اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
أخذ كوبونا هدية فهل له أن يبيعه بأقل من قيمته ؟
السؤال:
إذا أعطت الشركة لموظفيها كوبونات ، لشراء سلع بقيمة معينة ، فهل يجوز بيع الكوبون بأقل من قيمته ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الكوبون الذي يخوّل لحامله شراء سلع من مكان محدد ، يعتبر سندا أو صكا بقدر معين من السلع ، ولا يعتبر سندا بالنقود ؛ وعليه فلا يجري في هذا الكوبون أحكام التعامل بالنقود
، وإنما ينظر إليه باعتبار ما يمثله من سلع .
بيع الكوبونات التي تمثل سلعا من الطعام والكساء وغيره ، فيه تفصيل :
أولا :
إذا كانت الكوبونات مأخوذة بعقد معاوضة ، كأن يشتريها إنسان بثمن ما ، ثم يريد بيعها ، فإن كانت مخصوصة بطعام ، فلا يجوز بيعها ؛ لأن الكوبون سند أو صك بالطعام ، فيكون ذلك من بيع الطعام قبل قبضه ، وهو ممنوع بالإجماع .
قال ابن المنذر رحمه الله :
" أجمع أهل العلم على أن من اشترى طعاما فليس له أن يبيعه حتى يستوفيه , ولو دخل في ضمان المشتري , جاز له بيعه والتصرف فيه , كما بعد القبض "
انتهى نقلا عن "المغني" (4/88).
وإن كانت في غير الطعام ، ففي بيعها قبل قبض السلع خلاف بين الفقهاء ، والصحيح أنه لا يجوز
؛ لعموم الأدلة التي تنهى عن بيع السلع قبل قبضها ،كقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه : ( إذا اشتريت مبيعا فلا تبعه حتى تقبضه ) رواه أحمد(15399) والنسائي ( 613) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم : 342
وأخرج أبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه ( نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه ) رواه البخاري (2132) ، ومسلم (1525) ، وزاد : قال ابن عباس : "وأحسب كل شيء مثله" . أي لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك .
وأما إذا كانت الكوبونات مأخوذة بغير معاوضة ، كأن تكون هبة من الشركة لموظفيها ، ففي بيعها قبل قبض السلع المستحقة بها ، خلاف أيضا .
وذلك لما روى مسلم (2818) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِمَرْوَانَ أَحْلَلْتَ بَيْعَ الرِّبَا فَقَالَ مَرْوَانُ مَا فَعَلْتُ . فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَحْلَلْتَ بَيْعَ الصِّكَاكِ ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى . فَخَطَبَ مَرْوَانُ النَّاسَ فَنَهَى عَنْ بَيْعِهَا .
ورواه مالك في الموطأ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَانِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مِنْ طَعَامِ الْجَارِ فَتَبَايَعَ النَّاسُ تِلْكَ الصُّكُوكَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَدَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، فَقَالَا : أَتُحِلُّ بَيْعَ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ ؟
فَقَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ ! وَمَا ذَاكَ ؟ فَقَالَا : هَذِهِ الصُّكُوكُ تَبَايَعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَتْبَعُونَهَا يَنْزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ وَيَرُدُّونَهَا إِلَى أَهْلِهَا ).
وقد اختلف العلماء في المراد بهذا الحديث على قولين :
الأول : أن من أخذ الصكاك من بيت المال له أن يبيعها قبل قبضها ، لأنه لم يأخذها بمعاوضة ، وأما من اشتراها منه فليس له أن يبعها إلا بعد قبض الطعام . وهو قول المالكية والشافعية .
والثاني : أن الجميع ممنوعون من بيعها قبل قبضها . وهو قول الإمام أحمد .
وانظر : "المنتقى للباجي" (4/284)، "حاشية الدسوقي" (3/151)
"القواعد لابن رجب" ص (84)
"المهذب مع المجموع" (9/328).
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم :
" الصِّكَاكَ جَمْع صَكّ وَهُوَ الْوَرَقَة الْمَكْتُوبَة بِدَيْنٍ وَيُجْمَع أَيْضًا عَلَى صُكُوك , وَالْمُرَاد هُنَا الْوَرَقَة الَّتِي تَخْرُج مِنْ وَلِيّ الْأَمْر بِالرِّزْقِ لِمُسْتَحِقِّهِ بِأَنْ يَكْتُب فِيهَا لِلْإِنْسَانِ كَذَا وَكَذَا مِنْ طَعَام أَوْ غَيْره فَيَبِيع صَاحِبهَا ذَلِكَ لِإِنْسَانٍ قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ ; وَالْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ جَوَاز بَيْعهَا .
وَالثَّانِي : مَنْعهَا . فَمَنْ مَنَعَهَا أَخَذَ بِظَاهِرِ قَوْل أَبِي هُرَيْرَة وَبِحُجَّتِهِ . وَمَنْ أَجَازَهَا تَأَوَّلَ قَضِيَّة أَبِي هُرَيْرَة عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِي مِمَّنْ خَرَجَ لَهُ الصَّكّ بَاعَهُ لِثَالِثٍ , قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ الْمُشْتَرِي فَكَانَ النَّهْي عَنْ الْبَيْع الثَّانِي لَا عَنْ الْأَوَّل , لِأَنَّ الَّذِي خَرَجَتْ لَهُ مَالِك لِذَلِكَ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا
وَلَيْسَ هُوَ بِمُشْتَرٍ فَلَا يَمْتَنِع بَيْعه قَبْل الْقَبْض , كَمَا لَا يَمْتَنِع بَيْعه مَا وَرِثَهُ قَبْل قَبْضه
. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض بَعْد أَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى نَحْو مَا ذَكَرْته : وَكَانُوا يَتَبَايَعُونَهَا ثُمَّ يَبِيعهَا الْمُشْتَرُونَ قَبْل قَبْضهَا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ , قَالَ : فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ : لَا تَبِعْ طَعَامًا اِبْتَعْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيه . اِنْتَهَى. هَذَا تَمَام الْحَدِيث فِي الْمُوَطَّأ .
وَكَذَا جَاءَ الْحَدِيث مُفَسَّرًا فِي الْمُوَطَّأ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَن مَرْوَان بِطَعَامٍ فَتَبَايَعَ النَّاس تِلْكَ الصُّكُوك قَبْل أَنْ يَسْتَوْفُوهَا , وَفِي الْمُوَطَّأ مَا هُوَ أَبَيْنَ مِنْ هَذَا , وَهُوَ أَنَّ حَكِيم بْن حِزَام اِبْتَاعَ طَعَامًا أَمَرَ بِهِ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَبَاعَ حَكِيم الطَّعَام الَّذِي اِشْتَرَاهُ قَبْل قَبْضه وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى.
ومما يرجح القول بالجواز : ما رواه عبد الرزاق في مصنفه ( 131 )
عن الزهري أن ابن عمر وزيد بن ثابت كانا لا يريان بأسا بشرى الرزق إذا أخرجت القطوط , وهي الصكاك , ويقولون : لا تبعه حتى تقبضه .
فهذا يرجح الاحتمال الأول ، وهو أن النهي لا يلحق من أخذ الصك ثم باعه قبل قبضه ، بل النهي متوجه لمن اشترى منه ، فليس له أن يبيعه حتى يقبضه .
ولكن يبقى أمر آخر ، وهو أن الكوبون بالسلع فيه نوع من الجهالة ، من جهة عدم تحديد السلع التي تؤخذ به ، والذي يظهر أنها جهالة مغتفرة ؛ لأن السلع محدودة بقدر معين من المال ، فمآلها إلى العلم
.
والحاصل : أنه يجوز لمن أخذ الكوبون هديةً من الشركة ، أن يبيعه على غيره وأما من اشتراه منه ، فليس له أن يبعه على ثالثٍ حتى يقبض السلع .
وقد أفتى فضيلة الشيخ خالد المشيقح بجواز هذا البيع ، وكذلك سألنا فضيلة الشيخ يوسف الشبيلي عن هذه المعاملة فأفتى بالجواز .
والله أعلم .