السؤال :
ما هي حاجة الناس للأنبياء ؟.
الجواب :
الحمد لله
الأنبياء هم رسل الله تعالى إلى عباده يبلغونهم أوامره , ويبشرونهم بما أعد الله لهم من النعيم إن هم أطاعوا أوامره , ويحذرونهم من العذاب المقيم إن هم خالفوا نهيه , ويقصون عليهم أخبار الأمم الماضية وما حل بها من العذاب والنكال في الدنيا بسبب مخالفتها أمر ربها .
وهذه الأوامر والنواهي الإلهية لا يمكن أن تستقل العقول بمعرفتها ؛ ولذلك شرع الله الشرائع وفرض الأوامر والنواهي ؛ تكريماً لبني الإنسان وتشريفاً لهم وحفظاً لمصالحهم ؛ لأن الناس قد ينساقون وراء شهواتهم فينتهكون المحرمات ويتطاولون على الناس فيسلبونهم حقوقهم , فكان من الحكمة البالغة أن يبعث الله فيهم بين آونة وأخرى رسلاً يذكَّرونهم أوامر الله , ويحذرونهم من الوقوع في معصيته , ويتلون عليهم المواعظ ويذكرون لهم أخبار السابقين , فإن الأخبار العجيبة إذا طرقت الأسماع , والمعاني الغريبة إذا أيقظت الأذهان , استمدتها العقول فزاد علمها , وصح فهمها , وأكثر الناس سماعاً أكثرهم خواطر , و أكثرهم خواطر أكثرهم تفكراً , وأكثرهم تفكراً أكثرهم علماً , وأكثرهم علماً أكثرهم عملاً , فلم يوجد عن بعثة الرسل معدل ولا منهم في انتظام الحق بدل .- أعلام النبوة , تأليف علي بن محمد الماوردي , ص : 33.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : - أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الشهير بابن تيمية , ولد عام واحد وستين وتوفي عام ثمان وعشرين وسبع مائة من الهجرة , وهو من كبار علماء الإسلام له مصنفات كثيرة نفيسة . _ والرسالة ضرورية في إصلاح العبد في معاشه ومعاده , فكما أنه لا صلاح له في آخرته إلا باتباع الرسالة , فكذلك لا صلاح له في معاشه ودنياه إلا باتباع الرسالة , فالإنسان مضطر إلى الشرع لأنه بين حركتين حركة يجلب بها ما ينفعه وما يضره , فهو نور الله في أرضه , وعدله بين عباده , وحصنه الذي من دخله كان آمناً .
وليس المراد بالشرع التمييز بين النافع والضار بالحس , فإن ذلك يحصل للحيوانات فإن الحمار والجمل يفرق ويميز بين الشعير والتراب , بل التمييز بين الأفعال التي تضر فاعلها في معاشه ومعاده , والأفعال التي تنفعه في معاشه ومعاده كنفع الإيمان , والتوحيد , والعدل , والبر , والإحسان , والأمانة , والعفة , والشجاعة , والعلم , والصبر , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وصلة الأرحام , وبر الوالدين , والإحسان إلى الجيران , وأداء الحقوق , وإخلاص العمل لله , والتوكل عليه , والاستعانة به , والرضا بمواقع أقداره , والتسليم لحكمه , وتصديقه وتصديق رسله في كل ما أخبروا به وغير ذلك مما هو نفع وصلاح للعبد في دنياه وآخرته , وفي ضد ذلك شقاوته ومضرته في دنياه وآخرته .
ولولا الرسالة لم يهتد العقل إلى تفاصيل المنافع والمضار في المعاش , فمن أعظم نعم الله على عباده , وأشرف مننه عليهم , أن أرسل إليهم رسله , وأنزل عليهم كتبه , وبين لهم الصراط المستقيم , ولولا ذلك لكانوا بمنزلة الأنعام وأشر حالاً منها , فمن قَبِلَ رسالة الله واستقام عليها فهو من خير البرية , ومن ردها وخرج عنها فهو من شر البرية , وأسوأ حالاً من الكلب والخنزير وأحقر من كل حقير , ولا بقاء لأهل الأرض إلا بآثار الرسالة الموجودة فيهم , فإذا درست آثار الرسل من الأرض , وانمحت معالم هداهم ؛ أخرب الله العالم العلوي والسفلي وأقام القيامة .