موقف الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي من تولية القضاء للمرأة
- في وسط الظلام المدلهم الذي عم العالم، جاء النبي صلوات الله وسلامه عليه وبوحي من الله سبحانه وتعالي فأعطي للمرأة مكانتها وحفظ لها كرامتها، ونزل الدستور الإلهي بحقوق مشروعة للمرأة ورفعها من المهانة والامتهان الذي أحدق بها في عصور الجاهلية إلي مكانة الإنسان المعدود من ذرية آدم وحواء.
- ولقد اعترف الإسلام بحقوق متعددة ومتنوعة للمرأة، لا نستطيع في هذا المقام أن نضعها تحت حصر، فليس في أحكام الإسلام حائل بينها وبين عمل شريف تؤديه، فلها مثل ما للرجل وعليها مثل ما عليه، وأن الأعمال المباحة للرجل هي المباحة للمرأة بغير تمييز.
- أما فيما يتعلق بتولي المرأة للقضاء، فلا يوجد نص في الكتاب أو السنة قطعي في ثبوته ودلالته يمنع المرأة من ولاية القضاء.
أما الفقه الإسلامي فقد اختلف في هذا الصدد ما بين منكر لأهليتها للاشتغال بالقضاء وما بين مؤيد لتوليها إياه.
(1) فلا تصلح أن تكون المرأة قاضية عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة ونفر من الحنفية.
(2) أما الأحناف فقد ذهبوا إلي جواز أن تكون المرأة قاضية في غير الحدود والقصاص.
(3) غير أن الخوارج، وابن جرير الطبري، وابن حزم الظاهري، وابن القاسم من المالكية، قد ذهبوا إلي القول بجواز توليتها القضاء في كل شيء.
- ونفصل فيما يلي رأي كل فريق منهم وأدلته فيما ذهب إليه:
(1) فالجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، قد ذهبوا إلي أن الذكورة شرط لابد من توافره فيمن يتولي القضاء.
واحتج الجمهور علي ما ذهب إليه بقول الله تبارك وتعالي في محكم آياته «الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض)، ولقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه (لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة).
واستدل الجمهور علي ما ذهبوا إليه بأن المرأة لا تصلح للإمامة العظمي ولا لتولية البلدان، والقضاء فرع من الولاية العامة، ولهذا لم يول الرسول صلي الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ولا من بعدهم امرأة قضاء ولا ولاية بلد ولو كان ذلك جائزاً ما خلا منه جميع الزمان غالباً.
(2) أما فقهاء الحنفية، فقد ذهبوا إلي صلاحية المرأة للقضاء وأهليتها له فيما تشهد فيه، وهي تشهد في كل شيء إلا في الحدود والقصاص، فحكم القضاء يستقي من حكم الشهادة ومبني عليها إذ كل منهما من باب الولاية، فكل ما يجوز لها أن تشهد فيه يجوز لها أن تقضي فيه، والمرأة أهل للشهادة فيما عدا الحدود والقصاص فهي أهل للقضاء في غيرها.
ويقول الكاساني: «وأما الذكورة فليست من شروط جواز التقليد للقضاء في الجملة، لأن المرأة من أهل الشهادة في الجملة إلا أنها لا تقضي في الحدود والقصاص لأنه لا شهادة لها في ذلك، وأهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة».
علي أن ابن جرير الطبري، وابن حزم الظاهري وابن القاسم المالكي، والخوارج خالفوا جمهور الفقهاء، حيث قالوا بجواز تولية المرأة للقضاء في كل شيء يجوز للرجل أن يقضي فيه دون استثناء شيء، وحجتهم في ذلك بأن المرأة تصلح للفتوي في كل مسألة من مسائل الأحكام الفقهية، فكذلك تصلح للقضاء من باب أولي.
وقد أضاف ابن حزم أن المرأة لا تتولي الخلافة أو الرئاسة لقوله عليه الصلاة والسلام: «لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلي امرأة»، لكنها تتولي القضاء فهي إذا لم تكن أهلاً لتولي الخلافة فهي أهل لتولي القضاء.. وقد رد ابن حزم علي جمهور الفقهاء حين استدلوا بهذا الحديث الشريف بأن الرسول إنما قال ذلك في الأمر العام الذي هو الخلافة فقط، ومما يدل علي صحة ما ذهب إليه قول النبي صلوات الله وسلامه عليه بأن المرأة راعية علي مال زوجها وهي مسئولة عن رعيتها.
ومجمل القول أن جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة قد اتفقوا علي أن الذكورة شريطة جواز وصحة.
أما الأحناف فالذكورة في القضاء عندهم شريطة جواز لا صحة، ومعني ذلك أن ولايتها تكون صحيحة وقضاؤها نافذًا فيما عدا الحدود والقصاص، وفيهما قضاؤها يكون باطلاً حتي لو وافق الحق لأن الحنفية فيهما للجمهور.
وعند ابن جرير الطبري وابن حزم الظاهري، فإن الذكورة في القضاء ليست شريطة جواز ولا صحة، بمعني أن الذي يولي المرأة القضاء لا يكون آثماً وتكون ولايتها صحيحة وأحكامها نافذة في كل شيء حتي في الدماء والفروج.
تجربة تولي المرأة القضاء في الدول العربية والإسلامية
- وعلي الرغم من أن هناك جانباً من الفقه الإسلامي ـ علي النحو المتقدم ببيانه ـ يساند تولي المرأة القضاء، فإن هناك من يشكك في قدرتها علي القيام بهذه المهمة استناداً إلي أن المرأة عاطفية، والقضاء يتطلب موضوعية كاملة، واستناداً إلي أنها تتعرض دورياً لما يمكن أن يؤثر في نفسيتها وبالتالي ينعكس علي أدائها القضائي، ولا شك أن الكشف عن ذلك يكون من واقع التجربة العملية لممارسة المرأة القضاء، فهي الفيصل في تحديد قدرتها أو عجزها عن تولي هذا العمل.
- وقد سبق كثير من الدول العربية والإسلامية مصر في هذا الشأن، وسمحت للمرأة بتقلد وظائف القضاء منذ سنوات طويلة، ومن تلك الدول: الأردن، تونس، السودان، سوريا، لبنان، ليبيا، العراق، المغرب، اليمن، الجزائر، فلسطين، باكستان، تركيا، وإيران
منقوووووووووووول .