|
قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث .. |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
القواعد الحسان لتفسير القرآن (71 قاعدة) - إبن السعدي رحمه الله -
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2015-03-29, 00:36 | رقم المشاركة : 61 | ||||
|
|
||||
2015-03-29, 22:12 | رقم المشاركة : 62 | |||
|
اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد |
|||
2015-03-29, 22:30 | رقم المشاركة : 63 | |||
|
القاعدة الخمسون: آيات الرسول: هي التي يبديها الباري ويبتديها وأما ما أبداه المكذبون له واقترحوه، فليست آيات. وإنما هي تعنتات وتعجيزات. وبهذا يعرف الفرق بينها وبين الآيات: وهي البراهين والأدلة على صدق الرسول وغيره من الرسل، وعلى صدق كل خبر أخبر الله به، وأنها الأدلة والبراهين التي يلزم من فهمها على وجهها صدق ما دلت عليه ويقينه. وبهذا المعنى الحديث: (ما أرسل الله من رسول إلا أعطاه من الآيات ما على مثله آمن البشر) ، وأما ما آتى الله محمداً صلى الله عليه وسلم من الآيات فهي لا تحد ولا تعد من كثرتها وقوتها ووضوحها ـ ولله الحمد ـ فلم يبق لأحد من الناس بعدها عذر. فعلم بذلك أن اقتراح المكذبين لآيات يعينونها ليست من هذا القبيل، وإنما مقصودهم بهذا أنهم وطنوا أنفسهم على دينهم الباطل وعدم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم. فلما دعاهم إلى الإيمان وأراهم شواهد الآيات أرادوا أن يبرروا ما هم عليه عند الأغمار والسفهاء، بقولهم: ائتنا بالآية الفلانية والآية الفلانية إن كنت صادقاً، وإن لم تأت بذلك فإننا لا نصدقك، فهذه طريقة لا يرتضيها أدنى منصف، ولهذا يخبر تعالى أنه لو أجابهم إلى ما طالبوا لم يؤمنوا لأنهم وطنوا أنفسهم على الرضا بدينهم بعدما عرفوا الحق ورفضوه. وأيضاً فهذا من جهلهم في الحال والمآل. أما الحال: فإن هذه الآيات التي يقترحونها جرت العادة أن المقترحين لها لم يكن قصدهم الحق، فإذا جاءت ولم يؤمنوا عوجلوا بالعقوبة الحاضرة. وأما المآل: فإنهم جزموا جزماً لا تردد فيه أنها إذا جاءت آمنوا وصدقوا. وهذا قلب للحقائق، وإخبار بغير الذي في قلوبهم، فلو جاءتهم كل آية اقترحوها لم يؤمنوا إلا أن يشاء الله تعالى. وهذا النوع ذكره الله في كتابه عن المكذبين في آيات كثيرة جداً، كقولهم: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً} [الإسراء: 90] ، وقوله: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً} [الأنعام: من الآية111] ،، إلى آخرها. وأيضاً إن اقتراحهم هذا ينادي صريحاً بأنهم ينسبون إلى الله العجز والعبث، إذ أنه أرسل رسولاً لم يؤيده بالآيات الكافية في الدلالة على صدقه، ولم يعطه من البراهين والحجج ما يبطل دعاوى خصمه. وهذا ينافي الحكمة، ولا يتفق مع الغرض الذي من أجله أرسل الله رسوله. وهذا أعظم كفراً وإجراماً وأشد من شركهم وفسوقهم، وما كان يتولى كبره منهم إلا السادة الرؤساء الذين تبين لهم صدق الرسول بدون أي خفاء، ولكنهم يحاولون بذلك صرف العامة والدهماء عن الاستماع إليه والإصغاء إلى قوله، ولذلك يدمغهم الله بمَيّسَم الخزي عقب كل تحدٍ واقتراحٍ لآية، بعد أن ينزه نفسه سبحانه عما ينتقصونه به. ففي سورة الإسراء يقول عقب سرد ما اقترحوا من آيات: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي} [الإسراء: من الآية93] ، ثم يقول: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً} [الإسراء: من الآية97} . ويقول في سورة العنكبوت: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ * وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ * وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} ، [العنكبوت: 47-52] ،. وأيضاً إذا تدبرت الاقتراحات التي عينوها لم تجدها في الحقيقة من جنس البراهين، وإنما هي ـ لو فرض الإتيان بها ـ شبيهة بآيات الاضطرار التي لا ينفع الإيمان معها، ويصير شهادة، وإنما الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب فكما أن الله المنفرد بالحكم بين العباد في أديانهم، وحقوقهم وأنه لا حكم إلا حكمه، وأنه من قال ينبغي أو يجب أن يكون الحكم كذا وكذا، فهو متجرئ على الله، متوثب على حرمات الله وأحكامه، فكذلك براهينُ أحكامه لا يتولاها إلا هو، فمن اقترح شيئاً عنده فقد ادعى مشاركة الرب في حكمه، ومنازعته في الطرق التي يهدي ويرشد بها عباده: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الأنعام: من الآية93] ،. |
|||
2015-04-01, 14:15 | رقم المشاركة : 64 | |||
|
|
|||
2015-04-05, 22:41 | رقم المشاركة : 65 | |||
|
وهذه قاعدة شرعية عقلية فطرية، قد وردت في القرآن وأرشد إليها في مواضع كثيرة. وذلك: أنه من المعلوم أن محل المعارضات وموضع الاستشكالات وموضع التوقفات ووقت المشاورات إذا كان الشيء فيه اشتباه أو احتمالات فترد عليه هذه الأمور؛ لأنها الطريق إلى البيان والتوضيح. فأما إذا كان الشيء لا يحتمل إلا معنى واحداً واضحاً، وقد تعينت المصلحة، فالمجادلة والمعارضة من باب العبث، والمعارضُ هنا لا يُلتفت إلى اعتراضاته، لأنه يشبه المكابر المنكر للمحسوسات. قال تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: من الآية256] ،. يعني وإذا تبين هذا من هذا لم يبق للإكراه محل، لأن الإكراه إنما يكون على أمر فيه مصلحة خفية، فأما أمر قد اتضح أن مصالح وسعادة الدارين مربوطة ومتعلقة به، فأي داع للإكراه فيه؟. ونظير هذا قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: من الآية29] ، أيْ هذا الحق الذي قامت البراهين الواضحة على حقِّيَّته فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. كقوله: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [لأنفال: من الآية42] ، وقال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} ، [آل عمران: من الآية159] ، أيْ: في الأمور التي تحتاج إلى مشاورة، ويُطلب فيها وجه المصلحة، فأما أمر قد تعينت مصلحته، وظهر وجوبه فقال فيه: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: من الآية159] ،. وقد كشف الله هذا المعنى غاية الكشف، في قوله: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ} [لأنفال: من الآية6] ، أيْ فكل من حاول في الحق بعد ما تبين علمه، أو طريق عمله، فإنه غالط شرعاً وعقلاً. وقال تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: من الآية119] ، فلامَهُم على عدم التزام الأكل مما ذكر اسم الله عليه، وذكر السبب لهذا اللوم؛ وهو أنه تعالى فصل لعباده كل ما حرم عليهم، فما لم يذكر تحريمه فإنه حلال واضح ليس للتوقف عنه محل. ولما ذكر تعالى الآيات الدالة على وجوب الإيمان، وَبَّخَ ولام المتوقفين عنه بعد البيان، فقال: {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ {21} وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] ،. ولما بين جلال القرآن وأنه أعلى الكلام، وأوضحه بياناً وأصدقه وأنفعه ثمرة، قال تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية: من الآية6] ،. ولما ذكر عظم نعمه الظاهرة والباطنة، قال تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} [لنجم: 55] ، {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] ، وقال تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس: من الآية32] ،. وكذلك في آيات كثيرة يأمره بمجادلة المكذبين ويجادلهم بالتي هي أحسن، حتى إذا وصل معهم إلى حالة وضوح الحق التام وإزالة الشبه كلها انتقل من مجادلتهم إلى الوعيد لهم بعقوبات الدنيا والآخرة، والآيات في هذا المعنى الجليل كثيرة جداً. |
|||
2015-04-07, 18:48 | رقم المشاركة : 66 | |||
|
شكرا جزيلا و بارك الله فيك |
|||
2015-04-08, 12:35 | رقم المشاركة : 67 | |||
|
بارك الله فيك |
|||
2015-04-09, 09:03 | رقم المشاركة : 68 | |||
|
|
|||
2015-04-19, 14:57 | رقم المشاركة : 69 | |||
|
وهذه القاعدة تبين من لطف الله وإحسانه بالعباد، وحكمته الواسعة ما هو أثر عظيم من آثار تعريفاته ونفحة عظيمة من نفحاته، وأنه أرحم الراحمين، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216] ، فبين تعالى أن هذه العبادة العظيمة لعظم مصلحتها وكثرة فوائدها العامة والخاصة أنه فرضها على العباد وإن شقت عليهم وكرهتها نفوسهم لما فيها من التعرض للأخطار وتلف النفوس والأموال، لكن هذه المشقات بالنسبة إلى ما تفضي إليه من الكرامات ليست بشر بل هي خير محض وإحسان صرف من الله على عباده، حيث قيض لهم هذه العبادة التي توصلهم إلى منازل لولاها لم يكونوا واصليها، قال تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء: من الآية104] ، وقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} ، [البقرة: 155/156] ، وقال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: من الآية10] ،. فكلما عظمت مشقة الصبر في فعل الطاعات، وفي ترك المحرمات لقوة الداعي إليها، وفي الصبر على المصيبات لشدة وقعها، كان الأجر أعظم والثواب أكبر، قال تعالى في بيان لطفه في تسهيل العبادة الشاقة: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَام إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب} ، [لأنفال: 11-12] ،. فذكر منته على المؤمنين بتيسيره وتقديره لهذه الأمور التي يسر بها العبادة، مزيلة محصلة لثمراتها. وقال تعالى: {إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ {32} الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 62-64] ،. فالبشرى التي وعد الله بها أولياءه في الحياة الدنيا من أشرفها وأجلها: أنه يسر لهم العبادات وهون عليهم مشقة القربات، وأن ييسرهم للخير، ويجنبهم الشر بأيسر عمل. وقال: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى {5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى {6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} {الليل: 5-7} ، أيْ لكل حالة فيها تيسير أموره وتسهيلها {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} ، [النحل: من الآية97] ،. ومن الحياة الطيبة التي يرزقونها: ذوقُ حلاوة الطاعات، واستعذاب المشقات في رضا الله تعالى، فهذه الأحوال كلها خير للمؤمن، إن سهل الله له طريق العبادة وهونها حَمِدَ اللهَ وشكره، وإن قامت العقبات صبر في اقتحامها، واحتسب الخير في عنائه وجهاده ورجا عظيم الثواب، وهذا المعنى في القرآن في آيات متعددة، والله أعلم |
|||
2015-05-13, 23:26 | رقم المشاركة : 70 | |||
|
القاعدة الرابعة والخمسون:
كثيراً ما ينفي الله الشيء لعدم فائدته وثمرته المقصودة منه، وإن كانت صورته موجودة وذلك أن الله خلق الإنسان وركب فيه القوى، من السمع والبصر والفؤاد وغيرها ليعرف بها ربه ويقوم بحقه، فهذا المقصود منها، وبوجود ما خلقت له تكمل ويكمل صاحبها. وبفقد ذلك يكون وجودها أضر على الإنسان من عدمها، فإنها حجة الله على عباده، ونعمته التي توجد بها مصالح الدين والدنيا، فإما أن تكون نعمة تامة إذا اقترن بها مقصودها أو تكون محنة وحجة على صاحبها إذا استعملها في غير ما خلقت له. ولهذا كثيراً ما ينفي الله تعالى هذه الأمور الثلاثة عن أصناف الكافرين بها المكبلين بسلاسل وأغلال التقليد الأعمى للأباء والسادة والرؤساء، المنسلخين من آيات الله، وإن تسموا بأسماء إسلامية ولبسوا ثياباً وألقاباً علمية، فهم المعنيون في كلام الله بوصف الكفار والمنافقين. كقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} ، [البقرة: 171] ، وقال في سورة الأعراف: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: من الآية172] ،. وهذه آيات ربوبيته واضحة ناطقة فيكم، وفي تكوينكم في أصلاب آبائكم وأرحام أمهاتكم، وإخراجكم منها بشراً سويا، وتسخير ما في السموات والأرض جميعاً لكم، ثم ساقت الآيات في عاقبة غفلة الإنسان عن تلك الآيات. وبين سبب هذه الغفلة بقوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} ، [الأعراف: 175] ، أيْ ألقاها وخلعها كارهاً لها: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} ، [الأعراف: 176] ، فما أعطيناها له إلا ليتفكر بها في خلق الله وحكمته فيرتفع على درجات الكمال، ولكنه أخلد إلى الأرض البهيمية ورضي بالتقليد الأعمى الذي هو من خصائص الأنعام، ثم ختمها بسوء عاقبة هذا المنسلخ المقلد بقوله: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} ، [الأعراف: من الآية179] ،. فأخبر أن صور الحواس الحيوانية موجودة ولكن فوائدها الإنسانية مفقودة ولذلك قال: {لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: من الآية46] ،. وقال: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [النمل: 81] ،. والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً} ، [النساء: 150-151] ، فأثبت لهم الكفر من كل وجه؛ لأن دعواهم الإيمانَ بما يقولون آمنا به من الكتب والرسل لم يوجب لهم الدخول في حقيقة الإيمان؛ لأن ثمرة إيمانهم مفقودة حيث كذبوهم في صحة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وغيره ممن كفروا به وحيث أنكروا من براهين الإيمان ما هو أعظم مما أثبتوا به رسالة من زعموا الإيمان به، وكذلك قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} ، [البقرة:8] ، لما كان الإيمان النافع هو الذي يُغرس في قلب سليم من الجهل والشكوك والشبهات والتقاليد ويُسقى بعصارة تدبر آيات الله الكونية والقرآنية فيثمر في القلب والجوارح أطيب الثمرات من العبادة والطاعة، ولما كان الإيمان النافع هو الذي يتفق عليه القلب واللسان وهو المثمر لكل خير، وكان المنافقون يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، نفى عنهم الإيمان لانتفاء فائدته وثمرته. ويشبه هذا: ترتيب الباري كثيراً من الواجبات والفروض على الإيمان. كقوله: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} ، [آل عمران: من الآية122] ، {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] ،، وقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} ، [لأنفال: من الآية41] ، إلى قوله: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ} ، [لأنفال: من الآية41] ، وقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} [الأنفال: 2-4] ، وذلك أن الإيمان الصادق يقتضي صدق العقيدة وأداء الفرائض والواجبات، واجتناب الشرك والمحرمات فما لم يحصل ذلك فهو بعد لم يتم ولم يتحقق، وهذا قال: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} . وكذلك لما كان العلم الشرعي يقتضي العمل به، والانقياد لكتب الله ورسله، قال تعالى عن أهل الكتاب المنحرفين: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ} ، [البقرة: 101] ،. ونظير ذلك: قول موسى عليه السلام، لما قال له بنو إسرائيل: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} ، [البقرة: 67] ، فكما أن فقد العلم جهل ففقد العمل به جهل قبيح. |
|||
2015-05-14, 10:55 | رقم المشاركة : 71 | |||
|
جزاك الله خير |
|||
2015-05-17, 18:01 | رقم المشاركة : 72 | |||
|
جزاك الله خيرا وبارك فيك |
|||
2015-05-17, 19:04 | رقم المشاركة : 73 | |||
|
جزاك الله خيرا وبارك فيك |
|||
2015-05-19, 11:06 | رقم المشاركة : 74 | |||
|
|
|||
2015-05-20, 04:36 | رقم المشاركة : 75 | |||
|
سبحان الله العظيم وبحمده |
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
التفسير, تلقي, كيفية |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc