الإيمان بالله - الصفحة 5 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة

قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الإيمان بالله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-03-31, 16:41   رقم المشاركة : 61
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

هل الدعاء بقولهم " اللهم أرنا فيهم يومًا أسودًا " يعتبر من سب الدهر ؟ وجزاكم الله خيرًا .


الجواب :

الحمد لله

أولا :

هذا الدعاء غير مأثور ، ولم نقف عليه في شيء من كتب السنة .

ثانيا :

لا حرج في الدعاء بهذه الكلمات ، ولا يعد ذلك من سب الدهر ؛ لأن المراد وصف اليوم بالشدة والكرب ، فهو كقول لوط عليه السلام : ( هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ) هود/77 ، وكقوله تعالى : ( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ) القمر/19 ، وقوله : ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ) فصلت/16

ونحو هذا مما فيه وصف أو إخبار عن الشدة والقسوة ، ولا يراد به سب اليوم أو ذمه ، ففرق بين الإخبار المجرد ، وبين إراد الذم والسب والتنقص .

ثم إن وصف اليوم بأنه أسود ، لا يراد به العموم ؛ بل المراد به أنه أسود عليهم ، أو أسود بالنسبة لهم ؛ لما ينالهم فيه ـ بحول الله وطوله ـ من العذاب والنكال .

قال ابن القيم رحمه الله :

" فلا ريب أن الأيام التي أوقع الله سبحانه فيها العقوبة بأعدائه وأعداء رسله كانت أياما نحسات عليهم ، لأن النحس أصابهم فيها ؛ وإن كانت أيام خير لأوليائه المؤمنين ؛ فهي نحس على المكذبين ، سعد للمؤمنين ؛ وهذا كيوم القيامة فإنه عسير على الكافرين يوم نحس لهم ، يسير على المؤمنين يوم سعد لهم .

قال مجاهد : ( أيام نحسات ) : مشائيم ... ؛ فسعود الأيام ونحوسها إنما هو بسعود الأعمال وموافقتها لمرضاة الرب ، ونحوس الأعمال مخالفتها لما جاءت به الرسل ، واليوم الواحد يكون يوم سعد لطائفة ، ونحس لطائفه ، كما كان يوم بدر يوم سعد للمؤمنين ، ويوم نحس على الكافرين " انتهى . "مفتاح دار السعادة" (2/194) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

الأول : أن يقصد الخبر المحض دون اللوم ، فهذا جائز ، مثل أن يقول : تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده ، وما أشبه ذلك ؛ لأن الأعمال بالنيات ، ومثل هذا اللفظ صالح لمجرد الخبر ، ومنه قول لوط عليه الصلاة والسلام : ( هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ) هود/77 .

الثاني : أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل ، كأن يعتقد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلب الأمور إلى الخير والشر ؛ فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقا ؛ لأنه نسب الحوادث إلى غير الله ، وكل من اعتقد أن مع الله خالقا فهو كافر ، كما أن من اعتقد أن مع الله إلها يستحق أن يعبد فإنه كافر .

الثالث : أن يسب الدهر لا لاعتقاد أنه هو الفاعل ، بل يعتقد أن الله هو الفاعل ، لكن يسبه لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده ؛ فهذا محرم ، ولا يصل إلى درجة الشرك ، وهو من السفه في العقل والضلال في الدين ؛ لأن حقيقة سبه تعود إلى الله سبحانه ؛ لأن الله تعالى هو الذي يصرف الدهر ويكون فيه ما أراد من خير أو شر ، فليس الدهر فاعلا ، وليس هذا السبب يكفر ؛ لأنه لم يسب الله تعالى مباشرة "

انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (10/ 823).

والله أعلم .








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-03-31, 16:43   رقم المشاركة : 62
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

أنا غير مسلمة ولكني أود أن أعرف ماذا يقول الإسلام عن : لماذا خلق الله الإنسان ؟

هل هناك سبب معين ؟

ما معنى الوجود ؟

هل فقط لطاعة الله ؟


الجواب :


الحمد لله

نحن نعتقد أن الله هو خالق البشر ، وأنه الذي تفرّد بخلق جميع المخلوقات كلها من الدواب والطيور ، والحشرات والأسماك وغيرها من إنس أو جن ، ونعتقد أنه ما خلقهم عبثا ، فقد قال تعالى في القرآن : (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق) الأنبياء / 16

وأنه فَضَّل الإنسان على سائر المخلوقات فأعطاه العقل والسمع والبصر والفؤاد ، وأنطق منه اللسان ، وفَضَّله على غيره من المخلوقات ، فقال تعالى في كتابه : (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) الإسراء / 70 . فالإنسان ميّزه الله عن الخلق

فلما أعطاه العقل والقلب كلّفه أن يعبده ، والإنسان يعلم مَنْ خلقه ، فأمره الله أن يعبده وهو ربه ومالكه ، والمالك له حق على المملوكين ، فالله خلق الخلق من البشر لعبادته ، ولذلك قال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات / 56 ، وأنكر عليهم أن يكونوا خُلِقوا كما خُلِقت البهائم ، فقال تعالى : ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) المؤمنون / 115 ، فهذا ظن سوء . وقال تعالى : ( أيحسب الإنسان أن يترك سُدى ) القيامة /36 أي مهملا ، لا يؤمر ولا ينهى ، ولا يكلف .

فلما ميّز الله البشر عن غيره من المخلوقات كان من حكمة ذلك أن أمره بالعبادة ، ونهاه عن المحرمات ، ووعده على الطاعة بالجنة ، وأخبره أنه سوف يعيده بعد موته ، وسيلقى جزاءه كاملا ، فمن صدّق بذلك كان من الأتقياء المؤمنين ، ومن كذّب بذلك فقد عصى الله تعالى وتعرّض للعقاب في عاجل أمره وآجله ، ولا يضرّ إلا نفسه .

والله أعلم


سماحة الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-31, 16:44   رقم المشاركة : 63
معلومات العضو
*جزائرية وافتخر*
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية *جزائرية وافتخر*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ابدعت فوق سماء التفنن نتمنى من الله يفقك










رد مع اقتباس
قديم 2018-03-31, 16:45   رقم المشاركة : 64
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

ما هو رأي الإسلام في حرية الكلام وحرية الرأي ؟


الجواب :

الحمد لله


أولاً :

معرفة الحكمة من وجود الإنسان فيه الجواب على هذا السؤال , فإنَّ مَن علم المقصد من خلقه ووجوده : يعلم أنَّ فعله ، وكلامه ، ورأيه ، منضبط بما أراده الله ، ورضيه , وأما الماديون ، ودعاة التفسخ والانحلال : فينطلقون من مبدأ : قل ما تشاء ، وافعل ما تشاء ، واعبد ما تشاء .

فالحكمة من خلق الإنسان ووجوده على الأرض : أن يعبد الله وحده لا شريك له ، وأن يستسلم لأوامر الله تعالى ، كما قال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ . إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات/ 56 – 58 ، وقال تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) المؤمنون/ 115،116 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

أي : (أَفَحَسِبْتُمْ) أيها الخلق ، (أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا) أي : سدى ، وباطلا ، تأكلون ، وتشربون ، وتمرحون ، وتتمتعون بلذات الدنيا ، ونترككم لا نأمركم ، ولا ننهاكم ، ولا نثيبكم ، ولا نعاقبكم ؟ ولهذا قال : ( وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ) لا يخطر هذا ببالكم ، (فَتَعَالَى اللَّهُ) أي : تعاظم وارتفع عن هذا الظن الباطل ، الذي يرجع إلى القدح في حكمته (الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)

" تفسير السعدي " ( ص 560 ) .

فمن علم أنه عبد لله : فلا بد أن يتقيد بما أمر الله به ، وينتهي عما نهى الله عنه , وهذا ينافي دعوة حرية الكلام ، والرأي ، والأفعال , فالله لا يرضى من العبد التكلم بكلمة الكفر , أو أن يتكلم بالفسق ، والفجور , أو أن يدعو إليها , وأما دعاة الحرية : فالأمر سيان عندهم ، تكلم بما شئت ، واعمل ما شئت , في حق الله ، وفي حق الدين .

ثانياً:

لا شك أن الإسلام عظَّم خطورة الكلمة التي يتكلم بها المرء , قال تعالى : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/ 18 .

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ ) رواه البخاري ( 6113 ) .

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – أيضاً - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ) رواه البخاري ( 5672 ) ومسلم ( 47 ) .

قال النووي رحمه الله :

وقد ندب الشرع إلى الإمساك عن كثير من المباحات ؛ لئلا ينجر صاحبها إلى المحرمات ، أو المكروهات , وقد أخذ الإمام الشافعي رضي الله عنه معنى الحديث فقال : " إذا أراد أن يتكلم : فليفكر , فإن ظهر له أنه لا ضرر عليه : تكلم , وإن ظهر له فيه ضرر ، أوشك فيه : أمسك " .

" شرح مسلم " ( 2 / 19 ) .

ثالثاً:

إن حرية الكلام ليست مطلقة ـ حتى عند دعاتها ـ بل مقيدة بأمور ، منها :

1. القانون .

ومن العجب أن ترى اجتماع دول الغرب على تجريم من يشكك في محرقة اليهود ، بل يحاكمون من يثبتها لكن يشكك في أرقام قتلاها ! دون أن يسمحوا لأهل التاريخ ، ولأهل الفكر ، أن يبحثوا القضية ، ويتم مناقشتها وفق الأدلة والبراهين ، ولا يزال بعض الكتَّاب والمفكرين قابعين في سجون تلك البلدان بسبب موقفهم من ثبوت المحرقة ، أو موقفهم من المبالغة في عدد قتلاها من اليهود .

ومنها : العرف ، والذوق العام ، والاصطدام بحرية الآخرين .

فإن كنا قد اتفقنا على تقيد حرية الكلام والتعبير عن الرأي ، فليكن الحكم في ذلك ، لحكم الله ، الذي هو أعدل الأحكام وأحسنها ، ولا يكون الحكم لقانون من وضع البشر ، يعتيريه ما يعتري غيره من أنظمة البشر من الهوى والظلم والجهل .

وإنه لتناقض عند هؤلاء أن يكون القانون يُلجم أفواههم عن الكلام عن محرقة اليهود ، وأخبار جنودهم القتلى في أرض المسلمين – بينما يستنكرون علينا أن نمنع من يسب الله أو رسوله أو دينه أو يقذف المحصنات المؤمنات أو غير ذلك مما حرم الله النطق به ؛ لما يترتب عليه من مفاسد ومضار .

إن المسلم مطلوب منه أن لا يسكت على الخطأ والزلل ، وعليه واجب التذكير والنصيحة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر , وهذا منافٍ لدعوة حرية الكلام , فمن تكلم بكلام محرم ، فالواجب منعه من هذا الكلام ، ونهيه عن هذا المنكر .

والإسلام لا يمنع الناس من التعبير عن آرائهم فيما يجري حولهم في السياسة والاقتصاد ، والمسائل الاجتماعية ، ولا يمنع من الكلام في نقد الأخطاء ، ونصح المخطئين ، وكل ذلك ينبغي أن يكون مقيَّداً بشروط الشرع ، وآدابه ، فلا تهييج للعامة ، ولا دعوة للفوضى ، ولا اتهام للأبرياء ، ولا قذف للأعراض ، وغير ذلك مما هو معروف من أحكام الشرع التي تضبط هذه المسائل .

وقد وجدنا أن أكثر أصحاب دعاوى حرية الكلام ، والرأي : مقصدهم من ذلك : حرية التطاول على الدِّين الإسلامي ، وشرائعه , فيصلون إلى مقصدهم من خلال ـ حرية الرأي ـ .

فتطاولوا على حكم الله بدعوى حرية الكلام , وطعنوا في القرآن والسنَّة بدعوى حرية الكلام , ودعوا إلى الزنا والفجور والخنا بدعوى حرية الكلام .

وقد تبع هؤلاء بعض المنافقين في بلاد الإسلام ، الذين يطعنون في أحكام الشريعة الإسلامية ، ويطعنون في القرآن وفي السنة النبوية الصحيحة .

والواجب على حكام المسلمين الأخذ على أيدي هؤلاء ، ومنعهم من هذا المنكر ، حفاظاً على دين الأمة ، وقياماً بما أوجب الله عليهم من حماية الدين والدفاع عنه .

والحاصل : أننا ـ نحن المسلمين ـ ليس عندنا ما يسمى بـ "حرية الرأي" أو "حرية التعبير" وإنما عندنا الخضوع لحكم الله تعالى ، وعدم الخروج عن شرعه ، فمن تكلم بالحق وجب أن يعان ، ومن تكلم بالباطل وجب أن يمنع .

وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

هل يجوز أن يكون هناك ما يسمَّى بـ " حرية الرأي " ، أي : يُفتح المجال لأهل الخير ، وأهل الشر ، كلٌّ يدلي بدلوه في المجتمع ؟ .

فأجاب :

"هذا باطل ، لا أصل له في الإسلام ، بل يجب أن يُمنع الباطل ، ويُسمح للحق ، ولا يجوز أن يُسمح لأحد يدعو إلي الشيوعية ، أو الوثنية ، أو يدعو إلى الزنا ، أو القمار ، أو غير ذلك ، سواء بالأسلوب المباشر ، أم غير المباشر ، بل يُمنع ، ويؤدب ، بل إن هذه هي : " الإباحية المحرمة " انتهى.

" فتاوى إسلامية " ( 4 / 367 ، 368 ) .

والله أعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-31, 16:49   رقم المشاركة : 65
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

سمعت أن كلمة الديمقراطية مستقاة من الإسلام ، فهل هذا صحيح ؟ وما حكم الترويج للديمقراطية ؟


الجواب

الحمد لله


أولاً:

الديمقراطية ليست كلمة عربية ، بل هي مشتقة من اليونانية ، وهي مجموعة من كلمتين : الأولى : Demos ( ديموس ) ، وتعني : عامة الناس ، أو الشعب ، والثانية : Kratia ( كراتيا ) ، وتعني : حكم ، فيصبح معناها : حكم عامة الناس ، أو : حكم الشعب .

ثانياً:

الديمقراطية نظام مخالف للإسلام ؛ حيث يجعل سلطة التشريع للشعب ، أو من ينوب عنهم (كأعضاء البرلمان) ، وعليه : فيكون الحكم فيه لغير الله تعالى ، بل للشعب ، ونوابه ، والعبرة ليست بإجماعهم ، بل بالأكثرية ، ويصبح اتفاق

الأغلبية قوانين ملزمة للأمة ، ولو كانت مخالفة للفطرة ، والدين ، والعقل ، ففي هذه النظم تم تشريع الإجهاض ، وزواج المثليين ، والفوائد الربوية ، وإلغاء الأحكام الشرعية ، وإباحة الزنا وشرب الخمر ، بل بهذا النظام يحارب الإسلام ويحارب المتمسكين به .

وقد أخبر الله تعالى فيه كتابه أن الحكم له وحده ، وأنه أحكم الحاكمين ، ونهى أن يُشرك به أحد في حكمه ، وأخبر أن لا أحد أحسن منه حكماً .

قال الله تعالى : ( فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) غافر/12 ، وقال تعالى : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) يوسف/40 ، وقال تعالى : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) التين/8 ، وقال تعالى : ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ) الكهف/26 ،

وقال تعالى : ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/50 .

والله عز وجل هو خالق الخلق ، وهو يعلم ما يَصلح لهم وما يُصلحهم من أحكام ، والبشر يتفاوتون في العقول والأخلاق والعادات ، وهم يجهلون ما يصلح لهم فضلا أن يكونوا على علم بما يَصلح لغيرهم ، ولذا فإن المجتمعات التي حكمها الشعب في التشريعات والقوانين لم يُر فيها إلا الفساد ، وانحلال الأخلاق ، وتفسخ المجتمعات .

مع التنبيه على أن هذا النظام تحول في كثير من الدول إلى صورة لا حقيقة لها ، ومجرد شعارات يُخدع بها الناس ، وإنما الحاكم الفعلي هو رأس الدولة وأعدائه ، والشعب مقهور مغلوب على أمره .

ولا أدل على ذلك من أن هذه الديمقراطية إذا أتت بما لا يهواه الحكام داسوها بأقدامهم ، ووقائعُ تزوير الانتخابات وكبت الحريات وتكميم أفواه من يتكلمون بالحق : حقائقُ يعلمها الجميع ، لا تحتاج إلى استدلال .

وليس يصلح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

جاء في " موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة " ( 2 / 1066 ) :

"ديمقراطية نيابية :

أحد مظاهر النظم الديمقراطية التي يمارس فيها الشعب مظاهر السيادة بواسطة مجلس منتخب من نواب من الشعب ، وفيها يحتفظ الشعب بحق التدخل المباشر لممارسة بعض مظاهر السيادة عن طريق وسائل مختلفة ، أهمها :

1. حق الاقتراع الشعبي : بأن يقوم عدد من أفراد الشعب بوضع مشروع للقانون مجملاً أو مفصَّلاً ، ثم يناقشه المجلس النيابي ويصوِّت عليه .

2. حق الاستفتاء الشعبي : بأن يُعرض القانون بعد إقرار البرلمان له على الشعب ليقول كلمته فيه .

3. حق الاعتراض الشعبي : وهو حق لعدد من الناخبين يحدده الدستور للاعتراض في خلال مدة معينة من صدوره ، ويترتب على ذلك عرضه على الشعب في استفتاء عام ، فإن وافق عليه نُفِّذ… وإلا بطل ، وبه تأخذ معظم الدساتير المعاصرة .

ولا شك في أن النظم الديمقراطية أحد صور الشرك الحديثة في الطاعة والانقياد أو في التشريع ، حيث تُلغى سيادة الخالق سبحانه وتعالى وحقه في التشريع المطلق ، وتجعلها من حقوق المخلوقين ، والله تعالى يقول : ( مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) يوسف/40 ، ويقول تعالى : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ) الأنعام/57 " انتهى .

ثالثاً :

يظن كثير من الناس ، أن لفظ " الديمقراطية " يعني : الحرية ! وهذا ظن فاسد ، وإن كانت الحرية هي إحدى إفرازات " الديمقراطية " ، ونعني بالحرية هنا : حرية الاعتقاد ، وحرية التفسخ في الأخلاق ، وحرية إبداء الرأي ، وهذه أيضا لها مفاسد كثيرة على المجتمعات الإسلامية ، حتى وصل الأمر إلى الطعن في الرسل والرسالات ، وفي القرآن والصحابة ، بحجة " حرية الرأي " ، وسُمح بالتبرج والسفور ونشر الصور والأفلام الهابطة بحجة الحرية ، وهكذا في سلسلة طويلة ، كلها تساهم في إفساد الأمة ، خلقيّاً ، ودينيّاً.

وحتى تلك الحرية التي تنادي بها الدول من خلال نظام الديمقراطية ليست على إطلاقها ، فنرى الهوى والمصلحة في تقييد تلك الحريات ، ففي الوقت الذي تسمح نظمهم بالطعن في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، بحجة حرية الرأي : نجد منع هذه الحرية في مثل الكلام عن " محرقة النازيين لليهود " ! بل يتم تجريم وسجن من ينكر هذه المحرقة ، مع أنها قضية تاريخية قابلة للإنكار .

وإذا كان هؤلاء دعاة حرية : فلماذا لم يتركوا الشعوب الإسلامية تختار مصيرها ودينها ؟! ولماذا قاموا باستعمار بلدانهم وساهموا في تغيير دينهم ومعتقدهم ؟ وأين هذه الحريات من مذابح الإيطاليين للشعب الليبي ، ومن مذابح الفرنسيين للشعب الجزائري ، ومن مذابح البريطانيين للشعب المصري ، ومن مذابح الأمريكان للشعبين الأفغاني والعراقي ؟!
والحرية عند أدعيائها يمكن أن تصطدم بأشياء تقيدها ، ومنها :

1. القانون ، فليس للإنسان مطلق الحرية أن يسير في عكس اتجاه السير في الشارع ، ولا أن يفتح محلا من غير ترخيص ، ولو قال " أنا حر " لم يلتفت له أحد .

2. العرف ، فلا تستطيع امرأة عندهم – مثلاً – أن تذهب لبيت عزاء وهي تلبس ملابس البحر ! ولو قالت " أنا حرَّة " لاحتقرها الناس ، ولطردوها ؛ لأن هذا مخالف للعرف .

3. الذوق العام ، فلا يستطيع أحد منهم – مثلاً – أن يأكل ويخرج ريحاً أمام الناس ! بل ولا أن يتجشأ ! ويحتقره الناس ولو قال إنه حر .

ونقول بعد هذا :

لماذا لا يكون لديننا أن يقيِّد حرياتنا ، مثل ما قُيدت حرياتهم بأشياء لا يستطيعون إنكارها ؟! ولا شك أن ما جاء به الدين هو الذي فيه الخير والصلاح للناس ، فأن تمنع المرأة من التبرج ، وأن يمنع الناس من شرب الخمر ، وأكل الخنزير ، وغير ذلك : كله لهم فيه مصالح ، لأبدانهم ، وعقولهم ، وحياتهم ، ولكنهم يرفضون ما يقيِّد حرياتهم إن جاء الأمر من الدين ، ويقولون " سمعنا وأطعنا " إن جاءهم الأمر من بشرٍ مثلهم ، أو من قانون !

رابعاً :

ويظن بعض الناس أن لفظ " الديمقراطية " يعادل " الشورى " في الإسلام ! وهذا ظن فاسد من وجوه كثيرة ، منها :
1. أن الشورى تكون في الأمور المستحدثة ، أو النازلة ، وفي الشؤون التي لا يفصل فيها نص من القرآن أو السنَّة ، وأما " حكم الشعب " فهو يناقش قطعيات الدين ، فيرفض تحريم الحرام ، ويحرِّم ما أباحه الله أو أوجبه ، فالخمور أبيح بيعها بتلك القوانين ، والزنا والربا كذلك ، وضيِّق على المؤسسات الإسلامية وعلى عمل الدعاة إلى الله بتلك القوانين ، وهذا فيه مضادة للشريعة ، وأين هذا من الشورى ؟!

2. مجلس الشورى يتكون من أناسٍ على درجة من الفقه والعلم والفهم والوعي والأخلاق ، فلا يُشاور مفسد ولا أحمق ، فضلاً عن كافر أو ملحد ، وأما مجالس النيابة الديمقراطية : فإنه لا اعتبار لكل ما سبق ، فقد يتولى النيابة كافر ، أو مفسد ، أو أحمق ، وأين هذا من الشورى في الإسلام ؟! .

3. الشورى غير ملزمة للحاكم ، فقد يقدِّم الحاكم رأي واحدٍ من المجلس قويت حجته ، ورأى سداد رأيه على باقي رأي أهل المجلس ، بينما في الديمقراطية النيابية يصبح اتفاق الأغلبية قانوناً ملزماً للناس .

إذا عُلم هذا فالواجب على المسلمين الاعتزاز بدينهم ، والثقة بأحكام ربهم أنها تُصلح لهم دنياهم وأخراهم ، والتبرؤ من النظم التي تخالف شرع الله .

وعلى جميع المسلمين – حكَّاماً ومحكومين – أن يلتزموا بشرع الله تعالى في جميع شؤونهم ، ولا يحل لأحدٍ أن يتبنى نظاماً أو منهجاً غير الإسلام ، ومن مقتضى رضاهم بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً أن يلتزم المسلمون بالإسلام ظاهراً وباطناً ، وأن يعظموا شرع الله ، وأن يتبعوا سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم .
نسأل الله أن يعزنا بالإسلام ، وأن يرد كيد الخائنين .

والله أعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-31, 16:51   رقم المشاركة : 66
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

أعرف أن هناك كلاماً نمسك عن الخوض فيه كحديث النبي صلى الله عليه وسلم فما هي أنواع الحديث التي نمسك عنها ؟.


الجواب


الحمد لله

ينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه ، فلا يتكلم إلا بخير .

روى البخاري (6018) ومسلم (47) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ . . . الحديث .

قال النووي رحمه الله :

مَعْنَاهُ : أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم فَإِنْ كَانَ مَا يَتَكَلَّم بِهِ خَيْرًا مُحَقَّقًا يُثَاب عَلَيْهِ , وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا فَلْيَتَكَلَّمْ . وَإِنْ لَمْ يَظْهَر لَهُ أَنَّهُ خَيْر يُثَاب عَلَيْهِ , فَلْيُمْسِك عَنْ الْكَلَام سَوَاء ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ حَرَام أَوْ مَكْرُوه أَوْ مُبَاح مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ. فَعَلَى هَذَا يَكُون الْكَلَام الْمُبَاح مَأْمُورًا بِتَرْكِهِ مَنْدُوبًا إِلَى الإِمْسَاك عَنْهُ مَخَافَةً مِنْ اِنْجِرَاره إِلَى الْمُحَرَّم أَوْ الْمَكْرُوه .

وَهَذَا يَقَع فِي الْعَادَة كَثِيرًا أَوْ غَالِبًا . وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) . . . وَقَدْ أَخَذَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَعْنَى الْحَدِيث فَقَالَ : إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّم فَلْيُفَكِّرْ ; فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لا ضَرَر عَلَيْهِ تَكَلَّمَ , إِنْ ظَهَرَ لَهُ فِيهِ ضَرَر , أَوْ شَكَّ فِيهِ أَمْسَكَ اهـ .

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ اللسان في أكثر من حديث ، منها ما رواه الترمذي (2406) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ : أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ . صححه الألباني في صحيح الترغيب (3331) .

وروى الترمذي (2616) قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بعد ما علمه بعض شرائع الإسلام :

أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ : بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ . فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وقَالَ : كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا . فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ! فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟

صححه الألباني في صحيح الترمذي (2110) .

وجاء في الحديث الأمر بالإمساك عن الخوض في أشياء معينة ؛ لأن ذلك مما لا يفيد الإنسان شيئاً بل يضره ضرراً عظيماً في دينه ودنياه .

عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا ، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا ) . رواه الطبراني في "الكبير" (2 / 96) . والحديث : صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" ( 34 ) .

وهذا الحديث دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بسوء وأنه يجب عليه أن يسكت عما وقع بينهم من خلاف ؛ لأن ذكرهم بسوء وجرحهم يتضمن تكذيب الله تعالى في القرءان الذي زكاهم وأثنى عليهم بقوله: ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم) التوبة/ 100.

وقال سبحانه : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركَّعا سجَّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) الفتح/ 29.

فهذا وصف الله لهم في كتابه فلله درهم ما أعدلهم وما أحسنهم وأعظمهم فلا يبغضهم إلا منافق ولا يحبهم إلا مؤمن .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

ومن أصول أهل السنة والجماعة : سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله كما وصفهم الله بذلك في قوله : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) الحشر / 10 ، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه " – متفق عليه - .

" مجموع الفتاوى " ( 3 / 152 ) .

وقال أبو زرعة رحمه الله :

إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من الصحابة فاعلم أنَّه زنديق ، وذلك لأن القرءان حق ، والرسول حق ، وما جاء به حق ، وما أدى إلينا ذلك كله إلا الصحابة فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة فيكون الجرح به أليق والحكم عليه بالزندقة والضلال أقوم وأحق .

" الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة " ( 2 / 608 ) .

وأما الشق الثاني من الحديث وهو : الإمساك عن الكلام في النجوم ، فالمقصود به والله أعلم هو : الاهتداء بها على أشياء مغيبات كما كان يفعله أهل الجاهلية الكهنة عن طريق التنجيم وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية كأوقات هبوب الريح أو مجيء المطر وتغير الأسعار وغير ذلك من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها ويقولون من تزوج بنجم كذا وكذا حصل له كذا وكذا ومن سافر بنجم كذا حصل له كذا ومن ولد نجم كذا وكذا حصل له كذا من السعود والنحوس .

وانظر " كتاب التوحيد " للشيخ صالح الفوزان ، باب ادعاء علم الغيب في قراءة الكف والفنجان وغيرهما .

وانظر " فتاوى العقيدة " ( 2 / 185-186-187-190) للشيخ ابن عثيمين حفظه الله فله كلام نفيس جدّاً .

وأما الشق الثالث : وهو الإمساك عن الكلام في القدر فقد قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى :

وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه ، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان ، وسلم الحرمان ، ودرجة الطغيان ، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسةً ، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ، ونهاهم عن مرامه ، كما قال تعالى في كتابه : ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) الأنبياء/23 . فمن سأل لِمَ فعل ؟ فقد رد حكم الكتاب ، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين .

شرح العقيدة الطحاوية ص 276 .

فعلى العبد المسلم أن يسلم لله في كل أموره ، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. والكلام في هذا الباب طويل ، ورحم الله امرءاً آمن بقضاء الله وقدره من غير خوض ولا فلسفة .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-31, 16:54   رقم المشاركة : 67
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

حصل نقاش حول مسألة التوكل والأخذ بالأسباب ، وتوكل بعض الصالحين كتوكل مريم والتي تأتيها فاكهة الصيف في الشتاء والعكس ، ولم تتخذ الأسباب بل انقطعت للعبادة . فأيدونا في ذلك بارك الله فيكم .


الجواب :

الحمد لله

"التوكل يجمع الأمرين ، فالتوكل يجمع شيئين :

أحدهما : الاعتماد على الله ، والإيمان بأنه مسبب الأسباب ، وأن قَدَره نافذ ، وأنه قَدَّر الأمور وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى .

الشيء الثاني : تعاطي الأسباب ، فليس من التوكل تعطيل الأسباب ، بل من التوكل الأخذ بالأسباب ، والعمل بالأسباب ، ومن عَطَّلها فقد خالف شرع الله وقَدَرَه ، فالله أمر بالأسباب وحث عليها سبحانه وتعالى ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك .

فلا يجوز للمؤمن أن يعطل الأسباب ، بل لا يكون متوكلاً على الحقيقة إلا بتعاطي الأسباب ، ولهذا شُرِعَ النكاح لحصول الولد ، وأمر بالجماع ، فلو قال أحد من الناس : أنا لا أتزوج وأنتظر ولداً من دون زواج ، لعُد من المجانين ، فليس هذا أمر العقلاء ، وكذلك لا يجلس في البيت أو في المسجد يتحرى الصدقات ويتحرى الأرزاق تأتيه ، بل يجب عليه أن يسعى ويعمل ويجتهد في طلب الرزق الحلال .

ومريم رحمة الله عليها لم تدع الأسباب ؛ فقد قال الله لها : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) مريم/25 ، هزت النخلة وتعاطت الأسباب حتى وقع الرطب ، فليس من عملها ترك الأسباب ، ووجود الرزق عندها وكون الله أكرمها وأتاح لها بعض الأرزاق وأكرمها ببعض الأرزاق لا يدل على أنها معطلة الأسباب ، بل هي تتعبد وتأخذ بالأسباب وتعمل بالأسباب .

وإذا ساق الله لبعض أوليائه من أهل الإيمان شيئاً من الكرامات فهذا من فضله سبحانه وتعالى ، لكن لا يدل على تعطيل الأسباب ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ) رواه مسلم (2664) ، وقال الله سبحانه : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة/5" انتهى .

سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله

"فتاوى نور على الدرب" (1/364) .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-04-03, 15:51   رقم المشاركة : 68
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته




السؤال :


إن كان لدى المسلم شكوك حول الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم فيطلب أن يطمئن قلبه لشكوكه التي تساوره فيسأل عن مدى صحة معجزة ما جرت على يد النبي صلى الله عليه وسلم فهل يضعه هذا خارج حظيرة الإسلام؟ وهل يغفر الله مثل تلك الذنوب؟


الجواب :


الحمد لله


على المسلم أن يحمد الله تعالى ويشكره على نعمة الإسلام والهداية ، فإنها أعظم النعم ، كما قال تعالى : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأنعام/122 ، وقال سبحانه : ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) الزمر/22 ، وقال : ( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ) النور/21 .

ولو نظر هذا المسلم فيما حوله ، وتأمل ما عليه أهل الشرك والوثنية من نصارى وغيرهم لأدرك عظيم فضل الله عليه .

ومع ذلك فقد يعتري المسلم بعض الشكوك ؛ لقلة علمه أو لضعف إيمانه ، أو لوجود من يشككه ، فيلزمه حينئذ أن يرفع الشك عنه بسؤال أهل العلم ، والتدبر في كلام الله تعالى وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم ، والنظر في السيرة والآيات والمعجزات ، فإن ذلك مما يزيد الإيمان ويوصل إلى طمأنينة القلب وانشراح الصدر .

ولا حرج أن يسأل عن المعجزة وعن صحتها ليزداد يقينا وثباتا ، ولا يعد سؤاله هذا خروجا عن الإسلام ، لكن ليحذر من التمادي في الشك أو الانقطاع عن العمل كأن يترك الصلاة عياذا بالله ، فإن ترك الصلاة كفر على الراجح من قولي العلماء .

وليعلم المسلم أنه مهما أذنب من ذنب ثم تاب واستغفر فإن الله تعالى يغفر له مهما كان ذنبه ، وقد تاب الله تعالى على أناس عاشوا دهرهم في الكفر والشرك والصد عن سبيل الله ، ثم صاروا أئمة للهدى ومصابيح للدجى ومنارات على طريق الحق والاستقامة ، وقد قال تعالى : ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) التوبة/104 ، وقال : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) الشورى/25 .

فمهما عظم الذنب ، فإن رحمة الله وعفوه وكرمه أعظم .

وقد أحسن من قال :

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة *** فلقد علمت بأن عفوك أعظمُ

إن كان لا يرجوك إلا محسن *** فمن الذي يدعو ويرجو المجرمُ

ونصيحتنا لمن ابتلي بشيء من الشكوك أن يقبل على كتاب الله تعالى فإنه الدواء والشفاء ، كما قال سبحانه : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ) الإسراء/82 .

ولينطرح بين يدي الله ، يدعوه ويرجوه أن يزيل همه ، ويفرج كربه ، وينوّر قلبه ، ويُذهب عنه كيد الشيطان .

وإن كان شكه مبنيا على شبهة معينة فليسأل عنها أهل العلم ، فإن دين الإسلام من العظمة والقوة بحيث لا يقف في وجهه شبهة ، ولا تقاومه حجة .

وإن كان ما يأتيه نوع من الوسوسة التي لا تقوم على شبهة معينة ، فإن علاجها بالذكر والطاعة والاستعاذة والتشاغل والتغافل عنها

نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-04-03, 15:58   رقم المشاركة : 69
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

لماذا تقولون إن محمداً هو خير خلق الله - والذي لا أظن ذلك - ؛ لأن خير خلق الله يجب أن لا يكون له ذنوب ، وهذا يخالف محمَّداً ؛ لأنه كثير الذنوب . خير خلق الله هو الذي ليس للشيطان عليه سلطان ، وهو المسيح ، وأنتم تعرفون والقرآن يقر بذلك . وكذلك خير خلق الله لا يلقي الشيطان على لسانه آيات دون أن يعلم ,

وكذلك خير خلق الله لا يخالف أمراً من الله ، وخير خلق الله لا يمكن أن يجري عليه سحرٌ ، وكيف يكون أَبَوَا خير خلق الله مشركين ، وماتا مشركين ؟ وأيضاً فإن خير خلق الله لا ينشر دينه بالسيف ، أو بالمال يبيعه . إنكم تبالغون كثيراً ، إن أردتم أورد لكم الآيات التي تثبت صحة كلامي .


الجواب:

الحمد لله

أولاً:

قد قرأنا ما كتبت بحروفه كلها ، وأعدنا القراءة مرة وأخرى ، فمن حقنا عليك أن تقرأ لنا ما ندافع به عن ديننا ، وعن نبينا محمد - صلى الله عليه وعلى أخيه عيسى وسلم - ، ومن حقنا عليك أن تتأمل كلامنا كما تأملْنا كلامك ، أليس كذلك ؟ .

ثانياً:

من الجيد أن تكون خاتمة رسالتك فيها إقرار بأن " عيسى " عليه السلام خير خلق الله تعالى ، والإقرار بأنه مخلوق ينفي عنه الألوهية ، وأنه إله رب ؛ لأنك أقررتَ أنه مخلوق مربوب ، ولن يجتمع في ذات أنها خالق ومخلوق ، ورب ومربوب ، أو " لاهوت وناسوت " ، ولعلك باعتقادك هذا تعتقد أيضاً بطلان العقيدة التي تثبت لهذا المخلوق أنه إله ، أليس كذلك ؟ .

إن المسيح الذي تتكلم عنه في سؤالك ، ليس هو المسيح الذي تؤمنون به معشر النصارى ، فعن أيهما تريد أن تتحدث ، وأن يدور حوارنا : عبد الله عيسى ابن مريم ، المخلوق ؛ أو الابن الذي اتخذتموه إلها؟!

ثالثاً:

لسنا في صدد المقارنة بين عيسى ومحمد عليهما السلام ، فنحن في شرعنا قد نهينا عن المفاضلة بين الأنبياء ، وبخاصة تلك المفاضلة التي فيها إنقاص لقدر الطرف الآخر ، وهو ما فعلته أنتَ ، فلم تستطع إثبات خيرية عيسى عليه السلام على خلق الله تعالى إلا بالطعن بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم

وهذا أمرٌ مرفوض في شرعنا لو كان الطرف الآخر أقل منزلة ، وأما مع الطعن بأحد الأنبياء فإن من يفعل ذلك يكفر ويخرج من ملة الإسلام ، فديننا المطهَّر يحفظ كرامة الأنبياء والرسل ، ويُعلي شأنهم ، والإيمان بهم جميعاً ركن من أركان الإيمان ، ولا يكون مسلماً من لم يؤمن ولو بنبي واحد ، وليس في شرعنا المطهَّر إلا ذِكر الأنبياء والرسل بخير ، فقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم " القرآن " عبادتهم

وأثنى عليها ، وذكر دعاءهم ، وخشيتهم ، ودعوتهم لأقوامهم ، وأمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ، وليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يسيء لأحدٍ منهم ، بل فيهما وجوب تعظيم قدرهم ، وإعلاء شأنهم .

رابعاً:

بحث المفاضلة بين عيسى ومحمد عليهما السلام ليس هو مقصوداً عندنا في الدين ، ولا ينبغي أن يكون عندك كذلك ، والسبب : أننا أُمرنا باتباعه صلى الله عليه وسلم ، وقبل ذلك بالشهادة أنه رسول الله ، وهذا لا علاقة له بكونه خير خلق الله أو لا ، وليس هذا في ديننا فحسب ، بل كل قوم أرسل لهم رسول من قبَل ربهم تعالى فإنهم مأمورون بالإيمان به وباتباعه ولو لم يكن خير خلق الله

وهل من شرط النبي أن يكون خير خلق الله ؟! فماذا إذن يكون حال الأمم السابقة التي اجتمع في عصر واحدٍ مجموعة عظيمة من الأنبياء والرسل ؟! نحن لم نشهد لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة لأنه خير خلق الله ، ولا قال هو اتبعوني لأنني خير خلق الله ، بل نحن عرفنا ذلك من رفع الله تعالى لمقامه ، ومن إعلائه لشأنه ، وسنذكر ما يؤيد هذا بآية ، وحادثة ، وحديث :

1. أما الآية : فهي قول الله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) آل عمران/ 81 .

فهذا عهد وميثاق أخذه الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الأنبياء جميعاً أن يؤمنوا بمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأن ينصروه في دعوته .

2. وأما الحادثة : فهي صلاة نبينا صلى الله عليه وسلم بالأنبياء جميعاً إماماً ، وذلك في رحلته المسماة " الإسراء والمعراج " ، فقد صلَّى بهم جميعاً عليهم السلام في بيت المقدس .

وإن لم يدل هذا على فضله وخيريته فلا ندري أي شيء يمكن أن يدل على ذلك .

3. وأما الحديث : فهو ما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم مما يجري يَوْمَ القِيَامَةِ حين يتراجع الأَنْبِيَاء صلوات الله وسلامه عليهم كلهم عن الشفاعة للناس في الفصل بينهم ، فيعتذرون ، وكلهم يقول : نفسي ، نفسي ، فيتقدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للشفاعة العظمى ويقول: أنا لها ، أنا لها ، ثُمَّ يكرمه ربه تعالى ، ويقبل شفاعته في أهل المحشر ، وذلك هو المقام المحمود الذي لم يجعله الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لبشرٍ غيره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

فهذه بعض أدلة من ديننا على أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم على إخوانه الأنبياء عليهم السلام ، وليسوا ينكرون هم ذلك ، فها هو موسى عليه السلام يعترف بذلك في حديث صحيح عندنا ، وها هو عيسى عليه السلام يرفض أن يؤم بالمسلمين ، بل يرضى أن يكون مأموماً ؛ لأنه سيعمل بالعهد والميثاق الذي أخذهما الله تعالى عليه ، فعندما ينزل في آخر الزمان فإنه سيقتل الخنزير ، وسيكسر الصليب ، وسيصلي مأموماً وراء إمامٍ من أئمة المسلمين .

وقد ثبت في أصح الكتب عندنا – البخاري ومسلم – بيان هذه الأمور مجتمعة ، مع تعظيم قدر عيسى عليه السلام ، ومدى ارتباطه به صلى الله عليه وسلم ، فقف على هذا الحديث :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى ، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ ) رواه البخاري ومسلم .

ومعنى ( أولى الناس بعيسى ) : أي : أخصهم به ، وأقربهم إليه .

ومعنى ( إخوة لِعَلاَّت ) : أي : إخوة لأب من أمهات شتى .

معنى الحديث : أن أصل إيمان الأنبياء واحد ، وشرائعهم مختلفة .

فأنت بكلامك الوارد في سؤالك تظن أنه ثمة فجوة بين الأنبياء والمرسلين وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وليس هذا هو واقعهم عليهم السلام ، بل هم جميعاً إخوة ، جاءوا برسالة عقائدية واحدة ، وهي الدعوة لعبادة الله تعالى وحده ، وترك الإشراك به .

خامساً :

وأما قولك عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه " كثير الذنوب " : فهو قول يمكن أن يزعمه أي أحد في أي شخص ، ولو كنت تسلك الجادة العلمية لما قلتَ هذا القول ، ونحن ننزه الأنبياء والمرسلين الذين أرسلوا لغيرنا من الأمم أن يكونوا من أصحاب المعاصي والذنوب :

فكيف يكون حال أفضلهم وخيرهم ؟ وانظر للفرق العظيم بيننا وبينك ، ففي الوقت الذي تطعن فيه بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون بيِّنة : فإننا ننكر هذا أن يكون من أخلاق أحد من الأنبياء والرسل لغيرنا ، وهكذا علَّمنا ديننا : أن نحترم الأنبياء والمرسلين ، وأن نجلَّهم ، ونقدِّرهم .

ونحن لا نعجب منكم إذا طعنتم بنبينا وأسأتم له ؛ لأن شتم الأنبياء ديدنكم ، والطعن فيهم منهجكم ، وقد لبَّس عليكم اليهود دينَكم ، وحرَّفوه فتبعتموهم على عماية وضلالة ، وكل ما في التوراة من طعن في الأنبياء والمرسلين فأنتم تصدقونه ، وأضفتم إليه ما في كتبكم المحرَّفة من طعن في صفوة الناس :

1. جاء في إنجيل " متَّى " أن عيسى من نسل سليمان بن داود ، وأن جدهم فارض الذي هو من نسل الزنى من يهوذا بن يعقوب . إصحاح متى الأول ، عدد ( 10 ) .

2. وفي إنجيل " يوحنَّا " إصحاح ( 2 ) عدد ( 4 ) : أن يسوع أهان أمَّه في وسط جمع من الناس ! .

3. وفي إنجيل " يوحنا " ، إصحاح ( 10 ) عدد ( 8 ) : أن يسوع شهد بأن جميع الأنبياء الذين قاموا في بني إسرائيل هم سرَّاق ولصوص ! .

وجاء في التلمود - وهو مؤلَّف ضخم ، يعد مصدراً أساسيّاً من مصادر التشريع اليهودي ، ويعد في وقتنا الحالي المرجع الديني لليهود الأصوليين ، والمتشددين في إسرائيل ، والعالم أجمع ، وهو يتبوأ مكانة أسمى من مكانة التوراة - :

1. " إن تعاليم يسوع كفر , وتلميذه يعقوب كافر , وإن الأناجيل كتُب الكافرين " .

2. وجاء فيه - والعياذ بالله - :

" إن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين القار والنار ، وإن أمَّه مريم أتت به من العسكري " بانديرا " عن طريق الخطيئة ، وإن الكنائس النصرانية هي مقام القاذورات والواعظون فيها أشبه بالكلاب النابحة " .

3. وقال الحاخام " اباربانيل " :

" المسيحيون كافرون ؛ لأنهم يعتقدون أن الله له لحم ودم " .

4. وجاء في التلمود :

" كل الشعوب ماعدا اليهود : وثنيون , وتعاليم الحاخامات مطابقة لذلك " .

5. وجاء في موضع آخر من التلمود :

" إن المسيح كان ساحراً ووثنيّاً ، فينتج أن المسيحيين وثنيون أيضاً مثله " .

6. وجاء في التلمود - أيضاً - :

" النعيم مأوى أرواح اليهود ، ولا يدخل الجنة إلا اليهود ، أما الجحيم : فمأوى الكفار من المسيحيين ، والمسلمين ، ولا نصيب لهم فيها سوى البكاء ؛ لما فيها من الظلام والعفونة " .

فأين هذا الذي تدعيه كتبكم على أنبياء الله الكرام ، مما تدعيه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من كثرة الذنوب .

سابعاً:

وأما قولك " وكذلك خير خلق الله لا يلقي الشيطان على لسانه آيات دون أن يعلم " : فأنت تريد به " قصة الغرانيق " وملخصها :

أن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ : ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى . وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ) النجم/ 19 ، 20 ألقى الشيطان على لسانه : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى ! وأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمشركون سجدوا بعد ذلك !

وهذه القصة قد ضعَّفها كثير من أهل العلم والتحقيق .

قال البيهقي :

هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل .

انظر " تفسير الفخر الرازي " ( 23 / 44 ) .

وقال ابن حزم :

وأما الحديث الذي فيه : " وأنهن الغرانيق العلى ، وإن شفاعتها لترتجى " فكذب بحت موضوع ؛ لأنه لم يصح قط من طريق النقل ، ولا معنى للاشتغال به ، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد .

" الفِصَل في الملل والنحل " ( 2 / 311 ) .

وقال القاضي عياض :

هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل .... ، ومن حُكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم ، ولا رفعها إلى صاحب ، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية .

" الشفا في أحوال المصطفى " ( 2 / 79 ) .









رد مع اقتباس
قديم 2018-04-03, 16:01   رقم المشاركة : 70
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


وقال الحافظ ابن كثير :

قد ذكر كثير من المفسرين قصة الغرانيق ، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ، ظنّاً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا ، ولكنها من طرق كلها مرسلة ، ولم أرها مسندة من وجه صحيح ، والله أعلم .

" تفسير ابن كثير " ( 3 / 239 ) .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :

ليس في إلقاء هذه الألفاظ في قراءته صلى الله عليه وسلم حديث صحيح يعتمد عليه فيما أعلم ، ولكنها رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث مرسلة ، كما نبه على ذلك الحافظ ابن كثير في تفسير آية الحج ، ولكن إلقاء الشيطان في قراءته صلى الله عليه وسلم في آيات النجم وهي قوله

: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ الحج / 52 ] فقوله سبحانه : { إِلا إِذَا تَمَنَّى } أي : تلا ، وقوله سبحانه : { أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ } أي : في تلاوته

ثم إن الله سبحانه ينسخ ذلك الذي ألقاه الشيطان ويوضح بطلانه في آيات أخرى ، ويحكم آياته ؛ ابتلاء وامتحانا ، كما قال سبحانه بعد هذا : { لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } الآيات [ الحج / 53 ] .

فالواجب على كل مسلم أن يحذر ما يلقيه الشيطان من الشبه على ألسنة أهل الحق وغيرهم ، وأن يلزم الحق الواضح الأدلة ، وأن يفسر المشتبه بالمحكم حتى لا تبقى عليه شبهة ، كما قال الله سبحانه في أول سورة آل عمران : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ

فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [ آل عمران / 7 ] وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه قال : " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " متفق على صحته .

والله ولي التوفيق .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 8 / 301 ، 302 ) .

وقد تكلَّم على القصة سنداً ومتناً وبيَّن ضعف سندها ونكارة متنها : الشيخ الألباني - رحمه الله - في رسالته النافعة " نصب المجانيق في بطلان قصة الغرانيق " .

ومن صحح القصة من العلماء فإنه لم يقل بما توهمه في ظاهرها من التغيير والتبديل في كلام الله تعالى ومن الخطأ من النبي صلى الله عليه وسلم ، بل بيَّنوا لها أوجهاً تلتقي مع اعتقاد المسلمين جميعاً بعدم تحريف القرآن وبعصمة النبي صلى الله عليه فيما يبلغ عن ربه تعالى .

ومن وجوه التأويل ما ذكره بعض العلماء من كون الشيطان ألقى تلك الكلمات في أسماع المشركين لا أنه ألقاها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في "

مجموع الفتاوى " ( 2 / 282 ) .

أما عن سبب سجود المشركين في نهاية تلاوة السورة : فإليك ما قاله العلماء فيه .

قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في آخر كتابه السابق الذكر - :

رب سائل يقول : إذا ثبت بطلان إلقاء الشيطان على لسانه عليه الصلاة والسلام جملة " تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى " فَلِمَ إذن سجد المشركين معه صلى الله عليه وسلم وليس ذلك من عادتهم ؟ .

والجواب ما قاله المحقق الآلوسي بعد سطور من كلامه الذي نقلته آنفاً :

" وليس لأحد أن يقول : إن سجود المشركين يدل على أنه كان في السورة ما ظاهره مدح آلهتهم ، وإلا لما سجدوا ؛ لأننا نقول : يجوز أن يكونوا سجدوا لدهشة أصابتهم وخوف اعتراهم عند سماع السورة لما فيها من قوله تعالى : { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى . وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى .

وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى . وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى . فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى } إلى آخر الآيات [ النجم / 50 - 54 ] ، فاستشعروا نزول مثل ذلك بهم ، و لعلهم لم يسمعوا قبل ذلك مثلها منه صلى الله عليه وسلم ، وهو قائم بين يديْ ربه سبحانه في مقام خطير وجمع كثير ، وقد ظنّوا من ترتيب الأمر بالسجود على ما تقدم أن سجودهم و لو لم يكن عن إيمان كافٍ في دفع ما توهَّموه ، ولا تستبعد خوفهم من سماع مثل ذلك منه صلى الله عليه وسلم

فقد نزلت سورة ( حم السجدة ) بعد ذلك كما جاء مصرّحا به في حديث عن ابن عباس ، ذكره السيوطي في أول " الإتقان " فلما سمع عُتبة بن ربيعة قوله تعالى فيها : { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } " [ فصّلت / 13 ] ! أمسك على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وناشده الرحم واعتذر لقومه حين ظنوا به أنه صبأ وقال : " كيف وقد علمتم أن محمَّداً إذا قال شيئاً لم يكذب ؟ فخفت أن ينزل بكم عذاب " وقد أخرج ذلك البيهقي في " الدلائل " وابن عساكر في حديث طويل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه .

ثامناً:

وأما قولك : " وكذلك خير خلق الله لا يخالف أمراً من الله " : لا نعرف ما الأمر الذي أمر الله تعالى نبيَّه ولم يفعله ! وقد وصفه ربه تعالى بالعبودية ، وأثنى عليه ، وهو أعلم الناس بربه ، وأتقاهم وأخشاهم له ، فأي أمرٍ يمكن أن يخالفه ؟! إن هذا إلا اختلاق .

تاسعاً:

وقولك : " وخير خلق الله لا يمكن أن يجري عليه سحرٌ " : قول باطل ، فالسحر الذي جرى له صلى الله عليه وسلم لم تعلمه أنت حتى أعلمك به النبي صلى الله عليه وسلم ! ولم يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حتى أذن الله تعالى له بالإخبار به ! فهو من جملة العوارض التي تصيب الإنسان

وهو يدل على أنه صلى الله عليه وسلم بشر ، وقد ردَّ بعض أهل البدع من المنتسبين للإسلام هذا الحديث ، وظنوه مخالفاً لكونه معصوماً صلى الله عليه وسلم ، ومحطاًّ لقدر النبوة ، وقد كفانا العلماء الأثبات مئونة الرد على أولئك قديماً ، وعليكم حديثاً .

قال النووي – رحمه الله – :

قال الإمام المازري : وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسببٍ آخر ، فزعم أنه يحط منصب النبوة ، ويشكك فيها ، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع ! وهذا الذي ادَّعاه هؤلاء المبتدعة : باطل ؛ لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه ، وصحته ، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ ، والمعجزة شاهدة بذلك

وتجويز ما قام الدليل بخلافه : باطل ، فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها ، ولا كان مفضَّلا من أجلها ، وهو مما يعرض للبشر : فغير بعيد أن يخيَّل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له ، وقد قيل : إنه إنما كان يتخيل إليه أنه وطىء زوجاته وليس بواطئ ، وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام ، فلا يبعد تخيله في اليقظة ولا حقيقة له ، وقيل : إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله ولكن لا يعتقد صحة ما يتخيله فتكون اعتقاداته على السداد .

قال القاضي عياض : وقد جاءت روايات هذا الحديث مبيِّنة أن السحر إنما تسلَّط على جسده وظواهر جوارحه ، لا على عقله ، وقلبه ، واعتقاده ، ويكون معنى قوله في الحديث " حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن "

ويروى : " يُخيل إليه " أي : يظهر له من نشاطه ، ومتقدم عادته القدرة عليهن فإذا دنى منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن ، ولم يتمكن من ذلك كما يعتري المسحور ، وكل ما جاء في الروايات من أنه يخيل إليه فعل شيء لم يفعله ، ونحوه : فمحمول على التخيل بالبصر لا لخلل تطرق إلى العقل ، وليس في ذلك ما يدخل لبساً على الرسالة ، ولا طعناً لأهل الضلالة .

" شرح مسلم " ( 14 / 174 ، 175 ) .

وقال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله - :

قد أنكر هذا طائفة من الناس ، وقالوا : لا يجوز هذا عليه ، وظنُّوه نقصاً وعيباً ، وليس الأمر كما زعموا ، بل هو من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع ، وهو مرض من الأمراض ، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما ، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن كان ليخيل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن ، وذلك أشد ما يكون من السحر .

" زاد المعاد " ( 4 / 113 ) .

ثم نسألك ، إن كنت جاداً في الحوار : أيهما أشد على صاحبه ، وأدل على نزول قدره ، جريان هذا السحر ، الذي هو مرض من الأمراض ، تسبب فيه هذا اليهودي ، أو تسلّط اليهود على عيسى ابن مريم النبيّ عندنا ، والإله أو ابن الإله عندكم ، حتى صلبوه وقتلوه وسط شماتة الأعداء وإهانتهم :

( وكان المارة يهزون رؤوسهم ويشتمونه ، ويقولون : ... إن كنت ابن الله ، فخلص نفسك ، وانزل عن الصليب . وكان رؤساء الكهنة ، ومعلمو الشريعة والشيوخ يستهزئون به ، فيقولون : خلَّصَ غيره ، ولا يقدر أن يخلص نفسه ؟! هو ملك إسرائيل ، فلينزل الآن عن الصليب لنؤمن به ؛ توكَلَ على الله وقال : أنا ابن الله ، فلينقذه الله إن كان راضيا عنه . وعيره اللصان المصلوبان معه أيضا ، فقالا مثل هذا الكلام .)

(وعند الظهر خيم على الأرض كلها ظلام حتى الساعة الثالثة , ونحو الساعة الثالثة صرخ يسوع بصوت عظيم : إلهي ، إلهي ، لماذا تركتني ؟!! ) [ متى : 27/38-47 ] وأيضا :

[ مرقس : 15/29-35]

راجع جواب السؤال رقم (12615)

ونحن نقول : حاشا لأنبياء الله الكرام ، محمد وأخيه عيسى وإخوانهم جميعاً عليهم السلام من هذا الإفك والبهتان ومن كل ذلة وهوان "

عاشراً:

وأما قولك : " وكيف يكون أبوا خير الله مشركين ، وماتا مشركين ؟ " :

فهذا من العجائب ، وما دخل كونه أفضل الخلق بكون والديه مشركين ؟! وهل الرب تعالى اصطفاه هو أم اصطفاه واصطفى أهله وأقرباءه ؟! وها هو إبراهيم عليه السلام قد توفي والده على الشرك ، فلم يُنقص ذلك من رتبته ومنزلته ، وهو أبو الأنبياء ، صلى الله عليه وسلم ، وها هو نوح عليه السلام تموت زوجته وابنه على الكفر ، وها هو لوط عليه السلام تُهلك زوجته وهي على الكفر ، فكان ماذا ؟ .

ثم انظروا، ما تقوله كتبكم المقدسة عندكم، وعند اليهود عن مريم البتول عليها السلام ، بل وعن أنبياء الله أنفسهم ، لتعلم أيها السائل أي الفريقين أصدق قيلاً، وأهدى سبيلاً؟!

حادي عشر:

وأما قولك : " ؟ وأيضاً فإن خير خلق الله لا ينشر دينه بالسيف ، أو بالمال يبيعه "

فقد سبق أن ناقشنا ذلك في موقعنا، فنرجو مراجعة جواب السؤالين (43087) و (100521)

فإذا انتهيت من مراجعة هذين الجوابين ، فمن الحسن أن تتأمل هذه النصوص من كتبكم ، لعلك أن يكون لك رأي آخر :

1. قال المسيح عليه السلام : " لا تظنوا أني جئتُ لألقي سلاماً على الأرض ، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً ، وإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه ، والابنة ضد أمها ، والكنة ضد حماتها ، وأعداء الإنسان أهل بيته . من أحب أبا أو أماً أكثر مني فلا يستحقني ، ومن أحب ابناً أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني ، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني ، من وجد حياته يضيعها ، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها " .

" إنجيل متى ، الإصحاح العاشر ، فقرة 35 وما بعدها .

2. قال المسيح عليه السلام : " من له سيف : فليأخذه ، ومن ليس له : فليبع ثوبه ، ويشتري سيفاً " .

" لوقا " ( 22 / 36 ، 37 ) .

3. ويقول المسيح عليه السلام : " أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم : فأتوا بهم إلى هنا ، واذبحوهم قدامي " .

" لوقا " ( 11 ) .

ج. واسمع لعقلاء من غير المسلمين من الكتَّاب والأدباء والتاريخيين ماذا يقولون :

1. قال توماس كارليل في كتابه " الأبطال وعبادة البطولة "

: " إن اتهامه - أي : محمد صلى الله عليه وسلم - بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته : سخفٌ غير مفهوم ؛ إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يُشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس ، أو يستجيبوا له ، فإذا آمن به مَن يقدرون على حرب خصومهم : فقد آمنوا به طائعين مصدقين ، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها " .

انظر : " حقائق الإسلام وأباطيل خصومه " لعباس لعقاد ( ص 227 ) .

2. ويقول المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه " حضارة العرب "

وهو يتحدث عن سر انتشار الإسلام في عهده صلى الله عليه وسلم وفي عصور الفتوحات من بعده - : " قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تُفرض بالقوة ، ولم ينتشر الإسلام إذن بالسيف ، بل انتشر بالدعوة وحدها ، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخراً كالترك والمغول ، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند

التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل - ما زاد عدد المسلمين إلى خمسين مليون نفس فيها ، ولم يكن الإسلام أقل انتشاراً في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط ، وسترى في فصل آخر سرعة الدعوة فيها ، ويزيد عدد مسلميها على عشرين مليوناً في الوقت الحاضر " .

فهل تبين لك مدى بُعد التهمة عن الإسلام ؟! هل تبين لك مدى تضليل الأحبار والرهبان ووسائل الإعلام لك ؟ .

د. وكأني بك تريد تنزيه دينك عن انتشاره بالسيف ! وكأني بك تريد إقناع الناس بما يحمله أهل دينك من الرحمة والرأفة ! وكل ذلك غير صحيح ، وإليكَ أمثلة من واقعكم :

1. الملِك " أولاف " ذبَح كلَّ مَن رفض اعتناق النصرانية في " النرويج " ، قطع أيديهم ، وأرجلهم ، ونفاهم ، وشرَّدهم ، حتى انفردت النصرانية بالبلاد .

2. وفي الجبل الأسود بالبلقان قاد الأسقف الحاكم " دانيال بيتر وفتش " عملية ذبح غير المسيحيين ليلة عيد الميلاد .

3. وفي الحبشة قضى الملك سيف أرعد ( 1342 – 1370 م ) بإعدام كل من أبى الدخول في النصرانية ، أو نفيهم من البلاد .

4. ثم نجد أن النصرانية - وليس الإسلام - هي التي أبادت الهنود الحمر في أمريكا .

5. ثم نجد النصرانية هي التي اقتلعت الشعب الفلسطيني من أرضه لتسليمها إلى أعداء المسيح ومحمد - عليهما السلام - على السواء .

6. من الذي أشعل الحروب العالمية ؟ لقد قُتل في الحرب العالمية الأولى عشرة ملايين ، وفي الثانية حوالي 70 مليوناً ! .

7. وكم قُتل من البشر بالقنابل الذرية التي ألقيت على مدينتي " نجازاكي " و " هيروشيما " في اليابان ؟ .

8. وترى النصرانية في حربها الصليبية عندما حاصرت بيت المقدس وشددت الحصار ورأى أهلها أنهم مغلوبين فطلبوا من قائد الحملة " طنكرد " الأمان على أنفسهم وأموالهم ، فأعطاهم الأمان على أن يلجأوا إلى المسجد الأقصى رافعين راية الأمان ، فامتلاء المسجد الأقصى بالشيوخ والأطفال والنساء

وذُبحوا كالنعاج ، وسالت دماؤهم في المعبد حتى ارتفعت الدماء إلى ركبة الفارس ، وعجَّت شوارعنا بالجماجم المحطمة ، والأذرع ، والأرجل المقطعة ، والأجسام المشوهة ، ويذكر المؤرخون أن الذين قُتلوا في داخل المسجد الأقصى فقط سبعين ألفاً ، ولا ينكر مؤرخو الفرنج هذه الفضائح .

9. وعصرنا اليوم خير شاهد على ذلك ، لقد قصفوا أفغانستان ، ثم تحولوا إلى العراق ليدمروها ، فقصفوا ، وقتلوا ، وعاثوا في الأرض فساداً ، وقد قال كبيرهم : إن الله أمره بدخول العراق !! فأين وصايا المسيح التي يدعونها ويتشدقون بها ؟! .

10. ألم يقف " اللورد اللنبي " ممثل الحلفاء : إنجلترا ، وفرنسا ، وإيطاليا ، ورومانيا ، وأميركا في بيت المقدس في سنة 1918 حين استولى عليه في أخريات الحرب الكبرى الأولى قائلاً : " اليوم انتهت الحروب الصليبية " ؟! .

11. ألم يقف الفرنسي " غورو " ممثل الحلفاء أيضاً - وقد دخل دمشق - أمام قبر البطل المسلم " صلاح الدين الأيوبي " قائلاً : " لقد عدنا يا صلاح الدين " ؟! .

12. وهل هدمت الديار ، وسفكت الدماء ، واغتصبت الأعراض في البوسنة والهرسك إلا باسم الصليب ؟ .

13. بل أين هؤلاء مما حدث في الشيشان - ومازال يحدث - ؟ وفي إفريقيا ؟ وإندونيسيا ؟ وغيرها ؟ وهل يستطيع هؤلاء إنكار أن ما حدث في كوسوفا كان حربا صليبية ؟ ألم يقل بوش في حربه الأخيرة " ستكون حربا صليبية " ؟! .

ومثل هذه الفظائع لم يقع في جهاد المسلمين لأعدائهم ، فما كانوا يقتلون النساء ، ولا الأطفال ، ولا الدهماء من الناس ، ويجدر أن نذكر بوصية أبي بكر الصدِّيق حيث قال لأسامة بن زيد وجنده :

" لا تخونوا ، ولا تغدروا ، ولا تغلوا ، ولا تمثِّلوا ، ولا تقتلوا طفلاً ، ولا شيخاً كبيراً ، ولا امرأة ، ولا تعزقوا نخلاً ، ولا تحرقوه ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تذبحوا شاة ، ولا بقرة ، ولا بعيراً إلا للأكل ، وإذا مررتم بقوم فرَّغوا أنفسهم في الصوامع : فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له " .

ينظر : " موسوعة شبهات النصارى حول الإسلام " ، " السيرة النبوية " للشيخ محمد أبو شهبة.

وأما كلامك عن المال : فإن هذا يجب أن يُستحيى من ذِكره ، فالعالم كله يعرف من الذي يذهب إلى الدول الفقيرة وبيده اليمنى خبزة ، وبالأخرى نسخة من الإنجيل ! وكل العالم يعرف من يحمل بيده حبة الدواء وحفنة الدولارات ، وبيده الأخرى نسخة من الإنجيل ! .

وأخيراً:

لعلنا أن نكون قد أظهرنا لك خطأ ما ذكرتَه عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولعلك علمت أنك ضحية إعلام مزوَّر ، جعلك تسيء إلى من لا يستحق الإساءة ، وتسكت عمن يستحق البيان والفضح

واعلم أن الإسلام دين الأدلة والبراهين ، وليس دين الادعاءات والتزوير ، فأدرك نفسك ، والتحق بركب الأنبياء والصالحين ، واحرص على أن لا تموت إلا على الدين الذي كان يعتقده الأنبياء والمرسلون ، وهو التوحيد ، واحرص على أن تكون ضمن قافلة أتباع خير الأديان وخاتمتها .

نسأل الله تعالى أن يهديك ، ويشرح صدرك للإسلام ، ونسأله أن يريك الحق حقا ويرزقك اتباعه ، ويريك الباطل باطلا ويرزقك اجتنابه .

والله الموفق









رد مع اقتباس
قديم 2018-04-03, 16:08   رقم المشاركة : 71
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

في سورة الجن ، الآية (رقم/3) : ( وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) يكررها النصارى تشكيكا في ديننا ، كيف نرد عليهم ردا مفحما ؟ هل المتحدث هنا هم الجن جهلا منهم ؟ أم المقصود بقوله ( جد ) ضد الهزل ؟


الجواب :

الحمد لله

هذه الآية من سورة " الجن " ذات الوقع المؤثر في النفوس ، تحكي حديثا صدر عن الجن الذين استمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم ، فآمنوا بالقرآن ، وأسلموا.

قال الله تعالى : ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا . وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا . وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ) الجن/1-4 .
وظاهر جداً من سياق الآيات : أن الجن أعلنوا إيمانهم بوحدانية الله ، ورفضهم لما يقوله المشركون من نسبة الصاحبة والولد إلى الله ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

والجد في الآية معناه : العظمة والجلال ، وليس معناه "أبو الأب" كما فهم هؤلاء المفترون .
قال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (1/364) :

" الجيم والدال أصولٌ ثلاثة : الأوَّل العظمة ، والثاني : الحَظ ، والثالث : القَطْع .

فالأوّل : العظمة : قال الله جلّ ثناؤُه إخباراً عمّن قال : ( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا ) الجن/3 .

ويقال : " جَدَّ الرجُل في عَينِي " أي : عَظُم ، قال أنسُ بنُ مالكٍ : ( كان الرجلُ إذا قرأ سورةَ البقرة وآلِ عِمرانَ جَدَّ فينا ) أي : عَظُم في صُدورِنا .

والثاني : الغِنَى والحظُّ : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه : ( لا يَنْفَع ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ) يريد : لا ينفَعُ ذا الغنى منك غِناه ، إنّما ينفعه العملُ بطاعتك .

والثالث : يقال : جَدَدت الشيءَ جَدّاً ، وهو مجدودٌ وجَديد ، أي : مقطوع " انتهى .

وانظر : "لسان العرب" (3/107) .

فتفسير عبارة الجن التي حكاها الله عنهم : ( وأنه تعالى جد ربنا ) كتفسير دعاء استفتاح الصلاة أيضا : ( سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، تَبَارَكَ اسْمُكَ ، وَتَعَالَى جَدُّكَ ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ )

رواه مسلم موقوفا عن عمر (399) .

والمقصود في كل منهما : تعالت وارتفعت عظمة الله تعالى ، وكبرياؤه ، وعزته ، ونحو ذلك من المعاني التي فيها تعظيم الله تعالى وإجلاله .

لذلك حكى ابن الجوزي في "زاد المسير" (8/378) الأقوال في تفسير الآية ، فقال :

" للمفسرين في معنى : ( تعالى جَدُّ ربِّنا ) سبعة أقوال : أحدها : قدرة ربنا ، قاله ابن عباس . والثاني : غنى ربنا ، قاله الحسن . والثالث : جلال ربنا ، قاله مجاهد وعكرمة . والرابع : عظمة ربنا ، قاله قتادة . والخامس : أمر ربنا ، قاله السُّدِّي . والسادس : ارتفاعُ ذِكْرِه وعظمته ، قاله مقاتل . والسابع : مُلك ربنا وثناؤه وسلطانه ، قاله أبو عبيدة " انتهى .
وهذه المعاني كلها متقاربة وتدل على عظمة الله تعالى وكبريائه .

والمعنى الإجمالي منها في الآية : هو التعبير عن الشعور باستعلاء الله سبحانه وبعظمته وجلاله عن أن يتخذ صاحبة ، أي : زوجة ، وولداً ، بنين أو بنات!

وكانت العرب تزعم أن الملائكة بنات الله ، جاءته من صهر مع الجن! فكذبت الجن هذه الخرافة الأسطورية .

قال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (14/222) :

"التعالي : شدة العلوّ .

والجَدّ : العظمة والجلال ، وهذا تمهيد وتوطئة لقوله : (ما اتخذ صاحبة ولا ولَداً) ، لأن اتخاذ الصاحبة للافتقار إليها لأنسها وعونها والالتذاذ بصحبتها ، وكل ذلك من آثار الاحتياج ، والله تعالى الغني المطلق ، وتعالى جَدّه بغناه المطلق ، والولد يرغب فيه للاستعانة والأنس به . . . وكل ذلك من الافتقار والانتقاص" انتهى .

وقال السعدي في تفسيره (ص 1055) :

"(وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) أي: تعالت عظمته وتقدست أسماؤه، (مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا) فعلموا من جَدِّ الله وعظمته، ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة أو ولدا، لأن له العظمة والكمال في كل صفة كمال، واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك، لأنه يضاد كمال الغنى" انتهى

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

ما معنى قولنا في دعاء الاستفتاح للصلاة : ( وتعالى جدك ) ؟

الجواب :

" معنى ذلك : تعالى كبرياؤك وعظمتك ، كما قال سبحانه في سورة الجن - عن الجن - أنهم قالوا : ( وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ) " انتهى .

"فتاوى الشيخ ابن باز" (11/74) .

فتبين من ذلك أن في الآية رداًّ على من نسب لله الصاحبة والولد ، كالمشركين والنصارى ، لأن ذلك يتنافى من عظمة الله وجلاله .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-04-03, 16:15   رقم المشاركة : 72
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

يسألني أحد زملاء العمل " لماذا أسلمت ؟ " فقلت له : إن هذا هو الطريق الذي كان يجب أن أسلكه ، لا أعرف أحيانًا ما يجب أن أقوله ، وعندما أحاول : أشعر أن ردي غير صحيح ، كيف أرد على مثل هذا السؤال ؟ .


الجواب


الحمد لله


أولاً :

نسأل الله تعالى أن يتقبل إسلامك ، وأن يثبتك على الحق ، ويهديك لما يحب ويرضى .

واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أنك سلكتِ الطريق الصحيح ، فالإسلام دين الفطرة ، ودين الأمن ، والسعادة ، يشعر بذلك كل من انتسب لهذا الدين العظيم ، وقد يشعر بذلك أكثر من كان غارقاً في ظلمات الجهل والضلال والكفر ، ويشعر الناطق بالشهادتين بشيء في قلبه لا يستطيع وصفه لأحدٍ ، ولذلك تغلب أكثرهم دموع الفرح والسعادة ، ولا شك أن الله تعالى قد جعل للإسلام طعماً ، وللإيمان حلاوة ، وهو ما نصَّت عليه نصوص شريعتنا ، ويشعر بذلك الطعم ، ويتذوق تلك الحلاوة من آمن بالله ربّاً وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً .

ثانياً:

إن الذي يكرمه الله تعالى بدخول الإسلام يجد من الأسباب لدخوله فيه ما لا يجده غيره ، ويرى فيه من الجوانب ما لا يراه غيره ، وما ذلك إلا لعظمة هذا الدين ، وكثرة جوانب الخير فيه ، وصلاحيته لجميع طبقات الناس وبيئاتهم وثقافاتهم ، ومن هنا فإن من يدخل في هذا الدين العظيم يذكر من الأسباب لإسلامه ما لا يذكره غيره غالباً

وكلها إجابات صحيحة تحكي واقعهم وواقع الإسلام ذاته ، ويمكنك الوقوف على بعض تلك الإجابات ، والاستفادة منها ، ونحن نفضل أن تذكري شعورك أنت ، والسبب الذي دفعك أنت للدخول في هذا الدين ، فهو تعبير عن واقعك الذي تعيشين ، وأنت أبلغ من يستطيع التعبير عنه .

ولا مانع من ذِكر بعض تلك الأسباب عند غيرك ممن دخل في الإسلام ؛ فقد يكون ثمة اشتراك في بعضها بينك وبينهم .
1. سئل أعرابي : لماذا أسلمتَ ؟ قال : لم أرَ شيئاً من قول ، أو فعل يستحسنه العقل ، وتستطيبه الفطرة : إلا وحثَّ عليه الإسلام ، وأمر به ، وأحلَّه رب العزة سبحانه ، ولم أجد شيئاً يستقبحه العقل ، وتستقذره الفطرة : إلا ونهى الله عنه ، وحرَّمه على عباده .

2. قال " روبرت ديكسن " رئيس جمعية المحامين الأمريكيين : جوابي لمن سألني لماذا أسلمت : هو : أن الإسلام دين التوحيد ، والسعادة ، والراحة النفسية ، والعيشة الهانئة ، إذا التزمت به ، وطبقت تعاليمه ، وهو دين العدل الإلهي .
3. قال " محمد أسد " - السياسي ، والمؤلف النمساوي - : لم يكن هناك شيء بعينه من تعاليم الإسلام هو الذي أخذ بمجامع قلبي، إنه المجموع المتكامل المتناسب والمتماسك من هذه التعاليم الروحية من جانب ، والتي ترسم برنامجاً عمليّاً للحياة من الجانب الآخر .

4. قالت الفرنسية المهتدية " سيلفي فوزي : لقد وجدت في الإسلام منهاج حياة يجيب عن كل التساؤلات ، وينظم للإنسان حياته وفق ما ينفعه ، ويتناسب مع فطرته ، ملبسه ، ومأكله ، وعمله ، ونظام زواجه ، اختياراته في الحياة ، علاقاته بالآخرين ، ومن ثم فلا عجب أن من يلتزم بالإسلام يستشعر الاطمئنان ، والأمان النفسي، الذي هو في رأيي أهم العناصر لاستمرار الحياة .

5. قالت أم عبد الملك – الأمريكية المسلمة - : أذهلني الإسلام الذي رفع من مقدار الوالدين .

6. قال الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله - : إن أَحد فلاسفة الهنود درس تاريخ الأَديان كلها ، وبحث فيها بحثَ مستقلٍّ منصفٍ ، وأَطال البحث في النصرانية ؛ لما للدول المنسوبة إليها من الملك ، وسعة السلطان ، والتبريز في الفنون ، والصناعات ، ثم نظر في الإسلام ، فعرف أَنه الدين الحق

فأَسلم ، وأَلف كتاباً باللغة الإنجليزية سماه " لماذا أَسلمت " ، بيَّن فيه ما ظهر له من مزايا الإسلام على جميع الأَديان ، وكان أَهمها عنده : أَن الإسلام هو الدين الوحيد الذي له تاريخ صحيح محفوظ ، فالآخذ به يعلم أَنه هو الدين الذي جاء به محمد بن عبد الله ، النبي الأمي العربي ، المدفون في المدينة المنورة من بلاد العرب

وقد كان من مثار العجب عنده أَن ترضى أُوربا لنفسها دينًا ترفع من تنسبه إليه عن مرتبة البشر ، فتجعله إلهاً وهي لا تعرف من تاريخه شيئًا يعتد به ، فإن هذه الأناجيل الأربعة على عدم ثبوت أَصلها ، وعدم الثقة بتأْريخها ، ومؤلفيها : لا تذكر من تاريخ المسيح إلا وقائع قليلة ، حدثت - كما تقول - في أَيام معدودة ، ولا يذكر فيها شيء يعتد به عن نشأَة هذا الرجل ، وتربيته ، وتعليمه ، وأَيام صباه ، وشبابه ، ولله في خلقه شئون .

" فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " ( 1 / 48 ) .

7. قال " يوسف خطَّاب " – المتحول من اليهودية إلى الإسلام – لما سئل لماذا أسلمت - : لأن الإسلام دين التوحيد ، قرأت عنه كثيراً ، وأخيراً اقتنعت بأنه هو السبيل للجنة .

والكلمات كثيرة ، ويجمعها أن الإسلام دين الفطرة ، والأمن ، والسعادة ، والأحكام الحكيمة ، والأخلاق الرفيعة ، ومن رام المقارنة بين الإسلام وغيره من الأديان المحرَّفة ، أو الأنظمة والقوانين البشرية : فسيتبين له بجلاء أوجه الاختلاف ، وأنه ليس ثمة مجال للمقارنة أصلاً .

8. وتصف " ميري واتسون " –

الأمريكية الحاصلة على ثلاث درجات علمية ، وبعضها في علم اللاهوت لحظة تسلل نور الإيمان إلى قلبها فتقول : شعرت في ليلة - وأنا مستلقية على فراشي وكاد النوم يقارب جفوني - بشيء غريب استقر في قلبي ، فاعتدلت من فوري ، وقلت : يا رب أنا مؤمنة بك وحدك ، ونطقت بالشهادة ، وشعرت بعدها باطمئنان ، وراحة تعم كل بدني ، والحمد لله على الإسلام ، ولم أندم أبداً على هذا اليوم الذي يعتبر يوم ميلادي .
انتهى

وننصحك – أختنا الفاضلة – بقراءة كتاب : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ، للشيخ أبي الحسن الندوي ، وكتاب : الإسلام على مفترق الطرق ، والطريق إلى الإسلام ، وهما للأستاذ محمد أسد ، والثلاثة متوفرة باللغة الإنجليزية .
كما ننصحك بقراءة قصص واقعية لمن اهتدوا إلى الطريق المستقيم ، وأسلموا لله تعالى ، وفيها بيان : كيف اهتدوا ، وما هي خطواتهم الأولى نحو الهداية

ونسأل الله لك الثبات على الحق ، والتوفيق للعلم النافع ، والعمل الصالح .

والله الموفق









رد مع اقتباس
قديم 2018-04-03, 16:21   رقم المشاركة : 73
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

"]منذ أسبوعين وهذا السؤال يراودني ، ولم أفلح في الإجابة عليه ، ولكن بإذن الله ستكون الإجابة لديكم : ما الدليل على أن الله لا يكذب ، أو ما الدليل على أنه صادق دائما ، ولم ، ولن يكذب أبدا ؟ أعرف أنه سؤال غريب ، وقد استحيت لفترة من سؤال أحد فيه ، ولكن احترت في الإجابة عليه ، وأُصبت بنوع من الضيق حتى في أثناء الصلاة


الجواب


الحمد لله :

والله ما ندري ـ يا عبد الله ـ من أي أمريك نعجب ؛ أمن استرسالك وراء وساوس الشيطان ، حتى بلغ بك إلى حافة الهاوية ، لتسقط فيها ، أو تكاد ؟!! أم من استصعابك لهذا السؤال ، وعدم قدرتك على الإجابة عنه ؟!!

فماذا عرفت من دينك يا عبد الله ، إن جهلت هذا ؟!!

وماذا تظن بربك ، إن كنت تبحث في هذا ؟!!

يا عبد الله ، لقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، لما قال لها مولاها مَسْرُوقٍ : يَا أُمَّتَاهْ ، هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ ؟!!

فَقَالَتْ : لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ .. !!

وإذا كان شعر أم المؤمنين قد قف ، أي : قام من شدة فزعها ، لأجل من سألها هذا السؤال : هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ، يعني : وهو في الدنيا ، مع أن المؤمنين يرونه في الجنة ، وهو أعظم نعيمهم ، لا حرمنا الله منه ، فكيف بسؤالك يا عبد الله ؟!!

ألهذا الحد تركت قلبك فارغا ، حتى يتلاعب به الشيطان ، وينتهي به ذلك المنتهى ؟!!

هل سمعت يا عبد الله بما رواه مسلم في صحيحه (2268) عَنْ جَابِرٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي قُطِعَ ؟!!

قَالَ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : إِذَا لَعِبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِي مَنَامِهِ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ النَّاسَ !! ) .

فإذا كان مثل هذا المنام لعبا من الشيطان ، فبالله عليك ماذا كان يجيب النبي صلى الله عليه وسلم لو رأى راء في منامه ما رأيت ؟ فبالله عليك ماذا كان يقول لو كان ذلك اللعب في اليقظة ، لا في المنام ؟!!

لقد حُق لك ـ والله ـ أن يطول حياؤك ، بل وبكاؤك على نفسك ـ أن ظفر الشيطان منك بهذا !!

نعم ، نفهم أن الشيطان قد يتلاعب بمثل ذلك بالعبد ، لكنه لا يسترسل مع وحي الشيطان ، ويؤصل له ، ويبحث له عن أدلة ، وإنما إيمانه الراسخ يدفعه ، فالشيطان خبيث ، وكيده ضعيف : ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)(النساء: 67) .
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا مَنْ خَلَقَ كَذَا حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ) متفق عليه .

أرأيت كيف كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا السؤال المعضل (!!) للعدو اللعين ؟!!

أن يستعيذ بالله من تلك الوساوس ، وأن ينتهي عن التفكير فيها ، والاسترسال وراءها ؛ لأن اللعين لا يحتاج بسؤاله هذا جوابا ، وهو يعلم أن سؤاله مغالطة محضة ، فالخالق لا يصلح أن يكون له خالق ، وإلا كان مخلوقا آخر من المخلوقين !!

وإنما هدفه التشكيك والزعزعة ، حتى يظفر بمن يموت وهو على تلك الحال ، إن استطاع .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ، في شرحه للحديث السابق :

قَوْلُهُ : ( مَنْ خَلَقَ رَبّك فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ) أَيْ عَنْ الِاسْتِرْسَال مَعَهُ فِي ذَلِكَ , بَلْ يَلْجَأ إِلَى اللَّه فِي دَفْعه , وَيَعْلَم أَنَّهُ يُرِيد إِفْسَاد دِينه وَعَقْله بِهَذِهِ الْوَسْوَسَة , فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِد فِي دَفْعهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا .

قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَجْه هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الشَّيْطَان إِذَا وَسْوَسَ بِذَلِكَ فَاسْتَعَاذَ الشَّخْص بِاللَّهِ مِنْهُ وَكَفّ عَنْ مُطَاوَلَته فِي ذَلِكَ اِنْدَفَعَ ... فَلَيْسَ لِوَسْوَسَتِهِ اِنْتِهَاء , بَلْ كُلَّمَا أُلْزِمَ حُجَّة زَاغَ إِلَى غَيْرهَا إِلَى أَنْ يُفْضِيَ بِالْمَرْءِ إِلَى الْحِيرَة , نَعُوذ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ... عَلَى أَنَّ قَوْله مَنْ خَلَقَ رَبّك كَلَام مُتَهَافِت يَنْقُض آخِرُهُ أَوَّلَهُ لِأَنَّ الْخَالِق يَسْتَحِيل أَنْ يَكُون مَخْلُوقًا .

وَقَالَ الطِّيبِيُّ : إِنَّمَا أَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَالِاشْتِغَال بِأَمْر آخَر وَلَمْ يَأْمُر بِالتَّأَمُّلِ وَالِاحْتِجَاج لِأَنَّ الْعِلْم بِاسْتِغْنَاءِ اللَّه جَلَّ وَعَلَا عَنْ الْمُوجِد أَمْر ضَرُورِيّ لَا يَقْبَل الْمُنَاظَرَة , وَلِأَنَّ الِاسْتِرْسَال فِي الْفِكْر فِي ذَلِكَ لَا يَزِيد الْمَرْء إِلَّا حَيْرَة , وَمَنْ هَذَا حَاله فَلَا عِلَاج لَهُ إِلَّا الْمَلْجَأ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَالِاعْتِصَام بِهِ .

وَفِي الْحَدِيث إِشَارَة إِلَى ذَمّ كَثْرَة السُّؤَال عَمَّا لَا يَعْنِي الْمَرْء وَعَمَّا هُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ , وَفِيهِ عِلْم مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة لِإِخْبَارِهِ بِوُقُوعِ مَا سَيَقَعُ فَوَقَعَ . انتهى كلامه رحمه الله ، مختصرا .

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ، قد أمر بالانتهاء عن تلك الوساوس ، وعدم الخوض فيها ، فإن المؤمن ، إذا غُلب على شيء منها ، وألقاها العدو اللعين في صدره ؛ فإن إيمانه يُعظم ذلك البلاء ، أن يقع شيء منه في صدره .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : ( جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ : إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ؟!! قَالَ : وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ ؟!! قَالُوا : نَعَمْ !!

قَالَ : ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ !! ) رواه مسلم (132) .

قال النووي رحمه الله :

مَعْنَاهُ اِسْتِعْظَامُكُمْ الْكَلَام بِهِ هُوَ صَرِيح الْإِيمَان , فَإِنَّ اِسْتِعْظَام هَذَا وَشِدَّة الْخَوْف مِنْهُ وَمِنْ النُّطْق بِهِ فَضْلًا عَنْ اِعْتِقَاده إِنَّمَا يَكُون لِمَنْ اِسْتَكْمَلَ الْإِيمَان اِسْتِكْمَالًا مُحَقَّقًا وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيبَة وَالشُّكُوك .

يا عبد الله : إن الحر من الرجال ، ومن له مقام بين الناس ، يأنف أن يكذب ، أو يُنسب إليه الكذب ، وقصة أبي سفيان مع هرقل في هذا مشهورة معروفة ، فكيف لو كان هذا الحر الكريم مؤمنا : إن الكذب مجانب للإيمان !!

فكيف لو كان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن توهم الظِّنة فيه ، وهو الصادق المصدوق ، تقشعر له الجلود ، وتقِفُّ الرؤوس !!

فكيف .. ؟!!

يا عبد الله ؛ إن أغلب الظن أنك أُتيت من أمرين اثنين ، تسلط الشيطان عليك بالوساوس لأجلهما :

فأما أولها : أنك أعرضت عن الانشغال بذكر الرحمن تبارك وتعالى ، ومطالعة آياته ، والعيش مع ما في كتابه الكريم من أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، والتعرف على عظمته وجلاله ، وجماله وكماله ، بما عرفك في كتابه ، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .

وأما الأمر الثاني ، وربما كان عقوبة من الله لك على الأمر الأول ، فهو : مصاحبتك لشياطين الإنس ، الذين يُظاهرون شياطين الجن ، وينصرونهم عليك .

وليس بالضروري من تلك المصاحبة أن يكون صديقا لك ، يذهب ويجيء معك ؛ بل ربما كانت تلك المصاحبة عن طريق شبكة الإنترنت ، حيث يجرك الفضول ، أو فراغ القلب إلى الدخول في بعض المنتديات الإلحادية : اللادينيين ، فأرسل الواحد منهم سهما من شبهته ، فاستقر في فؤادك ، فأورثك الداء الذي تشكوه !!

قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ) .

عبد الله ؛ أقبل على قلبك فأصلحه ، وأقبل على ربك فتعرف عليه كما عرفك في كتابه ، وأقبل على كتابه فاتله وتدبره ، وعليك بذكره فاجعل لسانك رطبا منه ، فإنه حصنك :

( وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ .. !! ) رواه الترمذي (2863) وصححه الألباني .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-04-03, 16:26   رقم المشاركة : 74
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

هل يجوز لي القول : الحمد والشكر لله رب العالمين ، والشكر لوالدي ، عملا بقوله تعالى : ( أن اشكر لي ولوالديك الي المصير )

الجواب


الحمد للَّه


بر الوالدين من أعظم القربات ، وأولى الطاعات ، وهو حق معظم لهما في شريعة الإسلام ، حتى قرن الله سبحانه وتعالى في أكثر من موضع طاعته بطاعتهما ، وحقَّه بحقِّهما .

يقول الله سبحانه وتعالى :

( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) لقمان/14
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (5/171) : " قال العلماء : فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر والإحسان والتزام البر والطاعة له والإذعان من قرن الله الإحسان إليه بعبادته وطاعته وشكره بشكره وهما الوالدان فقال تعالى : { أن اشكر لي ولوالديك } لقمان : 14 .

...عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رضى الرب في رضى الوالدين وسخطه في سخط الوالدين " [ قال الألباني : حسن لغيره ] .

والتصريح بشكر الوالدين والاعتراف بفضلهما وقدرهما لا شك أنه داخل في معنى الآية ، ولكن لا ينبغي فهم الآية على ذلك فقط ، فيظن أن من قال "الشكر لوالدي" قد أدى ما عليه ، بل حقيقة الشكر أعظم وأعلى من ذلك ، بل المراد بالشكر ما هو أعم من ذلك ؛ أن يقوم العبد بحق ربه عليه بقلبه ولسانه وجوارحه ، وهكذا يقوم بحق والديه عليه من ذلك .
قال ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (2/244-246) :

" والشكر مبني على خمس قواعد :

خضوع الشاكر للمشكور ، وحبه له ، واعترافه بنعمته ، وثناؤه عليه بها ، وأن لا يستعملها فيما يكره .

فهذه الخمس : هي أساس الشكر وبناؤه عليها ، فمتى عدم منها واحدة : اختل من قواعد الشكر قاعدة ، وكل من تكلم في الشكر وحده فكلامه إليها يرجع وعليها يدور .

والشكر يكون : بالقلب خضوعا واستكانة ، وباللسان ثناء واعترافا ، وبالجوارح طاعة وانقيادا " انتهى .

وفي تفسير هذه الآية ، يقول الشيخ السعدي رحمه الله : " ولما أمر بالقيام بحقه، بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد، أمر بالقيام بحق الوالدين فقال: { وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ } أي: عهدنا إليه، وجعلناه وصية عنده، سنسأله عن القيام بها، وهل حفظها أم لا؟ فوصيناه { بِوَالِدَيْهِ } وقلنا له: { اشْكُرْ لِي } بالقيام بعبوديتي، وأداء حقوقي، وأن لا تستعين بنعمي على معصيتي. { وَلِوَالِدَيْكَ } بالإحسان إليهما بالقول اللين

والكلام اللطيف، والفعل الجميل، والتواضع لهما، [وإكرامهما] (5) وإجلالهما، والقيام بمئونتهما واجتناب الإساءة إليهما من كل وجه، بالقول والفعل.

فوصيناه بهذه الوصية، وأخبرناه أن { إِلَيَّ الْمَصِيرُ } أي: سترجع أيها الإنسان إلى من وصاك، وكلفك بهذه الحقوق، فيسألك: هل قمت بها، فيثيبك الثواب الجزيل؟ أم ضيعتها، فيعاقبك العقاب الوبيل؟ " انتهى [ التفسير 648 ] .

فلا حرج على من قرن شكر الله تعالى بشكر الوالدين ، وجمع بينهما في مقام واحد ، لكن لا ينبغي أن يلتزم ذلك دائما كما يلتزم الذكر الوارد بلفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-04-03, 16:30   رقم المشاركة : 75
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دودو تتكلم والكل يتعلم مشاهدة المشاركة
ابدعت فوق سماء التفنن نتمنى من الله يفقك

الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات

عفوا لما اري تعليقك غير الان

بارك الله فيكِ
وجزاكِ الله عني كل خير

... احترامي وتقديري ....









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
ركن من اركان الايمان


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 18:34

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc