السؤال :
أنا مقيم في دولة أجنبية ولدي مطعم صغير ، وأرى بعض المسلمين غير الصائمين - وهم كثيرون - يريدون أن يأكلوا عندي في مطعمي في وقت الظهيرة
فما هو حكم بيع الطعام لهؤلاء المفطرين
وكذلك بيعه لغير المسلمين ؟.
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
سبق في كثير من الأجوبة بالموقع التحذير من الإقامة في دول الكفر ، لما في ذلك من خطورة على دين الرجل وأسرته أيضا ، فلا يستطيع الرجل أن يربي أولاده التربية الإسلامية التي يرجوها ، وليس العمل عذراً للمسلم في إقامة في تلك الدول .
دلت الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم الإقامة في بلاد الكفار على من لم يستطع إظهار دينه
وقدر على الهجرة منها إلى بلاد الإسلام.
قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً )
النساء / 97 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ ) .
رواه أبو داود (2645) .
وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
قال الحافظ ابن حجر عن قوله صلى الله عليه وسلم :
( أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ ) قال :
وَهَذَا مَحْمُول عَلَى مَنْ لَمْ يَأْمَن عَلَى دِينه اهـ .
"فتح الباري" شرح حديث رقم (2825) .
وهذه بعض أقوال أهل العلم في المسألة :
قال زكريا الأنصاري الشافعي في
كتابه "أسنى المطالب" (4/207) :
تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الإِسْلامِ عَلَى
مُسْتَطِيعٍ لَهَا إنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ اهـ .
وقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ المالكي :
الْهِجْرَةُ هِيَ الْخُرُوجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الإِسْلامِ , وَكَانَتْ فَرْضًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَمَرَّتْ بَعْدَهُ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ اهـ .
من "نيل الأوطار" (8/33) للشوكاني .
وفي "الموسوعة الفقهية" (20/206) :
دَارُ الْحَرْبِ :
هِيَ كُلُّ بُقْعَةٍ تَكُونُ أَحْكَامُ الْكُفْرِ فِيهَا ظَاهِرَةً .
(من) الأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِدَارِ الْحَرْبِ :
الْهِجْرَةُ.
قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ النَّاسَ فِي شَأْنِ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ
الْحَرْبِ إلَى ثَلاثَةِ أَضْرُبٍ :
أ - مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ , وَهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا , وَلا يُمْكِنُهُ إظْهَارُ دِينِهِ مَعَ الْمُقَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ , وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى لا تَجِدُ مَحْرَمًا , إنْ كَانَتْ تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا فِي الطَّرِيقِ , أَوْ كَانَ خَوْفُ الطَّرِيقِ أَقَلَّ مِنْ خَوْفِ الْمُقَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ . . .
ب - مَنْ لا هِجْرَةَ عَلَيْهِ : وَهُوَ مَنْ يَعْجِزُ عَنْهَا , إمَّا لِمَرَضٍ , أَوْ إكْرَاهٍ عَلَى الإِقَامَةِ فِي دَارِ الْكُفْرِ , أَوْ ضَعْفٍ كَالنِّسَاءِ , وَالْوِلْدَانِ .
لقوله تعالى : ( إلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا ) .
ج - مَنْ تُسْتَحَبُّ لَهُ الْهِجْرَةُ , وَلا تَجِبُ عَلَيْهِ , وَهُوَ : مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْهِجْرَةِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ إظْهَارِ دِينِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ , فَهَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْهِجْرَةُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْجِهَادِ , وَتَكْثِيرِ الْمُسْلِمِينَ اهـ .
باختصار
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين .