بما أن الموضوع يتحدث عن العظماء وبما أن الأخت طاهيري لم تأتنا بالعظماء الذين نحبهم ونفخر أن ننسب لهم وددت أن أعرفها بواحد منهم من عظمائنا عبر التاريخ وليس هو الوحيد إنه سيف الله المسلول إنه
خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه??
ليث المشاهد وسيف الله هاب العدو لقاءه حتى الخيول تهابه
ليث حربِ أشفقت أسد الشرى *** منه حتى بايعته في شراها
نعم القدوة خالد ، فهو من اقتدى بقائدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
اخرج الله من صلب الوليد المجرم الكافر خالداً الذي طبع على كل جسده بطابع الشهداء،
ومات على فراشه، فلا نامت أعين الجبناء!
إنه أبو سليمان ، الذي نازل في أكثر من مائة معركة، فما هزم في واحدة منها،
لأن شعار قتاله (لا إله إلا الله).
إنه شارب السم .. إنه المتوكل على الله، يُعرض عليه سم في قارورة كما ذكر ذلك الذهبي
في سيره ، يقول له مشرك وثني: إن كنتم أيها المسلمون تزعمون أنكم تتوكلون على الله
فيكرمكم، فاشرب هذا السم يا خالد ولا تمت .. أو كما قال، فقال خالد بلسان الواثق
من ربه: باسم الله توكلت على الله، ثم شرب القارورة كلها، فلم يصبه إلا العافية، وما
زاده ذلك إلا عزة وكرامة.
من هو خالد ؟
إنه من احتبس كل شيء في حياته لله .. دروعه وعتاده وماله في سبيل الله.
فيا من جعل الدنيا أكبر همه، قد جعلها خالد تحت قدميه، فرفع الله ذكره في العالمين.
يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: {أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقبض
زكاة الناس وصدقاتهم، فقبضتها حتى انتهيت إلى خالد ، فمنعني الزكاة، وأتيت العباس
فمنعني الزكاة، وأتيت ابن جميل فمنعني الزكاة، قال: فعدت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقلت: يا رسول الله دفع الناس كلهم زكواتهم إلا عمك العباس ، وخالد بن الوليد
وابن جميل ، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: أما عمي العباس فهي عليّ ومثلها لسنتين،
ألا تدري يا عمر أن عم الرجل صنو أبيه؟! -أي: مثل أبيه، فأنا أدفعها عنه لأنني ابنه وهو
في مثابة أبي- وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً ، لقد احتبس أدرعه وعتاده وماله في سبيل
الله }^ فكيف يزكي مالاً احتبسه كله في سبيل الله؟!
كيف يزكي دروعاً وسلاحاً وسيوفاً قد جعلها وقفاً في سبيل الله؟!
يقولون معن لا زكاة لماله *** وكيف يزكي المال مَن هو باذلُهْ
ولو لم يكن في كفه غير روحه *** لجاد بها فليتق الله سائلُهْ
ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {وأما ابن جميل فما ينقم على الله إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله
جلَّ وعلا } ها هو خالد ذلك المظلوم الذي ظلمه شوشو، وقارنه بصدام ، الذي دمر المدن، وقتل
الآمنين، وسفك دماء النساء والأطفال والرجال المسلمين.
ثم تُفْجَع الأمة بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولى أبو بكر الصديق لما سمع أبو بكر
أن مسيلمة ادعى النبوة في اليمامة وقف على المنبر، وأخذ راية لا إله إلا الله، وقال: آدَّعَى مسيلمة
النبوة؟! والله لأزلين وساوس الشيطان من رأسه بـأبي سليمان خالد بن الوليد ، قم يا خالد خذ
الراية وقاتله حتى تقطع دابره من الأرض.
وخرج في جيش من أهل بدر ، وغيرهم من الصحابة، فلما تلاقى الجمعان، كان جيش بني حنيفة كثيفاً
جداً، كالجبال يمور موراً، فلما رآهم الصحابة قال بعضهم: فلنلتجئ إلى سلمى وأجا -جبلين في حائل -
فدمعت عينا خالد ، وقال: إنما ننتصر عليهم بهذا الدين: [[ لا إلى سلمى وإلى أجا ، ولكن إلى الله الملتجا]].
لما رأى بنو حنيفة خالداً أصابهم الهلع والرعب في قلوبهم، وأنزل الله الهزيمة بهم: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ
ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45]، وقتل الله مسيلمة الكذاب ، وانتهت هذه الأسطورة؛ لأن من
كان مع الله كان الله معه، ومن قاتل بالله كان النصر في حوزته: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]
سلوا التاريخ عنا كيف كنا *** نحن أسسنا بناءً أحْمَدِيَّا
يجاهد خالد لإعلاء كلمة الله، حتى استقرت في غالب أصقاع المعمورة، ويأتي خالد رضي الله عنه بعد أن
تنتهي المعارك، بعد أن يسمع (الله أكبر) تدوي في غالب أنحاء المعمورة، يأخذ رضي الله عنه فرسه، ويأتي
إلى حمص في أرض الشام ، ليعود إلى أهله بعد رحلة الجهاد الطويل، يقبل الناس بعدها على الغنائم وعلى
رفع الدور والقصور، ويقبل خالد على آيات الله وكلام الله وذكره .. كان إذا صلى الفجر أخذ مصحفاً فينشره
بين يديه ويقرأ حتى يقترب وقت الظهر.
يقول أهل العلم: كان إذا قرأ يبكي، ويقول: شغلني الجهاد عن القرآن يتحسر على حياته، ووالله ما ضاعت،
إنها لحياة محفوظة عند الله، ما شغله عن القرآن إلا الجهاد؟!
خالد أثناء مرض الموت
طلب خالد الشهادة في مائة معركة فما وجدها، لكنه وجدها على فراشه: {من تمنى الشهادة صادقاً
من قلبه رُزِقَها وإن مات على فراشه }^.
قال عند موته : [[لقد حضرتُ كذا وكذا معركة، وما في جسمي موطن شبر إلا وفيه ضربة بسيف،
أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، وهأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء ]]^
وتفيض روحه إلى الله: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي *
وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30]^.
ويأتي الصحابة يحملون جنازته -يحملون جثمانه على أكتافهم إلى القبر الذي سوف نعرفه إن جهلناه
اليوم، وسوف ننزله إن هجرناه اليوم، وسوف نبصره ونراه إن تعامينا عنه اليوم- يحملونه وهم يبكون،
تقول أخته وهي تبكي: إنا لله وإنا إليه راجعون!
أنت خير من ألفِ ألفٍ من القو *** مِ إذا ما كُبَّت وجوهُ الرجالِ
ومُهِين النفس العزيزة للذكْـ *** ـرِ إذا ما التقت صدورَ العوالي
حال عمر عند سماعه خبر موت خالد
يأتي الخبر عمر رضي الله عنه وأرضاه بـالمدينة ، وهو الذي يعرف قيمة خالد ، فيظل واقفاً يرتعش ويرتعد،
ويقول: [[إنا لله وإنا إليه راجعون! والله يا أبا سليمان ، لقد عشتَ سعيداً، ومتَّ حميداً، وما عند الله خيرٌ،
ثم يبكي رضي الله عنه ويقول: مضوا وخلفوني وحدي، مضوا وخلفوني وحدي ]].
فترتج المدينة بالبكاء والنحيب لبكاء عمر ومصابهم بـخالد .
ويأتي رجل إلى عمر ، ويقول: يا أمير المؤمنين! إن نساءنا يبكين، ويندبن خالداً ، قال: [[ ثكلتك أمك! على
مثل أبي سليمان فلتبكِ البواكي ]] لكن لا صراخ ولا قلقلة.
إي والله! على مثل أبي سليمان فلتبكِ البواكي.
وتأتي وصية خالد لـعمر : [[إنك أنت المتصرف في تركتي والقائم على أبنائي ]] فرضي الله عنهم أجمعين.
نَمْ يا أبا سليمان حتى يبعث الله الناس ليوم لا ريب فيه؛ ليوفيك أجرك ومثوبتك وخدمتك لهذا الدين؛ لأنك
بذلت كل غال ورخيص، وذهبت عن الفتنة وبقينا لها، جمعنا الله بـخالد في عليين، مع النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين.
فلا نامت أعين الجبناء!