|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
الجهة,المكان,الحد,الحيز ,وخزعبلات أخرى هنا تفنيدها
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2010-09-27, 22:55 | رقم المشاركة : 61 | ||||
|
الإعتراض الثاني: قولهم بأن آيات الصفات من المتشابه الذي لا يعرف معناه
|
||||
2010-09-27, 22:57 | رقم المشاركة : 62 | |||
|
الإعتراض الثالث:إستنكارهم إطلاق لفظ(بذاته) ولفظ(حقيقة) على العلو والإستواء. |
|||
2010-09-27, 23:11 | رقم المشاركة : 63 | |||
|
[size="4"]الإعتراض الرابع:تفسيرهم الإستواء بالإستيلاء
اعلمْ رحمكَ الله تعالى بأنَّهُ يجبُ قبولُ ما دلَّ عليهِ الخبرُ، إذا اجتمعت فيهِ أوصافٌ أربعةٌ: الأوَّلُ: أنْ يكونَ صادرًا عنْ عِلمٍ. الثاني: الصِّدْقُ. الثالثُ: البَيَانُ والفَصَاحَةُ. الرابعُ: سلامَةُ القَصْدِ والإرادَةِ؛ بأنْ يريدَ المخبرُ هدايةَ منْ أخبرهم. فدليلُ الأوَّلِ - وهو العِلْمُ -: قولهُ سبحانه وتعالى: {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة: 140] وقولُهُ سبحانه وتعالى: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ *} [النحل: 74]. وقولُهُ عزَّ وجلَّ: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الإسراء: 55]؛ فهوَ أعلمُ بنفسهِ وبغيرهِ منْ غيرهِ؛ فهوَ أعلمُ بكَ منْ نفسكَ؛ لأنَّهُ يعلمُ ما سيكونُ لكَ في المستقبلِ، وأنتَ لا تعلمُ ماذا تكسبُ غدًا؟ ودَليلُ الوصفِ الثاني - الصِّدقُ -: قولُهُ سبحانه وتعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115] وقولُهُ سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122]؛ أي: لا أحد أصدقُ منهُ، فأصدقُ الكلامِ كلامُ الله. والكلامُ الصِّدقُ يتضمَّنُ مطابقةَ الكلامِ للواقعِ أي: الإخبارُ عَنِ الأمورِ على ما هي عليهِ، لا على خلافِ ما هيَ عليهِ[1]. ولا شيءَ مِنَ الكلامِ يطابقُ الواقعَ كما يطابقهُ كلامُ الله سبحانه وتعالى فكلُّ ما أخبرَ الله بهِ؛ فهو صدقٌ، بلْ أصدقُ منْ كلِّ قولٍ. ودليلُ الوصفِ الثالثِ - البيانُ والفصاحةُ -: قولهُ تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: 87] وحسنُ حديثهِ يتضمَّنُ الحسنَ اللَّفظيَّ والمعنويَّ. ودليلُ الوصفِ الرابعِ - سلامةُ القصدِ والإرادةِ -: قولُه تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176]، {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [النساء: 26]. وقولُه سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *} [التوبة: 115]. فاجتمعَ في كلامِ الله سبحانه وتعالى الأوصافُ الأربعةُ التي توجبُ قبولَ الخبرِ. وإذا كانَ كذلكَ؛ فإنَّهُ يجبُ أنْ نقبلَ كلامهُ على ما هو عليهِ، وأنْ لا يلحقنا شكٌ في مدلولهِ؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى لم يتكلَّم بهذا الكلامِ لأجلِ إضلالِ الخلقِ، بلْ ليبيِّنَ لهم ويهديهم، وصدرَ كلامُ الله عزَّ وجلَّ عنْ نفسهِ أو عنْ غيرهِ منْ أعلمِ القائلينَ، ولا يمكنُ أنْ يعتريهُ خلافُ الصِّدقِ، ولا يمكنُ أنْ يكونَ كلامًا عييًّا غيرَ فصيحٍ، وكلامُ الله سبحانه وتعالى لو اجتمعتِ الإنسُ والجنُ على أن يأتوا بمثلهِ؛ لما استطاعوا؛ فإذا اجتمعت هذه الأمورُ الأربعةُ في الكلامِ؛ وجبَ على المخاطبِ القبولُ بما دلَّ عليه[2]. وأنْ لا يترك ذلكَ إلى قولِ مَنْ يفترونَ على الله الكذبَ ويقولونَ عليهِ ما لا يعلمونَ؛ فإنَّ هذا هو غايةُ الضَّلاَلِ، ومُنتهى الخُذْلاَنِ[3]. ومنْ تأوَّلَ الاستواءَ بالاستيلاءِ «فهذا - عندَ السَّلفِ والأئمَّةِ - باطلٌ لا حقيقةَ لهُ؛ بلْ هوَ منْ بابِ تحريفِ الكلمِ عنْ مواضعهِ، والإلحادِ في أسماءِ الله وآياتهِ»[4]. وهذا يتبيَّنُ منْ وجوهٍ: أحدُها: أنَّ الاستواءَ فِي اللُّغةِ يُستعملُ على وجوهٍ: الأولُ: أنْ يكونَ مطلقًا غيرَ مقيَّدٍ فيكونُ معناهُ الكمالُ كقولهِ عزَّ وجلَّ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص: 14]، وهذا معناهُ: كملَ وتمَّ. يقالُ: استوى النباتُ واستوى الطَّعامُ. الثاني: أنْ يكونَ مقرونًا بـ(الواو) فيكونُ بمعنى التساوي كقولهم: استوى الماءُ والخشبةُ. واستوى الليلُ والنَّهارُ. الثالثُ: أنْ يكونَ مقرونًا بـ(إلى) فيكون المعنى قصدَ إليهِ علوًّا وارتفاعًا كقولهِ سبحانه وتعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29]. الرابعُ: أنْ يكونَ مقرونًا بـ(على) فيكونُ بمعنى العلوِّ والارتفاعِ كقولهِ سبحانه وتعالى: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف: 13]، وقولهِ: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: 44] وقولهِ: {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح: 29]. هذه معاني الاستواءِ المعقولةِ فِي كلامهم، ليسَ فيهَا معنى (استولى) البتةَ، وَلاَ نقلهُ أحدٌ منْ أئمَّةِ اللُّغةِ الذينَ يُعْتَمَدُ قولهم، وإنَّما قالهُ متأخرو النُّفاةِ ممَّنْ سلكَ طريقَ المعتزلةِ والجهميَّةِ. الثاني: أنَّ الذينَ قالوا ذلكَ استدلوا بقولِ الشَّاعرِ: قد استوى بشْرٌ عَلَى العراقِ من غير سيْفٍ أو دمٍ مُهْـراق قالَ ابنُ كثيرٍرحمه الله: وهذاَ البيتُ تستدلُّ بهِ الجهميَّةُ على أنَّ الاستواءَ على العرشِ بمعنى الاستيلاءِ، وهذا منْ تحريفِ الكلمِ عنْ مواضعهِ، وليستْ في بيتِ هذا النصرانيِّ حجةٌ ولا دليلٌ على ذلكَ، ولا أرادَ الله عزَّ وجلَّ باستوائهِ على عرشهِ استيلاَءهُ عليه - تعالى الله عنْ قولِ الجهميَّةِ علوًّا كبيرًا - فإنَّهُ إنَّما يقالُ: استولى على الشيءِ إذا كانَ ذلكَ الشيءُ عاصيًا عليهِ قبلَ استيلائهِ عليهِ، كاستيلاءِ بشرٍ على العراقِ، واستيلاءِ عبدِ الملكِ على المدينةِ بعدَ عصيانها عليهِ، وعرشُ الرَّبِّ لمْ يكنْ ممتنعًا عليهِ نفسًا واحدًا، حتَّى يقالَ استولى عليهِ، أو معنى الاستواءِ الاستيلاءِ، ولا تجدُ أضعفَ منْ حججِ الجهميَّةِ، حتَّى أدَّاهمُ الافلاسُ مِنَ الحججِ إلى بيتِ هذا النَّصرانيِّ المقبوحِ وليسَ فيه حجةٌ واللهُ أعلمُ[5]. وقدْ أنْشَدَ فيهمُ المنْشِدُ: قبْحًا لمنْ نبَذَ القرآنَ وراءهُ فإذا استدلَّ يقولُ قال الأخطل[6] الثالثُ: أنَّ أهلَ اللُّغةَ لمَّا سمعوا ذلكَ، أنكروهُ غايةَ الإنكارِ، ولمْ يجعلوه منْ لغةِ العربِ. قَالَ ابنُ الأعرابيِّ - وقد سئلَ: هل يصحُّ أنْ يكونَ (استوى) بمعنى استولى؟ - فقالَ: لا تعرفُ العربُ ذلكَ. وهوَ منْ أكابرِ أئمَّةِ اللُّغةِ. الرابعُ: أنَّ هذا تفسيرٌ لكلامِ الله بالرأيِ المجرَّدِ الَّذي لم يذهبْ إليهِ صاحبٌ وَلاَ تابعٌ، وَلاَ قالهُ إمامٌ منْ أئمَّةِ المسلمينَ، وَلاَ أحدٌ منْ أهلِ التفسيرِ الذينَ يحكونَ أقوالَ السَّلفِ. الخامسُ: أنَّ إحداثَ القولِ فِي تفسيرِ كتابِ الله الَّذي كانَ السَّلفُ والأئمَّةُ عَلَى خلافهِ يستلزمُ أحدَ أمرينِ: إمَّا أنْ يكونَ خطأً فِي نفسهِ، أو تكونَ أقوالُ السَّلفِ المخالفةِ لهُ خطأً، وَلاَ يشكُّ عاقلٌ أنَّهُ أولى بالغلطِ والخطأ منْ قولِ السَّلفِ. السادسُ: أنَّه أتى بلفظةِ (ثمَّ) التي حقيقتها الترتيبُ والمهلةُ، ولوْ كانَ معناهُ القدرةَ عَلَى العرشِ والاستيلاءَ عَلَيهِ؛ لمْ يتأخَّر ذلكَ إلى مَا بعد خلقِ السَّماواتِ والأرضِ، فإنَّ العرشَ كانَ موجودًا قبلَ خلقِ السَّماواتِ والأرضِ بخمسينَ ألفِ عام كَمَا ثبتَ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ»[7]. وقالَ سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] فكيفَ يجوزُ أنْ يكونَ غيرَ قادرٍ وَلاَ مستولٍ عَلَى العرشِ إلى أنْ خلقَ السَّماواتِ والأرضَ؟!. السابعُ: أنَّ القائلَ بأنَّ معنى (استوى) بمعنى (استولى) شاهدٌ عَلَى الله أنَّه أرادَ بكلامهِ هذا المعنى، وهذهِ شهادةٌ لا علمَ لقائلهَا بمضمونها، بلْ هيَ قولٌ عَلَى الله بلا علمٍ، وقدْ حرَّم الله تعالى الكلامَ بلا علمٍ مطلقًا، وخصَّ القولَ عليهِ بلا علمٍ بالنَّهيِ، وأخبرَ أنَّ الذي يأمرُ بالقولِ بغيرِ علمٍ هو الشيطانُ فقالَ سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وقالَ سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *} [البقرة: 169] وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *} [الأعراف: 33]. فلوْ كانَ اللَّفظُ محتمِلًا لها فِي اللُّغةِ وهيهات!! لَمْ يجز أَنْ يشهدَ عَلَى الله أنَّهُ أرادَ هذا المعنى، بخلافِ منْ أخبرَ عَنِ الله تعالى أنَّهُ أرادَ الحقيقةَ والظاهرَ، فإنَّهُ شاهدٌ بما أجرى الله سبحانه عادتَهُ مِنَ خطابِ خلقهِ بحقائقِ لغتهم وظواهرها؛ كَمَا قَالَ سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4]. فإذا كان الاستواءُ فِي لغةِ العرب معلومًا؛ كانَ هو المرادُ؛ لكونِ الخطابِ بلسانهم، وهو المقتضي لقيامِ الحجَّةِ عليهم فإذا خاطبهم بغيرِ مَا يعرفونَهُ كانَ بمنزلةِ خطابِ العربيِّ بالعجمية. قالَ ابنُ قدامة رحمه الله: إنَّ المتأوِّلَ يجمعَ بينَ وصفِ الله تعالى بصفةٍ ما وصفَ بها نفسَهُ ولا أضافها إليهِ، وبين نفيِ صفةٍ أضافها الله تعالى إليهِ. فإذا قالَ: معنى استوى «استولى» فقدْ وصفَ الله تعالى بالاستيلاءِ واللهُ تعالى لم يصفْ بذلكَ نفسَهُ، ونفى صفةَ الاستواءِ مع ذكرِ الله تبارك وتعالى لهَا في القرآنِ في سبعةِ مواضعَ. أفمَا كانَ اللهُ سبحانه وتعالى قادرًا على أنْ يقولَ: «استولى» حتَّى جاءَ المتكلِّفُ المتأوِّلُ فتطرَّف وتحكَّمَ على الله سبحانهُ وعلى رسولهِ؟ تعالى الله عمَّا يقولُ الظَّالمونَ علوًّا كبيرًا![8]. الثامنُ: أنَّهُ لا يقالُ لمنِ استولى عَلَى بلدةٍ ولم يدخلْهَا ولمْ يستقرَّ فيها بلْ بينهُ وبينها بعدٌ كثيرٌ: أنَّهُ قَدِ استوى عليها، فلا يقالُ استوى أبو بكرٍ عَلَى الشامِ، وَلاَ استوى عمرُ عَلَى مصرَ والعراقِ، ولا قَالَ أحدٌ قطٌّ استوى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى اليمنِ، مع أنَّهُ استولى خلفاؤهُ عَلَى هذهِ البلادِ، ولم يزلْ الشعراءُ يمدحونَ الملوكَ والخلفاءَ بالفتوحاتِ، فلمْ يسمَعْ عنْ قديمٍ منهم جاهليٍّ وَلاَ إسلاميٍّ وَلاَ محدثٍ أنَّهُ مدحَ أحدًا قطُّ أنَّهُ استوى عَلَى البلدِ الفُلانيِّ الّذي فتحهُ واستولى عَلَيهِ، فهذهِ دواوينهم وأشعارهم موجودةٌ. التاسعُ: أنَّهُ لَوْ كانَ الاستواءُ بمعنى الملكِ والقهرِ؛ لجازَ أنْ يقالَ: استوى عَلَى ابنِ آدمَ وعلى الجبلِ وعلى الشَّمسِ والقمرِ وعلى البحرِ والشجرِ والدَّوابِ، وهذا لا يطلقهُ مسلمٌ. «ولا استعملَ ذلكَ أحدٌ مِنَ المسلِمينَ في كلِّ شيءٍ، ولا يوجدُ في كتابٍ ولا سنةٍ، كما استعملَ لفظُ الربوبيةِ في العرشِ خاصَّةً {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129] وفي كلِّ شيءٍ عامَّةً {رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 164] وكذلكَ لفظُ الخلقِ ونحوه مِنَ الألفاظِ التي تخصُّ، وتعمُّ. كقولهِ سبحانه وتعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ *} [العلق: 1 - 2] فالاستواءُ مِنَ الألفاظِ المختصَّةِ بالعرشِ، لا تضافُ إلى غيرهِ لا خصوصًا ولا عمومًا»[9]. العاشرُ: أنَّهُ إِذَا فسِّرَ الاسْتِوَاءُ بالغلبةِ والقهرِ؛ عادَ معنى هذه الآياتِ كلِّها إلى أنَّ الله تعالى أعلمَ عبادهُ بأنَّهُ خلقَ السَّماواتِ والأرضَ ثمَّ غلبَ العرشَ بعدَ ذلكَ وقهرهُ وحكمَ عَلَيهِ، أفلا يستحي مِنَ الله مَنْ فِي قلبهِ أدنى وقارٍ لله ولكلامهِ أنْ ينسبَ ذلكَ إليهِ، وأنَّهُ أرادهُ بقوله: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} [طه: 5]؛ أي: اعلموا يا عبادي أنِّي بعدَ فراغي منْ خلقِ السَّماواتِ والأرضِ غلبتُ عرشي وقهرتهُ واستوليتُ عَلَيهِ؟!. الحادي عَشَرَ: أنَّ أئمَّةَ السنَّةِ متَّفقونَ عَلَى أنَّ تفسيرَ الاسْتِوَاءِ بالاستيلاءِ إنَّما هو متلقًّى عَنِ الجهميَّةِ والمعتزلةِ والخوارجِ..فلا يجوزُ العدولُ عنْ تفسيرِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ إلى تفسيرهمْ. الثاني عَشَرَ: أنَّ الاستيلاءَ يكونُ مَعَ مزايلةِ المستولي للمستولى عَلَيهِ ومفارقتهِ؛ كَمَا يقالُ: استولى عثمانُ بنُ عفَّانَ عَلَى خراسانَ، واستولى عبدُ الملكِ بنُ مروانَ عَلَى بلادِ المغربِ، واستولى الجوادُ عَلَى الأمدِ، قَالَ الشاعرُ: ألا لمثلكَ أوْ مَنْ أنتَ سـابقُهُ سَبْقَ الجَوادِ إذا استولى عَلَى الأمَدِ فجعلهُ مستوليًا عَلَيهِ بعدَ مفارقتهِ لهُ وقطعِ مسافتهِ، والاستواءُ لا يكونُ إلَّا مَعَ مجاورةِ الشَّيءِ الَّذي يستوى عَلَيهِ؛ كَمَا في قولهِ تعالى: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: 44] {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف: 13]، وقولهِ: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون: 28]، وهكذا فِي جميعِ مواردهِ فِي اللُّغةِ التي خوطبنا بها، وَلاَ يصحُّ أنْ يقالَ: استوى عَلَى الدَّابة والسطحِ إِذَا نزل عنها وفارقها؛ كَمَا يقالُ: استولى عليها، هَذَا عكسُ اللُّغةِ وقلبُ الحقائقِ، وهذا قطعيٌّ بحمدِ الله. الثالثُ عَشَرَ: أنَّ نقلَ معنى الاسْتِوَاءِ وحقيقتهِ كنقلِ لفظهِ، بل أبلغُ فإنَّ الأمَّةَ كلَّها تعلمُ بالضَّرورةِ أنَّ الرسولَ أخبرَ عنْ ربِّهِ بأنَّهُ استوى عَلَى عرشِهِ، منْ يحفظُ القرآنَ منهم ومنْ لا يحفظهُ، وهذا المعنى عندهم كَمَا قَالَ مالكٌ وأئمَّةُ السنَّةِ: الاسْتِوَاءُ غيرُ مجهولٍ، كَمَا أنَّ معنى السَّمعِ والبصرِ والقدرةِ والحياةِ والإرادةِ وسائرِ مَا أخبرَ بهِ عنْ نفسهِ معلومٌ، وإنْ كانتْ كيفيَّتهُ غيرَ معلومةٍ للبشرِ؛ فإنَّهم لم يُخَاطَبُوا بالكيفيَّةِ، ولم يردْ منهم العلمُ بها، فإخراجُ الاسْتِوَاءِ عنْ حقيقتهِ المعلومةِ؛ كإنكارِ ورودِ لفظهِ؛ بل أبلغُ، وهذا ممَّا يعلمُ أنَّهُ مناقضٌ لما أخبرَ الله بهِ ورسولُهُ. الرابعُ عَشَرَ: أنَّ الله سبحانه وتعالى وصفَ نفسَهُ بأنَّهُ بيَّنَ لعبادهِ غايةَ البيانِ - وبيانُ الرَّبِّ تعالى فوقَ كلِّ بيانٍ ـ، وأمرَ رسولَهُ بالبيانِ، وأخْبرَ أنَّهُ أنْزلَ عليهِ كتابهُ ليبيِّنَ للنَّاسِ، وقدْ فعلَ سبحانهُ مَا عليهِ، وفعلَ رسولُهُ ما عليهِ، فماذا نشأَ بعدَ ذلكَ إلَّا أنْ نأتيَ بمَا علينا، كما قال الزهْريُّ: «مِنَ الله الرسالة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغُ، وعَلَيْنَا التَّسْليمُ»[10] فهذا البيانُ الذي تَكَفَّلَ بهِ سبحانهُ، وأمرَ بهِ رسولهُ، إمَّا أنْ يكونَ المرادُ بهِ بيانَ اللَّفظِ وحدهُ، أو المعْنى وحدهُ، أو اللَّفظِ والمعْنى جميعًا، ولا يجوزُ أنْ يكونَ المرادُ بهِ بيانَ اللَّفظِ دونَ المعْنى، فإنَّ هذا لا فائدةَ فيهِ، ولا يحْصلُ به مقْصودُ الرسالةِ[11]، بل كانَ ترْكهُ أنْفعَ مِنَ الاتيانِ بهِ؛ فإنَّ الاتيانَ بهِ إنَّما حصلَ منهُ إيهامُ المحالِ والتَّشْبيهِ، وأوْقعَ الأمَّةَ في اعْتقادِ الباطلِ. ولا ريبَ أنَّ هذا إذا نسبَ إلى آحادِ النَّاسِ كانَ ذمُّهُ أقْربَ مِنْ مدْحهِ؛ فكيفَ يليقُ نسبتهُ إلى مَنْ كلامهُ هدًى وشفاءٌ، وبيانٌ ورحمةٌ؟ هذا منْ أمْحلِ المحالِ[12]؛ بلْ كانتْ عنايتهُ ببيانِ المعْنى أشدَّ منْ عنايتهِ ببيانِ اللَّفظِ، وهذا هوَ الذي ينْبغي، فإنَّ المعْنى هو المقْصودُ، وأمَّا اللَّفظُ فوسيلةٌ إليهِ ودليلٌ عليهِ، فكيفَ تكونُ عنايتهُ بالوسيلةِ أهمَّ منْ عنايتهِ بالمقْصودِ؟ وكيفَ نتيقنُ بيانَهُ للوسيلةِ، ولا نتيقنُ بيانهُ للمقْصودِ؟ وهلْ هذا إلَّا منْ أبينِ المحال؟! الخامسُ عَشَرَ: أنَّ الله سبحانه وتعالى ذمَّ المحرِّفينَ للكلمِ، والتَّحريفُ نوعان: تحريفُ اللَّفظِ، وتحريفُ المعنى. أمَّا في اللَّفظِ، فمثالهُ نصبُ اسمِ الجلالةِ بدلَ رفعهِ في قولهِ تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] ليكونَ التكليمُ منْ موسى عليه السلام. وأمَّا في المعنى؛ كتحريفِ معنى الاستواءِ إلى الاستيلاءِ. ولو تدبَّرَ المشتغلونَ بعلمِ الكلامِ كتابَ الله، لمنعهم ذلكَ منْ تبديلِ الاستواءِ بالاستيلاءِ، لأنَّ الله جلَّ وعلا يقولُ في محكمِ كتابهِ: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ *} [البقرة: 59]. ويقولُ: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ *} [الأعراف: 162]، فالقولُ الذي قالهُ الله لهم، هوَ قولهُ حطةٌ، فقالوا حنطةٌ وهي القمحُ. «فَلَقُوا من البلاء ما لَقُوا - وإنَّما زادوا حَرْفًا في الكلمة ـ؛ يُعَرِّفُهُمْ أنَّ الزيادةَ في الدِّين والابتداعَ في الشَّرعِ عظيمُ الخَطَرِ. وإذا كانَ تغييرُ كلمةٍ في بابِ التوبةِ - وذلكَ أمرٌ يرجعُ إلى المخلوقِ - يوجبُ كلَّ ذلكَ العذابِ؛ فما ظنُّكَ بتغييرِ ما هوُ خبرٌ عنْ صفاتِ المعبودِ؟!»[13]. وأهلُ التَّأويلِ قيلَ لهم: على العرشِ استوى. فزادوا لامًا فقالوا: استولى. وهذهِ اللامُ التي زادوها أشبهُ شيءٍ بالنُّونِ التي زادهَا اليهودُ في قولهِ تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58]. قال ابن القيِّمِ رحمه الله: أُمِـرَ اليهودُ أن يقولوا حِطَّةٌ فَأَبَوْا وقالوا حِنْطَةٌ لِهَوَانِ وكذلكَ الجهميُّ قيل له استوى فأَبَى وزادَ الحَرْفَ للنُّقْصَانِ قَالَ اسْتَوَى اسْتَوْلَى وذَا مِنْ جَهْلِهِ لغةً وعقلًا مَا هما سيَّانِ نُون اليهودِ ولامُ جَهْمِيٍّ هما فِي وَحْيِ رَبِّ العرشِ زَائِدَتَانِ وكذلكَ الجَهْميُّ عَطَّـلَ وَصْفَهُ وَيَهُودُ قَدْ وَصَفُوهُ بالنُّقْصَانِ فَهُـمَا إِذًا فِي نَفْيِهِمْ لِصفَاتِهِ الـ عُلْيَا كَمَا بَيَّنْتُهُ أَخـَـوَانِ[14] ولا شكَّ أنَّ منْ بدَّل استوى بـ(استولى) لم يتَّبعْ ما أوحيَ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. فعليهِ أنْ يجتنبَ التبديلَ ويخافَ العذابَ العظيمَ، الذي خافهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لو عصا الله فبدَّلَ قرآنًا بغيرهِ المذكورُ في قولهِ تبارك وتعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس: 15]. وأهلُ [التَّحريفِ] لم ينكروا أنَّ كلمةَ القرآنِ هي استوى، ولكنْ حرَّفوها وقالوا في معناها استولى وإنَّما أبدلوها بها، لأنَّها أصلحُ في زعمهمْ منْ لفظِ كلمةِ القرآنِ، لأنَّ كلمةَ القرآنِ توهمُ غيرَ اللائقِ، وكلمَةُ استولى في زعمهم هي المنـزِّهةُ اللائقةُ بالله مَعَ أنَّهُ لا يعقلُ تشبيهٌ أشنعُ منْ تشبيهِ استيلاءِ اللهِ على عرشهِ المزعومِ، باستيلاءِ بشرٍ على العراقِ. وليسَ بلائقٍ قطعًا، إلَّا أنَّهُ يقولُ: إنَّ الاستيلاءَ المزعومَ منـزَّهٌ، عنْ مشابهةِ استيلاءِ الخلقِ، معْ أنَّهُ ضربَ لهُ المثلَ باستيلاءِ بشرٍ على العراقِ واللهُ يقولُ: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ *} [النحل: 74][15]. ونحنُ نقولُ: أيُّها المؤوِّلُ هذا التَّأويل، نحنُ نسألكَ إذا علمتَ أنَّهُ لا بدَّ منْ تنـزيهِ أحدِ اللَّفظينِ أعنىَ لفظَ (استوى) الذي أنزلَ الله بهِ الملَكَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم قرآنًا يتلى، كلُّ حرفٍ منهُ عشرُ حسناتٍ ومنْ أنكرَ أنَّهُ منْ كتابِ الله كفرَ. ولفظة استولى التي جاءَ بها قومٌ منْ تلقاءِ أنفسهم منْ غيرِ استنادٍ إلى نصٍّ منْ كتابِ الله ولا سنَّةِ رسولهِ ولا قولِ أحدٍ مِنَ السَّلفِ. فأيُّ الكلمتينِ أحقُّ بالتنـزيهِ في رأيِكَ؟![16]. والظَّاهر أنَّك ستضطرُ إلى أنْ تقولَ: إنَّ كلامَ ربِّ العالمينَ أحقُّ بالتنزيهِ منْ كلامٍ جاءَ بهِ ناسٌ منْ تلقاءِ أنفسهم منْ غيرِ استنادٍ إلى دليلٍ منْ نقلٍ ولا عقلٍ إلَّا إذا كنت مُكَابِرًا، والمُكَابِرُ لا داعي للكلامِ معهُ {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ *} [الأنعام: 104][17]. وهذه الوجوهُ كافيةٌ شافيةٌ نافعةٌ لمنْ أرادَ الهدايةَ. ونختمُ هذا الفصلَ بنقطتينِ: إحداهُما: أنَّهُ ينبغي للمُؤَوِّلِينَ أنْ يتأمَّلُوا آيةً منْ «سورةِ الفرقان» وهيَ قولهُ تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَانُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] ويتأمَّلوا معها قولَهُ تعالى في سورةِ فاطر: {وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14]. فإنَّ قولَهُ في الفرقانِ: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] بعدَ قولهِ: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الفرقان: 59] يدلُّ دلالةً واضحةً: أنَّ الله الذي وصفَ نفسهُ بـ «الاستواءِ» خبيرٌ بما يصفُ بهِ نفسهُ لا تخفى عليهِ الصِّفةَ اللائقةَ منْ غيرهَا. ويفهمُ منهُ: أنَّ الذي ينفي عنهُ «صِفَةَ الاسْتِوَاءِ» ليسَ بخبيرٍ، نعمْ هُو واللهِ ليسَ بخبيرٍ[18]. الثانيةُ: إنَّ السَّلَفِيِّينَ إذا قيلَ لهم: ما الدليلُ على أنَّ اللهَ تعالى فَوْقَ العَرْشِ؟ قالوا: قالَ اللهُ سبحانه وتعالى كذا، وقالَ رسولُهُ صلى الله عليه وسلم كذا. وأنتم إذا قيلَ لكم: ما الدليلُ على تفسيرِ الاستواءِ بالاستيلاءِ؟ قلتم: قالَ الأخْطلُ: استوى بشرٌ على العراقِ... بَنَيْتُمْ مذْهبَكُم على بيتِ شعرٍ منْ قولهِ، وتركْتُمْ الكتابَ والسُّنَّةَ؟! وهذا قطرةٌ منْ بحرٍ نبَّهنا بهِ تنْبيهًا يعلمُ بهِ اللَّبيبُ ما وراءهُ. وإلَّا لو أعْطينا هذا الموضعَ حقَّهُ - وهيهاتَ أنْ يصلَ إلى ذلكَ علْمنا، أوْ قدرتنا - لكتبنا فيهِ عدَّةَ أسْفارٍ، وكذا كلُّ وجهٍ منْ هذهِ الوجوهِ، فإنَّهُ لو بسطَ، وفصِّلَ لاحْتملَ سفرًا أو أكْثرَ[19]. فعلى المتأوِّل أنْ يجيبَ عنْ ذلكَ كلِّه! وهيهاتَ لهُ بجوابٍ صحيحٍ عنْ بعضِ ذلكَ! -------------------------------------------------------------------------------- [1] درء تعارض العقل والنقل (7/123). [2] انظر: شرح العقيدة الواسطية (ص107 - 108)، للعلامة: ابن عثيمين رحمه الله. [3] شرح العقيدة الواسطية (ص75)، للعلامة: محمد خليل هراس رحمه الله. [4] درء تعارض العقل والنقل (5/382). [5] البداية والنهاية (9/8 و273). [6] مجموع الفتاوى (6/297). [7] رواه مسلم (2653). [8] تحريمُ النظر في كتب الكلام (ص53)، للإمام: موفّق الدين ابن قدامة المقدسي رحمه الله. [9] انظر: مجموع الفتاوى (17/376). [10] أخرجه البخاري (6/2738) تعليقًا [طبعة دار ابن كثير، الطبعة الثالثة]. [11] الصواعق (ص737). [12] مختصر الصواعق (2/145). [13] الحوادث والبدع (ص27 - 28). [14] الكافية الشافية (ص157). [15] قال أبو هريرة رضي الله عنه لرجل: «يا ابنَ أخي! إذا حدَّثْتُكَ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حديثًا فلا تَضْرِبْ له الأمثالَ» أخرجه ابن ماجه في المقدمة، باب: تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتغليظ على منْ عارضه (22)، وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في «صحيح سنن ابن ماجه» (20). [16] أضواء البيان (7/452 - 453). [17] آداب البحث والمناظرة (2/161). [18] منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات (ص88)، للعلامة الشنقيطي رحمه الله. [19] الصواعق (ص917).[/size] |
|||
2010-09-28, 21:48 | رقم المشاركة : 64 | |||
|
جزاك الله خيرا أخي جمال و بارك فيك |
|||
2010-09-29, 14:28 | رقم المشاركة : 65 | |||
|
نعم ..
قال الشيخ أحمد حمّاني رحمه الله في الفتاوى :((و قد قبل أسلافنا تأويل الأشاعرة كما قبلوا تفويض السلف.)) وأنت.. هل تفوّض المعنى أم تفوّض الكيف والشكل فقط ؟ |
|||
2010-09-29, 14:50 | رقم المشاركة : 66 | ||||
|
اقتباس:
العرش مخلوق عظيم ..ولكن الإنسان العاقل يقول أنّ الإقتراب من العرش كلّما إرتفعنا في السماء وفي أيّ اتجاه معناه أنّ العرش محيط بالسماوات.. |
||||
2010-09-29, 15:02 | رقم المشاركة : 67 | ||||
|
اقتباس:
1 - إنشغالي هذه الأيام بنسخ جزء من كتاب للشيخ فركوس حفظه الله عالج فيه مسألة فقهية مهمة تشغل بال الطلاب والعامة على حدّ سواء 2 - نزولا عند رغبة صاحب الموضوع ... وشكرا [quote]جاء في كتاب كتاب ( المجموعة العلية من كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ) (المجموعة الأولى) جمع وتحقيق الدكتور : هشام بن إسماعيل بن علي الصيني جامعة أم القرى - قسم العقيدة من منشورات دار ابن الجوزي الطبعة الأولى محرّم 1422 هجري هذا الردّ السديد لشبهة من شبهات النفاة وأعتذر عن عدم ذكر اسم المحقق وذلك لأن الكتاب بعيد عني الآن وأعدكم بنقل اسمه في وقت لاحق اعترافا له بحقه وجهده رفع الله قدره : مسألة عن نسبة الباري إلى العلو من جميع الجهات المخلوقة مسألة سئل عنها سيدنا وشيخنا وإمامنا الشيخ الإمام العالم العامل الناسك البارع المجتهد السالك المحقق والمدقق مفتي الفرق وناصر السنن وقامع البدع فريد عصره وواسطة عقد دهره شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية الحراني –نفعنا الله بعلومه الفاخرة وأسبغ علينا نعمه باطنة وظاهرة وأثابه في الدار الآخرة- بالديار المصرية فيمن قال : إن نسبة الباري تعالى إلى العلو من جميع الجهات المخلوقة وإنه يدعى من أعلى لا من أسفل وإنه بائن من خلقه لا يتصور ذلك في الذهن إلا إذا فرضنا أن ذات الحق فلكية محيطة بالفلك إذ الفلك مستدير محيط بالخلق فهذا التصور حق أم لا ؟ وإذا لم يكن حق فما الدليل الخاصم لحجته بما يقبله العقل الصحيح أفتونا مأجورين رضي الله عنكم أجمعين ..... 1 أجاب رضي الله عنه : الحمد لله بل هذا التصور باطل وأما بيان بطلانه فله طرق كثيرة وذلك أن هذا القائل يقول: لو كان الباري سبحانه وتعالى فوق المخلوقات وهو بائن من مخلوقاته لوجب أن يكون فلكا محيطا بالأفلاك لأن الفلك التاسع مستدير وهو محيط بسائر الأفلاك وما في جوفها والمحدد للجهات هو سطح الفلك التاسع فلو قدرنا شيئا فوقه للزم أن يكون فلكا تاسعا ...2 وهو مبني على أن الأفلاك مستديرة وهذا ثابت بالسمع والعقل وربما قال بعضهم : إن الافلاك هي تحت الارض فلو كان فوق العالم للزم أن يكون تحت هذه الأرض أبراج تحت بعض الناس فهذا حقيقة كلامه. وأما بيان بطلانه فمن وجوه: أحدهما : أن يقال: لا يخلو إما أن يكون الخالق تعالى مباينا للمخلوقات وإما أن يكون محايثا لها وإما لا يكون لا مباينا ولا محايثا لها. وإن شئت قلت: إما أن يكون داخل العالم وإما أن يكون خارجه وإما لا يكون داخله ولا خارجه. وإن شئت قلت: هو سبحانه لما خلق العالم إما أن يكون دخل فيه أو أدخله (نفسه أو لا)..3 داخل فيه ولا أدخله في نفسه. فإن قال :إنه/ داخل العالم محايث له أي هو بحيث العالم والعالم أجسام قام بها أعراض هي الصفات فالذي هو داخل فيه محايث له إما عرض قائم بأجسامه وإما بعض أجسامه وعلى القول يكون سطح الفلك محيطا به فالقول بكون الفلك محيطا به أبعد عن العقل والدين من كونه محيطا بالفلك. فإن قال: يمكن في العقل أن يكون داخل العالم ولا يكون جسما من أجسام العالم ولا عرضا قائم به. قيل له: فإن كان هذا جائزا في العقل بكونه خارجا عن العالم مباينا له بكونه (عين)..4 الفلك أقرب في العقل من كونه فيه والعالم لا يحيط به وهذا بيّن واضح فإن أثبت أنه في العالم ولا يحيط به العالم كان القول بأنه خارج العالم ليس بفلك أولى في العقل. وإن قال: إنّه فيه والعالم محيط به وذلك ممكن كان القول بأنه هو المحيط بالعالم أولى في العقل أن يكون متمكنا فتبيّن أنه على التقديرين إلى محدود لزمه في كونه خارج العالم مباينا له كان المحذور في كونه داخل العالم محايثا له أعظم وأقوى فلا يجوز إثبات الأبعد عن العقل العقل والدين بنفي الأقرب إلى العقل والدين. وأما إن قال: إنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا مباين له ولا محايث له. قيل: فهل يعقل موجودان قائمان بأنفسهما لا يكون أحدهما داخل الآخر ولا خارجه؟ وهل يعقل إثبات خالق للعالم ليس في العالم ولا مباينا للعالم؟ وهل يعقل أنه خلق العالم لا في نفسه ولا خارجا .. 5 عن نفسه؟ فإن قال: هذا معقول ممكن متصور قيل: فتصور موجود قائم في هذا الباب يستعمل بثلاث معان: أحدها: أن يراد بالمباينة المخالفة التي هي ضد المماثلة وهي بهذا الاعتبار متفق عليها بين الناس إذ لا نزاع بينهم أنّ الخالق سبحانه مباين لمخلوقاته بهذا المعنى لكن هذه المباينة تثبت لصفات الموصوف القائمة بمحل واحد وهي الأعراض القائمة بالجسم كالطعم واللون والريح والحركة والسكون القائمة بالساحة مثلا فإنّ هذه الصفات تباين بعضها بعضا بهذا المعنى فإن كل واحدة من هذه الصفات تباين بعضها بعضا بهذا المعنى فإن كل واحدة من هذه الصفات التي تسمى أعراضا ليست مثل الآخر. والمعنى الثاني: في المباينة حد المحايثة وهو أن يكون/أحد الشيئين ليس هو محايثا له سواء أكان ملاصقا له مباينا أم لم يكن كذلك فكل شيء قائم بنفسه مباين لكل شيء قائم بنفسه بهذا الاعتبار سواء ماسّه أم لم يمّاسه وهذه المباينة المذكورة في السؤال وهي التي أرادها الأئمة كعبد الله بن المبارك وغيره حيث قالوا: نعرف ربنا بأنّه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه وكان المتكلمة الصفاتية الذين سلك مسلكهم الأشعري كعبد الله بن سعيد بن كلاب ... 6 والحارث المحاسبي ...7 وأبي العباس القلانسي ...8 وغيرهم يثبتون هذه المباينة لاعتقادهم أن الله فوق خلقه وأنه مستو على عرشه وإنكارهم على الجهمية الذين لا يفرقون بين العرش وغيره . وكذلك ذكر الأشعري ذلك أن أهل السنة والحديث وذكر أنه قوله وردّ على الجهمية من كتبه المعروفة كالموجز والإبانة والمقالات وغير ذلك من كتبه. والمعنى الثالث من معاني المباينة ما يضاد الممّاسة والملاصقة وهذه المباينة المعروفة عند الناس وهي أخصّ معانيها وليس المقصود هنا ذكر هذه لا نفيا/ ولا إثباتا فإن القائم بنفسه لا يجب ان يكون مباينا لكل قائم بنفسه بهذا الاعتبار وكل مباينة (تجب) ...9 للمخلوق مع المخلوق فالخالق أحق بها سبحانه وتعالى فلما وجب أن يكون المخلوق مباينا للمخلوق بالمعنى الاول والثاني كان الخالق احق بذلك وزيادة لامتناع مماثلة المخلوق ومحايثته له فإن المماثلة والمحايثة ممتنعان عليه لامتناع مساواته لخلقه أو احتياجه إليهم والمماثلة والمحايثة توجب ذلك والله سبحانه له المثل الأعلى كما قال تعالى (للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى)[النحل:60] فكل ما يفهم المخلوق من صفات كمال فالخالق أحق بها واكمل في (إفضائه)...10 كالعلم والقدرة والحياة والكلام ونحو ذلك وكل ما نزّه عنه شيء من المخلوقات من صفات النقص فالخالق أحق بأن ينزّه عن ذلك فإذا كان أهل الجنة لا ينامون ولا يموتون فالحي القيوم أحق بأن لا تأخذه سنة ولا نوم وهو الغني المطلق عما سواه فكل ما سواه يفتقر إليه وهو غني عن كل ما سواه وهو سبحانه مع أنه مستو على عرشه عال على خلقه فهو الذي يمسك السموات /والأرض أن تزولا وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما فالعرش وحملته هو الذي يمسكهم بقوته ومشيئته بل قدجاء في الاثر أن الله لما خلق العرش وأمر الملائكة بحمله قالوا: ربنا من يطيق حمل عرشك وعليه عظمتك ؟ فقال: قولوا لا حول ولا قوة إلا بالله . فبذلك أطاقوا حمل العرش ... 11 والله سبحانه قد جعل الأعلى من المخلوقات مستغنيا عن الاسفل فالسموات فوق الارض وليست محتاجة إلى الأرض ولا مفتقرة إلى أن تحملها فالخالق العلي الأعلى كيف يفتقر إلى العرش أو حملته (فوق العرش)...12 أو إلى غيره من المخلوقات؟ فلو كان محايثا ... 13 لخلقه لكان وجوده مشروطا بوجود ذلك المحايث بل كانت ذاته مفتقرة إلى محايث سواء أكان المحايث من جنس محايثة العرض للعرض أو من جنس محايثة العرض للجسم أو من جنس ما يدعيه من يقول بمحايثة الصورة للجسم أو من جنس ما يدعيه من يقول بمحايثة الصورة الجوهرية للمادة الجوهرية وهذا هو المعقول من المحايثات ولهذا كان القائلون بحلوله في المخلوقات أو اتحاده به من الجهمية تعود مقالتهم إلى مثل هذا فآخر أمرهم يجعلونه مع المخلوقات كالمادة مع الصورة أو كالعرض مع الجسم حتى قالوا: وجوده وجود/المخلوقات ...14 إذ قالوا: إن الماهيات ثابتة بدونه كما يقوله ابن عربي ...15 صاحب الفصوص (الموافقة)... 16 للمعتزلة في قولهم: إن المعدوم شيء. فإما أن يجعلوا الوجود صفة للانسان أو قائما بنفسه مع الأعيان وكلام ابن سبعين ...17 يرجع إلى هذا فإنه كان متفلسفا فيجعله مع المخلوق بمنزلة المادة و الصورة ومن جعله الوجود المطلق والأعيان لها التعيين فإن جعل الأعيان ماهيات ثابتة في الخارج –كما يقوله من يقوله من المتفلسفة-فقد جعلوه مشروطا بتلك الماهيات وهو معها إما كالجوهر مع الجوهر أو كالجوهر مع العرض وإن لم يجعل للأعيان ماهيات ثابتة فالمطلق لا يكون في الخارج إلا عين الشخص فافتقاره إلى الأعيان المخلوقة أعظم وأعظم بل على هذا التقدير ليس مغايرا لها البتة. وقول التلمساني ... 18 –وهو أحذقهم- في مقالته التي هي وحدة الوجود يرجع إلى هذا. وعلى كل وجه يفرض من وجوه المحايثات فإنه يكون مشروطا بوجود المخلوقات لا تتحقق ذاته بدون المخلوقات وما كان كذلك لم يكن خالقا للمخلوقات بل ولا يجوز أن يكون علة لها فضلا عن أن يكون خالقا لها لأن العلة متقدمة/ بالذات على المعلول والمشروط بالشيء لا يكون متقدما عليه إذ وجود المشروط المستلزم لشرطه قبل شرطه الملازم للإيجاب فيمتنع أن يكون علة بل ولا يكون واجب الوجود بنفسه لأن نفسه لا تستغني في وجودها بل لابد تحققها من ذلك الشرط اللازم لها المقرون بها فيكون وجودها مفتقر إلى وجود ذلك الشرط ولأن محايثة القائم بنفسه محال. وما يذكره المتفلسفة من محايثة الصورة فللمادة هو بناء منهم على أن تصور الأجسام مواد هي جواهر قائمة بنفسها وهذا باطل لا حقيقة له ... 19 وكذلك من قال: إن الجواهر الموجودة ماهيات قائمة بنفسها وهذا باطل لا حقيقة له ... 20 وكذلك من قال: إن الجواهر الموجودة ماهيات قائمة بأنفسها غير الموجود المعروف(فقوله باطل بما يذكرونه من الماهيات الثابتة المعاني للوجود المحسوس ومن المواد القائمة بنفسها المغايرة للجسم المحسوس فهي موجودات في أذهان لا حقيقة لها في الخارج)...21 سواء قالوا باستغناء المواد عن الصور واستغناء الماهيات عن وجودها كما يذكر عن أفلاطين ... 22 وشيعته أو قالوا بافتقار المادة إلى الصورة والماهيات/ إلى الوجود كما يقوله أرسطوا ... 23 وشيعته وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع فلم يبق إلا محايثة العرض للجسم ومحايثة الصفة للموصوف وهذا ممتنع لوجهين: أحدهما أن الموجودات القائمة بأنفسها لا تحايثها الأعراض والعرض مفتقر إليها محتاج إليها والعرض يمتنع أن يكون هذا الفاعل المبدع العلة لمحاله أو غير محاله وهذا معلوم ببديهة العقل وضرورته (وأدلته)...24 كثيرة فإن الأعراض ذواتها مفتقر ...25 إلى ذوات محالها فلا تكون واجبة الوجود بدون محالها ([فالواجب مستغن[عن]الممكن دون العكس [وإلا] لم يكن واجبا لها) ...26 [و] امتنع أن يكون مبدعة لها فاعلة لها أو محل لها. الوجه الثاني: أن كلا من المتحايثين يمتنع وجوده دون محايث فإن العرض لا يوجد دون الجسم والشكل أيضا يمتنع خلوه من جميع الأعراض فإنه لا بد له من شكل ولابد أن يكون متحركا أو ساكنا ومن ظن جواز خلو الأجسام عن الأعراض ...27. وإذا كان كذلك فكل محايث لمخلوق يمتنع وجوده بدون وجود المخلوق ويكون مشروطا بوجود المخلوق ومفتقرا في وجوده إلى وجود المخلوق فيمتنع حينئذ أن يكون هذا المبدع/ الفاعل له لوجوب تقدم مع امتناع تقدم المحايث فيجب أن (يكونا) ...28 مفعولين لفاعل ثالث فيكون الخالق مخلوقا والواجب ممكنا أو يكون كل منهما واجب الوجود بنفسه فيمتنع جعل أحدهما خالقا والآخر مخلوقا فلا يكون من العالم شيء مخلوق ولا محدث ولا ممكن وهذا خلاف الحسّ فإنا نشهد الحدوث والعدم معتقبان على ما شاء الله من العالم وما وجد بعد عدمه وعدم بعد وجود يمتنع أن يكون واجبا بغيره مطلقا فضلا عن أن يكون واجبا بنفسه ومن تدبر هذه المعاني وما يشبهها تبين له أن كل من جعله محايثا للمخلوقات امتنع أن يكون عنده خالقا لها أو مبدعا أو علة أو أن يكون غنيا عنها بل يجب على قوله أن يكون مفتقرا إليها بافتقاره إليه ...29 كما يصرح بذلك صاحب الفصوص ...30 وأمثاله من القائلين بوحدة الوجود ومن المعلوم أن ذلك ينافي وجوبه بنفسه وإمكان غيره وقد علم بالضرورة أن الوجود فيه من موجود واجب مستغن بنفسه ومن موجود مفتقر إلى غيره بل فيه موجود حادث بعد أن لم يكن والحادث لا يحدث نفسه/ ولا يحدث بلا محدث بل لابد للحادث من محدث فهذا هذا. الطريق الثاني في الجواب عن السؤال المذكور أن يقال: المخلوق (يكون)... 31 فوق المخلوق ولا يكون فلكا محيطا به والأفلاك يجوز أن تكون فوقها شيء آخر غير الأفلاك ويكون فلكا محيطا بها مع كونه أكبر منها تارة وأصغر منها أخرى فكيف يجب في الخالق إذا كان فوقها أن يكون فلكا مستديرا وذلك أن الشمس والقمر والكواكب التي هي في الفلك الرابع أو الثامن أو نحو ذلك هي فوق ما تحتها من الأفلاك فالشمس التي هي في الفلك الرابع تحقيقا أو تقديرا لا ريب أنها فوق بقية الأفلاك وهي فوق الأرض ولا تزال فوق الأرض وهي قدر الأرض أكثر من مائة وستين مرة ومع هذا فليست فلكا محيطا بالأرض والقمر فوق الأرض ويقال: إن الأرض بقدره أربعين مرة ومع هذا فليس هو فلكا مستديرا والكواكب الثابتة منها ما يقال (إنه أكبر مائة)... 32 مرة ومنها ما هو دون ذلك والكواكب الموجودة ستة أقدار يقال إن أصغرها بقدر الأرض ثماني عشر مرة وهذا الكلام على نمط من تكلم باستدارة الأفلاك فإن ذلك لما كان من علم /الحساب كان هذا من توابعه فلهذا ذكرناه وإن كان استدارة الأفلاك قد يعلم بالسمع وهذا لا يعلم بالسمع فلا ريب أنه ممكن وليس في السمع ما يدفعه ولنا عنه غنية فنقول: كل كوكب مرئي في السماء هو فوق الأرض مطلقا مع العلم أنه ليس فلكا محيطا بها سواء أقدرنا أنه أكبر من الأرض أو أصغر منها وهذا لأن العالي على الشيء الذي هو فوقه لا يجب أن يكون مسامتا لجميع أجزائه بحيث لا تزيد عليه ولا ينقص عنه بل هو فوقه وعليه سواء كان أكبر منه كالسماء على الأرض ... 33 .............................. .............................. .............................. .... الهامش: 1- ذكر الرازي شبهة مثل هذه وقد فصل ابن تيمية الردّ عليه من عدة وجوه في درء تعارض العقل والنقل(6/326-340)وهو تفصيل مهم لهذه المسألة. 2- لعل الصواب: عاشرا 3- في الأصل: نفسا ولا 4- هكذا في الأصل ولعل الصواب:غير. 5- في الأصل: خارج. 6- صحّ الأثر بذلك عن عبد الله بن المبارك أخرجه الدارمي في نقضه على المريسي برقم (33 و 130) وعبد الله بن أحمد في السنة(22 و 216 و598) وابن بطة في الابانة – الرد على الجهمية – (3/155 – 157) وابن قدامة في إثبات صفة العلو (99 و 100) وهو الثابت عن السلف رضي الله عنهم كما تراه في إثبات صفة العلو لابن قدامة حيث ذكره عن الصحابة والتابعين والأئمة. 7- هو عبد الله بن سعيد بن كلاّب القطان البصري رأس المتكلمين بالبصرة في زمنه وكان يلقب كلابا لأنه كان يجر الخصم إلى نفسه ببيانه وبلاغته قيل توفي سنة (241 ه) له ترجمة في سير أعلام النبلاء (11/174) وفي طبقات الشافعية للسبكي (2/299) وترجمت له هدى الشلالي في رسالتها (آراء الكلابية العقدية) ترجمة جيدة من (ص49 – 59). 8- هو الحارث بن أسد البغدادي المحاسبي مشهور بالزهد وهو من أبرز شخصيات الكلابية (ت 243 ه) له ترجمة في تاريخ بغداد (8/211) وسير أعلام النبلاء (12/110) وطبقات الشافعية للسبكي (2/275). 9- أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن القلانسي لا تكاد تجد له ترجمة مستقلة في المصادر المتقدمة ينسب إلى الكلابية عاش في القرن الثالث الهجري له ترجمة في آراء الكلابية العقدية (ص73-78). 10- في الاصل: يجب. 11- هكذا في الأصل ولعل الصواب. اتصافه بها. 12- أخرجه ابن جرير في تفسيره (12/216) برقم (34792) في تفسير قوله تعالى: (ويحمل عرش ربّك فوقهم يومئذ ثمانية) قال حدثني يونس [بن عبد الأعلى] قال: أخبرنا ابن وهب[عبد الله بن وهب القرشي] قال: قال ابن زيد[عبد الرحمن بن زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب] في قوله تعالى: (ويحمل عرش ربّك فوقهم يومئذ ثمانية) قال: ثمانية أملاك وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ....وهذا سند ضعيف فيه انقطاع عبد الرحمن بن زيد من أتباع التابعين وهو ضعيف كما في التقريب (3865) 13- هكذا في الأصل ولعل الصواب حذفها. 14- أي: ممتزجا بهم انظر ما تقدم عن المعنى الثاني للمباينة ص 101 15- كتب أمام هذه الكلمة في الحاشية: مطلب كلام الصوفية. 16- هو محمد بن علي بن محمد الطائي الحاتمي المرسي بن العربي (ت638 ه) من أئمة الزندقة وأهل وحدة الوجود قال الذهبي في ترجمته في السير: ( ... وسكن الروم مدة وكان ذكيا كثير العلم كتب الإنشاء لبعض الأمراء بالمغرب ثمّ تزّهد وتفرّد و توحّد وسافر وتجرّد وأتهم وأنجد وعمل الخلوات وعلّق شيئا كثيرا في تصوف أهل الوحدة ومن أردأ تواليفه كتاب الفصوص فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر نسأل الله العفو والنجاة ... ) وله ترجمة في لسان الميزان (5/311) وذكر الدكتور صلاح الدين المنجد في مقدمة كتاب (الدرّ الثمين في مناقب الشيخ محي الدين) كثيرا من مظان ترجمته وأضاف إليها محققا سير أعلام النبلاء (23/48) . 17- لعل الصواب: الموافق. 18- هو عبد الحق بن ابراهيم بن محمد بن سبعين بن نصر بن فتح بن سبعين العتكي الغافقي المرسي المربوطي (ت 669 ه) من أئمة الزندقة وأهل وحدة الوجود وفلاسفة الصوفية له ترجمة في لسان الميزان (3/395) وشذؤات الذهب (5/329) ونفح الطيب (2/395). 19- هو سليمان بن علي بن عبد الله بن علي بن يس الكوفي التلمساني (ت 690 ه) أحد زنادقة الصوفية القائلين بوحدة الوجود له ترجمة في شذرات الذهب (1/306) وفي النجوم الزاهرة (8/29). 20- وجه بطلان هذا القول أن تصور الأجسام موادا هي جواهر قائمة بنفسها لا يكون إلا في الاذهان ولا يمكن وجودها في الخارج المحسوس 21- ما بين () فيها صعوبة في قراءتها لطمس أو سوء تصوير وهذه أقرب قراءة لها. 22- هو المشهور باسم أفلاطون بن أرستون ولد في اثينا عام (428 ق.م) ويقال إن الإسم الأصلي لأفلاطون هو: أرستوقلس ثم أطلق عليه اسم (فلاطن) platon وذلك بسبب سعة جبهته ويعتبر (سقراط) أشهر أساتذة أفلاطون ويعتبر (أرسطو) أشهر تلاميذه توفي أفلاطون سنة (348/347 ق.م).. موسوعة الفلسفة للدكتور عبد الرحمن بدوي (1/154-157). 23- أرسطوطاليس بن نيقوماخوس ولد عام (384 ق.م) بمدينة اسطاغيرا في اليونان ويعتبر أسطو أعظم فيلسوف حتى لقب بالمعلم الأول وصاحب المنطق توفي عام (322 ق.م) .موسوعة الفلاسفة (1/98-99). 24- في الأصل: وأدائه وهي تشبه كلمة (وأدلته) في الرسم. 25- لعلها: مفتقرة. 26- ما بين () كتب في الهامش بخط غير واضح وهذه أقرب قراءة لها 27- يظهر أن هنا سقط ولعل بقية الجملة: فهو المخطئ 28- في الأصل: يكون 29- في الأصل: إليها 30- ومن ذلك شعره المشهور: الرب حق والعبد حق ... يا ليت شعري من المكلف إن قلت عبد فذاك رب ... أو قلت رب أنّى يكلّف وفي موضوع آخر قال: (فذاك ميت) بدلا من (فذاك رب) انظر مجموع الفتاوى(2/242) وكذلك (2/111 115 117) و (14/12) 31- في الأصل: إن يكون. 32- في الأصل: هو إنه أكثر من مائة. 33- بعد هذا النص يوجد نص طويل ليس متسق مع هذه الرسالة وبعد التأمل وجدته هو بقية الفتوى عن مسألة المعية والنزول السابقة فنقلتها إلى مكانها والحمد لله[/quote] |
||||
2010-09-29, 15:34 | رقم المشاركة : 68 | |||||
|
اقتباس:
أخي العاصمي.. في مشاركتي الأخيرة التي تفضّلت بنقل الإجابة عليها لم أتكلم عن ذات الله تعالى ..كلامي جعلته عن العرش العظيم المخلوق ..أيّ انّ المسألة هي : مسألة عن نسبة العرش إلى العلو من جميع الجهات المخلوقة اقتباس:
بارك الله فيك .. |
|||||
2010-09-29, 16:12 | رقم المشاركة : 69 | ||||
|
اقتباس:
لا عليك فقد كان ذلك من باب الفائدة وبإمكانك تحصيل جواب كلامك من الرسالة العرشية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تجدها على الرابط الآتي : https://www.almeshkat.net/books/open.php? cat=25&book=872 |
||||
2010-09-29, 23:55 | رقم المشاركة : 70 | ||||
|
اقتباس:
تم الرد على من استشهد بكلام الشيخ السلفي أحمد حماني رحمه الله في هذا الرابط فلا داعي للتكرار:
https://www.djelfa.info/vb/showpost.p...46&postcount=2 سيتم الرد على باقي شبهاتك قريبا فلا أريد أن أسبق الأحداث فالأولوية لاتمام موضوعي. |
||||
2010-09-29, 23:55 | رقم المشاركة : 71 | |||
|
بارك الله فيك فهذا ما كنت أريد أن أطلبه منكم.
|
|||
2010-09-29, 23:58 | رقم المشاركة : 72 | |||
|
الإعتراض الخامس: إعتراضهم على الإستدلال بآيات الصعود والعروج والرفع والفوقية وتنزيل الكتب خامسا:الفوقية تأتي بالمعنيين: تأتي حسية ومعنوية، فالحسية مثل قوله تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:50] ، ففي هذه الآية إثبات صفة الفوقية الحسية، وأما الفوقية المعنوية فمثل قوله تعالى في أتباع عيسى: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [آل عمران:55] فهذه الفوقية ليست حسية، بل المقصود بها الفوقية المعنوية بالترفع عليهم فقط. وكذلك فوقية الله سبحانه وتعالى على خلقه فوقية حسية وفوقية معنوية: فوقية حسية بارتفاعه وعلوه واستوائه على عرشه، وفوقيته المعنوية بمخالفته للحوادث وقهرهم بإحاطته بما هم فيه. فالله له العلو المطلق، فله علو الشأن، فشأنه عظيم، ولا يحيطون بشيء من علمه، ولا يحيطون به علماً سبحانه وتعالى، وله علو القهر، فقد غلب كل شيء، وقهر كل شيء، وعلا على كل شيء، وله علو الذات سبحانه وتعالى كما قال سبحانه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، فاستوى فوق عرشه، وعرشه فوق سماواته، كما جاء في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة، والكرسي بجوار العرش كحلقة في فلاه)، والله على عرشه استوى. وقد يقول قائل:ولماذا فسرتم قوله تعالى((يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) بالفوية الحسية دون المعنوية؟ فيقال: لأن سياق الكلام في كلام العرب يدل على الفوقية الحسية لا المعنوية فقد جاءت الآيات تتحدث عن عباد الله المتقين الذين يخافون ربهم الذي فوقهم(من فوقهم) فلا شك أن لفظ الفوق إذا جاء مجرورا ب(من) لا يفهم منه إلا الفوقية الحسية كما في قوله تعالى((إذا جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم)) وكقوله تعالى((قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم..)) فإذا لم تكن هذه فوقية حسية فماعساها أن تكون؟!!!! أما تفسيرك للفوقية الحسية التي يثبتها السلفيين بأنها جسم فوق جسم فذاك في حق المخلوقات ولكن كلامنا عن الخالق جلا جلاله الذي(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). وقد تقدم الرد على هذا في الرد على الشبهات فليراجع. من طرائف ابن جهبل و للعلم : لم يكن ابن جهبل محققا لمذهب السلف بل من طرائفه في رده على شيخ الإسلام ابن تيمية انه أدرج كلام الإمام أحمد مع كلام ابن تيمية و ظن انه كله كلام الامام أحمد ! فقال :( و لو تنازل واكتفى بما نُقل عن إمامه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، حيث قال: " لا يُوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نتجاوز القرآن والحديث، ونعلم أن ما وُصِفَ اللهُ به من ذلك فهو حق، ليس فيه لغو ولا أحاج، بل معناه يُعرف من حيث يُعرف مقصود المتكلم بكلامه، وهو مع ذلك ( ليس كمثله شيء) في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته، ولا في أفعاله، فكان ينبغي أن الله سبحانه له ذات حقيقية، وأفعال حقيقية، وكذلك له صفات حقيقية، وهو ( ليس كمثله شيء) لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وكل ما أوجب له نقصاً أو حُدوثاً فإن الله عز وجل منزه عنه حقيقةً، فإنه سبحانه مُستحق للكمال الذي لا غاية فوقه، وممتنع عليه الحدوث لا متناع العدم عليه، واستلزام الحدوث سابقة العدم، وافتقار المُحدَث إلى مُحدِث ووجوب وجوده بنفسه سبحانه وتعالى " ولقد أتى إمامك في هذا المكان بجوامع الكلم، وساق أدلة المتكلمين على ما تدعيه بأحسن رد وأوضح معان، مع أنه لم يأمر بما أمر به هذا الفريق. ) اهـ كلام ابن جهبل في رسالته تلك ! و الطريف ان الكلام الملّون باللون الأحمر هو كلام شيخ الإسلام أصلاً ! و لكن ابن جهبل ظنه كلام الإمام أحمد ! و كلام الإمام أحمد انتهى عند قوله : " لا يُوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نتجاوز القرآن والحديث " فامتدح كلام شيخ الإسلام ظانا أنه كلام الامام أحمد ! و احتج بكلامه عليه ! و هذا يدلك على مدى تحقيق مثل هذا لمذهب السلف ! |
|||
2010-09-29, 23:59 | رقم المشاركة : 73 | |||
|
الإعتراض السادس:إعتراضهم على دليل :رفع الأيدي إلى السماء.
قالو: أنَّ ذلكَ إنَّما لكونِ السَّماءِ قبلةَ الدعاءِ، كمَا أنَّ الكعبةَ قبلةٌ للصَّلاةِ، ثمَّ هوَ منْقوضٌ بوضعِ الجبْهةِ على الأرضِ معَ أنَّهُ ليسَ في جهةِ الأرضِ))انتهى واحتج الأحباش ومن وافقهم بشبهة واهية وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقلب يديه في الاستسقاء فتارة يوجه باطن كفه إلى السماء وتارة إلى الأرض. بمعنى أنه إذا كنا نوجه الأيدي إلى السماء لأن الله في السماء فهذا مردود بتوجيه يديه إلى الأرض. وهذا الكلامُ باطلٌ معلومٌ بالاضطرارِ بطلانُهُ، مخالفٌ لصريحِ المعقولِ، وصحيحِ المنقولِ عنْ الرسولِ صلى الله عليه وسلم. وذلكَ يظهرُ بوجوهٍ: أحدُها: أنَّ قولَكُم: إنَّ السَّماءَ قبْلَةُ الدُّعاءِ لمْ يقلْهُ أحدٌ منْ سلفِ الأمَّةِ، ولا أنْزلَ اللهُ بهِ منْ سُلطانٍ، وهوَ قولٌ مُحْدَثٌ، ومخالفٌ لإجماعِ المسلمينَ، ولما عُلِمَ بالاضطرارِ منْ دينِ الإسلامِ، فيكونُ منْ أبطلِ الباطلِ. الوجهُ الثاني: أنَّ توجُّهَ الخلائقِ بقلوبهم وأيديهم وأبصارهم إلى السَّمَاءِ حالَ الدُّعاءِ أمرٌ فطريٌّ ضروريٌّ لا يختصُّ بهِ أهلُ المللِ والشرائعِ؛ والمسْتقبلُ للكعبةِ يعْلمُ أنَّ الله تعالى ليسَ هناكَ، بخلافِ الدَّاعي، فإنَّه يتوجَّهُ إلى ربِّهِ وخالقهِ، ويرجو الرَّحمةَ أنْ تَنْزِلَ منْ عندهِ. الوجهُ الثالثُ: أنَّ قبلةَ الدُّعاءِ هي قبْلةُ الصَّلاةِ، فإنَّهُ يسْتحبُّ للدَّاعي أنْ يسْتقْبلَ القِبْلَةَ، وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يسْتقبلُ القبْلةَ في دعائهِ في مواطنَ كثيرةٍ، فمنْ قالَ: إنَّ للدُّعاءِ قبْلةً غيْرُ قبْلةِ الصَّلاةِ، أو إنَّ لهُ قبْلتينِ: إحْداهما الكعْبةُ، والأخْرى السَّماءُ، فقدِ ابْتدعَ في الدِّينِ، وخالفَ جماعةَ المسْلمينَ. الوجهُ الرابعُ: أنَّ القبلةَ تقبلُ النَّسخَ، كما نُسِخَتْ منْ بيتِ المقْدِسِ إلى المسجدِ الحرامِ، أمَّا التَّوجُّهُ إلى السَّماءِ حالَ الدُّعاءِ فهوَ أمْرٌ مركوزٌ في الفطرِ، لا يتوجَّهونَ إلى غيرِ جهةِ العلوِّ، يفعلهُ العالمُ والجاهلُ. وإذا كانتِ القبلةُ أمرًا يقبلُ النَّسخَ والتبديلَ فيجبُ على هذا التقديرِ إذا كانتِ السَّماء قدْ جعلتْ قبلةً للدعاءِ أنْ يجوز تغييرُ ذلكَ وتبديلُه؛ حتىَّ يجوز أنْ يُدْعا الله إلى نحو الأرضِ، ويجوزُ أنْ يدعوهُ الإنسانُ مِنَ الجهاتِ السِتِّ، ويمدُّ يدَهُ وعينيهِ إلى سائرِ جهاتهِ، وأنْ يكونَ ذلكَ قبلةً لبعضِ الدَّاعينَ دونَ بعضٍ[1]. الوجهُ الخامسُ: أنَّ القبلةَ: مَا يستقبلهُ العابدُ بوجههِ، كما تُسْتَقْبَلُ الكعبةُ في الصَّلاةِ والدُّعاءِ والذِّكرِ والذَّبْحِ، ولذلك سمِّيتْ وُجْهَةً، والاسْتقْبالُ خلافُ الاسْتدْبارِ، فالاسْتقْبالُ بالوجْهِ، والاستدْبارُ بالدُّبرِ، فأمَّا مَا حاذاهُ الإنْسانُ برأسهِ أو يديهِ أو جنْبهِ، فهذا لا يسمَّى قبْلةً، لا حقيقةً ولا مجازًا، فلو كانتِ السَّماءُ قبلةَ الدُّعاءِ، لكانَ المشروعُ أنْ يوجِّهَ الدَّاعي وجههُ إليها، وهذا لمْ يشْرعْ. الوجهُ السادسُ: أنَّ القبلةَ لا يجدُ النَّاسُ فِي أنفسهم معنًى يطلب تعيينها، وَلاَ فرقَ بين قبلةٍ وقبلةٍ، بخلافِ التَّوجُّهِ في الدُّعاءِ نحوَ السَّماءِ، فالنَّاسُ يجدونَ في أنْفسهم طلبًا ضروريًّا لما فوق. الوجهُ السابعُ: عندما كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُقَلِّبُ وجههُ (في السَّماء) يسألُ الله عزَّ وجلَّ - وهوَ أعلمُ بهِ - عن القبلةِ، استجابَ لهُ ربُّه وحدَّد لهُ المسجدَ الحرامَ، كما قال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] والنصُّ هنا يشيرُ بوضوحٍ إلى أنَّ الله عزَّ وجلَّ أبدلَ نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم قبلةً جديدةً يرضاها هي المسجدُ الحرامُ بدلًا منْ بيتِ المقدسِ، ولم يسمِّ تَقَلُّبَ وجهِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في السَّماءِ توجُّهًا نحو القبلةِ، بلْ إنَّ النَّصَّ يشيرُ إلى أنَّ تَقَلُّبَ وجههِ في السَّماءِ إنَّما كانَ ينتظرُ الأمرَ مِنَ الله في السَّماء، الذي استجابَ لهُ وعيَّن لهُ قبلةً في الأرضِ لا في السَّماء[2]. الوجهُ الثامنُ: رفعُ الأيدي بالدعاءِ «يتضمنُ ثلاثةَ أشياء: الرفعُ الذي فيهِ الإشارة الحسية الظاهرة، والقصدُ والإرادة التي يقصدُ بها الصمدُ الأعلى، والاعتقاد الذي هو أصلُ القصدِ الذي هو أصلُ العمل. [والجهمية يزعمون] أن الثلاثة فاسدة. فيقال: لو كانَ الأمرُ كذلك لكانَ النهيُ عن ذلك من أعظمِ الواجباتِ في الدينِ، إذ ذاكَ من أعظمِ المنكراتِ لتضمنهِ اعتقادًا فاسدًا في حقِّ اللهِ تعالى، ودعًا فاسدًا متعلقًا بهِ، وعبادةً غير صالحة لهُ. ومِنَ المعلومِ أنَّ اللهَ قد بعثَ الأولينَ والآخرينَ مِنَ النبيِّين مبشرين ومنذرين، ولم ينه أحدٌ من الأنبياء والمرسلين لبني آدمَ عن شيء من ذلك، لا عن هذا الرفعِ ولا عن هذا القصدِ ولا عن هذا الاعتقاد، بل كانَ الأنبياءُ موافقين لهم على هذا العمل، وذلك يوجب العلم الضروري من دين النبيين: أن ذلك عندهم ليس من المنكر بل من المعروف، وذلك يبطلُ كونهُ مبنيًّا على اعتقادٍ فاسدٍ في حقِّ الله تعالى مستلزمًا له ودالًّا عليهِ، فإن كلَّ ما كانَ متفرعًا عن الاعتقاد الفاسد أو كانَ مستلزمًا له مثل أن يكونَ دليلًا عليه فإنهُ يجبُ النهي عنهُ، فإن العقائدَ الفاسدةَ، والمقاصدَ الفاسدةَ، في حقِّ الله تعالى تجبُ إزالتها وإزالةُ فروعها وأصولها التي توجبها. وإذا كان كذلك فالجهمية تنهى عن هذا الاعتقادِ وهذه الإرادةِ، فهم ناهونَ عن معرفةِ اللهِ تعالى وعبادتهِ»[3]. الوجه التاسع:أن هذا الرفع يستدل به من وجوه: أحدها: أن العبد الباقي على فطرته يجد في قلبه أمرا ضروريا إذا دعا الله دعاء المضطر أنه يقصد بقلبه الله الذي هو عال وهو فوق. الثاني: أنه يجد حركة عينه ويديه بالإشارة إلى فوق تتبع إشارة قلبه إلى فوق وهو يجد ذلك أيضا ضرورة. الثالث: أن الأمم المختلفة متفقة على ذلك من غير مواطأة. الرابع: أنهم يقولون بألسنتهم أنا نرفع أيدينا إلى الله ويخبرون عن أنفسهم أنهم يجدون في قلوبهم اضطرارا إلى قصد العلو فالحجة تارة بما يجده الإنسان من العلم الضروري وتارة بما يدل على العلم الضروري في حق الناس وتارة بأن الناس لا يتفقون على ضلالة فإنه إذا كان إجماع المسلمين وحدهم لا يكون إلا حقا فإجماع جميع الخلق الذين منهم المسلمون أولى أن لا يكون إلا حقا. وبهذه المجامع يظهر الجواب عما تذكر الجهمية وجماعة شيئان: أحدهما: أن يكون الناس مخطئين في هذا الرفع لاعتقادهم أن الله فوق وليس هو فوق. الوجه العاشر: أن يقال كون العرش أو السماء قبلة للدعاء لا يثبت بغير الشرع فإن اختصاص بعض الجهات والأمكنة بأنه يستقبل دون غيرها هو أمر شرعي ولهذا افترقت أهل الملل كما قال تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} فلو كان الله جعل العرش أو السماء قبلة للدعاء كان في الشريعة ما يبين ذلك ومعلوم أنه ليس في الكتاب والسنة ولا شيء من الآثار عن سلف الأمة ولا أئمتها ولا في الإثارة عن الأنبياء المتقدمين كموسى وعيسى وغيرهما من المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين أن العرش أو السماء قبلة للدعاء فعلم أن دعوى ذلك من أعظم الفرية على الله وأن هذا من جملة افتراء الجهمية ونحوهم على الله وعلى رسله ودينه. الوجه الحادي عشر:أن الناس مع اختلاف عقائدهم واديانهم يشيرون إلى السماء عند الدعاء لله تعالى والرغبة إليه وكلما عظمت رغبتهم واشتد الحاحهم قوي رفعهم واشارتهم ولهذا لما كان دعاء الاستسقاء فيه من الرغبة والإلحاح ما ليس في غيره كان رفع النبي صلى الله عليه وسلم وإشارته فيه أعظم منه في غيره وهذا يفعلونه إذا دعوا الله مخلصين له الدين عندما يكونون مضطرين إلى الله عند الرغبة والرهبة مثل ركوب البحر وغيره وفي تلك الحال يكونون قاصدين الله قصدا قويا بل لا يقصدون غيره ويقرنون بقصد قلوبهم وتوجهها اشارتهم بعيونهم ووجوهم وأيديهم إلى فوق ومعلوم أن الإشارة تتبع قصد المشير وإرادته فإذا لم يكونوا قاصدين إلا الله ولا مريدين إلا إياه لم تكن الإشارة إلا إلى ما قصدوه وسألوه فإنه في تلك الحال لا يكون في قلوبهم إلا شيئان المسؤول والمسؤول منه ومعلوم أن هذه الإشارة باليد وغيرها ليست إلى الشيء المسؤول المطلوب من الله ولا يخطر بقلوبهم أن هذه الإشارة إلى ذلك ولا ادعاه المنازع في ذلك في يقصده الداعي ولم يشعر به وهذا ممتنع وهذا واضح لمن تدبره. الوجه الثاني عشر:أنه قد نهى عن رفع البصر في الصلاة إلى فوق أمرا بالخشوع الذي أثنى الله على أهله حيث قال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} وقال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} والخشوع يكون مع تحفض البصر كما قال تعالى: {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} وقال تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} وقال: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ}: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} كما وصف الأصوات بالخشوع في قوله: {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً} وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم" فاشتد قوله في ذلك حتى قال: "لينتهن أو لتخطفن أبصارهم" رواه البخاري وأكثر أهل السنن وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لتخطفن أبصارهم" رواه مسلم وغيره ولو كان الله ليس فوق بل هو في السفل كما هو في الفوق لا لاختصاص لأحد الجهتين به لم يكن رفع البصر إلى السماء ينافي الخشوع بل كان يكون بمنزلة حفظها. الوجه الثالث عشر:أما عن تقليب اليدين في الإستسقاء فلا دلالة فيه على إعتراضكم في شيء لأن في كلتا الحالتين تكون الأيدي مرفوعة إلى السماء فوق الرؤوس سواء كان الكف في الأعلى أم العكس. فقد جاء في حديث أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض أبطيه" رواه الجماعة أهل الصحاح والسنن والمسانيد مثل البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد في مسنده وغيرهم وفي رواية لمسلم "أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفه إلى السماء" رواه أبو داود ولفظه "أن النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي هكذا يعني ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت إبطيه" فهذا هو رفعهما إلى فوق رأسه وهو الابتهال ومن صوره هذا الرفع إلى فوق الرأس أن تصير كفيه من جهة السماء إذ لا يمكن مع استيفاء الرفع أن تكون بطونهما من نحو السماء. فتبيَّنَ منْ هذا الكلامِ: أنَّ القولَ بأنَّ السَّماءَ قبلةُ الدُّعاءِ منْ أعْظمِ الفريةِ على الله، وأنَّهُ منْ جملةِ افْتراءاتِ الجهميَّةِ ونحوهم على اللهِ وعلى رسلهِ ودينهِ. |
|||
2010-09-30, 00:01 | رقم المشاركة : 74 | |||
|
وأمَّا النَّقْضُ بوضْعِ الجبهة، فما أفْسَدَهُ منْ نقْضٍ، وهذا يتبيَّنُ منْ وجوهٍ:
أحدُها: أن يُقالَ: وضعُ الجبهةِ على الأرضِ لم يتضمَّنْ قصدَهُمْ لأحدٍ في السُّفلِ، بل السُّجودُ بها يُعقلُ أنَّهُ تواضعٌ وخضوعٌ للمسجودِ لهُ، لا طلبٌ وقصدٌ ممَّنْ هو في السُّفلِ، بخلافِ رفعِ الأيدي إلى العلوِّ عندَ الدعاءِ، فإنَّهم يقصدونَ بهِ الطلبَ ممنْ هوَ في العلوِّ. والاستدلالُ هوَ بقصدهم القائمِ بقلوبهم، وما يتبعهُ منْ حركاتِ أبدانهم، والداعي يجدُ منْ قلبهِ معنًى يطلبُ العلوَّ، والساجدُ لا يجدُ منْ قلبهِ معنًى يطلبُ السُّفلَ، بلِ السَّاجدُ أيضًا يقصدُ في دعائهِ العلوَّ، فقصدُ العلوِّ عندَ الدعاءِ يتناولُ القائمَ والقاعدَ والراكعَ والسَّاجدَ[4]. الوجهُ الثاني: أنَّ وضعَ الجبهةِ على الأرضِ يفعلهُ النَّاسُ لكلِّ منْ تواضعوا لهُ منْ أهلِ الأرضِ والسَّماء، ولهذا يسجدُ المشركونَ للأصنامِ والشَّمْسِ والقمرِ سجودَ عبادةٍ، وقدْ سجدَ ليوسفَ أبواهُ وإخوتهُ سجودَ تحيةٍ لا عبادةٍ، لكونِ ذلكَ كانَ جائزًا في شرعهم، وأمرَ الله الملائكةَ بالسُّجودِ لآدمَ، والسُّجودُ لا يختصُّ بمنْ هو في الأرضِ، بلْ لاَ يكادُ يُفْعَلُ لمنْ هو في بطنها، بلْ لمنْ هو على ظهرهَا عالٍ عليها، وأمَّا توجيهُ القلوبِ والأبصارِ والأيدي عندَ الدعاءِ إلى السَّماء فيفعلونهُ إذا كان المَدْعُوُّ في العُلُوِّ، فإذا دَعَوُا اللهَ فَعَلُوا ذلكَ، وإنْ قُدِّرَ منهم منْ يدعو الكواكبَ ويسألها، أو يدعو الملائكةَ، فإنَّهُ يفعلُ ذلكَ. فعُلمَ أنَّ قصدَهم بذلكَ التوجُّهِ إلى جهةِ المدعوِّ المسؤولِ الذي يسألونهُ ويدعونهُ، حتى لو قُدِّرَ أنَّ أحدهم يدعو صنمًا أو غيرهُ ممَّا يكونُ على الأرضِ لكانَ توجُّهُ قلبهِ ووجههِ وبدنهِ إلى جهةِ معبودهِ الذي يسألهُ ويدعوهُ، كما يفعلهُ النَّصارى في كنائسهم فإنَّهم يوجِّهونَ قلوبهم وأبصارهم وأيديهم إلى الصُّوَرِ المصوَّرةِ في الحيطانِ وإنْ كانَ قصدهم صاحبَ الصُّورةِ، وكذلكَ مَنْ قصدَ الموتى في قبورهم، فإنَّه يوجِّهُ قصدَهُ وعينَهُ إلى منْ في القبرِ، فإذا قَدَّرَ أنَّ القبرَ أسفلُ منهُ توجَّهَ إلى أسفلَ، وكذلكَ عابدُ الصَّنمِ إذا كان فوقَ المكانِ الذي فيهِ الصنمُ، فإنَّهُ يُوَجِّهُ قَلْبَهُ وطَرْفَهُ إلى أسفلَ، لكونِ معبودهِ هناكَ. فعُلمَ بذلكَ أنَّ الخلقَ متَّفقونَ على أنَّ توجيهَ القلبِ والعينِ واليدِ عندَ الدُّعاءِ إلى جهةِ المدعوِّ، فلما كانوا يُوَجِّهون ذلكَ إلى جهةِ السَّماءِ عندَ الله، عُلم إطباقُهم على أنَّ اللهَ في جِهَةِ السَّمَاءِ. الوجهُ الثالث: أنَّ الواحدَ منهم إذا اجتهدَ في الدُّعاءِ حالَ سجودِهِ يجدُ قلبَهُ يَقْصِدُ العُلُوَّ، مع أنَّ وجههُ يلي الأرضَ، بل كلَّما ازدادَ وجههُ ذُلًّا وتواضعًا، ازدادَ قلبهُ قصدًا للعلوِّ، كمَا قالَ تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19]. وقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ من رَبِّهِ وهو سَاجِدٌ»[5]. فعلمَ أنَّهم يفرِّقونَ بين توجُّهِ وجوههم في حالِ السُّجودِ إلى الأرضِ، وتوجيهِ القلوبِ في حالِ الدُّعاء إلى منْ في السَّماءِ. والقلوبُ حالَ الدُّعاءِ لا تقصدُ إلَّا العُلُوَّ، وأمَّا الوجوهُ والأيدي فيتنوعُ حالها: تارةً تكونُ في حالِ السُّجودِ إلى جهةِ الأرضِ، لكونِ ذلكَ غايةُ الخضوعِ، وتارةً تكونُ حالَ القيامِ مطرقةً، لكونِ ذلكَ أقربُ إلى الخشوعِ، وتارةً تتوجَّهُ إلى السَّماءِ لتوجُّهِ القلبِ. وقد صحَّ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه نهى عَنْ رفعِ البصرِ في الصَّلاةِ إلى السَّماءِ، وقال: «لَيَنْتَهِيَنَّ أقوامٌ من رَفْعِ أَبْصَارِهِمْ إلى السَّمَاءِ في الصَّلاَةِ أو لا تَرْجِعُ إلَيْهِمْ أَبْصَارُهُم»[6]. وإنما نُهِيَ عنْ رفعِ البصرِ في الصَّلاة لأنَّهُ يُنافي الخشوعَ المأمورَ به في الصَّلاةِ. قال تبارك وتعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِي إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} [القمر: 6 - 7]. وقال عزَّ وجلَّ: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} [المعارج: 43 - 44]. وقال جلَّ وعَلا: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى: 45]. ولهذا يوجدُ منْ يخاطبُ المعظَّمَ عنده لا يرفع بصرهُ إليهِ. ومعلومٌ أنَّهُ لو كانت الجهاتُ بالنسبةِ إلى الله سواء لم نؤمرْ بهذا. الوجهُ الرابعُ: أنَّ السجودَ من بابِ العبادةِ والخضوعِ للمسجودِ لهُ، كالرُّكوعِ والطَّوافِ بالبيتِ. وأمَّا السؤالُ والدُّعاءُ ففيهِ قصدُ المسؤولِ المدعوِّ، وتوجيهُ القلبِ نحوهُ، لا سيَّما عندَ الضَّرورةِ! فإنَّ السائلَ الداعي يقصدُ بقلبهِ جهةَ المدعوِّ المسؤولِ بحسب ضرورتِهِ واحتياجِهِ إليهِ. وإذا كانَ كذلكَ، كانَ رفعُ رأسِهِ وطَرْفِهِ ويديهِ إلى جهةٍ، متضمِّنًا لقصدهِ إيَّاهُ في تلكَ الجهةِ، بخلافِ السَّاجدِ فإنَّهُ عابدٌ ذليلٌ خاشعٌ، وذلكَ يقتضي الذُّلَّ والخُضُوعَ، ليسَ فيهِ ما يقتضي توجيهَ الوَجْهِ واليَدِ نَحْوَهُ، لكن إنْ كان داعيًا وَجَّهَ قَلْبَهُ إليهِ. الوجهُ الخامسُ: أنْ يُقالَ: قصدُ القلوبِ للمَدْعُوِّ في العلوِّ أمرٌ فِطْرِيٌّ عَقْلِيٌّ اتفقت عليهِ الأممُ منْ غيرِ مُوَاطَأَةٍ، وأمَّا السُّجودُ فأمرٌ شرعيٌّ يُفعلُ طاعةً للآمرِ، كما تُستقبلُ الكعبةُ حالَ العبادةِ طاعةً للآمرِ[7]. وهكذا الحقُّ ينتصرُ على الباطلِ، فيتركهُ صريعًا زهوقًا: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا *} [الإسراء: 81]. فاحْمَـدْ إِلَهـَكَ أيُّهَا السُّنِّيُّ إِذْ عَافَـاكَ مِنْ تَحْريفِ ذِي بُهْتَانِ[8] -------------------------------------------------------------------------------- [1] بيان تلبيس الجهمية (2/461) بتصرف يسير. [2] الرحمن على العرش استوى (ص69 - 70)، تأليف: الدكتور عوض منصور. [3] بيان تلبيس الجهمية (4/603 - 604) طبعة مجمع الملك الفهد. [4] درء تعارض العقل والنقل (7/21 - 22). [5] رواه مسلم (482). [6] رواه البخاري (750). [7] درء تعارض العقل والنقل (7/21 - 25). [8] الكافية الشافية (ص53). |
|||
2010-09-30, 00:06 | رقم المشاركة : 75 | |||
|
الإعتراض السابع:إعتراضاتهم على حديث الجارية. شبهاتهم حول الحديث: الشبهة الأولى: قولهم بأن الحديث أحاد ,ولا يصح الأخذ بالأحاد في العقيدة لأنه دليل ظني وليس قطعي والجواب على هذا من أوجه: الوجه الأول:أنه لم يعرف عن السلف الصالح تقسيم الحديث إلى متواتر وأحاد إنما هذا تقسيم محدث من طرف أهل البدع والكلام بل إن الصحابة كان يأخطذون بحديث الواحد قال الإمام النووي رحمه الله: ((( ولم تزل الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة فمن بعدهم من السلف والخلف على امتثال خبر الواحد)=[شرح صحيح مسلم 1/130]، وعلق على حديث الجساسة الطويل والذي رأى فيه الصحابة الدجال ( وفيه قبول خبر الواحد)=[انظر شرح النووي على مسلم 18/80 ]. وقال الغزالي ( تواتر واشتهر عمل الصحابة بخبر الواحد في وقائع شتى لا تنحصر وان لم تتوافر آحادها فيحصل العلم بمجموعها)=[المستصفى 173]. وقال السفاريني ( يعمل بخبر الآحاد في أصول الدين وحكى الامام ابن عبد البر الاجماع على ذلك)=[لوامع الأنوار البهية 1/19 وانظر التمهيد لابن عبد البر 1/8]. قال الخطيب البغدادي ( فمن أقوى الأدلة على ذلك ما ظهر واشتهر عن الصحابة من العمل بخبر الواحد.. وعلى خبر الواحد كان كافة التابعين ومن بعدهم من الفقهاء الخالفين في سائر أمصارنا الى وقتنا هذا ولم يبلغنا عن احد منهم انكار لذلك ولا اعتراض عليه)=[الكفاية ص 31]. ويدل على هذا أن الصحابة رضوان الله عليهم لما أخبرهم الواحد وهم بقباء في صلاة الصبح أن القبلة قد حولت إلى الكعبة قبلوا خبره وتركوا الحجة التي كانوا عليها واستداروا إلى القبلة، ولم ينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بل شكروا على ذلك وكانوا على أمر مقطوع به من القبلة الأولى فلولا حصول العلم لهم بخبر الواحد لم يتركوا المقطوع به المعلوم لخبر لا يفيد العلم، وغاية ما يقال فيه: إنه خبر اقترنته قرينة، وكثير منهم يقول لا يفيد العلم بقرينة ولا غيرها وهذا في غاية المكابرة. ومعلوم أن قرينة تلقى الأمة له بالقبول وروايته قرناً بعد قرن من غير نكير من أقوى القرائن وأظهرها فأي قرينة فرضتها كانت تلك أقوى منها. الوجه الثاني: لقد أجمعت الأمة على قبول خبر الواحد الثقة قال الشافعي " لم أحفظ عن علماء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد".=[الرسالة ص 457]. قال ابن حجر ( الخبر المحتف بالقرائن قد يفيد العلم خلافا لمن أبى ذلك.. وهو أنواع: منها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ التواتر فانه احتف به قرائن، منها: جلالتهما في هذا الشأن، وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما، وتلقى العلماء لكتابيهما بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى في افادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة على التواتر) قال ( فالاجماع حاصل على تسليم صحته)=[شرح النخبة (ص6) وانظر تدريب الراوي للسيوطي 1/133]، ( وقد شاع فاشيا عمل الصحابة والتابعين بخبر الواحد من غير نكير، فاقتضى الاتفاق منهم على القبول).=[فتح الباري 13/234]. وقال ابن الصلاح في مقدمته ( وما اتفق عليه البخاري ومسلم جميعه مقطوع به، والعلم اليقيني النظري واقع به، خلافا لقول من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله الا الظن، وانما تلقته الأمة بالقبول ... وما انفرد به البخاري ومسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول).=[القييد والأيضاح 41 علوم الحديث ص 25 تدريب الراوي 1/133]. وحكى ابن الصلاح أنه كان أول الأمر يميل الى رد خبر الواحد في العقائد قال( ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح). قال السخاوي ( فقد سبقه [أي ابن الصلاح] الى القول بذلك في الخبر المتلقى بالقبول الجمهور من المحدثين والأصوليين وعامة السلف).=[قواعد التحديث 85 فتح المغيث 1/51]. وقال عمر بكري ( عندي لائحة باسماء مئة وثلاثة وثلاثين عالماً كلهم قالوا ان حديث الآحاد ظني ولا يؤخذ به في العقائد). واذا نقبت عن هؤلاء العلماء وجدتهم بين أشعري وماتريدي التزموا بهذا القول تبعاً لمذهبهم. ونحن عندنا عالم واحد وهو الشافعي من علماء الأمة المشهورين يغلب ألفا من أمثال من ذكرت أسماءهم. فقد كتب الشافعي ما يزيد على مائة صفحة =[الرسالة من صفحة 369 الى 471 ]، في أعظم كتاب في أصول الفقه اسمه (الرسالة) أثبت به حجية خبر الواحد وبوبه بالعنوان التالي (باب: حجية خبر الواحد) أكد فيه أن ( أهل السنة قد تلقوا خبر الواحد العدل بالقبول). وقال ( لم أحفظ عن علماء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد).=[الرسالة من صفحة 453 الى 457 سير أعلام النبلاء 10/24]. وكذلك دافع عن حديث الآحاد في كتابه ( اختلاف الحديث)=[مطبوع على حاشية كتاب الأم 7/2-38]، وفي كتابه ( الأم) بوّب بعنوان "باب حكاية قول من رد خبر الخاصة" ومراده بخبر الخاصة خبر الآحاد. فهذه ثلاثة كتب للشافعي ذكر فيها كل ما يحتاج بيانه حول خبر الآحاد لم يقل في شيء منها ان خبر الواحد مقبول في الأحكام مردود في العقائد. ومن خصص فعليه الدليل والا كان محرفاً لقول الأئمة. والمحرفون لن يقيموا الخلافة الراشدة على منهاج النبوة! نحن عندنا دليل واضح من الشافعي في تثبيت خبر الواحد فقد قال (باب تثبيت خبر الواحد) وهذا لفظ صريح فأين حجتكم التي يجب أن تكون بمثل وضوح كلام الشافعي هكذا (باب تثبيت خبر الواحد في الأحكام دون العقائد)؟ ولا يعقل أن يكتب في هذه الصفحات كل ما يحتاج معرفته عن خبر الواحد ولا يأتي بعبارة صريحة يفرق فيها العقائد والأحكام. فانه لما أثبت الشافعي خبر الواحد أثبته عموما لم يخصه في شيء دون شيء. ولم يقل الأخذ به حرام حلال: حرام في العقائد حلال في الأحكام كما يذهب اليه المتناقضون! الوجه الثالث: اجماع العلماء على كفاءة الصحيحين ولا ننسى أن غالب أحاديث الصحيحين من نوع خبر الواحد، ومعلوم أن الأمة قد تلقت هذين الكتابين بالقبول والتسليم. وهي لا تجتمع على ضلالة. فإجماعها حجة على من زعم رد خبر الآحاد. وقد أدى موقف هؤلاء الى الطعن في أكثر أحاديث الشيخين اللذين اتفقت الأمة على صحتها وتلقتها بالقبول. وأثاروا الشك في أوثق مصدرين لهذه الأمة بعد كتاب الله. نقل السيوطي في التدريب عن الحافظ السجزي اجماع الفقهاء أن من حلف على صحة ما في البخاري لم يحنث. ونقل عن امام الحرمين أنه قال: لو حلف بطلاق زوجته أن ما في الصحيحين من كلام النبي صلى الله عليه و سلم لما ألزمته بالطلاق. ولقد صدّر البخاري ومسلم كتابيهما بحديث آحاد ( إنما الأعمال بالنيات)=[قد قالوا عن الحديث: أصله آحاد لكنه من جهة الصحابي الثقة نقله عنه صحابة آخرون فصار متواترا. ولكن لو اتفقت الأمة على راو ثقة ضابط فهل يتراجع الحزب عن موقفه من خبر الواحد ويصير عنده بعض خبر الواحد الثقة مفيدا للعلم أم أنهم لا يتراجعون؟]. وهذا الحديث يتضمن مواضيع في العقائد. وكفى بها دعوى واكتساء ثوب الزور أن يدعي أهل الكلام أنهم أحرص على العقيدة وأدق في فن الرواية وأورع في الدين من الشيخين. قال ابن تيمية ( ان مما اجمعت الأمة على صحته : أحاديث البخاري ومسلم)=[مجموع الفتاوى 18:16]. مع أن غالب ما فيهما من خبر الواحد حتى قال بعض العلماء لا يوجد خبر متواتر الا أربعة أحاديث بل قال ابن الصلاح أنه لا يوجد متواتر الا حديث ( من كذب علي متعمداً). وهنا يبرز سؤال مهم: اذا كان سند خبر الواحد غير قطعي الثبوت فلماذا جعل الله أكثر روايات السنة من هذا النوع؟ لا أعتقد أن هؤلاء يستطيعون الاجابة عن ذلك؟ قال ابن الصلاح في مقدمته ( وما اتفق عليه البخاري ومسلم جميعه مقطوع به، والعلم اليقين النظري واقع به، خلافا لقول من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله الا الظن، وانما تلقته الأمة بالقبول ... وما انفرد به البخاري ومسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول)=[التقييد والأيضاح ص 41 علوم الحديث ص 25 تدريب الراوي 131]. الوجه الرابع: إن خبر الأحاد المتحف بالقرائن -كحديث الجارية- يفيد العلم وليس الظن قال ابن حجر في شرح النخبة (ص 6) ( الخبر المحتف بالقرائن قد يفيد العلم خلافا لمن أبى ذلك). وقوله (قد يفيد) مهم جداً ومعناه عدم افادته العلم دائما بالضرورة. ولكن إذا ثبتت قرائن الصدق واستوفى شروط الصحة أفاد العلم. وقال ابن حزم ( قال أبو سليمان والكرابيسي والمحاسبي وغيرهم أن خبر الواحد عن العدل الى مثله الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب العلم والعمل معا وبهذا نقول... واذا صح هذا فقد ثبت يقينا أن خبر العدل عن مثله مبلغا الى رسول الله حق مقطوع به موجب للعلم والعمل معا)=[الإحكام في أصول الأحكام 1/119-124]. وقال أبو المظفر السمعاني الشافعي ( إن الخبر إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه سلم ورواه الأئمة الثقات وأسنده خلفهم عن سلفهم الى رسول الله وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم فيما سبيله العلم، هذا عامة قول أهل الحديث والمتقنين من القائمين على السنة، وإنما هذا القول الذي يذكر أن خبر الواحد لا يفيد العلم بحال ولا بد من نقله بطريق التواتر لوقوع العلم به شيء اخترعته القدرية والمعتزلة وكان قصدهم منه رد الأخبار)=[رسالة الأنتصار لأهل الحديث اختصرها السيوطي في صون الكلام والمنطق ص 160-167]. وذكر مثله في كتاب القواطع الذي أثنى عليه السبكي في طبقاته (5/343). الوجه الخامس: لو سلمنا لكم جدلا بأن خبر الأحاد يفيد الظن لا العلم فهذا لا يلزم عدم الأخذ به فقد ذكر الله الظن في مواطن الاعتقاد ومدحه. قال تعالى (إني ظننت أني ملاق حِسَابِية فهو في عيشة راضية)[الحاقة20-21] وقال (وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه)[التوبة 118] وقال (الذين يظنون أنهم مُلاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون)[البقرة 46] وقال(قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) [البقرة 249[ فما هو الظن الذي يذم الله المشركين على اتباعه ويمدح المؤمنين على فعله أهو هو؟ إذن فلا بد من تحقيق معنى كلمة الظن. التحقيق في ذلك أن الظن: اذا كان مرجوحاً كان وهماً وتخرصاً وتخميناً وهو لا مكان له في الشريعة. وإذا كان راجحاً كان علماً ويقيناً، وعلى ذلك يُحمل قول أهل اللغة " الظن شك ويقين"=[النهاية 3/163 لسان العرب 13/272] قال الأنباري في كتاب "الأضداد" أن كلمة الظن من الأضداد. علم من ذلك أن الظن الممدوح في الآيات الأخرى هو الظن الراجح الذي يفيد العلم واليقين. وهو غير الظن الذي حذر منه صلى الله عليه وسلم قائلاً ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) (متفق عليه) المنافي للجزم كما قال تعالى (ما لهم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً). فالظن الراجح خرج عند أهل فن الحديث عن الخرص الى اليقين لأنهم تفحصوا سند الرواية فلما استوفى عندهم شروط الصحة صار صار الشك بالرواية هو المرجوح واليقين فيها هو الراجح. وهو ما يراد عند أهل العلم الذين وصفوه بأنه ظني ولم يعهد عنهم النهي عن الأخذ به في شيء دون شيء. بل أنكروا على المعتزلة الطعن به. فالظن الذي تفيده أحاديث الآحاد الصحيحة السند هو اليقين إذ أن دلائل الحق في خبر الواحد العدل أكثر وأوفر لأن المنكرين أنفسهم اختاروا حجية خبر الواحد في الأحكام الشرعية. فثبت أنهم يقولون بأن الظن الذي يفيده خبر الواحد هو الراجح لا المرجوح لأن الظن المرجوح لا يجوز الأخذ به في العقائد والأحكام اتفاقاً. وبهذا فقد قرروا أن أحاديث الآحاد تفيد العلم من حيث لا يشعرون. فإن أبوا لزمهم القول بعدم حجية أحاديث الآحاد في الأحكام أيضاً وإلا وقعوا مرة أخرى في التناقض، فقد كان الخوارج والمعتزلة منطقيين مع أنفسهم عندما جعلوا الآيات الناهية عن الظن ناهية عن الاحتجاج بحديث الآحاد في العقائد والأحكام. الشبهة الثانية:قال الكوثري: إنّ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم مع الجارية لم يكن إلاّ بالإشارة، فعبّر الرّاوي عمّا فهمه من إشارة الجارية باللّفظ المذكور، ثمّ اشتهر اللفظ بعد ذلك بين الصحابة، وصواب الحديث وأصله... فمدّ النبي صلى الله عليه وسلم يده إليها مستفهماً، من في السماء؟ قالت: الله، قال: من أنا؟ قالت: رسول الله. والجواب عليه: الوجه الأول: هذا تأويلٌ سنّه الأعاجم الذين دخلوا العراق كما قال ابن الجوزي "قَدِمَ إلى بغداد جماعة من أهل البدع الأعاجم… وقالوا: إن الله ليس في السماء وأن الجارية التي قال لها النبي صلى الله عليه وسلم أين الله؟ كانت خرساء فأشارت إلى السماء(5). ولكن نص الحديث يدل على أنها كانت ناطقة، ولذلك لما سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أنا؟" قالت: "أنت رسول الله". الوجه الثاني: أمّا دعوى أنّ الصحابي قد صاغ الحديث من عند نفسه، وعبّر عن إشارة الجارية بهذا اللفظ، فكلامٌ سخيفٌ ودعوى باطلة، وما أسهل الدعاوى أن تطلق، ولكنّها عند التحقيق لا تكون شيئاً، فأين الدليل على ذلك؟! أهو اللّفظ الضعيف الذي فيه سعيد بن زيد؟، أم هو الهوى ورفض الحق؟ -وعلى فرض التسليم بقوله من باب المناظرة- أليس هذا دليلاً واضحاً على أنّ الصحابة رضي الله عنهم قد تلقّوا الحديث بهذا اللّفظ بالقبول، من غير إنكارٍ ولا ردّ؟ ألم يكن الصحابة يفهمون عقيدة التنـزيه فيبادروا إلى رد الحديث ورفضه( )، وهذه اعتراضات ملزمة، إذ لا مفرّ منها لمن سلك هذا المسلك المنحرف. الشبهة الثالثة:طعن السقاف في هلال بن أبي ميمونة ناقلاً ما جاء في ترجمته في تهذيب الكمال فقط !!! _ مع زيادة قولين فقط _ انظر تنقيح الفهوم ص9_ وهي قول النسائي (( لا بأس به )) وقول أبوحاتم الرازي (( شيخ)) قلت : ولا يخفى على أحد له معرفة بالفن أنهما متشددان ثم تفضل علينا بنقل توثيق ابن حبان الراوي ثم اعتبر ما نقله ذريعة له للطعن في هذا الحديث والحكم على هلال بأنه (( صدوق )) فقط !! ( فأقول رداً على هذا الهـراء : لقد أخفى هذا الجهول كون هلال بن أبي ميمونة ممن احتج بهم البخاري في صحيحه في غير ما موضع فهو ثقة عنده ، وكذلك احتج به مسلم لهذا قال الحاكم في شأن هلال في مستدركه (1/208) (( فقد اتفقا على الحجة بروايات هلال بن أبي هلال ويقال ابن أبي ميمونة ويقال ابن علي ويقال ابن أسامة وكله واحد )) وقال عنه الدارقطني (( ثقة )) وكذلك قال عنه مسلمة بن القاسم ولهذا قال عنه الذهبي في الميزان (( ثقة )) وتابعه الحافظ في التقريب ولا يفوتني أن أذكر تصحيح ابن خزيمة في صحيحه (859) وأبوعوانة في مستخرجه (1727) وابن الجارود في المنتقى (212) لأحاديث هلال وقد تجاهل هذا الجهول هذه الحقائق العلمية المبددة لظلمات جهله وقد رأيناه هو وأشياخه يمشون أحاديث جمع من الضعفاء ظاهري الضعف فكيف يقدم على الطعن في أحد رجال الشيخين!!!! وبإمكاننا أن نضيف إلى قائمة موثقي هلال بن علي الإمام مالك قال الحافظ الذهبي في: ( سير أعلام النبلاء ) ( 8 / 71 - 72 ) : ( وقد كان مالكٌ إماماً في نقد الرجال ، حافظا ، مجوداً ، متقناً . قال بشر بن عمر الزهراني : سألتُ مالكاً عن رجل ، فقال: هل رأيته في كتبي ؟ قلت: لا ، قال: لو كان ثقة لرأيته في كُتُبي . قلت قد روى مالك عن هلال في الموطأ فهو ثقة عنده ولا شك _ انظر ترجمته من تهذيب الكمال _ قال يحيى بن معين: كل من روى عنه مالك بن أنس فهو ثقة إلا عبد الكريم البصري أبو أمية قلت: هذا يشمل هلال فيقال أن ابن معين وثقه أيضاً وخصوصاً وأن رواية مالك عن هلال في أشهر كتبه ( الموطأ) وقال الإمام أحمد ( كما نقل عنه ابن هانيء في مسائله ) (( كل من روى عنه مالك فهو ثقة )) و البيهقي أيضاً ممن وثق هلال فقد صحح إسناد حديث الجارية في كتابه الأسماء والصفات ص 422 كما نقل السقاف نفسه وهذا يقتضي توثيق هلال وهذه الحقائق العلمية مجتمعة تدل على أن إقدام السقاف على الحكم على هلال بأنه (( صدوق )) مجازفة أوقعته بتناقضات عديدة لاحقاً وبقي أن نقول أن هلال بن أبي ميمونة مدني وانتقاء مالك لشيوخه من المدنيين أمر مسلم عند أهل الفن. وقال أحمد: ((لا تبالِ أن لا تسأل عن رجل روى عنه مالك، ولا سيما مدني". نقله ابن رجب في شرح العلل (2/876) وقال ابن حبان في (الثقات): كان مالك أول من انتقى الرجال من الفقهاء بالمدينة، وأعرض عمن ليس بثقة في الحديث، ولم يكن يروي إلا ما صح، ولا يحدث إلا عن ثقة مع الفقه والدين والفضل والنسك، وبه تخرج الشافعي؛ وروى ابن خزيمة في (صحيحه) عن ابن عيينة قال: إنما كنا نتبع آثار مالك، وننظر إلى الشيخ إن كتب عنه، وإلا تركناه، وما مثلي ومثل مالك إلا كما قال الشاعر: وابنُ اللّبُون إِذَا مَا لز في قرن **** لَمْ يَسْتَطِع صَولة البزل القناعيس) وقال ابن حبان في (الثقات) (7/459) وابن منجويه في (رجال صحيح مسلم) (2/220) : ((كان مالك أول من انتقى الرجال من الفقهاء بالمدينة، وأعرض عمن ليس بثقة في الحديث، ولم يكن يروي إلا ما صح ولا يحدث إلا عن ثقة، مع الفقه والدين والفضل والنسك)) وقد روى يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة قال أبو حاتم الرازي (( يحيى إمام لا يحدث إلا عن ثقة )) انظر ترجمة يحيى في تهذيب الكمال وفروعه ولا أعزو لمجلد وصفحة لأنها مرتبة على أحرف الهجاء. وأما قول الفسوي في المعرفة والتاريخ (2 / 466) (( ثقة حسن الحديث )) فالعبارة عند الجهلة بالفن ظاهرها التعارض فالثقة حديثه صحيح وليس حسناً غير أنه لا تعارض فالمقصود هنا الحسن المعنوي وهذا يستخدمه المتقدمون كثيراً قال الحافظ ابن حجر في النكت على ابن الصلاح (1/425) ((وأما أحمد : فإنه سئل فيما حكاه الخلال عن أحاديث نقض الوضوء بمس الذكر فقال : أصح ما فيها حديث أم حبيبة ـ رضي الله تعالى عنها . قال : وسئل عن حديث بسرة ـ رضي الله عنها ـ فقال : صحيح . قال الخلال : حدثنا أحمد بن أصرم أنه سأل أحمد عن حديث أم حبيبة ـ رضي الله عنها ـ في مس الذكر فقال : هو حديث حسن . فظاهر هذا أنه لم يقصد المعنى الاصطلاحي ، لأن الحسن لا يكون أصح من الصحيح )) ومثله قول ابن عبد البر في الإستيعاب (3 / 403) - في ترجمة معاوية بن الحكم السلمي : " له عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد حسن في الكهانة والطيرة والخط وتشميت العاطس في الصلاة جاهلا وفي عتق الجارية " فالمقصود حسن المعنى وهذا كثير في كلام ابن عبد البر فقد قال في كتابه (( جامع بيان العلم وفضله )) (1/65) وهو يتكلم على حديث (( تعلموا العلم .....)) (( وهو حديثٌ حسنٌ جداً ، ولكن ليس له إسنادٌ قوي )) قال العراقي في تخريج (1/12) (( قوله حسن أراد به الحسن المعنوي فإن موسى بن محمد البلقاوي كذبه أبو زرعة وأبو حاتم ))) نقلا عن كتاب(الدفاع عن حديث الجارية) للأخ عبد الله خليفي. الشبهة الرابعة:زعم نبيل الشريف (حبشي) أن حديث الجارية مضطرب "ظاهر" الاضطراب!! فقد رواه مالك بلفظ: أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ فقالت: أشهد. وأما رواية مسلم: قال لها: أين الله؟ .." قال: فهذا الاختلاف في اللفظ يوضح الاضطراب. ومالك أضبط للحديث من مسلم، بل اتفق العلماء على أن مالكاً أضبط رواة الحديث"(1). انتهى. والـجــواب: * قد شهد الحافظ ابن حجر بصحة الحديث ولم يذكر فيه اضطراباً ولا علة فقال "وهو حديث صحيح أخرجه مسلم"(2). فخذه "حيث حافظ عليه نص". * بل الرواية عند مالك بلفظ: "أين الله" فلماذا التلبيس والخداع(3)؟ غير أنكم تتجاهلونها وتتمسكون بالرواية التي تليها وهي حادثة أخرى لا تتعلق بما قبلها بتاتاً بدليل رواية عتبة بن مسعود أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية له سوداء فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم "إن علي رقبة مؤمنة، فإن كنت تراها مؤمنة أُعتِقُها. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشهدين… الخ". أما رواية معاوية بن الحكم ففيها أنه ضربها وأسف لما فعل فاستدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألها: "أين الله". وقد استغل أهل الزيغ إبهام اسم الرجل من الأنصار وجعلوه وحديث معاوية بن الحكم حديثاً واحداً مروياً من عدة طرق ليتمكنوا بعد ذلك من ادعاء الاضطراب فيه. بينما الحديثان متنان اثنان لقصة متعددة كما نص عليه الحافظ ابن عبد البر ونقله عنه في "شرح الزرقاني على موطأ مالك 4/86". ألا فبُعداً وسُحقاً لمن ورث مكر اليهود في تلبيس الحق بالباطل. * أن كون الإمام مالك رحمه الله أضبط من مسلم: فهذا ليس قاعدة دائمة يحتج بها، والدليل على ذلك أن مالكاً أخطأ في ضبط اسم راوي هذا الحديث حينما روى حديث (أين الله) فسماه (عمر بن الحكم) وإنما هو (معاوية بن الحكم السلمي). وقد نبه الشافعي على ذلك فروى حديث الجارية (أين الله) ثم استدرك على مالك هذا الخطأ فقال "وهو معاوية بن الحكم: وأظن مالكاً لم يحفظ اسمه" (الرسالة ص 76) وكذلك انظر كتابه (الأم 5/280). وكذلك استدرك النسائي هذا الوهم في (التفسير من الكبرى 8/427 تحفة). وقال الحافظ ابن حجر في (التلخيص الحبير 3/222) "وهو من أوهام مالك في اسمه". فها هو الشافعي الذي تدعون اتباعه يصرح لكم بأن مالكاً أخطأ فتجاهلتم تنبيهه وتنبيه الحافظ ابن حجر والنسائي وتمسكتم بخطأ مالك! الشبهة الخامسة: ذهب أحدهم وهو عبد الله الغماري المغربي إلى أن الحديث شاذ ومردود(4). قلت: بالطبع مردود عند أتباع جهم بن صفوان الذين يعرضون الكتاب والسنة على موازين عقولهم المتلوثة بعلم الكلام فما استساغته عقولهم أثبتوه، وما نفرت منه أوّلوه أو حكموا بشذوذه. ثم إن الشاذ في اصطلاح المحدثين: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه. فأين يوجد في الحديث ما يفيد ذلك. فما نصروا الدين ولا رفعوا راية السنة وإنما ضربوا كتاب الله بعضه ببعض وضربوا السنة بعضها ببعض كل هذا من أجل تنزيه مزعوم حملهم على العبث والتشكيك. ولم يستفيدوا بعد هذه المحاولات من الطعن بالحديث لأن القرآن أثبت أن الله في السماء. قال تعالى {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} والضمير عائد على الله بدليل قوله تعالى {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ}. الشبهة السادسة: احتج السقاف برواية عبدالرزاق في المصنف (9 / 175) عن ابن جريج عن عطاء أن رجلا كانت له جارية في غنم ترعاها وكانت له شاة صفي يعني عزيزة في غنمه تلك فأراد أن يعطيها نبي الله صلى الله عليه و سلم فجاء السبع فانتزع ضرعها فغضب الرجل فصك وجه جاريته فجاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فذكر أنها كانت عليه رقبة مؤمنة وأنه قد هم أن يجعلها اياها حين صكها فقال الني صلى الله عليه وسلم (( ائتني بها)) فسألها النبي صلى الله عليه وسلم (( أتشهدين أن لا اله الا الله )) قالت نعم (( وأن محمدا عبده ورسوله )) قالت نعم (( وأن الموت والبعث حق))قالت نعم (( وأن الجنة والنار حق )) قالت نعم فلما فرغت قال (( اعتقها أو أمسك)). ثم قال السقاف: هذا اسناد صحيح عال ، بل وادعى أن صحابي هذا الحديث هو معاوية بن الحكم السلمي راوي حديث الجارية في صحيح مسلم ليتسنى له الحكم على الحديث بالاضطراب. (فأقول ردا على هذه السفسطة: حكم السقاف على الحديث دليل على جهله بهذا العلم رواية ودراية : أما من حيث الرواية فصحابي هذا الحديث ليس معاوية السلمي لأن عطاء ((وهو الراوي عن معاوية)) في رواية عبدالرزاق غير عطاء في رواية مسلم فعطاء في رواية مسلم هو عطاء بن يسار كما جاء مصرحا به وابن جريج لا يروي عن عطاء بن يسار اذن من هو عطاء في رواية عبدا لرزاق. انه عطاء بن ابي رباح على الراجح عندي وكل من اسمه عطاء _ وهم ابن أبي رباح والخراساني وابن السائب _ ويروي عنه ابن جريج لا يعرف له سماع من معاوية السلمي ومطعون بسماعه من جمع الصحابة ولم يسم عطاء الصحابي في الحديث ولم يصرح بالسماع منه فالرواية مرسلة لا صحيحة كما زعم هذا الغر. أما من ناحية الدراية فالحادثة في صحيح مسلم غير الحادثة في مصنف عبدالرزاق واليك الفروق بينها: الفرق الأول: هو أن الرجل صاحب الجارية عند عبدا لرزاق أراد أن يهدي الشاة الى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يوجد في رواية مسلم الفرق الثاني : هو أن الرجل صاحب الجارية في مصنف عبدالرزاق يعرف الحكم الشرعي في المسألة على عكس معاوية بن الحكم السلمي عند مسلم فانه جاء مستفتياً الفرق الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاوية بن الحكم السلمي باعتاق الجارية على عكس صاحب الجارية عند عبدالرزاق فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد خيره بين الاعتاق والامساك) نقلا عن كتاب الدفاع عن حديث الجارية للأخ عبد الله خليفي. الشبهة السابعة: احتج السقاف بما بما رواه أحمد (4 / 222 و 388 و 389) وأبو داود(3 / 230) وغيرهما من من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن الشريد بن السويد الثقفي قال قلت يا رسول الله ان أمي أوصت أن أعتق رقبة وان عندي جارية سوداء نوبية فقال رسول (( من ربك )) قالت الله قال (( فمن أنا )) قالت رسول الله قال اعتقها فانها مؤمنة الرد: (قلت هذا مرسل حسن أما الارسال فلأن أبا سلمة مطعون بسماعه من جمع من الصحابة ولا نعرف تاريخ وفاة الشريد بن سويد حتى نعرف أكان معاصراً له أم لا أما الحسن فمن أجل محمد بن عمرو بن علقمة فهو صدوق مختلفٌ فيه وهذه الجارية غير جارية معاوية بن الحكم السلمي فاالإسناد غير الإسناد والصحابي غير الصحابي والمتن غير المتن فمعاوية أراد اعتاق جاريته لأنه صكها على وجهها أما الشريد فأراد اعتاقها لأن أمه أوصت بذلك وعلى فرض أنهما رواية واحدة فرواية مسلم الصحيحة المتصلة أرجح وقد خولف حماد في الاسناد و المتن فرواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد (ص 122) من طريق محمد بن يحي القطعي حدثنا زياد بن الربيع ثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن محمد بن الشريد جاء بخادمة سوداء عتماء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان أمي جعلت عليها عتق رقبة فهل تجزي أن أعتق هذه ؟ فقال رسول الله صـلى الله عليه وسلم للخادمة (( أين )) فرفعت برأسها فقالت في السماء ثم ذكر بقية الحديث قلت هذا إسناد حسن متصل وأميل الى ترجيح هذه الرواية على سابقتها لأن حماد بن سلمة في روايته عن غير ثابت شيء مع كونه ثقة ولم يرو له مسلم ما رواه عن محمد بن عمرو بن علقمة على خلاف زياد بن الربيع فهو من رجال البخاري ولم يطعن في شيء من مروياته وروايته شاهد قوي لرواية معاوية بن الحكم السلمي عند مسلم ثم تبين لي أنها معلولة لما جاء في ترجمة محمد بن عمرو في تهذيب التهذيب حيث قال الحافظ ((وقال بن خيثمة سئل بن معين عن محمد بن عمرو فقال ما زال الناس يتقون حديثه قيل له وما علة ذلك قال كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء من روايته ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة )) قلت هذا يقتضي ضعف روايته عن أبي سلمة عن أبي هريرة خاصة وهذه منها غير أنها صالحة للإعتبار فتعضد معى حديث الجارية في صحيح مسلم ) نقلا عن كتاب(الدفاع عن حديث الجارية) للأخ عبد الله خليفي. الشبهة الثامنة:زعم الكوثري أن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية "أين الله" سؤال عن المكانة لا المكان"(6). وهذا باطل من أوجه: * أن الأشعرية لا يرضون أصلاً بإطلاق هذا الوصف على الله. كما قال القشيري "تعالى الله أن يقال (أين)(7). * أن المكانة لا يقال عنها (أين) ولا يجاب عنها بأنها في السماء. الله إلا إذا دخلت عليها (من) كقولك: أين أنت من فلان. أين الثرا من الثريا. * أنهم جعلوا فوقية الله على خلقه بمعنى أنه خير منهم وأفضل منهم منزلة، فإن الله لم يمتدح نفسه ابتداءً بأنه أفضل من أحد من خلقه. وكيف يقبل عاقل فيه شيء من إيمان أن يعتقد أن (الله فوق العرش) بمعنى هو خير وأفضل منزلة من عرشه؟ وأن معنى قول زينب "زّوجني الله من فوق سبع سماوات" بمعنى أن الله خير وأفضل من السماوات؟ وهذا إنما يقال في المتقاربين في المنزلة وأحدهما أفضل من الآخر، وأما إذا لم يتقاربا فإنه لا يصح ذلك، وحينما يقول الله {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ} فإنه العلو الحقيقي، إذ لا يعرف في اللغة استعمال "فوق" مقروناً بـ (من) بمعنى فوقية الخيرية والأفضلية فلا يصح أن يقال "الذهب من فوق الفضة" ولا يقال "العلم من فوق الجاهل". وإذا كان من القبيح أن تقول: الجوهر فوق البصل، والذهب فوق التنك، مما يُضحك الناس منك: فكيف تقول: الله فوق عباده بمعنى أنه خير منهم وأفضل؟! * أن قوله مردود بحديث النزول، فإذا كان العلو على مكانة: فماذا نقول عن حديث النزول؟ أنقول بأنه نزول مكانة؟ تعالى الله عن قبح تأويل أدعياء التنزيه. * أن المكانة تأنيث المكان، والمنزلة تأنيث المنزل. فهذه جملة من شبه النفاة حول الحديث، والرّد عليها باختصار. وإليك أخي القارئ شيئاً من كلام أهل العلم وأئمته على هذا الحديث حتى تطمئن نفسك. يقولُ الحافظ ابن عبد البرّ-رحمه الله-في (( التمهيد ))(22/80): (( معاني هذا الحديث واضحة، يستغنى عن الكلام فيها، وأمّا قوله: (( أين الله؟ )) فعلى هذا أهل الحق لقوله تعالى: } أمنتم من في السماء { ولقوله: } إليه يصعد الكلم الطيّب { ولقوله } تعرج الملائكة والـروح إليه { ومثل هذا في القرآن كثير ))؛ وانظر (7/128) فإنّه مهم. وقد تقدم كلامه في الإستذكار كذلك. ويقول الذهبي -رحمه الله- في ((مختصر العلو ))(ص/81): (( ففي الخبر مسألتان: إحداهما: شرعية قول المسلم: أين الله؟. ثانيهما: قول المسؤول: في السماء، فمن أنكر هاتين المسألتين فإنّما يُنكر على المصطفى صلى الله عليه وسلم )). ويقول شيخ الإسلام (4/62): (( والجارية التي قال لها النبيّ صلى الله عليه وسلم: (( أين الله؟ )) قالت: في السماء، قال: (( اعتقها فإنها مؤمنة ))، جارية أعجمية، أرأيت من فقهها وأخبرها بما ذكرته؟ وإنّما أخبرت عن الفطرة التي فطرها الله تعالى عليها، وأقرّها النبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك وشهد لها بالإيمان، فليتأمّل العاقل ذلك يجده هادياً لـه على معرفة ربّه بالإقرار به كما ينبغي، لا ما أحدثه المتعمقون المتشدقون ممّن سوّل لهم الشيطان وأملى لهم )) أهـ ويقولُ الإمام أبو محمد عبد الغني المقدسي( ) بعد ذكره لحديث معاوية بن الحكم: (( ...ومن أجهل جهلاً وأسخف عقلاً وأضلّ سبيلاً ممن يقول أنّه لا يجوز أن يقال: (( أين الله؟ )) بعد تصريح صاحب الشريعة بقوله (( أين الله؟ )) ))أهـ. وبعد؛ فهذه عقيدة أهل السنّة، وهذا كلام أئمتهم، فأيُّ عيب على من نطق بما في الكتاب والسنّة، مثبتاً ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله . -------------------------------------------------------------------------------- (1) مجلة منار "الهدى" 16/27 قال ابن حجر الهيتمي في فتح المبين (55) تعليقاً على قول الشافعي "لا أعلم كتاباً بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك" (إنما كان قبل ظهورهما [أي البخاري ومسلم] فلما ظهراً كانا أحقّ بذلك وأولى). (2) فتح الباري 13/359. (3) موطأ مالك 2/776 كتاب العتق والولاء باب عتق أمهات الأولاد. (4) فتح المعين بنقد كتاب الأربعين ص 16. (5) صيد الخاطر 115 و116 و181 ط: المكتبة العلمية – بيروت. (6) الدليل القويم 51. (7) الرسالة القشيرية ص 2. |
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
الغلو, شبهات, عليها, والرد, واعتراضات |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc