقوق. و من مقتضى هذا التصور بطبيعة الحال أن التعديل الدستوري لا يجوز له أن ينقض أو يخالف القواعد الدستورية المتضمنة لحقوق ذات مرتبة أولى و يجوز له ذلك بالنسبة للقواعد المتضمنة لحقوق ذات مرتبة تالية، إذ أن القواعد الأولى تعد قيدا على السلطة التأسيسية المنشأة. و لا تنال منها بالتغيير أو الإلغاء إلا السلطة التأسيسية الأصلية فقط. 2- المناداة بسمو القواعد الدستورية المتعلقة بالسيادة الوطنية: توجد في الدستور مبادئ جوهرية لا يمكن المساس بها، و من بينها السيادة الوطنية، حيث تنص المادة 27 من دستور 1963 على ما يلي: "السيادة الوطنية للشعب يمارسها بواسطة ممثلين له في مجلس وطني...."، و تنص المادة الخامسة من دستور 1976:"السيادة الوطنية ملك للشعب يمارسها عن طريق الاستفتاء أو بواسطة ممثليه المنتخبين". أما دستور 1989 فقد نص أيضا في المادة السادسة منه على أن السيادة الوطنية هي ملك للشعب و بين في المادة السابعة من نفس الدستور كيفية ممارسة هاته السيادة. و هو نفس الحال في دستور 1996. من خلال النصوص السابقة الذكر يتبين أن المشرع الدستوري الجزائري جعل السيادة للشعب، فالسيادة لا ترتد إلى فكرة القانون الطبيعي بل إلى القانون الوضعي (الدستور) كفكرة قانونية، فإذا كانت حيازة السيادة تجد مصدرها في القانون الطبيعي فان القانون الوضعي فقط هو الذي يتولى تحديد مضمونها و حدودها. إن السيادة ما هي إلا مبدأ يتمتع بقيمة أعلى من القيمة الدستورية العادية، على أساس أن السيادة الوطنية لا تعدوا أن تكون جوهر الدولة ككيان مستقل بالنسبة للكيانات الدولية، دولا كانت أم منظمات و بعبارة أخرى، يقيم الفقه تدرجا بين قواعد الدستور بالنظر إلى تعلقها أو عدم تعلقها بالسيادة الوطنية التي يمتلكها الشعب، و يعطيها من ثم مكانة أعلى على غيرها من القواعد. بهدف الحيلولة بين السلطة التأسيسية المنشأة و بين أن تعدل قاعدة تتعلق بالسيادة الوطنية لأنها قواعد محصنة ضد التعديل، فالسلطة التأسيسية الأصلية فقط هي التي تملك الاختصاص بتعديل القواعد المتصلة بالسيادة الوطنية. الفرع الثاني: مدى خضوع سلطة التعديل لقيود مستمدة من القانون الدولي استند الفقه المنادي بالتزام سلطة التعديل باحترام قواعد القانون الدولي عند تدخلها بتعديل دستوري، إلى العديد من الحجج فقواعد القانون الدولي تستند في مجملها إلى قواعد القانون الطبيعي. و يشير البعض إلى سمو القانون الدولي على القانون الداخلي بما فيها الدستور، بالإسناد إلى طبيعة القانون الدولي ذاته. هذا القانون يلزم الدول في إطار المعاهدات بحقوق و واجبات لا تستطيع الدولة التخلص منها بطريقة غير مشروعة أو غير رضائية و من هنا فان إنكار سمو القانون الدولي لا يعني سوى إنكار وجوده من الأساس، و هو ما لم يقل به أحد من الفقه. فالمعاهدة بالنسبة لأطرافها لا تعدوا أن تكون دستورا ملزما، يتمتع بالسمو على ما عداه من قواعد خاصة بكل دولة دخلت طرفا فيها. فالدولة لا يمكن لها بحال أن تخالف قاعدة هذه المعاهدة، التي لا تكون لها قوة ملزمة إلا من خلال العديد من الإجراءات و القواعد المشتركة و ليس من خلال تصرفات انفرادية مثل قانون داخلي تصدره، حتى و إن كان ذا طبيعة دستورية و ليس مجرد قانون عادي. كما أن مبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي تكرسه النصوص و المحاكم الدولية. و يعلن بعض الفقه في ذات أن سمو القانون الدولي على الدستور الداخلي قد تم تأكيده بالفعل سواء في التحكيم الدولي أو القضاء الدولي، ففي قضية مونتيجو عام 1875 أرادت كولومبيا أن تتخلص من أحكام معاهدة أبرمتها مع الولايات المتحدة الأمريكية بحجة أن أحكام دستورها تسمو على المعاهدة الدولية و هو ما لم تؤيده هيئة التحكيم. فالدولة لا يمكنها أن تهمل أو تخالف اتفاقا دوليا أبرمته مع دولة أخرى حتى و إن خالف دستورها الداخلي. و خلاصة الرأي السابق و الذي يؤمن بسمو القانون الدولي على القانون الداخلي بما في ذلك الدستور، و لا تستطيع سلطة التعديل أن تتبنى تعديلا يناقض مبادئ و قواعد القانون الدولي، لأن هذه القواعد تمثل قيدا على السلطة التأسيسية المنشأة، بل إن هذه القيود تمثل قيدا على السلطة التأسيسية الأصلية نفسها، و ذلك إكمالا لمبدأ استمرار الدولة الذي يحول بين السلطة التأسيسية الأصلية و بين أن تتدخل بطريقة ترتب المسؤولية الدولية للدولة . و بالعودة للدساتير الجزائرية و موقفها من الرأي السابق نجد أن المشرع الدستوري في دستور 1963 يتطرق إلى مبدأ سمو المعاهدات على النصوص الدستورية، و إنما نص في المادة 11 على ما يلي:"توافق الجمهورية على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و تنظم إلى كل منظمة دولية تستجيب لمطامح الشعب الجزائري و ذلك اقتناعا منها بضرورة التعاون الدولي". أما دستور 1976 فهو كذلك لم ينص على الموقف من المعاهدات الدولية التي تبرمها الجزائر و هل المعاهدة تكتسب قوة الدستور أو أعلى منه. فمن خلال الفصل السابع من نفس الدستور و المعنون بمبادئ السياسة الخارجية وضح المشرع الدستوري موقف الجزائر من المواثيق الدولية و منظمة الوحدة الإفريقية و الجامعة العربية . أما دستور 1989، فقد كان واضحا في هذا الإطار حيث نصت المادة 123 منه على ما يلي:"المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور، تسمو على القانون". فمن خلال هذه المادة، نجد أن المشرع الدستوري الجزائري لا يعترف بسمو القانون الدولي على نصوص الدستور، و هو نفس الحال مع دستور 1996. من خلال ما تقدم، فان قواعد القانون الدولي لا تسمو في نظر المشرع الدستوري الجزائري على الدستور و لا تساويه، حتى بالنسبة للمعاهدات الملزمة للجزائر، و التي لا تعدو و أن تماثل في قوتها المجال بين الدستور و القانون العادي. فقواعد القانون الدولي لا تعد مرجعا للرقابة الدستورية، لأنها أدنى من الدستور و لا تعد من ثم قيدا من قيود التعديل الدستوري في الجزائر حيث لا تسمو عليه. المبحث الرابع: الصياغة القانونية للتعديل الدستوري ينبغي أن نميز في دراستنا للصياغة القانونية للتعديل الدستوري بين ثلاث مفاهيم، أولها الكتابة القانونية، حيث يميز الفقيه "بهاتيا" بين ثلاثة أنواع من الكتابات القانونية هي الكتابة القانونية الأكاديمية و الكتابة القضائية و الكتابة التشريعية. و تعني كلمة صاغ في اللغة العربية، "هيأ و رتب"، فيقال:"صاغ الكلام" بمعنى هيأه و رتبه. و يقال:"كلام حسن الصياغة" بمعنى "جيد و محكم". و في الانجليزية يعبر عن كلمة صاغ بالفعل Draft و يقصد بهذه الكلمة في اللغة الانجليزية "شكل و هيأ" Compose, Prépare. أما المفهوم الثاني فهو الصياغة القانونية، حيث ينطوي مفهومها على شقين رئيسيين، أحدهما متعلق بالشكل أو القالب، و الآخر يتعلق بالأسلوب اللغوي. فمن حيث الشكل تختلف صياغة كل وثيقة قانونية عن غيرها من الوثائق أما الأسلوب اللغوي الذي تصاغ به كل الوثائق القانونية فهو لا يتغير و يقصد به تلك الخصائص و التراكيب اللغوية المستخدمة في كتابة الوثيقة القانونية. و يصف الفقيه "ديكرسون" مفهوم الصياغة القانونية بالقانون الوقائي. أما المفهوم الثالث فهو الصيغة التشريعية، فمن المنظور الضيق للمصطلح، بمعنى صياغة التشريعات، حيث أن هناك ثلاثة أنواع من التشريعات، هي الدستور، التشريع العادي، ثم التشريع الفرعي. و من الشائع أن مصطلح التشريع يقصد به فحسب التشريع العام (الدستور، القوانين، اللوائح). فالصياغة التشريعية ليست مجرد شكلا من أشكال الصياغة القانونية، إنما تعتبر أصعب من الصياغة القانونية بسبب تعقد المشكلات التي تتناولها و النزاعات التي تصاحب عملية تبني التشريعات، و عدم المعرفة الكافية بالجمهور الذي تسري عليه تلك التشريعات و صفة الدوام التي تميزها، و في عام 1955 أوضح "ديكرسون" أن الصياغة التشريعية هي أصعب شكل من أشكال الصياغة القانونية. و رغم أن المشكلات الأساسية في الصياغة التشريعية و الصياغة القانونية متماثلة، فان المشكلات التشريعية أكثر تعقيدا من الناحية الفنية، و أكثر أهمية من الناحية الاجتماعية. من خلال ما تقدم ندرس فيما يلي عناصر الصياغة القانونية و الصيغ الآمرة و بناء الجمل القانونية ثم نتطرق للوضوح و انتقاء الكلمات و استخدام علامات الترقيم.و سوف نتناول بالدراسة للدستور الجزائري لعام 1996، حيث نحاول التمعن في نصوص الدستور و الملاحظات التي نخرج بها من خلال الأصول العامة للصياغة القانونية و هل توفرت في نصوص الدستور و هذا لا يمنع للإشارة إلى بعض نصوص دساتير 1963 و 1976 و 1989 و مدى توفر شروط الصياغة القانونية للوثيقة الدستورية. المطلب الأول: عناصر الصياغة القانونية يعد الفقيه كود من أوائل من كتبوا عن موضوع الصياغة القانونية حيث يقسم الصياغة القانونية إلى المخاطب بالحكم القانوني (الفاعل القانوني) ثم الفعل القانوني ثم وصف الحالة. و نتناول هذه العناصر بالدراسة و التحليل. الفرع الأول: المخاطب بالحكم القانوني (الفاعل القانوني) يقصد بالفاعل القانوني، الشخص الذي يخول حقا أو امتياز سلطة أو يفرض عليه التزاما أو مسؤولية. و في رأي كود:"لا يمكن تخويل حق أو امتياز أو سلطة، و لا يمكن فرض أي التزام أو مسؤولية إلا على شيء ما". و يعتبر الشخص الذي يجوز له أو لا يجوز له، أو يجب عليه أن يفعل شيئا ما، أو يخضع لشيء ما، هو الفاعل القانوني. و من المبادئ التقليدية في الصياغة القانونية أن يكون فاعل الجملة في صيغة المفرد بدلا من صيغة الجمع، حيث يقول الفقيه "مارتينيو": "إن استخدام صيغة المفرد بدلا من صيغة الجمع أمر مهم لعدة أسباب هي ما يلي: 1- أن صيغة المفرد تجعل عملية التشريع أكثر بساطة لأنه لن يكون داع للقلق حول الانتقال العارض بين المفرد و الجمع في الأسماء أو الأفعال. 2- إن صيغة المفرد تخصص أثر الحكم المصاغ بحيث يسري ذلك الحكم على فرد بعينه بدلا من أن يسري على مجموعة مجهولة الهوية. 3- إن صيغة المفرد توضح أن الحكم يسري على كل فرد في الفئة التي يطبق عليها الحكم و ليس فقط الفئة كمجموعة منفصلة." و رغم أن العديد من الصائغين الماهرين قد تبنوا منذ أمد طويل استخدام صيغة المفرد فانه لا يزال هناك عدد من صائغي التشريعات يستخدمون صيغة الجمع. و يشترط أيضا أن يكون الفاعل منفي، فمن الشائع أنه لحظر القيام بعمل ما يستخدم صيغة الفاعل المنفي و من أمثلة ذلك ما ينص عليه التعديل الدستوري الأمريكي الرابع حيث جاء فيه:"لا يجوز لأية ولاية أن تسن أو تطبق أي قانون ينتقص من الامتيازات و الحصانات الممنوحة مواطني الولايات المتحدة". و مثال الفاعل المنفي في دستور 1996 ما نصت عليه المادة 42 الفقرة الرابعة: "لا يجوز للأحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبينة في الفقرة السابقة..." . و يرى "ديكرسون" أن صيغة الفاعل المنفي، من الناحية الفنية، لا تعني سوى"ما من أحد عليه أن يفعل...." بينما يقصد من هذه الصيغة أن تعبر عن معنى:"يحظر على أي شخص أن يفعل...". و يقترح الفقيه "ديكرسون" استخدام صيغة "ما من أحد" للتعبير عن الحظر. حيث و استنادا لهذا الرأي يمكن تعديل الفقرة السابقة من المادة 42 من الدستور الجزائري لتصبح"ما من حزب سياسي أن يلجأ إلى الدعاية الحزبية....". و يفضل أيضا في الصياغة القانونية للتعديل الدستوري تجنب استخدام الصفات النكرة للفاعل إلا في حالات معينة ففي أغلب الأحوال، يجب استخدام أداة التنكير بدلا من استخدام الصفات النكرة مثل "أي"، أو "كل" أو "ما من شخص" و غالبا ما تستخدم الصفات النكرة السابقة الذكر في حين يكون الأصح هو استخدام أداة التنكير. كما يجب تجنب وضع أداة التعريف "ألـ" قبل الفاعل المعرف، حيث تستخدم أداة التعريف قبل الاسم لتشير إلى شخص أو شيء سبق الإشارة إليه أو ذكره. إضافة إلى تجنب استخدام الضمائر، فقد يكون الفاعل في الجملة ضميرا، و في هذه الحالة يجب على الصائغ القانوني أن يتوخى الحرص بسبب احتمال حدوث غموض حول الاسم الذي يشير إليه الضمير و لننظر إلى الأمثلة التالية من دستور 1996، حيث تنص المادة 3 على:"اللغة العربية هي اللغة الوطنية و الرسمية" و كذلك المادة 3 مكرر:" تمازيغت هي كذلك لغة وطنية، تعمل الدولة لترقيتها و تطويرها بكل تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني". بالإضافة إلى المادة 7 فقرة 2 تنص على:"يمارس الشعب سيادته بواسطة المؤسسات الدستورية التي يختارها" . و من الأسباب التي أدت إلى الحاجة إلى تجنب استخدام الضمائر، هو وجود كلمات مميزة لكل جنس (ذكر و أنثى) و حتى الآونة الأخيرة كان الصائغون يستخدمون بشكل شبه دائم ضمير المذكر فقط للإشارة إلى الجنسين ، مالم يكن من غير الممكن أن يكون الفاعل مذكر، و فيما يلي بعض القواعد التي يمكن أن تكون مفيدة في هذا الخصوص: 1. استخدام المصطلحات المحايدة من حيث الجنس. 2. تجنب استخدام الضمير تماما، و هو الخطأ الذي وقع فيه المشرع الجزائري من خلال العديد من المواد التي تتضمن في محتواها ضمائر بالجملة. 3. تكرار استخدام الاسم بدلا من الضمير. 4. استخدام الضمير المحايد، عندما يكون الاسم السابق يشير إلى كيان قانوني مثلا البلدية، الولاية...و لكن إذا كان الاسم السابق لا يمكن أن يكون إلا بئرا، ففي هذه الحالة لا يمكن استخدام الضمير المحايد. الفرع الثاني: الفعل القانوني يعرف جورج كود الفعل القانوني بأنه:"ذلك الجزء من الجملة الذي يعبر عن حق أو امتياز أو سلطة أو التزام أو مسؤولية تخول أو تفرض على الفاعل القانوني، و الذي يقال فيه أن شخصا ما يجوز له أو لا يجوز له، أو يجب عليه أو لا يجب عليه، أن يفعل أو لا يفعل أي تصرف، أو يخضع لفعل ما". و يرى الفقيه كود أن الفاعل القانوني و الفعل القانوني الكامل هما العنصران الجوهريان لكل جملة قانونية، و بدونهما لا يمكن كتابة أي قانون، و حتى يومنا هذا لا يزال رأي كود صحيحا إلى حد كبير. و لننظر إلى المثال التالي من دستور 1996 حيث تنص المادة 101 فقرة 3 على ما يلي: أما عن زمن الفعل القانوني فيرى الفقيه كود أن استخدام زمن المضارع البسيط في صياغة التشريعات يحقق ميزتين رئيسيتين، هما: 1/ تفادي الحاجة إلى استخدام تراكيب معقدة جدا عند توضيح الحالات و الشروط التي يسري فيها الفعل القانوني، و هو ما يحدث غالبا في التراكيب الشرطية، و ما تتضمنه من استخدام أزمنة المستقبل، و المستقبل التام، و الماضي. 2/ يقتصر استخدام زمن المضارع البسيط على الوقائع بينما تخصص صيغة "يجب" للتعبير عن الالتزامات القانونية فقط. و من المزايا الأخرى لاستخدام زمن المضارع البسيط في الصياغة القانونية أنه يجعل من السهل على القارئ فهم التشريع الأساسي (الدستور) أو القاعدة لأنه لا تكون هناك حاجة للانتقال الذهني من صيغة المضارع إلى صيغة المستقبل، كما أن استخدام زمن المضارع سيجعل التشريع أو القاعدة أقصر لأنها ستستخدم كلمات أقل من صيغة المستقبل. و في معظم الحالات يمكن تفادي استخدام الفعل في زمن الماضي أو المستقبل. و لا يميل الصائغ القانوني عادة إلى استخدام زمن الماضي في اللغة القانونية لكنه يتعرض لإغراء شديد لاستخدام زمن المستقبل، و من الطبيعي أن يفكر الصائغ القانوني من منظور المستقبل لأن كل ما يكتب اليوم لن يؤثر إلا عل أحداث تقع في المستقبل، و حتى إذا كان الصائغ يفكر من منظور الإجراء الذي ستتخذه الجهة الوصية، فانه عندما تتصرف تلك الجهة فإنها ستفعل ذلك في يوم معين لتنظيم أفعال في المستقبل بعد ذلك اليوم و لا يعد استخدام زمن المستقبل أمرا صحيحا لأنه يتجاهل المبدأ الأساسي و هو أن التشريع حسب نوعه دائما يتحدث في الوقت الذي يطبق فيه على وقائع محددة. و بالنسبة للتشريع فان ذلك الوقت هو دائما "الآن" لأي حكم نافذ. و عندما يضع القانون أو الدستور شرطا لتحقق الحكم القانوني فانه لا داعي لاستخدام أزمنة متعددة لتوضيح هذا المعنى. و من بين المبادئ الهامة في الصياغة القانونية استخدام صيغة المبني للمعلوم و يعد استخدام هذه الصيغة أساسيا مالم تكن هذه الصيغة غير ملائمة لكن لماذا يعتبر استخدام المبني للمعلوم أمرا مهما في الصياغة القانونية؟ الإجابة تتمثل في أن صيغة المبني للمعلوم تحقق مزايا من بينها تحديد الفاعل القانوني و إجبار الصائغ القانوني على أن يدرس الفعل في الجملة الذي ينشئ الميزة أو العبء، أما الميزة الأخيرة فهي أن استخدام صيغة المبني للمعلوم عادة، تكون فيها الكلمات أقل من صيغة المبني للمجهول. كما يجب على الصائغ القانوني استخدام صيغة الإيجاب بدلا من النفي، بقدر الإمكان . و هناك كلمات تسبقها مقاطع بادئة تفيد معنى النفي بطبيعتها مثال ذلك: ينكر، يحرم، يرفض، يحظر و يوضح الفقيه "ويديك" و يديك أن استخدام صيغة النفي بينما يمكن استخدام صيغة الإيجاب يتضمن عادة استخدام النفي المتعددة و يعني ذلك استخدام أداة النفي "لا" قبل كلمة تفيد معنى النفي بطبيعتها و من أمثلة ذلك المادة 13 من الدستور الجزائري لعام 1996 حيث تنص: "لا يجوز البتة التنازل أو التخلي عن أي جزء من التراب الوطني". الفرع الثالث: وصف الحالة نادرا ما يسري الحكم القانوني على جميع الأوضاع و الظروف، و إنما يسري الحكم القانوني عادة على حالة معينة. و يعتبر تحديد هذه الحالة و إدراجها في الحكم القانوني جانبا هاما من عمل الصائغ القانوني. و يقصد بالحالة الظروف التي ينطبق عليها الحكم و التي عند التعبير عنها بوضوح في الجملة تجعل القانون أكثر وضوحا و دقة. و من أمثلة ذلك ما نص عليه المشرع الدستوري في نص المادة 51 من دستور 1963 حيث جاء فيها ما يلي: "إذا لم يصدر رئيس الجمهورية القوانين في الآجال المنصوص عليها فان رئيس المجلس الوطني يتول إصدارها". فمن خلال هذه المادة، توضح عبارة "إذ لم يصدر رئيس الجمهورية القوانين في الآجال المنصوص عليها"، الظروف التي يمكن أن تؤدي إلى عدم إصدار القوانين من طرف رئيس الجمهورية. و بعبارة أخرى فانه في حالة عدم وجود هذه الظروف، لن يتول المجلس الوطني إصدار القوانين. و تنص المادة 117 من الدستور الجزائري لعام 1976 المعدلة بالقانون 79-06 و المتضمن التعديل الدستوري على ما يلي:"إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير مزمن، تجتمع اللجنة المركزية للحزب وجوبا، و بعد التأكد من حقيقة هذا المانع...". و تنص المادة 82 من دستور 1996 على ما يلي: "إذا لم تحصل من جديد موافقة المجلس الشعبي الوطني، ينحل وجوبا...". من خلال النصوص الدستورية السالفة الذكر فان الحالة في تلك المواد تعبر عن خلفية جوهرية أو سياقا للأوضاع التي تسري فيها الحكم القانوني، و من ثم يساعد على تحديد الأوضاع و الحالات التي يكون فيها الحكم القانوني نافذا و لا يتم التعبير عن الحالة إلا عندما يكون أداء الفعل القانوني مقصورا على ظروف معينة. و للتعبير عن الحالة تستخدم صيغة "إذ" في اللغة القانونية، بصيغة رئيسية لوصف الحالة. و عبارة "متى" فالأصل في هذه الأخيرة أنها أداة شرط للزمان غير جازمة و تستخدم "متى" أيضا لوصف الحالة. إضافة إلى عبارة "في حالة" فهي تستخدم لوصف الحالة في الحكم القانوني خاصة قبل العبارة الاسمية. و مثال ذلك نص المادة 88 فقرة 3 من دستور 1996 حيث تنص على ما يلي: "..... و في حالة استمرار المانع بعد (45) يوما، يعلن الشغور بالاستقالة وجوبا حسب الإجراء المنصوص عليه...." و تضيف الفقرة الرابعة من نفس المادة على:"....و في حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا و يثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية....". و مما سبق فانه من الأفضل لوصف الحالة في نصوص الدستور و اللغة القانونية بصفة عامة، استخدام صيغة "إذ"، و ينصح الفقيه كود بضرورة التعبير عن الحالة في بداية الجملة لأن كتابة حكم يوحي بأن تطبيقه سيكون عاما ثم تقييد هذا الحكم بعبارات مقيدة للمعنى أو عبارات شرطية من شأنه أن يضلل القارئ، إذ أن القارئ لن يكتشف إلا في نهاية المادة ما إذا كان هذا الحكم واجب التطبيق أم لا، و إذا اكتشف أن الحكم غير واجب التطبيق فانه سيكون قد أضاع وقته و يقول كود: "كلما كان المقصود من القانون ألا يسري إلا في ظروف معينة، فان هذه الظروف يجب وصفها قبل التعبير عن أي جزء آخر من التشريع". و يضيف كود: "لو أن هذه القاعدة قد روعيت لأمكن تجنب تسعة أعشار العبارات الشرطية و العبارات المقيدة للمعنى التي تشوه القانون". و يلتزم كل الصائغين القانونيين تقريبا و منهم الصائغ و المشرع الجزائريين بهذه القاعدة العامة، غير أنه شأن كل قاعدة عامة هناك استثناءات لتلك القاعدة و مثال ذلك نص المادة 93 من دستور 1996 و التي تنص على ما يلي: "يقرر رئيس الجمهورية الحالة الاستثنائية إذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها....". كما تتضمن نصوص الدستور و القانون بصفة عامة صيغ الشرط و يقصد بهذه الأخيرة الأوضاع التي يجب تحقيقها قبل أن يصبح الحكم القانوني نافذا و يتم التعبير عن الشرط في اللغة القانونية بالأدوات التالية: 1. صيغة الجملة الشرطية إذا. 2. صيغة التقييد الشرطي اللاحق "بشرط أن"، "شريطة أن"، "على أن". 3. صيغة "رهنا بـ". 4. صيغة الشرط المنفي "مالم". و في هذا الإطار تنص المادة 169 من دستور 1996 على ما يلي: "إذا ارتأى المجلس الدستوري أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري،يفقد هذا النص أثره، ابتداء من يوم قرار المجلس". و يمكن تحليل عناصر هذه المادة على النحو التالي: الحالة: إذا ارتأى المجلس الدستوري. الشرط: أن نصا تشريعيا أو تنظيميا غير دستوري. الفاعل القانوني: المجلس الدستوري. الفعل القانوني: يفقد هذا النص أثره، ابتداء من يوم قرار المجلس. المطلب الثاني: الصيغ الآمرة و بناء الحملة القانونية يقصد بالصيغ الآمرة الصيغ التي تستخدم في الوثائق القانونية و من بينها الدساتير، لتحديد الواجبات و فرض الالتزامات و خطر القيام بأعمال معينة و تخويل السلطة التقديرية و منح الحقوق و الاختصاصات. أما بناء الجملة القانونية فتتسم في الأغلب، بالطول المبالغ فيه مع ما يتطلبه ذلك من استخدام تراكيب معقدة. الفرع الأول: الصيغ الآمرة من المهم دراسة هذه الصيغ لمعرفة القواعد الصحيحة لاستخدامها و تجنب الاستخدامات الشائعة الخاطئة لها و سوف نناقش فيما يلي هذه الصيغ حسب وظائفها في الدساتير الجزائرية، و بصفة عامة فان صيغ الإلزام في اللغة العربية تشمل ما يلي: 1- صيغة "يجب على فلان أن يفعل". 2- صيغة "يلتزم فلان بأن يفعل" أو "فلان ملزم بأن يفعل". 3- صيغة "يتعهد فلان بأن يفعل". 4- صيغة "يتعين (ينبغي) على فلان أن يفعل". 5- صيغة "يفعل فلان". و من أمثلة ما تقدم من الصيغ نص المادة 40 من دستور 1963 حيث جاء فيها يلي: "يؤدي رئيس الجمهورية قبل مباشرته لمهام وظيفته القسم أمام المجلس الوطني بالعبارات التالية..." . و تنص المادة 75 من دستور 1976 على ما يلي: "يجب على كل مواطن أن يحمي بعمله و سلوكه، الملكية العمومية و مصالح المجموعة الوطنية، و يحترم مكتسبات الثورة الاشتراكية، و يعمل حسب مقدرته لرفع مستوى معيشة الشعب" . و في هذا الإطار أيضا تنص المادة 63 من دستور 1989 على ما يلي: "يجب على كل مواطن أن يحمي الملكية العامة، و مصالح المجموعة الوطنية و يحترم ملكية الغير". و تنص المادة 72 من دستور 1996: "يمارس رئيس الجمهورية السلطة السامية في الحدود المثبتة في الدستور". و تتضمن أيضا الصيغ الآمرة، صيغ منح و إبطال السلطة التقديرية و يقصد بها تحويل الفاعل القانوني حرية التصرف في أن يؤدي الفعل القانوني أو لا يؤديه. و تستخدم في اللغة القانونية بصفة عامة الصيغ التالية: 1- يجوز لفلان أن يفعل. 2- مسموح لفلان أن يفعل. 3- فلان حر في أن يفعل. 4- لفلان أن يفعل. و تعتبر صيغة "يجوز لفلان أن يفعل" أكثر الصيغ شيوعا و أكثرها دقة.و فيما يلي أمثلة على صيغ منح السلطة التقديرية في الدستور الجزائري لعام 1996: - نص المادة 7 فقرة 4: "لرئيس الجمهورية أن يلتجئ إلى إرادة الشعب مباشرة". - نص المادة 84 فقرة 4: "للوزير الأول أن يطلب من المجلس الشعبي الوطني تصويتا....". - نص المادة 116 فقرة 3: "يجوز للمجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة أن يعقدا جلسات مغلقة بطلب من رئيسها، أو من أغلبية أعضائهما الحاضرين أو بطلب من الوزير الأول". و من الصيغ الآمرة نجد أيضا صيغ الحظر و مثال ذلك نص المادة التاسعة من دستور 1996 حيث جاء فيها: "لا يجوز للمؤسسات أن تقوم بما يأتي: - الممارسات الإقطاعية، و الجهوية، و المحسوبية،....". و هناك صيغ للحظر نذكر منها صيغة "محظور" ، "ليس"، "غير مسموح"، "يمتنع على"، "يمتنع". و مسألة اختيار الصيغ المذكورة تتعلق بالملائمة مع السياق أكثر مما يتعلق بالمعنى. و تعتبر صيغة "لا يجوز" أنسب هذه الصيغ عندما لا يكون الفاعل محددا في الجملة. بالإضافة إلى الصيغ المذكورة أعلاه نجد صيغ تخويل السلطة و الاختصاص و صيغ الاشتراط. و من أمثلة صيغ تخويل السلطة و الاختصاص ما تنص عليه المادة 77 من دستور 1996 حيث جاء فيها: "يضطلع رئيس، بالإضافة إلى السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور، بالسلطات و الصلاحيات الآتية...." . أما عن صيغ الاشتراط فهي التي تفيد أن هناك متطلبا ما ينبغي تلبيته، قبل تحقق الفعل القانوني. و من أمثلة ذلك صيغة "يشترط فيمن يفعل أن يكون....". و فيما يلي نحاول تسليط الضوء على الاستخدامات الشائعة الغامضة للصيغ الآمرة. و من بين الصيغ الغامضة لاستخدام الصيغ الآمرة، صيغة "لفلان أن يفعل"، فالأصل في استخدام هذه الصيغة هو أنها تخول للفاعل سلطة تقديرية لتنفيذ الفعل القانوني من عدمه، و بعبارة أخرى فان صيغة "لفلان أن يفعل" ما هي إلا صيغة مختصرة "يجوز لفلان أن يفعل" كما في المثال التالي: المادة 126 فقرة 2 من دستور 1976: "للمجلس الشعبي الوطني في نطاق اختصاصاته، سلطة التشريع بكامل السيادة...." و في المثال المذكور أعلاه، تعني عبارة "للمجلس الشعبي الوطني" تخويل المجلس سلطة التشريع و من ثم يجوز للمجلس الشعبي الوطني التشريع في كل الحالات. لكن هذه الصيغة يعتريها الغموض في كثير من الأحيان، و تفسر بمعاني مختلفة قد تخرج عن المعنى المراد من استخداماتها و كثير ما يساء استخدام هذه الصيغة لتشير إلى إعطاء حق، و ليس سلطة تقديرية للفاعل ومن أمثلة ذلك ما يلي: المادة 50 من دستور 1996: "لكل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية أن يَنتَخِبَ و يُنتَخَبْ". المادة 55: "لكل المواطنين الحق في العمل...." و في المثال الأول: تعني هذه الصيغة أن للمواطن الحق في أن يَنتَخِبَ و يُنتَخَبْ، و ليس مجرد أن المواطن له حرية التصرف في يَنتَخِبْ و يُنتَخَب أو العكس. و تكمن المشكلة الرئيسية في استخدام صيغة "لفلان أن يفعل" في أنها يمكن أن تفسر لمعاني مختلفة عن المعنى الذي قصده المشرع الدستوري كما في المثال التالي: المادة 84 من دستور 1996 فقرة 4: "للوزير الأول أن يطلب من المجلس الشعبي الوطني تصويتا بالثقة و في حالة عدم الموافقة على لائحة الثقة يقدم الوزير الأول استقالة حكومته". إن هذه الفقرة لا يمكن تفسيرها، وفقا للمعنى الشائع لصيغة "لفلان أن يفعل"، على أن الوزير الأول حر في أن يطلب أو لا يطلب تصويتا بالثقة. و إنما المقصود هنا هو أن الوزير الأول مختص وحده دون غيره بطلب التصويت بالثقة. و إذا أعدنا صياغة الفقرة السابقة من المادة 84 على النحو التالي: - "يختص الوزير الأول وحده دون غيره بطلب التصويت بالثقة من طرف المجلس الشعبي الوطني...". فأي الصياغتين أوضح؟ إن مقارنة بين الصياغتين السابقتين تقودنا إلى مقارنة صيغة "لفلان أن يفعل" المستخدمة في المادة 84 السابقة، بصياغة المادة 137 من دستور 1989 و التي تنص على ما يلي: "يختص القضاة بإصدار الأحكام...." و كما نلاحظ من صياغة المادة 137 المذكورة أعلاه، استخدمت صيغة "يختص" لتفيد الاختصاص و لا نظن أن أحدا يمكن أن يساوره الشك حول المعنى المراد التعبير عنه في هذه المادة. و في المثال التالي استخدمت صيغة "لفلان أن يفعل": المادة 124 فقرة 1: "لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني، أو بين دورتي البرلمان...". و في المثال دلالة قاطعة على أن لصيغة "لفلان أن يفعل" و بالتالي يكون أمامنا خياران، الأول تفسيرها بمعنى حق رئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو بين دورتي البرلمان. و الثاني، تفسيرها حسب معناها المتعارف عليه و هو إعطاء الفاعل السلطة التقديرية لأداء الفعل. و سواء فسرناها حسب التفسير الأول أو الثاني يكون المعنى أن "لرئيس الجمهورية الحرية في أن يشرع أو لا يشرع بأوامر". و بالطبع لا يمكن قبول هذا التفسير، و إنما المعنى المقصود هنا هو أن رئيس الجمهورية يتولى التشريع بأوامر و بعبارة أخرى، فان الحكم القانوني المنصوص عليه هنا هو تقدير قاعدة و ليس إعطاء سلطة تقديرية للفاعل (رئيس الجمهورية). و يرى الفقهاء أن صيغة "لفلان أن يفعل" صيغة مبهمة، و من الأفضل عدم الإسراف في استخدامها لأنها قد تحمل أكثر من دلالة و بالتالي تثير الغموض حول المقصود منها. و نظرا لعدم وضوح هذه الصيغة فإنها تؤدي إلى توريط الصائغ القانوني في استخدامها في غير المقصود منها. و إذا كان الغرض من استخدام هذه الصيغة هو إعطاء سلطة تقديرية للمخاطب بالحكم القانوني فان صيغة "يجوز لفلان أن يفعل" تؤدي هذا الغرض بكفاءة كبيرة و بوضوح تام. و إذا كان المقصود منها هو تخويل الحق أو الاختصاص من الأفضل تحديد ذلك بصراحة، كما في صيغة "لفلان الحق في" أو "يختص فلان بعمل"، و لا داعي إطلاقا لاستبدال صيغة واضحة بصيغة مبهمة. الفرع الثاني: بناء الجملة القانونية يمكن تلخيص السمات التي تميز الجملة القانونية في الأغلب الأعم، فيما يلي: 1- طول الجملة القانونية بشكل مبالغ فيه و اعتمادها دائما على تراكيب معقدة. 2- التباعد بين أجزاء الجملة التي تكون في الجملة العادية، عادة، بجوار بعضها البعض على سبيل المثال التباعد بين الفاعل و الفعل. 3- استخدام العبارات المقيدة للمعنى بشكل مفرط لتقييد أجزاء معينة في الجملة، أو لتقييد الجملة كلها. 4- ازدحام الجملة عادة بتفاصيل تجعل من الصعب اختراقها و التوصل إلى العلاقات بين أجزائها. و يتضح لنا ذلك من المثال التالي: المادة 95 من دستور 1996: "إذا وقع عدوان فعلي على البلاد أو يوشك أن يقع حسبما نصت الترتيبات الملائمة لميثاق الأمم المتحدة، يعلن رئيس الجمهورية الحرب، بعد اجتماع مجلس الوزراء و الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن و استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني و رئيس مجلس الأمة...". و إذا نظرنا إلى المادة المذكورة أعلاه فإننا نجد أنها تندرج تحت ما يسمى بالجملة المعقدة، و في هذا النوع من الجمل تكون هناك عبارة تابعة و عبارة رئيسية. و تقوم العبارة التابعة بدور إعطاء معلومات حول العبارة الرئيسية و عادة ما تبدأ بأداة إسناد، و يمكن وضع العبارة التابعة قبل العبارة الرئيسية أو بعدها أو حتى في داخلها. و إذا نظرنا في المثال المذكور أعلاه فإننا نتوقع أن تكون لدينا عبارة تابعة (فعل الشرط) تبدأ بأداة الشرط "إذا"، و عبارة رئيسية (جواب الشرط). و يوضح الشكل التالي بناء الجملة الشرطية: إذا + فعل الشرط ← جواب الشرط و لشرح ذلك نورد المثال التالي: المادة 176 من دستور 1996: " إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، و حقوق الإنسان و المواطن و حريتها، و لا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية و علل رأيه، أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع (3/4) أصوات غرفتي البرلمان". إن أول ما نلاحظه في المادة المذكورة أعلاه هو أننا لا نستطيع التعرف بسهولة على الأجزاء الرئيسية للمادة (أداة الشرط: فعل الشرط، جواب الشرط) بسبب تباعدها عن بعضها البعض. و السؤال المطروح لماذا تتباعد الأجزاء الرئيسية للجملة عن بعضها البعض؟ و الإجابة ببساطة هي بسبب إدخال العبارات المقيدة للمعنى فيما بينها لتقييد معاني أجزاء معينة في الجملة، و إذا قمنا بإحصاء عدد العبارات المقيدة في المادة 95 السالفة الذكر، فإننا نجد عددها 4 عبارات: 1- يعلن رئيس الجمهورية الحرب. 2- بعد اجتماع مجلس الوزراء. 3- الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن. 4- استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني و رئيس مجلس الأمة. و هو نفس الحال الذي ينطبق على المادة 176. فتعقد بناء الجملة القانونية ليس هو ناتج عن التركيبة المعقدة التي تستخدم في بناء الجملة، و إنما التفاصيل المفرطة التي تزدحم بها الجملة و التي تستخدم لتقييد أجزاء معينة في الجملة كما سبق أن وضحنا و الأمثلة على ذلك كثيرة في الدستور الجزائري لعام 1996 و الدساتير الجزائرية السابقة. و قد يلجأ الصائغ القانوني إلى استخدام كل من أسلوب الإسناد و أسلوب العطف معا في نفس الجملة القانونية و مثال ذلك: المادة 134 من دستور 1996: "يمكن أعضاء البرلمان أن يوجهوا أي سؤال شفوي أو كتابي إلى أي عضو في الحكومة. و يكون الجواب عن السؤال الكتابي كتابيا، خلال أجل أقصاه ثلاثون (30) يوما. و تتم الإجابة عن الأسئلة الشفوية في جلسات المجلس. إذا رأت أي من الغرفتين أن جواب عضو الحكومة شفويا كان أو كتابيا يبرر إجراء مناقشة، تجري المناقشة حسب الشروط التي ينص عليها النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة، تنشر الأسئلة و الأجوبة طبقا للشروط التي يخضع لهل نشر محاضر مناقشات البرلمان." مما سبق يتضح لنا أن هناك ثلاثة أساليب رئيسية تستخدم في بناء الحملة القانونية و تؤدي إلى تعقد بناءها، و هذه الأساليب هي: الإسناد و العطف و الفصل بين الجزاء الرئيسية للجملة، لكن ما هي الأسباب التي تؤدي إلى حدوث هذه الظاهرة، و تجعل الجملة القانونية تبدو في أغلب استعمالاتها لاسيما في الدستور بهذا التعقيد؟ يمكن تلخيص السباب التي تكمن وراء ذلك إلى: 1. صعوبة المشكلات التي يتعامل معها التشريع أيا كان نوعه، و على حد قول "دريدجر": "إن الحاجة إلى سن القوانين تنشأ أحيانا للتعامل مع مواقف صعبة جدا و من الواضح أنه ما من أحد يمكنه أن يفهم القانون التشريعي ما لم يفهم هذه المواقف". و على سبيل المثال فان الدستور الجزائري لعام 1996 تكلم عن عدد من النقاط من بينها أن الدستور أوجد المحكمة العليا للدولة و هذا ما نصت عليه المادة 158 و التي تحاسب رئيس الجمهورية و شخصيات عليا، و نصت على أن يحدد قانون عضوي تشكيلة المحكمة العليا و تنظيمها و سيرها، و السؤال المطروح أين هو القانون العضوي الذي تتحدث عنه المادة، و من يملك السلطة لمحاكمة رئيس الجمهورية؟ و أوجد الدستور أيضا رقابة المجلس الشعبي الوطني للميزانية عن كل سنة مالية (المادة 120 فقرة سابعة). فما الفائدة أن نورد أحكاما في الدستور و لا نعمل بها في نهاية المطاف و كان من الأفضل استبعادها. 2. اختلاف جمهور اللغة القانونية: يصاغ التشريع حسب نوعه لعلاج مشكلة قائمة أو لتجنب حدوث مشاكل محتملة. و قد تطرح فكرة التشريع من الفئة المهمة بموضوعه و قد تطرح الفكرة من الحكومة أو من البرلمان و عند إقرار الدستور يحال الأمر إلى المختصين بالصياغة القانونية ثم يعرض على الأحزاب و المنظمات المدنية لشرح مضمون الدستور، مثل ما حدث مع دستور 1996 حيث قامت مجموعة من الأساتذة في القانون و ذوي الاختصاص بشرح أهداف و مضامين دستور 1996 و منهم الدكتور رزق الله العربي بن مهيدي عميد كلية الحقوق و العلوم الاجتماعية بجامعة عمار ثليجي بالأغواط. 3. التقاليد المتوارثة في الصياغة القانونية: توارث صائغو اللغة القانونية على مر العصور عادات معينة في صياغة الدساتير أصبحت تمثل لهم طوقا يصعب الخروج منه و من بين الموروثات في مجال الصياغة القانونية، عادة الحرص على أن تكون الجملة مكتفية ذاتيا، و من هنا يحرص أغلب إن لم نقل كل الصائغين على أن تحتوي الجملة القانونية بداخلها على كل ما يتصل بها، بحيث تضم بداخلها ككل ما يلزمها، و من هنا نشأت عادة تقييد معاني أجزاء الجملة في داخل نفس الجملة، و أيضا حشو الجملة بكل التفاصيل التي تتعلق بها. 5. سوء الصياغة: تنشأ أحيانا، التركيبة المعقدة للجملة القانونية بسبب سوء الصياغة و ننظر إلى المثال التالي على تعقد بناء الجملة القانونية: المادة 42 من دستور 1996: "حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به و مضمون و لا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الأساسية و القيم و المكونات الأساسية للهوية الوطنية، و الوحدة الوطنية و أمن التراب الوطني و سلامته، و استقلال البلاد، و سيادة الشعب، و كذا الطابع الديمقراطي و الجمهوري للدولة. و في ظل احترام أحكام هذا الدستور، لا يجوز تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي..... و لا يجوز للأحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبينة في الفقرة السابقة. يحظر على الأحزاب السياسية كل شكل من أشكال التبعية للمصالح أو الجهات الأجنبية. لا يجوز أن يلجأ أي حزب سياسي إلى استعمال العنف أو الإكراه مهما كانت طبيعتهما أو شكلهما. يحدد التزامات و واجبات أخرى بموجب قانون". هذه المادة جاءت بالكثير من التقييد في المعنى للفاعل القانوني ألا و هو الحزب السياسي و كان يمكن التغلب على سوء الصياغة، ببساطة باللجوء إلى التبنيد لتصبح المادة كما يلي: " حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به و مضمون. لا يمكن التذرع بهذا الحق للمساس بـ: 1- الحريات الأساسية. 2- القيم و المكونات الأساسية للهوية الوطنية. 3- الوحدة الوطنية. 4- أمن التراب الوطني. 5- سلامة و استقلال البلاد. 6- سيادة الشعب. 7- الطابع الديمقراطي و الجمهوري للدولة. و في ظل احترام أحكام هذا الدستور يحظر على الأحزاب السياسية ما يلي: 1. تأسيس الحزب السياسي على أساس ديني، لغوي، عرقي، جنسي، مهني، جهوي. 2. اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر السابقة. 3. كل شكل من أشكال التبعية للمصالح أو الجهات الأجنبية. 4. استعمال العنف أو الإكراه مهما كانت طبيعتهما أو شكلهما. تحدد التزامات و واجبات أخرى بموجب قانون". و كما نلاحظ، فانه دون أدنى شك، أصبحت المادة الآن أكثر وضوحا و أقل إجهادا لذهن القارئ و كل ما حدث هو أن المادة قد نظمت بشكل جيد دون إجراء أي حذف أو إضافة كبيرة عليها. أما عن الأساليب المستخدمة في بناء الجمل القانونية و القواعد الدستورية فإننا نجد الربط و الإسناد حيث أنه يقصد بالأول ربط أجزاء الجملة باستخدام أدوات الربط وهي حرف العطف "و" و حرف "أو" و عبارة "ولكن". أما الثاني (الإسناد) فيقصد به استخدام جملة تابعة لإضافة معلومات إلى جملة أخرى داخل الجملة الرئيسية. و يميل الصائغ القانوني إلى الاستخدام المفرط لهذه الأساليب داخل الجملة نفسها، كما يفعل ذلك بشكل متكرر يكون في كل الحالات التي يستخدمها و هذا تحديدا هو وجه الغرابة في استخدام هذه الأساليب و ليس استخدامها في حد ذاته هو الأمر الغريب. و هو الأمر بالنسبة للمادة السالفة الذكر. أما الأسلوب الثاني الذي يجب أن تتسم به الجملة القانونية عموما و القاعدة الدستورية خصوصا هو أسلوب التوازي و التراكيب المتوازنة، و الكلمات التكرارية التركيبية. و يقصد بالتوازي استخدام تركيبة مماثلة لتركيبة سابقة في الجملة. بمعنى تكرار كلمات شبيهة بنفس الترتيب الذي وردت فيه من قبل في الجملة. و يقصد بالتوازي استخدام مجموعات من الكلمات متساوية في العدد أولها نفس الطول تقريبا. و يقصد بالكلمات التكرارية التركيبية، تكرار أول كلمة في التركيبة المكررة في قالب متوازي أو متوازن. و يلجأ الصائغون القانونيون مرارا و تكرارا إلى استخدام الأساليب السابقة لتوضيح المعنى في الجملة القانونية، خاصة عندما تحتوي الجملة على تفاصيل كثيرة و بدون استخدام هذه الأساليب تصبح الجملة صعبة الفهم. و من بين أصول حسن صياغة القواعد القانونية و الدستورية، يمكن حصرها فيما يلي: 1- تخصيص جملة لكل فكرة و لا تخصص أكثر من فكرة للجملة الواحدة. 2- استخدام الجمل القصيرة و متوسطة الطول حيث يعتبر أفضل متوسط عدد للكلمات في الجملة التي تتناول موضوعات معقدة أو فنية هو 20 كلمة في الجملة. و بالنسبة للصائغين القانونيين، يمكن أن يتراوح هذا الرقم من 20 إلى 25 كلمة في الجملة. و رغم أن تنويع طول الجملة مطلوب لتفادي الإحساس بالرقابة و الممل فانه حتى أطول الجمل يجب ألا تزيد عن 35 كلمة. 3- استخدام التوازي و التوازن و الكلمات التكرارية التركيبية. 4- البدء بالفعل. 5- وضع الكلمات التي تتصل ببعضها البعض متجاورة بقدر الإمكان. 6- استخدام المبني للمعلوم. و إذا أردنا إسقاط مثل هذه المسائل على الوثيقة الدستورية لعام 1996، نجد أن هناك في بعض مواد الدستور صياغات طويلة، منها صياغة المادة 88 من الدستور و التي تتكلم حول حالة الشغور، فالمشرع الجزائري حاول أن يضبط هذه المادة، حيث أنها تشمل حوالي صفحة و نصف من الدستور و هذا خلاف أحكام الدستور التي ينبغي أن تكون مقتضبة جدا و تؤدي المعنى. هذه المادة مع الأسف من حيث المضمون الذي اعتمدته تشمل تناقضات كثيرة، منها أنه في حالة المرض المزمن الذي يشمل رئيس الجمهورية فهنا لدينا مرض مزمن و قد يكون هذا المرض لا يحول دون ممارسة المهام و لدينا أيضا مرض مزمن يمكن أن يحول دون ممارسة مهام رئيس الجمهورية. مهما يكن من أمر المسألة التي تطلبت أنه ينبغي على المجلس الدستوري أن يتثبت من الأمر بالإجماع، فكيف نعلق أمر توجد فيه شهادة طبية و وثائق رسمية تقول أن شخص رئيس الجمهورية يستحيل عليه ممارسة مهامه –بإجماع المجلس الدستوري، و ناحية ثانية نعلقها بموافقة 2/3 أعضاء البرلمان، فالشهادة الطبية كافية وحدها دون أن نعلق الأمر لا بإجماع المجلس الدستوري و لا بالنسبة لأعضاء البرلمان. ثم في اشتراط المدة الزمنية فالنص يميز بين أمرين الشغور المترتب عن المرض المزمن و الذي علقه الدستور لـ45 يوما و بين الاستقالة المرتبطة بـ60 يوما فما هو المعيار بين 45 يوما و 60 يوما؟ الجواب لا شيء، لماذا المرض المزمن 45 يوما، و الاستقالة 60 يوما، لابد أن تكون هناك مبررات موضوعية لحل هذا الإشكال و ليس هناك أي مبرر يمكن أن نستمده من نص المادة. ثم إن نص المادة 88 في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية، ثم الشغور المرتبط بالشغور، و الشغور المرتبط بشغور الشغور. فدخلنا في فرضيات لا علاقة لها و كان يمكن حل هذه المسألة عن طريق إحدى الوسيلتين: 1- تعيين نائب الرئيس. 2- في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية يتولى رئيس مجلس الأمة المنصب، و في حالة شغور منصب رئيس مجلس الأمة يتولى رئيس المجلس الدستوري المنصب . المطلب الثالث: الوضوح و انتقاء الكلمات و استخدام علامات الترقيم يجب على الصائغ القانوني مراعاة الوضوح في صياغة القوانين بصفة عامة و التعديل الدستوري بصفة خاصة. إضافة إلى انتقاء الكلمات و استخدام علامات الترقيم. الفرع الأول: الوضوح يساعد الوضوح في الصياغة القانونية بصفة عامة على إزالة الالتباس و الغموض و هناك عدة اعتبارات عامة ينبغي مراعاتها في هذا الخصوص، و تتمثل فيما يلي: 1- الكلمة ليس لها معنى في حد ذاتها و إنما تستمد معناها من السياق الذي توجد فيه. 2- يكون المفهوم غامضا إذا ترك مجالا، في سياق معين، مفتوحا بشكل واسع جدا بحيث يصعب معه تحديد معنى دقيق للكلمة. 3- يجب أن تتطابق النية الذاتية للمتحدث مع المعنى الموضوعي للكلمة أو العبارة المستخدمة في السياق. 4- إذا حاولت النية الذاتية التعبير عن معنيين موضوعيين – أي التوصل إلى حد وسط- يمكن ينشأ الغموض. و من أمثلة ذلك أن يحاول الصائغ القانوني، التوفيق بين معنيين، فيستخدم كلمة تعني كلا المعنيين. 5- إن ما يمكن حذفه في بعض السياقات، لا يمكن حذفه في سياقات أخرى حتى لا يتأثر وضوح النص. 6- إن البساطة لا تعني دائما الوضوح. و ينشأ الغموض من استخدام الكلمات التي ليس لها حدود معينة، و من ثمة، تتيح الاختيار حول درجة هذه الحدود و نطاقها. و كقاعدة عامة ينبغي تجنب استخدام الكلمات الغامضة في الصياغة القانونية لأنها تؤدي إلى حدوث تأويلات. و كذلك قد يحدث الالتباس عند استخدام كلمة لها مدلولين أو أكثر في سياق يتعذر معرفة المعنى المقصود من الكلمة، و ينشأ هذا النوع من الالتباس ليس بسبب المعاني المتعددة للكلمة و إنما لأن الكلمة أستخدمت في سياق من غير الواضح فيه المعنى المقصود منها. و قد تؤدي طريقة ترتيب الكلمات داخل الجملة إلى احتمال تفسير الجملة بطريقتين أو أكثر. و لقد كتب وليام كوبيت عن ذلك سنة 1818 قائلا: "من بين كل الأخطاء في الكتابة، يعد وضع الكلمات في أماكن خاطئة من أكثر الأخطاء شيوعا، و ربما يؤدي ذلك إلى حالات كثيرة من سوء الفهم" و في الصياغة القانونية كثيرا ما ينشأ الالتباس نتيجة وضع العبارات المقيدة للمعنى في أماكن خاطئة في الجملة. و قد ينشأ الالتباس نتيجة استخدام واو العطف أو التخيير "أو" للربط بين اسمين تستخدم معهما صفة واحدة. و من الأفضل في هذه الحالة أن يوضح الصائغ القانوني المعنى الذي يقصده. و قد تكون الكلمات نفسها المستخدمة في الوثيقة القانونية واضحة تماما في مظهرها و لكن عندما يتم الكشف عن حقائق أخرى، يظهر لبس في المعنى و يطلق على ذلك النوع من الالتباس السياقي بسبب إما تضارب داخلي أو خارجي، و يحدث الالتباس الداخلي عندما يتناقض حكم في الوثيقة القانونية م حكم آخر في نفس الوثيقة. و مثال ذلك التنسيق بين نص المادة 165 و التنسيق بين المادة 168. فنص المادة 165 ينص على أن المجلس الدستوري له أن يعلق إما بقرار أو برأي، برأي هو السابق و بقرار هو اللاحق. لكن نص المادة 168 يتكلم على الرقابة السابقة فقط. و لذلك لابد أن تكون إحالة بين هذه المادة و غيرها من المواد. الفرع الثاني: انتقاء الكلمات تستخدم في اللغة القانونية بشكل متكرر كلمات و تعبيرات غير مألوفة، و يمكن استبدال هذه الكلمات و التعبيرات بكلمات و تعبيرات أكثر بساطة تؤدي إلى تحسين وضوح المعنى دون تغييره و لأن الكلمات المستخدمة في الوثيقة القانونية الغرض منها هو نقل معنى معين فانه يجب ألا تترك هذه الكلمات أي شك حول المعنى المقصود منها. و ينصح فقهاء الصياغة القانونية باستخدام الكلمات المألوفة بدلا من الكلمات الغريبة و الكلمات الملموسة بدلا من الكلمات المجردة و الكلمات المفردة بدلا من الكلمات المركبة، و الكلمات القصيرة بدلا من الكلمات الطويلة و من الأفضل أيضا استخدام الكلمات الأصلية في اللغة القانونية –و خصوصا في الوثيقة الدستورية- بدلا من الكلمات المستعارة أو المعربة، و الكلمات البسيطة بدلا من الصعبة، و المعاصرة بدلا من الكلمات القديمة المهجورة، و فيما يلي بعض الإرشادات في هذا الصدد: أولا: استخدام الكلمات و العبارات الطبيعية المألوفة بدلا من الغريبة: يجب على الصائغ القانوني أن يستخدم الكلمات حسب معناها العادي و الطبيعي حتى يتأكد من أن القارئ سيفهم منها المعنى الدقيق الذي أراد الصائغ نقله إليه. و قد يلجأ الصائغ القانوني إلى استخدام كلمة أو عبارة فنية يقتضيها السياق. و هنا ليس هناك حرج على الإطلاق في اللجوء إلى أسلوب الملاحظات الهامشية لشرح معنى المصطلح الفني حتى لا يجد القارئ و خصوصا المتخصص صعوبة في فهمه. ففي هذا الإطار تتكلم المادة 175 من دستور 1996 بشكل أساسي أنه عندما يعرض مشروع التعديل الدستوري، إذا رفضه الشعب اعتبر لاغيا أما الفقرة الثانية من هذه المادة غير المقبولة فتنص على عدم إمكانية عرض هذا المشروع على الشعب خلال الفترة التشريعية. الإشكال يطرح، هذه الوثيقة عرضت على الشعب و رفضها فكيف يمكن القول أنه في الفترة التشريعية الأخرى يعرض على الشعب. لو كانت المسألة عرضت على البرلمان و رفضها البرلمان في ظل تشكيلة معينة و حل محله برلمان جديد لقبلت الفكرة على أساس أن البرلمان الأول رافض، يمكن أن يقبلها البرلمان الثاني، لكن أن تعرض على الشعب مرة ثانية في فترة تشريعية أخرى و هو أمر غير مقبول منطقيا. لأن الشعب عندما رفض هذه الوثيقة من غير المعقول عرضها من جديد، حتى السلطة تكون غير شرعية. ثانيا: استخدام الكلمات و العبارات الملموسة بدلا من المجردة يقول "فاولر": "إن الكاتب يستخدم كلمات مجردة لأن أفكاره مشوشة، و يؤدي تعود الكاتب استخدام الكلمات المجردة إلى زيادة تشوش أفكاره و قد ينتهي به الأمر بإخفاء المعنى الذي يقصده ليس فحسب عن قرائه و إنما أيضا عن نفسه". ثالثا: استخدام الكلمات المفردة بدلا من العبارات الزوجية و الثلاثية تستخدم أحيانا في الوثائق القانونية عبارات من كلمتين أو أكثر بدلا من كلمة واحدة، و من أمثلة ذلك "في حالة ما إذا"، في حين أنه يمكن تماما الاكتفاء بأداة الشرط "إذ" لتفي بالغرض، و عبارة "كما يمكن أن". و مثال ذلك ما نصت عليه المادة 84 من دستور 1996، الفقرة الثانية و الثالثة منها، حيث جاء فيها: ".....يمكن أن تختتم هذه المناقشة بلائحة، كما يمكن أن يترتب على هذه المناقشة........". و كان بالإمكان تفادي هذه العبارات أو حذفها. و ينطبق نفس الكلام أيضا على استخدام العبارات الزوجية و الثلاثية بدلا من استخدام كلمات مفردة و مثال ذلك عبارة "غير أنه إذا" حيث نصت المادة 126 من دستور 1996 الفقرة الثانية على ما يلي: "غير أنه إذا أخطرت سلطة من السلطات المنصوص عليها في المادة 166...". و كان بالإمكان الاكتفاء بأداة الشرط "إذا" لتفي بالغرض. رابعا: تجنب استخدام الكلمات و العبارات القديمة تحظى الكلمات و العبارات القديمة بسحر خاص يجذب إليها أغلب الصائغين القانونيين. و يقصد بالكلمات و العبارات القديمة تلك الكلمات و العبارات التي توقف استخدامها في اللغة العادية. خامسا: تجنب استخدام الكلمات و العبارات غير الضرورية يستخدم الصائغون القانونيون، في بعض الأحيان كلمات غير ضرورية، أما بسبب انجذابهم لاستخدام الكلمات المهجورة أو لرغبتهم في استخدام لغة خاصة بهم تميزهم عن غيرهم و من أمثلة الكلمات و العبارات التي تستخدم في اللغة القانونية بدون داع ما يلي: استخدام كلمة المذكور و ضمائر الإشارة "هذا" و "ذلك" و ما يناظرها. فهذه الكلمات قد تضفي على الوثيقة شكلا رنانا إلا أنها لا تساعد في توضيح النص. ال |
||||
![]() |
رقم المشاركة : 72 | |||
|
![]() فرع الثالث: علامات الترقيم |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 73 | |||
|
![]() ثانيا - الحقوق المعدلة : |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 74 | |||
|
![]() القانون الدستوري |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 75 | |||
|
![]() مركزية الإدارة و اللامركزية السياسية: إذا كانت اللامركزية الإدارية تعني في مجملها توزيع الوظائف الإدارية بين السلطة المركزية الموجودة في العاصمة والهيئات الأخرى المحلية أو المرفقية فان مفهوم التوزيع يبقى في دائرة مباشرو الوظيفة الإدارية , فهو نظام إداري لا يتعلق بنظام الحكم السياسي أو شكل الدولة , فكما يمكن إعماله في الدولة الاتحادية يمكن إعماله في الدولة البسيطة الموحدة . |
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
لمراجعة, مجستار, الدستوري, العامة, والأدارة |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc