وأنا بصدد الدراسة المذكورة انطلقت ,بداية, من الطرح الموليراسي,فيما يخص الأصول التاريخية :أي اعتبار القبيلة زناتية ,كمحيطها ,خصوصا وهو يؤسس هذا الطرح على مقارنات لغوية أمازيغية.
لكن بعد أن ساورتني شكوك؛مؤسسة على المخيال الجماعي للقبيلة ,والرموز الدينية بها ؛ واستحضرت مقولة ابن خلدون التي تؤكد أن بالمغرب العربي (التسمية الحالية)قبائل أمازيغية تعربت وقبائل عربية تمزغت,افترضت أن التأصيل الزناتي للقبيلة مجرد تهافت وتبسيط من طرف موليراس الذي لم يخف هو نفسه أهداف دراسته:التمهيد لاحتلال جوهرة العقد المغاربي (المملكة المغربية)؛خصوصا وهو,سواء في كتابه هذا أو في "المغرب المجهول" ,لم ينتقل الى الميدان- على غرار الاثنوغرافيين والأنثروبولوجيين الجادين - بل جند بعض المخبرين المأجورين ,الذين عرفوا كيف يشبعون تعطشه الى الاثارة والغرائبية.
في خضم هذا الشك ,والبحث في عدد من المصادر التاريخية, العربية والأجنبية ,عساها تكشف " القرون المظلمة" حسب عبارة "غوتيي"guotier؛فيما يخص الأصول التاريخية لأولاد زكري ,أغفلت كتيبا متواضعا كان قد أصدره سنة1972 السيد قدور الورطاسي,وهو بعنوان:"معالم من تاريخ وجدة".بعد أن نبهني السيد أحمد لمقدم ,وهو عدل بمدينة وجدة ,الى هذا الكتيب ,ومكنني منه تأكدت من تصنيفه للزكارة ضمن أدارسة المغرب الشرقي.
يقول :"في وجدة1 هؤلاء الأخيرون 2أولاد سيدي عبد الله المبرقش ,ازاء وجدة ,ويقال لهم أولاد عمر و القطب 3أولاد زكري بأنكاد ,قرب وجدة ,واخوتهم في فاس" ص:15
ويقول موضحا أكثر:"....أولاد زكريا قرب وجدة ,واخوتهم في فاس ,وطرابلس وجبل اترارة(بالجزائر) :وهم قبيلة عبد المومن أكومي الموحدي ؛وهم أولاد زكري بن عبد الله بن الناصر...الى أحمد بن ادريس(وهوادريس الأزهر مؤسس فاس). ص:20
رغم هذا التنصيص الواضح على النسب الادريسي لأولاد زكري ,والثقة في أمانة ووطنية قدورالورطاسي,ومعرفته بقبائل الجهة الشرقية ؛اذ عين بها قائدا ممتازا غداة الاستقلال –بعد نضال وسنين من السحن- بل وله معرفة شخصية بقائد الزكارة الحاج عبد القادر ,الذي عانى بدوره من عسف المستعمر ؛حيث يقول,ضمن تحديده لعرب المغرب الشرقي:
"والزكارة,ومنهم القائد السابق الحاج عبد القادر الزكراوي؛الذي كان من القواد الخمسة الذين عزلهم المقيم الجنرال جوان ,ونفاه الى ناحية مراكش .كان هذا القائد ملكيا متطرفا ,ووطنيا صادقا ,ذا رجولة وكرم وهمة عالية .عرفته منذ سنة 1930 "ص:27
ولقدور الورطاسي ,اضافةالى الكتاب المذكور,كتاب تحت عنوان"دوحة الأمجاد في تاريخ وجدة وأنكاد".رغم كل هذا ,واصلت البحث ذات اليمين وذات الشمال عساني أعثر على مصادر أخرى قوية معتمدة في أنساب الأشراف ,تعزز تثبيت ما يورده قدور الورطاسي.
لم يتسن لي الاطلاع على مصدرهكتاب مجموع النسب والحسب والفضائل والتاريخ والأدب لسماحة بلهاشمي بن بكار مفتي حاضرة امعسكر المطبوع عام 1381ه/1961م بمطبعة ابن خلدون بتلمسان)؛لكنني عثرت على ما هو أهم في باب
الأنساب الشريفة ,بشهادة عدد من المختصين ؛يتعلق الأمر بكتاب:" السلسلة الوافية والياقوتة الصافية في نسب آل البيت المطهر أهله بنص الكتاب" للشيخ الامام أحمد بن محمد بن أبي القاسم العشماوي ثم المكي رحمه الله(كان حيا سنة 1142ه)
يقول:" أولاد زكريا ,ويقال لهم أولاد زكري,فهم أهل مدينة فاس ؛وهم على خمسة أقسام :منهم فرقة في سوس ,ومنهم فرقة في أنقاد بازاء مدينة وجدة ,ومنهم فرقة في طرابلس ومنهم فرقة في جبل اترارة ,بازاء الحمام , ومنهم فرقة في كاف النسر حوز دمنات ؛فكلهم صرخة واحدة فجدهم اسمه سيدي زكري بن علي بن عبد الله بن الناصر بن عيسى بن موسى بن منصور بن علي بن عبد الله بن ابي جمعة بن يحي بن محمد بن عبد القادر بن عبد الجبار بن محمد بن أحمد بن ادريس بن ادريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم"
هكذا ,وعلى حين غرة من التاريخ يقلب السيد العشماوي الطاولة على الاثنوغرافي الاستعماري اوغست موليراس august moulieras
لم أتوقف عند هذا الحد بل أردت أن أمحص الجغرافية التي يحددها السيد العشماوي لهذا النسب؛مع استحضاري لما قد تكون فعلته القرون بتموقع هذا القسم من أولاد زكري أو ذاك,لكن مفاجأتي كانت عظيمة حينما عثرت,فعلا, بسوس على قبيلة"اداوزكري"بمنطقة
"اغرم" اقليم تارودانت. وبالضبط ,في جماعة "توفلا عزت"-قيادة سيدي عبد الله- توجد مدرسة, وضريح, وزاوية سيدي زكري بن علي .
أما العلامة المختار السوسي ,رحمه الله,فيتحدث عن النسب الشريف للأصل الكبير الذي منه قبائل "اغرم" وهو "ايلالن" فيذكر أنه سمع أن بحوزتهم ظهائر توقير واعفاءات جبائية .المعسول ج16.ص:170
واصلت البحث في سوس فوجدت السيد محمد زلماضي (صاحب مدونة الكترونية ) يذكر بطون قبيلة آيت زكريا,وهي غير "ادا وزكري" فيقول: " آيت زكريا فيهم ثلاثة بطون: آيت الشيخ وقد انقرضوا ,وآيت بوعدي ,وآيت زكريا".
واصلت البحث جنوبا صوب الصحراء المغربية –منذ القدم-فعثرت على قبيلة"آيت زكري" ضمن ما يسمى اتحاد آيت النص ويشمل : آيت زكري , آيت بوهو, وأولاد بوعشرة؛وهذا دليل آخر على أن عروق القبائل الصحراوية لها أصول في قبائل الجنوب والشرق والغرب والشمال ؛أصول أقوى حتى من خرائط الجغرافيا التي قد تتعرض أحيانا للعبث.
بحثت في جبال اترارة بالجزائر فوجدت جبل زكري ,وذكرا مطردا للشرفاء أولاد زكري ؛مع نسبته – أحيانا- الى سيدي نايل.لكن تأكدت أن زكري بن نائل,الذي يصل نسبه,هو أيضا, الى المولى ادريس ,عبر مولاي عبد السلام بن مشيش, هو غير زكري بن علي لكنهما أبناء عمومة ؛وسلالة الاثنين متواجدة بالجزائر ؛مع رجحان الأولى عن الثانية , من حيث العدد.
يرد في ترجمة سيدي نايل أنه تلميذ لسيدي أحمد بنيوسف ,وقد توفي الأخير سنة1560م
في حين أن التقديرات المؤسسة على شجرة ابن رحمون ,وباعتماد قاعدة ابن خلدون في الأنساب,ترجح أنه ولد في مستهل القرن السادس الهجري(1100م)
أما في القطر الليبي فقد أفادتني دراسة أعدها ,ونشرها بجريدة النسب المغربية ,الصادرة في الرباط سنة 1995,السيد الكاتب الباحث النساب سيدي بن عبد اللطيف الضعيفي الفيتوري الادريسي الحسني ؛وتناقلتها العديد من المواقع الالكترونية , في العثور على أولاد زكريا ضمن قبائل الأشراف بليبيا ؛يقول في الترتيب السادس والأربعين :
قبيلة شرفاء المعاتيق ,وهم زواوة والفاسي وأولاد عنان وأولاد زكريا وأولاد عون وأولاد عباد وهم منتشرون بالمنطقة الغربية من القطر الليبي.
مرة أخرى صدقت جغرافية السيد العشماوي.
واصلت البحث –ضمن المصادر المغربية- فوجت أن النسابة المرحوم التهامي بن محمد ن رحمون الحسني العلمي (كان حيا سن 1130ه) يذكرفي مخطوطه."شذور الذهب " أولاد زكري,اذ يقول:" أما محمد بن ادريس فمن ذريته أولاد زكري,واسمه زكريا بن عمر بن ناصر بن عيسى بن موسى بن منصور بن علي بن عبد الله بن أبي جمعة بن أبي يحيى بن محمد بن الامام ادريس" ص:13
هي نفس الشجرة التي يذكرها العشماوي ,مع حذف بعض الأسماء عند ابن رحمون ,ونسبة أولاد زكري الى محمد بن ادريس الأزهر,خلافا للعشماوي الذي ينسبهم لأحمد بن ادريس الأزهر. وهذا الاختلاف يدل على ثبوت النسب الشريف ,واعتماد النسابين على مصادر متباينة.
واعتمادا على معطيات تاريخية تخص خروج أبناء محمد بن ادريس,فارين ,من فاس-بدءا من سنة 312ه - يمكن ترجيح كفة ابن رحمون.
ويواصل هذا النساب قائلا: "ومن خط الفقيه القاضي سيدي محمد بن عيسى الشريف الشفشاوني العلمي رحمه الله:فأما بنو زكريا بازاء الهبط ,فجدهم سحنون بن ناصر بن عمر بن سعيد بن اعمارة بن محمد بن أحمد بن مالك بن اعلي بن أحمد .المناصرة والزكارة ,أولاد أبي عنان من جد واحد.ومن خطه: ففرق شهوده القاضي السيد يوسف بن علي الشلي بخمس بني يرديس بقبيلة شريف الهبطية خارج القصر الكبير.
لعل الأمر يتعلق هنا بفرع آخر من أولاد زكري ؛باعتبار ورود اسم "ناصر"جدا لسيدي زكريا ,وأبا لسحنون.
لم يبق الا أن تحين القبيلة شجرتها ,وتتموقع ضمن الأنساب الشريفة لآل البيت ,وتنتبه الى الوضعية المزرية التي يوجد عليها مزار متواضع جدا,لكنه محترم, يحمل منذ قرون اسم " سيدي زكري"(لا قبر بهذا المزار لأن سيدي زكري دفين منطقة اغرم,كما أسلفت.
يوجد هذا المزار في عالية وادي مسفركي ,ببستان سيدي زكري ,وهو في ملكية ورثة القائد محمد ؛ضمن مزارات أخرى بالقبيلة تحمل أسماء ذات دلالة كبيرة فيما نحن بصدده:
مولاي علي الشريف,مولاي ارشيد ,سيدي محمد ,سيدي بوكرامة,سيدي الغوثي ,سيدي محمد سغروشن,للا طاطا, للا عاونة,مولاي عبد القادر الجلاني.....
خارج الموضوع؛لكن استثمارا له ,وقفت على حقيقة مغاربية ملفتة للانتباه ,ومن شأنها أن تحرج حكام الجزائر:
ان بالجزائر من الأشراف الأدارسة –خصوصا من أبناء سيدي نائل – ما يربو على المليونين ,وبالتردد على منتديات هؤلاء الأشراف ,وغالبا ما يرتادها الشباب, تأكدت أن الجميع به شوق الى صلة الرحم,مع أبناء عمومتهم , والوقوف على قبري ادريس الأكبر وادريس الأزهر ,رحمهما الله .
بقلم: رمضان مصباح