لكل من يبحث عن مرجع سأساعده - الصفحة 43 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم البحوث العلمية والمذكرات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

لكل من يبحث عن مرجع سأساعده

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-12-10, 11:28   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة jenanjnn86 مشاهدة المشاركة
السلام عليكم أنا طالبة ثانية ماستر تاريخ عنوان مذكرتي الحياة الاجتماعية للجزائر خلال العهد العثماني ارجو مساعدتي
موضوع: الأوضاع الإجتماعية والاقتصادية للجزائر خلال العهد العثماني 1707-1827م الجمعة 26 ديسمبر - 18:50
الأوضاع الإجتماعية والاقتصادية للجزائر خلال العهد العثماني 1707-1827م

د. محمد مكحلي [1]

قسم التاريخ- كلية الآداب و العلوم الإنسانية- جامعة الجيلالي اليابس / سيدي بلعباس / الجزائر

تقديم:

بتعيين خير الدين بيلرياي " أصبحت الجزائر إحدى الولايات الثلاث للإمبراطورية العثمانية وأصبح لبايلر باي الجزائر بمقتضى هذا التعيين حق التصرف المطلق في الجزائر مع الإشراف على إقليمي تونس و طرابلس، لكن هذا الإشراف لم يدم طويلا فقد ألغى العثمانيون نظام البايلر باي سنة 1588م خوفا من أن يفكر هؤلاء الولاة في الإنفصال فأصبحت الجزائر ولاية عادية يعين على رأسها باشا تغيره الأستانة كل ثلاث سنوات[2].

لم يهتم الباشوات بشؤون الرعية بل انصرف همهم إلى جمع اكبر قسط من الأموال في انتظار مدة الولاية، وبذلك انتقلت السلطة من أيديهم إلى ضباط الجيش الذين بدأ نفوذهم يتعاظم تدريجيا مع بداية سنة 1659م، وأصبح حكام الجزائر العثمانية يعينون من بينهم ضابطا برتبة أغا كحاكم فعلي على الولايات غير أن هذه المرحلة لم تطل مدتها و ذلك لأن الأغا لم يكن يستقر في منصبه أكثر من شهرين نتيجة للتنافس الشديد بين الضباط على الحكم[3].

فكانت الجزائر خلال الفترة من 1518-1671م إيالة عثمانية تتلقى المساعدة المالية و العسكرية من الخلافة و قد اهتم الحكام في هذه المرحلة بتوحيد الجزائر سياسيا و ذلك بالقضاء على الإمارات المستقلة وإخضاعها لسلطة مركزية مقرها مدينة الجزائر كما وجهوا جهودهم لتحرير موانئ البلاد من السيطرة الإسبانية وفرض سيطرة الأسطول على الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط.

مع بداية سنة 1671م دخلت الجزائر مرحلة جديدة تميزت بتولي طائفة رياس البحر السلطة، و هم ضباط البحر الذين نصبوا نظاما جديدا يتمثل في تعيين حاكم للبلاد يلقب بالداي.

و قد التزم الدايات بحفظ الإرتباط مع الدولة العثمانية باعتبارها خلافة إسلامية، لكنهم سلكوا سياسة مستقلة فيما يتعلق بالشؤون الخاصة للبلاد ، فالداي هو الذي :

§ يعقد الإتفاقيات الدولية

§ يستقبل البعثات الدبلوماسية ( القناصل)

§ يعلن الحرب و يبرم معاهدات السلام

لما استقر نظام الدايات تكون في مدينة الجزائر ديوان مستقل هو أشبه بمجلس الوزراء، فهناك وكيل الخرج المختص بشؤون البحرية، و البيت مالجي المختص بالشؤون المالية و رئيس أمين مدينة الجزائر و خوجة الخيل الذي كان يشكل حلقة إتصال بين الجزائريين و الحكومة.مخطط للنظام السياسي و الإداري للجزائر العثمانية في عهد الدايات




و قسمت الجزائر من الناحية الإدارية إلى أربعة أقاليم رئيسية هي:

1- دار السلطان: كانت تضم مدينة الجزائر و ضواحيها

2- بايلك الغرب: كانت عاصمته مازونة ثم معسكر و أخيرا وهران بعد جلاء الإسبان عنها عام 1792م

3- بايلك التيطري، ضم المناطق الوسطى و مناطق جنوب دار السلطان و كانت عاصمته المدية.

4- بايلك الشرق: يقع من شرقي من دار السلطان و بايلك التيطري كان أكبر المقاطعات و الأقاليم ، و كانت عاصمته قسنطينة.

كانت هذه المقاطعات مقسمة إلى قيادات و على رأس كل منها شيخ قبيلة و كان الجهاز الإداري جهازا لامركزيا حيث أن اية علاقة للحكومة برعاياها كانت علاقة غير مباشرة، تعتمد على استعمال الزعماء المحليين لجمع الشرائب و فرض الأمن يمكن استنتاج أهم الخصائص التي ميزت الدولة الجزائرية أنذاك كمايلي:

1- لم يعد تعيين رجال الحكم قائم على الإنتخاب من طرف ممثلي الشعب فلم يكن النظام السياسي ملكيا وراثيا ولكنه لم يرتق إلى نظام جمهوري..

2- حافظ النظام الإداري على التقسيمات القبلية و الزعامات المحلية فلم تتبلور الصفة العصرية للدولة[4].

3- لم تختلف وضعية الجزائر كما كانت عليه لقبه العالم الإسلامي و لكنها كانت مختلفة كما كان يحدث و العالم الأوربي الذي تكونت فيه دول ذات حكومات مركزية أخذت تتأهب لفرض سيطرتها على العالم[5].

الحياة الإجتماعية و الإقتصادية:

عند دراسة أوجه النشاط الإقتصادي و الحياة الإجتماعية للجزائر العثمانية يلاحظ الطابع الزراعي و الرعوي الذي تمركز أساسا في الارياف و أطراف المدن هذا في حين أن الحواضر تكاد تنفرد بالنشاط الحرفي لو لا وجود قدر قليل من نشاط حرفي متواضع يهدف إلى تلبية الضرورات المنزلية و يقوم على الإكتفاء الذاتي في الأرياف. و إلى جانب ذلك لعبت التجارة الخارجية و الداخلية دورا مهما داخل البنية الإقتصادية للمجتمع الجزائري عموما و البنية الحضرية بشكل خاص[6].

لقد هيمن النشاط الإقتصادي في الأرياف الجزائرية و بخاصة النشاط الزراعي و الرعوي[7]، و فيما يخص أشكال الإنتاج، فإنها كانت موزعة على أربعة مجالات طبيعية تتمثل في المرتفعات الجبلية و التلال و السهوب و أطراف الحواضر تشكل في مجملها كلا إجتماعيا و إقتصاديا يمز الريف الجزائري والإمتدادات الريفية التابعة للحواضر.

بالرغم من تنوع هذه المناطق التي تنتحل هذا النمط من العيش فإن الإنتماء إلى الجماعة العمرانية (Communauté) يشكل الشرط الضروري لاستمرار الحياة الإجتماعية ففي كنف هذا التجمع تتحقق ملكية العضو لشروط العمل و الإنتاج أي أن إنتماء الفرد للجماعة شرط تحقيق وجوده فهي تتوسط العلاقة فيما بينه و بين الأرض و وسائل العمل، و هكذا فإن العائلة الممتدة تشرف في المرتفعات الجبلية و بشكل نسبي على الملكية الصغيرة التي تعتبر مجالها واضحا و بين حرائق الجيران و هي (أي الأسرة الممتدة) تمثل الأسرة النووية ( الصغيرة) وجودها ضمنها[8].

و تعتبر "التويزا" « Touiza » أكثر اشكال التضامن القروي شهرة و هي كثيرا ما تجد الفرصة للظهور في أراضي الأوقاف و يلاحظ أن الأب أو الأخ الأكبر في كل أسرة هو الذي يمثل أفراد أسرته في احتفالات القرية و ينوب عنها في التجمعات التي تعقد في المسجد[9].

و من أجل تأمين إعادة انتاجها فإن الأسرة تضيف إلى أنشطتها المعروفة بعض الصناعات الحرفية المرتبطة باستغلالها و التي أحيانا ما يوجه بعضها نحو السوق. أم الملكية غير المنقولة التي تتحقق من خلال الهيبة أو الميراث فرغم كونها ملكية خاصة إلا أنها تبقى تندرج تحت استحواذ العائلة.

إن وضعية الأراضي الزراعية في الجزائر خلال العهد العثماني أصبحت تتصف بمظاهر الصراع الخفي و الإحتكاك المستمر بين أسلوبين من الإنتاج، و نمطين من المعيشة مختلفين أحدهما يرتكز على الإرتباط بالأرض و حيازتها و الأخر يمتهن الرعي و العزوف عن خدمة الأرض[10].

و هكذا لم يبق من الأقاليم المحتفظة بطابعه الزراعي المتمسكة بتقاليده الفلاحية سوى فحوص المدن الكبرى و بلاد القبائل ، و شمال قسنطينة و التيطري و سهل متيجة و سهل غريس[11].

و الجدير بالملاحظة أن العثمانيين قد عملوا جاهدين على الإحتفاظ بالأوضاع السائدة، فأبقوا في غالب الأحيان ملاك الأراضي و أقروا العشائر المتعاملة معهم على الأراضي التي

ت استحوذوا عليها بغية الحصول على تأييد شيوخ القبائل و مساندة رؤساء الزوايا لهم و لم يهتموا بصفة خاصة إلا بما تذره الأرض من إنتاج و ما توفره من جبايات[12].

إن التطور الذي انتهت إليه وضعية الأرض من ناحية الإنتاج لم يكن نتيجة لسياسة معينة من طرف الحكام العثمانيين و إنما كان نتيجة تحول بطيء فرضته الأحوال الإقتصادية و ساهمت فيه الأوضاع الإجتماعية و تسببت فيه حاجة الحكام إلى موارد البلاد "إثر تزايد" الضغط الأوربي على السواحل و إنفتاح البلاد على التجارة الأوربية.

لقد نتج عن كثرة المطالب المالية وقلة الجبايات على الأراضي الزراعية وتعدد المغارم،إهمال الزراعة و تحول قسم من السكان من الإشتغال بالفلاحة إلى مزاولة حرفة الرعي وفي بعض الأحيان اضطر المزارعون إلى الثورة على الحكام و قد انعكس هذا الوضع على الحياة السياسية[13]، إذ أن تحول السلطة إلى الدايات أدى إلى تضررالزراعة، وتحول كثير من الأراضي المنتجة للحبوب إلى ملكيات للبايلك أو مزارع مشاعة بين أفراد القبائل الحليفة "قبائل المخزن" أو العشائر الخاضعة "قبائل الرعية" بعد أن انقطع سيل الهجرة الأندلسية، و تسببت الحملات العسكرية التي كانت تنطلق من مراكز البايلك لجمع الضرائب و أخذ المغارم في الحلاق أضرار فادحة بأهالي الريف و غالبا ما تمكن المحلة أو الفرقة العسكرية مدة طويلة قد تصل على ستة أشهر تتحول أثناءها الأرياف و توجب الضرائب و يعاقب العقاب الممتنعون فمحلة بايلك الشرق تنطلق من قسنطينة و تنقسم إلى فيلقين أحدهما يجوب الهضاب العليا و التل الجنوبي و الأخرى تقصد مناطق التل الشمالية المتاخمة لساحل البحر، أما محلة بايلك البيطري فتتوجه من مدينتي الجزائر والمدية نحو سهل عريب و بني سليمان و البرواقية، بينما محلة بايلك الغرب تخرج من مازونة أو معسكر نحو سهول غريس و وادي مينا وجهات السرسو و تاهرت[14].

وبظهور دايات أقوياء وأكفاء و استقرار نظام الحكم على توسع أراضي الدولة بمواطن العشائر التي ثم إخضاعها،في الوقت الذي استقرت في أوضاع الملكيات المشاعة، وبدأ قسم من الملكيات الخاصة يتحول بفحوص المدن إلى أوقاف أهلية يعود ربحها بعد انقراض عقب محبسها على المؤسسات الدينية و المشاريع الخيرية.

كما هو الحال بفحوص مدن الجزائر و البليدة و القليعة[15].

وبعد مـوت الـداي محمد عثمان باشا تولى مقاليد الحكم الداي باشا حسان (1791-1798مـ) و الداي مصطفى باشا (1798-1805مـ) اللذان انتهجا سياسة جديدة، قوامها تصدير المزيد من المحاصيل الزراعية إلى خارج البلاد عن طريق الشركات الأوربية و المحتكرين اليهود أمثال بكري و بوشناق ، في الوقت الذي كانت فيه البلاد معرضة للمجاعة نتيجة القحط الذي أضر بالزراعة في السنوات التالية 1788 و 1779 و 1800 و 1807م و1816 و 1819[16]، ويلاحظ أن السماسرة اليهود كانوا يصدرون كميات كبيرة من الحبوب أثناء هذه الفترة.

ففي عام 1793م و مثل على ذلك تم شحن مائة سفينة من ميناء وهران قدرت حمولتها بـ 75000 قتطار من القمح و 6000 قنطار من الشعير مما تسبب في حدوث اضطرابات في جهاز الحكم فاغتيل ستة دايات من مجموع ثمانية في مدة قصيرة[17].

لقد أدى الضغط المتزايد على الأرياف إلى قلة الإنتاج و إهمال الزراعة وإعلان العصيان و حدثت سلسلة من الثورات في جميع الجهات مثل منطقة جرجرة (1804-1810-1823م) و شمال قسنطينة (1804م) و الغرب الجزائري (1803-1809م) و مناطق النمامشة و الأوراس ، ووادي سوف( 1818-1823).

و قد شملت الثورات مناطق الحبوب حيث أعلنت التيجانية العصبان سنة 1818 م، هذا في الوقت الذي كان فيه الصراع محتدما مع حكام تونس من 1806م إلى غاية 1817[18]، مما أدى إلى هجرة جزء من السكان هربا من الإنتقام و تجنب لبطش الحملات العسكرية، و لم يعد الحكام يسيطرون بالفعل إلا على سدس أراضي التل الخصبة حبس بعض التقديرات[19]، حيث اصبحت ملكيات أو الدولة هي السائدة في الأرياف في الوقت الذي تركزت فيه الملكيات الخاصة بالمناطق الجبلية الممتنعة عن الحكام، و الملكيات المشاعة في السهوب الداخلية حيث تربى المواشي ولا تزرع الأرض إلا من أجل الحصول على الضروري من الأقوات و نظرا لهذه الأوضاع السيئة و الظروف الصعبة فقد فقد الفلاح الجزائري الرغبة في العمل حتى أنه، في سنة 1786م لم يجد ملاك الأراضي بسهل عنابة الخصيب من يقوم بحصاد حقولهم فاضطروا إلى التنازل عن نصف الإنتاج لمن يقوم بحصـاد القمح بعد أن تخوف كثير من الفلاحين من انتشار الوباء و فاضطروا إلى قبول الحصول على خمس المحصول بينما استحوذ عمال البايلك و الملاك المقيمون بالمدن على أربعة أخماس المحصول بدون مجهود و عليه فقد تقلصت الأراضي الزراعية وتناقصت المساحات المستغلة حتى أصبحت عشية الإحتلال الفرنسي 1830م لا تتجاوز359040 هكتارا[20].

أما النظام الجبائي المطبق على الأراضي الفلاحية فإنه لم يخرج في أساسه عن مبدأ الجباية في الإسلام[21]، و حاول الحكام رفع الإنتاج الزراعي بالإلتجاء إلى الحملات العسكرية لإرغام السكان على تقديم المزيد من المحاصيل الزراعية وباحتكار تجارة الحبوب و تسخير الفلاحين بالأرياف لخدمة أراضي الدولة لإنتاج المزيد من المحاصيل، و قد أنشأوا لهذا الغرض العديد من المظاهر العامة في مراكز الحاميات، و أقيمت المطاحن الهوائية بالقرب من المدن حيث كان قياد البايلك يكلفون بإحصاء المحاصيل الزراعية، و مراقبة مواشي البايلك، و تحديد مقدار الضرائب التي كانت تتقاضاه الدولة عن تلك المحاصيل و المواشي.
https://goundi.yoo7.com/t18-topic








 


رد مع اقتباس
قديم 2011-12-10, 11:29   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة jenanjnn86 مشاهدة المشاركة
السلام عليكم أنا طالبة ثانية ماستر تاريخ عنوان مذكرتي الحياة الاجتماعية للجزائر خلال العهد العثماني ارجو مساعدتي
الأوضاع الإجتماعية والاقتصادية للجزائر خلال العهد العثماني 1707-1827م

د. محمد مكحلي [1]

قسم التاريخ- كلية الآداب و العلوم الإنسانية- جامعة الجيلالي اليابس / سيدي بلعباس / الجزائر

تقديم:

بتعيين خير الدين بيلرياي " أصبحت الجزائر إحدى الولايات الثلاث للإمبراطورية العثمانية وأصبح لبايلر باي الجزائر بمقتضى هذا التعيين حق التصرف المطلق في الجزائر مع الإشراف على إقليمي تونس و طرابلس، لكن هذا الإشراف لم يدم طويلا فقد ألغى العثمانيون نظام البايلر باي سنة 1588م خوفا من أن يفكر هؤلاء الولاة في الإنفصال فأصبحت الجزائر ولاية عادية يعين على رأسها باشا تغيره الأستانة كل ثلاث سنوات[2].

لم يهتم الباشوات بشؤون الرعية بل انصرف همهم إلى جمع اكبر قسط من الأموال في انتظار مدة الولاية، وبذلك انتقلت السلطة من أيديهم إلى ضباط الجيش الذين بدأ نفوذهم يتعاظم تدريجيا مع بداية سنة 1659م، وأصبح حكام الجزائر العثمانية يعينون من بينهم ضابطا برتبة أغا كحاكم فعلي على الولايات غير أن هذه المرحلة لم تطل مدتها و ذلك لأن الأغا لم يكن يستقر في منصبه أكثر من شهرين نتيجة للتنافس الشديد بين الضباط على الحكم[3].

فكانت الجزائر خلال الفترة من 1518-1671م إيالة عثمانية تتلقى المساعدة المالية و العسكرية من الخلافة و قد اهتم الحكام في هذه المرحلة بتوحيد الجزائر سياسيا و ذلك بالقضاء على الإمارات المستقلة وإخضاعها لسلطة مركزية مقرها مدينة الجزائر كما وجهوا جهودهم لتحرير موانئ البلاد من السيطرة الإسبانية وفرض سيطرة الأسطول على الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط.

مع بداية سنة 1671م دخلت الجزائر مرحلة جديدة تميزت بتولي طائفة رياس البحر السلطة، و هم ضباط البحر الذين نصبوا نظاما جديدا يتمثل في تعيين حاكم للبلاد يلقب بالداي.

و قد التزم الدايات بحفظ الإرتباط مع الدولة العثمانية باعتبارها خلافة إسلامية، لكنهم سلكوا سياسة مستقلة فيما يتعلق بالشؤون الخاصة للبلاد ، فالداي هو الذي :

§ يعقد الإتفاقيات الدولية

§ يستقبل البعثات الدبلوماسية ( القناصل)

§ يعلن الحرب و يبرم معاهدات السلام

لما استقر نظام الدايات تكون في مدينة الجزائر ديوان مستقل هو أشبه بمجلس الوزراء، فهناك وكيل الخرج المختص بشؤون البحرية، و البيت مالجي المختص بالشؤون المالية و رئيس أمين مدينة الجزائر و خوجة الخيل الذي كان يشكل حلقة إتصال بين الجزائريين و الحكومة.
ابو احسان
2008-01-01, 12:33
مخطط للنظام السياسي و الإداري للجزائر العثمانية في عهد الدايات




و قسمت الجزائر من الناحية الإدارية إلى أربعة أقاليم رئيسية هي:

1- دار السلطان: كانت تضم مدينة الجزائر و ضواحيها

2- بايلك الغرب: كانت عاصمته مازونة ثم معسكر و أخيرا وهران بعد جلاء الإسبان عنها عام 1792م

3- بايلك التيطري، ضم المناطق الوسطى و مناطق جنوب دار السلطان و كانت عاصمته المدية.

4- بايلك الشرق: يقع من شرقي من دار السلطان و بايلك التيطري كان أكبر المقاطعات و الأقاليم ، و كانت عاصمته قسنطينة.

كانت هذه المقاطعات مقسمة إلى قيادات و على رأس كل منها شيخ قبيلة و كان الجهاز الإداري جهازا لامركزيا حيث أن اية علاقة للحكومة برعاياها كانت علاقة غير مباشرة، تعتمد على استعمال الزعماء المحليين لجمع الشرائب و فرض الأمن يمكن استنتاج أهم الخصائص التي ميزت الدولة الجزائرية أنذاك كمايلي:

1- لم يعد تعيين رجال الحكم قائم على الإنتخاب من طرف ممثلي الشعب فلم يكن النظام السياسي ملكيا وراثيا ولكنه لم يرتق إلى نظام جمهوري..

2- حافظ النظام الإداري على التقسيمات القبلية و الزعامات المحلية فلم تتبلور الصفة العصرية للدولة[4].

3- لم تختلف وضعية الجزائر كما كانت عليه لقبه العالم الإسلامي و لكنها كانت مختلفة كما كان يحدث و العالم الأوربي الذي تكونت فيه دول ذات حكومات مركزية أخذت تتأهب لفرض سيطرتها على العالم[5].

الحياة الإجتماعية و الإقتصادية:

عند دراسة أوجه النشاط الإقتصادي و الحياة الإجتماعية للجزائر العثمانية يلاحظ الطابع الزراعي و الرعوي الذي تمركز أساسا في الارياف و أطراف المدن هذا في حين أن الحواضر تكاد تنفرد بالنشاط الحرفي لو لا وجود قدر قليل من نشاط حرفي متواضع يهدف إلى تلبية الضرورات المنزلية و يقوم على الإكتفاء الذاتي في الأرياف. و إلى جانب ذلك لعبت التجارة الخارجية و الداخلية دورا مهما داخل البنية الإقتصادية للمجتمع الجزائري عموما و البنية الحضرية بشكل خاص[6].

لقد هيمن النشاط الإقتصادي في الأرياف الجزائرية و بخاصة النشاط الزراعي و الرعوي[7]، و فيما يخص أشكال الإنتاج، فإنها كانت موزعة على أربعة مجالات طبيعية تتمثل في المرتفعات الجبلية و التلال و السهوب و أطراف الحواضر تشكل في مجملها كلا إجتماعيا و إقتصاديا يمز الريف الجزائري والإمتدادات الريفية التابعة للحواضر.

بالرغم من تنوع هذه المناطق التي تنتحل هذا النمط من العيش فإن الإنتماء إلى الجماعة العمرانية (Communauté) يشكل الشرط الضروري لاستمرار الحياة الإجتماعية ففي كنف هذا التجمع تتحقق ملكية العضو لشروط العمل و الإنتاج أي أن إنتماء الفرد للجماعة شرط تحقيق وجوده فهي تتوسط العلاقة فيما بينه و بين الأرض و وسائل العمل، و هكذا فإن العائلة الممتدة تشرف في المرتفعات الجبلية و بشكل نسبي على الملكية الصغيرة التي تعتبر مجالها واضحا و بين حرائق الجيران و هي (أي الأسرة الممتدة) تمثل الأسرة النووية ( الصغيرة) وجودها ضمنها[8].

و تعتبر "التويزا" « Touiza » أكثر اشكال التضامن القروي شهرة و هي كثيرا ما تجد الفرصة للظهور في أراضي الأوقاف و يلاحظ أن الأب أو الأخ الأكبر في كل أسرة هو الذي يمثل أفراد أسرته في احتفالات القرية و ينوب عنها في التجمعات التي تعقد في المسجد[9].

و من أجل تأمين إعادة انتاجها فإن الأسرة تضيف إلى أنشطتها المعروفة بعض الصناعات الحرفية المرتبطة باستغلالها و التي أحيانا ما يوجه بعضها نحو السوق. أم الملكية غير المنقولة التي تتحقق من خلال الهيبة أو الميراث فرغم كونها ملكية خاصة إلا أنها تبقى تندرج تحت استحواذ العائلة.

إن وضعية الأراضي الزراعية في الجزائر خلال العهد العثماني أصبحت تتصف بمظاهر الصراع الخفي و الإحتكاك المستمر بين أسلوبين من الإنتاج، و نمطين من المعيشة مختلفين أحدهما يرتكز على الإرتباط بالأرض و حيازتها و الأخر يمتهن الرعي و العزوف عن خدمة الأرض[10].

و هكذا لم يبق من الأقاليم المحتفظة بطابعه الزراعي المتمسكة بتقاليده الفلاحية سوى فحوص المدن الكبرى و بلاد القبائل ، و شمال قسنطينة و التيطري و سهل متيجة و سهل غريس[11].

و الجدير بالملاحظة أن العثمانيين قد عملوا جاهدين على الإحتفاظ بالأوضاع السائدة، فأبقوا في غالب الأحيان ملاك الأراضي و أقروا العشائر المتعاملة معهم على الأراضي التي

ت استحوذوا عليها بغية الحصول على تأييد شيوخ القبائل و مساندة رؤساء الزوايا لهم و لم يهتموا بصفة خاصة إلا بما تذره الأرض من إنتاج و ما توفره من جبايات[12].

إن التطور الذي انتهت إليه وضعية الأرض من ناحية الإنتاج لم يكن نتيجة لسياسة معينة من طرف الحكام العثمانيين و إنما كان نتيجة تحول بطيء فرضته الأحوال الإقتصادية و ساهمت فيه الأوضاع الإجتماعية و تسببت فيه حاجة الحكام إلى موارد البلاد "إثر تزايد" الضغط الأوربي على السواحل و إنفتاح البلاد على التجارة الأوربية.

لقد نتج عن كثرة المطالب المالية وقلة الجبايات على الأراضي الزراعية وتعدد المغارم،إهمال الزراعة و تحول قسم من السكان من الإشتغال بالفلاحة إلى مزاولة حرفة الرعي وفي بعض الأحيان اضطر المزارعون إلى الثورة على الحكام و قد انعكس هذا الوضع على الحياة السياسية[13]، إذ أن تحول السلطة إلى الدايات أدى إلى تضررالزراعة، وتحول كثير من الأراضي المنتجة للحبوب إلى ملكيات للبايلك أو مزارع مشاعة بين أفراد القبائل الحليفة "قبائل المخزن" أو العشائر الخاضعة "قبائل الرعية" بعد أن انقطع سيل الهجرة الأندلسية، و تسببت الحملات العسكرية التي كانت تنطلق من مراكز البايلك لجمع الضرائب و أخذ المغارم في الحلاق أضرار فادحة بأهالي الريف و غالبا ما تمكن المحلة أو الفرقة العسكرية مدة طويلة قد تصل على ستة أشهر تتحول أثناءها الأرياف و توجب الضرائب و يعاقب العقاب الممتنعون فمحلة بايلك الشرق تنطلق من قسنطينة و تنقسم إلى فيلقين أحدهما يجوب الهضاب العليا و التل الجنوبي و الأخرى تقصد مناطق التل الشمالية المتاخمة لساحل البحر، أما محلة بايلك البيطري فتتوجه من مدينتي الجزائر والمدية نحو سهل عريب و بني سليمان و البرواقية، بينما محلة بايلك الغرب تخرج من مازونة أو معسكر نحو سهول غريس و وادي مينا وجهات السرسو و تاهرت[14].

وبظهور دايات أقوياء وأكفاء و استقرار نظام الحكم على توسع أراضي الدولة بمواطن العشائر التي ثم إخضاعها،في الوقت الذي ا

https://www.djelfa.info/vb/archive/in...p/t-28081.html









رد مع اقتباس
قديم 2011-12-10, 11:32   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة jenanjnn86 مشاهدة المشاركة
السلام عليكم أنا طالبة ثانية ماستر تاريخ عنوان مذكرتي الحياة الاجتماعية للجزائر خلال العهد العثماني ارجو مساعدتي



الأوضاع الإجتماعية والاقتصادية للجزائر خلال العهد العثماني 1707-1827م


تقديم:
بتعيين خير الدين بيلرياي " أصبحت الجزائر إحدى الولايات الثلاث للإمبراطورية العثمانية وأصبح لبايلر باي الجزائر بمقتضى هذا التعيين حق التصرف المطلق في الجزائر مع الإشراف على إقليمي تونس و طرابلس، لكن هذا الإشراف لم يدم طويلا فقد ألغى العثمانيون نظام البايلر باي سنة 1588م خوفا من أن يفكر هؤلاء الولاة في الإنفصال فأصبحت الجزائر ولاية عادية يعين على رأسها باشا تغيره الأستانة كل ثلاث سنوات لم يهتم الباشوات بشؤون الرعية بل انصرف همهم إلى جمع اكبر قسط من الأموال في انتظار مدة الولاية، وبذلك انتقلت السلطة من أيديهم إلى ضباط الجيش الذين بدأ نفوذهم يتعاظم تدريجيا مع بداية سنة 1659م، وأصبح حكام الجزائر العثمانية يعينون من بينهم ضابطا برتبة أغا كحاكم فعلي على الولايات غير أن هذه المرحلة لم تطل مدتها و ذلك لأن الأغا لم يكن يستقر في منصبه أكثر من شهرين نتيجة للتنافس الشديد بين الضباط على الحكم فكانت الجزائر خلال الفترة من 1518-1671م إيالة عثمانية تتلقى المساعدة المالية و العسكرية من الخلافة و قد اهتم الحكام في هذه المرحلة بتوحيد الجزائر سياسيا و ذلك بالقضاء على الإمارات المستقلة وإخضاعها لسلطة مركزية مقرها مدينة الجزائر كما وجهوا جهودهم لتحرير موانئ البلاد من السيطرة الإسبانية وفرض سيطرة الأسطول على الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط مع بداية سنة 1671م دخلت الجزائر مرحلة جديدة تميزت بتولي طائفة رياس البحر السلطة، و هم ضباط البحر الذين نصبوا نظاما جديدا يتمثل في تعيين حاكم للبلاد يلقب بالداي و قد التزم الدايات بحفظ الإرتباط مع الدولة العثمانية باعتبارها خلافة إسلامية، لكنهم سلكوا سياسة مستقلة فيما يتعلق بالشؤون الخاصة للبلاد فالداي هو الذي :

- يعقد الإتفاقيات الدولية
- يستقبل البعثات الدبلوماسية ( القناصل )
- يعلن الحرب و يبرم معاهدات السلام

لما استقر نظام الدايات تكون في مدينة الجزائر ديوان مستقل هو أشبه بمجلس الوزراء، فهناك وكيل الخرج المختص بشؤون البحرية، و البيت مالجي المختص بالشؤون المالية و رئيس أمين مدينة الجزائر و خوجة الخيل الذي كان يشكل حلقة إتصال بين الجزائريين و الحكومة.


مخطط للنظام السياسي و الإداري للجزائر العثمانية في عهد الدايات

و قسمت الجزائر من الناحية الإدارية إلى أربعة أقاليم رئيسية هي:

- دار السلطان : كانت تضم مدينة الجزائر و ضواحيها
- بايلك الغرب: كانت عاصمته مازونة ثم معسكر و أخيرا وهران بعد جلاء الإسبان عنها عام 1792م
- بايلك التيطري، ضم المناطق الوسطى و مناطق جنوب دار السلطان و كانت عاصمته المدية.
- بايلك الشرق : يقع من شرقي من دار السلطان و بايلك التيطري كان أكبر المقاطعات و الأقاليم ، و كانت عاصمته قسنطينة.

كانت هذه المقاطعات مقسمة إلى قيادات و على رأس كل منها شيخ قبيلة و كان الجهاز الإداري جهازا لامركزيا حيث أن اية علاقة للحكومة برعاياها كانت علاقة غير مباشرة، تعتمد على استعمال الزعماء المحليين لجمع الشرائب و فرض الأمن يمكن استنتاج أهم الخصائص التي ميزت الدولة الجزائرية أنذاك كمايلي:

- لم يعد تعيين رجال الحكم قائم على الإنتخاب من طرف ممثلي الشعب فلم يكن النظام السياسي ملكيا وراثيا ولكنه لم يرتق إلى نظام جمهوري..
- حافظ النظام الإداري على التقسيمات القبلية و الزعامات المحلية فلم تتبلور الصفة العصرية للدولة
- لم تختلف وضعية الجزائر كما كانت عليه لقبه العالم الإسلامي و لكنها كانت مختلفة كما كان يحدث و العالم الأوربي الذي تكونت فيه دول ذات حكومات مركزية أخذت تتأهب لفرض سيطرتها على العالم

الحياة الإجتماعية و الإقتصادية:

عند دراسة أوجه النشاط الإقتصادي و الحياة الإجتماعية للجزائر العثمانية يلاحظ الطابع الزراعي و الرعوي الذي تمركز أساسا في الارياف و أطراف المدن هذا في حين أن الحواضر تكاد تنفرد بالنشاط الحرفي لو لا وجود قدر قليل من نشاط حرفي متواضع يهدف إلى تلبية الضرورات المنزلية و يقوم على الإكتفاء الذاتي في الأرياف. و إلى جانب ذلك لعبت التجارة الخارجية و الداخلية دورا مهما داخل البنية الإقتصادية للمجتمع الجزائري عموما و البنية الحضرية بشكل خاص
لقد هيمن النشاط الإقتصادي في الأرياف الجزائرية و بخاصة النشاط الزراعي و الرعوي، و فيما يخص أشكال الإنتاج، فإنها كانت موزعة على أربعة مجالات طبيعية تتمثل في المرتفعات الجبلية و التلال و السهوب و أطراف الحواضر تشكل في مجملها كلا إجتماعيا و إقتصاديا يمز الريف الجزائري والإمتدادات الريفية التابعة للحواضر.

بالرغم من تنوع هذه المناطق التي تنتحل هذا النمط من العيش فإن الإنتماء إلى الجماعة العمرانية (Communauté) يشكل الشرط الضروري لاستمرار الحياة الإجتماعية ففي كنف هذا التجمع تتحقق ملكية العضو لشروط العمل و الإنتاج أي أن إنتماء الفرد للجماعة شرط تحقيق وجوده فهي تتوسط العلاقة فيما بينه و بين الأرض و وسائل العمل، و هكذا فإن العائلة الممتدة تشرف في المرتفعات الجبلية و بشكل نسبي على الملكية الصغيرة التي تعتبر مجالها واضحا و بين حرائق الجيران و هي (أي الأسرة الممتدة) تمثل الأسرة النووية ( الصغيرة) وجودها ضمنها

و تعتبر "التويزا" « Touiza » أكثر اشكال التضامن القروي شهرة و هي كثيرا ما تجد الفرصة للظهور في أراضي الأوقاف و يلاحظ أن الأب أو الأخ الأكبر في كل أسرة هو الذي يمثل أفراد أسرته في احتفالات القرية و ينوب عنها في التجمعات التي تعقد في المسجدو من أجل تأمين إعادة انتاجها فإن الأسرة تضيف إلى أنشطتها المعروفة بعض الصناعات الحرفية المرتبطة باستغلالها و التي أحيانا ما يوجه بعضها نحو السوق. أم الملكية غير المنقولة التي تتحقق من خلال الهيبة أو الميراث فرغم كونها ملكية خاصة إلا أنها تبقى تندرج تحت استحواذ العائلة

.إن وضعية الأراضي الزراعية في الجزائر خلال العهد العثماني أصبحت تتصف بمظاهر الصراع الخفي و الإحتكاك المستمر بين أسلوبين من الإنتاج، و نمطين من المعيشة مختلفين أحدهما يرتكز على الإرتباط بالأرض و حيازتها و الأخر يمتهن الرعي و العزوف عن خدمة الأرض و هكذا لم يبق من الأقاليم المحتفظة بطابعه الزراعي المتمسكة بتقاليده الفلاحية سوى فحوص المدن الكبرى و بلاد القبائل ، و شمال قسنطينة و التيطري و سهل متيجة و سهل غريس و الجدير بالملاحظة أن العثمانيين قد عملوا جاهدين على الإحتفاظ بالأوضاع السائدة، فأبقوا في غالب الأحيان ملاك الأراضي و أقروا العشائر المتعاملة معهم على الأراضي التي استحوذوا عليها بغية الحصول على تأييد شيوخ القبائل و مساندة رؤساء الزوايا لهم و لم يهتموا بصفة خاصة إلا بما تذره الأرض من إنتاج و ما توفره من جبايات إن التطور الذي انتهت إليه وضعية الأرض من ناحية الإنتاج لم يكن نتيجة لسياسة معينة من طرف الحكام العثمانيين و إنما كان نتيجة تحول بطيء فرضته الأحوال الإقتصادية و ساهمت فيه الأوضاع الإجتماعية و تسببت فيه حاجة الحكام إلى موارد البلاد "إثر تزايد" الضغط الأوربي على السواحل و إنفتاح البلاد على التجارة الأوربية.

لقد نتج عن كثرة المطالب المالية وقلة الجبايات على الأراضي الزراعية وتعدد المغارم،إهمال الزراعة و تحول قسم من السكان من الإشتغال بالفلاحة إلى مزاولة حرفة الرعي وفي بعض الأحيان اضطر المزارعون إلى الثورة على الحكام و قد انع** هذا الوضع على الحياة السياسية، إذ أن تحول السلطة إلى الدايات أدى إلى تضررالزراعة، وتحول كثير من الأراضي المنتجة للحبوب إلى ملكيات للبايلك أو مزارع مشاعة بين أفراد القبائل الحليفة "قبائل المخزن" أو العشائر الخاضعة "قبائل الرعية" بعد أن انقطع سيل الهجرة الأندلسية، و تسببت الحملات العسكرية التي كانت تنطلق من مراكز البايلك لجمع الضرائب و أخذ المغارم في الحلاق أضرار فادحة بأهالي الريف و غالبا ما تمكن المحلة أو الفرقة العسكرية مدة طويلة قد تصل على ستة أشهر تتحول أثناءها الأرياف و توجب الضرائب و يعاقب العقاب الممتنعون فمحلة بايلك الشرق تنطلق من قسنطينة و تنقسم إلى فيلقين أحدهما يجوب الهضاب العليا و التل الجنوبي و الأخرى تقصد مناطق التل الشمالية المتاخمة لساحل البحر، أما محلة بايلك البيطري فتتوجه من مدينتي الجزائر والمدية نحو سهل عريب و بني سليمان و البرواقية، بينما محلة بايلك الغرب تخرج من مازونة أو معسكر نحو سهول غريس و وادي مينا وجهات السرسو و تاهرت وبظهور دايات أقوياء وأكفاء و استقرار نظام الحكم على توسع أراضي الدولة بمواطن العشائر التي ثم إخضاعها،في الوقت الذي استقرت في أوضاع الملكيات المشاعة، وبدأ قسم من الملكيات الخاصة يتحول بفحوص المدن إلى أوقاف أهلية يعود ربحها بعد انقراض عقب محبسها على المؤسسات الدينية و المشاريع الخيرية.

كما هو الحال بفحوص مدن الجزائر و البليدة و القليعة
وبعد مـوت الـداي محمد عثمان باشا تولى مقاليد الحكم الداي باشا حسان (1791-1798مـ) و الداي مصطفى باشا ( (1798-1805 مـ اللذان انتهجا سياسة جديدة، قوامها تصدير المزيد من المحاصيل الزراعية إلى خارج البلاد عن طريق الشركات الأوربية و المحتكرين اليهود أمثال بكري و بوشناق ، في الوقت الذي كانت فيه البلاد معرضة للمجاعة نتيجة القحط الذي أضر بالزراعة في السنوات التالية 1788 و 1779 و 1800 و 1807م و1816 و 1819، ويلاحظ أن السماسرة اليهود كانوا يصدرون كميات كبيرة من الحبوب أثناء هذه الفترة.

ففي عام 1793م و مثل على ذلك تم شحن مائة سفينة من ميناء وهران قدرت حمولتها بـ 75000 قتطار من القمح و 6000 قنطار من الشعير مما تسبب في حدوث اضطرابات في جهاز الحكم فاغتيل ستة دايات من مجموع ثمانية في مدة قصيرة

لقد أدى الضغط المتزايد على الأرياف إلى قلة الإنتاج و إهمال الزراعة وإعلان العصيان و حدثت سلسلة من الثورات في جميع الجهات مثل منطقة جرجرة (1804-1810-1823م) و شمال قسنطينة (1804م) و الغرب الجزائري (1803-1809م) و مناطق النمامشة و الأوراس ، ووادي سوف( 1818-1823).

و قد شملت الثورات مناطق الحبوب حيث أعلنت التيجانية العصبان سنة 1818 م، هذا في الوقت الذي كان فيه الصراع محتدما مع حكام تونس من 1806م إلى غاية 1817، مما أدى إلى هجرة جزء من السكان هربا من الإنتقام و تجنب لبطش الحملات العسكرية، و لم يعد الحكام يسيطرون بالفعل إلا على سدس أراضي التل الخصبة حبس بعض التقديرات، حيث اصبحت ملكيات أو الدولة هي السائدة في الأرياف في الوقت الذي تركزت فيه الملكيات الخاصة بالمناطق الجبلية الممتنعة عن الحكام، و الملكيات المشاعة في السهوب الداخلية حيث تربى المواشي ولا تزرع الأرض إلا من أجل الحصول على الضروري من الأقوات و نظرا لهذه الأوضاع السيئة و الظروف الصعبة فقد فقد الفلاح الجزائري الرغبة في العمل حتى أنه، في سنة 1786م لم يجد ملاك الأراضي بسهل عنابة الخصيب من يقوم بحصاد حقولهم فاضطروا إلى التنازل عن نصف الإنتاج لمن يقوم بحصـاد القمح بعد أن تخوف كثير من الفلاحين من انتشار الوباء و فاضطروا إلى قبول الحصول على خمس المحصول بينما استحوذ عمال البايلك و الملاك المقيمون بالمدن على أربعة أخماس المحصول بدون مجهود و عليه فقد تقلصت الأراضي الزراعية وتناقصت المساحات المستغلة حتى أصبحت عشية الإحتلال الفرنسي 1830م لا تتجاوز359040 هكتارا
أما النظام الجبائي المطبق على الأراضي الفلاحية فإنه لم يخرج في أساسه عن مبدأ الجباية في الإسلام، و حاول الحكام رفع الإنتاج الزراعي بالإلتجاء إلى الحملات العسكرية لإرغام السكان على تقديم المزيد من المحاصيل الزراعية وباحتكار تجارة الحبوب و تسخير الفلاحين بالأرياف لخدمة أراضي الدولة لإنتاج المزيد من المحاصيل، و قد أنشأوا لهذا الغرض العديد من المظاهر العامة في مراكز الحاميات، و أقيمت المطاحن الهوائية بالقرب من المدن حيث كان قياد البايلك يكلفون بإحصاء المحاصيل الزراعية، و مراقبة مواشي البايلك، و تحديد مقدار الضرائب التي كانت تتقاضاه الدولة عن تلك المحاصيل و المواشي.



https://www.rayanaljazair.com/vb/t7819.html









رد مع اقتباس
قديم 2011-12-10, 11:34   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة jenanjnn86 مشاهدة المشاركة
السلام عليكم أنا طالبة ثانية ماستر تاريخ عنوان مذكرتي الحياة الاجتماعية للجزائر خلال العهد العثماني ارجو مساعدتي
الحياة الإجتماعية في مدينة الجزائر أواخر العهد العثماني.

المبحث الأول: فكرة عامة عن الحياة الإجتماعية.
المبحث الثاني: سكان مدينة الجزائر.
I- البنية السكانية.
1- الأتراك العثمانيين.
2- فئة الكراغلة.
3- فئة الحضر.
أ- جماعة الأشراف.
ب – الجالية الأندلسية.
4- فئة البراني
أ- جماعة البساكرة.
ب – جماعة بني مزاب.
جـ- الجماعة الجيجلية.
د- جماعة الأغواطيين.
هـ- جماعة القبائل.
5- الجالية اليهودية.
6- فئة المسيحيين.
7- جماعة الزنوج.
II- الحياة الإجتماعية للسكان في الجزائر.
1- المقاهي.
2-الأسواق.
3- الحمامات.
4- العادات والتقاليد.
5- الطعام.
6- اللباس.
المبحث الأول: فكرة عامة عن الحياة الإجتماعية.
نظرا لدقة البحث وما يترتب عليه من طبيعة خاصة حاولنا إبراز الأهمية العظمى لهذا الموضوع، وذلك من خلال الإرتباط الوثيق للتنظيم العثماني من جهة، وتعقد الحياة الإجتماعية في العصر العثماني من جهة أخرى، والذي تولد عن زيادة عدد السكان ومطالبهم وما صاحب ذلك من أمور. الأمر الذي أدى إلى إختلاف المؤرخين في تقديرهم لأعداد السكان بسبب تفشي أمراض لم تكن معروفة من قبل. ونتج هذا الإختلاف عن عدم إهتمام السلطات التركية بعمليات الإحصاء.
ومما لاشك فيه أن هناك عوامل أثرت في الحياة الإجتماعية والثقافية في الجزائر أواخر العهد العثماني، خاصة الوجود المسيحي، واليهودي، وهجرة الأندلسيين خلال القرن التاسع هجري، كما إتسمت الأوضاع الإجتماعية بالفوضى والإضطرابات، وتأثرها أيضا بالأمراض والأوبئة، وحتى الكوارث الطبيعية، إذ كانت الحياة الريفية تعرف قساوة شديدة فكثيرا ما كانت تتعرض للغارات التركية لعدم إستجابتها للضرائب المفروضة عليها، وكذا كانت القبائل الجزائرية تعيش صرا عات دموية نتيجة السياسة التركية المنتهجة والتي كانت تستهدف الحيلولة دون وحدتها، كونه يشكل خطر على وجود الحكام الأتراك، الأمر الذي حال دون إنصهار المجتمع في بوتقة واحدة مع الأتراك، حيث بقي المجتمع يعيش فترة موحشة وعداوات قاتلة([1]). كما شهدت الجزائر خلال القرنين 14 و15م تدهورا إقتصاديا وإنحطاطا إجتماعيا صاحبه سوء الأحوال الصحية والمعيشية وزادت من حدتها هجمات الإسبان على السواحل مما أدى إلى إنعدام الأمن الذي ساعد على تخريب المدينة مثل دلس وبجاية، إضافة إلى إنتشار الأوبئة إثر ظهور المجاعات والجفاف خلال 1584، و1663، و1787.




مما أدى إلى إختلال عدد السكان حيث نزل من مائة وثلاثون ألف نسمة إلى أربعين ألف نسمة في القرن التاسع عشر ميلادي([2])، في حين أن القرن التاسع العشر ميلادي تميز بشدة الأمراض وقوة إنتشارها في مختلف جهات الوطن، ويضاف إلى هذا حدوث الكوارث الطبيعية التي أدت إلى تضرر الإقتصاد وتناقص عدد السكان منها زلزال 1716 الذي خرب مدينة الجزائر، إضافة إلى الفيضانات والعواصف التي غطت بها المياه مساحة واسعة كفيضانات عام 1816([3]).
وهكذا تميزت المرحلة الأخيرة من العهد العثماني بالجزائر بفترات عصيبة وقاسية، نتيجة تدهور الأوضاع الإقتصادية والذي أثر سلبا على الحالة الصحية والمعيشية، كما إنعكس بدوره على الوضع الديمغرافي بعدم استقراره من حيث العدد والكثافة، إذ نجد أغلبة السكان يعيشون في الريف الجزائري بنسبة 90% ([4]) بينما نجد أقلية ضئيلة بالمدن لا تتجاوز 5%([5])، ويعود هذا التدهور في الجانب الإجتماعي لعدم إهتمام الحكام الأتراك بأمور الصحة حيث إنحصر العلاج في بعض المصحات كمصحة زنقة الهواء، وملجأ الأمراض العقلية الخاصة بالأتراك، كما أن هذا الإهمال أدى إلى إنتقال العدوى من المشرق وإنتشار الأمراض بالجزائر منها الطاعون،والكوليرا، وما ساعدها على التوطن إنتشار المستنقعات بالسهول الساحلية، وحول المدن الكبرى مثل عنابة، والجزائر، ووهران.
وكذا عدم إلتزام السكان بالقواعد الصحية، وإنعدام الأدوية حتى بالصيدلية الموجودة بالجزائر ما عدا بعض الحشائش والعقاقير([6]) .



- المبحث الثاني: سكان مدينة الجزائر.
I- البنية السكانية:
إن تصنيف سكان مدينة الجزائر، وتقسيمهم في العهد العثماني موضوع البحث، نظرا لإمكانية إخضاعه وفق معايير وأسس مختلفة. ولهذا لابد من التساؤل عن التركيبة السكانية في المجتمع الذي كان يعيش في أرجاء هذه المدينة، فمما كان يتشكل؟.
يمكننا تقسيم سكان مدينة الجزائر في العهد العثماني على معيار الجنس إلى قسمين:
ذكور وإناث، كمختلف سكان العالم، وكان عدد الرجال يفوق الإناث وذلك راجع إلى أن أغلب المهجرين والأسرى كانوا من الذكور. كما عرف أن النساء لا يختلطن بالرجال، وذلك إتباعا لتعاليم الإسلام وما عرف عن المجتمع الجزائري الأصيل، حيث لعبت المرأة دورا أساسيا في الميدان الإقتصادي والإجتماعي، والسياسي والثقافي، فكانت لا تظهر إلا نادرا وتكون مسدلة على وجهها من الرأس إلى الرجلين([7]).
أما إذا إعتمدنا على أساس الطبقات فيمكن القول أن المجتمع الجزائري في العهد العثماني كان متباين الأصول.([8]) ، إذ كان يتشكل من الأتراك والجزائريين، والكراغلة والمهاجرين الأندلسيين، والزنزج، واليهود، والأروبيين([9]) ، هذا جعل التنظيم العثماني يتخذ شكلا هرميا أخل بالتوازن من حيث المستوى المعيشي على أساس الثروة مما أدى إلى ظهور الطبقة التي تحكمت فيها مختلف الظروف([10]).
1- الأتراك العثمانيون: يحتلون قمة الهرم الإجتماعي، ويمثلون أعلى السلم، إذ بيدهم سلطة البلاد مثل البايات والباشوات، والأغوات وأعضاء الديوان([11])، ويؤلف غالبيته فرق
الجند " الإنكشارية " الذين كانو يقيمون في حصون وثكنات المدينة.([12])
وكانت هذه الفئة قليلة العدد، حيث قدرها ها يدو في القرن16م بنحو 1600 منزل للأتراك العثمانيين بالمولد، إضافة إلى الأعلاج وهم عثمانيين بالمهنة والمسيحيين بالدم والأصل. ويشكلون غالبية طبقة الرياس مثل علج علي، وحسن أغا، وهم قوة فعالة في الجهاد البحري حيث وصل عددهم عام 1649م بثمانية ألاف من الذكور وألف ومائتين من الإناث.
ورغم أنهم من أصول وأجناس مختلفة اللسان، والعرف، والجغرافية، إلا أنهم إتفقوا في الولاء للإسلام، والسلطان العثماني.([13])
وقد كان الأتراك متواجدين في كل القطاعات، ولهم إمتيازات واسعة بسيطرتهم على الجزائر حتى نهاية حكمهم بها عام 1830م، وهم بذلك الطبقة الأرستقراطية بيدها الوظائف العليا، وقيادة الجيش وطائفة الرياس، قصد إبقاء المناصب الحكومية بيدهم.([14])
فقد كان نشاطهم عاملا من عوامل إزهار الحياة الإجتماعية والإقتصادية في المدينة، بنشرهم بعض العادات والتقاليد خاصة في مجال الأكولات والملابس، إضافة إلى الفن المعماري والموسيقي، كما ساعدوا على إدخال المذهب الحنفي والطرق الصوفية بربط المجتمع الجزائري بالمجتمع الشرقي([15])، فإستغلو بذلك الأفكار السياسية والدينية السائدة لتثبيت أقدامهم وإنشاء قاعدة لهم على السواحل التي إتخذها الإسبان والبرتغال ملجأ لهم.
وما ميز هذه الفئة أنهم كانوا ينظرون إلى السكان نظرة إستعلاء وإحتقار، وتميزت العلاقة بينهما بالعداء المتبادل والنفور، وهذا ما أكده هايدو في قوله: " لا يوجد في الإمبراطورية العثمانية علاقة أسوء من علاقة الترك بالعرب في مملكة الجزائر"([16]).
فكانوا منعزلين عن بقية السكان، معروفين بالفساد والإنحراف، وقوة البدن والخشونة. في الطبع، وحب الجندية والفروسية.([17])
وعليه ساعد الأتراك الجزائر في الحفاظ على هويتها الإسلامية، ومقومات شخصيتها وتراثها، فهم مدينون حضاريا للحضارة العربية، والفارسية، والبيزنطية، كما أنهم ساهما في تعزيز العلاقات الإجتماعية بين فئات المجتمع الجزائري بأسس قائمة على العقيدة الإسلامية.
2- فئة الكراغلة: إحتلت المرتبة الثانية، وهم المولدين بين نتيجة التزاوج بين الجند الإنكشاري ورياس البحر بالنساء الجزائريات، وكانت هذه الفئة تطمح بالميلاد واللغة والإنتماء العائلي للإرتقاء إلى المرتبة الأولى في المجتمع. لكن الحكام العثمانيين منعوهم من ذلك، وإعتبروهم أبناء عبيد، لأن وجودهم في مناصب الدولة أو الجيش يشكل خطرا على مصالحهم بحكم الإنتماء إلى أهالي الجزائر.([18]) ، ولهذا كان وجودهم يعبر عن إرادة الأتراك في الحفاظ على طائفتهم.
وظهرت هذه الفئة لأول مرة في المدن التي كانت تقيم بها الحاميات العثمانية خاصة مدينة الجزائر وقسنطينة، وتلمسان، وعنابة، وبسكرة، وقد بلغ عددهم مع نهاية القرن 18م بمدينة الجزائر نحو 600 نسمة([19]) ، وكان الكراغلة يشكلون طبقة وسطى تمارس العديد من الوظائف كالتجارة والمهام الإدارية المتوسطة، وأيضا الإنضمام إلى صفوف الجيش والحصول على إمتيازات العثمانيين، ومع مطلع القرن 19م أصبحت معظم المهام الإدارية بالجزائر من إختصاصهم ، كما كانو هم العنصر المسيطر من حيث العدد والنفوذ في منطقة تبسة، فيملكون الأراضي ويرتفعون عن خدمتها، ويقطنون أحسن وأجمل الأحياء([20])، إضافة إلى أنهم لعبوا دورا هاما في بعض الأحداث، إذ وقفوا
إلى جانب الداي علي خوجة لإخماد التمرد الإنكشاري في سنة1817م، وساعدهم هذا على الإحتفاظ ببعض الإمتيازات وتوليهم المناصب الهامة نتيجة سياسة الترضية التي إنتهجها بعض القادة أمثال الداي شعبان أغا الذي قام بترقية بعض الكراغلة إلى مناصب سامية حيث ولى بايلك الغرب الكرغلي مصطفى العمر سنة 1636- 1648، ومع نهاية العهد العثماني أصبح همهم تنمية ثرواتهم وتنشيط تجارتهم.([21])
وهكذا أدت سياسة التقارب إلى حدوث أثر نسبي في العلاقة بين الكراغلة والأهالي، إذ أصبح الجزائري ينظر إلى الكرغلي نظرة مساوية للأتراك السادة.
وعلى العموم إعتنق بعضم الإسلام، وأصبح تركيا لغة وجنسا، ويأمون المساجد الحنفية، كما إستطاعوا الإرتقاء إلى مراكز النفوذ، وتحسين حياتهم بأنفسهم.
كما إختلطوا بأهلها وأثروا في الحياة السياسية والإجتماعية الجزائرية، حيث كان سكان بعض الغرب الجزائري على صلة بالإسبان في وهران.([22])
3- فئة الحضر: يحتلون المرتبة الثالثة في الهرم الإجتماعي، وتضم هذه الفئة كل من، العلماء والتجار، وأصحاب الحرف، والصناع، والكتاب، والإداريين، كما تتألف أساسا من المجموعات السكانية، القاطنة بالمدينة بشكل دائم، والتي تعود أصولها إلى الفترة الإسلامية، وما إنضم إليهم من أندلسيين وأشراف، وهم بذلك خليط من قبيلتي بني هلال المتواجدة في سهل متيجة، والمغاربة من قبيلتي بني مزغنة أحفاد الضنهاجيين كانت لهذه الفئة دورها الإجتماعي و الإقتصادي والعسكري، لكنها محرومة من المهام السياسة، وذلك لإحتكار العثمانيين للسلطة([23])، وقد مارسوا العديد من الحرف والمهن فكان منهم الصناع، والتجار النشيطون، والتجار المغامرون والفقهاء، والبناؤون، والنجارون، كما كان منهم أصحاب المحلات التجارية وحتى أصحاب البساتين التي تنتج فيها كل أنواع الخضر والفواكه، كما يربون عليها الأبقار والأغنام المخصصة للإستهلاك من طرف سكانها.([24])
ومن أهم العناصر المشكلة لهذه الفئة: الجالية الأندلسية وطبقة الأشراف.
أ- جماعة الأشراف: تمثل فئة قليلة العدد، إلا أنها تعود في نسبها إلى أهل البيت. والتي إشتهر معظم أفرادها بالإحترام، والتقدير للحكام وباقي السكان.
وإقتصر نشاطهم في المحافظة على إمتيازاتهم، إضافة إلى أنهم لم يؤثروا في نظام الحكم.([25])
وقد إستقروا الأشراف في المدينة منذ القديم، وهم أحسن وضعية من الأهالي كونهم معفون من الرسوم من خلال الإمتيازات التي منحهم إياها عروج.
ويشتغل أفرادها في التجارة والصناعة، والبساتين وتتمثل منتوجاتهم في القمح والشعير، والحرير، والأغنام، والأبقار.([26])
ب- الجالية الأندلسية: يعتبررون من أبرز العناصر السكانية المشكلة للمجتمع الجزائري، نظرا لقوتهم العددية، ولدورهم في شتى مجالات الحياة، ويعود تواجدهم بالجزائر إلى الفترة الإسلامية.
ثم تواصلت هجراتهم إلى الجزائر، حتى قوي شأنهم وإزداد نفوذهم خلال القرن 15م مع إضطهاد الإسبان لهم وتهديداتهم في عقيدتهم ولغتهم.([27])
كان للأندلسيين تأثير في المجتمع الجزائري ومكسب تاريخي في المغرب الإسلامي وخسارة الإسبان. لكونهم أكثر ثقافة وتطورا ونشاطا، وإستقرت هذه الجالية في كل من شرشال، تنس، دلس، ومستغانم، وقاموا بتشييد مدن جديدة كالبليدة، كما ساهموا في تطوير البحرية الجزائرية بأموالهم وخبراتهم في صناعة السفن والأسلحة، وكذا معرفتهم بالملاحة.
إضافة إلى مساهمتهم في المجال الإقتصادي بتطويرهم للمهن والأشغال اليدوية كونهم يمارسون كل الأشكال الفنونية كالخياطة والخزف، والنجارة، والفخار. خاصة صناعة الحرير بإدخالهم لدودة القز. ولم يكتفوا بهذا الحد بل ساهموا في تطوير الفلاحة من خلال وضع تقنيات الري بإنشاء السواقي، أما الجانب العمراني فقاموا بتحصين المدينة بواسطة بناء الحصون منها حصن الجزيرة، إضافة إلى هذا تفننوا في النحت والموسيقى، والخط والتعليم، والطب والوراقة.([28])
كما عملوا على إثراء الحياة الإجتماعية بتقاليدهم وعاداتهم، حيث تميزوا برقة الذوق وتميزهم في المأكولات كطبق اللحم الحلو، والملبس كالقفطان.
رغم مشاركتهم في الأعمال التجارية، والبحرية، والإقتصادية، إلا أنهم لم يطمعوا في الإرتقاء إلى المناصب السياسية.([29])
4- فئة البراني([30]): هم سكان المدينة المؤقتين، أي الناصر المحلية الوافدة إليها من مختلف الأقاليم المجاورة لها([31])، وحتى من داخل البلاد بغرض البحث عن العمل لكسب لقمة العيش، وهم بذلك عبارة عن بدو يسكنون الخيام ويعرفون بإسم القبيلة.
وينتسبون إلى موطنهم الأصلي وعلى رأس كل منها أمين مكلف بالسهر على مصالحها وتولى شؤونها ويساعده في ذلك أعوان.([32])
وإختصت كل جماعة من جماعة البرانية في المدينة بالقيام بأعمال معينة، وأبرز تلك الجماعات السكانية التي كانت تشكل جزءا هاما وفعالا في المجتمع الجزائري منذ إستقرارها بالمدينة.([33])


أ- جماعة البساكرة: تتكون من أهالي مناطق الزيبان ووادي ريغ ووادي سوف وتوقرت.([34]) وهم حوالي إثني عشر قبيلة إنضوت تحت البساكرة الذين قدموا إلى المدينة بحثا عن العمل للعيش، وكان زعيم هذه الجماعة يعرف بالبسكري([35])، وقد عمل أفرادها في مختلف المهن المتواضعة والأعمال الشاقة، كالقيام بحراسة المدينة ليلا بغلق أبواب أحيائها بعد صلاة المغرب([36])، كما أوكل إليهم إحضار المياه إلى المنازل وتنظيف الشوارع وقنوات المياه، وحفر الآبار وكذا حمل البضائع، وجمع الأوساخ.([37])
ب- جماعة بني ميزاب: ينتسب إليها السكان المنحدرون من غرداية وبني يزقن، ومليكة، وبريان، والقرارة بالإضافة إلى سكان بني ميزاب ومناطق الشعانبة وورقلة، وهم من أتباع المذهب الإباضي([38])، وقد تخصص أفرادها في تسيير وإدارة الحمامات، ومطاحن الحبوب، كما كان منهم البقالون، والجزارون، وكذلك بيع اللحوم ونقلها مع البضائع كما إشتغلوا بالمقاهي والدكاكين، والمتاجرة في ريش النعام والعبيد([39]).
وهكذا عرفت هذه الفئة في تفانيها في العمل والحرص على وجود السلع ونزاهتها.
وقد بلغ عددهم مطلع القرن19م حوالي ألف نسمة.
جـ- الجماعة الجيجلية: يعتبرون من أقدم العناصر البرانية المستقرة بالجزائر، لكسب قوتها منذ إستقرار الأخوين بربروس عروج وخير الدين بجيجل. وقد إختصوا بالعمل في المطاحن والمخابز.([40])


د- جماعة الأغواطيين: ينتسبون إلى مدينة الأغواط وقبيلتي الزناجرة وأولاد نايل([41])، ويرجعون إلى العناصر النازحة من الجنوب، وهم فئة قليلة العدد والأهمية، إذ يقومون بأعمال متواضعة، كإستخلاص الزيوت والمتاجرة فيها، ويشتغل البعض الأخر في نقل البضائع وأعمال التنظيف، وأيضا الكيل والوزن في الأسواق.([42])
هـ- جماعة القبائل: يعود أصلهم إلى المناطق الجبلية القريبة من مدينة الجزائر لغرض العمل ومعظمهم من جرجرة، إذ بلغ عددهم في القرن19م نحو أربعة ألاف نسمة، إشتغلوا في الدكاكين والبساتين، وتجارة الفحم والألبان والزيوت.([43])
5- الجالية اليهودية: تشكل العنصر المهم بين الدخلاء، ويتفرعون حسب أصولهم إلى ثلاثة أقسام: اليهود الأهالي التوشابيم المستقرين منذ العهد الروماني([44])، ثم عرفوا باليهود العرب من طرف المسلمين الجزائريين([45])، أما يهود الميغورشيم والمعروفين باليهود الأندلسيين إضافة إلى يهود الإفرنج أو يهود النصارى الذين جاءوا من البلدان الأوروبية خاصة إيطاليا، كيهود ليفورن وإستوطنوا الجزائر كعائلتي بكري وبوشناق.([46])
وكان يتولى تسيير شؤونهم مقدم اليهود، ولقد مارسوا الكثير من الحرف أهمها التجارة، إذ كان لهم متاجر لبيع الخردوات، وكان منهم البقالون، والخياطون، وصانعوا لزجاج.
بالإضافة إلى صك العملة، وصناعة المجوهرات خاصة الحلي والمرجان، وكذا بروزهم في بيع الغنائم البحرية كالخمور واللحوم([47])، وأيضا لعبوا دورا لوساطة التجارية والسمسرة حتى أصبحوا من كبار الأغنياء.
برز اليهود في المعاملات التجارية والمفاوضات بين التجار، هذا مكنهم من إحتكار التجارة الخارجية من طرف عائلتي بكري وبوشناق([48])، كما ساهموا في التأثير على الحياة السياسية والإقتصادية خاصة في المراحل الأخيرة من الحكم العثماني([49])، رغم حرمانهم من ممارسة الحياة الإدارية، إلا أنهم تمكنوا من دخول خزينة الدولة الجزائرية وإطلعوا على أسرارها.
لكن هذا لم يمنع أن يبقوا من أدنى الطوائف الحرة في المجتمع الجزائري، حيث كانوا يخشون السلطة إلى درجة أنهم عاملوا عبيدهم معاملة حسنة.([50])
6- فئة المسيحيين: عرفوا بالدخلاء أي العناصر الأجنبية عن المجتمع الجزائري الإسلامي، وهم لا يرقون في الأهمية بالنسبة للطبقات الأخرى، كانت هذه الفئة تضم التجار الأجانب والقناصل ورجال البعثات الدينية والتبشيرية([51]) ، وكذا جماعات الأسرى المسيحيين وهم الأغلبية في المجتمع الجزائري وغدوا إليه لأغراض سياسية وإقتصادية ودينية([52])، وقد عمل بعضهم في النشاط البحري على السواحل الجزائرية، أما البقية الأخرى عملت في المزارع وشق الطرق، وبهذا إستفاد الجزائريون من الأجانب الأوروبيين من خلال التعرف على الروم والتبادل في التجارب والمهارات العسكرية. خاصة بناء السفن وحماية المراسي. كما إشتغل العبيد المسيحيون في رعاية البساتين وخدمة قصورالدايات.
وبلغ عددهم في القرن 18م نحو 1800- 2000 أسير كان مصدرهم القرصنة والحملات الأوروبية على الجزائر، حيث جاءوا من فرنسا، وإيطاليا،وإسبانيا، وروسيا، مارسوا مختلف الأعمال الشاقة كالنظافة والتجديف مقابل حريتهم([53]).
إذ كانت حياتهم عموما حسنة لهم لغة للتخاطب بها([54]) .أما القناصل ورجال الدين يعيشون في معزل عن باقي السكان وغير مجبرين بدفع الضرائب وحتى القوانين المعمول بها. بالإضافة إلى أنهم يسكنون منازل خاصة ضمن أحياء معروفة بهم كحي باب الوادي.([55])
7- جماعة الزنوج: تتكون من الأحرار والعبيد السود الذين جاءوا عبر الواحات الصحراوية بحثا عن العمل([56]). كان أغلبهم من السينغال والسودان، قد بلغ عددهم في القرن 18م مابين 2000- 3500 نسمة بمدينة الجزائر. إشتغل هؤلاء العبيد في الأعمال المنزلية من خلال قيامهم بالتنظيف والغسيل([57]). أما الأحرار فكانوا في شكل جماعات منظمة يرأسها أمين يدعى قائد الوصفان([58]). ومارسوا مختلف المهن كالبناء والنسيج، إضافة إلى ممارسة بعض الفنون كالغناء والرقص،والموسيقى([59]).
II- الحياة الإجتماعية للسكان في الجزائر:
تميزت الحياة الإجتماعية لسكان الجزائر أواخر العهد العثماني بطابع خاص. من حيث طريقة العيش التي ميزت المجتمع وطغت عليه بعاداتها وتقاليدها التي تجسدت في الحفلات الدينية وكذا حفلات الأعراس. بالإضافة إلى مختلف المرافق الإجتماعية كالأسواق والمقاهي، والحمامات.
1- المقاهي: تعتبر من الأماكن التي يقصدها الرجال في الجزائر، فهي بمثابة مؤسسة يتم فيها عقد الصفقات، كما هو المكان الذي يقصده الأجنبي قصد الإحتكاك بالشعب الجزائري بهدف التعرف على حقيقته وتعلم لغته.
لقد أخذت المقاهي إنتشارا واسعا في الجزائر. خاصة في الطريق المؤدي إلى الميناء وعرف بعدها بحي المقاهي وقدر عددها نحوى ستين مقهى، يجتمع فيها الناس منذ الصباح الباكر حتى تمتلئ القاعة تدريجيا. لكن ما يميزها هو طريقة الجلوس حيث يجلس الأتراك علة المقاعد لتناول القهوة أو الشاي كونهم الطبقة الأرستقراطية. أما البقية يجلسون على الحصير المفروش على الأرض. هذا وأنها لا تخلوا من الموسيقى والغناء بعد صلاة الظهر إذ كانت تلقى إقبالا كبيرا من الزبائن ([60]).
2- الأسواق: عرفت الجزائر ظهور بعض الأسواق التي يتم فيها بيع مختلف السلع والبضائع كالعطور والمنسوجات والمجوهرات. من أشهرها سوق بوفاريك.([61])
إضافة إلى وجود عدة أنواع أخرى، كانت مقسمة إلى فنادق، حيث خصص كل واحد منها لنوع من البضاعات كقاعة الزيت ، وقاعة الجلد([62]).
وكانت هذه الأسواق مكسب رزق للسكان في الجزائر. خاصة الصناعة اليدوية التي إختص بها بعض السكان مثل صناعة الحلي، والأسرجة، كما كان يوجد بالأحياء الجزائرية أسواق كثيرة منها سوق باب عزون، وسوق باب الوادي. وقد لوحظ بهذه الأسواق الذهب المكسيكي، والماس الهندي، وحرير الشرق وأقمشتهم، إذ كانت السفن ذات الأعلام المختلفة تدخل وتخرج من الجزائر مليئة بالثروات الإحتياطية([63]).
3- الحمامات: تعتبر من الأماكن العامة، وتظهر في كل الأحياء الجزائرية حتى أنه يصعب التفريق بينها وبين البيوت العادية، تتميز هذه الحمامات ببناياتها الواسعة والمجهزة بالماء البارد والساخن كما تتوفر على كل ما يحتاجه الزبون من راحة وإستجمام كونها نظيفة ومضاءة في السقوف إضافة إلى وجود غرف واسعة وجانبية توضع فيها ثياب الزبائن، وفيها خدم يحرسون على راحة الزبون وتلبية طلباته.
وعليه كان للحمامات أغراض مختلفة، خاصة الإجتماعية كونها تعد مقصد الناس بالأخص النساء، وكانت في الحمامات تناقش كل الأعمال منها التجارية وتحكى الأمور العائلية بين الأصدقاء، كما تعالج أمور الزواج([64]).


4- العادات والتقاليد:
مارس سكان الجزائر عادات مختلفة وكثيرة منها حفلات الختان والخطبة والزواج وإستقبال وتوديع الحجاج، إضافة إلى المناسبات الدينية كشهر رمضان الذي كانت تقام فيه عادات خاصة ميزته عن باقي الشهور الأخرى، كختم القرآن في المساجد وإضاءة الشموع، ومجمع الشعائر الدينية التي تقام في أنحا الجزائر([65]) كما كان الناس فيهذا الشهر الفضيل يسهرون ويخرجون لزيارة الأقارب والجيران خاصة النساء حتى اللواتي لا يخرجن إلا نادرا لتبادل أطراف الحديث والإستمتاع بالسهرة حسب طريقتهم أما الرجال يتوجهن إلى المساجد للصلاة والقيام بالعبادة ثم يذهبون إلى المقاهي وأماكن التسلية، وهكذا يعد شهر رمضان من أهم الأشهر السنوية التي تبعث الفرح والسرور في نفوس السكان([66]).
وبعده مباشرة يأتي عيد الفطر المبارك الذي يحتفل بها السكان، حيث يستيقضون على الموسيقى، ويرتدون أجمل الثياب المطروزة من الذهب والفضة، وحتى المصنوعة من الصوف والقطن. وبعد صلاة العيد وتبادل التهاني يذهب الناس إلى زيارة المقابر والأقرب والجيران.
كما تمارس في عيد الأضحى المبارك أيضا مراسيم دينية. حيث تقام الصلاة في المساجد صباحا، ثم يتم ذبح الأضحية التي تعد كأمر مميز، إضافة إلى القيام بالألعاب البهلوانية المختلفة بحضور الداي وكبار رجال الدولة.
أما المولد النبوي الشريف فكان فيه الإحتفال مميز، حيث تكون مختلف الأطباق من الحلويات والمأكولات كما تشعل فيه الشموع. وكان ليوم الجمعة أيضا مظهر خاص حيث تغلق أبواب المدينة عند الصلاة، وتغلق الدكاكين ولا تفتح إلا بعد الصلاة، وتخرج بعض العائلات في نزهة أو زيارة بعضهم البعض، أما النساء فيكتفين بزيارة المقابر([67]).
وعند أفراح الزواج والأعياد العائلية، فكان السكان يستلفون من بعضهم الحلي والجواهر الثمينة، ويرتكز هذا على الثقة وكرامة الناس، فكانت بعض الأسر الغنية تشتري الحلي الفاخر ويعار للفقراء والأيتام عند زواجهم([68]). كما عرفت وإنتشرت ظاهرة الزواج في وسط المجتمع الجزائري. لكن رغم ذلك إلا أن الرجل كان يكتفي بمرأة واحدة رغم تعدد الزوجات في الإسلام، كما كانت هناك حلقات الإنشاد وإنتشار المسرح مثل مسرح القرقوز.
5- الطعام:
كانت الجزائر مليئة بمختلف أنواع الأطعمة، من لحوم وأسماك، غير أن طعام سكان المدينة إقتصر على السمك([69])، إضافة إلى الكسكس كان الطبق الشعبي المشهور وكان يفتل بشكل حبات صغيرة ويقدم بالخضر، إضافة إلى ما شيع عن المجتمع الجزائري هو الاستهلاك الكثير للحم الثور المجفف والقليل من لحم البقر.
6- اللباس:
كان تنسيق اللباس من أقدم الأركان التي قامت عليها الدولة العثمانية، وهو بذلك يميز الشعوب عن بعضها البعض، وكانت نوعية الملابس تختلف بإختلاف الطبقات، وثروة الأفراد وفصول السنة([70])، فملابس الأتراك والكراغلة مزينة بحواشي من الذهب أو الفضة، أو الحرير حسب رغبة الشخص، وهي عبارة عن سراويل عريضة مصنوعة من القطن وقميص من الكتان، وسترة قصيرة من الكتان أو القطن، ثم قفطان مفتوح في المقدمة وله ألوان كثيرة، كما يلبسون أحذية عالية من الجلد([71]). كما تميز الرجل العثماني عن نضيره الأوروبي بالطربوش حيث كان رجال البلاط والجند إختيار اللون الأبيض كعلامة لقلا نسهم الطويلة المخروطية الشكل.
فكان الداي يرتد الصدرية المصنوعة من الكتان الخشن يضعها فوق القميص وفوقها يضع البديع، كما يرتدي الجبادولي المصنوع من الحرير، يكون مطروزا بخيوط ذهبية، ثم يشد ثيابه بواسطة الحزام المطروز بالذهب أيضا وفي الأخير يضع البرنوس الأسود أو الأبيض اللون، أما السراويل فتكون عريضة حتى تساعدهم على إمتطاء الجياد، وأحذيتهم تتخذ في مقدمتها شكل القلنسوة. ويضع الداي وحاشيته العمامة التي هي لحاف من القماش الأبيض.
في حين كانت ملابس الجنود عبارة عن سراويل من الصوف الخشن والبرنوس الأبيض اللون([72]).وان الألوان لم تحدد بإستثناء اليهود الذي خصص لهم اللون الأسود([73]).
وكان لباس المرأة العربية في الجزائر الحايك الذي يتكون من قميص صغير وسروال ضيق ينزل نحو الأسفل، وثوب من الحرير وأيضا تلبس الحذاء، كما تضع المرأة الحلي الثقيل من خواتم وأقراط، وأساور وخلاخل من الذهب أو الفضة.
ولباس الرأس مصنوع من الذهب أو الفضة، ويكون شكله مخروطي، وفوقه تضع الحجاب ذو الطرز الخفيف آو الثقيل حسب الذوق.
أما ملابس نساء الأتراك فهي الفارمة التي تكون مفتوحة عند الصدر ومشدودة بحزام عند البطن، كما تلبس المرأة المعطف، وإذا كانت داخل بيتها ترتدي سروال ومع خروجها تلبس ثوب مزركش ذو ثلاث طبقات حتى الركبتان والحزام عبارة عن لحاف قماش عريض ثم تضع الحايك الأبيض اللون وتغطي وجهها بالعجار([74]).
إضافة إلى هذا شغلت المرأة دورا هاما في المجتمع الجزائري، حيث كانت تشترك في السياسة العامة للبلاد من خلال تدخلها في توجيه القرارات، أو حتى التأثير على أزواجهن في إتخاذ القرارات الحاسمة نتيجة الزواج السياسي([75]). كما أدت خدمات دينية وإجتماعية وخيرية، فهي التي توقف الأوقاف على الفقراء والمساكين، وتوزع الكتب على المساجد ومراكز التعليم كما تقوم على الطرق الصوفية، في حين أن دورها في الحياة الثقافية كان محدودا جدا، فلم تقم بالشعر والأدب، لكنا مثلت الجانب الثقافي وتفننت فيه من خلال ما أبدعته في النسيج والطرز، والحياكة والصياغة، فهي التي كانت تنتج المناديل والبرانيس، والزرابي وبها إعتبرت منتجة ومستهلكة.
كما كانت تقوم بالمهام المنزلية احسن تمثيل، فإعتنت بتربية الأطفال حتى أصبح الطفل الحضري مضرب للمثل في الجمال والذوق، كما تعتني بنظافة بيتها الذي يمكن التنقل فيه حافيا، أما أوقات فراغها فتقضيها في الحمام أو زيارة الأقارب([76]).


[1]- صالح فركوس، مرجع سابق، ص 170.

[2]- ناصر الدين سعيدوني، ورقات جزائرية. دراسات وأبحاث في تاريخ الجزائر في العهد العثماني، ط1 دار الغرب الإسلامي، بيروت، 2000، ص58.

[3]- ناصر الدين سعيدوني، ورقات جزائرية...، مرجع سابق، ص564.

[4]-صالح عباد، مرجع سابق، ص354.

[5]- ناصر الدين سعيدوني، النظام المالي للجزائر...، مرجع سابق، ص41.

[6]- ناصر الدين سعيدوني، ورقات...، مرجع سابق، ص559- 564.

[7]- عبد القادر حليمي، مرجع سابق، ص 258.

[8]- نفسه، ص268.

[9]- صالح فركوس، مرجع سابق، ص126.

[10]- أبو القاسم سعد الله، مرجع سابق، الجزء 1، ص 147.

[11]- نفسه، ص153.

[12]- ناصر الدين سعيدوني والشيخ البوعبدلي المهدي، الجزائر في التاريخ. العهد العثماني، ج4، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1984، ص93.

[13]- صالح عباد، مرجع سابق، ص93.

[14]- ناصر الدين سعيدوني، النظام المالي...، مرجع سابق، ص40-42.

[15]-أبو القاسم سعد الله، مرجع سابق، ج1، ص149.

[16]- ناصر الدين سعيدوني النظام المالي...، مرجع سابق، ص43.

[17]- أبو القاسم سعد الله، مرجع سابق، ج1، ص153.أنظر أيضا.صالح عباد، مرجع سابق، ص357.

[18]- نفسه، ص149.

[19]- سعيدوني، النظام المالي...، مرجع سابق، ص44.

[20]- صالح عباد، مرجع سابق، ص 357.

[21]- سعيدوني، النظام المالي...، مرجع سابق، ص96.

[22]- نفسه، ص43

[23]- أبو القاسم سعد الله، مرجع سابق، ج1، ص149.أنظر أيضا. سعيدوني، مرجع سابق، ص97

[24]- سعيدوني والبوعبدلي، مرجع سابق، ص97.

[25]- عبد القادر حليمي، مرجع سابق، ص268

[26]- صالح عباد، مرجع سابق، ص358

[27]- أبو القاسم سعد الله ، مرجع سابق، ج1، ص148.

[28]- جون وولف، الجزائر وأروبا.1500م- 1830م، ترجمة وتعليق أبو القاسم سعد، المؤسسة الوطنية للكتاب. الجزائر، 1986، ص163.

[29]- عمار بوحوش، مرجع سابق، ص57.

[30]- برانية كلمة مأخوذة من الدرجة. " وبر " معناها خارج: والبراني هو الشخص الغريب.

-[31]-SHUVAL TAL, Ville d'Alger Vers la fin de , paris, 1998, p.126.

[32]- محمد الطيب عقاب، مرجع سابق، ص26.

[33]- شوفاليه كورين، الثلاثون سنة الأولى لقيام مدينة الجزائر، ( 1510- 1540 )، ترجمة جمال حمانة، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2007، ص17.

[34]- ناصر الدين سعيدوني والبوعبدلي، مرجع سابق، ص100.

[35]نفسه، ص200.

[36]- سبنسر وليم، الجزائر في عهد رياس البحر، ترجمة وتعليق وتقديم عبد القادر زبادة، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، دون تاريخ، ص83.

[37]عبد القادر حليمي، مرجع سابق، ص266.

[38]- سعيدوني والبوعبدلي، مرجع سابق، ص99. أنظر أيضا العربي إيشبودان، مرجع سابق، ص48.

[39]- عمار بوحوش، مرجع سابق، ص75.

[40]- سعيدوني والبوعبدلي، مرجع سابق، ص101.أنضر أيضا
- SHUVAL. Tal.op,Cit,p128.

[41]- سعيدوني والبوعبدلي، مرجع سابق، ص200.

[42]-سعيدوني، النظام المالي...، مرجع سابق، ص45.أنظر أيضا
- SHUVAL. Tal, op . Cit, p129.

[43]- صالح عباد، مرجع سابق، ص359. أنظر أيضا العربي إيشودان، مرجع سابق، ص49.

[44]-فوزي سعد الله، يهود الجزائر. هؤلاء المجهولين، شركة الأمة للطباعة والنشر، الجزائر، 1995، ص120.

[45]- عبد الحميد بن أشنهو، مرجع سابق، ص88.

[46]- أبو القاسم سعد الله، مرجع سابق، الجزء 1، ص146.
* ظهرت عائلتي بكري وبوشناق بمدينة الجزائر عام 1774 من حيث أول إقامة وإستقرار تجاري لها.

[47]- بن أشنهو، مرجع سابق، ص90. أنظر أيضا. كورين شوفاليه، مصدر سابق، ص67.

[48]- فوزي سعد الله، مرجع سابق، ص163.

[49]- شلروليم، مذكرات وليم شلر قنصل أمريكا في الجزائر.( 1816- 1824) ، تعريب وتعليق وتقديم إسماعيل العربي الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر،1982،ص89.

[50]- فوزي سعد الله، مرجع سابق، ص134.

[51]- أبو القاسم سعد الله، مرجع سابق، الجزء 1، ص150.

[52]- ناصر الدين سعيدوني، النظام المالي...، مرجع سابق، ص45.

[53]- صالح عباد مرجع سابق، ص 263.

[54]- سعيدوني والبوعبدلي، مرجع سابق، ص105.

[55]- أبو القاسم سعد الله، مرجع سابق، ج1، ص144.

[56]- سعيدوني والبوعبدلي، مرجع سابق، ص100.

[57]- نفسه، ص101.

[58]- عبد القادر نور الدين، صفحات في تاريخ مدينة الجزائر من أقدم عصورها إلى إنتهاء العهد التركي، ط2، مطبعة البعث، قسنطينة، 1965،ص138.

[59]- سعيدوني والبوعبدلي، مرجع سابق، ص99.

[60]- سيمون بفايفز، مرجع سابق، ص112- 113.

[61]-شالروليم، مصدر سابق، ص78.

[62]- عبد الحميد بن اشنهو، مرجع سابق، ص126.

[63]- نفسه، ص93.

[64]- سبنسر وليم، مرجع ساق، ص97. أنظر أيضا كورين شوفاليه، مرجع سابق، ص58.

[65]-أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي( 1500- 1830) ، ج1، ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1998 ص155.

[66]-دودو، مرجع سابق، ص116، 117.

[67]-أبو القاسم سعد الله، مرجع سابق، ج1، ص156.

[68]- حمدان بن عثمان خوجة، مصدر سابق، ض103.

[69]- شالر، مصدر سابق، ص88.

[70]- كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة منير البعلبكي، أمين فارس، ط1، دار العلم للملايين، بيروت لبنان، 1948، ص412.

[71]سبنسر، مصدر سابق، ص87.

[72]- حمدان خوجة، المرأة مصدر سابق، ص56.

[73]- عبد الحميد بن أشنهو، مرجع سابق، ص408.

[74]- سبنسر، مصدر سابق، ص84.

[75]- أبو القاسم سعد الله، مرجع سابق، ج4، ص62 و64.

[76]- نفسه، ص157

07-24-2009, 12:43 PM #2

https://www.algeria-tody.com/forum/sh...ad.php?p=27301









رد مع اقتباس
قديم 2011-12-10, 11:36   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة jenanjnn86 مشاهدة المشاركة
السلام عليكم أنا طالبة ثانية ماستر تاريخ عنوان مذكرتي الحياة الاجتماعية للجزائر خلال العهد العثماني ارجو مساعدتي
الأوضاع الإجتماعية والاقتصادية للجزائر خلال العهد العثماني 1707-1827م))[/size]

[color=#000000]
بقلم: د. محمد مكحلي [1]
قسم التاريخ- كلية الآداب و العلوم الإنسانية- جامعة الجيلالي اليابس، سيدي بلعباس، الجزائر[color=#000000]
[right]




[center][right]بتعيين خير الدين بيلرياي " أصبحت الجزائر
إحدى الولايات الثلاث للإمبراطورية العثمانية وأصبح لبايلر باي الجزائر
بمقتضى هذا التعيين حق التصرف المطلق في الجزائر مع الإشراف على إقليمي
تونس و طرابلس، لكن هذا الإشراف لم يدم طويلا فقد ألغى العثمانيون نظام
البايلر باي سنة 1588م خوفا من أن يفكر هؤلاء الولاة في الإنفصال فأصبحت
الجزائر ولاية عادية يعين على رأسها باشا تغيره الأستانة كل ثلاث
سنوات[2].

لم يهتم الباشوات بشؤون الرعية بل انصرف همهم إلى جمع اكبر قسط
من الأموال في انتظار مدة الولاية، وبذلك انتقلت السلطة من أيديهم إلى
ضباط الجيش الذين بدأ نفوذهم يتعاظم تدريجيا مع بداية سنة 1659م، وأصبح
حكام الجزائر العثمانية يعينون من بينهم ضابطا برتبة أغا كحاكم فعلي على
الولايات غير أن هذه المرحلة لم تطل مدتها و ذلك لأن الأغا لم يكن يستقر
في منصبه أكثر من شهرين نتيجة للتنافس الشديد بين الضباط على الحكم[3].

فكانت الجزائر خلال الفترة من 1518-1671م إيالة عثمانية تتلقى
المساعدة المالية و العسكرية من الخلافة و قد اهتم الحكام في هذه المرحلة
بتوحيد الجزائر سياسيا و ذلك بالقضاء على الإمارات المستقلة وإخضاعها
لسلطة مركزية مقرها مدينة الجزائر كما وجهوا جهودهم لتحرير موانئ البلاد
من السيطرة الإسبانية وفرض سيطرة الأسطول على الحوض الغربي للبحر الأبيض
المتوسط.

[right]مع بداية سنة
1671م دخلت الجزائر مرحلة جديدة تميزت بتولي طائفة رياس البحر السلطة، و
هم ضباط البحر الذين نصبوا نظاما جديدا يتمثل في تعيين حاكم للبلاد يلقب
بالداي.
و قد التزم الدايات بحفظ الإرتباط مع
الدولة العثمانية باعتبارها خلافة إسلامية، لكنهم سلكوا سياسة مستقلة فيما
يتعلق بالشؤون الخاصة للبلاد ، فالداي هو الذي :
- يعقد الإتفاقيات الدولية
- يستقبل البعثات الدبلوماسية ( القناصل)
- يعلن الحرب و يبرم معاهدات السلام
لما استقر نظام الدايات تكون في مدينة
الجزائر ديوان مستقل هو أشبه بمجلس الوزراء، فهناك وكيل الخرج المختص
بشؤون البحرية، و البيت مالجي المختص بالشؤون المالية و رئيس أمين مدينة
الجزائر و خوجة الخيل الذي كان يشكل حلقة إتصال بين الجزائريين و الحكومة.
و قسمت الجزائر من الناحية الإدارية إلى أربعة أقاليم رئيسية هي:
1- دار السلطان: كانت تضم مدينة الجزائر و ضواحيها
2- بايلك الغرب: كانت عاصمته مازونة ثم معسكر و أخيرا وهران بعد جلاء الإسبان عنها عام 1792م
3- بايلك التيطري، ضم المناطق الوسطى و مناطق جنوب دار السلطان و كانت عاصمته المدية.
4- بايلك الشرق: يقع من شرقي من دار السلطان و بايلك التيطري كان أكبر المقاطعات و الأقاليم ، و كانت عاصمته قسنطينة.
كانت هذه المقاطعات مقسمة إلى قيادات و
على رأس كل منها شيخ قبيلة و كان الجهاز الإداري جهازا لامركزيا حيث أن
اية علاقة للحكومة برعاياها كانت علاقة غير مباشرة، تعتمد على استعمال
الزعماء المحليين لجمع الشرائب و فرض الأمن يمكن استنتاج أهم الخصائص التي
ميزت الدولة الجزائرية أنذاك كمايلي:
1- لم يعد تعيين رجال الحكم قائم على
الإنتخاب من طرف ممثلي الشعب فلم يكن النظام السياسي ملكيا وراثيا ولكنه
لم يرتق إلى نظام جمهوري..
2- حافظ النظام الإداري على التقسيمات القبلية و الزعامات المحلية فلم تتبلور الصفة العصرية للدولة[4].
3- لم تختلف وضعية الجزائر كما كانت عليه
لقبه العالم الإسلامي و لكنها كانت مختلفة كما كان يحدث و العالم الأوربي
الذي تكونت فيه دول ذات حكومات مركزية أخذت تتأهب لفرض سيطرتها على
العالم[5].

[img]
تكبير الصورة تم تعديل ابعاد هذه الصورة. انقر هنا لمعاينتها بأبعادها الأصلية.

[/img]


[size=12]الحياة الإجتماعية و الإقتصادية:
عند دراسة أوجه النشاط الإقتصادي و
الحياة الإجتماعية للجزائر العثمانية يلاحظ الطابع الزراعي و الرعوي الذي
تمركز أساسا في الارياف و أطراف المدن هذا في حين أن الحواضر تكاد تنفرد
بالنشاط الحرفي لو لا وجود قدر قليل من نشاط حرفي متواضع يهدف إلى تلبية
الضرورات المنزلية و يقوم على الإكتفاء الذاتي في الأرياف. و إلى جانب ذلك
لعبت التجارة الخارجية و الداخلية دورا مهما داخل البنية الإقتصادية
للمجتمع الجزائري عموما و البنية الحضرية بشكل خاص[6].
لقد هيمن النشاط الإقتصادي في
الأرياف الجزائرية و بخاصة النشاط الزراعي و الرعوي[7]، و فيما يخص أشكال
الإنتاج، فإنها كانت موزعة على أربعة مجالات طبيعية تتمثل في المرتفعات
الجبلية و التلال و السهوب و أطراف الحواضر تشكل في مجملها كلا إجتماعيا و
إقتصاديا يمز الريف الجزائري والإمتدادات الريفية التابعة للحواضر.
بالرغم من تنوع هذه المناطق
التي تنتحل هذا النمط من العيش فإن الإنتماء إلى الجماعة العمرانية
(Communauté) يشكل الشرط الضروري لاستمرار الحياة الإجتماعية ففي كنف هذا
التجمع تتحقق ملكية العضو لشروط العمل و الإنتاج أي أن إنتماء الفرد
للجماعة شرط تحقيق وجوده فهي تتوسط العلاقة فيما بينه و بين الأرض و وسائل
العمل، و هكذا فإن العائلة الممتدة تشرف في المرتفعات الجبلية و بشكل
نسبي على الملكية الصغيرة التي تعتبر مجالها واضحا و بين حرائق الجيران و
هي (أي الأسرة الممتدة) تمثل الأسرة النووية ( الصغيرة) وجودها ضمنها[8].
و تعتبر "التويزا" « Touiza »
أكثر اشكال التضامن القروي شهرة و هي كثيرا ما تجد الفرصة للظهور في أراضي
الأوقاف و يلاحظ أن الأب أو الأخ الأكبر في كل أسرة هو الذي يمثل أفراد
أسرته في احتفالات القرية و ينوب عنها في التجمعات التي تعقد في المسجد[9].
و من أجل تأمين إعادة انتاجها
فإن الأسرة تضيف إلى أنشطتها المعروفة بعض الصناعات الحرفية المرتبطة
باستغلالها و التي أحيانا ما يوجه بعضها نحو السوق. أم الملكية غير
المنقولة التي تتحقق من خلال الهيبة أو الميراث فرغم كونها ملكية خاصة إلا
أنها تبقى تندرج تحت استحواذ العائلة.
إن وضعية الأراضي الزراعية في
الجزائر خلال العهد العثماني أصبحت تتصف بمظاهر الصراع الخفي و الإحتكاك
المستمر بين أسلوبين من الإنتاج، و نمطين من المعيشة مختلفين أحدهما يرتكز
على الإرتباط بالأرض و حيازتها و الأخر يمتهن الرعي و العزوف عن خدمة
الأرض[10].
و هكذا لم يبق من الأقاليم
المحتفظة بطابعه الزراعي المتمسكة بتقاليده الفلاحية سوى فحوص المدن
الكبرى و بلاد القبائل ، و شمال قسنطينة و التيطري و سهل متيجة و سهل
غريس[11].
و الجدير بالملاحظة أن
العثمانيين قد عملوا جاهدين على الإحتفاظ بالأوضاع السائدة، فأبقوا في
غالب الأحيان ملاك الأراضي و أقروا العشائر المتعاملة معهم على الأراضي
التي
استحوذوا عليها بغية الحصول على تأييد
شيوخ القبائل و مساندة رؤساء الزوايا لهم و لم يهتموا بصفة خاصة إلا بما
تذره الأرض من إنتاج و ما توفره من جبايات[12].
إن التطور الذي انتهت إليه
وضعية الأرض من ناحية الإنتاج لم يكن نتيجة لسياسة معينة من طرف الحكام
العثمانيين و إنما كان نتيجة تحول بطيء فرضته الأحوال الإقتصادية و ساهمت
فيه الأوضاع الإجتماعية و تسببت فيه حاجة الحكام إلى موارد البلاد "إثر
تزايد" الضغط الأوربي على السواحل و إنفتاح البلاد على التجارة الأوربية.
لقد نتج عن كثرة المطالب
المالية وقلة الجبايات على الأراضي الزراعية وتعدد المغارم،إهمال الزراعة و
تحول قسم من السكان من الإشتغال بالفلاحة إلى مزاولة حرفة الرعي وفي بعض
الأحيان اضطر المزارعون إلى الثورة على الحكام و قد انعكس هذا الوضع على
الحياة السياسية[13]، إذ أن تحول السلطة إلى الدايات أدى إلى تضررالزراعة،
وتحول كثير من الأراضي المنتجة للحبوب إلى ملكيات للبايلك أو مزارع مشاعة
بين أفراد القبائل الحليفة "قبائل المخزن" أو العشائر الخاضعة "قبائل
الرعية" بعد أن انقطع سيل الهجرة الأندلسية، و تسببت الحملات العسكرية التي
كانت تنطلق من مراكز البايلك لجمع الضرائب و أخذ المغارم في الحلاق أضرار
فادحة بأهالي الريف و غالبا ما تمكن المحلة أو الفرقة العسكرية مدة طويلة
قد تصل على ستة أشهر تتحول أثناءها الأرياف و توجب الضرائب و يعاقب
العقاب الممتنعون فمحلة بايلك الشرق تنطلق من قسنطينة و تنقسم إلى فيلقين
أحدهما يجوب الهضاب العليا و التل الجنوبي و الأخرى تقصد مناطق التل
الشمالية المتاخمة لساحل البحر، أما محلة بايلك البيطري فتتوجه من مدينتي
الجزائر والمدية نحو سهل عريب و بني سليمان و البرواقية، بينما محلة بايلك
الغرب تخرج من مازونة أو معسكر نحو سهول غريس و وادي مينا وجهات السرسو و
تاهرت[14].
وبظهور دايات أقوياء وأكفاء و
استقرار نظام الحكم على توسع أراضي الدولة بمواطن العشائر التي ثم
إخضاعها،في الوقت الذي استقرت في أوضاع الملكيات المشاعة، وبدأ قسم من
الملكيات الخاصة يتحول بفحوص المدن إلى أوقاف أهلية يعود ربحها بعد انقراض
عقب محبسها على المؤسسات الدينية و المشاريع الخيرية. كما هو الحال بخصوص
مدن الجزائر و البليدة و القليعة[15].
وبعد مـوت الـداي محمد عثمان
باشا تولى مقاليد الحكم الداي باشا حسان (1791-1798مـ) و الداي مصطفى
باشا (1798-1805مـ) اللذان انتهجا سياسة جديدة، قوامها تصدير المزيد من
المحاصيل الزراعية إلى خارج البلاد عن طريق الشركات الأوربية و المحتكرين
اليهود أمثال بكري و بوشناق ، في الوقت الذي كانت فيه البلاد معرضة
للمجاعة نتيجة القحط الذي أضر بالزراعة في السنوات التالية 1788 و 1779 و
1800 و 1807م و1816 و 1819[16]، ويلاحظ أن السماسرة اليهود كانوا يصدرون
كميات كبيرة من الحبوب أثناء هذه الفترة.
ففي عام 1793م و مثل على ذلك تم
شحن مائة سفينة من ميناء وهران قدرت حمولتها بـ 75000 قتطار من القمح و
6000 قنطار من الشعير مما تسبب في حدوث اضطرابات في جهاز الحكم فاغتيل ستة
دايات من مجموع ثمانية في مدة قصيرة[17].
لقد أدى الضغط المتزايد على
الأرياف إلى قلة الإنتاج و إهمال الزراعة وإعلان العصيان و حدثت سلسلة من
الثورات في جميع الجهات مثل منطقة جرجرة (1804-1810-1823م) و شمال قسنطينة
(1804م) و الغرب الجزائري (1803-1809م) و مناطق النمامشة و الأوراس ،
ووادي سوف( 1818-1823).
و قد شملت الثورات مناطق الحبوب
حيث أعلنت التيجانية العصبان سنة 1818 م، هذا في الوقت الذي كان فيه
الصراع محتدما مع حكام تونس من 1806م إلى غاية 1817[18]، مما أدى إلى هجرة
جزء من السكان هربا من الإنتقام و تجنب لبطش الحملات العسكرية، و لم يعد
الحكام يسيطرون بالفعل إلا على سدس أراضي التل الخصبة حبس بعض
التقديرات[19]، حيث اصبحت ملكيات أو الدولة هي السائدة في الأرياف في
الوقت الذي تركزت فيه الملكيات الخاصة بالمناطق الجبلية الممتنعة عن
الحكام، و الملكيات المشاعة في السهوب الداخلية حيث تربى المواشي ولا تزرع
الأرض إلا من أجل الحصول على الضروري من الأقوات و نظرا لهذه الأوضاع
السيئة و الظروف الصعبة فقد فقد الفلاح الجزائري الرغبة في العمل حتى
أنه، في سنة 1786م لم يجد ملاك الأراضي بسهل عنابة الخصيب من يقوم بحصاد
حقولهم فاضطروا إلى التنازل عن نصف الإنتاج لمن يقوم بحصـاد القمح بعد أن
تخوف كثير من الفلاحين من انتشار الوباء و فاضطروا إلى قبول الحصول على
خمس المحصول بينما استحوذ عمال البايلك و الملاك المقيمون بالمدن على
أربعة أخماس المحصول بدون مجهود و عليه فقد تقلصت الأراضي الزراعية
وتناقصت المساحات المستغلة حتى أصبحت عشية الإحتلال الفرنسي 1830م لا
تتجاوز359040 هكتارا[20].
أما النظام الجبائي المطبق على
الأراضي الفلاحية فإنه لم يخرج في أساسه عن مبدأ الجباية في الإسلام[21]، و
حاول الحكام رفع الإنتاج الزراعي بالإلتجاء إلى الحملات العسكرية لإرغام
السكان على تقديم المزيد من المحاصيل الزراعية وباحتكار تجارة الحبوب و
تسخير الفلاحين بالأرياف لخدمة أراضي الدولة لإنتاج المزيد من المحاصيل، و
قد أنشأوا لهذا الغرض العديد من المظاهر العامة في مراكز الحاميات، و
أقيمت المطاحن الهوائية بالقرب من المدن حيث كان قياد البايلك يكلفون
بإحصاء المحاصيل الزراعية، و مراقبة مواشي البايلك، و تحديد مقدار الضرائب
التي كانت تتقاضاه الدولة عن تلك المحاصيل و المواشي.
الصناعة و التجارة:
لقد شهد النشاط الصناعي خلال
فترة الدراسة 1707-1827 ثلاثة اشكال من النشاط وهي الشكل الحرفي للإنتاج و
شكل البايلك للإنتاج (التابع للسلطة أو البايلك) والشكل السابق للتصنيع «
Forme pré facturière »
1- الشكل الحرفي للإنتاج:
يظهر هذا النموذج من خلال
الصناعة المنزلية فقد أدى إلى تطور إنتاجية النشاط الزراعي الرعوي إلى
بدايات لتخصيص جزء من سكان الريف في بعض الصناعات مثل صناعة الأحذية و
اللباس أو بعض عمال الحرارة مع بقائهم في بعض الأحيان مرتبطين بالنشاط
الزراعي الرعوي كما كان الأمر في المرتفعات الجبلية.
بعد إزدهار النشاط التجاري توسيع
التجارة و اتساع المدن خلال اندماج التشكيلة الإجتماعية في المجال
الإقتصادي للخلافة العثمانية نشطت الصناعات وامتدت حتى أصبحت لا يخلو
إقليم من الأقاليم من بعضها[22].
و كانت هذه الحرف تستجيب
للمتطلبات المحلية للمدن أو المناطق المجاورة وكان بعضها يصدر إلى الخارج،
كما كانت هذه الحرف تعرف تنظيما اجتماعيا محكما و توزيعا اجتماعيا للعمل
له قواعده و حدوده فكل فـرقة كـانت لـها نقاباتها أي أن هذه الصناعات
التقليدية لها تنظيمات مهنية حيث كان لمختلف الحرف فكان تنظيمات للدباغين
الإسكافيين لصانعي البرادع وتنظيمات لحائكي الصوف و القطن و الحرير و
المطرازين و الصباغين البراميا وللنجارين و للحدادين و لصانعي الأسلحة و
صانعي المجوهرات[23].
و كذلك كان لكل حرفة نظامها
الخاص و مسؤولها الذي يشرف عليها الذي يطلق عليه "الأمين" أو "النقيب" و
كان ينتخب يختار بأغلبية أصوات الحرفيين و هو يلتزم بالدفاع عن ممثليه
أما السلطات و يعتبر النقيب إضافة إلى إشرافه على البيع والشراء الأمر و
الموجه للتعاونية وفق قواعد العزف و هو أيضا يراقب جودة المنتوج و يفك
النزاعات التي نشأ بين المعلم و الصناع أو بين رؤساء الورشات ويقوم بتعليم
المبتدئين أصول الحرفة و العمل.
و من الناحية الإجتماعية كان
النشاط الحرفي يشهد تمايزا اجتماعيا يستند في أغلبه إلى العامل العرقي فكل
حرفة كانت خاضعة لجماعة عرقية كما كان لكل حرفة شاركها فيهود الجزائر و
قسنطينة مثلا كانوا يحتكرون الصناعات الخاصة بالمعادن الثمينة في الوقت
الذي كانت فيه السلطة تحتكر بعض البضائع و المشاغل و كانت عملية الإحتكار
التي تمارسها السلطة العثمانية عاملا في إعاقة و منع تطور الحرفيين
الأثرياء إلى شكل صناعي أكثر تطورا[24].
و عليه فالسلطة العثمانية و
الجزائر كانت تحتكر جزءا من النشاط الصناعي مثل صناعة السفن و مسابك
المدافع و مطاحن الدقيق و المحاجر وهذه الصناعات الإستخراجية كانت تمثل
مجموعة الضروريات التي تستند إليها قوة البايلك[25]،وقد أدى هذا الوضع
إلى تدعيم سلطة الداي الإقتصادية و السياسية على هذا النحو و احتكار
الدولة للتجارة الخارجية و كذا اشتداد المنافسة الأوروبية للمنتجات
المحلية إلى إفشال تحول البرجوازية الجزائرية إلى برجوازية تحويلية على
غرار البرجوازية الأوربية التي وضعت الحرف تحت تصرفها و لم تضيق عليها
مجال الإستثمار في هذا المجال.
إن المتمعن في هرم القوة في
المجتمع يلاحظ على رأسه الأقلية التركية الحاكمة التي استأثرت بمقاليد
الحكم والصناعات الكبرى، و تستحوذ على 1,5 مليون هكتار من الملكية
العقارية إلى جانب ما تدر عليها عوائد الضرائب و التجارة و حسب البعض فإن
السيطرة التركية بلغت ذورة شرعيتها مع ظهور فكرة الحدود و السيادة
الإقليمية[26] و ذلك منذ القرن السادس عشر (16مـ) وقد تمكنت بعد فترة
وجيزة من تكوين جيش بحري مكنها من السيطرة على غرب البحر الأبيض المتوسط
حيث استمرت هذه السيطرة زهاد ثلاثة قرون و بفضلها عاشت الجزائر إلى غاية
مطلع القرن التاسع عشر (19): يذكر أجيرون شارل روبير « Agéron Charles
Robert » أن مدينة الجزائر اشتهرت بمحاربتها إلى حد أن سبع دول كانت تدفع
للداي حربه منتظمة كما كانت هناك ثماني دول منها إنجلترا يقدم إليه
الهدايا النقدية و العينية حتى تتجنب التعرض لقرصانها[27].

و قد أورد يحيي بوعزيز[28] نقلا عن "هنري فارو" مبلغ ما تدفعه دول أوربا و مدنها للجزائر من الضرائب و صنفها على النحو التالي:
- الولايات المتحدة، هولندا، البرتغال، نابولي، السويد، النرويج، الدانمارك، تدفع ضريبة كل عامين .
- الدانمارك و النرويج و السويد، تدفع
ضرائب أخرى في شكل اسلحة و حبال وصواري و دخيرة البارود و رصاص و حديد
تقدر قيمتها بمبلغ 25 ألف فرنك.
- إسبانيا و فرنسا و إنجلترا و هانوفر و
سردينيا و الطوسكان و دافوس والبندقية تدفع هدايا دورية للدايات و
الباشوات و أعضاء الديوان عند إبرام المعاهدات و تعيين القناصل لها
بالجزائر.
- هامبورغ و بريم تدفعان أدوات الحرب و
التمونيات الحربية النمسا و روسيا لا تدفعان الضرائب و لكن تدفعان أموالا
طائلة لفداء أسراها الكثيرين بالجزائر و يضيف أيضا نقلا عن ليون فالبير «
Leon Valiber » تسيء من التفصيل عن ما تدفعه دول أوربا إلى الجزائر .
- مملكة الصقيليتين:تدفع مبلغ 44 ألف بياستير سنويا منها 24 ألف نقد والباقي في شكل بضائع.
- ممكلة الطوسكان :تدفع 23 ألف بياشر كلها قدم حددت قنصلها بالجزائر
- مملكة سردينيا :تدفع مبلغا كبيرا من المال كلما جددت قنصلها بالجزائر .
- البرتغال تدفع نفس ما تدفع نفس ما تدفعه الصقليتان
- إسبانيا : تدفع مبالغ مالية كلما حددت قنصلها
- النمسا تدفع هدايا دورية مباشرة و عن طريق الدولة العثمانية
- إنجلترا تدفع 600 جنيه إسترلينن كلما جددت قنصلها
- هولندا تدفع نفس مبلغ إنجلترا
- أمريكا تدفع نفس مبلغ بريطانيا
- هانوفر، بريم الألمانيتان: تدفعان مبالغ مالية كبيرة كلما حددت قناصلها.
- السويد و الدانمارك تدفعان مبالغ مالية كبيرة سنوية في شكل مواد حربية قيمتها 400 بياستر.
أدت القوة العسكرية على الخارجي كذا
الداخلي إلى تحول المجموعة العسكرية تدريجيا إلى وضع شبه إقطاعي[29] في
الداخل و استنادا إلى هذه الشرعية راحت هذه القوى تدعم نفوذها بواسطة بعض
الشرائح الإجتماعية في مواجهة قوة القبائل التي لا تعترف بالولاء الديني و
لا تدفع الضرائب إلا تحت أسنة الرمــاح و من بين هذه الشرائح الإجتماعية
الكراغلة[30] و الذين يرون أنهم ينتمون إلى العائلات الكبيرة «Les
familles des grandes tentes» و إلى جانب الكراغلة نجد الأندلسين
الموريسكيين المطرودين من الاندلس الذين لعبوا دورا هاما في إعادة إحياء
النشاط الحرفي و إلى جانب هؤلاء نجد القبائل التابعة للسلطة و تدعى قبائل
المخزن التي تلعب دور الشرطي أما القبائل المنشقة و هي يستغل أٍراضي
البايلك و يتمتع بتفويضها بجباية الضرائب من القبائل الأخرى[31].
لقد كشفت عملية التداول التجاري عن وجود
تبادل سلعي بسيط و تداول سلعي لراسمال وقد عرفت الجزائر نموذجين لهذا
الشكل الأخير للتجارة (التداول السلعي ) يتمثلان في تجارة القوافل الكبرى و
التجارة مع أوربا.
تبين عملية التبادل السلعي البسيط الداخلي
عن وجود تقسيم نسبي للعمل بين المدن و القرى، يقتصرغالبا على المقايضة
سواء بالنسبة للتبادل الحاصل بين الشمال و الجنوب (تمور-مقابل حبوب) أو
ذلك الذي يتم بين السهول و المناطق حيث تتم مقايضة الخضار و الفواكه و
الزيت و منتجات الحرف مقابل الحبوب بينما يدل النوع الثاني من أشكال
التجارة على توافر الصلات بين إفريقيا و أوربا.
و منذ القرن التاسع عشر بدأت الحرف و مختلف
الانشطة التقليدية الجزائرية و العهد العثماني و معها الإقتصاد الحضري في
التدهور لصالح المنتجات الأوربية ثم لم يقتصر الأمر على الحواضر حين إمتد
هذا التأثير إلى داخل الأرياف[32] .
أ-الوضع الصحي:
1- إنتشار الأمراض و الأوبئة:
شهدت الجزائر العثمانية تقهقرا إقتصاديا و
اضمحلالا اجتماعيا واكبه سوء الأحوال الصحية و المعاشية خلال القرنين
الرابع عشر (14مـ) والخـامس عشر (15مـ) بعد الحروب الطويلة و ما نجم عنها
من خراب للمدن و عمال يقول ناصر الدين سعيدوني اصبحت دلس و هنين مجرد
خرائب[33] ثم ما لبثت. أن تحسنت أوضاع البلاد طيلة القرن السادس عشر (16) و
النصف الاول من القرن السابع عشر بعد قدوم الموريسكيين واستقرارهم
بالجهات الساحلية يستصلحون أراضيها ويعمرون مدنها و قراها وتوسع عمران مدن
الجزائر و دلس و تنس و شرشال والقليعة و البليدة و عنابة وقسنطينة و
وهران و تلمسان و مستغانم و قلعة بني راشد و مازونة و المدية ومليانة و
زمورة و غيرها و انتشرت إلى القرى والعمارة الريفية القريبة منها[34] .
لم يطل هذا التحسن كثيرا إذ عرفت البلاد
ركودا اقتصاديا و انكماشا عمرانيا طيلة النصف الثاني من القرن السابع عشر
(17مـ) و النصف الأول من القرن الثامن عشر (18مـ) بعد ذلك ساءت الأوضاع
الإقتصادية و أقفرت الأرياف والمدن من سكانها و تكاثرت الأعراض و الأوبئة
الفتأكة مما أثر سلبا على حالة السكان الصحية و المعاشية و ترك آثارا سيئة
على أوضاعهم الإجتماعية[35].
إبتداءا من أواخر القرن الثامن عشر (18مـ)
تضاءل عدد سكان المدن وتناقص سكان الأرياف مما تسبب في ضعف قوة
الأوجاق[36] أدى هذا الوضع إلى تناقص عدد التجار و قدرة الحرفيين و الصناع
و إفتقار الأرياف إلى اليد العامة الزراعية.
و الظاهر أن ذلك التدهور يرجع إلى إنتقال
العدوى و إنتشار الأمراض من الأقطار المجاورة بسبب صلة الجزائر ببلدان
البحر الابيض المتوسط و انفتاحها على أقاليم السودان و علاقتها التجارية
مع أوربا و ارتباطها الروحي بالمشرق الإسلامي[37].
مما ساعد على إنتشار هذه الأمراض
واستيطانها في البلاد انتشار المستنقعات بالسهول الساحلية وحول المدن
الكبرى وبالرجوع إلى المعلومات التي أكـدها كل من هايدو « Haédo » و شاو «
Show » و لوجي دوتاسي « Laugy Detassy » أو شالر « Shaler ».
تستنج أن الأدوية و العقاقير المحضرة كانت
غير متوفرة و حتى الصيدلية الوحدة لمدينة الجزائر كانت لا تتوفر إلا على
بعض العقاقير و الحشائش و كان الباش خراح "القائم" عليها يجهل مواصفاتها و
فوائدها الطبية[38].
الطاعون:
شكل الطاعون أخطر مرض عانت منه كل الفئات
الإجتماعية بالجزائر خلال العهد العثماني، كما تعرضت إلى ضرباته الحادة كل
العناصر الاجنبية المقيمة بالبلاد لقد تكرر ظهوره في شكل تواتر حلقات
متعاقبة مع الأوبئة المستوطنة بالمنطقة تسببت في إنهيار ديمغرافي و أدت إلى
تدهور الوضع الصحي الذي اثر بدوره سلبا على إقتصاديات البلاد تاركا
تشوهات خطيرة في البيئة الإجتماعية[39].
لقد أثر وباء للطاعون على الأوضاع الصحية
للجزائر العثمانية و ارتبط بالعوامل الأخرى التي أثرت على الوضع الصحي
للسكان مثل الإضطربات الجوية والتدبدبات المناخية و فترات الجفاف و
الفياضانات بالإضافة إلى إجتياح الجراد وما نتج عنه من الزلازل و الحرائق و
ما ترتب عنها من تخريب و تدمير[40].
و مما زاد الأحوال الصحية سوءا أن الحكام
العثمانيين لم يهتموا بميدان الصحة و لم يعطوها الأهمية التي تستحقها فمن
ذلك أنهم ولم يتخذوا أي إجراء وقائي ضد تنامي هذه الأمراض[41]، أما أماكن
العلاج فكانت محصورة حول بعض المصحات و الملاجيء مثل زنقة الهواء و ملجأ
الأمراض العقلية المخصص للأتراك بالإضافة إلى مارستانات[42] رجال الدين
المسحيين التي كانت تنفق عليها الدول الأوربية[43].
و ما يمكن ملاحظته أن الأوبئة كانت تتكرر
كل عشرة أعوام أو خمسة عشر عاما وأنها في بعض الأحيان استمرت لبضع سنوات
كما حدث خلال أعوام 1784-1798 كما مني القرن السابع عشر ( 17مـ) بانتشار
الأوبئة في مختلف جهات البلاد مدة حوالي 39سنة أما القرن الثامن عشر
(18مـ) فقد ظهرت أثناءه الأوبئة[44] طيلة السنوات التالية:
1700-1728-1732-1738-1740-1744-1749-1784-1785-1786-1793-1794-1797-1798-1799.
كما اشتدت حدة الأمراض و عمت
جميع أرجاء البلاد من 1804- إلى 1808 و من 1818 إلى 1822. وكان الطاعون
سنة 1740مـ، و دام ثلاث سنوات و قضى خلالها على 10000 نسمة ، و كان يهلك
في الشهر الأول ما بين 300 و 400 نسمة في اليوم.
كما أدى وباء 1786-1787م إلى هلاك 16721
نسمة بمدينة الجزائر فتناقص عدد سكانها إلى 50000 نسمة كما تسبب في موت
ثلثي سكان مدينة عنابة.
أما وباء عامي –1792 1798 فإنه
أضر بجميع الجهات لاسيما وهران والجزائر وقسنطينة. وفي سنتي 1817-1818
انتشر الوباء في الجزائر و قضى على أكثر من 14000[45].
و هكذا اصبح وباء الطاعون[46] من
مظاهر البيئة الجزائرية فتكرر ظهوره بها بإستمرار و قد كان مرتبطا بحركة
الأسطول الجزائري و إحتكاكه الدائم بموانئ المشرق التي كانـ مصدرا لمختلف
أوبئة الطاعون، حتى عدت الجزائر من مراكزه الدائمة و بيئاته المفضلة و هذا
ما عبر عنه "بنزاك" « Panzac » بقوله :وباء الطاعون من الظواهر المستمرة و
الدائمة في الجزائر العثمانية « La peste est une constante de l'Algérie
ottomane »[47].
لقد اصبحت عدوى الطاعون تنتقل بسرعة في
جميع جهات البلاد، و مسافة انتشاره قدرت بـحوالي 200 إلى 400 كلم سنويا
وقد يستغرق إنتقالها أحيانا أسابيع قليلة لإجتياح منطقة ما تبعا لشدته و
للكثافة السكانية في المنطقة التي تتعرض له[48].
و مع بداية القرن السابع عشر (17مـ) تميز
الطاعون بتواتره "للتكراري" إذ نعاقب بصورة مثيرة للدهشة، عانت خلالها
إيالة الجزائر من إجتياح المرض أكثر من إيالة تونس التي تضررت هي الأخرى
من جراء انتشار الأوبئة بنسبة 26 سنة معدية. بينما كان نصيب المغرب من
الطاعون فترة لا تتجاوز 12 سنة[49].
أما في القرن الثامن عشر (18مـ) فقد تكرر
وباء الطاعون و بلغ مجموع السنوات التي انتشر خلالها الطاعون أثناء هذا
القرن 63 سنة في مدينة الجزائر وحدها و قد توزعت كمايلي:
- سنوات 1717-1718-1723-1730-1731-1732
- سنوات 1738 إلى 1758، انتشرت إلى مناطق
بعيدة كالقالة و عنابة قدرت نسبة الوفيات في مدينة الجزائر، سنة 1740 ما
بين 200 و 400 وفاة يوميا.
- سنوات 1778 إلى 1804 ، انتشر وباء الطاعون في جميع الجهات و كان شديد الوطأة على السكان.
- 1805-1815، زاد في حدته حدوث المجاعات التي تعتبر أثارها الديمغرافية أخطر من بعض الحروب.
لقد كانت أوبئة القرنين السابع عشر (17مـ)
و الثامن عشر (18مـ) أكثر حدة و شدة من التي إجتاحت الجزائر أثناء القرن
السادس عشر (16مـ)، إذ تشير العديد من التقارير العسكرية و المراسلات
القنصلية إلى إستمرار "الوباء الفتاك" أو "الوباء الخطير جدا" [50]لفترات
متعاقبة تناهز الواحدة منها 15 إلى 20 سنة وتعقبها عادة فترة خمود لا
تتجاوز الست سنوات[51].
ب- الكوارث الطبيعية
1-الزلازل:
لقد رافق إشتداد الطاعون و إنتشاره بالقطر
الجزائري خلال العهد العثماني سلسلة من الهزات الأرضية العنيفة و الشديدة
و التي تسببت في تخريب وتحطيم بعض المدن، و اسفر عنها في أحيان كثيرة
خسائر في الأرواح و الممتلكات كزلزال مدينتي الجزائر و المدية سنة 1632، و
الذي قالت بشأنه بعض الروايات أنه أهلك جل سكان مدينة الجزائر، و زلزال
عام 1665 و الذي صاحبه خسوف الشمس وتأثرت به حتى السواحل الأوربية
بالإضافة إلى زلزال 1676 الذي دام عدة أشهر ، و تسبب في الثورة ضد الداي
الذي نقم عليه الأهالي و اتهموه بسوء الطالع[52].
أهم الزلازل:
لقد تعرضت السواحل الجزائرية إلى عدة زلازل عنيفة و قوية خلفت عددي القتلى و خسائر جسيمة فمنها.
1- زلزال 1716: الذي تخربت من جرائه مدن
شرشال و بجاية و مدينة الجزائر و تكررت نتيجة هزات إرتدادية طيلة ايام
الثالث (3) و الخامس (5) والسادس و العشرين (26) من شهر فبراير و قد هلك
من سكان الجزائر تحت الأنقاض ما لا يقل عن 20000 نسمة حسب بعض
المصادر[53].
نظرا لاشتداد حدة الزلازل اضطر الاهالي
للخروج إلى ضواحي المدن ومنها ضواحي مدينة الجزائر بعد أن تهدمت منازلهم،
مما جعل الداي يصر على معاقبة اللصوص، و القضاء على أعمال الفوضى التي
صاحبته هذه الزلازل ثم تكرر حدوث الزلازل بمدن مليانة و عنابة و الجزائر
أعوام 1723-1724 و تضررت شرشال من جراء زلازل 1735.
2-زلزال 1755:
يقال عنه زلزال لشبونة[54] و هو زلزال قوي
شمل الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط فلم يبق منزل لم يتأثر بحدثه في
مدينة الجزائر، و قد أدى هذا الزلزال إلى إنقطاع المياه و تهدم الخبايا، و
قد صاحبه ظهور الحرائق للبعض الأحياء و شيوع أعمال النهب و الفوضى لمدة
شهرين استمر فيها تكرر الهزات الإرتدادية الارضية.
3-زلزال 1760:
كسابقيه كان شديدا و عنيفا خرب مدينة
البليدة[55] و اضر ضررا بالغا بمدينة الجزائر الامر الذي أدى حدا بالسكان
إلى الإلتجاء إلى الحرائق و البساتين.
4-زلزال 1790:
حدث هذا الزلزال بوهران و كان دا فائدة على الجيش الجزائري الذي كان يحاصر المدينة تمهيدا لاسترجاعها من أيدي الإسبان[56].
5-زلازل 1818 و 1825:
تكررت الزلازل في الجزائر بحيث عمت أغلب
المدن الساحلية و المناطق القريبة من مدينة الجزائر، منها الزلازل الذي
ضرب الأطلس البليدي و أدى إلى هدم الدور و المساكن و خراب مدينة
البليدة[57] والذي استمرت هزات من 2 إلى 6 ماي 1825 و أدت إلى هلاك أكثر
من 7000 قتيل[58].
و قد تركت هذه الكوارث الطبيعية نتائج
سلبية على الوضع الديمغرافي للبلاد و على الحالة الصحية ، كما اثرت في
نفوس الأاهالي و أدت بهم إلى النقمة من الحكام و الثورة عليهم محملين
إياهم سب البلاوي و المأساة.
2- الفيضانات و الحرائق:
اعتبرت الفياضانات و الحرائق من أهم
الآفات و الكوراث التي أضرت بالجزائر خلال العهد العثماني، بحيث تسببت في
حدوث مجاعات و إختفاء الأقوات وموت الكثير من السكان.
لقد اعتاد الناس حدوث المجاعات إثر سنوات
القحط و الجفاف و في أعقاب زحف الجراد الأمر الذي كان يؤدي إلى إنتشار
الأمراض و تكاثر الأوبئة .
و من الفيضانات التي عرفتها الجزائر خلال
فترة الدراسة تلك التي تميزت بفداحة خطرها و ذلك خلال سنوات
1727-1731-1733-1734-1736-1740-1753-1755-1757-1791-1812-1816[59].
نتيجة لهذا تضررت أوضاع الجزائر
الإقتصادية و مما زاد في الطين بلة سوء تصرف الحكام و إنعدام الأمن و شيوع
الإصطراب الذي إرتبط بظهور الأمراض الفتاكة والحوادث الطبيعية المدمرة،
الأمر الذي أدى إلى تشتت و هلاك كثير من سكان الجزائر و إشتداد الضائقة
الإقتصادية بفعل غلاء الأاسعار وشح الأقوات و إتلاف المزروعات[60] و بذلك
تناقص عدد سكان و بقيت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية غير مستغلة و
تحول جزء من هذه الملكيات إلى مؤسسة الأوقاف[61].

3- الجراد و الجفاف:
مع الزلازل و الفيضانات عرفت الجزائر آفات
أخرى تمثلت في غزو الجراد و إ،تشار الجفاف مما أضر أيما ضرر بالجزائر
إبان العهد العثماني إجتماعيا و صحيا و إقتصاديا وتسبب في إختفاء الأقوات و
هلاك كثير من السكان .
أما سنوات زحف الجراد فمن أكثرها ضرر خلال أعوام فترة الدراسة 1710-1716-1724-1725-1760-1778-1779-1780.
وأما السنوات التي عرفت فيها البلاد
إنتشار الجفاف فكانت في الفترات الممتدة من 1734 إلى 1737 و من عام 1778
إلى 1779 و كذلك سنة 1800 وأعوام 1800-1807-1816-1819[62].
4- المجاعات:
عرفت الجزائر خلال العهد العثماني عدة
مجاعات كان أثرها وخيما على الوضع الإجتماعي و الصحي و الإقتصادي للبلاد
منها مجاعة 1778 و 1779م والتي قيل عنها أن الناس كانوا يموتون بالمئات في
شوارع مدينتي الجزائر و قسنطينة[63] و كذلك الشأن بالنسبة لمجاعة 1787 و
1789م التي كان من أسبابها الجراد مع الوباء و كذلك أيضا يمكن الاشارة إلى
مجاعة 1794 التي اتسمت فيها الأوضاع بالتردي والفوضى و غلاء الأسعار و
غياب الأقوات[64].
و يـذكر عبد الرحمن الجيلالي أن الـجزائر
ما كـادت تنتهي و تـستريح من ويـلات الحرب المحزنة حتى فـاجـاها الجدب
والـقحط بكامل الـبلاد وأصبحت تعاني من أزمة مجاعة حادة و خانقة ارتفعت
فيها الأسعار و غلا المعاش غلاءا فاحشا، حتى بلغ يومئد سعر الصاع الجزائري
و هو ما يزن 34 كيلو تقريبا من البر فمات الناس جوعا و استمر للحال على
ذلك بضع سنين و كان محمد الكبير باي وهران يأتي بالقمح من بلاد أوربا و
يوزعه على الأهالي مجانا، و أعفى المزارعين و الفلاحين من دفع الضرائب و
الخراج عن أراضيهم[65].
جـ-الوضع البشري:
فيما يخص الإحصائيات مجموع سكان الجزائر
يلاحظ اختلاف ملحوظ عند المؤلفين و المتخصصين بهذا المجال و بخاصة من حيث
العدد و الكثافة و هذا يعود إلى الأوضاع الصحية و الأحوال المعاشية و
الظروف الطبيعية.
و الظاهر أن التعداد الإجمالي لسكان
الإيالة الجزائرية كان يبلغ في نهاية الحكم العثماني حوالي ثلاثة ملايين
نسمة إذا أخذنا بعين الإعتبار كل الإحتمالات الواردة و التقديرات
الإعتباطية أو الإحصاءات المفرطة و استبعدنا قول حمدان خوجة بأن سكان
الجزائر كان يبلغ العشرة ملايين نسمة (10 م ن)[66].
و اذا اعتبرنا الوضع الديمغرافي للمدن
الجزائرية خلال العهد العثماني استطعنا الوقوف على تعداد سكان مدينة
الجزائر الذي كان يتراوح حسب ما أورده "شاو" Show » بالنسبة سنة 1724 ما
بين 40.000 و 180.000 .
أما تقديرات "فنتور دوبارادي" « Venture
de paradis » لسنة 1789م فلم تتجاوز الخمسين ألف نسمة و مع نهاية العهد
العثماني لم يكن يتجاوز عدد سكان مدينة الجزائر خمسة و ثلاثين ألف
نسمة[67] و رغم ما يلاحظ من التناقص والإنكماش الذي أصبحت عليه مدينة
الجزائر فإن كل الإحصائيات تؤكد أنها كانت في طليعة المدن و بعد هذا الجرد
يمكننا التعرف على الخارطة السكانية للجزائر خلال فترة الدراسة.
إن البنية الإجتماعية للمجتمع الجزائري كانت تتميز بنوعيتها القبلية خارج المراكز الحضرية و تنوعيتها الطائفية داخلها. أهمها:
1- الأتراك: كان عددهم غداة الإحتلال الفرنسي يتراوح بين حوالي عشرة آلاف و ثلاثين ألف نسمة من الأصليين و المندمجين[68].
2- الكراغلة: هم المنحدرون من آباء أتراك
أصلا بالمهنة من الإنكشاريين و الراس و أمهات جزائيات في "حالة الجزائر" و
كان عددهم يبلغ خمسة آلاف نسمة عام 1808 حسب تقديرات بوتان (Boutin) و
أكثر من 16000 نسمة مقابل 14000 نسمة تركيا بمدينة الجزائر في القرن
الثامن عشر (18مـ).
3- البرانية و الدخلاء:هم الأهالي للحديثو الإستيطان بالمدن[69].
4- الحضر أو البلدية:يتكونون أساسا من
الموريسكيين الأندلسيين الذين فروا من الإضطهاد والإبادة الجماعية (محاكم
التفتيش) بالإضافة إلى بقية الأهالي من المستوطنين القدماء في هذه المدن.
5- اليهود:هم الذين كانوا موجودين بكثرة
في قطاع التجارة و في مختلف القطاعات السياسية للمتعاقبة على رقم قلتهم و
قد جاء بعضهم من أوربا في القرن الثامن عشر (18مـ) و استوطنوا مدينة
الجزائر كما ارتفع عددهم نسبيا مع هجرة الموريسكيين طمعا في حماية
المسلمين لهم و بخاصة في مدينتي الجزائر و قسنطينة التي بلغ عددهم فيها
قرابة عشر سكانها.
هذا بالإضافة إلى أقليات مسيحية أوربية
(فرنسيين، مالطيين، إيطاليين ، إسبان..) و كان مجموع هذه الفئات لا يمثل
حسب بعض المصادر أزيد من 6 بالمئة في أحسن الأحوال من مجموع سكان الجزائر،
أما خارج المدن و الحواضر الكبرى، فكان عمق الجزائر و سوادها عبارة عن
أرياف ذات بنية قبلية تمثل حوالي 94 بالمئة الباقية[70].
و عليه فيمكن تصنيف سكان الريف في الجزائر إبان العهد العثماني تبعا لعلاقاتهم بالحكم البيلكي إلى الأنواع القبلية التالية:
1- قبائل الرعية: تسود فيما كان يسمى بـ "الأوطان" و هي مناطق محيطة بالمدن خاضعة للبايلك
2- قبائل المخزن: هي قبائل أعوان للسلطة في إخضاع قبائل الرعية تمثل دورها في جمع الضرائب، و كان بعض قادتها أتراكا[71].
3- القبائل الاحلاف: هي القبائل التي كانت
تتبادل الخدمات و المصالح مع السلطة و كانت موجودة أساسا بين قبائل
الرعية و القبائل المستقلة مشكلة مناطق عازلة و أحزمة وقائية للسلطة.
4- القبائل المستقلة: كانت موجودة أساس
بالمناطق الجبلية[72] (الظهرة، الونشريس، قسنطينة) وبشمال الصحراء و هي
مناطق يقع معظمها في شرق الجزائر و بخاصة منه ما كان يعرف ببايلك
الشرق.[73]
[img]
تكبير الصورة تم تعديل ابعاد هذه الصورة. انقر هنا لمعاينتها بأبعادها الأصلية.

[/img]





الهوامش والمراجع:
[1] د. محمد مكحلي، تاريخ و مكان الميلاد: 28/09/1961 بسيدي بلعباس.
أستاذ محاضر في قسم التاريخ- كلية الآداب والعلوم الإنسانية- جامعة
الجيلالي اليابس- سيدي بلعباس- الجزائر. حاصل على شهادة الليسانس تاريخ،
وشهادة الدراسات المعمقة تاريخ، وشهادة الماجستير أنثروبولوجيا إجتماعية
وثقافية، وشهادة دكتوراه تاريخ حديث ومعاصر. بالإضافة إلى شهادة دكتوراه
انتروبولوجيا في طريق المناقشة. عضو في مخبر للبحث في التاريخ المحلي
للغرب الجزائري. المشاركة في العديد من الملتقيات والندوات الفكرية في
الداخل والخارج.
[2] البوعبدلي المهدي: الجزائر في التاريخ (العهد العثماني) ، وزارة الثقافة 1984.
راجع شوفاليه كورين الثلاثون سنة الأولى لقيام دولة مدينة الجزائر 1510-1541 تر جمال حمادنة د م ج الجزائر 19991 ص ص 20-24-27.
[3] شوفاليه كورين ، المرجع السابق

ينظر MZALI Mohamed: les beys de tunis et le roi des français M.T.E et S.N.E.D 1976.
[4] قيرة إسماعيل، غربي علي: دليو فضيل، فيلالي صالح: مستقبل الديمقراطية
في الجزائر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ، يناير 2002 ص 53.
ينظر سعيدني ناصر الدين، النظام المالي للجزائر خلال العهد العثماني م و ك 1986.
ينظر أيضا سعيدوني ناصر الدين، دراسات في الملكية العقارية م و ك 1984.
[5] فرنسا، بريطانيا، الولايات المتحدة إلخ......
[6] زمام نور الدين: السلطة الحاكمة و الخيارات التنموية بالمجتمع الجزائري 1962-1998 دار الكتاب العربي 2002
ص 16
[7] زمام نور الدين، المرجع السابق، ص 18..
[8] نفسه ص 18.
عند دراسته للملكية العقارية في منطقة القبائل انتهى كارل ماركس بقوله "
لا زال في الجزائر بعد الهند أقوى أثار الشكل القديم للملكية في الأرض حيث
تمثل العشيرة و الملكية الموحدة للعائلة ، هنا الأنواع السائدة في ملكية
الأرض"، زمام نور الدين ص 18. ينظر سعيدوني ناصر الدين ، دراسات في
الملكية العقارية م و ك الجزاء 1986.
[9] زمام نور الدين: المرجع السابق ص19.
[10] سعيدوني ناصر الدين: دراسات في الملكية العقارية ص 27.
[11] المرجع السابق.
[12] نفسه ص 28.
[13] نفسه ص 32.
[14] نفسه.
ينظر سعيدوني ناصر الدين، النظام العالي للجزائر و العهد العثماني م و ك 1986
ينظر أيضا الجيلالي عبد الرحمن بن محمد، تاريخ الجزائر العام د م ج ج3 ، 1982.
ينظر القشاعي موساوي فلة، النظام الضريبي بالريف القسنطيني أواخر العهد
العثماني (1771-1837) ، رسالة ماجستير في التاريخ الحديث و المعاصر معهد
التاريخ ، جامعة الجزائر 1991.
[15] سعيدوني ناصر الدين، المرجع السابق ص 36.
[16] نفسه
ينظر العنتري محمد صالح: سنين القحط و المسخبة ببلاد قسنطينة مخطوط رقم 2330 المكتبة الوطنية .
[17] 1805-1817:هم مصطفى باشا،1805:أحمد باشا،1808:الغسال،1809:الحاج علي باشا،1809:محمد باشا،1814:عمر آغا،1817
ينظر أيضا بلح

https://karim123k.yoo7.com/t843-topic









رد مع اقتباس
قديم 2011-12-10, 11:48   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة jenanjnn86 مشاهدة المشاركة
السلام عليكم أنا طالبة ثانية ماستر تاريخ عنوان مذكرتي الحياة الاجتماعية للجزائر خلال العهد العثماني ارجو مساعدتي
https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=28081


https://chafik-sniper.ibda3.org/t840-topic









رد مع اقتباس
قديم 2011-12-10, 19:36   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
الفاكر
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية الفاكر
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

لو سمحتي اختي عندي بحث حول الفيس بوك .لم اعرف العناصر والنقاط التي اطرق اليها في هذا البحث من فضلك ساعديني
ولا تنسي بحثي حول النظرية التطورية للانسان










رد مع اقتباس
قديم 2011-12-17, 14:39   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفاكر مشاهدة المشاركة
لو سمحتي اختي عندي بحث حول الفيس بوك .لم اعرف العناصر والنقاط التي اطرق اليها في هذا البحث من فضلك ساعديني
ولا تنسي بحثي حول النظرية التطورية للانسان

{{ما ودعك ربك وما قلى}}

معلوماتي

الاسم: صالحة الدماري
البلد: ليبيا
التصنيفات : عام





أحدث الإدراجات
ليلة باردة
الاثار الاجتماعية للانتر ...
الإتصال الدولي والتكنولو ...
الاثار الاجتماعية للهاتف ...
محاضرة بعنوان وسائل الات ...
دعوة للصفاء
صوتها
البث المباشر
ذاك العالم
دراسة عن الفيس بوك ...
المزيد

روابط
مكتوب
أخبار مكتوب
الصحف والجرائد
تفسير الاحلام
سؤال و جواب
الأرشيف
يناير 2011
نوفمبر 2010
أكتوبر 2010
يونيو 2010
مايو 2010
تصنيفات
غير مصنف
محاضرات
كتب
كتاباتي
صفحات
سيرة ذاتية

عدد الزائرين
11994



دراسة عن الفيس بوك

كتبهاصالحة الدماري ، في 29 مايو 2010 الساعة: 11:09 ص



بحث بعنوان
الطـــــلاب والشبكـــات الإجتــماعيـــــة
دراسة ميدانية في استخدامات واشباعات طلاب كلية الفنون والإعلام للفيس بوك كشبكة إجتماعية


المقدمة




الانترنت هو احدتقنيات العصر و وسائل الإتصال الحديثة فلقد جعل من العالم قرية صغيرة فهو ساحة مفتوحة في متناول الجميع للبحث عن المعلومة عن طريق محركات البحث والتواصل بين البشرعن طريق الشبكات الإجتماعية على إختلاف الاعمار والطبقات والأجناس ،فاستخدمه الكل الطالب، الاستاذ ،الطفل ، المراهق الباحث ،العالم، الكل إستخدمه ولكن في ماذا إستخدمه الكل وماالذي حققه لهم؟ للاجابة على هذا السؤال أخترت أن أقوم بهذه الدراسة البحثية .
"إستخدامات جمهور طلاب جامعة الفاتح للشبكات الاجتماعية "الفيس بوك" والإشباعات المتحققة لهم جراء إستخدامهم لذلك" ، وإنطلاقا من فروض نظرية الإستخدام التي جاءت لمعرفة ماذا يفعل الناس بالاعلام
هذه النظرية التي جاءت على انقاض نظرية التاثير القوي لوسائل الاعلام وكان هدفها هو استبدال السؤال الذي كان يبحث عن ماذا تفعل وسائل الاعلام بالجمهور لتبجث هي بدورها عن اجابة سؤال اخر وهو ماذا يفعل الجمهور بوسائل الاعلام .
ويبدو من هذا المفهوم الجديد التي جاءت به هذه النظرية لدور الجمهور المستخدم ،في ظل إنتشار تكنولوجيات الاتصال الحديثة بصفة عامة والشبكات الاجتماعية كمظهر منتشر بشكل واسع ،من خصائص استثنائية تمنح من خلالها للمتلقي حيز كبير للتفاعل مع محتواها وبل المشاركة في صنع المحتوى .















مشكلة البحث

ومن المنطلق التي جاءت به نظرية الاستخدام ةالاشباع حاولت ومن خلال هذه الدراسة معرفة عادات الاستخدام ومعرفة الاشباعات المتحققة من جراء استخدام هذه الوسيلة .لتتمحور الدراسة لاجابة على السؤال الأتي .
س - مالإشباعات المتحققة لطلاب كلية الفنون والإعلام جراء إستخدامهم للفيس بوك؟

أهداف البحث .

1- إيضاح مدى مساهمة الفيس بوك كشبكة إجتماعية في التعاون بين الطلبة .
2- معرفة صورة الفيس بوك عند الطلبة .
3- إنعكاس مدى ما تقدمه التقنية على مستخدميها .

أهمية البحث

1- تعزيز الصورة الحسنة عن التقنية والتكنولوجيا
2- إيجاد نوع من التأثيرعلى الشرائح المستهدفة
3- تحديد مدى مساهمة التقنية في ترسيخ الصورة الحسنة للشبكات الإجتماعية

منهج البحث

إستخدمت المنهج الوصقي التحليلي من خلال وصف الظاهرة وتحليل إستمارة الإستبيان

تساؤلات البحث

تهدف هذه الدراسة الى الاجابة عن هذه التساؤلات وهي من حيث الاستخدامات والاشباعات:ـ
1 ـ ماهي عادات الطلبة في استخدام الفيس بوك ؟
2- ماهي الإشباعات المحققة لجمهور الطلبة من خلال استخدامهم لهذه الشبكة الاجتماعية ؟

مجتمع البحث
وللاحاطة بهذا الموضوع قمت بدراسة على عينة من طلبة جامعة الفاتح كلية الفنون والاعلام المستخدمين للفيس بوك كشبكة إجتماعية

حدود البحث
الحدود الزمانية
استغرقت الدراسة وقتاً قصيراً نوعا ما من بداية شهر الطير الى نهاية شهر الماء

الحدود الموضعية
الدراسة تبحث في موضوع الاشباعات المتحقققة من جراء استخدام طلبة كلية الفنون والاعلام للشبكات الاجتماعية "الفيس بوك"

الحدود المكانية
اخترت لاجراء الدراسةطلبة كلية الفنون والاعلام المستخدميين للفيس بوك .


ولكن …
قبل الحديث والبحث عن اجابة هذه التساؤلات موضوع الدراسة ساتحدث عن الفيس بوك كبدايات وكشبكة اجتماعية وعن نظرية الإستخدام والإشباع ،


















الفيس بوك

بدأت الشبكات الإجتماعية في الظهور في أواخر التسعينات عام 1995 للربط بين زملاء الدراسة ،لتوفر هذه الشبكات مجموعة من الخدمات واستمرت موجة هذه الشبكات في الظهور على مدى السنوات-1999 -2002ـ 2005في هذا العام حيث تم افتتاح الموقع وعلى يد mark zuckerberg وهو طالب في جامعة هارفرد، وقد كان هدفه إقامة شبكة تضم طلبة الجامعة في موقع واحد ونفد الفكرة مع مجموعة من زملائه في قسم علوم الحاسوب من فكرة موقع فيس ماش التابع لجامعة هارفرد سنة 2003 واستخدم هذا الموقع صور بعض الطلبة واتهم بهذا كمخترق للخصوصية ،ولكن بعد اسبوعان فقط قام مارك بافتتاح الموقع ،قامت بعدها الشركة بشراء نطاق على الشبكة ،وفي سنة 2005 فتح الفيس بوك امام اي شخص بالغ من العمر ثلاث عشر عاما .

مما يتكون الفيس بوك ؟

يتكون الفيس بوك من مجموعات تتألف من أعضاء وتصنف على أساس الإقليم والمكان العمل الجامعة و بإمكان المشترك الجديد أن يختار أحد تلك التصنيفات أو المجموعة ثم يبدأ بالتصفح وإختيار ما يناسبه ويكفي أن تكتب البريد الإلكتروني أو اسم أحد أصدقائك في المكان المخصص للبحث ولو كــان مشترك على الفيس بــــوك ستجده وتتواصل معه

خصائص الفيس بوك

يتميز الفيس بوك كشبكة إجتماعية بعدة خصائص وأهمها :ــ

1ـ خاصية Wall أو لوحة الحائط وهي عبارة عن مساحة متخصصة في صفحة الملف الشخصي لأي مستخدم بحيث تتيح للأصدقاء إرسال الرسائل إلى هذا المستخدم أو الكتابة على حائط المستخدم .

2ـ خاصية Pokes أو نكزة "غمزة" تتيح إرسال نكزة إفتراضية لإثارة الإنتباه إلى بعضهم البعض وهي عبارة عن إشهار يخطر المستخدم بأن أحد الأصدقاء يقوم بالترحيب به .






3- خاصية Status أوالحالة تتيح إمكانية إبلاغ أصدقائهم بأماكنهم وما يقومون به من أعمال قي الوقت الحالي .


4-Notes أو التعليقات وهي سمة متعلقة بالتدوين تسمح بإظافة العلامات والصور التي يمكن تضمينها وقد تمكن المستخدمون من جلب أو ربط المدونات .
هذا بالأظافة الى خدمات الرسائل والدردشة وارسال الهدايا الافتراضية

كما إن الفيس بوك توفر مساحة اعلانية للبيع والشراء الخاصة بأعضاء و وفقا لما ذكرته شركة "كومسكور"وهي شركة متخصصة بالتسويق على الانترنت فإن الفيس بوك يقوم بتجميع قدر من البيانات من خلال رواده يضاهي ما يتوفر من بيانات لدى جوجل،ومايكروسوفت .
إن لهذه الشبكة العديد من الخدمات التي يستخدمها المستخدم والتي تحقق له العديد من الاشباعات وللوقوف ومعرفة هذه الخدمات وزعت الاستبيان على طلبة الجامعة وخرجت بعدة نتائج .




















نظرية الإستخدام والإشباع

النشأة ـــ مراحل التطور:
قُدم هذا المدخل للمرة الأولى في عام 1959 حينما تحدث عالم الاتصال المعروف Katz عن ضرورة تغيير الخط الذي تسير فيه بحوث الاتصال، والتركيز على كيفية تعامل الناس مع وسائل الإعلام بدلاً من الحديث عن تأثيراتها على الجمهور
، واقترح على الباحثين ضرورة التحول إلى دراسة المتغيرات التي تلعب دوراً وسيطاً في هذا التأثير من خلال البحث عن إجابة السؤال: ماذا يفعل الجمهور مع وسائل الإعلام؟
وكان الظهور الفعلي لمنظور "الاستخدامات والإشباعات" عام 1944 في المقال الذي كتبته عالمة الاجتماع الامريكية Harzog بعنوان "دوافع الاستماع للمسلسل اليومي وإشباعاته" وتوصلت من خلال المقابلات التي أجرتها مع مائة من المستمعات للمسلسل النهاري الذي يقدمه الراديو إلى وجود إشباعات أساسية للاستماع إلى هذه النوعية من المسلسلات.
وتواصلت الجهود البحثية في هذا الميدان الجديد حتى وصلت إلى حالة من النضج تبلورت من خلالها عناصر هذه النظرية الجديدة وأهدافها وفروضها ليصبح لها فيما بعد تأثير كبير في أولويات بحوث الإعلام في العالم لسنوات عدة
جوهر النظرية:

تعني نظرية الاستخدامات والإشباعات في الأساس بجمهور الوسيلة الإعلامية التي تشبع رغباته وتلبي حاجته الكامنة في داخله. ومعنى ذلك أن الجمهور ليس سلبياً يقبل كل ما تعرضه عليه وسائل الإعلام، بل يمتلك غاية محددة من تعرضه يسعى إلى تحقيقها. فأعضاء الجمهور هنا بدرجة ما باحثون نشطون عن المضمون الذي يبدو أكثر إشباعاً لهم، وكلما كان مضمون معين قادراً على تلبية احتياجات الأفراد كلما زادت نسبة اختيارهم له

وكما يرى محمد عبد الحميد فإن أحد المظاهر الأساسية لجمهور المتلقين أنه لا يعتبر مجرد متلقي يتعرض ويتأثر بعد ذلك بالرسالة، لكنه طرف فاعل ونشط في هذه العملية، لذلك فهو يقوم بدور بمجرد اشتراكه فيها كمظهر للذات الاجتماعية، وكطرف في هذه العملية يسهم في حركتها واستمرارها. ومن هنا يأتي الدور النقدي الذي يقوم به كل عضو من أعضاء الجمهور فيما يتعلق بعناصر العملية كلها. والدور النقدي هو الذي يؤثر في استمرار عملية التعرض، أو الانسحاب منها بناءاً على الممارسة التي يقوم بها العضو كطرف في العملية الإعلامية.
فمن خلال تأثير الحاجات والدوافع والأطر المرجعية يبدأ الفرد بصفته قارئاً أو مشاهداً أو مستمعاً في تقويم ما يحصل عليه من معلومات وتقويم مصدر هذه المعلومات حتى يطمئن إلى تأمين حاجاته من التعرض متأثراً في ذلك بالعوامل الوسيطة في عملية التعرض
فروض النظرية:
وضع كاتز وزملاؤه من علماء الاتصال خمسة فروض رئيسية تتعلق بكيفية استخدام الأفراد لوسائل الاتصال والإشباعات التي يسعون إلى تحقيقها من وراء هذا الاستخدام. وقد نقل عن كاتز عدد كبير من علماء الاتصال العرب والأجانب هذه الفروض دون إضافة وهي:
1-إن أعضاء الجمهور مشاركون فعالون في عملية الاتصال الجماهيري، ويستخدمون وسائل الاتصال لتحقيق أهداف مقصودة تلبي توقعاتهم.
2-يعبر استخدام وسائل الاتصال عن الحاجات التي يدركها أعضاء الجمهور، ويتحكم في ذلك عوامل الفروق الفردية.
3-إن أعضاء الجمهور هم الذين يختارون الرسائل والمضمون الذي يشبع حاجاتهم، وأن وسائل الإعلام تتنافس مع مصادر الإشباع الأخرى في تلبية هذه الحاجات.
4-إن أفراد الجمهور لديهم القدرة على تحديد دوافع تعرضهم وحاجاتهم التي يسعون إلى تلبيتها، لذا فهم يختارون الوسائل المناسبة لإشباع هذه الحاجات.
5-يمكن الاستدلال على المعايير الثقافية السائدة في المجتمع من خلال استخدام الجمهور لوسائل الاتصال، وليس من خلال محتواها فقط.

وتسعى نظرية الاستخدامات والإشباعات من خلال الفروض السابقة إلى تحقيق الأهداف التالية:
1-الكشف عن كيفية استخدام الأفراد لوسائل الإعلام.
2-الكشف عن دوافع الاستخدام لوسيلة معينة.
3-الفهم العميق لعملية الاتصال من خلال النتائج التي يتم التوصل إليها
4-الكشف عن "الإشباعات المطلوبة" التي يسعى الفرد إلى تلبيتها من خلال استخدامه لوسائل الاتصال "والإشباعات المختلفة" من وراء هذا الاستخدام.
5-الكشف عن العلاقات المتبادلة بين "دوافع الاستخدام" و "أنماط التعرض" لوسائل الاتصال والإشباعات الناتجة عن ذلك.
6-معرفة دور المتغيرات الوسيطة من حيث مدى تأثيرها في كل من استخدامات الوسائل وإشباعاتها.
وبشكل عام يمكن وصف علاقات الجمهور بوسائل الإعلام بأنها علاقات ذات طبيعة "حدثية" إن صح التعبير، بمعنى أنها تخضع ويتحكم فيها حدث ما له أهمية بحيث يفرض على الجمهور متابعته وبشدة من خلال وسيلة ما هي الأكثر إشباعاً لحاجته في معرفة تفاصيل حول هذا الحدث عن غيرها من باقي الوسائل. "أي أن الفرد يكون نظام وسائل الإعلام الخاصة به، والذي يخدم أهدافه في الظروف الطارئة أو في الأزمات بصورة أفضل والتي يعتبرها أكثر أهمية في هذا الوقت، وعندما ينتهي فإنه يعود إلى نظم وسائل الإعلام اليومية




تحليل الدراسة الميدانية
الجدول رقم 1


الجنس
التكرار
النسبة
ذكر
10
50%
انثى
10
50%
المجموع
20
100%

يوضح الجدول رقم واحد العينة المبحوثة التي تمثلت بالتساوي 50%للذكور ومثله للانات وهذا يوضح إن هناك تساوي بين المستخدمين لذكور والانات خاصة إن هذا التساوي جاء بالمصادفة ودون قصد في أن يتساوى أفراد العينة المبحوثة .


الجدول رقم 2


كيف سمعت عن هذه الشبكة الاجتماعية
التكرار
النسبة
من أحد الأصدقاء
16
80%
إعلان في الإنترنت
4
20%
مصادفة
ــ
ــ
أخرى تذكر
ــ
ــ
المجموع
20
100%


يوضح الجدول رقم 2 الكيفية التي سمع بها أفراد العينة عن الفيس بوك كشبكة إجتماعية ،حيث جاء ما نيبته 80% سمعوا به عن طريق اصدقاء لهم في حين إن 20%سمعوا عن الفيس بوك عن طريق إعلان في الإنترنت ،وهذه النسبة توضح دور الأصدقاء بل ومدى الحديث بين الأصدقاء عن التقنيات الحديثة ومواكبة التطور.






الجدول رقم 3

ماهي أسباب إستخدامك للفيس بوك
التكرار
النسبة
لقضاء وقت الفراغ
4
20%
للتسلية
4
20%
بحثاً عن الثقافة
ــ
ــ
لاكتساب معارف وخبرات
8
40%
بحثاً عن اصدقاء
4
20%
المجموع
20
100%

يوضح الجدول رقم 3 الأسباب التي دفعت العينة المبحوثة لاستخدام الفيس بوك حيث جاء من يستخدمه لاكتساب المعارف والخبرات أعلى نسبة 40% وتساوت نسبة من يستخدمونه للبحث عن اصدقاء والثقافة وقضاء وقت الفراغ بنسبة 20% في حين لم تمثل من يستخدمونه للتسلية بشي وهذا مؤشر على إستخدام جيد وايجابي للتقنية .


الجدول رقم 4

هل تدخل في مجموعات مع زملائك على الفيس بوك وتتحدث معهم
التكرار
النسبة
نعم
20
100%
لا
ــ
ــ
المجموع
20
100%

يوضح الجدول رقم 4 ان العينة المبحوثة "الطلاب "يدخلون في مجموعات مع زملاء الدراسة وهذا ايضاً شي إيجابي يحسب للتقنية كإستخدام إيجابي .










الجدول رقم 5

اذا كانت اجابتك بنعم فعن ماذا تتحدث مع زملاؤك
التكرار
النسبة
في المنهج الدراسي
4
20%
تتناقش في المحاضرات اليومية
2
10%
مواضيع إجتماعية
10
50%
أخرى تذكر
4
20%
المجموع
20
100%

يوضح الجدول رقم 5 الحديث التي يخوضونه أثناء دخولهم في مجموعات حيث جاء الّذين يتحدثون في مواضيع إجتماعية ما نسبته 50%والمنهج الدراسي ومواضيع اخرى كالسياسة و الفن والثقافة ثانياًبنسبة 20% وجاء نسبة 10% من يستخدمون المجموعات للنقاش حول المحاضرات اليومية .

الجدول رقم 6

ماذا حقق لك الفيس بوك ولم تحققه الشبكات الإجتماعية الأخرى
التكرار
النسبة
التواصل مع جماعات ذات إهتمام مشترك
6
30%
الإلتقاء بالاصدقاء القدامى
8
40%
تعمق أكثر ومعرفة بالعالم
6
30%
أخرى تذكر
ــ
ــ
المجموع
20
100%

يوضح الجدول رقم 6 الاشياء التي حققها الفيس بوك كشبكة اجتماعية ولم تحققها شبكات اجتماعية اخرى حيث جاءت الذين يحقق لهم الالتقاء بالاصدقاء القدامى ما نسبته 40% ومن تحقق لهم التواصل مع جماعات ذات اهتمام مشترك وتعمق اكثر ومعرفة بالعالم بنسبة 30% وهذا التوضيح يبين الدور الفعال الذي يلعبه الفيس بوك كشبكة اجتماعية في تحقيق الكثير من الإشباعات .






الجدول رقم 7

مالمضار التي تعترضك أثناء إستخدامك للفيس بوك
التكرار
النسبة
شيوع الرذيلة
ــ
ــ
يشغل عن القراءة
10
50%
يؤدي الى الكسل والتراخي
6
30%
جميعها
4
20%
المجموع
20
100%

يوضح الجدول رقم 7 يوضح المضار التي تعترض أفراد العينة جراء استخدامهم للفيس بوك حيث وضح مانسبته 50% واكدوا ان كثرة استخدامهم للفيس بوك كشبكة اجتماعية يشغلهم الفيس عن الدراسة والذين اجابوا انه يؤدي بهم الى التكاسل والتراخي بنسبة 30% والذين اجابوا بانه يؤدي الى جميعها من شيوع رذيلة والكسل وانشغالهم عن القراءة بنسبة 20%و هذا يوضح ان هناك نوع من الإستخدام السلبي لهذه الشبكة الاجتماعية .
























نتائج الدراسة


نتائج الدراسة من حيث الإستخدام

1- إن الفيس بوك كشبكة إجتماعية يستخدم من معظم الطلبة وهم من يخبرون بعض عنه .
2- إن السبب الرئيسي لاستخدام الطلبة للفيس بوك هو اكتساب معارف وتعمق اكثر بالعالم والتواصل مع اناس ذذائ اهتمام مشترك .
3- اجمع كل الطلبة ان الاستخدام المفرط للفيس بوك يؤدي الى الإنشغال عن القراءة ويؤدئ الى الكسل والتراخي .

امالنتائج من حيث الاشباعات
1- ان الفيس بوك كشبكة اجتماعية يشبع الطلبة معرفيا ويزود الطلبة بمعرفة متعمقة بالعالم
2- وايضا للفيس بوك اشباع اجتماعي حيث انه يخلق جو اجتماعي وتواصل بين الزملاء حتى في اوقات العطلات .
3- وللفيس بوك اشباع فكري حيث انه طرح افكار جديدة للتواصل بين الطلبة ويناقشون مع بعض مناهج الدراسة والمحاضرات واكتشافهم طرق افضل لمراجعة الدروس .


















التوصياات والقترحات

من خلال الدراسة وتحليلها والنتائج التي خرجت بها الدراسة فإن الباحثة توصئ بما يلي
1- إنشاء مجموعة خاصة ع الفيس بوك بين الطلبة في الجامعة الاساتذة لتطون حلقة وصل وطريقة افضل لتناقش مع الطلبة وخاصة ان الفيس بوك يفتح مجالا اكثر جرءة امام الطالب .
2- الاستخدام الامثل للفيس بوك وعدم الافراط في استخدامه لكي لا يؤدي الى نتائج سلبية .
3- باعتبار الفيس بوك شبكة اجتماعية تعمق المعرفة فبالامكان انشاء مجموعة توصل الصورة الايجابية عن الجامعة

https://alola.maktoobblog.com/29/%D8%...8%D9%88%D9%83/









رد مع اقتباس
قديم 2011-12-17, 14:52   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفاكر مشاهدة المشاركة
لو سمحتي اختي عندي بحث حول الفيس بوك .لم اعرف العناصر والنقاط التي اطرق اليها في هذا البحث من فضلك ساعديني
ولا تنسي بحثي حول النظرية التطورية للانسان
نظرية التطور
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
من سلسلة مقالات علم الأحياء
نظرية التطور

مواضيع رئيسية
التطور
سلف مشترك
أدلة السلف المشترك
آليات و عمليات
تكيف
انحراف وراثي
انسياب المورثات
طفرة
اصطفاء
انتواع
تشعب تطوري
تشعب تكيفي
أبحاث و تاريخ
براهين و إثباتات
تاريخ
داروين•كتابه
اصطناع حديث
التأثير الاجتماعي
تطور علم الأحياء التطوري
علم الوراثة البيئي
تطوري تنموي (إيفو-ديفو)
تطور الإنسان
تطور جزيئي
علم الوراثة العرقي
علم الوراثة المجموعي
بوابة علم الأحياء ·ع · ن · ت
التطور في علم الأحياء هو عملية التغير على مر الزمان في خلة (en) موروثة أو أكثر في تجمعات الأفراد[1]. يمكن أن يؤدي التطور في النهاية إلى تغيير كافة مواصفات النوع قيد التطور مما يؤدي إلى نشوء نوع جديد من الكائنات الحية. مصطلح التطور العضوي organic evolution أو التطور البيولوجي يستخدم غالبا لتفريق هذا المصطلح عن استعمالات أخرى.
بدأ تطور نظرية التطور الحديثة بإدخال مصطلح الاصطفاء الطبيعي في مقالة مشتركة لتشارلز داروين وألفرد راسل والاس. من ثم حققت النظرية شعبية واسعة بعد الإقبال على قراءة كتاب داروين أصل الأنواع.
كانت نظريةداروين ووالاس الأساسية ان التطور يحدث وفق ميزة قابلة للتوريث تؤدي إلى زيادة فرصة بعض الأفراد الحاملين لهذه الميزة trait بالتكاثر أكثر من الأفراد الذين لا يحملونها. هذه النظرية كانت جديدة تماما ومخالفة لمعظم أسس النظريات التطورية القديمة خصوصا النظرية المطورة من قبل جان باتيست لامارك.
حسب نظرية داروين ووالاس: يحدث التطور نتيجة تغير أو طفرة في ميزات قابلة للتوريث ضمن مجموعة حيوية على امتداد أجيال متعاقبة، كما يحدده التغيرات في التكرارات الأليلية للجينات. ومع الوقت، يمكن أن تنتج هذه العملية ما نسميه انتواعاً، أي تطور نوع جديد من الأحياء بدءاً من نوع موجود أساسا. بالنسبة لهذه النظرية فإن جميع المتعضيات الموجودة ترتبط ببعضها البعض من خلال سلف مشترك، كنتيجة لتراكمات التغيرات التطورية عبر ملايين السنين.
التطور أيضاً مصدر للتنوع الحيوي على كوكب الأرض، بما فيها الأنواع المنقرضة المسجلة ضمن السجل الأحفوري أو المستحاثي. [1][2] الآلية الأساسية التي ينتج بها التغير التطوري هي ما تدعوه النظرية: الاصطفاء الطبيعي (بالإنكليزية: natural selection) (الذي يتضمن البيئي والجنسي والقرابة مع الانحراف الوراثي). تقوم هاتان العمليتان أو الآليتان بالتأثير على التنوع الجيني المتشكل عن طريق الطفرات، والتأشيب الجيني وانسياب المورثات. لذا يعتبر الاصطفاء الطبيعي عملية يتم بها بقاء ونجاة الأفراد ذوي الميزات الأفضل (للحياة) وبالتالي التكاثر. إذا كانت هذه الميزات قابلة للتوريث فإنها ستنتقل إلى الأجيال اللاحقة، مما ينتج ان الميزات الأكثر نفعاً وصلاحية للبقاء تصبح أكثر شيوعاً في الأجيال اللاحقة. [1][3][4] فبإعطاء وقت كاف، يمكن أن تنتج هذه العملية العفوية تلاؤمات متنوعة نحو تغيرات الشروط البيئية [5]
الفهم الحديث للتطور يعتمد على نظرية الاصطفاء الطبيعي، التي وضعت أسسها أساساً في ورقة مفصلية عام 1858 من قبل تشارلز داروين وألفرد راسل والاس ونشرت ضمن كتاب داروين الشهير أصل الأنواع. في الثلاثينات من القرن العشرين، ترافق الاصطفاء الطبيعي الدارويني مع نظرية الوراثة المندلية لتشكل ما يدعى الاصطناع التطوري الحديث، وعرفت أيضاً بالداروينية-الجديدة. الاصطناع الحديث يصف التطور كتغير في تكرار وتوافر الأليلات ضمن مجموعة حيوية من جيل إلى الجيل الذي يليه. [5] هذه النظرية سرعان ما أصبحت المبدأ المركزي المنظم للحياوة الحديثة، نسبة لقدرتها التفسيرية والتنبؤية العالية، تربط حالياً بشكل مباشر مع دراسة أصل مقاومة المضادات الحيوية في الجراثيم، (بالإنكليزية: eusociality) في الحشرات، والتنوع في النظام البيئي (بالإنكليزية: ecosystem) للأرض. مع أن هناك إجماع علمي لدعم صلاحية وصحة نظرية التطور [6]، لتطبيقاتها وقدرتها التفسيرية والتنبؤية لأصول الأجناس والأنواع الحية، فإن هذه النظرية تبقى في قلب جدالات دينية واجتماعية حول مفاهيمها ومدى صحتها بسبب صدامها مع بعض الرؤى حول نظرية الخلق في بعض الديانات.
محتويات [أخف]
1 دراسة التطور
1.1 تاريخ الفكر التطوري
2 إثباتات التطور
2.1 الإثباتات المورفولوجية
2.2 علم المناعة
3 أسلاف الكائنات الحية
3.1 تاريخ الحياة
4 الموقف العلمي المعارض
5 الدين ونظرية التطور
6 المراجع
7 مصادر
8 انظر أيضًا
[عدل]دراسة التطور

مقال تفصيلي :علم الأحياء التطوري
[عدل]تاريخ الفكر التطوري

تشارلز داروين في عام 1854، قبل خمس سنوات من نشره أصل الأنواع.
تعود فكرة التطور البيولوجي إلى عهود قديمة فبعض الفلاسفة الإغريق كانوا يؤمنون بهذه الفكرة مثل أناكسيماندر وأبيقور إضافة لبعض فلاسفة الهند مثل باتانجالي. كما أن بعض من عاشوا في العالم الإسلامي في القرن الثالث والرابع مثل الجاحظ والمسعودي كانوا يعتقدون بهذه النظريه. ولكن في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أعاد جان-بابيست لامارك وتشارلز داروين إحياء هذه النظريه القديمة مع بعض التعديلات.
[7] الآلية التي يحدث بها التغير التطوري من نوع لآخر: ألا وهي الاصطفاء الطبيعي. بعد الكثير من العمل على نظريته قام داروين بنشر عمله عن التطور بعد تسلمه رسالة من ألفرد راسل والاس يكشف له والاس فيها عن اكتشافه الشخصي حول موضوع الاصطفاء الطبيعي. لهذا ينسب لوالاس دور مشارك في التأسيس لهذه النظرية. [8] أثار نشر كتاب داروين قدراً كبيراً من الجدل العلمي والاجتماعي. فبالرغم من أن حدوث تطور بيولوجي من نوع ما أصبح مقبولاً من قبل عدد كبير من العلماء، فإن أفكار داروين خاصة حول حدوث تطور تدريجي من خلال الاصطفاء الطبيعي تمت مهاجمتها ونقدها بقوة. إضافة لذلك كان داروين قادراً أن يبين الاختلاف بين النواع مفسراً إياه بالاصطفاء الطبيعي ثم التلاؤم، إلا انه كان عاجزاً عن تفسير كيفية نشوء الاختلاف أو كيف يتم تعديل النواع عبر الأجيال، كان لا بد من انتظار نشوء علم الوراثة على يد ماندل. [9]
استطاع غريغور ماندل بالعمل على وراثة النبات من كشف حقيقة انتقال ميزات معينة في حبات البازلاء، هذا الانتقال يحدث بأشكال متنوعة وكانت قابلة للتوريث بنسب واضحة قابلة للتنبؤ. [10] أعيد إحياء عمل ماتدل في عام 1901، وفسر بداية على أنه دعم "للقفزة" المعاكسة للداروينية، أو ما يدعى بمدرسة القفز التطوري saltationist ومعاكسة لفكرة التدرجية. [11]
[عدل]إثباتات التطور

مقال تفصيلي :إثبات التطور


في التنوع التطوري لفقاريات العصر الديفوني، أظهر أحفاد لحميات الزعانف في منطقة البحر المفتوح تسلسل من التكيفات:
Panderichthys تناسب المياة الضحلة الموحلة
تيكتاليك بزعانف تشبه الأطراف يمكن أن تحملها إلى اليابسة
فقاريات رباعية الأطراف بالمستنقعات المليئة بالحشائش مثل:
اكانسوستيجا والذي كان لديه أرجل بثمان أصابع
اكستيوستيجا بأطراف
شمل الاحفاد أيضا لحميات زعانف مثل سيلاكانث
خلف التطور وراءه العديد من السجلات التي تروي تاريخ الأنواع المختلفة وزمن نشوئها. الأحافير بمجموعها مع التشريح المقارن للنباتات والحيوانات الموجودة حاليا، تشكل سجلا تشريحيا ومورفولوجيا. وبالمقارنة التشريحية والشكلية بين الأنواع الحالية والأنواع المنقرضة يمكن لعلماء المستحاثات ان يقوموا بمعرفة الارتباطات والأصول المشتركة بين هذه الأنواع. تقوم بعض المستحاثات المهمة بإثبات الصلة بين أنواع منقرضة وأنواع موجودة حاليا عن طريق ما يدعى أنواع "انتقالية"، مثال هذه الأنواع الانتقالية أرخأيوبتركس الذي أثبت العلاقة بين الديناصورات والطيور. [12][13]
لاحقاً سمح تطور علم الوراثة الجزيئي وخصوصاً إمكانية سلسلة الدنا DNA، للبيولوجيين بدراسة سجل التطور عن طريق البنى الوراثية للمتعضيات الحالية والمنقرضة، مما وسع بشكل كبير وعدل من إمكانية إيجاد الصلات والقرابات بين الأنواع وأحيانا كان يؤدي لتعديلات جذرية في التصنيف الحيوي للأحياء. عن طريق التشابه والاختلاف بين تسلسلات الدنا DNA للمتعضيات الحية يقوم علماء الحياوة حاليا بإيجاد وتعديل العلاقات وصلات القرابة بين الأنواع الحية قديمها وجديدها. فعن طريق الدراسات الوراثية تبين أن 95% من الصيغة الوراثية (الجينية) متشابهة بين الإنسان والبعام. [14][15]
تم جمع إثباتات أخرى من بعض البنى التشريحية الموجودة في بعض الكائنات الحية كما عند الباندا أو شكل الأقدام عند السحالي أو انعدام العيون عند الأسماك الكهفية، مما قدم إثباتات لإمكانية التنامي التطوري. تقدم دراسات أخرى إثباتات عن طريق تمثيل صلات تطورية تتضمن التوزع الجغرافي للأنواع. مثلا: أحاديات الفتحة Monotreme، مثل platypus ومعظم الجرابيات marsupials مثل الكنغر والكوالا وجدوا فقط في أستراليا وضحوا أن سلفهم المشترك مع الثدييات المشيمية placental mammals عاش قبل غمر الجسر الأرضي القديم بين أستراليا وآسيا.
جميع هذه الإثباتات من علم الإحاثة، التشريح، علم الوراثة، والجغرافيا، إضافة لمعلومات أخرى حول تاريخ الأرض قام العلماء بربطها سوية ضمن إطار تقدم نظرية التطور من خلاله وتجعلها نظرية علمية متماسكة. فمثلا علم المناخ الإحاثي paleoclimatology يشير إلى العصر الجليدي الدوري الذي كان فيه مناخ الأرض أكثر برودة، مما أدى لنشوء وانتشار أنواع حية قادرة على تحمل البرد القارس ومن أهم هذه الأنواع الماموث woolly mammoth.
[عدل]الإثباتات المورفولوجية


هيكل عظمي لحوت باليني، حرف أ، ب يشيران الى عظام زعنفية قد تكيفت متحولة من عظام ارجل أمامية بينما حرف ج يشير الى عظام ارجل أثارية مما يعد دلائل على وجود تكيف من البر الى البحر[16]
غالبا ما تعتبر المستحاثات إثباتات حرجة لتقييم عمق الصلات بين الأنواع. بما أن استحاثة متعضية يعتبر أمرا نادر الحدوث، يحدث غالبا بوجود أجزاء صلبة مثل الأسنان والعظام، لذلك فإن المستحاثات غالبا ما تعتبر بأنها تقدم معلومات ضئيلة أو متوسطة الأهمية حول علاقات القرابة بين الأنواع. مع هذا فيمكن حدوث استحاثة لبعض النواع بدون أجزاء صلبة (أسنان، عظام) في بعض الظروف: rapid burial، بيئات منخفضة الأكسجين، أو تأثير ميكروبيولوجي. [17] تؤمن السجلات الأحفورية أنماطا متعددة من البيانات المهمة لدراسة التطور. أولا يحوي السجل الأحفوري الأمثلة المعروفة المبكرة للحياة، إضافة لحدوث أولى حالات القرابة الفردية بين الأنواع. فمثلا حسب السجل الأحفوري ظهر أول حيوانات معقدة في عصر الكمبري المبكر، أي حوالي 520 مليون سنة مضت. ثانيا سجلات الأنواع المنفردة تعطي معلومات بخصوص الأنماط والأشكال التي مر بها النوع وسرعة التغير والتطور في هذا النوع.، مظهرة مثلا فيما إذا تطور هذا النوع إلى نوع جديد مختلف (في عملية ندعوها الانتواع speciation) تدريجيا وبشكل متزايد، أو خلال قترات زمنية قصيرة نسبيا ضمن الزمن الأراضي (الجيولوجي). ثالثا يعتبر السجل الأحفوري وثيقة للأنماط الكبيرة الانتشار والأحداث المهمة في تاريخ الحياة، والعديد من هذه المستحاثات قد أثرت بشكل فعلي في تصورنا للتاريخ التطوري لعلاقات القربى. مثلا الانقراض الكبير نتج في عدة أزمنة مؤديا لفقدان مجموعات كاملة من الأنواع، مثل الديناصورات غير الطيارة non-avian dinosaurs، في حين أنها لا تؤثر على مجموعات أخرى من الأنواع. مؤخرا استطاع علماء الحياوة الجزيئية أن يستعملوا الزمن منذ تقارب الأنساب lineages المختلفة ليقوموا بمعايرة سرعة أو معدل التراكم التطافري، حساب أزمنة تطور مجينات الأنساب المختلفة.
علم الوراثة العرقي كعلم يدرس أصل الأنواع وأسلافها، قدم وكشف أن البنى ذات التنظيم الداخلي المتشابه يمكن أن تقوم بوظائف متقاربة. أقدام الفقاريات تعتبر مثالا شائعا لهذه البنى المتشابهة.
[عدل]علم المناعة
يعتمد هذا الدليل على تحديد درجة القرابة بين الأنواع المختلفة وفق التفاعلات المناعية التي تحدث بين مولد الضد(المستضد) والضد الذي يشكله جسم الكائن الحي عند دخول مادة غريبة فيه؛ نتيجة لهذا التفاعل المناعي (ضد-مستضد) يحدث ترسيب للمواد المتفاعلة ويتشكل معقد مجرد من السمية.
مثال: عند حقن بروتينات مأخوذة من جسم الإنسان في جسم خنزير الهند يتولد في دمه أضداد(وهذه الأضداد قادرة على حض مولدات الضد عند الإنسان على التفاعل المناعي معها) ؛ عند أخذ الأضداد السابقة وحقنها في بلاسما دم القرد تحرض عنده ارتصاصا (أو ترسيبا) نسبته 50 % ويفسر هذا الترسيب وجود صلة تشابه بين القردة والبشر بنسبة متوسطة؛ مثل هذا الترسيب لا يحصل عند حقن الأضداد في دم الجرابيات أو الطيور لعدم وجود التشابه بينها وبين الإنسان.
[عدل]أسلاف الكائنات الحية

طالع أيضا :سلف مشترك


عائلة القردة العليا جاءت من سلف مشترك لجميع الأحياء.
في علم الأحياء، تفترض نظرية السلف المشترك العام universal common descent أن جميع الأحياء الموجودة على سطح الأرض تنحدر من سلف مشترك وحيد عام أو لنقل حوض جيني أصلي وحيد. تستند نظرية السلف المشترك إلى وجود سمات مشتركة بين كافة المتعضيات الحية. في أيام داروين كانت الاثباتات على التشارك بالسمات يستند فقط إلى الملاحظات المرئية للتشابهات الشكلية، مثل حقيقة أن جميع الطيور حتى التي لا تطير تملك أجنحة. أما اليوم فهناك إثباتات أقوى تقوم على أساس علم الوراثة تؤكد وجود السلف المشترك. مثلا، كل خلية حية تستخدم نفس الحمض النووي كمادة وراثية (دنا ورنا)، وتستخدم نفس الحموض الأمينية كوحدات بناء للبروتينات. إضافة لذلك فإن جميع الأحياء تستخدم نفس الشفرة الوراثية (باختلافات ضئيلة ونادرة) لترجمة الحموض النووية إلى تسلسل الحموض الأمينية الذي تشكل البروتينات في النهاية. هذه التماثل العام لهذه السمات المشتركة في خلايا جميع الكائنات الحية يطرح بقوة فرضية السلف الواحد للأحياء.
المعلومات حول التطور المبكر للحياة يتضمن مدخلات من حقول معرفية كالاراضة (الجيولوجيا) وعلوم الكواكب planetary science. هذه العلوم توفر معلومات حول تاريخ الأرض المبكر والتغيرات التي أنتجت الحياة بالرغم من العديد من لامعلومات قد دمرتها الأحداث الجيولوجية عبر الزمن.

[عدل]تاريخ الحياة
مقال تفصيلي :الخط الزمني للتطور
التطور الكيميائي (أو ما يدعى بالتخلق اللاحيوي) من تفاعلات كيميائية ذاتية التحفيز self-catalytic chemical reactions إلى ظهور الحياة (انظر أصل الحياة) لا يمثل جزءا من نظرية التطور الحيوية، من غير الواضح حتى الآن اللحظة التي تشكلت فيها الظروف المناسبة لهذه المجموعة المعقدة من التفاعلات إن حدثت لتشكل لنا الظاهرة الفريدة والغريبة والتي تدعى الحياة.


الرقائق الكلسية الطحلبية من عصر ما قبل الكامبري في تكوين (انجليزى:‏ Siyeh) موجود في جلاسيير ناشونال بارك (انجليزى:‏ Glacier National Park). سنة 2002 انتشر بحث في مجلة نيتشر (انجليزى:‏ Nature) العلمية لوليام تشوف من جامعة لوس انجلوس فى كالفورنيا (انجليزى:‏ UCLA) يقول فيه ان التكوينات الجيولوجية من النوع هذا يحتوي على ميكروبات طحالب متحجرة (انجليزى:‏ Cyanobacteria) عمرها 3.5 مليار سنة، اذا كان هذا صحيحا، فإنها سيكون هذا أقرب شكل معروف لبداية الحياة على وجه الأرض.
لم يعرف الكثير بعد عن التطورات المبكرة في الحياة. لكن من الواضح بشكل غير قابل للشك أن جميع الكائنات الحية تتشارك بسمات مشتركة بشكل واضح[من صاحب هذا الرأي؟] ، بما في ذلك البنية الخلوية ونفس الشفرة الوراثية[بحاجة لمصدر]. معظم العلماء يفسرون هذا التشابه على أنه تشارك لجميع الأحياء بسلف وحيد مشترك، تطور عنه العمليات الخلوية الأساسية جميعها، مع هذا لا يوجد إجماع علمي على وجود علاقة بين الممالك الثلاث: الجراثيم القديمة والبكتريا، وحقيقيات النوى) كما ليس هناك إجماع حول أصل الحياة. محاولات إلقاء الضوء على التاريخ المبكر للحياة يركز بشكل عام على سلوك الجزيئات الضخمة macromolecule بخاصة الرنا وسلوك الأنظمة المعقدة.
نشوء التركيب الضوئي الأكسجيني (قبل حوالي 3 بلايين عام مضى) والنشوء التالي لغلاف جوي غير مرجع غني بالأكسجين يمكن تعقبه من خلال تشكل مناجم الحديد المجمع banded iron، ولاحقا الأسرة الحمراء من أكسيد الحديد. تعتبر عملية التركيب الضوئي شرطا أساسيا لتطور تنفس خلوي هوائي، الذي يعتقد أنه تشكل قبل بليونين من السنين.
[عدل]الموقف العلمي المعارض

حمل لواء معارضة نظرية التطور في بداية ظهور النظرية العالم السويسري جان لويس رودلف أغاسي (Louis Agassiz)، حصل على دكتوراه من ميونيخ ثم أتم دراسة الطب 1830 وبعد ذلك أصبح أستاذ التاريخ الطبيعي في جامعة نيوشاتيل في سويسرا، ومن منجزاته دراسة شاملة عن أحافير الأسماك وطبعت في خمس مجلدات ما بين عامي 1833 و 1844 وحصل أغاسي على جائزة ولستون (Wollaston Medal) على هذا الإنجاز، وبعد ذلك انتقل أغاسي لدراسة المثلجات وكان من الرواد في هذا المجال. انتقل أغاسي إلى الولايات المتحدة وأمضى 27 عاماً معظمها كأستاذ في جامعة هارفارد.[18]
ظهرت معارضته لداروين بسبب تصريح الأول بأن أصل البشر واحد وهو ما رفضه أغاسي، حيث اعتبر في كتبه بأن الافارقه جنس دوني مختلف عن باقي البشر.[19] كما ذهب مع بعثة علمية إلى البرازيل في محاولة فاشلة لإيجاد دلائل تدحض نظرية التطور.[20]
[عدل]الدين ونظرية التطور

ينفي بعض المتدينين صحة هذه النظرية حيث أنها تطرح رؤية بديلة لقصة الخلق على عكس ما جاء به الإسلام والمسيحية واليهودية؛ وهذا ما أثار جدلا عنيفا وبخاصة حول كتاب أصل الأنواع لداروين (كتب عام 1859) ووصل الخلاف حول نظرية التطور إلى القضاء (في القضية التي عرفت بمحاكمة القرد عام 1925) فيرى مؤيدو النظرية انه تحرش قضائي، ومنذ ذلك الحين استمر النزاع بين أنصار نظرية التطور ومعارضيها، الذين صاغوا بدورهم نظريات مثل نظرية الخلق (أو مانجده تحت تسمية معجزة الخلق في كتابات الباحثين المسلمين مثل عدنان أوكطار، انظر نظرية الخلق الإسلامية) ونظرية التصميم الرشيد.
وقد أثارت هذه النظريات جدلاً واسعًا، حيث يرفض دعاة التطور اعتبارها نظريات علمية بالنظر لانتفاء وجود فرضيات يمكن إثبات صحتها أو رفضها باستخدام أدلة علمية ولم يعدوها سوى محاولة لإدخال الدين في العملية التعليمية للعديد من الدول التي تدرس نظرية التطور في مناهجها الدراسية.
[عدل]المراجع

^ أ ب ت Futuyma, Douglas J. (2005). Evolution. Sunderland, Massachusetts: Sinauer Associates, Inc. ISBN 0-87893-187-2.‎
^ Gould, Stephen J. (2002). The Structure of Evolutionary Theory. Belknap Press. ISBN 0-674-00613-5.‎
^ Lande, R.; Arnold, S.J. (1983). "The measurement of selection on correlated characters". Evolution 37: 1210–1226.
^ Haldane, J.B.S. (1953). "The measurement of natural selection". Proceedings of the 9th International Congress of Genetics 1: 480–487.
^ أ ب Mechanisms: the processes of evolution. Understanding Evolution. University of California, Berkeley. Retrieved 2006-07-14.
^ 95% من العلماء يؤمنون بنظرية التطور في أمريكا
^ In the years after Darwin's publication and fame, numerous "predecessors" to natural selection were discovered, such as William Charles Wells and Patrick Matthew, who had published unelaborated and undeveloped versions of similar theories earlier to little or no attention. Historians acknowledge that Darwin was the first to develop the theory rigorously and developed it independently. On Matthew, one historian of evolution has written that he "did suggest a basic idea of selection, but he did nothing to develop it; and he published it in the appendix to a book on the raising of trees for shipbuilding. No one took him seriously, and he played no role in the emergence of Darwinism. Simple priority is not enough to earn a thinker a place in the history of science: one has to develop the idea and convince others of its value to make a real contribution. Darwin's notebooks confirm that he drew no inspiration from Matthew or any of the other alleged precursors."
^ Bowler, Peter J. (2003). Evolution: The History of an Idea. Berkeley: University of California Press. pp. 158.‎
^ Darwin's proposal of a hereditary mechanism, pangenesis, lacked evidence and was ultimately rejected, being replaced by genetics.Darwin’s Theory of Pangenesis
^ Bowler, Peter J. (1989). The Mendelian Revolution: The Emergence of Hereditarian Concepts in Modern Science and Society. Baltimore: John Hopkins University Press.‎
^ The convinced Mendelians, such as William Bateson and Charles Benedict Davenport, and biometricians, such as Walter Frank Raphael Weldon and Karl Pearson, became embroiled in a bitter debate, with Mendelians charging that the biometricians did not understand biology, and biometricians arguing that most biological traits exhibited continuous variation rather than the "jumps" expected by the early Mendelian theory. It is now recognized that the Mendelians were investigating Mendelian traits, those traits where existing variation is controlled by one gene and therefore is discrete, and the biometricians were investigating complex traits, where those traits were controlled by multiple genes, and the variation is therefore continuous.
^ Feduccia, Alan (1996). The Origin and Evolution of Birds. New Haven: Yale University Press. ISBN 0-300-06460-8.‎ and the recently-discovered Tiktaalik, which clarifies the development from fish to animals with four limbs.
^ Daeschler, Edward B., Shubin, Neil H., & Jenkins Jr, Farish A. (April 2006). "A Devonian tetrapod-like fish and the evolution of the tetrapod body plan". Nature 440: 757–763. doi:10.1038/nature04639. Retrieved on 2006-07-14.
^ Chimpanzee Sequencing and Analysis Consortium (2005). "Initial sequence of the chimpanzee genome and comparison with the human genome". Nature 437: 69–87.
^ Britten, R.J. (2002). "Divergence between samples of chimpanzee and human DNA sequences is 5%, counting indels". Proc Natl Acad Sci U S A 99: 13633–13635.
^ Bejder L, Hall BK (2002). "Limbs in whales and limblessness in other vertebrates: mechanisms of evolutionary and developmental transformation and loss". Evol. Dev. 4 (6): 445–58. doi:10.1046/j.1525-142X.2002.02033.x. PMID 12492145.
^ Schweitzer M.H. et al (2005). "Soft-tissue vessels and cellular preservation in Tyrannosaurus rex". Science 307 (5717): 1952-1955.
^ E.P. Evans: "The Authorship of the Glacial Theory", North American review Volume 145, Issue 368, July 1887. Accessed on February 25, 2008.
^ Stephen Jay Gould, "Flaws in a Victorian Veil," Chapter 16 in The Panda's Thumb.
^ https://www.ucmp.berkeley.edu/history/agassiz.html
[عدل]مصادر

الحقيقـة الناصعة مجلة العلوم الأمريكية - النسخة العربيه
تطور أسماك إلى حيوانات رباعية الأرجل مجلة العلوم الأمريكية - النسخة العربية
اختبار الانتخاب (الاصطفاء) الطبيعي مجلة العلوم الأمريكية - النسخة العربية
التطور البيولوجي في الحياة اليومية مجلة العلوم الأمريكية - النسخة العربية
أصل الأنواع: نشأة الأنواع الحية عن طريق الانتقاء الطبيعي أو الاحتفاظ بالأعراق المفضلة في أثناء الكفاح من أجل الحياة / تأليف تشارلس داروين ؛ ترجمة مجدي محمود المليجي ؛ تقديم سمير حنا صادق. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2004.
مقدّمة الماكروديناميكا الاجتماعية: النمذجة الرياضية لتطوّر المنظومة العالمية قبل سبعينيّات القرن الماضي "مجلة كلية الآداب لجامعة القاهرة". مجلد 68 . سنة 2008 . الجزء الثاني . صفحات 148–181. (بالعربية).
أندريه كاراطائف - مقدمة المكروديناميكا الاجتماعية. النمذجة الرياضية لتطور المنظومة العالمية. ISBN 5-484-00414-4(بالانجليزية)
نظرية التطور عند مفكري الإسلام، دراسة مقارنة / محفوظ علي عزام. القاهرة، دار الهداية، 1986.


https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%...B7%D9%88%D8%B1









رد مع اقتباس
قديم 2011-12-17, 15:00   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفاكر مشاهدة المشاركة
لو سمحتي اختي عندي بحث حول الفيس بوك .لم اعرف العناصر والنقاط التي اطرق اليها في هذا البحث من فضلك ساعديني
ولا تنسي بحثي حول النظرية التطورية للانسان
الرجعية الدارونية
142 زائر 11-10-2009 عثمان خليل الدكتور محمد سعيد البوطي
أعظم النظريات التي ساهمت في خلق الإلحاد هي النظرية التطورية الدارونيّة، لأنها قدمت – أو هكذا تزعم – رؤية مختلفة عن مفهوم "خلق الإنسان" لدى الأديان... فالإنسان لم يخلقه الآلهة وفقاً للأديان الوثنية ولم يخلق الله آدم كما في الأديان السماوية، ولكنه أنحدر من أبسط الأشكال الإحيائية، حتى أضحى على ما هو عليه الآن من قوامة وعلو...!

فالإلحادوية تهافتتْ على النظرية الدارونية في "أصل نوع الإنسان"، فوجدت في ظلها (رغم أنها نظرية وحسب) ضالتها المنشودة... ولعلها صادقة من هذا المنحى... فالإنسان لم يكن شيئاً كما تذهب بذلك الدارونية، ثم أضحى على ما هو عليه من تعقد وتجانس لا من الناحية البيولوجية والفسيولوجية وحسب، ولكن من الناحية الفكرية والروحية أيضاً!!!

ووالأخير هو ما يتجاهله هؤلاء... مبهورين برؤيتهم الضيقة للإنسان والأحياء وغائية الحياة برمتها!!!

فلو شطبنا آلافاً من السنيين من عمر الإنسان، وما ساوق ذلك من نمو في الأحاسيس والمشاعر والعواطف (وأنا هنا أتماهى مع هذا الطرح)... وهو الأمر الذي رفع الإنسان تأملاً وتفكيراً، للوصول إلى المقام الإلهي...! فقد تخطى لإنسان مرحلة البهيمية والحيوانية ليعانق آفاق أرحب من هذه المرحلة هي مرحلة الشعور بعالم أشد عمقاً واتساعاً هو عالم الميتافيزيقا، فلم يرضَ بأن يكون عضواً إحيائياً كما تزعم بذلك الدارونية ،ولا "مادةً" في التاريخ كما تقول الماركسية ، ولكنه هو كائن ميتافيزيقيً كما يقول آرثر شُبنهاور وأثبته التاريخ ... فمصير الإنسان ولعله كذلك جوهره هو أن يتجاوز هذا العالم المادي السطحي لكي يصرح عن إنسانية وعن تجازه وتميزه عن سائر الكائنات الحيوانية...!

فالإلحاد - إذن - هي ظاهرة رجعية تريد لنا أن نتقهقر إلى ماضٍ متخلف!!! تريدنا أن نعود إلى مرحلة الألحاد... فالملحد "الإنسان" اليوم الذي يؤمن بأنه منحدر من "الشمبانزيا" (بحكم أن حلقة "الإنسان القرد" في النظرية التطورية مفقود الآن) يريدنا أن نحاكي الشمبانزيا في تصوره إلى الإله والإلوهية... يريدنا أن نعود إلى حالة التصور الحيواني للحياة، هذا التصور الذي لا يتجاوز مظاهر المادة، والذي لا ينفذ إلى أعماقها، وهذا الرأي لا يتساءل لماذا تجاوزها الإنسان... هذا إن صَحت هذه النظرية؟!

"أوجست كمنت" الفيلسوف الفرنسي المؤسس للفلسفة الوضعانية كان يعتقد بأننا تجاوزنا المرحلة الدينية والميتافيزيقية، وأننا نعانق مرحلة متجاوزة هي مرحلة العلم...

ولا اعتراض على هذا التحليل، ولو أنه كان وصفياً، ولم يكن قيمياً وإرشادياً، إذ أن "كمنت" لم يتورع للدعوة إلى إقامة دين يقوم على عبادة العلم/الإله... فهو من حيث لا يدري يحاكي ما عابه على الإنسانية - أي تجذر الإنسان في المفهوم الميتافيزيقي "الديني"... ولا غرابة أن تفشل دعواه تلك...!

فكارل ماركس أيضاً قد أشار في كتيبه "في المسألة اليهودية"، وهو كتيب ألفه في مرحلة مبكرة عن فلسفته في "رأس المال" بأن البشرية لا تزال في حاجة إلى دين ومن المبكر مطالبتهم بالتخلي عنه، وهو هنا يتبنى ذات الرؤى التنبؤية التي تبناها قبله "كمنت" حول مصير البشرية، وهي نظرة، إن قيستْ من منظور البناء الفكري، لا تخلف عن نبوءات الأنبياء في العهد القديم...!!!

وهي نظرة يكاد جميع الملحدين يتفقون عليها... هناك حاجة إلى بناء منظور ميتافيزيقي، ولكن الخجل من التصريح بأن هذا البناء هو ما يمثله الدين يمنعهم من اعطاء الدين حقه من التوقير والاحترام، فالتاريخ بالنسبة إلى هؤلاء هو تاريخ يسير في خط مستقيم وفقاً للتصور الهندسي الأقليديسي التقليدية، رغم أننا الآن ندرك مدى سخافة هذه الرؤية!!! ولكن السخافة هي جزء من المعتقد الديني، لذا لا يشعر هؤلاء الملحدون بذلك
الرجعية الدارونية
142 زائر 11-10-2009 عثمان خليل الدكتور محمد سعيد البوطي
أعظم النظريات التي ساهمت في خلق الإلحاد هي النظرية التطورية الدارونيّة، لأنها قدمت – أو هكذا تزعم – رؤية مختلفة عن مفهوم "خلق الإنسان" لدى الأديان... فالإنسان لم يخلقه الآلهة وفقاً للأديان الوثنية ولم يخلق الله آدم كما في الأديان السماوية، ولكنه أنحدر من أبسط الأشكال الإحيائية، حتى أضحى على ما هو عليه الآن من قوامة وعلو...!

فالإلحادوية تهافتتْ على النظرية الدارونية في "أصل نوع الإنسان"، فوجدت في ظلها (رغم أنها نظرية وحسب) ضالتها المنشودة... ولعلها صادقة من هذا المنحى... فالإنسان لم يكن شيئاً كما تذهب بذلك الدارونية، ثم أضحى على ما هو عليه من تعقد وتجانس لا من الناحية البيولوجية والفسيولوجية وحسب، ولكن من الناحية الفكرية والروحية أيضاً!!!

ووالأخير هو ما يتجاهله هؤلاء... مبهورين برؤيتهم الضيقة للإنسان والأحياء وغائية الحياة برمتها!!!

فلو شطبنا آلافاً من السنيين من عمر الإنسان، وما ساوق ذلك من نمو في الأحاسيس والمشاعر والعواطف (وأنا هنا أتماهى مع هذا الطرح)... وهو الأمر الذي رفع الإنسان تأملاً وتفكيراً، للوصول إلى المقام الإلهي...! فقد تخطى لإنسان مرحلة البهيمية والحيوانية ليعانق آفاق أرحب من هذه المرحلة هي مرحلة الشعور بعالم أشد عمقاً واتساعاً هو عالم الميتافيزيقا، فلم يرضَ بأن يكون عضواً إحيائياً كما تزعم بذلك الدارونية ،ولا "مادةً" في التاريخ كما تقول الماركسية ، ولكنه هو كائن ميتافيزيقيً كما يقول آرثر شُبنهاور وأثبته التاريخ ... فمصير الإنسان ولعله كذلك جوهره هو أن يتجاوز هذا العالم المادي السطحي لكي يصرح عن إنسانية وعن تجازه وتميزه عن سائر الكائنات الحيوانية...!

فالإلحاد - إذن - هي ظاهرة رجعية تريد لنا أن نتقهقر إلى ماضٍ متخلف!!! تريدنا أن نعود إلى مرحلة الألحاد... فالملحد "الإنسان" اليوم الذي يؤمن بأنه منحدر من "الشمبانزيا" (بحكم أن حلقة "الإنسان القرد" في النظرية التطورية مفقود الآن) يريدنا أن نحاكي الشمبانزيا في تصوره إلى الإله والإلوهية... يريدنا أن نعود إلى حالة التصور الحيواني للحياة، هذا التصور الذي لا يتجاوز مظاهر المادة، والذي لا ينفذ إلى أعماقها، وهذا الرأي لا يتساءل لماذا تجاوزها الإنسان... هذا إن صَحت هذه النظرية؟!

"أوجست كمنت" الفيلسوف الفرنسي المؤسس للفلسفة الوضعانية كان يعتقد بأننا تجاوزنا المرحلة الدينية والميتافيزيقية، وأننا نعانق مرحلة متجاوزة هي مرحلة العلم...

ولا اعتراض على هذا التحليل، ولو أنه كان وصفياً، ولم يكن قيمياً وإرشادياً، إذ أن "كمنت" لم يتورع للدعوة إلى إقامة دين يقوم على عبادة العلم/الإله... فهو من حيث لا يدري يحاكي ما عابه على الإنسانية - أي تجذر الإنسان في المفهوم الميتافيزيقي "الديني"... ولا غرابة أن تفشل دعواه تلك...!

فكارل ماركس أيضاً قد أشار في كتيبه "في المسألة اليهودية"، وهو كتيب ألفه في مرحلة مبكرة عن فلسفته في "رأس المال" بأن البشرية لا تزال في حاجة إلى دين ومن المبكر مطالبتهم بالتخلي عنه، وهو هنا يتبنى ذات الرؤى التنبؤية التي تبناها قبله "كمنت" حول مصير البشرية، وهي نظرة، إن قيستْ من منظور البناء الفكري، لا تخلف عن نبوءات الأنبياء في العهد القديم...!!!

وهي نظرة يكاد جميع الملحدين يتفقون عليها... هناك حاجة إلى بناء منظور ميتافيزيقي، ولكن الخجل من التصريح بأن هذا البناء هو ما يمثله الدين يمنعهم من اعطاء الدين حقه من التوقير والاحترام، فالتاريخ بالنسبة إلى هؤلاء هو تاريخ يسير في خط مستقيم وفقاً للتصور الهندسي الأقليديسي التقليدية، رغم أننا الآن ندرك مدى سخافة هذه الرؤية!!! ولكن السخافة هي جزء من المعتقد الديني، لذا لا يشعر هؤلاء الملحدون بذلك









رد مع اقتباس
قديم 2011-12-17, 15:02   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفاكر مشاهدة المشاركة
لو سمحتي اختي عندي بحث حول الفيس بوك .لم اعرف العناصر والنقاط التي اطرق اليها في هذا البحث من فضلك ساعديني
ولا تنسي بحثي حول النظرية التطورية للانسان
الاتجاهات النظرية الحديثة في سوسيولوجيا التنمية

عزيزة خرازي
الحوار المتمدن - العدد: 2175 - 2008 / 1 / 29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع

تقديم:
شغلت قضية التنمية والتخلف – ولا تزال – اهتماما كبيرا على الصعيدين الأكاديمي والسياسي منذ ما عرفه العالم من تحولات اقتصادية، سياسية، اجتماعية وثقافية، بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك ما أحدثته كل من الثورتين الفرنسية والثورة الصناعية، حيث أن هذه القضية هي إحدى القضايا دائمة الحضور في الجدل بين الشمال والجنوب، حتى ولو تغيرت أشكال طرحها أو مسلماتها أو محاور الاقتراب منها وبؤر التركيز فيها، تبعا لتغير مصالح واهتمامات ورؤى الطرف الأقوى في المعادلة الدولية.
انطلاقا مما سبق نلاحظ أن الاهتمام بموضوع التنمية والتخلف ليس وليد اللحظة الراهنة، بل على العكس من ذلك له جذور في الماضي، حيث حظيت هذه الإشكالية باهتمام العلوم الاجتماعية وخاصة منها علم الاجتماع الذي عرف بمجموعة من النظريات السوسيولوجية والمقاربات المعرفية للإشكالية ذاتها، وتدخل هذه المقاربات في إطار النظريات السوسيولوجية الكبرى، كالنظرية الماركسية والنظرية البنيوية الوظيفة.
وترجع حدة هذا الاهتمام المتزايد بقضايا التخلف والتنمية إلى الطبيعة البنيوية لظاهرة التخلف الذي يتميز عن غيره من الوقائع الاجتماعية الأخرى بالتركيب والتعقيد وبالدينامية، التي تجعل منه دائما في تغير مستمر، هذا بالإضافة إلى كون مطلب التنمية هو مطلب تاريخي تتطلع إليه كل المجتمعات بمختلف مكوناتها وشرائحها، الأمر الذي جعل موضوع التنمية من أهم قضايا العصر، مما حتم على الباحث داخل العلوم الاجتماعية ولاسيما علم الاجتماع، الاجتهاد للإحاطة بإشكالية التنمية من خلال مقاربة ظاهرة التخلف من زاوية معينة والتي تختلف باختلاف توجهات الباحثين الإيديولوجية ومشاربهم الفكرية.
ومن أهم الاتجاهات والمقاربات النظرية التي حاولت أن تتطرق لإشكالية التخلف والتنمية، نجد ما يلي :
- اتجاه النماذج أو المؤشرات.
- الاتجاه التطوري المحدث.
- الاتجاه الانتشاري.
- الاتجاه السيكولوجي أو السلوكي.
- الاتجاه الماركسي المحدث أو اتجاه التبعية.
- اتجاه المكانة الدولية.
ويمكن تلخيص أهم ما جاءت به هذه الاتجاهات في:

1) النظرية التطورية الجديدة:
والتي جاءت لإحياء المنظور التطوري الذي كان سائدا عند هربرت سبنسر وتشارلز داورني، الذي كان ينكر ضرورة وأهمية الثورة، كما أكدت هذه النظرية الطابع التقليدي للمجتمعات المتخلفة، أي أن هاته المجتمعات وحدها تتحمل مسؤولية تخلفها، متجاهلة بذلك الدور التاريخي الذي قام به المجتمع الغربي في هذه المجتمعات .
وقد استفادت هذه النظرية من دراسة المجتمعات النامية وذلك من خلال :
 تحديد المراحل المختلفة التي مرت بها المجتمعات المتطورة ( المصنعة ).
 قياس المسافة المتبقية بين النموذجين المتقدم، والمتخلف، أي معرفة المدة اللازمة لكي يلتحق البلد المتخلف بالبلد المتقدم النموذج. وخير من يعبر عن هذا الاتجاه هو روستو بمراحل النمو الخمس وهي:
1. مرحلة المجتمع التقليدي.
2. مرحلة التهيؤ للأنطلاق.
3. مرحلة الانطلاق.
4. مرحلة النضج .
5. مرحلة الاستهلاك الوفير.

2) الاتجاه الانتشاري:
يقوم على مسلمة أساسية هي أن الدول الصناعية الرأسمالية المتقدمة تمثل بالنسبة للدول النامية أمل أو صورة المستقبل التي ينبغي أن تحتذى وذلك عن طريق نقل العناصر الثقافية ( المادية والروحية )، من المتقدمة إلى المتخلفة ونشرها فيها. ويعتبر دانييل لينر أحد رواد هذا الاتجاه، والذي يشكو ( الاتجاه الانتشاري ) من ضعف نظري أساسي يتمثل في:
• تأكيده المستمر على فكرة الثنائية ( تقليد / تحديث ).
• اهتمامه بالأجزاء وابتعاده عن أي نظرة شاملة، بمعنى أن تغيير العلاقات بين الأجزاء هو السبيل إلى تجاوز الفروق والاختلافات.
• الانحراف عن المهام الأصلية التي سعى منذ البداية إلى تحقيقها وابتعاده عن أعمال الرواد المحدثين.

3) الاتجاه السيكولوجي أو السلوكي:
حيث يحاول هذا الاتجاه التركيز على درجة " الدافعية " الفردية، أو الحافز الفردي باعتباره الدعامة الأساسية للتنمية، ولا بد وفق هذا الاتجاه من تحديد الصفات السلوكية والنفسية للإنسان المتقدم سواء الآن، أو إبان فترة " الإقلاع " التنموي الأولى، باعتبارها الموذج الذي على الإنسان المتخلف تقليذه وحذوه .
ومن أهم رواد هذا الاتجاه نجد: دافيد ماكليلاند وهيجن هذين الرائدين الذي يقول في حقهما السيد محمد الحسيني بأن : " أفضل وصف لوجهتي نظر ما كليلاند وهيجن أنهما بمثابة تشويه لآراء ماكس فيبر... " . رغم كون هذا الاتجاه هو رد فعل للاتجاهات النظرية الأخرى التي ركزت في تحليلاتها على العوامل الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والسياسية.

4) الاتجاه الماركسي المحدث أو اتجاه التبعية:
شكل اتجاه التبعية تيارا نقديا مناهضا لتيار التحديث الذي يضم جميع الاتجاهات المذكورة سالفا، وهو بذلك استجابة نقذية " لوجهة نظر المراكز الكولونيالية "، حسب Dos Santos في قضايا التخلف والتنمية. فماذا نقصد بالكولونيالية؟
الكولونيالية تعنى احتلال دولة لدولة أخرى خارج حدودها سياسيا واقتصاديا بالاعتماد على القوة العسكرية، أي الاستعمار، لكن هذه الدول حصلت على الاستقلال، فماذا بعد الكولونيالية؟
يعرف الباحث كريس دوهمان نظرية ما بعد الكولونيالية بأنها حركة فى النقد الاجتماعى والأدبى التى ترد على آثار الامبريالية الأوروبية على الشعوب المستعمرة ، إن ما بعد الكولونيالية تقدم سردية مضادة تتصل بالشعوب المستعمرة سابقاً ، أو تسرد بالوكالة عن خصومها ؟ وذلك بشأن الافتراضات المتمركزة إثنياً فى الثقافة الغربية ، ويضيف هذا الباحث موضحا ، أن دلالة مصطلح ما بعد الكولونيالية لا تتضمن فقط بعد المرحلة الاستعمارية بل إنها مقاربة نقدية أيضاً التى تبرز من الاستعمار لتصارع أسسه.
إذا كانت ما بعد الكولونيالية مقاربة نقدية ، فذلك أنها لا تنتقد الافتراضات الغربية المتمركزة إثنياً على أساس أن الشعوب الغربية الآرية أكثر مدنية وتحضرا وديمقراطية وعقلانية من الشعوب المستعمرة سابقا فقط ، إنما يمتد نقد هذه المقاربة إلى مرحلة ما بعد الاستقلال ، لأن هذه الحقبة القصيرة من حيث المدى الزمنى لا تمثل قطيعة تامة مع آثار وكدمات ، أو لنقل التأثيرات النفسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التى تعرضت لها الشعوب المستعمرة فى العالم الثالث على مدى مئات السنين ، والدليل على ذلك ، أن مجتمعات هذا العالم لا تزال تابعة للمراكز الغربية على مستوى جميع النواحي.
وقد تضمنت مدرسة التبعية مجموعتين متميزتين من الاقتصاديين هم:
o مجموعة البنيويين في شخصها Celso Furtado.
o مجموعة من الماركسيين الجدد، مثل: سمير أمين وأندري جوندر فرانك.
حيث يقول جوندر فرانك: " إنهم لن يتمكنوا من تحقيق هذه الأهداف باستيراد القوالب الكلامية العقيمة من المركز والتي لا تتماشى مع حقيقة اقتصادهم التابع، ولا تستجيب لاحتياجاتهم الاستقلالية السياسية " .


5) اتجاه المكانة الدولية:

تعتمد هذه النظرية على وجود نوع من البناء الدولي في ضوئه يمكن أن تتدرج دول العالم وفقا لمحكات معينة.
ونجد بارسونز قد ذهب إلى أن الاستقطاب خاصية أساسية تميز المجتمع الدولي المعاصر.
في حين أن لاجوس Lagos قدم إطار فكري يقوم على فكرة أن المجتمعات القومية تشكل نسقا اجتماعيا دوليا، وأن هذه المجتمعات تحتل داخل هذا النسق أوضاعا مختلفة يمكن ترتيبها أو تدريجها في ضوء المركز الاقتصادي والقوة والهيبة .
ونجد لاجوس أولى الدول المتخلفة نوعا من الاهتمام، حيث أن انخفاض هذه المكانة يكون إما جزئي، ويعني عدم القدرة على اتخاذ موقف الريادة التكنولوجية، وإما كلي، ويعني فقدان التنمية الاجتماعية أو انخفاض مستوى المعيشة.
كما أن هناك مجموعة من نظريات مفكرين بخصوص هذا المجال، أمثال: هورفيتر، بيندكس، نيتل وروبرتسون.
أما بخصوص اتجاه النماذج والمؤشرات والذي هو الموضوع الرئيسي في عرضنا هذافسنتطرق له باستفاضة من خلال المحور التالي.

لقد حاول الأستاذ الدكتور عبد السلام فراعي، في الفقرة الثانية من الفصل الثاني المعنون ب : " ميادين البحث في سوسيولوجيا التنمية " ، أن يعالج العديد من الأسئلة المتعلقة بالاتجاهات النظرية المتصلة بسوسيولوجيا التنمية، وقد أطر مقاربته هذه بالقضايا التي اهتمت بها هذه الاتجاهات، والتي تتلخص في الأسئلة التالية :
1) ما هي الأسباب أو العوامل الكامنة وراء ظاهرتي التخلف والتنمية؟ ولماذا استطاعت مجتمعات معينة أن تنمو بشكل أسرع من مجتمعات أخرى؟.
2) ما هي الاتجاهات التي تتخذها عملية التنمية الاقتصادية والتغير الثقافي، وهل يمكن القول بأن ثمة مراحل تنموية متتالية؟
3) إلى أي مدى تتطلب التنمية الاقتصادية حدوث تحول اجتماعي – ثقافي؟
4) كيف تستجيب الدول النامية للمؤثرات المختلفة التي تتلقاها من المجتمع الدولي؟
وبعد ذلك عمد إلى تقسيم هذه الاتجاهات وفق تصور ينطلق من مرجعيتها الفكرية، وهذا ما تأتى له باعتماد رؤية ثنائية ركناها: المرجعية الماركسية والمرجعية الفيبيرية، بمعنى النظريات الكلاسيكية في التنمية، بالرغم من كون البعض يرفض هذا التقسيم بين النظريات الكلاسيكية والنظريات الحديثة في التنمية.
ويمكن تلخيص أهم ما جاءت به هاتين النظريتين في الجدول التالي:


الاتجاه المادي: كارل ماركس
- البداية: علاقة الإنسان بالطبيعة وبالوسائط التي تنتج الخيرات المتفاوت في امتلاكها.
- الواقع الاقتصادي.
- التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية تحدد الثقافة.
- الرأسمالية خلقت الثروة واقتصاد السوق.
الاتجاه المثالي: ماكس فيبر

- البداية: نظام الأفكار والعقائد والقيم الفاعلة في النشاط الاقتصادي.
- القيم الثقافية.
- القيم الثقافية تحدد نوع ومستوى النشاط الاقتصادي.
- البروتستانية خلقت العقلانية الاقتصادية،والحداثة الديمقراطية.

نلاحظ أن هاته النظريات قد تأثرت بالاتجاه التاريخي الذي سيطر على الفكر الاجتاعي، ورغم كون هذين الاتجاهين متعارضين إلا أنهما يتكاملان في معالجة مسألة التخلف والتنمية. ودليل ذلك ظهور عدة نظريات في سوسيولوجيا التنمية، انطلقت بشكل أو بآخر من الثرات الماركسي أو الفيبيري. فإلى أي مدى استطاعت هذه الاتجاهات الإسهام في التشخيص العلمي لما يصطلح على تسميته بواقعة التخلف؟ وما هي نوع التطورات المقترحة من أجل أن تأخذ بها المجتمعات المتخلفة وتسترشد بها إذا أرادت الخروج من وضعها المتخلف إلى وضع متقدم؟ .
سبق وأشرنا في مقدمة هذا العرض إلى الاتجاهات النظرية الحديثة للتنمية، إضافة إلى اتجاه النماذج والمؤشرات، الذي اعتمد على معالجة مشكلات التنمية الاقتصادية والتغير الثقافي بإقامة نماذج مثالية متقابلة بعد القيام بمقارنات عديدة.
ومن أهم ممثلي هذا الاتجاه نجد:
مانتج ناش:
رئيس تحرير مجلة التنمية الاقتصادية والتغير الثقافي، والذي خلص إلى القول:
 اتجاه النموذج المثالي، يقوم على فكرة النموذج المثالي.
 تجريد الخصائص العامة للاقتصاد المتقدم.
 مقابلة النموذج المثالي للاقتصاد المتقدم، بالنموذج المثالي للخصائص العامة للاقتصاد المتخلف.
ومنه فإن التنمية حسب ناش تمثل تحولا من نموذج لآخر.
ويمكننا انطلاقا من ذلك أن نجد أمثلة عديدة عن هذه النماذج مثل:
 مؤلف هوسيليتز: " العوامل السوسيولوجية للتنمية الاقتصادية ".
 مؤلف تالكوت بارسونز: " البنية والعملية في المجتمعات الحديثة ".
 أعمال ماريو ليفي.
 مؤلف E. Hagen : " نظرية في التغير الاجتماعي ".
هوسيليتز:

الممثل الرئيسي لاتجاه المؤشرات حيث نشر نظريته بهذا الخصوص لأول مرة سنة 1953، في مقال بعنوان: " البنية الاجتماعية والنمو الاقتصادي "، الذي أعاد كتابة بعض أفكاره في مقال نشره سنة 1963 بعنوان: " التراتب الاجتماعي والتنمية الاقتصادية "، حيث وضح في هذين المقالين كيف أن الدول المتقدمة تشهد متغيرات النموذج، وذلك كما يلي:

النموذج المثالي للمجتمعات المتقدمة النموذج المثالي للمجتمعات
المتخلفة
- العمومية
- الأداء
- التخصيص - الخصوصية
- النوعية
- الانتشار

ويخلص هوسيليتز، إلى الاعتقاد أنه يمكن للدول المتخلفة أن تحقق تنميتها عن طريق التخلي عن متغيرات النموذج السائدة فيها (المجتمع التقليدي)، وتبني أو اكتساب واستيعاب المتغيرات السائدة في الدول المتقدمة.
طرح هوسيليتز، يستمد روحه من النظرية الثنائية كتقليد سوسيولوجي يصنف المجتمعات إلى مجموعة من ثنائيات متمحورة حول ازدواجية، التقليد / الحداثة.
كما أن محاولات Hagen بدورها سقطت في أحضان النظرية الثنائية وفخ الأمبريقية الضيقة العمياء.


جورج بلاندي:
وقد أشرف جورج بلاندي ( الذي رأى أن النظرية الثنائية ليست سوى خطاطة عامة تفتقد للقيمة التفسيرية )، على دراسة استخدمت المؤشرات الكمية، حيث نجد أن مؤشرات التخلف تصل إلى 11 مؤشرا هي:
1. ارتفاع نسبة الوفيات وبالخصوص وفيات الأطفال.
2. ارتفاع نسبة الخصوبة.
3. انعدام الوقاية الصحية.
4. ارتفاع نسبة الأمية.
5. سوء التغذية.
6. استهلاك ضعيف للطاقة.
7. ارتفاع نسبة المزارعين.
8. تدني المكانة الاجتماعية للمرأة.
9. تشغيل الأطفال.
10. حجم الطبقة المتوسطة.
11. حجم المجتمع.
كما يمكن إضافة مؤشرات أخرى، كمتوسط الدخل الفردي ودرجة التصنيع، وطبيعة الحراك الاجتماعي.
ويرى بلاندي أن:
 اتجاه المؤشرات الكمية لم يعمل سوى على جمع ركام مؤشرات غير متجانسة، ومعطيات إحصائية وخصائص بنيوية.
 يؤدي هذا الاتجاه بالضرورة إلى إقرار تصور استاتيكي للمجتمع موضع الدراسة.
 واقعة التنمية تستلزم تصورا ديناميا ومعرفة بالعمليات التي تصنف الانتقال من تشكيلة اجتماعية إلى أخرى.
 استعمال المؤشرات يساعد على رصد التخلف ووصف تجلياته فقط ولا يفسر الواقع.
 أغفل هذا الاتجاه ميكانيزمات التخلف.
وقد لخص تشارلز كيند لبيرجر عناصر هذا الاتجاه كما يستخدمه علماء الاقتصاد، وخبراء البنك الدولي بقوله:
" يمكننا عزل السمات النموذجية المثالية المعبرة عن التخلف عن تلك المعبرة عن التقدم، بحيث تبقى لنا السمات التي هي بحاجة إلى تنمية والتي من أجلها يجب أن تخطط المشروعات ".



 شرح اتجاه النماذج والمؤشرات:

من خلال قراءة النص المأخوذ من أطروحة الأستاذ الدكتور عبد السلام فراعي، نلاحظ أن اتجاه النماذج والمؤشرات كغيره من الاتجاهات تعرض لمجموعة من الانتقادات التي كانت ولا تزال مجال جدال بين العديد من المفكرين والباحثين في مجال التنمية والتخلف.
وقبل الحديث عن هذه الانتقادات لا بأس أن نتعرض بالشرح لهذه النظرية وكذلك لبعض الأشكال الأخرى من هذا الاتجاه.
يعتبر هذا الاتجاه هو الأكثر شيوعا في الدول النامية ، والذي أكد السيد الحسيني على ضرورة الاستعانة بالمؤشرات، ولكن من خلال ربطها بالسياق التاريخي والبنائي للدول المتخلفة، مثل ضعف التصنيع، التفاوت الطبقي، التبعية الاقتصادية، انخفاض الإنتاجية، سيطرة الازدواجية... ، ويتخذ شكلين أساسيين أو اتجاهين هما:

اتجاه كمي:
يميل إلى اختزال تنمية الدول النامية والتعبير عنها في صورة مؤشرات كمية مثل:
• متوسط الدخل الفردي.
• نسبة السكان الذين يعملون في الزراعة.
• درجة التعليم.
• عدد الأطباء.
• توزيع الصحف.
وقد وجه انتقاد إلى هذا الاتجاه على أن هذه المؤشرات هي مجرد برهنة على صحة مفاهيم معينة مشتقة من واقع الدول الغربية.
كما نجد سيمور ليبست،S. Lipset، قد ربط مفهوم التنمية السياسية بمؤشرات مثل:
• الثروة.
• التصنيع والتحضر.
• التعليم.
ولم يخلو هذا الرأي أيضا من النقد وذلك لكونه لم يدع مجالا للشك في صدق هذه المؤشرات الحسابية، وخير مثال على ذلك هو مثلا:
 الأرجنتين لديها معدل تحضر أعلى من ألمانيا الغربية.
 الكويت لديها متوسط دخل فردي أعلى من الولايات المتحدة الأمريكية.
كما اقترح البعض مجموعة من المؤشرات تعكس مستوى القوى الإنتاجية وعلاقات الإنتاج معا. مثلا بالنسبة للقوى الإنتاجية هناك مؤشري الإنتاج والاستهلاك ( بمعنى الربط بين تحليل المؤشرات الإحصائية وتحليل الموارد ).
ومنه فإن هذه المؤشرات ما هي إلا متوسطات حسابية وليست اجتماعية، وبالتالي فاعتقاد أصحاب هذا الاتجاه أن الخصائص الكمية الأمبريقية تكاد تمثل أو تعبر عن الواقع الاجتماعي في كليته وشموله هو اعتقاد خاطئ، لأن التنمية تتطلب أكثر من ذلك.

اتجاه كيفي:
ويميل إلى تحديد بعض العناصر النموذجية للتنمية والتي تصبح بذلك مجرد عملية اكتساب أو فقدان خصائص أو سمات معينة.
سبق ورأينا في التلخيص أن هوسيليتز هو الممثل الرئيسي للاتجاه الكيفي في هذه النظرية، والذي حدد ثلاث متغيرات نمط من أصل خمس متغيرات نمط حددها تالكوت بارسونز، والتي يمكن أن تنطوي على أهمية بالغة في دراسة التخلف والتنمية. وبتحليل هوسيليتز لهذين الأخيرين نجده قد دعم الاتجاه الذي عبر عنه بارسونز أبو الوظيفية، والذي حاول إظهار جوانب الاتساق والتكامل في المجتمع وإخفاء جوانب الاستغلال والسيطرة فيه .

ويمكن إجمال نظرية بارسونز في خمسة أزواج من البدائل والتي يعتبرها شاملة على أساس مستوى من التعميم، هاته الأزواج اعتبرها بديلا عن النموذج المثالي عند فيبر، وهي :

النموذج المثالي للمجتمعات المتقدمة النموذج المثالي للمجتمعات
المتخلفة
- العمومية
- الأداء
- التخصيص
- المصلحة الجمعية.
- الحياد الوجداني. - الخصوصية
- النوعية
- الانتشار
- المصلحة الذاتية.
- الوجدانية.

وما نلاحظه في المجتمعات المتخلفة وخصوصا مجتمعاتنا العربية أن هذه النظرية إلى حد ما صحيحة رغم ما قدم إليها من انتقادات، خصوصا فيما يتعلق بسيادة المصلحة الجمعية في الدول المتقدمة على عكس الدول المتخلفة والتي تطغى عليها المصلحة الذاتية. ونفس الشيء بالنسبة للحياد الوجداني الملحوظ في الدول المتقدمة مقابل طغيان الوجدانية في الدول المتخلفة.

الانتقادات الموجهة لنظريتي بارسونز وهوسيليتز:
كون التنمية عندهم تتمثل في اكتساب واستيعاب المجتمعات المتخلفة لمتغيرات النمط السائدة في الدول المتقدمة، وبالتالي فهي تعاني من بعض جوانب القصور المتمثلة في:
 تحديدها للعناصر المعبرة عن الدول المتقدمة والمتخلفة على السواء.
 كون الدول المتخلفة هي متخلفة لتواجد الأسرة الممتدة والقبيلة البدائية والمجتمع الشعبي.
 العمومية ليست سائدة تماما في الدول المتقدمة ( مثال ذلك اليابان وفرنسا ).
 الخصوصية هي قدر من التعسف لأن المجتمعات المتخلفة تعرف قدرا من العمومية لا يمكن تغافله، وبهذا الخصوص نجد أندري جوندر فرانك قد أعطى مجموعة من الأمثلة توضح شيوع خاصية العمومية في الدول النامية خصوصا في المجتمعات المسيحية، الإسلامية...
كما وجه السيد الحسيني من خلال كتابه دراسات في التنمية الاجتماعية ، نقدا لنظرية هوسيليتز بخصوص اتصاف المجتمعات المتقدمة بالأداء ( الإنجاز ) والمتخلفة بخاصية النوعية ( العزو، النسبة )، ومثل لذلك بالولايات المتحدة حيث نجد أن المكافأة على القيام بالوظيفة تتوقف على الأداء، في حين يتوقف الالتحاق بالوظائف على الطبقة التي ينتمي إليها الشخص.
في حين أن هارتجتون، فقد أشار إلى أن خاصية العزو تسود لدى جماهير الفقراء في الولايات المتحدة، حيث إن المجتمع الأمريكي يتجه إلى إحلال خاصية الإنجاز بخاصية العزو.
أما بخصوص التخصص ( تخصيص الدور يسود المجتمعات المتقدمة )، وأن الانتشار ( أو تشتت الدور يسود المجتمعات النامية )، نجد فرانك ينتقد هذه النقطة حيث يكشف بوضوح عن أن الوضع المهني لعلم الاجتماع في بلد كالولايات المتحدة الأمريكية أبعد ما يكون عن تخصيص الدور.





 الأصول المشتركة بين نظرية النماذج والمؤشرات ونظرية ماكس فيبر:
- النموذج المثالي عند ماكس فيبر:
ماذا يقصد فيبر بالنموذج المثالي؟ وما هي هويته ووظائفه الأساسية؟ وما علاقته باتجاه النماذج أو المؤشرات؟

 تعريف النموذج المثالي:
قدم فيبر عدة تعاريف للنموذج المثالي، ولعل أهم تعريف هو كونه بناء من العناصر التي جردتا عن الواقع والتي وضعت مع بعضها البعض، لكي تشكل جوانب الحقيقة. وهو ما يتضمن المبالغة في بعض جوانب الحقيقة . وبالتالي فهو بناء أو تشييد نظري عقلي يتشكل من خلال ظهور أو وضوح سمة أو أكثر يمكن ملاحظتها في الواقع، كما يعبر عن مفردات ملموسة يحددها الباحث بنفسه لكي تكون أساسا تنهض عليه المقارنة.

 هوية ووظيفة النموذج المثالي:
- الهوية:  ليس فرضا نظريا، بمعنى أن يكون قضية تتعلق بالحقيقة الواقعية، ومن ثم يمكن اختيار صدقها الواقعي، لأن النموذج المثالي عادة ما يتسم بالتجريد.
 أنه ليس وصفا للواقع.
 أنه ليس صياغة للسمات الواقعية المشتركة بين فئات الموضوعات الواقعية ( مثلا: وجود اللحية عند الرجال يميزهم عن النساء ) .
- الوظيفة:
 وسيلة موجهة نحو توضيح معنى الموضوع.
 وسيلة توضيحية تساعد على إصدار الأحكام التي تتضمن التنسيب السببي.
ومنه فإن ه-ا النمو-ج يستمد أهميته من خلال كونه وسيلة لفهم العالم الوقعي، إذ لا ضرورة له إذا كان العلم يعرض نفسه أمامنا بطريقة تمكننا من الوصول إلى التعميمات بسهولة. ونجد فيبر يقول بهذا الصدد: " إن النموذج – بما يتضمنه من مفاهيم محددة – يمثل أداة تحليلية تمكننا من السيطرة الفكرية على البيانات الواقعية " .

 علاقة النموذج المثالي الفيبري باتجاه النماذج والمؤشرات:
ترجع هذه العلاقة إلى كون اتجاه النماذج هذا قد استلهم من النموذج الفيبري وذلك من خلال إمكانية استخدامه كوسيلة للمقارنة الموضوعية والعلمية بتحديد نماذج تحدد المجتمع المتقدم ومقارنتها بأخرى تحدد المجتمع المتخلف. ومنه تأسيس نماذج مثالية لمختلف قضايا النظرية الاقتصادية، والتي تتعلق بالساليب التي يتصرف البشر وفقا لها في مواجهة موضوعات اقتصادية خالصة.
وبرغم فاعلية النماذج المثالية كوسائل منهجية تعمق من عملية المنهج المقارن، وتلغي إلى حد كبير التحيزات القيمية التي يسقط في أسرها الباحث، فلم تخلو من انتقادات عديدة لعل أهمها: انتقادات جوندر فرانك.

 انتقادات أندري جوندر فرانك:
انتقد جوندر فرانك اتجاه النماذج والمؤشرات، وتجلت هذه الانتقادات في:
 تجاهله للواقع التاريخي وإسهامه في ظهور التفاوت بين الدول المتقدمة والمتخلفة، وكذلك للواقع البنائي للدول المتخلفة.
 اتجاه النموذج المثالي لا يستطيع بحكم القيود المفروضة عليه أن يحلل بكفاءة البناء الداخلي للمجتمعات المتخلفة.
 عجزه في فهم التغيرات التي تطرأ على البناء الداخلي للمجتمعات ووضع السياسات الملائمة له.
 تجنب ممثلي النموذج المثالي دراسة الخصائص البنائية العامة لظاهرتي التخلف والتنمية.
 كون التخلف ليس أصيلا أو تقليديا، وأن ماضي وحاضر الدول المتخلفة لا يشابه حاضر وماضي الدول المتقدمة في مراحلها السابقة .
كما نجد الأستاذعبد السلام فراعي، في أطروحته قد وجه انتقادا لا ذعا لهذا الاتجاه، تجلى في كونه ضعيف أمبريقيا، وواه نظريا ومظلل تطبيقيا.

أضف إلى ذلك انتقادات أخرى وهي:
 كون هذا الاتجاه لا يزود بالفهم العميق للميكانيزمات الواقعية أو الممكنة للتغيير.
 أنه عبارة عن تعريفات تستند إلى معايير إحصائية، وليست معايير نظرية.
 اختزال عملية التنمية في مجرد اكتساب خصائص الدول المتقدمة.
 النظر إلى الحقيقة وهي في حالتها الساكنة، وعدم قدرته على استيعاب الجوانب الدينامية للظاهرة، ذلك أن الواقع متغير يطرح دائما متغيرات جديدة.
انطلاقا مما سبق، تطرح أمامنا مجموعة من التساؤلات، هي:
1. إلى أي مدى استطاع اتجاه النماذج والمؤشرات مقاربة إشكالية التخلف؟.
2. هل هناك نموذج واحد أو نماذج متعددة للتنمية، تستطيع الدول المتخلفة الاختيار فيما بينها لتضع نفسها على مسار النمو الذاتي؟ .
3. إذا كان هناك نموذج واحد للتنمية وهو النموذج الغربي، فهل تمثل الدول المتخلفة مجموعة متجانسة حتى تتبع هذا النمط؟ أم أن لكل دولة خصوصياتها سواء الاقتصادية، السياسية، الثقافية...؟.
4. لماذ فشلت كل التجارب التنموية بالدول النامية، هل يرجع هذا الفشل إلى أسباب كامنة في الدول المتخلفة متعلقة بطبيعة سكانها ونوعيتهم، وهيكلها الاقتصادي، أم ترجع إلى أسباب خارجية، أم الاثنين معا؟
5. هل تترك عملية التنمية للتفاعل التلقائي، أم يجب أن توضع مخططات تنموية؟ ومن المسؤول عن وضع هذه المخططات؟ وإلى أي مدى يمكن أن يهتم المسؤول عن تنفيذ هذه المخططات بتفعيلها؟

 خلاصة عن التنمية:
وكخلاصة لما سبق يمكن القول أن:
 التنمية مفهوم معقد التركيب، وتوضح هذه الخطاطة مقاربة قاموس التنمية وعائلة المفاهيم ، هذه المقاربة تعلمنا الكثير، أن المفاهيم أصبحت لا توجد ضمن حلقات مفردة، بل هي حلقات متواصلة، وأن المفاهيم أصبحت لا توجد إلا في أشكال منظومات، أو شجرة ذات فروع.

ويعود هذا التعقيد لاتسام التنمية بالطابع الإيديولوجي الذي يتجلى بالأساس في كثرة الأبعاد التي تنظمها ) بيئي، ثقافي، اقتصادي... (، وبذلك في قضية علم وسياسة بحيث لا يمكن الحديث عن تنمية بمعزل عن إرادات سياسية واضحة ومتكاملة تعتمد على البحث والتخطيط العلميين اللذين يشكلان أساسا لكل فعل تنموي ومجتمعي حداثي وديمقراطي، كما لا يمكن الحديث عن تنمية متكاملة بمعزل عن إدارات ومشاريع سياسية قادرة على أجرأة مقتضيات الفعل التنموي على واقع الممارسة الميدانية.
ونجد صاموئيل هنتنجتون يقول في هذا الصدد: " تقتضي الحركة الاجتماعية تغييرات في طموحات الأفراد والجماعات والمجتمعات، وتقتضي التنمية الاقتصادية تغييرات في قدراتهم، وتتطلب الحداثة كلتيهما " .
 التنمية هي السعي المنظم والمقصود للارتقاء المتكامل بالمجتمع من جميع نواحيه عن طريق نهج مجتمعي يرتاح إليه الجميع ويؤدي إلى تغيرات نوعية مرغوبة.
 لا يمكن للتنمية المتوازنة أن تتم إلا عن طريق التخطيط الواعي القائم على القناعة بالدور الأساسي للدولة في رسمها وتوجيهها.
 ومن أسباب فشل الجهود التنموية المتبناة من قبل الدول النامية هو افتقار تلك الجهود للانتماء، للتطلعن وللواقع المحلي، ولفشلها في سبر أغوار الحاجات الحقيقية للمجتمع ومسارها بناء على سياسة تملى عليه من واقع شديد الاختلاف .
 لم تجن الدول النامية المتبنية للبرامج التنموية سوى مشكلات ترتبت على تراكم الديون اتجاه الدول المصنعة والمصدرة لإيديولوجيات وسياسات تلك البرامج، الشيء الذي اضطر الدول المستوردة – النامية – إلى تصدير ثرواتها القومية – اليد العاملة، المواد الخام، الأدمغة... -، لمواجهة أعباء الاستيراد وتسديد الديون المتراكمة.
 ويشير الدكتور جورج قرم إلى نقطة هامة بها الصدد، مفادها: " أن فشل العديد من الجهود التنموية في دول العالم الثالث يدل على أن عملية التنمية ليست مجرد مسألة تخطيط مبني على عمليات رياضية معقدة أو نقل لتجارب وتقنيات لمجرد استخدامها بنجاح لدى دول العالم الصناعي، بل إنها مسألة اتساق مجتمعي اتزان حضاري يتطلب وجود قيادات فكرية من داخل نفس المجتمع لها رؤية واضحة لمفهوم التطور والتقدم ومواقف تابثة قائمة على تلك الرؤية " .
وبالتالي فإنه لم تعد مفاهيم الاستعمار الحديث والتبعية للغرب وحدها كافية لتفسير أسباب فشل المجهودات التنموية، بل لابد من توسيع الإشكالية لتشمل مكونات فكرية وحضارية واجتماعية خاصة بتلك المجتمعات. ومنه لا بد من رسم سياسة تنموية لتحقيق رفاهية المجتمع.
ويقول Graham Room : " أن وجود تنمية من غير خطة يعتبر ضربا من المجازفة التي لا تحمد عواقبها، فالأمر هنا لصيق بالكشف عن الضرورات والاستجابة لها. ويضيف بأن الخطة يمكن لها أن تؤدي الفرض بشرط أن تسندها توجهات لها صلتها الوثيقة بما يطمح إليه "

إذن كل نجاح وإنجاز في العمل التنموي يتحقق عادة نتيجة عملية متكاملة تبدأ من استقراء واقعي لاحتياجات المجتمع وإمكانياته وتطلعاته، ثم تصور استراتيجي عملي يحدد معالم العمل ووسائله وأساليبه وكيفية التعامل مع معطياته ومتابعته وتقويمه، وهذا يتحقق اعتمادا على سند رسمي وشعبي ينظر إلى الواقع بوعي ويتطلع إلى المستقبل بأمل وتصميم على الوصول إلى حياة أفضل.
ولتحقيق ذلك يجب الانطلاق من الإجابة عن الأسئلة التالية:
1. التنمية لمن؟
2. التنمية بمن؟
3. التنمية متى؟

Read more: https://www.kolchi.tv/vb/showthread.p...#ixzz1gngzUqk5



https://www.kolchi.tv/vb/showthread.php?t=22625









رد مع اقتباس
قديم 2011-12-17, 15:06   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفاكر مشاهدة المشاركة
لو سمحتي اختي عندي بحث حول الفيس بوك .لم اعرف العناصر والنقاط التي اطرق اليها في هذا البحث من فضلك ساعديني
ولا تنسي بحثي حول النظرية التطورية للانسان
من طرف HALIMHARD في الثلاثاء 30 مارس 2010, 3:30 am
لويس هنرى مورغان
إدوارد برنت تايلور
النظرية التطورية الثقافوية
الإتجاه الإنتشارى في الأنثروبولوجيا
الإتجاه الوظيفي في الأنثروبولوجيا
برونيسلو مالينوفسكى
رادكليف براون
الإتجاه النسبى الأمريكى
التطورية الجديدة
الإتجاه المادى الثقافوى
الإتجاه البنيوى الماركسى





لويس هنري مورغان (1818-1881)
محام وعالم إنسان أمريكي اهتم في بداية حياته بدراسة أمريند الايروكيز وغيرهم من سكان الشمال الشرقي الأمريكي الأصليين. حاول مورغان إعادة تركيب صورة المجتمعات الإنسانية وتصنيفها بغية التعرف على تاريخ المجتمع الأوروبي والمراحل التي مرَّ بها وصولاً إلى ما هو عليه في عصره. وقد تأثر مورغان بكتاب باخوفن "حق الأم" وبأبحاث لافيتو.



نشر مورغان في عام 1851 بحثاً بعنوان "عصبة الايروكيز" أبرز فيه النظام الأمومي السائد وسط الايروكيز. وكان اهتمام مورغان بنظم القرابة والنظم الاجتماعية والسياسية كبيراً مما دفعه للقيام برحلات واسعة بين الأمريند، وراسل المبشرين العاملين في جهات مختلفة من العالم مستفسراً عن أنظمة القرابة والتنظيمات الاجتماعية لدى الشعوب التي يبشرون بينها. كما وأطلع على كتاب هنري مين "القانون القديم" الذي نشر في عام 1861. نتيجة تلك الأبحاث والقراءات أصدر مورغان مؤلفة عن "أنظمة القرابة والمصاهرة في العائلة البشرية" في عام 1871 وألحقه في عام 1877 بمؤلفه "المجتمع القديم".



نجح مورغان في إقامة البرهان، عموماً، على أنَّ علاقات القرابة تسيطر على تاريخ الإنسان البدائي، وعلى أنَّ لهذه العلاقات تاريخاً ومنطقاً. واكتشف مورغان أن أنظمة القرابة في المجتمعات البدائية طباقية وليست وصفية وأن نقطة ارتكازها تبادل النساء بين الجماعات، وان الزواج الخارجي (الاغترابي/الاكسوجامي) لا يتنافى والزواج اللحمي (الداخلي/ الاندوجامي) لأن الزواج الاغترابي بين العشائر هو تكملة الزواج اللحمي بين القبائل. ولقد أوضح مورغان أنَّ العشيرة هي الشكل السائد من أشكال التنظيم الاجتماعي لدى جميع الشعوب التي تجاوزت مرحلة التوحش. وميز مورغان شكلين من أشكال العشيرة، العشيرة التي تنتسب إلى الأم والعشيرة التي تنتسب إلى الأب، وقال بالأسبقية التاريخية والمنطقية لأنظمة قرابة الأم على أنظمة قرابة الأب متبنياً بذلك واحدة من فرضيات باخوفن.



انطلق مورغان في تحليله لأنظمة القرابة من واقعة لاحظها لدى الايروكيز الذين عاش معهم واطلع على حياتهم بشكل واسع. لقد كان نظام القرابة السائد لدى الايروكيز "متناقضاً مع علاقاتهم العائلية الفعلية".. ففي الوقت الذي لم يكن فيه شك في حقيقة الأشخاص الذين كانوا آباءهم وأمهاتهم وبناتهم وإخوتهم يسميهم مورغان (بحسبانه أوروبي يعتمد النظام الوصفي للقرابة) أعمام وخالات … إلخ. وكان أبناء العم المتوازين يعدون عند الايروكيز أشقاء وشقيقات، وكان أبناء العم المتصالبون (أي المتحدرون من أخوات الأب ومن إخوة الأم) هم وحدهم الذين يسمون بأبناء العم. ولقد تولدت لدى مورغان القناعة، بعد استقصاء ومراجعة أكثر من 250 قائمة بمصطلحات القرابة عبر العالم بأسره، بأن التناقض المميز لنظام القرابة لدى الايروكيز موجود أيضاً في الهند وفي أمريكا الشمالية. ولتفسير هذه الظاهرة العامة افترض مورغان أن نظام القرابة يتطابق مع شكل عائلي منقرض يمكن إعادة بنائه فيما لو تم التوصل إلى فك لغز ذلك النظام. كان هذا التناقض تعبيراً عن السرعة المتفاوتة لتطور الأسرة، العنصر الحركي الفعال، ولتطور أنظمة القرابة، العنصر السالب المنفصل.



لقد خيل لمورغان، وهو يقيم مقارنة بين 250 من أنظمة القرابة وأشكال الأسرة التي قام بجمعها، أنه اكتشف في الأسرة الهاوائية (جزيرة هاواي) الشكل العائلي الذي يتطابق مع مصطلحات القرابة لدى الايروكيز، لكن لما كان نظام القرابة في هاواي لا يتطابق هو الآخر مع الشكل العائلي الهاوائي لم يكن هناك مفر من الرجوع تدريجياً إلى "شكل عائلي أكثر بدائية أيضاً، شكل لم يقم البرهان على وجوده في أي مكان، ولكن لابدَّ أن يكون قد وجد لأن نظام القرابة ما كان ليوجد دونه" وذلك على حد تعبير مورغان.



هذا الشكل البدائي الأصلي لا يمكن أن يكون، في رأى مورغان، غير حالة من "الاختلاط الجنسي" بين أعضاء "القطيع البدائي". ففي هذه الحالة كان جميع الأخوة والأخوات، والآباء والأولاد أزواجاً وزوجات، ولم يكن للمحارم من وجود وشهدت المرحلة التالية ولادة تحريم الزواج بين الفروع والأصول، بينما بقى الأخوة والأخوات في كل جيل أزواجاً وزوجات. ولا بدَّ أن الأسرة كانت حينها "عصبية". ورغم أن مورغان يرى بأنه حتى أكثر الشعوب بدائية لا تقدم أمثلة قاطعة على هذا النوع من الأسرة فإنه يقول: "لابدَّ أن تكون هذه الأسرة قد وجدت لأن تطور الأسرة اللاحق يفترضها جبراً ويرغمنا النظام الهاوائي على القبول بذلك".



وكان التقدم الثاني حظر الزواج بين الأخوة والأخوات من نسل الأم، ثم بين الأخوة والأخوات من قرابة الحواشي. ويصبح الرجال في هذا الشكل من الأسرة أزواجاً مشتركين لزمرة من نساء لسن بأخوات لهم، وتصبح الأخوات بالمقابل الزوجات المشتركات لرجال ليسوا بإخوة لهن. هكذا يرى مورغان بأن هذا الشكل العائلي يفسر نظام القرابة لدى الايروكيز، وأن هذا النظام يتعايش مع شكل عائلي مغاير، "العائلة "القرينة" التي يكون فيها عدد محرمات الزواج أكبر أيضاً ويتخذ فيها الزوجان المزيد من الأهمية. وفي جميع الأشكال السابقة من الزواج الجماعي ما كان ممكناً تحديد عامود النسب عن غير طريق الأم. عندها اتخذ التنظيم الاجتماعي الذى كانت تتطابق معه العائلة "القرينة" شكل عشيرة، أي مجموع فروع أم واحدة حُرَّمَ عليهم من الآن فصاعدا الزواج فيما بينهم.



إن العشيرة في شكلها الأول ما كان يمكن أن تقوم إلا على عامود نسب الأم. وقد شكلت العشيرة، على حد تعبير مورغان، "قاعدة النظام الاجتماعي لغالبية الشعوب البربرية، إن لم نقل جميعها، ومنها ننتقل فوراً إلى المدنية في اليونان كما في روما".



وقد حلت محل العشيرة التي تقوم على نسب الأم العشيرة التي تقوم على نسب الأب والتي لم تدرك كامل تطورها إلا في العالم القديم بعد أن أدى ظهور تربية الماشية إلى تغير أصاب علاقات الإنتاج وأشكال الملكية لصالح الرجال. وقد أدى تطور تربية الماشية ثم الزراعة إلى ولادة الأسرة الأبوية، وأدى تطور هذه الأخيرة إلى ولادة الأسرة الزوجية الحديثة.



ولقد تطور بدءاً من نظام العشائر التنظيم القبلي ثم إتحاد القبائل، وهذه أعلى نقطة أدركها، في رأى مورغان، الهنود الأمريكيون الأصليون الأكثر تطوراً: الإيروكيز والأزتيك والإنكا. والقبيلة، طبقاً لمورغان، هي جملة من عشائر لها أرضها ولهجتها الخاصة، ولها تصورات دينية وعبادات مشتركة. وهي تنتخب زعماءها، ويدير شئونها المشتركة مجلس القبيلة، وعلى رأسه زعيم أعلى محدود السلطات. وللشعب دوماً الحق للتدخل في المناقشات.



كان هذا التنظيم، في رأي مورغان، تنظيم "ديمقراطية عسكرية" ينطوي بحكم طابعه العسكري على أشكال استثنائية من السلطة موقوفة على القادة الحربيين، لكنه يتنافى في الوقت نفسه، بحكم طابعه الديمقراطي، مع وجود طبقات متصارعة ودولة. وعلى هذا يرى مورغان أن الممالك والإمبراطوريات والملوك والأمراء التي أكتشفها الأسبان في المكسيك لم تكن إلا من اختراع مخيلتهم وجهلهم وآرائهم الغربية المسبقة على نحو يتعارض تماماً مع كل المعارف العلمية المتراكمة عن بنية المجتمع العشائري لدى الهنود الأمريكيين.



وافترض مورغان عدداً من المراحل التطورية الاجتماعية ، وربط كل مرحلة من تلك المراحل بنمط معين طبقاً لمراحل التطور الثقافي، أي أن كل مرحلة تميزها علاقات ثقافية تتمظهر في أشكال من النظم بحيث تتوافق مع المراحل الفرعية. وافترض مورغان أن جميع المجتمعات الإنسانية تخضع في تطورها لقانون واحد طالما أن تاريخ الجنس البشري واحد "وحدة أصل الإنسانية وتوحد الحاجات الإنسانية على الدرجة نفسها من التطور وذلك حين تكون العلاقات الاجتماعية على الدرجة نفسها من المساواة".



هكذا يرى مورغان أن الثقافة الإنسانية انتهجت في تطورها مساراً أُحادياً، أي أنها تنتقل عبر التاريخ وفق سلسلة متتابعة الحلقات، بمعنى وجود مراحل محددة وحتمية لا بدَّ أن تمر بها كل ثقافة من الحالات الدنيا إلى الحالات الراقية فالأكثر رقياً. وافترض مورغان وسعى إلى إيجاد علاقة عنصرين كبيرين في مرحلة ما قبل التاريخ هما: مرحلة التوحش ومرحلة البربرية وقسم كل مرحلة منها إلى مراحل فرعية دنيا ووسطي وعليا قبل الوصول إلى مرحلة المدنية. وبذلك استعاد التاريخ البدائي تلاحماً شاملاً وعمقاً .. تعدد الوجوه يبدو كالتالي:

1- مرحلة التوحش الدنيا: يرى فيها مورغان طفولة البشرية حيث عاش الإنسان في مرحلة أشبه بالحيوانية هائماً على وجهه متغذياً بجذور النباتات وبعض الثمار البرية … جامعاً وملتقطاً.

2- مرحلة التوحش الوسطى: مرحلة تقدم فيها الإنسان قليلاً عما كان عليه في المرحلة السابقة باهتدائه إلى اكتشاف النار واستخدامها في طهي الطعام وإضاءة الكهوف. نتج عن ذلك تعرف الإنسان على أنواع جديدة من الأطعمة بخاصة اللحوم والأسماك.

3- مرحلة التوحش العليا: اكتشف فيها الإنسان القوس والسهم مما ساعده على تغيير غذائه واقتصاده بشكل عام، أصبح الإنسان في هذه المرحلة صائداً للحيوانات يعتمد على لحومها، أي أن الإنسان بدأ في هذه المرحلة في تحقيق الانتقال من جامع للطعام وملتقط له إلى منتج لطعامه. ويفترض مورغان ارتباط هذا التقدم في الاقتصاد بتقدم مماثل في شكل التنظيم الاجتماعي والديني.

4- مرحلة البربرية الدنيا: تتميز بوصول الإنسان إلى إبداعات جديدة أهمها صناعة الفخار، وبخروج الإنسان من عزلته الضيقة وانتشاره في مناطق أكثر اتساعا، وبداية نشوء جماعات اجتماعية.

5- مرحلة البربرية الوسطى: تمكن فيها الإنسان إلى صهر المعادن وصناعة الأدوات والآلات المعدنية، وبداية اكتشاف الكتابة الصورية.

ويرى مورغان أنه وبعد اجتياز الست مراحل تلك توصل الإنسان إلى مرحلة المدنية التي تتميز باختراع الحروف الهجائية والكتابة، وهي المرحلة التي لا زالت ممتدة حتى الوقت الراهن.



ويؤكد مورغان على هذا التتابع المميز للتطور الثقافي ويراه ضرورياً لمطابقته مع الواقع. وحاول مورغان تطبيق تلك المراحل على بعض الثقافات الإنسانية المعاصرة له فرأى أن سكان أستراليا الأصليين يمكن أن يمثلوا مرحلة التوحش الوسطى، في حين يمثل البولينيزيون مرحلة المتوحش العليا، ويمثل الايروكيز ما بعد مرحلة البربرية العليا. أما الثقافة الأوروبية في عصره فتمثل المرحلة السابعة – المدنية. تبقى المرحلة الأولى – الوحشية الدنيا التى لم يجد لها مورغان من يمثلها.



وعارض مورغان المدنية بتاريخ الإنسان البدائي بأشكاله الوحشية والبربرية وشبه هذا التعارض بين المجتمعات اللا طبقية المنظمة تبعاً لعلاقات القرابة وبين المجتمعات الطبقية التي تهيمن عليها الدول والتي تقوم على أساس الملكية الخاصة والتبادل وتراكم الثروات.



وتصور مورغان مرحلة المدنية نفسها بحسبانها عصراً انتقاليا في تطور الإنسانية لا بدَّ أن يفضي، بحكم قوانين التطور، إلى "بعث الحرية والمساواة والإخاء كما عرفتها العشائر القديمة".



ادوارد برنت تايلور (1832-1917)
عالم إنسان بريطاني أصبح أستاذاً لعلم الإنسان في جامعة أكسفورد منذ عام 1896 وظل بها حتى تقاعده في عام 1913. أسهم إسهاماً كبيراً في دراسة الثقافة وكان أحد رواد الاتجاه التطوري، وقال بالنظرية البيولوجية، وأسهم في تطوير الدراسات المقارنة للأديان.



يرى تايلور أن الثقافة تطورت من الشكل غير المعقد إلى الأشكال المعقدة مبدياً اتفاقه مع مورغان بشأن مراحل التتابع الثقافي من الوحشية إلى البربرية فالمدنية. وكان كتابه "أبحاث في التاريخ المبكر للبشرية وتطور المدنية" في عام 1869 والذي أعقبه كتابه"المجتمع البدائي" في عام 1871 قد انطلقا من وجهة نظر تطورية.



ويرجع الفضل إلى تايلور في ابتكار مصطلح الثقافة مفهوماً أنثروبولوجياً بحسبانه "كل ما يفهم من العلم والعقيدة، والفن والأخلاق، والتقاليد والأعراف، وأية قدرات أخرى يكتسبها الإنسان بصفته عضواً في مجتمع". وقد عُدَّ تعريف تايلور للثقافة في حينه أحد أهم التعريفات لكنه ومع تقدم المناهج العلمية وتوسع الأبحاث والدراسات الميدانية لم يعد هذا التعريف مناسباً. تبدو محدودية هذا التعريف في كونه اعتمد على الدراسات الاثنوغرافية الوصفية التي سجلها الرحالة ولم يتجاوز مجرد كونه سرداً وصفي لعناصر الثقافة ومحتواها.



عدَّ تايلور الثقافة عنصراً مساعداً لفهم تاريخ بني الإنسان طالما أن الثقافة ظاهرة تاريخية تميز بها الإنسان عن سائر الكائنات الأخرى، ويكتسبها الإنسان بالتعلم من مجتمعه الذى يعيش فيه. بهذا الفهم يرى تايلور أن الثقافة تكون دوماً ثقافة جماعة – مجتمع. لكنه في الوقت نفسه لا يهمل دراسة العمليات العقلية للفرد بحسبان الثقافة حصيلة أعمال فردية كثيرة. هكذا يفترض تايلور أن دراسة الثقافة هي دراسة تاريخ تطور الفرد في المجتمع بحسبانها العملية التاريخية العقلية لتطور عادات الإنسان وتقاليده من حالتها غير المعقدة إلى حالتها المعقدة فالأكثر تعقيداً. لكن يلاحظ أن تايلور، خلافاً لمورغان، لا يصر على عد مراحل تطور الثقافة من الوحشية إلى البربرية فالمدنية بمثابة حتمية ملزمة محتفظاً في الوقت نفسه بمبدأ التقدم التطوري من الأدنى إلى الأعلى حقيقة وضعية.



وكان تايلور أول من درس طرق إشعال النار عند البدائيين، وطريقة الطهي بالحجارة الساخنة عند الجماعات التي لم تتعرف على صناعة الفخار. كما انه درس بعناية نظام الزواج الاغترابي المحلي، ونظام الزواج مع أنساب الأم (ابن الخال أو الخالة). وقد اتفق تايلور مع فرضية أدولف باستيان التي ترى في التفسيرات النفسانية للنمو الثقافي. ويقول تايلور أن الثقافة، مثلها مثل النباتات، تتصف بالانتشار أكثر من كونها تتطور، ويرى بأن الناس أخذوا من جيرانهم أكثر مما اخترعوا أو اكتشفوا بأنفسهم. ويرى بأن هناك عدداً من الاكتشافات التي نشأت في مكان واحد وانتشرت منه إلى أماكن أخرى: مثال ذلك الفخار الذى يرى بأنه انتشر في أمريكا من المكسيك، والقوس والسهم والشطرنج الذى نشأ في الهند وانتشر في العالم الجديد عبر المحيط الهادي إلى المكسيك.



تؤلف هذه الآراء تناقضاً في كتابات تايلور التطورية التي تنبع من اعتقاده بوحدة النفس البشرية والتي تصبح انعكاساتها متشابهة في الظروف المتماثلة في أي مكان. لكنه ورغم تجلي بعض مثل تلك الأقوال بشأن الانتشار الثقافي لبعض المظاهر فإن تايلور، بالنظر لمجمل أفكاره، تطوري النزعة، ومن دعاة التطور البسيط من الأسفل إلى الأعلى، من غير المعقد إلى المعقد، من اللا معقول إلى المعقول. ومع أنه أرخَّ للنظم الثقافية تاريخاً تطورياً فإنه اعترف في الوقت نفسه بوجود حالات من الركود والارتداد الثقافي دون أن يمثل ذلك تحولاً جذرياً في الصورة العامة للتطور من أسفل إلى أعلى. فالنظام الأمومي أقدم من النظام الأبوي، وطقوس الكوفادة مرحلة وسطية بين النظامين يختلط فيهما النظام الأمومي بالنظام الأبوي حيث تمثل طقوس الكوفادة "بقايا ثقافية" تشير إلى وجود الشكل السابق في أحشاء الشكل القائم.



وقدم تايلور، في مجال دراسة المعتقدات، مفهوم الأنيمية (الأرواحية) نظرية لتفسير الديانة وتطورها العالمي. فقد استنتج من دراسته الميدانية لقبائل الهنود الأمريكيين من شعب البويبلو بجنوب غربي الولايات المتحدة أن جميع العقائد الدينية ظهرت نتيجة للتفسير الخاطئ لبعض الظواهر التي يتعرض لها الإنسان مثل الأحلام والأمراض والنوم والموت. ويرى أن ظاهرة الأحلام وظاهرة الموت كان لهما الأثر الأكبر في توجيه الفكر الاعتقادي لدى الإنسان. فالأحلام هي التي أوحت للإنسان بفكرة الروح والجسد ذلك أن البدائي يتخيل نفسه متنقلاً من مكان إلى آخر وهو نائم، بل وقد يرى نفسه وهو يؤدي أعمالاً يعجز عن القيام بها وهو في حالة اليقظة. ومن ثم نشأت لديه اعتقادات بأن الروح تفارق الجسد أثناء النوم مبتعدة إلى عوالم أخرى ثم تعود مرتدة إليه عند اليقظة. ويعني عدم رجوع الروح إلى الجسد الموت. واكتشف تايلور أن تلك الأفكار ارتبطت بالطقوس والعادات كما ارتبطت أيضاً بعادة تقديم القرابين لأرواح الأجداد. ومن هنا طرح مصطلحه الأنيمية (الأرواحية) أي الاعتقاد بوجود الأرواح والآلهة والجن والشياطين وغيرها من الصور اللا منظورة التي عدها تايلور الأصل الثقافي للمعتقدات الدينية على اختلاف أنواعها والتى تطورت إلى فكرة الإله العالي في مرحلة المدنية.



وإذا كان علماء القرن الثامن عشر قد نظروا إلىالممارسات الطقوسية المرتبطة بالمعتقدات عند الأوروبين بحسبانها غيبيات، فإن تايلور قد نظر إليها بحسبانها شعائر ثقافية لابدَّ من فهمها انطلاقا من معناها الداخلي وبمقارنتها مع مجمل درجات التقدم. وقد عبر تايلور عن ذلك "أنه ليس لمرحلة قانون البقاء أية دلالة علمية، ذلك أن أكثر ما نسميه معتقدات غيبية إنما ينتمي لهذا القطاع بحيث يمكن إعطاء تفسير عقلي لها". فإذا لم تكن الممارسات والشعائر ذات الطابع الغيبي شيئاً آخراً سوى بقايا مرحلة تطور سالفة، فعلينا أن نتساءل عما تعبر عنه هذه البقايا".



يقول تايلور أن بعض الممارسات يجب أن تعد بقايا، أن لها سبباً علمياً، أو أنها تخدم، على الأقل ، شعائر لها صلتها بمكان نشأتها وزمانها، وهي إن بدت عبثية فذلك لاستعمالها في ظروف مجتمعية جديدة، بذلك تبدو كأنها فقدت معناها … بتفسير من هذا النوع، أى بالعودة إلى دلالة منسية، يمكن توضيح معظم الشعائر التي لا يمكن القول عنها سوى انها حماقات أو ممارسات نادرة.



لا يشك تايلور في تفوق هذا التحليل الوضعي الذى يؤدى إلى فهم حقيقي فبمساعدة هذه الطريقة يعاد اكتشاف "دلالات منسية" أو ضائعة كانت تعد إلى وقت طويل ممارسات غيبية لا معنى لها. فمع هذا التحليل الوضعي تحول الكهنة في المجتمعات البدائية/ طبقاً لتايلور، إلى سحرة يعلمون شيئاً ما، لكن علمهم هذا، رغم ما يبدو منه، لا يساوى في الواقع شيئاً. ومن ثم يكتب تايلور قائلاً: "إن السحر لا يعود في أصوله إلى الشعوذة والاحتيال، ولم يمارس في البداية من هذه المنطلقات. يتعلم الساحر مهنته في العادة بروح طيبة، ويحافظ على هذه الروحية في ممارسته لعلمه من البداية حتى النهاية. إنه مثل الخادع والمخدوع في آن واحد ، يضيف طاقة المؤمن إلى حيلة المنافق. وإذا كانت العلوم السرية قد وجدت منذ البداية من أجل الخداع، فإن بعض الأشياء العبثية قد تكفي لذلك، لكن ما نجده بالفعل هو بمثابة علم خاطئ تطور بشكل منهجي كامل. إنه عبارة عن فلسفة صادقة، لكنها خاطئة، طورها الذهن الإنساني بطريقة يمكننا إدراكها إلى حد كبير، وتعود في أصلها إلى تركيبة الإنسان الذهنية".



تختفي في مثل هذا المفهوم القدرة العقلية الكامنة في كل فرد، كما تختفي إمكانية إدراك ممارساته ومعتقداته، حين لا ينتبه إلى لعبة الكهنة يسود بدلاً عن ذلك الزعم بصعوبة إدراك لغة البدائي أو فهم تصرفاته، كما ويسود الزعم بانغلاق مكانته الذهنية. بالمقابل، تعد ميزة الانغلاق هذه بالنسبة للنظرية الأنثروبولوجية المدخل والشرط لفهم "الخرافة" وتفسيرها..هكذا يوضح تايلور.."فمعنى الخرافة لا يمكن حصره بالحدود التي اقترحها منظرو القرن الثامن عشر والذين رأوا فيها مجرد دلالة خلقية ساذجة ومسطحة، أو علم سرى منظم لأن قوانين الخرافة ليست سوى قوانين اللغة وقوانين المخيلة وهى قوانين منطقية وتشكل نظاماً له دلالته".



يرى تايلور بأن معنى الممارسات بالنسبة للبدائيين، كما هو الأمر بالنسبة لكهنتهم، ليست ناتجاً عن التأثير الذي تمارسه اللغة على العقل الإنساني. فقط في العلم الوضعي يصبح ممكناً فهم اللغة وعدها موصلة إليه. ومن ثم فإن النظرية الأنثروبولوجية هي الوحيدة، في رأى تايلور، القادرة على تقديم علم يتعلق بالمحتوى الذهني للخرافة، وعلى فهم الثقافات غير الغربية بشكل عام. إنها في الواقع ثمرة "التمحور التاريخي والمعرفي" الفريدة: "هنالك نوع من الحدود يجب أن تكون إلى جانبها من جهة التفاعل مع الخرافة ولنتخطاها من الجهة الثانية ليتسنى لنا فهمها. ومن حسن الحظ أننا إلى جانب هذه الحدود، وإنه يمكننا اجتيازها أيضاً بإرادتنا"، هكذا يصرح تايلور. والأمر بهذا القدر من الوضوح فإن تايلور يصل إلى أن النظرية الأنثروبولوجية هي الوحيدة "المعقلنة" من هذه الزاوية، لا الثقافة البدائية بحد ذاتها.



تذوب الثقافات البدائية في التحليل التايلوري، بحسبانها بقايا أو عقلنة ميتة، ومن ثم يجب أن تختفي من الممارسة ومن الحياة العملية. عليها أن تزول، وذلك كما يقول "بسبب ترابطها مع المراحل المتدنية من تاريخ العالم العقلي".

النظرية التطورية الثقافوية

بعد هذا العرض لأفكار رائدين من رواد الاتجاه التطوري في الأنثروبولوجيا نحاول تحديد الخطوط العامة لهذه النظرية كما تضح من أطروحتهما. في المقام الأول يلاحظ أنه وبالنسبة لهذا الاتجاه لا يمكن فهم العقل الإنساني إلا من خلال ربطه بالعقل التاريخي. إن فهم الممارسة النظرية ممكن فقط من خلا ل التاريخ بحسبانه تاريخ بشر متجانسين تحتويهم دائرة واحدة عامة. أما التمايز فهو وليد ظرف تاريخي محدد. تمثل المجتمعات الإنسانية تواصلاً متجانساً مؤلفاً من طبقات تطورية وأقسام موازية. إن مفهوم درجات التطور التاريخي هو معيار أساسي بالنسبة للتطور الذى يسير بخط مستقيم. وطور البشر تبعاً لذلك، من خلال توحدهم ضمن مجال حياة معين وضمن شروط محددة، ومن خلال ما ينتج عن ذلك من ممارسات ومن اقتصاد، وحدة ثقافية ومجتمعية.



لقد رأى أنصار الاتجاه التطوري في التقدم ثمرة التكامل في الأدوات المادية وثمرة التعقيد في العلاقات خلال مراحل تطورية معقدة. يتمظهر التقدم من خلال الانتقال من المرحلة الحيوانية إلى المرحلة البدائية ومن هذه إلى البربرية فالتمدن. وفي مرحلة الثورة الصناعية صار معيار التقدم يقاس بدرجة التطور التقني. إن مبدأ وحدة الجنس البشرى أساسه عالمية المعرفة التقنية كما عبر عن ذلك مورغان حيث كتب "نجد وحدة في فكر البدائيين البرابرة وإنسان المدنية. إنها هي نفسها ما ساعد البشر على ابتكار الأدوات نفسها والأواني ذاتها عندما يخضعون للعلاقات نفسها، وما يساعد أيضاً على اختراع المنشآت الاجتماعية نفسها وتطويرها انطلاقا من بدايات لا يمكن رؤيتها: من العصر الحجري والسهام التي التمعت صورتها في ذهن البدائي، إلى مزج المعادن، وفيه يتمثل ذكاء البربري، وأخيراً إلى تحريك القطار الحديدي، هذا هو انتصار المدن".



هكذا يترك كل من النمو والتقدم بصماته على مختلف مجالات الحياة الاجتماعية. وكان مورغان قد وصف ذلك في كتاباته كما يلي: "يتحدد الذكاء بالاختراع والاكتشاف"، و"تطور القانون الاجتماعي"، "وتطور مفهوم الأسرة"، و"تطور مفهوم الملكية". بذلك يمكن عد كل وحدة، كل مجموعة إنسانية/ مجتمعاً بقدر ما تكون شروط حياة المجموعة المادية والذهنية. ويمكن وضعها في الدرجة الاجتماعية نفسها طالما أنها نتاج الطبقة نفسها. يتضح من ذلك أن مورغان عدَّ التطور بمثابة خط مستقيم. فالبدائية حالة سبقت البربرية التي سبقت بدورها المدنية، وهذا ما يجده مورغان عند البشريَّة بمجموعاتها المختلفة كلها. إن تاريخ الجنس البشرى قد عرف شكلاً موحداً في نشأته، وفي تجربته، وفي تقدمه (وهذا هو رأى تايلور أيضاً).



وبمكاننا رد التشكل نفسه الذي يشمل مراحل التمدن إلى المؤثرات والأسباب الأولية نفسها. أما مختلف درجات التشكل فهي بمثابة درجات التطور بحيث تكون كل دورة وليدة سابقتها وإسهاماً في تشكيل تاريخ المستقبل.



هكذا يجوز القول بأن آراء التطوريين تتلخص في أن تاريخ الإنسانية وتاريخ الثقافة يمثل خطاً متصاعداً من العادات والتقاليد والعقائد والتنظيمات والأدوات والآلات والأفكار. وأن البشرية مرت بمراحل ثقافية تتدرج من الأشكال غير المعقدة إلى الأشكال المعقدة فالأكثر تعقيداً، وأن هذا الخط المتصاعد من الأسفل إلى الأعلى متشابه في أجزاء العالم نتيجة الوحدة النفسية لبني الإنسان في كل مكان وزمان وهو ما جعل التطوريين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر شغلتهم فكرة تطور الثقافة والمجتمع الإنساني عبر مراحل التبدل من حالة إلى حالة، أكثر مما شغلتهم فكرة اكتشاف القوانين الأساسية التى تحكم عملية تطور الثقافة.



إيجازاً نشير إلى أن مولد الأنثروبولوجيا مهنة ارتباطا باتجاهات نظرية محددة قد حدث في النصف الثاني للقرن التاسع عشر في جو فكرى سادت فيه الفروض والنظريات التطورية في مجال التاريخ الطبيعي للكائنات الحية وفي مجال المجتمعات الإنسانية على حد سواء، وذلك جنباً إلى جنب مع ازدياد السيطرة الغربية على شئون العالم. ولقد كان للإنجازات العظيمة التي أحرزتها العلوم الطبيعية أثرها في حث المشتغلين بالمسائل الاجتماعية والأخلاقية آنذاك، في أن يتبنوا تطبيق أساسيات المنهج العلمي في دراساتهم. فقد شغل بال المفكرين عامة، ومن بينهم الاجتماعيون وعلماء الأنثروبولوجيا بصفة خاصة، سؤالاً معيناً هو كيف نشأت ثقافات العالم وتطورت؟ وبالرغم من سيادة الفكر التطوري في إطار نشأة المجتمعات وتطورها (أي الثقافات) الإنسانية في خط واحد، إلا أنه كان هناك أيضاً إجابة أخرى لهذا التساؤل وذلك في إطار النظرية الانتشارية التي تمتد جذورها إلى مفكرين سابقين على القرن التاسع عشر.



الاتجاه الانتشاري

يفترض دعاة هذا الاتجاه أن الاتصال بين الشعوب المختلفة قد نتج عنه احتكاك ثقافي وعملية انتشار لبعض السمات الثقافية أو كلها وهو ما يفسر التباين الثقافي بين الشعوب. وينطلق دعاة هذا الاتجاه من الافتراض بأن عملية الانتشار تبدأ من مركز ثقافي محدد لتنتقل عبر الزمان إلى أجزاء العالم المختلفة عن طريق الاتصالات بين الشعوب.



وبما أن نظرية الانتشار الثقافي تسعى إلى الكشف عن حلقات لربط الثقافات معاً نتيجة تفاعلها جغرافياً وزمنيا فإنها تلتزم أيضاً بالمبدأ التاريخي في علاقات الثقافات بعضها بالبعض الآخر.



وقد ظهرت في أوروبا مدرستان للانتشار الثقافي. كان فريدريك راتزل رائداً للمدرسة الأولى وتبني منهجاً تاريخياً-جغرافياً بتأثير المدرسة الجغرافية الألمانية وركز على أهمية الاتصالات والعلاقات الثقافية بين الشعوب ودور تلك العلاقات في نمو الثقافة. وادعى راتزل بأن الزراعة اعتمدت إما على الفأس أو المحراث وهو ما يفسر الاختلافات بين الثقافات الزراعية. وتبعه في ذلك هان، المتخصص في الجغرافيا البشرية، وادعى الأخير بأن تدجين الحيوانات أعقب اكتشاف الزراعة المعتمدة على الفأس. ومع اعتراف هان بأن الزراعة المعتمدة على الفأس يمكن أن تكون قد ظهرت عدة مرات في أجزاء مختلفة من العالم إلا انه يؤكد على أن زراعة المحراث وتدجين الحيوانات واكتشاف عجلة الفخاري قد تمت كلها في الشرق الأدنى القديم ثم انتشرت منه إلى بقية أجزاء العالم. أما هاينرينج شورتز فقد أبرز فكرة وجود علاقات ثقافية بين العالم القديم (اندونيسيا وماليزيا) وبين العالم الجديد (الأمريكتين). وقد طور ليو فروبينيوس فكرة انتقال الثقافات عبر المحيطات بادعائه حدوث انتشار ثقافي من اندونيسيا إلى أفريقيا. فقد حاول في كتابه الذي نشره في عام 1898 بعنوان "أصل الثقافات الأفريقية" إثبات وجود دائرة ثقافية ماليزية زنجية في غرب أفريقيا فسرها بوصول نفوذ ثقافي اندونيسي في صورة موجة ثقافية إلى ساحل أفريقيا الشرقي، ومن ثمَّ عبورها إلى غرب أفريقيا حيث لا تزال بقايا تلك الموجة موجودة في حين أن بقاياها قد اندثرت في شرق أفريقيا نتيجة هجرات البانتو والحاميين اللاحقة. بهذا يكون ليو فروبينيوس أول من أدخل مفهوم "الدائرة الثقافية" في الاثنولوجيا وهو المفهوم الذي نال تطوره اللاحق في أعمال جرايبز فكرة أحادية منشأ الثقافة الإنسانية مفترضاً وجود عدة مراكز ثقافية أساسية في جهات مختلفة من العالم.. وبفعل التقاء الثقافات نشأت دوائر ثقافية وحدثت بعض عمليات الانصهار وبرزت تشكيلات مختلفة وهو الأمر الذي يفسر الاختلافات البادية في الثقافات الأساسية. وفي عام 1905 نشر جرايبز بحثه عن "الدوائر الثقافية والطبقات الثقافية في جزر المحيط الهادي" والذي استخدم فيه عدد لا يحصى من العناصر الثقافية التي ترتبط بعضها بالبعض الآخر لتؤلف دائرةً ثقافية. وباستخدام التتابع الزمني وانتشارها في أستراليا وجزر المحيط الهادي. وفي عام 1911 نشر جرايبز كتابه "منهج الاثنولوجيا" الذى رسم فيه الخطوط العامة لمدرسته الانتشارية.



أما فلهلم شميدت فقد نشر مع فيلهلم كوبرز خلاصة آراء مدرسة "فينا" وأكدا على وجود ثقافات أزلية تمثل أقدم أنواع المجموعات الثقافية المعاصرة. وكانت هذه الثقافات الأزلية (أقزام أفريقيا وآسيا والفيدا في سيريلانكا، والسينوى في الملايو، والكوبو في سومطرة) تمثل الدائرة الثقافية الأولى. وتمثلت الدائرة الثانية في الثقافات الرعوية في مناطق سيبيريا وأواسط آسيا (حيث دجن الساموييد في شمال سيبيريا الرنة، ودجن التركمان الحصان، ثم المجموعات التي دجنت الماشية والماعز … إلخ).



وتنطوي فكرة الدائرة الثقافية على نقطتين هما: وجود الدائرة الثقافية وكينونتها، والدائرة الثقافية بحسبانها منهجاً بحثياً اثنولوجياً. ويعرف شميدت الدائرة الثقافية بقوله: "إذا احتوت ثقافة كاملة على كل شيء: النواحي المادية والاقتصادية والاجتماعية والاعتيادية والدينية، فإننا نطلق عليها اسم الدائرة الثقافية لأنها متكاملة وتعود على نفسها مثل الدائرة. إنها تكفي نفسها بنفسها، ومن ثم تؤمن استقلال وجودها. وهى – أي الثقافة- في حالة إذا ما أهملت أو فشلت في إرضاء واحد أو أكثر من الاحتياجات الإنسانية الهامة تتيح حدوث تعويض من ثقافة أخرى. وكلما زاد عدد عناصر التعويض تقل هذه الثقافة عن أن تكون دائرة ثقافية (مستقلة). ويضيف شميدت بأن كل مفردات الثقافة متماسكة تماسكاً عضوياً وليست مجرد ارتباطات تلقائية، غالباً ما يسيطر واحد من مظاهر الثقافة في الدائرة على بقية المظاهر، ومن ثم تدمغ هذه المظاهر بصبغتها الخاصة ويسوق مثالاً النسب الأموي المرتبط بالجماعات الأموية النسب غالباً ما تعبد القمر، بينما إله السماء هو الإله المسيطر عند الرعاة وإله الشمس عند الجماعات الطوطمية الأبوية النسب.



وقد لخص كوبرز في بحثه الذى نشره عن "الانتشارية: الانتقال والتقبل" ضمن كتاب "الأنثروبولوجيا المعاصرة" الذى أشرف عليه توماس وطبع في عام 1956، أهم وجهات نظر المدرسة الانتشارية – النمساوية وقد ترجم محمد رياض تلك النقاط في كتابه "الإنسان : دراسة في النوع والحضارة".



1- حيث أن الثقافة والإنسان (منذ نشأته) متزامنان فإن التاريخ في أوسع معانيه يشتمل على كل الفترة التى ظهر فيها الإنسان على الأرض حتى اليوم.

2- لا ينكر أي باحث – قديماً وحديثاً – أن الانتشار الثقافي، ودرجة انتقاله تقبله حقيقة واقعة.

3- إن الانتشارية مبدأ هام في الدراسات الاثنولوجية ودراسات ما قبل التاريخ. ونتيجة لنقص الوثائق المكتوبة فإن الأمر يحتاج إلى دراسات مقارنة للصفات الثقافية من أجل الحصول على العوامل المكانية والزمانية والسببية.

4- يجب أن يستخدم الانتشاريون مقياس الشكل والعدد المعروف عن المنهج التاريخي. ولا شك أن هذا المنهج لن يؤدى إلى تاريخ مماثل لما نجده في الكتابات التاريخية العلمية. يمثل العنصر الثقافي هنا دليلاً قائماً على الصلات، كما يزداد هذا الدليل قوة نتيجة لمدى ترابط العنصر الثقافي ببقية الثقافة. ولا يمكننا أن نهمل هذه الأدلة على إنها تمثل جزءاً من العملية التاريخية.

5- الانتشار الثقافي لا يمثل كل أحداث التاريخ، فدراسة العناصر الثقافية لا تحل محل الوثائق التاريخية لكنها تعطي إضافات هامة في هذا الاتجاه التاريخى. وفي حالة نقص الوثائق التاريخية، كما هو الحال عند دراسة ما قبل التاريخ والجماعات البدائية، يصبح من غير المعقول أن نمتنع عن تفسير الحقائق في الاثنولوجيا وعلم الآثار.

6- تقوم الدراسات الانتشارية على المتشابهات الثقافية، حتى في الحالات التى لا نستطيع فيها التأكد من وجود ارتباطات وهجرات بين المتشابهات الثقافية، فلا شك أن تأكيدنا بأن الظاهرتين المتشابهتين قد نشأتا نشأة مستقلة يصبح غير مقبول لأنه يفترض شيئاً أبعد تحققاً من الارتباطات السابقة. وعلى العموم يمكننا أن نترك الباب مفتوحاً دون اتخاذ قرار.

7- إن الانتشار والنقل والتقبل لا تسير كلها حسب قواعد معينة هناك دائماً فرص متعددة للقبول أو التعديل ، وهى فرصة الاختيار الحر عند غالبية الجماعات.

8- يترتب على ذلك أن كل حالة من حالات الانتشار الثقافي يجب أن تعالج قائمة بذاتها وحسب ظروفها.



والجدير بالذكر أن فكرة الدوائر الثقافية كانت في مجموعها وسيلة ومنهجاً أدق وأحسن من أفكار المدرسة الانتشارية الثانية التى تأسست في بريطانيا على يد عالم التشريح البريطاني اليوت سميث الذى كان مهتماً بالآثار والهياكل البشرية. وكان سميث وكذلك تلميذه بيري قد اعتقدا بأن الثقافة الإنسانية نشأت على ضفاف النيل وازدهرت في مصر القديمة منذ حوالي خمسة ألف سنة قبل الميلاد تقريباً. وعندما توافرت الظروف وبدأت الاتصالات بين الجماعات والشعوب انتقلت بعض مظاهر تلك الثقافة المصرية القديمة إلى بقية العالم. ففي كتابه "هجرة الحضارات" الذى نشره عام 1915 يؤكد سميث من خلال دراسته للمتشابهات الاثنوغرافية خارج مصر بأن مصر كانت مركزاً للثقافة ومنها انتقلت إلى عالم البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا والهند واندونيسيا وعالم المحيط الهادي والأمريكتين.



وفي عام 1923 نشر بيري كتابه " أطفال الشمس" الذى حدد فيه عنصراً واحداً سيطر على مجمل الثقافة المصرية … الاعتقاد في ألوهية الملوك أبناء الشمس، وبالتالي عبادة الشمس. واهتم بيري بعدة عناصر ثقافية مصرية في توزيعها العالمي مثل التحنيط وبناء الأهرام والقيمة التي يعطيها المصريون القدماء للمعادن النفيسة بحسبانها قوة مانحة للحياة المديدة… إلخ.



أما في أمريكا فإن الاتجاه الانتشاري وجد تعبيراً له في كتابات فرانز بواس العالم الطبيعي الألماني الذي استهوته الأنثروبولوجيا بعد زيارة قام بها إلى جزيرة بافن في كندا في عام 1883. فقد أشار بواس إلى أنه من خلال دراسة الشكل والتوزيع الجغرافي لمصدر السمات الثقافية وهجرتها واستعارتها عن طريق الاتصال بين الشعوب، يمكن للباحث أن يستدل على كيفية نشأة السمات الثقافية وتطورها، وبالتالي يمكن الوصول إلى نظرية تتوفر فيها عناصر الصدق والبرهان لتفسير المجتمعات الإنسانية وتطور النظم الاجتماعية أو السمات الثقافية. وانطلاقا من هذا الفهم استخدم بواس مصطلح المناطق الثقافية الذى يشير إلى مجموعات من المناطق الجغرافية التي تتصف كل منها بنمط ثقافي معين غض النظر عن احتواء أي من هذه المناطق على شعوب أو جماعات. ويشير مفهوم المنطقة الثقافية إلى طرق السلوك الشائعة بين عدد من المجتمعات التي تتميز باشتراكها في عدد من مظاهر الثقافة نتيجة لدرجة معينة من الاتصال والتفاعل.



وفق هذا الإطار النظري سعت المدرسة الأمريكية بزعامة بواس إلى إنجاز الدراسة التاريخية الدقيقة للعناصر المختلفة لثقافة محددة وتحليل كل جزء أو عنصر من حيث مصدر نشأته وتطوره واستخدامه وتتبع عمليات هجرته أو استعارته بين الشعوب المختلفة. وكان من نتيجة هذا الاتجاه الانتشاري أن أخذ علماء الإنسان في النظر إلى الثقافات الإنسانية بحسبان أنها تؤلف كيانات مستقلة من حيث المنشأ والتطور ومن حيث ملامحها الرئيسة التى تميزها عن غيرها، وهو ما يضع الاتجاه الانتشاري على عكس الاتجاه التطوري الذى يرى أن الثقافات متشابهة وأن الاختلاف الوحيد بينها يكمن فقط في درجة تطورها التقني والاقتصادي. لقد زعزعت المدرسة الانتشارية إن لم يكن إشكالية الاتجاه التطوري فعلى الأقل طريقته. فالاتجاه الانتشاري قد ابتعد على الأقل عن الفهم الخطى للتاريخ، ومن ناحية ثانية جعل نظرية التاريخ لاحقة لتحليل التواريخ الجزئية لكل مجتمع بحسبانه كلاً مستقلاً، هكذا كتب بواس قائلاً "حين نوضح تاريخ ثقافة واحدة ونفهم مؤثرات المحيط والشروط النفسيَّة التى تنعكس فيها، نكون قد خطونا خطوة إلى الأمام . كذلك يمكننا أن نبحث في الأسباب المؤثرة أثناء تكونه، أو إبانة تطور تلك الثقافة . وهكذا، وبفهمنا لمقاطع النمو، يمكننا اكتشاف قوانين عامة. هذه الطريقة أكثر ضماناً من الطريقة المقارنة (التطورية). والتي غالباً ما تمارس، فبدل وضع فرضية تتناول نمطاً لتطور، يقدم التاريخ الفعلي قاعدة الاستنتاجات.



اعتقادنا أن جل الأنثروبولوجيا الثقافية كامن في هذا النص: مفهوم الثقافة، والتحليل الوصفي للمحيط المادي، والتفسير النفسي، والشك بالتاريخ. اهتم بواس في عبارته


https://tolabe-22.yoo7.com/t182-topic









رد مع اقتباس
قديم 2011-12-17, 15:07   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفاكر مشاهدة المشاركة
لو سمحتي اختي عندي بحث حول الفيس بوك .لم اعرف العناصر والنقاط التي اطرق اليها في هذا البحث من فضلك ساعديني
ولا تنسي بحثي حول النظرية التطورية للانسان
إشارة من السماء
::


نظرية التطور تُرفَض وتُحارَب بضراوة من مشايخ المسملين، ليس من منطلق علمي مناوئ يستند على دليل حفري أو جيني أو نشوئي، أو على أي برهان علمي آخر يناقضها، أبداً، فهذه كلها تصب، بلا إستثناء، في صالح النظرية وتعززها، إنما ينطلق هذا العداء الشرس من قاعدة لاهوتية خلقية سردية بحتة، ترتكز على قصة آدم وحواء كما جائت بشكلها الظاهري في القرآن وقبلها في التوراة، وتُعتنق من قبل المسلمين كحقيقة ثابتة بدون أي دعم أو سند بأي دليل على صحتها خارج ورودها في تلك الكتب.

ولو كان ظهور الإنسان مستثنى علمياً من النظرية، أي لو كان الجينوم البشري مثلاً يختلف تماماً عن جينوم باقي الحيوانات أو لم تتوافر أدلة حفرية كرونولوجية له، لما شملت النظرية الصنف البشري لعدم توفر الأدلة واستنثنته عنها كظاهرة منفصلة. في هذه الحالة، لن يكن هناك مبرر كافي لرفض النظرية ولقبلتها جميع الطوائف الدينية بدون تردد أو غضاضة. فمعاداة الدين للنظرية إذاً هو بسبب معارضة النصوص القرآنية الخلقية الآدمية لنصوص النظرية التطورية، لاأكثر ولاأقل.

والجزء الذي ينفر منه المؤمن المسلم من النظرية على الخصوص ويحاريه هو ماينسب أصله إلى القرد، ليس لأنه يعارض فكرة خلق الإنسان في هيئته الحالية فحسب، بل لوجود أيضاً نص قرآني صريح يذم هذا الحيوان بالذات بإنزال العقوبة الشديدة على البشر باستنساخهم على هيئته. فكيف يمكن للإنسان المؤمن أن يقبل بأنه ينحدر عرقياً من حيوان، وليس أي حيوان فحسب، بل حيوان ذميم مثل القرد؟

ولكن التطور حقيقة، وانتساب جميع الكائنات الحية إلى أصول مشتركة حقيقة، وانتساب البشر إلى القرود حقيقة تدعمها أطنان من الأدلة. فالإنسان كان له أصل مشترك مع الشيمبانزي عاش قبل حوالي 6 ملايين سنة، وكان هذا الأصل بدوره له أصل مشترك مع الغوريلا عاش قبل 11 مليون سنة وقبله كان هناك أصل مشترك لهؤلاء مع الأورانغ أوتان قبل 13 مليون سنة وهكذا بالتتابع الكرونولوجي حتى نصل إلى أصل مشترك ينتسب إليه جميع القرود، بما فيها الإنسان.

ذاك الأصل المشترك الذي تنتسب له القردة بما فيها الإنسان، كان يُعتقد أنه عاش قبل حالي 35 مليون سنة، ولكن خلال الشهر الماضي، نشر بحث في الجورنال العلمي نيتشر Nature باكتشاف جمجمة لقرد من فصيلة غير معروفة لم تكتشف من قبل، تجتمع فيها صفات القردة القديمة والقردة الحديثة بما فيها الإنسان. ودلت التحاليل على أن هذه الفصيلة المكتشفة مؤخراً قد عاشت قبل 28 إلى 29 مليون سنة، أي أبكر بعدة ملايين سنة مما كان يعتقد في السابق.

هذا الإكتشاف الجديد يضيف إلى أكوام الأدلة الموجودة التي تدعم حقيقة أننا كجنس بشري ننحدر فعلاً من أصل نشترك فيه مع باقي القردة، ولكنه يحمل أيضاً خصائص أخرى يجعله فريد متميز عن غيره من الإكتشافات المماثلة، فبالإضافة إلى:

أولاً، أنه يعطينا معلومات أدق بخصوص الفترة التي عاش فيها هذا الأصل، فبينما كان العلماء يعتقدون في السابق أن الأصول المشتركة عاشت قبل حوالي 35 مليون سنة، هذا الإكتشاف يقربها إلى 29 مليون سنة، وقد لايهم هذا العنصر القارئ والمتابع ولكنه على أهمية كبيرة علمياً.

وثانياً، أنه قدم لنا فصيلة جديدة من القردة لم تكن معروفة في السابق، وأثرى بها الحصيلة الحفرية الموجودة لهذه الحيوانات.

فإنه أيضاً له خاصية ثالثة متميزة، وهذا هو البنتش لاين لهذا البوست، وهي أهمية المكان الذي وجد فيه. وقبل التطرق لهذه النقطة، إسمحوا لي بهذه المقدمة (المتأخرة):

من يقرأ ويفهم النظرية الداروينية (كما يحب أن يسميها المتدين) سوف يدرك أنها بجميع أبعادها، وليس فقط بمضمونها المورفولوجي الجيني، تهدم حقاً الأعمدة الرئيسية التي تستند عليها الأديان الخلقية (أي التي تزعم بأن الإنسان والحيوان خلقا بالصورة التي هما عليها الآن) ولهذا السبب قاومتها جيمع تلك الأديان لعقود منذ نشرها قبل 150 سنة ولايزال الدين الإسلامي يرفضها جملة وتفصيلاً، ولالوم عليه لمقاومتها بهذا الشكل القطعي العنيف لإستحالة تكييفها مع ما تمليه نصوصه المقدسة. نعم، تحاول بعض الطوائف المسيحية تكييفها مع معتقداتها ولكنها محاولات يائسة تواجه معاضل لاتُحل تطرقت لها في موضوع سابق تجدونه هـنـا.

فإذاً يمكننا الإستنتاج بأن أي إكتشاف يؤدي إلى تعزيز ودعم هذه النظرية، سوف يساهم في هدم الأساسات الدينية وبالتالي سوف يغضب الله، لأن الله يريد لرسالته، متمثلة بالدين الإسلامي "المتكامل"، بالإنتشار حتى تصل الحجة إلى جميع البشر، أليس هذا القصد؟ الله يريد أن يعزز دينه وينصره لا أن يدمره بواسطة نظرية تؤدي إلى الكفر به، أليس كذلك؟

والآن، هل من الممكن أن يتفضل أحد المسلمين المؤمنين من قراء هذه المدونة بإفهامي وإفهام القارئ المتسائل لماذا قرر الله أن يُظهر هذا الدليل المدمر لرسالته في عقر داره؟

إكتشفت هذه الجمجمة الهامة في السعودية!
وأين في السعودية؟
في الحجاز!
وأين في الحجاز؟
على هضاب مكة! أي قرب الكعبة!!!

مكتشف هذه الجمجمة هو إياد زلموط أحد طاقم الباحثين البينتيولوجيين في جامعة ميتشيغان الأمريكية، وقد عثر عليها بالصدفة عندما كان يبحث عن متحجرات الحيتان القديمة في صخور مرتفعات مكة. وتم تصنيفها الآن وأُطلق عليها إسم "سعدانيَس حِجازَنسِس" نسبة إلى موقع تواجدها في الحجاز ونُشر بحث عنها في جورنال نيتشر شهر يوليو الماضي.

ولكن كيف يسمح الإله للأدلة الدامغة الهدامة بأن تتراكم عبر السنوات لتنخر في دياناته حتى لتجعلها هرئة تتهشم من لفحة نسيم، ويزيد على ذلك بأن يقدم هذه البراهين الدسمة على أطباق جاهزة ليتناولها الملحدون والكفار وليمة هنيئة من على أقدس بقعة له في الكون خارج قصوره السماوية؟

سوف يكون هناك رداً سهلاً على سؤالي أعلاه من أغلب المؤمنين، لأن قوة العقيدة الموروثة سوف تكون أصلب وأثبت وأشد صموداُ من أن يهزها إكتشاف جمجمة متحجرة وحتى لو ظهرت في قلب الكعبة، ولكن يبقى الأمل في أن ينتبه أحدهم إلى هذه الأمور التي قد تمر على أذهان الغالبية بلا اكتراث، إلى أن تثار التساؤلات فتبدأ خلايا عقله في العمل.

ربما هي إشارات، بل قد تكون أوامر من السماء للبشر، بعد انقطاع الرسل، بترك الدين .... لأن الإله قد غير رأيه.
من هو إياد زلموط؟ ماذا أكتشف إياد زلموط؟ ماهي المتحجرات التي اكتشفها إياد زلموط؟ أين أكتشف إياد زلموط المتحجرات؟ هل صحيح أن إياد زلمزوط إكتشف متحجرات في مكة؟ هل اكتشف إياد زلموط عظام قرد في مكة؟ متى اكتشف إياد زلموط عظام قرد في مكة؟


https://basees.blogspot.com/2010/08/blog-post_13.html









رد مع اقتباس
قديم 2011-12-17, 15:08   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفاكر مشاهدة المشاركة
لو سمحتي اختي عندي بحث حول الفيس بوك .لم اعرف العناصر والنقاط التي اطرق اليها في هذا البحث من فضلك ساعديني
ولا تنسي بحثي حول النظرية التطورية للانسان
الآلاف من أبناء محافظة البيضاء اليمنية يحتشدون في هبة الشعب في يوم الغضب اليمني - إرسال لصديق - نسخة للطباعة
أساسيات علم النفس التطوري: القسم الاول
بواسطة شباب الشرق الأوسط

أساسيات علم النفس التطوري: القسم الاول

بقلم: علي شان (العراق)




أساسيات علم النفس التطوري (1)
علم النفس التطوري (Evolutionary Psychology )هو الدراسة العلمية للطبيعة البشرية ، استناداً إلى فهم التكيف النفسي إن أسلافنا في عصور ما قبل التاريخ تطورت اجسادهم وأدمغتهم لمواجهة تحديات البقاء والتكاثر. وهو علم جديد انطلق بعد محاولة إدوارد ويلسون في كتابه “علم البيولوجيا الاجتماعية : توليف جديد” والذي حاول فيه توليف المستحدثات الأساسية في البيولوجيا التطورية وقد ولد كتاب ويلسون جدلا واسعا خصوصا فصله الاخير الذي ركز على البشر حيث قدم الكثير من الافتراضات مع قليل من المعطيات التجريبية فإدوارد ويلسون اثار صخباً علمياً وجماهيرياً نافس الاهانة التي سببها داروين في عام 1859 كان كتاب ويلسون المنشور عام 1975 بعنوان (البيولوجيا الاجتماعية : توليف جديد ) عملاقا على صعيدي الحجم والمدى في ما يقارب 700 صفحة من عمودين قدم توليفا للبيولوجيا الخليوية مع الفسيولوجيا العصبية التكاملية ، وعلم الايثولوجيا وعلم النفس المقارن ، البيولوجيا السكانية والايكولوجيا السلوكية . وفحص اضافة الى ذلك انواعا تتراوح ما بين النمل والانسان مدعيا ان المبادىء التفسيرية الاساسية ذاتها يمكن تطبيقها على الجميع .
في كتابه وخصوصا في الفصل الخاص حول البشر وهو لايتعدى 29 صفحة قد ولد سجال اكبر وصرخ جمهور المستمعين في محاضرة عامة مناديا بسقوطه ، وفي احدى المرات سكب احدهم كوزا من الماء على راسه . اشعلت اعماله هجوما عليه من الماركسين ، والراديكاليين والقائلين بخلق الانسان وعلماء أخرين ، وحتى بعض اعضاء قسمه في هارفرد . واخطر مقولاته هي ان البيلوجيا الاجتماعية قد تلتهم علم النفس وهو بالطبع ما لم يلقِ ترحيباً من قبل معظم علماء النفس وقد ادعى أن العديد من الظواهر الانسانية التي تحظى بالتكريم من مثل الثقافة والدين ،والاخلاقيات وحتى الجماليات قد تفسر في نهاية المطاف من خلال هذا التوليف الجديد . ناقضت هذه النظريات بشدة ما متعارف عليه بالعلوم الانسانية إذ افترض معظم علماء الاجتماعيات ان الثقافة ، والتنشة الاجتماعية والعقلانية والوعي وليس البيولوجيا التطورية هي التي تفسر تفرد البشر .
لم ينجح ويلسون بمسعاه اذ كانت الهجمة عنيفة جدا ، الا ان نفس الفترة شهدت ولادة علم النفس التطوري والذي فسر الكثير من توليفات الانسان الثقافية والجمالية تحت معطيات البيلوجيا ،علم النفس التطوري أدى الى سيل من الأبحاث الجديدة على النشاط الجنسي البشري ، كالعدوان ، والوضع والأبوة والحياة الأسرية ، وجماعات التعاون ، والعواطف ، اللغة ، التفكير وغيرها من المواضيع التي كانت مهملة في علم النفس العام او يتناولها بصورة فوقية !. هذا العلم يحاول توفير إطاراً متماسكاً لتوحيد مناطق متنوعة من البحوث في علم النفس الحديث. يحاول أيضا التواصل مع تخصصات أخرى في اتجاهين. فإنه يتصل مع العلوم البيولوجية من خلال البيولوجيا التطورية ، (علم الوراثة، السلوك ، وعلم الأعصاب) . فإنه يتصل مع العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية (مثل الاقتصاد والعلوم السياسية ، علم الاجتماع) عن طريق تتبع كيفية السلوك الجماعي الثقافية تبرز من خلال التفاعل بين الأفراد وفقا لطبيعة الإنسان.
يمثل هذا العلم ثورة معرفية يتركز على نموذج معالجة المعلومات أي وصف الآليات في داخل الرأس التي تاخذ اشكالا نوعية من المعلومات بمثابة مدخلات ، وتحول هذه المعلومات من خلال قواعد اتخاذ القرار ، ومن ثم تولد السلوك بمثابة مخرجات .
ينطلق هذا العلم من الفكرة القائلة بأن البشر قد يولدون مستعدين مسبقاً أو مجهزين بشكل خاص لمعالجة بعض أنواع المعلومات ، وليس سواها ، هذا العلم يثمل توليفا حقيقيا لكل من علم النفس الحديث والبيولوجيا التطورية الحديثة ، وينافس العلوم الاجتماعية في تفسير الكثير من الغاز السلوك الانساني .
فعلم النفس التطوري ( EP) يسعى لتفسير الكثير من التحورات”تحويرات” التي ظهرت على الصفات النفسية لدى الانسان , وهذا يرجع للانتقاء الطبيعي , والانتقاء الجنسي ,و يمكن تفسير الكثير من التحورات التي جرت على القلب , الرئة , والجهاز المناعي بنظرية التطور , كذلك يمكن تفسير التحورات التي حصلت على الجانب النفسي للانسان بنفس الطريقة ” منظور تطوري” .
فنظرية التطور هي الاساس الرصين الذي يعتمد عليها علم النفس التطوري باعتبار ان التطور من خلال الانتقاء الطبيعي هو النظرية العلمية الوحيدة المعروفة التي بإمكانها تفسير التنوع المذهل للحياة التي نراها حولنا، ومع انه من الممكن دوماً ان تأتي نظرية اخرى أفضل منها في المستقبل ، فان الانتقاء الطبيعي هي النظرية الوحيدة حالياً التي توحد كل الاشياء الحية ( نباتات ، حيوانات ، حشرات ، طيور ، انسان ) بدءاً من أصغر المتعضيات وحيدة الخلية في البحر وانتهاءً بأعقد الثديات على الارض .
وهي النظرية العلمية الوحيدة المعروفة التي تملك القدرة على تعليل أصول وبنى آليات التكيف المعقدة التي تستوعب الطبيعة البشرية بدءاً من آليات التكوين الثفني ووصولا الى الدماغ ذي الحجم الكبير .




اساسيات علم النفس التطوري (2)


تحدثنا في الحلقة الاولى عن تعريف هذا العلم وكتابة نبذة عن اعمال ويلسون حول البايلوجية الاجتماعية والتي جوبهت بردود فعل عنيفة .

يمكن رد معظم المقاومة التي لقيها ويلسون وكذلك استخدام نظرية التطور لتفسير السلوك الانساني الى عدة حالات من سوء الفهم المحورية وعلى النقيض من حالات سوء الفهم هذه فإن النظرية التطورية لا تتضمن على كل حال أن السلوك الانساني محدد وراثياً (جينيّاً) ، كما لا تتضمن ان السلوك الانساني غير قابل للتعديل ، وأخيرا فانها لا تتضمن القول بان التطور مصمم بالشكل الامثل (بالحالة الفضلى ) . وهذا تفصيل لحالات سوء الفهم الثلاثة انقلها بتصرف من كتاب علم النفس التطوري لدافيد باس ص 76 الطبعة الثالثة .

سوء الفهم 1 : السلوك الانساني محدد على مستوى الموروثات


الحتمية الجينية هي ذلك المذهب الذي يقول بأن السلوك تضبطه الموروثات بشكل حصري ، مع دور محدد لتأثير البيئة أو حتى غياب هذا الدور .تنبع معظم مقاومة تطبيق النظرية على فهم السلوك الانساني من اللبس الفكري المتمثل بأن النظرية التطورية تتضمن الحتمية الجينية . وعلى العكس من سوء الفهم هذا ، تمثل النظرية التطورية في الواقع اطاراً تفاعلياً حقيقياً فلا يمكن قيام السلوك الانساني من دون مقومين (1) التكيفات المتطورة و (2) مدخلات البيئة التي تطلق نمو هذه التكيفات وتفعله . خذ حالة الثفن (تصلب الجلد بالاحتكاك ) نموذجاً على ذلك . لايمكن للثفن ان يحدث من دون تكيف متطور مولد للثفن ، ممزوجاً مع تأثير البيئة المتمثل بالاحتكاك المتكرر للجلد . وعليه فلا نقول ابداً حين نستحضر النظرية التطورية بماثبة تفسير لحالات الثفن -إن (حالات الثفن محددة وراثياً ، وتحدث بصرف النظر عن مدخلات البيئة ) . وعلى العكس من ذلك فإن الثفن هو نتاج شكل نوعي من التفاعل بين مدخلات البيئة (الاحتكاك المتكرر للجلد) وبين تكيف حساس لهذا الاحتكاك المتكرر والذي يحتوي على تعليمات لتنمية خلايا جلدية جديدة إضافية حين يتعرض للاحتكاك المتكرر . وفي الحقيقة فإن سبب تطور التكيفات يمكن في كونها توفر للمتعضيات الادوات التي تمكنها من التعامل مع المسكلات التي تطرحها البيئة .

وهكذا فإن السلوكات المحددة جينياً والناجم عن الموروثات من دون مدخلات او مؤشرات من البيئة هي خاطئة ببساطة وهي ليست متضمنة بحال من الاحوال في النظرية التطورية .


سوء الفهم 2 : إذا كان الامر تطورياً ، فليس بالامكان تغييره

يتضمن سوء الفهم الثاني القول بأن السلوك الانساني مستعصٍ على التغيير . عد ثانية للمثال في حال ةسوء الفهم الاول وهو الثمن ، يستطيع البشر خلق بيئات فيزيقية خالياً نسبياً من الاحتكاك وهم يفعلون ذلك (عملياً) . تعني هذه البيئات الخالية من الاحتكاك أننا صممنا حالة من التغيير وهو تغيير يحول دون تفعيل الآليات الكامنة المولدة للثفن . تعطينا معرفة الآليات ، وكذلك مدخلات البيئة التي تطلق عملية تفعيلها ، القدرة على تعديل سلوكنا بشكل يقلل من تكون الثفن .

وبطريقة مماثلة ، تعطينا معرفة تكيفاتنا نفس الاجتماعية المتطورة مع معرفة المدخلات الاجتماعية التي تفعلها ، قدرة هائلة على تعديل السلوك الاجتماعي ، فيما لو كانت تلك بغيتنا . لنأخذ مثلاً واحداً . هناك دليل على أن لدى الرجال عتبات (حسية) أدنى من النساء في تخمين النيّات الجنسية . فحين تبتسم امراة لرجل ، فان الملاحظين من الرجال اميل من الملاحظين من النساء للتخمين بان المرأة مهتمة جنسياً . ويشكل ذلك على الارجح جزءاً من ىلية نفسية متطورة لدى الرجال تحضهم على البحث عن فرص جنسية عابرة . إلا ان معرفة هذه الالية تتيح امكانية للتغير . إذ يمكن تعليم الرجال على سبيل المثال أن لديهم عتبات ادنى لتخمين القصد الجنسي عندما تبتسم المرأة لهم . يمكن لهذه المعرفة عندها ان تستخدم من قبل الرجل ، من حيث المبدا للحد من عدد مرات تصرفهم بناء على هذا التخمين الخاطىء للاهتمام الجنسي ، وبالتالي يحدون من عدد المبادرات الجنسية غير المرغوبة التي يقومون بها تجاه النساء .

يمكن ان يكون لمعرفتنا حول تكيفاتنا النفسية المتطورة مضافة الى المدخلات الاجتماعية التي صممت هذه التكيفات للاستجابة لها اثر تحريري يتيح تغيير السلوك في المجالات التي يكون فيها مثل هذا التغيير مرغوبا ، وهو ما يمثل ابعاداً لنا عن الوقوع تحت وطأة قدر محتوم . ولا يعني هذا ان تغيير السلوك هو امر بسيط وسهل ، وإنما يعطينا المزيد من المعرفة بسيكولوجيتنا المتطورة المزيد من القدرة على التغيير .


سوء الفهم 3 : الآليات الراهنة مصممة بحالتها الفضلى

أدى مهوم التكيف اي الفكرة القائلة بأن الاليات لها وظائف متطورة الى العديد من الاكتشافات الفائقة خلال القرن المنصرم . الا ان ذلك لايعني ، ان مجموعة الاليات التكيفية الراهنة التي تكون الانسان مصممة (في حالتها الفضى ) باي حال من الاحوال . قد يتحفظ مهندس ما تجاه بعض الطرق التي تنبني آلياتنا على أساسها ، والتي تبدو احيانا انها تجميع لشتات من هنا وهناك . في الواقع تتسبب العديد من العوامل في كون التصميم الراهن لتكيفاتنا أبعد ما يكون عن الحالة الفضلى .فلننظر في اثنبن من هذه العوامل : -

يتمثل احد قيود التصميم الافضل في فجوات الزمن التطورية . لنتذكر ان التطور يحيلنا الى التغير عبر الزمن فكل تغيير في البيئة يحمل معه ضغوطات انتقاء جديدة . ولأن التغيير التطوري يحدث ببطء متطلباً الالفاً من أجبيال الضغط الانتقائي المتكررة ، فإن البشر الحاليين مصممون بالضرورة للبيئات السابقة التي هي نتاجها (هذا بحد ذاته ضربة قاضية لفكرة الانسان مصور باحسن تصوير ) واذا طرحنا الامر بصورة مغايرة ، فاننا نحمل دماغاً يكاد يكون من العصر الحجري في بيئة حديثة . فالرغبة الكبيرة بالدهون ، التي كانت متكيفة مع ندرة موارد الطعام في البيئة السالفة ، تؤدي بنا حالياً الى انسداد الشرايين والذبحات القلبية ، تعني الفجوة الزمنية ما بين البيئة التي شكلت آلياتنا (اي الماضي كالصيد ، وجمع الطعام الذي ولّد معظم بيئتنا الانتقالية ) وبين البيئة الراهنة ، ان آلياتنا المتطورة الحالية قد لا تكون مصممة بالشكل الافضل للبيئة الحالية .

ويمت القيد الثاني على التصميم الافضل الى تكاليف التكيفات ، انظر على سبيل المثال خطر ان تُقتل خلال قيادة سيارة ، يمكننا من حيث المبدا خفض هذا الخطر الى ما يقارب من الصغر لو فرضنا سرعة قصوى لا تتجاوز عشرة اميال بالساعة . واجبرنا كل فرد على قيادة سيارة مصفحة بعشرة اقدام من الحشوة من الداخل إلا اننا نعتبر ان هذا الحل عالي التكلفة بشكل مثير للسخرية . وعلى الغرار نفسه يمكن النظر في المثل الافتراضي الذي نبى فيه الانتقاء الطبيعي رعباً شديداً لدى البشر بحيث لايخاطر الناس ابداً بالخروج خارج المنزل . سيخفض خوف من هذا القبيل بالتأكيد احتمالية الاصابة بلدغة أفعى ، الا انه يرتب ثمناً غاليا ليس من المسموح تحمله .

اضافة الى ذلك ، ان هذا الخوف سيمنع الناس من حل مشكلات تكيفية اخرى ، من مثل جمع الثمار والنباتات وبقية موارد الطعام الضرورية للبقاء ، خلاصة القول ان الخوف من الافاعي المميز للبشر ليس مصمما بالحالة الفضلى -إذ يتعرض الالالف من الناس للدغ الافاعي كل عام ، على اي حال ، كما يموت بعضهم نتيجة ذلك ، الا ان هذا الخوف يعمل اجمالا بشكل معقول .

ترتب كل التكيفات تكاليف ويعطي الانتقاء أفضلية لآلية معينة عندما تزيد منافع تصميمها على تكاليفها ، مقارنة بتصاميم أخرى ، وهكذا فإن لدينا آليات مطورة جيدة بشكل معقول في حل المشكلات التكيفية بفاعلية ، الا انها ليست مصممة على الوجه الافضل ، كما يفترض ان تكون بفعل قيود الكلفة ، تتمثل كل من فجوات الزمن التطوري وتكاليف التكيفات مجرد سببين من ضمن اسباب عددية اخرى لعدم تصميم التكيفات على الوجه الافضل .

وباختصار يرتكز جزء من مقاومة تطبيق النظرية التطورية على البشر على عدة حالات شائعة من سوء الفهم وعلى النقيض من حالات اللبس هذه فان النظرية التطورية لا تقضي ضمنا حتمية جينية ، كما لا تتضمن اننا عاجزون عن تغيير الاشياء وهي ان تكيفاتنا الراهنة مصممة على الوجه الافضل




أساسيات علم النفس التطوري (3)


هناك ثلاث منتجات للعملية التطورية – التكيفات ، نواتج التكيف (أو مصاحباته) ، والآثار العشوائية (او التشويش) كما يظهر في الجدول التالي :-

This image has been resized from 738x427 by ”Tifnout”, an Artificial Intelligent Robot to Prevent Flooding


يمكن تعريف التكيف بانه خاصية نامية موروثة وموثقة ،أتت إلى الوجود من خلال الانتقاء الطبيعي ، لانها ساعدت على حل مشكلة بقاء او تكاثر خلال فترة تطورها .

دعونا نجزيء هذا التعريف الى عناصره النواتية . يتعين ان يمتلك التكيف موروثات لهذا التكيف . هذه الموروثات مطلوبة لعبور التكيف من الوالدين الى الاولاد ، باعتبار ان للتكيف مرتكزات جينية . وبالطبع لايمكن رد معظم التكيفات الى موروثات وحيدة ، إذ هي بالاحرى نتاج العديد من الموروثات .فعلى سبيل المثال ، تبنى العين البشرية بواسطة مئات الموروثات الا ان واقعة ضرورة الموروثات للتكيفات لا تعني على كل حال ان السلوك (محدد جينياً).

اذا انتقلت البيئات السابقة الموروثات التي نملكها اليوم كما ان البيئات ضرورية خلال حياة الشخص للنمو السليم للتكيفات ، كما ان البيئات الراهنة مسؤولة عن تفعيل التكيفات حين تتكون .

يتعين ان ينمو التكيف بموثوقية لدى أفراد النوع من كل البيئات (العادية) مما يعني انه يتعين ان يبرز التكيف كي يتأهل باعتباره تكيفاً ، في الوقت الملائم خلال حياة المتعضي من دون أن يمسه أي تغيير وبالتالي ان يكون مميزا لجل افراد نوع معين او لكلهم . هناك استثناءات مهمة لذلك من مثل الآليات التي توجد في جنس واحد فقط أو في فئة فرعية نوعية من افراد النوع ، مما سيتم بحثه لاحقاً ، الا ان ما يتعين التشديد عليه الآن هو أن جُل التكيفات هي مميزة نموذجياً لكل نوع من الانواع .

لايعني مظهر التكيفات النامي بشكل موثوق ، ان التكيف يتعين ان يظهر عند الميلاد . إذ تنمو معظم التكيفات في الواقع بعد الميلاد بوقت طويل . فالمشي هو خاصية نامية بموثوقية لدى البشر الا ان معظمهم لايبدأ المشي الا بعد مضي سنة كاملة من العمر بعد الميلاد ، كما ان الثديان هما خاصية نامية بموثوقية لدى النساء ، الا انهما لاينموان الا عند البلوغ أما الخصائص العابرة والموقتة ، والتي تختل بسهولة بفعل البيئة أو التي لا تظهر الا لدى قلة من أفراد نوع معين ، فإنها ليست نامية بموثوقة ، وبالتالي لا تستوفي المعايير التعريفية للتكيفات .

تتشكل التكيفات بتأثير من عملية الانتقاء في كل جيل ، يعمل الانتقاء وكأنه منخل ، مستبعداً الملامح التي لا تُسهم في الانتشار ، ومبقياً على تلك التي تُسهم فيه . تتكرر عملية النخل هذه جيلاً بعد جيل بحيث ان كل جيل جديد يأتي مختلفاً قليلاً عن جيل والديه . عملية الانتقاء الطبيعي هذه ضرورية لخلق التكيفات.

تلك الخصائص التي تنجح في عملية التصفية في كل جيل ، هي تفعل لانها تُسهم في حل مشكلة تكيفية تتعلق إما بالبقاء او التكاثر اكثر من سواها من التصاميم البديلة (المتنافسة معها) والموجودة لدى أفراد النوع . تحيل وظيفة تكيف ما الى المشكلة التكيفية التي تطورت كي تحلها ، وهذه هي على وجه الدقة ،الكيفية التي تُسهم من خلالها في البقاء او التكاثر ، تتحدد وظيفة تكيف ما نموذجياً وتتأثر من خلال ترسخ (تصميم خاص) بحيث ان مكوناته او (ملامح تصميمه) تُسهم جميعاً بطريقة دقيقة في حل مشكلة تكيفية خاصة . وان معايير تقويم وظيفة تكيف مفترضة تتضمن نموذجياً الفاعلية (حل المشكلة بطريقة فاعلية ، والاقتصاد (حل المشكلة بطريقة مجيدة من حيث كلفتها) والدقة (حيث تتخصص كل الاجزاء المكونة في انجاز غاية خاصة) والموثوقية (اي تعمل بشكل يعتمد عليه في السياقات التي صُممت للعمل فيها)

لكل تكيف مرحلته الخاص به من التطور . تحدث الطفرة ، بما هي تغير تلقائي في بنية قطعة من DNA ومع أن معظم الطفرات تعيق البقاء او التكاثر الا ان بعضا منها ، ومن خلال الصدفة وحدها تؤدي الى مساعدة المتعضي على البقاء والتكاثر . واذا كانت الطفرة مساعدة بما يكفي كي تعطي المتعضي أفضلية في التكاثر على بقية افراد النوع ، فإنها ستنقل إلى الجيل اللاحق بأعداد اكبر . وبالتالي سيتملك فريق من الافراد في الجيل الثاني الخاصية التي كانت في الاصل طفرة لدى شخص مفرد وإذا استمرت بالنجاح خلال عدة اجيال فستنتشر الطفرة في كل افراد النوع بحيث يمتلكها كل واحد منهم .

تحيل بيئة قابلية التكيف التطورية (EEA)الى التركيبة الاحصائية لضغوطات الانتقاء التي تحدث خلال مرحلة التكيف التطوري المسؤولة عن انتاج التكيف وبصيغة اخرى فإن EEA تحيل على صعيد كل تكيف الى انتقاء القوى ، او المشكلات التكيفية التي كانت مسؤولة عن تشكيها خلال زمن تطوري مديد ، على سبيل المثال تحيل EEA العين الى ضغوطات الانتقاء النوعية التي شكلت كلا من مكونات النظام البصري عبر مئات ملايين السنين . بينما تتضمن EEA للتحرك على ساقين ضغوطا انتقائية ذات مدى زمني قصير ، اذ تعود الى حوالي 4،4 مليون سنة خلت . تتمثل النقطة المفصلية في ان EEA لا تحيل الى زمن او مكان محددين ، وانما الى قوى الانتقاء المسؤولة عن تشكيل التكيفات . وبالتالي فان كل تكيف يمتلك EEAالفريدة الخاصة به وتحيل مدة تطور التكيف الى المدى الزمني الذي تكون خلال ، قطعة قطعة ، حتى انتهى الى ان يميز التصميم الكوني الخاص بالنوع .

مع ان التكيفات هي المنتجات الاولية للتطور الا انها ليست بالتأكيد المنتجات الوحيدة . إذ تنتج عملية التطور منتجات ثانوية مصاحبة للتكيفات تمثل المنتجات الثانوية خصائص لا تحل مشكلات تكيف كما انه ليس لها تصميم وظيفي انها تُحمَل مع الخصائص التي تمتلك تصميماً وظيفياً لانه حدث ان اقترنت هذه بتلك التكيفات . تماماً كما ان حرارة ضوء المصباح الكهربائي هي مُنتج ثانوي لتصميم الانارة .

انظر الى سرة بطن الانسان ، ليس هناك دليل على ان سرة البطن هي بحد ذاتها تساعد البشر على البقاء او التكاثر ، لا تصلح سرة البطن لالتقاط الطعام، او اكتشاف المفترسين او تجنب الافاعي او ايجاد عادات حسنة او اختيار الاقران ،ولايبدو انها تتدخل مباشرة او مداورة في حل لمشكلة تكيفية .بالاحرى ، فان سرة البطن هي نتاج ثانوي لشيء معين هو بحد ذاته تكيفاً وتحديدا حبل السرة الذي كان يوفر الطعام للجنين النامي . وهكذا فان افتراض ان شيئا ما هو نتاج ثانوي لتكيف معين يتطلب تحديد هذا التكيف الذي ينجم عنه هذا النتاج الثانوي او كذلك تحديد سبب وجود متلازما مع ذلك التكيف . ويتعين إخضاع افتراض كون شيء ما نتاجا ثانويا لمعايير اثبات علمي صارم ، تماما مثل افتراض كون شيء ما تكيفا . أي انه يتعين استخلاص تنبؤات تجريبية من كل افتراض ، ومن ثم اختبارها باستخدام طرق تجريبية .

ثالث منتجات العملية التطورية وآخرها هو التشويش ، أو الآثار العشوائية . يمكن ان تنتج الاثار العشوائية بفعل قوى من مثل الطفرات او التغيرات البيئية المفاجئة وغير المسبوقة ،او بفعل حوادث معينة خلال النمو . تؤذي هذه الاثار العشوائية احيانا النشاط الوظيفي السلس لمتعضي ما ، تماما كما يتلف القاء مفتاح ميكانيكي كبير في ىلة ، او سكب قهوة تغلي داخل جهاز الحاسوب الخاص كل عملياتها الوظيفية . بعض الاثار العشوائية محايدة بمعني انها لاتُسهم في النشاط التكيفي ولا هي تعيقه بينما ان بعضها الاخر مفيد للمتعضي . فالغلاف الزجاجي للمبة كهرباء يحتوي غالبا على بعض الشوائب العائدة اما الى عدم نقاء المواد او الى شوائب في التصنيع ، الا انه لايعيق النشاط الوظيفي للمبة التي تشتغل جيداً سواء بوجود هذه الشوائب ام في غيابها . ويُميز التشويش عن المنتج الثانوي العارض في كونه غير مرتبط بالجوانب التكيفية لملامح التصميم وانما هو على العكس مستقل عنها كما لايميل التشويش الى ان يكون مميزاً للنوع .

موجز القول تنتج العملية التطورية ثلاث منتجات : التكيفات ، المنتجات الثانوية للتكيفات ، والاثار العشوائية . ويمكننا من حيث المبدا تحليل الاجزاء المكونة لاحد الانواع واجراء دراسات لتحديد ايها تكيفات ، وايها منتجات ثانوية وايها ترجع الى مجرد آثار عشوائية ويختلف علماء التطور في تقديرهم للحجم النسبي لهذه الفئات الثلاث من المنتجات . ويعتقد البعض بأن حتى الصفات الفريدة للانسان من مثل اللغة هي مجرد منتجات ثانوية طارئة لا دمغتنا الكبيرة بينما يرى اخرون دليلاً كاسحا على ان اللغة هي تكيف بامتياز وتبدي كل مميزات التكيفات التي وصفت اعلاه . ولحسن الحظ فليس علينا ان نعتمد على اعتقادات العلماء لاننا نستطيع اختبار افكارهم مباشرة .

وبالرغم من الممحاكات العلمية حول الحجم الفعلي للفئات الثلاث للمنتجات التطورية ، الا ان كل العلماء التطوريين يجمعون على النقطة الاساس اي ان التكيفات هي المنتج الاولي للتطور من خلال الانتقاء ، حتى نقاد علم النفس التطوري من مثل ستيفن جاي غولد (لاينكر وجود التكيف واهميته المركزية كما لاينكرون انتاج التكيف من خلال الانتقاء الطبيعي ..)يقول “ انا لا اعرف اي الية علمية غير الانتقاء الطبيعي ذي القوة المثبتة لانشاء بنى لهكذا تصاميم فاعلية بامتياز “ .

تلك الخصائص التي تمر من خلال غربال الانتقاء جيلا بعد جيل لمدة مئات وآلاف وحتى ملاين السنين هي تلك ساعدت على حل مشكلات البقاء والتكاثر .

وهكذا تتكون نواة كل طبيعة الحيوانات بما فيها البشر من مجموعة واسعة من التكيفات .تشكل أعضاء الحس – العينان والاذن والانف مجسات الذوق بعضا من هذه التكيفات التي توفر توافذ للمعلومات ذات الصلة التكيفية مع بيئتنا . كما تساعدنا بعضا من هذه التكيفات على التحرك في بيئتنا من مثل انتصاب قامة هيكلنا العظمي ، الساقين ، العظام وكذلك إصبعي قدمينا الكبيرين . يميل علماء النفس التطور الى التركيز على فئة فرعية خاصة من التكيفات التي تشمل الطبيعة البشرية ، التكيفات النفسية ومنتجاتها الثانوية .

اساسيات علم النفس التطوري (4)

مستويات التحليل التطوري في علم النفس التطوري

يشكل صوغ الفرضيات واحدة من السمات الاساسية لاي علم . تركز الفرضيات في حالة علم النفس التطوري على المشكلات التكيفية وحولها . وبشكل أكثر تخصيصاً ، تركز على المشكلات التكيفية التي جابهها أسلافنا وعلى الحلول النفسية التكيفية لتلك المشكلات . ولكي نرى تحديداً كيف يصوغ عالم النفس التطوري هذه الفرضيات ، يتعين علينا أن نضيف مرتبية مستويات التحليل ضمن علم النفس التطوري كما في الجدول :-

This image has been resized from 602x512 by ”Tifnout”, an Artificial Intelligent Robot to Prevent Flooding


يظهر من الجدول مستويات التحليل التطوري ويظهر الشكل صيغة واحدة من مرتبية مستويات التحليل في علم النفس التطوري . تحتل النظرية التطورية العامة المستوى الاعلى في المرتبة ويتعين ان تكون كل نظرية من المستوى المتوسط متسقة مع النظرية التطورية العامة ، إنما لا يمكن ان تشتق منها . وتشتق فرضيات تطورية نوعية حول الآليات النفسية المتطورة او الانماط السلوكية من كل من نظريات المستوى المتوسط ويمكن لكل فرضية تطورية نوعية ان تولد تنوعا من التنبؤات النوعية القابلة للاختبار وتقوم اسانيد كل فرضية ونظرية من خلال الوزن التراكمي للادلة التجريبية .



النظرية التطورية العامة

يتمثل مستوى التحليل الاول في النظرية التطورية العامة ، بفهم التطور من خلال الانتقاء الطبيعي في صيغته الحديثة من منظور (عين المورثة ) فالاستنساخ الجنيني الفارقي هو المحرك لعملية التطور التي تتشكل التكيفات بواسطتها وبالطبع تشمل النظرية التطورية أكثر من مجرد عملية الانتقاء الطبيعي ، الا ان الانتقاء الطبيعي هو العملية السببية الاساسية الوحيدة المعروفة القادرة على خلق تصميم وظيفي معقد ، وبالتالي سيتم التعامل معها في هذا المقام باعتبارها المستوى الاكثر عمومية في مرتبية التنظير التطوري .

ومع أننا نتحدث على هذا المستوى العام عن (نظرية ) تطورية الا ان هناك توافقا عريضا بين علماء البيولوجيا على اعتبارها واقعة فعلية . ينطلق معظم البحث في علم النفس التطوري من افتراض صحة النظرية التطورية الا ان البحث لا يختبر هذا الافتراض ذاته مباشرة . لقد تمت ملاحظة العمليات الاساسية التي يستند التطور بالانتقاء عليها ، العديد من المرات في المختبر وفي الميدان ولم يتم تفنيدها من قبل اي دراسة منفردة او اي نتائج علمية .

وعلى سبيل المثال ، فلقد استخدمت مبادىء التطور بالانتقاء بنجاح لاستيلاد كلاب عدوانية او سلبية وفئران متاهة ذكية او فئران متاهة غبية . كما تم انتاج انواع جديدة متباينة من حيث تكاثرها بما فيها انواع من الكلاب والنباتات تجريبيا من خلال مبادىء الانتقاء .

هناك من حيث المبدأ ملاحظات قد تفند النظرية التطورية العامة فلو ان العلماء لاحظوا اشكال معقدة من الحياة خلقت خلال فترات زمنية قصيرة جدا بالنسبة لحدوث الانتقاء الطبيعي (في 7 ايام على سبيل المثال ) لأمكن عندها البرهنة على بطلان النظرية . كذلك فلو ان العلماء اكتشفوا تكيفات نُشَّطت فقط لصالح انواع اخرى محددة لامكن عندها اثبات بطلان النظرية ولو اكتشف العلماء تكيفات نشَّطت لصالح المتنافسين ضمن اعضاء الجنس ذاته وحدهم لامكن عندها اثبات بطلان النظرية . الا انه لم تسجل ابدا ظواهر كهذه .

نظرية التطور العامة هي النموذج المرشد لكامل مجال علم البيولوجيا وكذلك لعلم النفس التطوري وهكذا فعندما يختبر عالم نفس تطوري فرضية تطورية فإنه /انها لايكون بصدد اختبار (النظرية العامة في التطور ) التي يفترض انها حقيقية في خطوطها العامة ولانه لم تطرح بدائل مقنعة خلال القرن الماضي ولان هناك دليلا كاسحا يسند النظرية العامة في التطور ، تصبح هذه الفرضيات معقولة .


النظريات التطورية ذات المستوى المتوسط

وبالتحرك لمستوى واحد نزولاً في الجدول السابق سنجد نظريات المستوى المتوسط ، من مثل نظرية ترايفرز في الاستثمار الوالدي والانتقاء الجنسي ، ما زالت نظريات المستوى المتوسط هذه واسعة بشكل مقبول ، بحيث تغطي مجالات كاملة من النشاط الوظيفي . كما انها تشكل مجالاً مقبولاً للاختبار العلمي ، بحيث انه من الممكن اثبات بطلانها . دعونا نفحص نظرية واحدة لايضاح هذه النقطة -اي نظرية ترايفرز في الاستثمار الوالدي بما هو القوة الدافعة وراء الانتقاء الجنسي . وفرت هذه النظرية ، التي هي بدورها تطوير لنظرية الدافعة في الانتقاء الجنسي احد المكونات الكاشفة لتوقع عملية اختيار القرين الجنسي ، والتنافس ضمن افراد الجنس الواحد .

وفي وقت اخر ساتحدث تفصيلا عن هذه النظرية (ربما لا افعل ) فممكن اخذ نظرة صغيرة حولها ، فلقد جادل ترايفرز بأن الجنس الذي يستثمر موارد اكبر في ذريته (وهن الاناث غالباً وان لم يكن على الدوام) فإنه سيتطور كي يصبح اكثر انتقائية او تمييزا في اختيار القرين واما الجنس الذي يستثمر اقل في الذرية فهو على العكس سيتطور كي يكون أقل انتقائية واكثر تنافسا مع اعضاء جنسه ذاته للوصول الجنسي الى الجنس الاخر الاكثر قيمة والاعلى استثمارا وبمعنى اخر فكلما ازداد استثمار متعضي ما في التكاثر فإنه سيتعرض لمزيد من الخسارة بمقدار ما يقدم على اختيار سيء للقرين .

لقد تم إسناد الطرح الاساسي لنظرية ترايفرز بقوة من خلال الدليل التجريبي في انواع مختلفة ففي العديد من الانواع التي تستثمر فيها الاناث بقدر أكبر من الذكور في الذرية بما فيا النوع البشري ، يحتمل ان تكون الاناث في الواقع اكثر إنتقائية وتمييزا

الا ان هناك عددا قليلا من الانواع يستثمر فيها الذكور اكثر من الاناث ففي بعض الاجناس على سبيل المثال تزرع الانثى بيوضها في الذكر ، وهو الذي يحتضن الذرية حتى ولادتها . وهكذا ففي اجناس من مثل صرصور المورمون ضفدع الشهل – السام ، فرس البحر – الانبوبي يستثمر الذكر بهذه الطريقة اكثر من الاناث .

يستقبل فرس البحر الانبوبي البيوض من الانثى ويحملها في جعبته الشبيهة بجعبة الكونغورو . تتنافس الاناث بضراوة مع بعضها بعضا على هذه الانواع المدعوة ذات (الدور الجنسي – المعكوس ) نظرية ترايفرز التي تبين انه ليست الذكورة او الانوثة بحد ذاتها هي التي تسبب الفروق الجنسية في الاختيار وانما هو الاستثمار الوالدي النسبي لكل من الجنسين . وهكذا يوفر الوزن المتراكم للدليل دعما قويا لنظرية ترايفرز ذات المستوى المتوسط في الاستثمار الوالدي ، بما هو المحدد لكل من الميل الاختياري والميل التنافسي في انتقاء اقران التزاوج .

وبالنظر ثانية في الشكل السابق يمكن التحقق من ان نظرية ترايفرز ذات المستوى المتوسط متلاءمة مع النظرية التطورية العامة ، اذ انه لايعرض شيئاً لا يمكن الاحاطة به من قبل العملية التطورية ، الا انه في الآن عينه لايمكن اشتقاق نظرية الاستثمار الوالدي منطقيا من النظرية التطورية العامة ، اذ لايوجد اي شيء في نظرية الانتقاء الطبيعي يأتي على ذكر الاستثمار الوالدي وهكذا يتعين ان تكون نظريات المستوى المتوسط متلاءمة مع نظرية التطور العامة الا انه يتعين كذلك ان تقوم او تسقط بناء لمزايها الخاصة .

انتهى القسم الاول والذي يحتوي على 4 حلقات ، التقيكم بالقسم الثاني والاخير والذي يحتوي على 4 حلقات مع اضافة المصادر .
https://forum.sonsofegypt.net/t19140.html









رد مع اقتباس
قديم 2011-12-17, 15:12   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفاكر مشاهدة المشاركة
لو سمحتي اختي عندي بحث حول الفيس بوك .لم اعرف العناصر والنقاط التي اطرق اليها في هذا البحث من فضلك ساعديني
ولا تنسي بحثي حول النظرية التطورية للانسان
مدخل إلى الفكر الأنثروبولوجي


بحث لزاهيد مصطفى منشور بمجلة الفكر العربي المعاصر العدد 152/153


''لاحظ الإنسان بصفة عامة الفروق القائمة بين شعوب الجنس البشري و اهتم بمعرفة الطبيعة الإنسانية للإنسان و تفسير الاختلافات في الملامح الجسمية ،و لون البشرة و العادات و التقاليد و الفنون و غير ذلك من مظاهر الحياة، وفي إطار هذا الإهتمام و التساؤل تطورت الدراسات خلال العصور و تبلورت بنشأة فرع جديد من فروع المعرفة، اصطلح على تسميته بالأنثروبولوجيا''1 أو علم الإنسان ،فما هي الأنثروبولوجيا؟ وكيف ظهرت الأنثروبولوجيا كعلم قائم الذات و كتخصص أكاديمي ؟ هل يوجد في القديم علم إسمه الأنثروبولوجيا ؟هل الأنثروبولوجيا وليدة القرن التاسع عشر؟ أم أنها حصيلة تراكم معرفي حتم الشرط التاريخي اكتمال معالمه و قيامه كفرع معرفي جديد في القرن التاسع عشر؟وأخيرا ما هي أهم الإتجاهات النظرية داخل حقل الأنثروبولوجيا؟

حول تحديد المفهوم

يختلف تعريف مفهوم الأنثروبولوجيا باختلاف المرجعيات الثقافية للباحثين الأنثروبولوجيين، فهناك من يستخدم مفهوم الأنثروبولوجيا كمفهوم عام ليشمل كافة النواحي الإجتماعية و الثقافية للإنسان، أي: دراسة الإنسان ككل معقد ،و دراسة إنتاجه عبر التاريخ من ثقافة و تقاليد و عادات و معتقدات، و هناك من يطلقها لتقتصر على ما هو عضوي أو حيوي في الإنسان ''فيستخدم الأمريكيون مصطلح الأنثروبولوجيا الجسمية، الفيزيقية Phisical Anthropology للإشارة إلى دراسة الجانب العضوي أو الحيوي في الإنسان، بينما يستخدمون مصطلح الأنثروبولوجيا الثقافية Cultural Anthropology ليعني مجموع التخصصات التي تدرس النواحي الاجتماعية و الثقافية لحياة الإنسان (يدخل في ذلك الدراسات التي تتعلق بحياة الإنسان القديم أو حضارات ما قبل التاريخ)2" . فإذا كان هذا الإهتمام بالأنثروبولوجيا كعلم يدرس الثقافة البشرية، بمعناها الشامل داخل الولايات المتحدة الأمريكية، فإن في فرنسا نجد العكس، فقد ارتبط مفهوم الأنثروبولوجيا بدراسة التاريخ الطبيعي للإنسان، و يذكر الباحث الفرنسي جان بواريه G.Poirier: أنها ظهرت أولا في كتابات علماء الطبيعة إبان القرن الثامن عشر، لتعني دراسة التاريخ الطبيعي للإنسان L’histoire naturelle de l’homme ، وربما كان عالم الطبيعة الألماني جوهان بلوميناخ في رأي بواريه أيضا أول من أدخل كلمة'الأنثروبولوجيا ' في منهج تدريس التاريخ الطبيعي بالمقررات الجامعية، كما استخدمها في الطبعة الثالثة من كتابه الذي صدر عام 1795 تحت عنوان ''عن التنوعات الطبيعية الجوهرية ' بين البشر"3، و إذا كانت الأنثروبولوجيا علما يهتم بدراسة الثقافات و التقاليد و العادات و كل ما يتعلق بالإنسان، يعني دراسة ذلك الكل المعقد الذي يسمى ثقافة ،فإن هذه الدراسة تحتاج إلى مادة لتقوم بتحليلها وهذه المادة توفرها الإتنوغرافيا و التي شكلت على الدوام إرهاصا تاريخيا لحقل معرفي سمي بالانثروبولوجيا.وحول مصطلح الإتنوغرافيا ''نجده يعني الدراسة الوصفية لأسلوب الحياة و مجموع التقاليد و العادات و القيم و الأدوات و الفنون و المأثورات الشعبية لدى جماعة معينة أو مجتمع معين خلال فترة زمنية محددة'' بيد أن الأنثروبولوجيا تختلف عن الإتنوغرافيا، فهي لا تعتمد على أسلوب الوصف فقط، بل تتعداه إلى تحليل هذه المادة الوصفية،وإلى تركيبها بهدف الوصول إلى تصورات نظرية، فهي ''تهتم بالدراسة التحليلية و المقارنة للمادة الإتنوغرافية بهدف الوصول إلى تصورات نظرية أو تعميمات بصدد مختلف النظم الاجتماعية و الإنسانية من حيث أصولها و تطورها و تنوعها ،وبهذا تشكل المادة الإثنوغرافية قاعدة أساسية لعمل الأنثروبولوجي، فالأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا مرتبطتان إذن و تكمل الواحدة الأخرى''5
قد يكون هذا الاقتضاب المخل لا يفي بالغرض ،غير أنه يفي ببعض الغرض، وجدير بخلق إرهاص للطالب حول إشكالية تحديد مفهوم الأنثروبولوجيا بشكل عام و تحديده بحسب المرجعية الثقافية لكل مدرسة أنثروبولوجية بشكل خاص

التأصيل التاريخي للأنثروبولوجيا

تزامن تبلور حقل معرفي جديد إسمه الأنثروبولوجيا بتوالي الكتابات حول تاريخ تبلور هذا الحقل المعرفي، وذلك لتعريف بالجذور المعرفية و الأصول النظرية لهذا الحقل '' وباطلاعنا على عدد من الكتابات عن تاريخ الانثروبولوجيا يمكن القول بصفة عامة :أنه بالرغم من تعدد الإتجاهات في تناول هذا الموضوع، إلا أنه يمكن أن نشير إلى ثلاث مقاربات رئيسية، هناك أولا: من تناول الأنثروبولوجيا من خلال العرض لمجموعة من الرواد الأوائل لهذا العلم و المحدثين على السواء ''6 و هناك من تطرق لهذا العلم الجديد عبر المراحل التاريخية التي مر منها و اعتبر الأنثروبولوجيا نتيجة لإسهام حضارات إنسانية،حيث لم تخلوا مرحلة تاريخية من وجود إرهاصات لفكر أنثروبولوجي ،ونحن نميل إلى العرض التاريخي الذي يوفي الفكر البشري حقه ويجعل إسهامه بعيدا عن أي نزعة ذاتية،صحيح: أن الأنثروبولوجيا كعلم لم تتبلور إلا في أواخر القرن التاسع عشر، لكن وصف ثقافة الشعوب قد جدب العديد من المفكرين و الرحالة و المستكشفين و حاول بعضهم إعطاء تفسيرات لهذه الاختلافات ،و إذا كان الإختلاف لا يدرك لذات إلا عن طريق المقارنة و الإتصال. فالحروب و الرحلات التجارية و الإستكشافية و كذلك البعثات التبشيرية مثلا ساهمت في حدوث اتصال بين الشعوب، ففي الحضارة المصرية شكلت الرحلات التجارية نقطة التقاء بالأخر و التعرف عليه ثقافيا و اجتماعيا و في هذا الصدد" يكتب مودي في عرضه لتاريخ الإتنوغرافيا بأن الرحلة التي قام بها المصريون القدماء عام 1493 ق.م تعد من أقدم الرحلات التاريخية على الإطلاق ذلك حين أبحر في النيل صوب جنوب مصر أسطول مكون من خمسة مراكب، و على متن كل مركب واحد وثلاثون فردا ،و ذلك بهدف تسويق بضائعهم النفيسة التي شكلت آنذاك البخور و العطور،وقد نتج عن هذه الرحلة اتصال المصريين القدماء بأقزام إفريقيا، و تأكيد لإقامة علاقات معهم فيما بعد، فقد صورت النقوش في معبد الدير البحري إستقبال ملك و ملكة بلاديونت لمبعوث مصري ،كما أوضحت النقوش كذلك بعض تفاصيل الصفات الجسمية لتلك الشعوب وبدا واضحا ما اتصف به أهل المملكة من تراكم السمنة بإفراط '' 7 ولم يكتف الإسهام بأفكار أولية عن الأنثروبولوجيا فقط على الحضارة المصرية، بل حتى في الفكر الإغريقي نجد مادة وصفية جاءت في كتابات عدد من الكتاب الإغريق مثل الشاعر اليوناني هوميروس Homier الذي عاش خلال القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد، و صاحب ملحمتي الإلياذة و الأوديسة، غير أن أشهر من نجد في كتاباته بوادر فكر أنثروبولوجي داخل الفكر الإغريقي فهو المؤرخ: هيرودوت الملقب بأب التاريخ '' ففي كتابه 'التواريخ' حرص هيرودوت على تقديم كل ما يستحق التسجيل عن التاريخ الإنساني حتى زمانه، فقد قدم معلومات في تسعة فصول عن حوالي خمسين شعبا من خلال رحلاته و قراءاته وذلك إلى جانب وصفه الدقيق للحرب التي دارت بين الفرس و الإغريق إبان القرن السادس قبل الميلاد ''8 ولم يكتفي هيرودوت عند هذا الحد بل كان يصف المعتقدات و العادات و يقارن بين الشعوب و بين معتقداتها و عاداتها و في هدا الصدد يقول : ''وفي غير مصر يطلق كهنة الآلهة شعورهم، أما في مصر فيحلقونها، و يقضي العرف عند سائر الشعوب بأن يحلق أقارب المصاب رؤوسهم أثناء الحداد و لكن المصريين إذا نزلت بساحتهم محنة الموت فيطلقون شعر الرأس و اللحية"9

إن المادة التي قدمها هيرودوت برأي الأنثروبولوجيين هي عبارة عن إرهاص لفكر أنثروبولوجي سيتبلور في القرن التاسع عشر، لكن إلى أي حد و كيف يمكن اعتبار هيرودوت أول باحت أنثروبولوجيا بصفة عامة و مؤسس إثنوغرافيا بصفة خاصة؟

تكمن أهمية هيرودوت في كونه استطاع في ذلك الوقت المبكر أن يطرح فكرة وجود تنوع بين الشعوب في النواحي الثقافية و السلالية و اللغوية و الدينية و العقائدية …ولم يفت هيرودوت أن يشير إلى عناصر التبادل الثقافي و اقتباس الشعوب بعضها من بعض و هو ما سيتبلور داخل حقل الانثروبولوجيا بمفهوم التثاقف و الإنتشار الثقافي مع المدرسة الإنتشارية، وبصدد نقطة الانتشار و التثاقف بين الشعوب كتب هيرودوت أن الإغريق قد أخذوا عن الليبيين الثياب و الغناء و العربات و يقول هيرودوت في الفقرة 189من النصوص الليبية:'' يبدو أن ثوب و درع وتماثيل أثينا نقلها الإغريق عن النساء الليبيات غير أن لباس النساء الليبيات جلدي و أن عذبات دروعهن المصنوعة من جلد الماعز ليست ثعابين بل هي مصنوعة من سيور جلد الحيوان "10

وفي العصر الروماني سيبتعد الفكر عن التجريد الذي ميز الإغريق و البحث في المسائل العقلية الخالصة ويتجه نحو الواقع الملموس، و مع ذلك ينفي الأنثروبولوجيون أي وجود لإرهاصات فكر أنثروبولوجي في الحقبة الرومانية باستثناء أشعار كروس لوكريتيوسlecretuis (98-55 ق.م) التي احتوت وبلا شك بعض الأفكار الإجتماعية الهامة.إن القارئ لكتابه 'طبيعة الأشياء' الذي نشرت ترجمته الانجليزية في سلسلةpenguin يجد أن لوكريتيوس تناول عدة موضوعات في ستة أبواب رئيسية و ضمنها أفكاره و نظرياته عن المادة ،و حركة و شكل الأجرام السماوية و تكوين العالم مثلا، تطرق في الباب السادس خاصة إلى إلى فكرتي التطور و التقدم حيث تحدت عن الإنسان الأول و العقد الإجتماعي و نشأة اللغة ونظامي الملكية و الحكومة إلى جانب مناقشته للعادات و التقاليد و الفنون و الأزياء و الموسيقى، ويرى بعض الأنثروبولوجيين أن لوكريتيوس إستطاع أن يتصور مسار البشرية في عصور حجرية و برونزية ثم حديدية "11غير أن تدهور الإمبراطورية الرومانية صاحبه انتقال إلى العصور الوسطى والتي تحدد بنهاية الإمبراطورية الرومانية حتى عصر النهضة حسب التحقيب الأوربي. و يذكر لنا المؤرخون أنه مع نهاية القرن الخامس الميلادي تقريبا بدأت السلطة بروما في التدهور و الإنهيار ودخلت أروبا في فترة زمنية طويلة ترتبط عادة في أدهان الأوروبيين بالنكسة الحضارية و ارتداد الفكر إلى حقبة مظلمة، و تعرف هذه الحقبة بالعصور الوسطى"13 وعلى أنها حقبة سيطرت فيها الكنيسة و الفكر اللاهوتي سيطرة مطلقة على جميع الجوانب الفكرية و الاجتماعية و الثقافية، حيث أصبحت المعرفة خاضعة لسلطة المؤسسة و معبرة عن إيديولوجيتها ممثلة في الكنيسة آنذاك المالكة للحقيقة برأي رجال الدين .

و عن صلة هذه الحقبة بالفكر الأنثروبولوجي ،يمكننا أن نستشفه من الموقع الجغرافي لأوروبا و الذي جعلها تنظر إلى الشعوب التي تقطن المحيطات الأخرى بكونها متبربة و رمز الخطيئة الأبدية. هذا الجهل بعادات تلك الشعوب و تقاليدها إضافة إلى التمركز الذاتي حول الدين المسيحي الذي فرضته الكنيسة كنموذج للخلاص جعل الأوروبيين يتجهون إلى تطهير ذاتهم عن طريق الغزو و الحروب رغم ظهور إرهاصات للكتابة حول تلك الشعوب، إلا أن الوصف جاء غالبا في إطار من التخيل و ليس المشاهدة المباشرة،فنجد مثلا أن الأسقف 'إيزدور ISDOR كان قد أعد موسوعة عن المعرفة في القرن السابع الميلادي وأشار فيها إلى بعض تقاليد الشعوب المجاورة و عاداتهم و لكن بطريقة عفوية تتصف بالسطحية و التحيز، فقد ذكر مثلا أن قرب الشعوب أو بعدها عن أوروبا يحدد درجة تقدمها، فكلما كانت المسافة بعيدة كلما كان الإنحطاط و التدهور الحضاري مؤكدا ،وليس هذا فحسب ،بل : إنه وصف أولئك الناس الذين يعيشون في أماكن نائية بأنهم سلالات غريبة الخلقة حيث تبدو وجوههم بلا أنوف'' 14 ولم يتوقف البحت الإتنوغرافي الذي شكل بدايات الفكر الأنثروبولوجي في القرن التاسع عشر على الأوروبيين ولم يبقى حكرا عليهم، بل كانت هناك إسهامات للحضارة الإسلامية و على سبيل الإيضاح: نشير هنا إلى كتاب البيروني عن الهند لما حضي به من شهرة كبيرة في الدوائر العلمية الأوروبية ولما احتواه من مادة إثنوغرافية هامة ففي هذا الكتاب الذي حمل عنوان ''تحريرما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مردولة '' وصف البيروني المجتمع الهندي من ناحية نظمه الدينية و الإجتماعية و أنماطه الثقافية ،كما اهتم أيضا بمقارنة تلك النظم و السلوكيات الثقافية بمثيلاتها عند اليونان و العرب و الفرس و قد أبرز البيروني حقيقة أن الدين يلعب الدور الرئيس في تشكيل الحياة الهندية و توجيه سلوك الأفراد و الجماعات و صياغة القيم و المعتقدات ''15

عصر النهضة :التحول الكمي و الكيفي في نظرية علم الإنسان

تكمن أهمية عصر النهضة بالنسبة للأنثروبولوجيا في المادة الإتنوغرافية التي توافرت فيه و التي تعتبر عملا أوليا في المعرفة الأنثروبولوجية ،فمن خلال تدوين سير الرحالة وما يشاهدونه ومن خلال وصف الأقاليم و الشعوب الغير أوروبية وقف العقل الأوروبي على حقيقة الجنس البشري و على تنوعه و تنوع إنتاجه الحضاري '' و هو الأمر الذي جعل المؤرخ الفرنسي ميشيليهMICHELET (1894-1798) يصف عصر النهضة بأنه كشف للعالم و للإنسان '' و في هذا يكمن في حقيقة الأمر موضوع الأنثروبولوجيا وهدفها أيضا، لذلك يجد المؤرخ لتاريخ الأنثروبولوجيا أو الكاتب لقصتها أن لعصر النهضة ينابيعه الأنثروبولوجية الأصيلة و العميقة التي تتمثل في تحصيل المعرفة عن ثقافات لم تكن معروفة من قبل '' 16كما لا يمكن إغفال الدور الحاسم لرحلات الإستكشافية الأوروبية و لعل أهمها ذاك الحدث الذي غير مجرى التاريخ و مجرى الفكر كذلك ألا و هو اكتشاف العالم الجديد عبر رحلة كريستوف كولومبس (1886-1481)"فمن الناحية الأنثروبولوجية نجد أن مذكرات كولومبس عن رحلته و مشاهداته و اتصالاته مع ''أهالي'' العالم الجديد قد زخرت بالمعرفة و البيانات و الشخصيات الإتنوغرافية و في الحقيقة أن الأمر لم يقف عند هذا الحد بل اتصفت كتابات كولومبس أيضا بميل نحو الموضوعية محاولا تقصي الأسباب وراء ما شاهده أو سمع عنه من تقاليد أو طقوس أو ممارسات يومية، وتلك صفة قلما وجدت في الكتابات الإتنوغرافية التي كانت سائدة حينذاك ''17 ولم يتوقف إسهام الإكتشافات الجغرافية فقط عند هذا الحد بل أعاد النظر في الأحكام القيمية التي كان الأوروبيون يصدرونها على الشعوب الأخرى، وكلها كانت تتعلق بنفي آنتمائها لنفس الوحدة البيولوجية التي ينتمي إليها النوع البشري، و في هذا الصدد ''يشير جوزيف جيرنبرخ إلى بعض تلك التساؤلات على النحو التالي '' هل الشعوب التي لم تعرف من قبل و التي أمكن التعرف عليها عن طريق الإستكشافات تنتمي إلى نفس النوع الذي ينتمي إليه الإنسان الغربي، و من تم يتحتم المحافظة على أرواحها ؟ " و في ضوء ما تقدم يمكن القول أن الإستكشافات الجغرافية ساهمت جنبا إلى جنب مع الإتجاه العلمي، علاوة على سيادة المذهب الإنساني ، بل قد أثروا جميعهم و لا شك ولو بدرجات متفاوتة وفي مجالات متباينة في تشكيل منطلقات الفكر الاجتماعي النظري وفي إبراز اهتمامات جديدة في مجال دراسة الإنسان الأوروبي و غيره '' 19

كل هذا، شجع على الإهتمام بالإنسان و بدراسته و بتطوره و تطور نتاجه الثقافي و اختلافه، فظاهرة التنوع الحضاري بين البشر الذي أبرزته و أكدته كتابات الرحالة ،جعل الأوروبيين يتجهون نحو فحص الذات و التأمل في أحوالهم،أجل فعلوا ذلك عن طريق المقارنة بين أنفسهم وبين الشعوب المكتشفة في ضوء ما ورد عنها من كتابات و أوصاف،لأنه قد ساد بصفة عامة نوع من التأملات التجريدية و الرومانتيكية عن الحيات البدائية و الطبيعية و ربما ترجع أولى المحاولات لتدوين المادة الإتنوغرافية و التنظير بشأنها إلى الرحالة الإسباني جوزيه اكوسا j’Acosa في القرن السادس عشر حينما حاول ربط ملاحظاته الشخصية عن السكان الأصليين في العالم الجديد ببعض الأفكار النظرية، فقد افترض مثلا أن الهنود الحمر كانوا قد نزحوا أصلا من أسيا إلى أمريكا و بذلك فسر اختلاف حضارتهم عن تلك التي كانت سائدة في أوروبا حينذاك، كذلك قدم أكوسا فرضا أخر حول تطور الحضارة الإنسانية عبر مراحل معينة ،وقفت فيها أوربا بأعلى الدرج و أتت بعدها الصين في المرتبة الثانية لمعرفتها الكتابة بينما احتلت المكسيك مرتبة أدنى من ذلك، أما المجتمعات الأخرى فقد تم تصنيفها على درجات متباينة في أسفل الدرج وقد أقام أكوسا تصنيفاته على أساس معرفة الشعوب بالكتابة و القراءة ''20

ولم يعد الوصف كافيا بل بدأ المفكرون و الباحثون في استخلاص أفكار نظرية من تلك المادة الإتنوغرافية التي يوفرها المستكشف أو الرحالة مثلا، و لم تعد الكتابات تستمد مصداقيتها من الخيال بل أصبحت تتجه نحو البحث الميداني و كانت أهم الخطوات في مجال البحث الميداني ضمن حقل الأنثروبولوجيا تلك التي قام بها الفرنسي ميشيل دي مونتاني m.de montaigne (1892-1532)الذي أجرى مقابلات مع مجموعة من السكان الأصليين الذين كان بعض المكتشفين قد أحضروهم إلى أوربا، و استخدم مونتاني هؤلاء الأسرى كإخباريين أي أنه جمع منهم معلومات عن العادات و التقاليد السائدة في موطنهم الأصلي و خرج من ذلك بمقولة أنه لفهم العالم لابد من دراسة التنوع الحضاري للبشر و استقصاء أسبابه، لذلك يتسنى لأوروبا أن تفهم ثقافات الشعوب الأخرى باعتبار أن لها منطلقاتها و أخلاقياتها الخاصة بها و بالتالي نجد هذا الفيلسوف الفرنسي قد طرح مقدما فكرة '' النسبية الأخلاقية Moral Relativity'' على حد تعبير ايدموند ليتش و قد كتب مونتاني يقول " بأن الوضع الحضاري الذي يصفه البعض بالهمجية ليس إلا وصفا حضاريا مماثل لما لدى الأوربيين، فمن المحتمل في نظره أن يكون المجتمع الأوربي ذاته قد مر بمرحلة مماثلة (يقصد الهمجية ) الأمر الذي تطلب ضرورة فحص التطور الحضاري للمجتمع الأوربي ذاته ''21و إلى جانب مونتاني نشير إلى عالمين فرنسيين آخرين من مفكري القرن الثامن عشر واللذان يرى الأنثروبولوجيون في أعمالهما جذورا للفكر الأنثروبولوجي النظري وهما البارون دي مونتسكيوB .de Montesquieu (1758-1689) و جان جاك روسوJ.Rousseau (1778-1711).

إن أهمية مونتسكيو بالنسبة للأنثروبولوجيا الإجتماعية بصفة خاصة تبدو أول وهلة عندما تطلع على كتاب إيفانز بريتشارد بعنوان 'تاريخ الفكر الأنثروبولوجي' فنجده يبدأ بمونتيسكيو، أما عن جان جاك روسو الذي يعتبره كلود ليفي شتراوس بمثابة 'المعلم و الأخ' و الذي تأثر به تأثرا كبيرا وهو ما سنوضح فيما بعد فقد جاء فكره مناقضا لمونتيسكيو و غيره من فلاسفة عصر الإستنارة المتفائلين و الذين اعتقدوا في التقدم ،فقد رأى روسو أن الإنسانية تسير نحو طريق مسدود و لا مجال نحو التقدم و الكمال و مع ذلك تحتل كتابات روسو مكانة هامة عند التأريخ للأنثروبولوجيا في القرن الثامن عشر نظرا لما تضمنته من تناول للمادة الإتنوغرافية عن الشعوب المستكشفة (أو ما اصطلح على تسميتها آنذاك بالمجتمعات البدائية ) في إطار من المقارنة مع المجتمعات الغربية و الخروج ببعض الأفكار و الأطر النظرية في فهم مسار التاريخ الإنساني ككل و تحديد مراحل تقدم البشرية ، و في هذا الصدد تميز روسو و لا شك عن معاصريه من ناحية أن تفكيره في التاريخ لم يكن مقيدا بحدود حضارية أو زمنية ،و لعل من الأشياء الهامة في كتابات روسو من وجهة نظر الأنثروبولوجيا أنه استطاع أن يخلص نفسه من التحيز الثقافي لمجتمعه، و أن ينقد قيمه بينما يشيد و يستحسن طرق حياة الشعوب بالمجتمعات الأخرى و يعتبر كتابه العقد الاجتماعي le contrat sicial من بواكير الكتابات الأنثروبولوجية" 22

مرحلة النشأة الأكاديمية

لن نتحدث الآن عن امتداد لإرهاصات فكر أنثروبولوجي داخل كتابات الرحالة و الأركيولوجيين و الفلاسفة، بل سنتحدث عنها كعلم أكاديمي و عندما نقول علم يعني علم له ظواهره الخاصة التي يدرسها و له مناهجه التي يستعملها في إقامة البراهين و إنشاء الفروض، إن الأنثروبولوجيا بدأت تحقق هذا المسعى نظرا لتوفر الشرط التاريخي و الإطار النظري و الأزمة المعرفية الضرورية لقيام أي علم من العلوم ،فرغم كون الأنثروبولوجيا لها جذور تاريخية "إلا أنها اتخذت لنفسها طابعا أكاديميا متخصصا، و بدأت في بلورة موضوعاتها، و مناهجها المميزة في القرن التاسع عشر و خلال النصف الثاني منه على وجه التحديد "23.

لقد كان كل شيء يتجه نحو العلمية لقد أصبح القرن التاسع عشر عصر العقل و التجربة فلا إيمان بحقيقة مطلقة متعالية على الواقع ولا وجود لواقع منظم خارج حدود العقل فكل شيء يمكن ضبطه عن طريق الرصد و الملاحظة الدقيقة و في هذا الصدد يقول براون بأنه قد" ساد الإعتقاد في هذا القرن بأنه في حالة ظهور بعض الإنحرافات أو مظاهر من التناقض في نظام الطبيعة ،فإنه يمكن التوفيق بينهما بمزيد من الدقة و من الرصد و التجربة 24 ".

لقد كان للنزعة العلمية التي عرفتها أوروبا نتيجة للثورة الفرنسية و تضافر مجموعة من العوامل السياسية الممثلة في الثورة الفرنسية وعوامل اقتصادية ممثلة في الثورة الصناعية وعوامل فكرية ممثلة في الثورة العلمية التي جاءت لسد الثغرة المعرفية التي خلفتها السلطة الكنسية لرجال الدين على الفكر ،وحينما أقول ثورة علمية لا أشير فقط إلى ذلك اللفظ المبتذل في الأدبيات الكلاسيكية والذي يقصر الثورة العلمية على القرن الثامن والتاسع عشر فقط ،بل أطلق لفظ ثورة علمية ليشمل ذلك الحدث العلمي المثير الذي انطلق مع كوبرنيكوس وديكارت والذي أعلن معه ميلاد الإنسان الحديث الذي بدأ ينزل الأشياء من عليائها ويشكك في الثابت والمتحرك .باحثا عن قوانين تباته وحركته.

كان العامل الحاسم الشرط التاريخي و الإطار النظري المتراكم الذي بلور هته النزعة العلمية، التي نادى بها مجموعة من العلماء" و يجدر التنويه هنا بدعوة أوكست كونتA .Comte (1857-1798) إلى إنشاء علم وضعي لدراسة شؤون الإجتماع الإنساني، كان هذا كله بمثابة علاج لحالة الفوضى السياسية و الأخلاقية و العقلية التي سادت المجتمع الفرنسي منذ قيام الثورة الفرنسية حتى الفقرة التي كتب فيها كونت دروسه الوضعية" 25 مند ذاك الوقت بدأ الإنكباب حول دراسة الإنسان و اكتشافه و اكتشاف تقاليده و عاداته، لكن أي إنسان وجهت إليه الأبحاث هل الإنسان الأوروبي؟!

كان توجيه الأبحاث يستهدف دراسة الأخر المختلف عن الأوروبي، و قد رسمت الكتابات التخمينية التي سبقت الحقبة التي سنتكلم عنها الآن و التي تميزت بنظرة عنصرية تقيم أحكامها على أساس نزعة دينية تفاضلية تصف الأوربي المسيحي بأنه عرق نقي عكس ذاك الإنسان الذي و جهت إليه الأبحاث بوصفه بدائي متوحش و يحمل الخطيئة الأولى و الأبدية .

و الآن سنتطرق لأولى بدايات الفكر الأنثروبولوجي بمعناها الأكاديمي ، والتي ستتبلور في إطار الجمعيات و الرابطات و الدوريات العلمية و المجلات التي تعنى بالأنثروبولوجيا و التي ساهمت في نشر الوعي بأهمية الفكر الأنثروبولوجي بوصفه علما قادما و سيسد ثغرة من ثغرات الفكر البشري، والتي ستساعد على فهم الإنسان و ثقافته، ثقافة هذا البدائي، البربري و المنحط،" و يجذر التنويه بأن رابطة تقدم العلوم التي أنشئت في بريطانيا عام 1846و مثيلتها في أمريكا التي تكونت عام1952 قد أديا دورهما في عرض القضايا و المساءل الأنثروبولوجية و مناقشاتها ،كما عززت الإتجاه القائل بإمكانية قيام علم مستقل و متخصص في تلك القضايا، و لم يقتصر الأمر على قيام جمعيات بفرنسا و انجلترا و أمريكا فحسب ،بل نجد أن شعبية الأنثروبولوجيا قد عمت مدنا أخرى مثل موسكو ومدريد و برلين وفينا ،و تكونت على إثر ذلك جمعيات إتنولوجية بلغت حوالي أربعين جمعية في عام 1870 " 26، ولم تقف الدعاية للعلم الجديد و المساهمة في قيامه و استقلاليته على الجمعيات و الرابطات ووسائل الإعلام بل امتد ذلك إلى المعاهد الأكاديمية و إلى الحكومات التي كانت تهدف إلى استفادة عملية من تلك الأبحاث أكثر منها ثقافية و لم يقتصر تطور الفكر الأنثروبولوجي في المرحلة التي اتجه فيها نحو الأكاديمية على وسائل الإعلام و المعاهد و الدوريات فقط بل تطور موازاة مع ذلك بين ما" يقدمه الرحالة من معلومات وما يصل إليه المفكرون من نظريات" 27.

وقد كانت أولى الأبحاث الأنثروبولوجية موجهة للإشتغال حول مفهوم الثقافة و تصنيف الثقافات و كيفية حدوث طفرات تؤدي إلى التطور و كانت الإنطلاقة باستلهام مفاهيم تبلورت داخل حقل الطبيعيات كفكرة التطور عند تشارلز داروين، و كان سؤال الإنطلاق : كيف نشأت حضارات العالم وتطورت؟ هذا السؤال الكلاسيكي تبلور و أعاد نفسه داخل مناخ فكري تطوري في إطار المدرسة التطورية لكن الإجابة على هذا السؤال لم تتوقف على ما قدمه التطويريون،بل أدت إلى إفراز إتجاهات أخرى كالإتجاه الإنتشاري و الوظيفي والبنيوي....


التطورية

كان الفلاسفة يعتقدون مند القرن السابع عشر وخاصة في القرن الثامن عشر وبتأثير من أفكار كل من داروين و لامارك حول التطور أن البشرية تتطور باتجاه التقدم الدائم، و أن المجتمعات تنحوا نحو الانتقال من حالة البساطة النسبية في تنظيمها و تطورها ،إلى حالة أكثر فأكثر تعقيدا و تمايزا" 28، و التقدم و التطور فكرة قديمة نجد أسسها في النظريات الفلسفية و حتى لدى أرسطو الذي رأى في الطبيعة صيرورة تخضع لمبدأ النشوء و الإرتقاء و الفناء" و هكذا فإن الواقعة الأساسية الحاضرة في كل جوانب الطبيعة هي 'التغير' العملية ' الحركة' وحيث أن الحركة في معناها الدقيق و هو تغير الوضع "29،غير أن التطور الذي بدأت أوروبا تعرفه مند النهضة الأوربية التي كانت بمثابة حركة ثورية على جميع المستويات، خاصة العلمي و السياسي ،منها و ما رافق ذلك من اكتشافات علمية جعل الثقة كبيرة في المستقبل الذي يمكن للإنسان أن يعيشه و ذلك بفعل القواعد العلمية الدقيقة لضبط حركته و حركة الطبيعة .

لقد كانت المدرسة التطورية التي ظهرت داخل حقل الأنثروبولوجيا تلك المدرسة التي استلهم روادها بعض المفاهيم التي أفرزها الإتجاه التطوري داخل حقل البيولوجيا مستندا على أبحاث لامارك و داروين و في موازاة مع الإكتشافات التي ظهرت في ميدان البيولوجيا" جاءت أولى الإكتشافات ما قبل التاريخية لتعزيز المواقع التطورية، فتصنيف الحقبات الكبرى الذي ظهر عام 1820إلى عصر حجري مشطوب (الحجري القديم )و المصقول (الحجري الجديد) و إلى عصر البرونز و الحديد كان قد أوحى في الواقع بوضع ترسيمة لتطور الحياة المادية و بانتقال حتمي من عصر إلى أخر"30.

لقد كان ظهور المدرسة التطورية على نحو خاص بالولايات المتحدة الأمريكية ،وقد اهتمت بدراسة مختلف الشعوب التي تعاقبت عبر الزمن و التي كانت مختلفة من حيث ثقافتها " فإنسان المجتمعات الغابرة المعاصر على ما يقول الباحث التطوري: هو صورة على أجدادنا القدماء و عن مجتمعهم الذي كنا شهدناه في ما مضى ،و موضوع البحث الأساسي هو أن نفسر تاريخيا مختلف المراحل التي مرت بها البشرية عبر اكتشاف القوانين التي أتاحت الإنتقال من مرحلة إلى أخرى، هكذا يتساءل أحد باحثي ذلك العصر عن الشروط الطبيعية و الفكرية و المجتمعية الخ ....التي حكمت تحول المؤسسات و الظاهرات الاجتماعية بحيث أدى تحولها هذا إلى تغير المجتمع تغيرا كليا، في سياق هده السلسلة المشتركة التي تشكل كل مرحلة من مراحلها حلقة من الحلقات المتتالية على حد قوله: كيف ظهرت هذه التغيرات؟ و ما هي الصيغ التي اتخذتها في مختلف قطاعات حياة تلك المجتمعات: من تنظيمات مجتمعية بشكل عام و أنظمة سياسية وأنساق قرابية و معتقدات دينية ....الخ ؟كيف نشأت بعض المؤسسات بالذات كمؤسسة الزواج و مؤسسة الدولة ؟31

كانت هده الأسئلة نقطة انطلاق المدرسة التطورية في تحديدها للموضوع أما على المستوى المنهجي" فإن التاريخ بوجه خاص هو ما يستعين به التطوري و يعتمد عليه، لكن هنا ليس تاريخ تخميني أي إفتراضي و حسب بل تاريخ ملتبس، إذ أنه لا يملك بالنسبة لهدا النمط من المجتمعات تلك المستندات التي نعتمدها تقليديا ،كالوثائق المكتوبة التي تأتي لتؤكد صحة واقع تاريخي، لذا نجد الباحث التطوري يفترض تحركات معينة لقوم معينين أدت إلى ولادة هذا الشعب أو ذاك أو نجده يتخيل أنماطا من السلوك أو من المعتقدات انطلاقا من مؤشرات واهية ،إذ كثيرا ما تكون المؤشرات المذكورة عبارة عن رواسب لبعض العادات و الأعراف المعتبرة بمثابة الذخائر المتبقية من مرحلة سابقة ،هذه هي نقطة الضعف في المنهج التطوري و هي أيضا النقطة التي تركزت عليها معظم الإنتقادات 32"،و قد كان هدف التطوريين الإحاطة بمجمل الثقافات التي عرفتها البشرية و مقارنة الثقافات فيما بينها واضعين المجتمع الغربي كنموذج أعلى للتطور نظرا لما كان يشمل عليه من مؤسسات سياسية و عائلية بلغت ذروة التطور، و من بين الانتقادات التي وجهت إلى التطورية أيضا اعتقادها بوجود مسيرة خطية واحدة للمجتمعات عبر الزمن.

مما لاشك فيه أنه لحد الآن لم نلقي إلا نظرة تاريخية حول أولى المدارس الأنثروبولوجية وإلى الإطار النظري الذي اشتغلت فيه ،كما قمنا بتحديد الموضوع الذي تهتم به التطورية ،وقد سلكت هذا المنهج لأنني واجهت في البداية صعوبة حول كيفية التطرق إلى أهم المدارس الأنثروبولوجية في إطاراتها النظرية و بسطها للقارئ، و عيا مني بصعوبة ذلك لكن ارتأيت المغامرة فإن أصبت بعض الشيء فلا بأس و إن أخطأت و وجدت من يرشدني فتلك غايتي ،قلت واجهتني صعوبة حول نقطة الإنطلاق هل من ثقافة الأنثروبولوجية أم من طرق ممارسة الأنثروبولوجيين للأنثروبولوجيا، لكن توصلت أثناء قراءتي الأولية لبعض المقالات و الكتب التي اطلعت عليها أنه لا يمكن الفصل بين الاثنين و يمكن تحوير مقولة كانط التي عرضها في نقده لكل من التجريبيين و العقلانيين حول تصورهم للطرق التي يمكن من خلالها الوصول إلى المعرفة و التي حصرها التجريبيون في الواقع و التجربة الملاحظة ،بينما ارتكز العقلانيون على العقل كنقطة انطلاق، قلت بتحويرنا لتلك القولة يمكن القول أن: الفصل بين عرض ثقافة الأنثروبولوجيا دون نموذج لدراسات الأنثروبولوجيا كميدان للتحقق و التجريب يبقى أعمى و التطرق لنموذج من الدراسات الأنثروبولوجيا دون الإطارات النظرية يبقى عرضا أجوف.

لقد أشرنا في البداية إلى أن المدرسة التطورية ،إتجاه معرفي داخل حقل الأنثروبولوجيا ،وقد ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن قام لويس هنري مورغان بتأسيس أول كرسي للأنثروبولوجيا في روشيسترس في ولاية نيويورك، بيد أن لويس هنري مورغان ليس أول التطوريين في حقل الأنثروبولوجيا" بل أقدم هؤلاء التطوريين البارزين الحقوقي السويسري باشوفن (1887- 1816)الذي أعتمد شأنه شأن أمثاله في ذلك العصر على أخبار المجتمعات المعروفة أي مجتمعات العالم القديم أو الشرقي نظرا لغياب المعرفة الكافية بالمجتمعات التي لا تعرف الكتابة و التي درست بعد ذلك، لقد تطرق باشوفن إلى الأنساق القرابية و هي على رأس المسائل التي عالجها التطوريون ''33،لكن مع بروز الأنثروبولوجيا كحقل معرفي جديد فإن الدراسات التطورية في حقل الأنثروبولوجيا ستأخذ منحى أكثر دقة معتمدا على الملاحظة المباشرة و الميدانية ومن ابرز التطوريين في هده المرحلة مورغان وتايلور وفرازر و سنكتفي في عرضنا هذا بمورغان لنتعرف من خلاله على رؤية المدرسة التطورية لتطور البشرية و لأنساق القرابة ،و لتايلور لنعرف من خلاله مفهوم الثقافة الجديد في حقل الأنثروبولوجيا

مورغان كنموذج للدراسات التطورية :

لقد اهتم أصحاب النظرية التطورية بدراسة الثقافات الإنسانية من خلال البحث عن الأصول التاريخية لسمات الثقافة اللإنسانية وكذلك من خلال البحث عن الأصول التاريخية لسمات الثقافية، حيث اعتقد هؤلاء العلماء أن الثقافة هي نتيجة لتراكم النشاط الإنساني عبر الزمن و أن التقدم هو الغاية الأساسية من التطور الإنساني و قد جاء هذا رفضا للنظرية القائلة باحتمال ارتداد أو انتكاس للإنسان و الشعوب من حالة متقدمة إلى وضع أدنى كما سبق أن ذكرنا، و يرى التطوريون أن المجتمعات الإنسانية كلها تتغير وفق قانون ثابت للتطور يقوم على التقدم من مرحلة دنيا إلى أخرى أرقى منها حتى تصل في النهاية إلى قمة الحضارة الإنسانية كما كانت ممثلة آنذاك في المجتمع الأوربي، و يمثل التقدم في نظرهم ثمرة التكامل في الأدوات المادية و ثمرة التعقيد في العلاقات خلال مراحل تطورية و مركبة، و أصبح معيار التقدم عندهم يتمثل جليا في التطور العلمي و التكنولوجي و علاوة على فكرة التقدم ،تقوم نظرية التطور الثقافي على أساس أنه لا يمكن فهم العقل الإنساني إلا بربطه بالتاريخ الذي يمكن من خلاله فقط فهم الحياة الإنسانية، و الوصول إلى القوانين التي تحكم مسارها، فتاريخ البشر واحد على أساس وحدة الفكر الإنساني ،أما التمايز بين الثقافات فهو وليد ظروف تاريخية معينة، فالمجتمعات قد اعتبرت على الدوام بمثابة وجود متواصل متجانس مؤلف من طبقات تطورية و أقسام متوازنة يسير فيها التطور حتما في خط مستقيم و لابد للمجتمعات أن تمر بها. يقوم إذن جوهر التطورية على آفتراض أن تاريخ الجنس البشري قد عرف شكلا واحدا في نشأته وفي تجزيئه و تقدمه، و أن اختلاف درجات هذا الشكل هي في الأمر درجات للتطور ذاته ،بحيث تكون كل درجة وليدة سابقاتها و مساهمة في حقيقة الأمر في تشكل تاريخ ما بعدها أي المستقبل.

: هي رؤية التطورية لتطور الثقافات الإنسانية بصفة عامة ،هذا التطور الخطي الذي يرى أن الثقافات تتطور وفق قانون واحد ينطلق من ما هو أدنى إلى و ضع أرقى حتى الوصول إلى قمة الحضارة التي ارتأوا أنها ممثلة في المجتمع الأوربي آنذاك، و قد أتجرأ لأقول بأن هذه الرؤية المغلفة بطابع حتمي يجعل التاريخ يتطور بشكل خطي ستاتيكي، ديناميكي في مراحل معينة ،من وضع أدنى إلى و ضع أرقى آنذاك، هو ما عزز تلك النزعة المفرطة في الذاتية و التي دفعت الغرب إلى القيام بحركة استعمارية،صحيح أن التطور الذي عرفته أرويا مع الثورة الصناعية خلق حاجة إلى المواد الأولية و إلى تصريف فائض الإنتاج، لكن العامل الأول بنظري لن يكون إلا تلك النزعة الذاتية المتعالية للغرب كنموذج للحضارة و التقدم أو ما يسميه فوكو بالقدر المتعالي الذي خص به الغرب.

كان لويس هنري مورغان أمريكي الجنسية و أنشأ أول كرسي للإناسة في روشسترس في ولاية نيويورك، كما كان أول الباحثين المتبحرين اللذين قاموا ببحث ميداني ،أي بدراسة المجتمعات في عقر دارها على نحو ماأصبح ذلك قاعدة في القرن العشرين ،فقد قضى مدة زمنية معينة بين الإيركوازيين وأصدر كتابه رابطة الإيركوازيين عام (1951 )" 34

لقد كان مورغان أول أنثروبولوجي يقارب ميدانيا الأنساق المجتمعية والسياسية في مجتمعات اعتبرت بلا دولة ولا تعرف الدولة ،وقد تطرق مورغان في كتابه "رابطة الإيركوازيين "للنظام الأمومي السائد وسط الإيركوازيين، فهي بالتالي :أنساق مبنية على العلاقات القائمة بين الجماعات التي تربطها أواصر القرابة " 35 واهتم مورغان في فهمه لنسق القرابة باللغة "واكتشف أن مصطلحات القرابة التي يستعملها الهنود تصلح هي نفسها للدلالة على عدد من الأقرباء أكثر مما هو عليه في الغرب، "كما راسل مورغان المبشرين العاملين في جهات مختلفة من العالم مستفسرا عن أنظمة القرابة "36 وكنتيجة لتلك الأبحاث والقراءات المتعددة والمستخلصة من المادة التي يوفرها الميدان و الملا حظة المباشرة في الحقل أصدر مورغان مؤلفه "عن أنظمة القرابة والمصاهرة في العائلة البشرية "في عام 1871 وألحقه في عام 1877 بمؤلفه 'المجتمع القديم ' 37 الذي أبرز فيه بالفعل وعلى نحو أفضل نمو موهبته ومقدرته ووضوح طرحه للأمور كباحث تطوري "38

وفد نجح مورغان في إقامة البرهان عموما على أن علاقات القرابة تسيطر على تاريخ الإنسان البدائي وعلى أن لهذه العلاقات تاريخا ومنطقا، واكتشف مورغان أن أنظمة القرابة في المجتمعات البدائية طباقية وليست وصفية، وأن نقطة ارتكازها تبادل النساء بين الجماعات ،وأن الزواج الخارجي (الإكسوغامي) لايتنافى والزواج اللحمي الداخلي (الأندوغامي )لأن الزواج الاغترابي بين العشائر هو تكملة الزواج اللحمي بين القبائل ،ولقد أوضح مورغان أن العشيرة هي الشكل السائد من أشكال التنظيم الإجتماعي لدى جميع الشعوب التي تجاوزت مرحلة التوحش ،وميز مورغان بين شكلين من أشكال العشيرة ،العشيرة :التي تنتسب إلى الأم والعشيرة التي تنتسب إلى الأب ،وقال بالأسبقية التاريخية والمنطقية لأنظمة قرابة الأم على أنظمة قرابة الأب ،متبنيا في ذلك واحدة من فرضيات باشوفن.وقد أنطلق مورغان في تحليله لأنظمة القرابة من واقعة لاحظها لدى الإيركوازيين الذين عاش معهم، وأطلع على حياتهم بشكل واسع، لقد كان نضام القرابة السائد لدى الإيركوازيين متناقضا مع علاقاتهم العائلية الفعلية ،ففي الوقت الذي لم يكن فيه شك في حقيقة الأشخاص اللذين كانوا آبائهم وأمهاتهم وبناتهم وإخوتهم يسميهم مورغان (بحسبانه أروبي يعتمد النظام الوصفي للقرابة ،أعمام ،خالات.......الخ )وكان أبناء العم المتوازين يعدون عند الإيركوازيين أشقاء وشقيقات ،وكان أبناء العم المتصالبون (أي المنحدر ون من أخوات الأب ومن أخوات الأم )هم وحدهم اللذين يسمون بأبناء العم .

وقد تولدت لدى مورغان القناعة بعد استقصاء ومراجعة أكثر من 250 قائمة (متعلقة بمصطلحات القرابة) موجودة أيضا في الهند وفي أمريكا الشمالية، وذلك من أجل تفسير هذه الظاهرة داخل نسق النظرية التطورية ،فآفترض مورغان أن نظام القرابة يتطابق مع شكل عائلي منقرض يمكن إعادة بناءه فيما لو تم التوصل إلى فك لغز دلك النظام .لقد كان هذا التناقض تعبير عن السرعة المتفاوتة لتطور الأسرة، العنصر الحركي، الفعال ولتطور أنظمة القرابة العنصر السالب المنفصل.وإلى جانب هذا شكلت العشيرة على حد تعبير مورغان "قاعدة النظام الاجتماعي لغالبية الشعوب البربرية إن لم نقل جميعها .

كانت هذه أهم المواضيع التي آستأترت باهتمام مورغان على مستوى نسق القرابة، والتي لم تكن إلا ظاهرة ومؤسسة بدت له محددة للمراحل الكبرى التي مر منها تطور البشرية، والذي طرحه في كتابه 'المجتمع القديم'ويمكن إيجاز هذه الظاهرات والمؤسسات التي بدت له محدد لهذا التطور فيما يلي:
1) تقنيات العيش ووسائله
2) العائلة وتنظيمها
3) أشكال الحكم
4) الملكية
5) الكلام
أما الدين فلم يشغل داخل نسق مورغان التطوري إلا مؤشر من مؤشرات التغير ،أما من الناحية السياسية ،فقد شدد مورغان على التضاد الأساسي الذي سيضل مفتاحا لكل محاولة ترمي إلى فهم حكم البشر ،وهو التضاد بين المجتمعات المبنية على العلاقات القائمة بين الجماعات القرابية ،فهي إذن مجتمعات بلا دولة يسودها التضامن والتعاون المتبادل ،أو يسود عددا منها أحيانا ،وهدا هو السستام الحكومي الذي أطلق عليه أسم سوسيتاسsociètas (أي التجمع )والمجتمعات المبنية على وحدة الأرض وهي عبارة عن مجتمعات ذات دولة أطلق عليها اسم سيفيتاس civitas (أي الحاضرة ،أو المدينة)وآعتبرها تعقب بصورة طبيعية المجتمعات الأولى "39

إن كل من العائلة ،والحكم ،والعشيرة ،والقبيلة ،قد شهدت عبر الزمن تحولا في بنيتها ،ووظائفها وساهمت عبر التعديلات التي طرأت في التطور العام الذي عرفته البشرية ،والذي حصره مورغان في " ثلاث حقبات تنقسم بدورها إلى حقبات فرعية 'حالة الهمجية 'و'البربرية'و'حالة التحضر'ويعتبر أن كلا من هده الحقبات أو الحقبات الفرعية بدأت بتحول هام كان قد طرأ على التقنيات أو على التنظيمات"40

"وأفترض مورغان أن جميع المجتمعات الإنسانية تخضع في تطورها لقانون واحد طالما أن تاريخ الجنس البشري واحد "وحدة ،أصل الإنسانية ،وتوحد الحاجات الإنسانية على الدرجة نفسها من التطور وذلك حيث تكون العلاقات الاجتماعية على الدرجة نفسها من المساواة"

إن هدا القول يعني وجود مراحل محددة وحتمية لابد أن تمر بها البشرية وهي تبدأ من الحالة الدنيا إلى الحالة الراقية ثم إلى حالة أكثر رقيا ،وآفترض مورغان وجود مراحل سميت بما قبل التاريخ :هما مرحلة التوحش ومرحلة البربرية وقسم كل مرحلة من هذه المراحل إلى مراحل فرعية دنيا ووسطى وعليا قبل الوصول إلى مرحلة المدنية.


1. مرحلة التوحش الدنيا: يرى فيها مورغان مرحلة ممثلة لطفولة البشرية حيث عاش الإنسان مرحلة أشبه بالحيوانية ،هائما على وجهه متغذيا بجذور النباتات وبعض الثمار البرية .....جامعا، وملتقطا
2. مرحلة التوحش الوسطى: مرحلة تقدم فيها الإنسان قليلا عما كان عليه في المرحلة السابقة باهتدائه إلى اكتشاف النار واستخدامها في طهي الطعام وإضاءة الكهوف مما نتج عنه اكتشاف الإنسان لأطعمة جديدة
3. مرحلة التوحش العليا : اكتشف فيها الإنسان القوس والسهم مما ساعده على تغيير غدائه واقتصاده بشكل عام فلم يعد الإنسان جامعا للطعام وملتقطا له بل أصبح منتجا له ،ويفترض مورغان ويقرن هدا التقدم في الاقتصاد بتقدم مماثل في شكل التنظيم الاجتماعي والديني
4. مرحلة البربرية الدنيا: تتميز بوصول الإنسان إلى اختراعات أهمها صناعة الفخار، وخروج الإنسان من عزلته الضيقة وانتشاره في مناطق أكتر اتساعا
5. مرحلة البربرية الوسطى : تمكن الإنسان من تدجين الحيوان والاستئناس به والاستفادة من لحومه ،وجلده مما ساعده على الاستقرار
6. مرحلة االبربريية العليا : تمكن فيها الإنسان من صهر المعادن وصناعة الأدوات والآلات المعدنية وبداية اكتشاف الكتابة الصورية"40
ويرى مورغان أنه وبعد اجتياز الست مراحل تلك توصل الإنسان إلى مرحلة المدنية التي تتميز باختراع الحروف الهجائية والكتابة وهي المرحلة التي لازالت ممتدة حتى الوقت الراهن ،ويؤكد مورغان على التتابع المميز للتطور الثقافي ويراه ضروريا لمطابقته للواقع ،وهو ما جعل مورغان يسلط كل مرحلة معينة على بعض الثقافات الإنسانية والجدول التالي يلخص تلك النضرة التطورية إلى الثقافة البشرية كما افترضها مورغان "41
الحقبات الإثنية،حسب مورغان



إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل



ادوارد برنت تايلور (1832-1917)

يعد عالم أنثروبولوجيا،أسهم إسهاما كبيرا في دراسة الثقافة وفي تحديد مفهوم الثقافة، وأحد رواد الفكر التطوري ،وقال بالنظرية البيولوجيا وأسهم في الدراسات المقارنة للأديان ويتفق تايلور مع مورغان في كونه قال بانتقال الثقافة من الشكل البسيط إلى الشكل المعقد وقد جاءت مؤلفاته "أبحاث في التاريخ المبكر للبشرية وتطور المدنية 'عام 1869 ،والذي أعقبه كتابه 'المجتمع البدائي 'في عام 1871 قد انطلقا من وجهة نظر تطورية ويرجع الفضل إليه في ابتكار مفهوم الثقافة انتروبولوجيا حيث عرفها 'بأنها دلك الكل المركب الذي يتضمن المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق الاجتماعية والقانون والعادات الاجتماعية وغير ذلك من القدرات والعادات التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع '43

لم يكن تايلور يرى أن التطور دو حركة أحادية مثلما رأى مورفان بل كان يؤمن بأهمية الإحتكاك الثقافي وبدور المحاكاة بين الشعوب كعامل ساهم في التطور واهتم تايلور بدراسة الأنساق القرابية ،غير أن أهم ما اشتهر به هو الأنثروبولوجيا الدينية وخاصة نظريته حول الإحيائية والتي شكلت برأيه نقطة انطلاق بالنسبة لتطور المعتقدات الدينية ،وقد "انصرف تايلور في البداية إلى القيام بأبحاث حول الأساطير فكرس لها عدة فصول من كتابه الأول (بداية التاريخ البشري ونمو الحضارة ،1865 )ثم توسع بأبحاثه بعد دلك ليشمل على الظاهرة الدينية بشكل عام"44 ولم تكن الأسطورة حسب تايلور نوع من التفكير البدائي اللامنظم، بل هي بنظر تايلور تشكل مفتاحا لفهم التصورات و المعتقدات وكذلك المراحل التي مر منها الإنسان في تطوره الروحي عبر التاريخ .وفي دراسته لظاهرة الدينية ينطلق تايلور من السؤال التالي "ماهو الدين؟"وفي تعريفه لدين ينطلق من مماثلة أساسية بينه وبين الظاهرة التي كانت أساس نشأته ،وهي الإحيائية والتي تعني الإعتقاد بوجود كائنات روحية وقد أعتبره جاك لومبار في كتابه الذي ترجمه حسن قبيسي بأنه "تعريف فضفاض جدا ويفتقد للدقة"45 .

هدا التعريف الذي أعطاه تايلور للإحيائية لم يصمد أمام الإنتقادات والأبحاث الجديدة حول الإحيائية والتي تم تعريفها فيما بعد بدقة ،كونها "ممارسة تنحوا إلى إضفاء الطابع الروحي على العالم الطبيعي،أي أنها تسبغ روحا أو نفسا على عناصر الطبيعة من نباتات وحيوانات وأمكنة ومواضيع عجيبة الشكل أوخطيرة الشأن"46 .

ولعرض التطور الروحي للإنسان انطلق تايلور من ثنائية أساسية "ثنائية الجسد والنفس، التي استلهمها الإنسان من الحلم أولا ،ومن الموت بعد ذلك فالمرء يرى نفسه أثناء النوم كائنا نشطا،يتنقل ويحيا بحيث يستخلص من ذلك أن له قرين في داخله هو النفس ،وإذا كانت هده النفس تضل حية ،في هذا الجسد،الهامد:الذي هو جسد الميت وإذا كان الروح الحيوي يعود بعد النوم إلى هدا المسكن الذي يقيم فيه فإنه بعد الموت يغادر إلى غير رجعة"47.

هذه النظرة المغمورة بهاجس فلسفي والمستنتجة من دراسته لقبائل الهنود الأمريكيين عن شعب "البويبلو" بجنوب غربي الولايات المتحدة الأمريكيين، جعلت المعتقدات الدينية تنشأ وتتطور نتيجة التفسير الخاطئ لبعض الظواهر التي يتعرض إليها الإنسان،مثل الأحلام والأمراض والنوم والموت ،ويرى أن ظاهرة الأحلام وظاهرة الموت كان لهما الأثر الأكبر في توجيه الفكر الإعتقادي لدى الإنسان ،فالأحلام هي التي أوحت للإنسان بفكرة الروح والجسد :ذلك أن البدائي يتخيل نفسه متنقلا من مكان لأخر وهو نائم ،بل وقد يرى نفسه وهو يؤدي أعمالا يعجز عن القيام بها وهو في حالة اليقظة ،وقد أرجع تايلور هته الأفكار إلى الطقوس و العادات ،وإلى عادة تقريب القرابين لأرواح الأجداد"ومن هنا طرح مصطلح الأنيمة (الأرواحية)أي الإعتقاد بوجود الأرواح والآلهة والجن والشياطين وغيرها من الصور اللامنظورة والتي عدها تايلور الأصل الثقافي للمعتقدات الدينية على اختلاف أنواعها، والتي تطورت إلى فكرة الإله المتعالي في مرحلة المدنية "48
أما عن الثقافات البدائية برأي تايلور فهي"بقايا أو عقلنة ميتة ومن تم يجب أن تختفي من الممارسة ومن الحياة العملية ،عليها أن تزول ودلك كما يقول "بسبب ترابطها مع المراحل المتدنية من تاريخ العالم العقلي".

وقد كان هذا التصور القائم على مثالية النموذج الغربي في الإجتماع كمقياس للمقارنة أن يكون انطلاقة لإيديولوجية استعمارية بدأت تتشكل مند أواخر القرن الثامن عشر، كما أن التفسير التركيبي لتايلور ،لفترات أصبحت بمنآي عن متناولنا قد لاقت العديد من النقد فهذه النظرية بالنسبة لجاك لومبار "تستند إلى مقدرة تخيلية على إعادة تركيب الأمور أكتر من استنادها إلى أسس علمية صلبة حتى ولو كان من الممكن أن تتفق بعض جوانب الفكر الإحيائي مع بعض وقائع هدا النمط من المعتقدات على نحو ما تمكن الباحثون من دراستها في ما بعد .غير أن نقطة الضعف في هده النظرية تكمن بشكل خاص في هشاشة تفسيرها للأطوار التي حكمت الإنتقال من مرحلة إلى أخرى من مراحل التطور فكان ذلك هو الخلل الأكبر في تلك المدرسة (يعني التطورية)التي سعت دائما إلى إعادة تركيب ذلك الماضي السحيق الذي صار بمنأى عن متناولنا ،وذلك بأن بدلت جهدها في إعمال الفكر على نحو ما كان بوسع بشر أحرين يعيشون في ظروف وبعقليات مختلفة كليا عن ظروفنا وعقلياتنا أن يفكروا"49



المدرسة الإنتشارية


ذكرنا أن انطلاقة الأنثروبولوجيا شهدت سيطرة كبيرة للفكر التطوري في إطار الدراسة النظرية لتاريخ الحضارة الإنسانية ، ومع ذلك فقد ظهر الفكر الإنتشاري منتقدا للفكر التطوري ، و كمحاولة جديدة لتفسير أسباب التنوع الثقافي وقيام الحضارات معتمدا في ذلك على التاريخ و الجغرافيا وعلى أهمية الزمان و المكان في التنوع الثقافي رافضا الفكرة القائلة بأفضلية ثقافة على أخرى وإنما هناك نسيج من الثقافات "وافترض المناهضون للتطور أن الإتصال بين الشعوب قد نتج عنه احتكاك ثقافي وعملية انتشار لبعض السمات الحضارية، الأمر الذي يمكن أن يفسر في ضوءه التباين الحضاري للشعوب وليس في إطار عملية تطورية "
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الإتجاه قد تبنى منهجا تاريخيا جغرافيا بتأثير من المدرسة الجغرافية الألمانية ورائدها فريدريك راتزل الذي ركز على أهمية الإتصالات والعلاقات الحضارية بين الشعوب ودورها في النمو الحضاري ،وقد نمى تلاميذه هذا الإتجاه وخاصة هاينريخ شورتر h.shurTZ الذي أبرز فكرة وجود علاقات حضارية بين العالم القديم والعالم الجديد (أمريكا)،وكذلك ليوفروبينيوسL .FROBENUIS صاحب نظرية الإنتشارالحضاري بين أندونيسيا وأفريقيا"والمدرسة .الإنتشارية لا تدرس الثقافات باعتبارها نماذج ممثلة لمراحل متعاقبة عبر الزمن بل هي ترفض اعتبار البشرية بمثابة الكائن الذي ينمو كما تنمو الخلايا المغلقة والمنضوية على ذاتها ،بحيث تتطور كل منها على حدة مع تقدم الاختراعات، (أطروحة مورغان) فالإنتشارية أن هذه الاختراعات تنتج عن العناصر الثقافية و تنتشر من مجتمعات إلى أخرى مجاورة لها إما بفعل الهجرات وإما بفعل الحروب"

بكلمة إذا كانت المدرسة التطورية ترى أن موضوع الأنثروبولوجيا هو البحت عن أسباب التفاوت الثقافي فإن المدرسة الانتشارية ترى أن هذا الموضوع هو البحت عن صيغ الإنتشار من ثقافة إلى أخرى .كيف ينتقل عنصر ثقافي من مجتمع إلى آخر؟وإذا كانت نظرتها لهذا الموضوع نظرة تاريخية تتناول دائما كيفية حصول التغير عبر الزمن ،فإنها تصبح إلى ذلك نضرة جغرافية فلا يعود السؤال مقتصرا على الصيغة التالية :لماذا نجد الثقافات متنوعة ؟بل صار يطرح بصيغة أخرى كيف كان لهذا التنوع أن يحصل؟وقد ظهر في أرويا نظريتان مختلفتان بصدد هدا التفسير الإنتشاري لعناصر الثقافة وهما المدرسة البريطانية والمدرسة الألمانية النمساوية .

نظرية المدرسة البريطانية : والتي أرجعت نشأة الحضارة الإنسانية كلها إلى مصدر واحد أو مركز واحد وعن طريق الإحتكاك الثقافي بين الشعوب سواء عن طريق التجارة والغزوات أو الهجرات فقد انتشرت عناصر تلك الحضارة المركزية أو الرئيسية، واتسعت دائرة وجودها. وتزعم هذه المدرسة عالم التشريع البريطاني أليوث سميت E.SMITH 1937-1871) ( وكان مهتما بالآثار والهياكل البشرية ومعه أيضا تلميذه وليم بيري w .j.perry (1888-1949 )اللذان رأيا أن الحضارة الإنسانية نشأت وازدهرت على ضفاف نهر النيل في مصر القديمة مند حوالي خمسة آلاف سنة قبل الميلاد تقريبا ،وذلك بعد فترة طويلة عاشتها الإنسانية على الصيد وعندما توافرت الظروف بدأت الإتصالات بين الجماعات والشعوب، فانتقلت بعض مظاهر تلك الحضارة المصرية القديمة إلى بقية بقاع العالم التي عجزت شعوبها عن الإبتكار أو الاختراع فعوضت ذلك بالاستعارة والتقليد "لكن هذا الطرح المتطرف و القليل الواقعية سرعان ما تعرض لنقد على إثر الإكتشافات الفنية و الأثرية التي بينت أن هناك بؤرا حضارية في إفريقيا، مثلا :كانت قد ابتدعت ثقافتها الخاصة على نحو ما تشهد الأعمال الفنية في بنين وهي أعمال مستقلة عن كل الثأتيرات المصرية "

المدرسة الألمانية النمساوية : إذا كانت المدرسة الإنجليزية قد ركزت على فكرة المنشأ الواحد للحضارة الإنسانية فهناك "فريق من الألمان والنمساويين وعلى رأسهم فريتز جرابينور(1834-1817 )وولهم شميدت W .SHMIDT (1859-1868 ) قد رفضوا فكرة المركز الواحد التي هي أقرب إلى الخيال أكثر من كونها علمية الأساس(على حد تعبير جان بواريه) وافترضوا وجود عدة مراكز حضارية أساسية في جهات متفرقة من العالم وأنه نشأ من التقاء الحضارات مع بعضها البعض نوع من الدوائر الثقافية، وحدثت بعض عمليات الإنصهار، والتشكيلات المختلفة ،الأمر الذي يفسر أوجه الاختلاف عن تلك الثقافات المركزية أو الأساسية إلا أن أصحاب هذا الرأي لم يقدموا الدلائل على وجود تلك المراكز أو تتبع حركات الإتصال بينهما ودراسة تلك النتائج المترتبة عن ذلك بطريقة منهجية سليمة ،ورغم هذا الإختلاف في وجهة نضر المدرستين البريطانية و الألمانية – النمساوية- إلا أنهما اتفقتا في رفض حتمية تطور المجتمعات كلها وفق قانون تابت ،وأنه من غير المعقول أن يتشابه التكوين العقلي عند جميع البشر :وليس من الممكن أيضا أن تتمتع جميع الشعوب بقدر متماثل من الخلق والابتكار
https://benimellal-online.com/inf-ar/...show-id-63.htm









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مرجع, يبدة, ساساعده


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 13:03

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc