أفظل رئيس هو مسعود زقار
*********************************************
لمن لا يعرفه هو رئيس من دون رئاسة
الجا سوس الجزائري الذي أبكى كل الجواسيس
ولد البطل مسعود زقار 08 ديسمبر 1926- 21 نوفمبر 1987 أحد أبرز رجال وبطل حقيقي عاش لأجل بلده الجزائر التي وهب نفسه لأجلها بنفسه وماله
الخاص أيضا ، وكان قد مول العديد من العمليات الجاسوسية الناجحة لجواسيس جزائريين في الخارج وكانت ناجحة رغم أنه لم يتم الكشف إلا على
القليل جدا من تلك العمليات للأسف ، رجل كانت ترتعد لذكر اسمه المخابرات الفرنسية لمكانته الخاصة لدى عظماء هذا العالم وأقويائه سيما
من الأمريكيين
نشأة الرجل
ولد مسعود زڤار في 08 ديسمبر 1926 بالعلمة ولاية سطيف الواقعة شرق الجزائر التي كانت تسمى آنذاك "سانت أرنو" أين كانت تعيش عائلته
الفقيرة ، وبما أن والده "بوزيدي" كان رجلا بسيطا فقد أرغم الطفل على تحمل مسؤولية العائلة بكاملها، والغريب أن سعيه لكسب القوت دفع به
إلى المغامرة والهجرة إلى فرنسا وعمره لم يتجاوز العاشرة أين اشتغل لمدة 4 أشهر وعاد إلى أهله بفرنكات معدودة. وعوض أن يواصل دراسته
بالمدرسة الفرنسية بالعلمة فضل مساعدة والده في المقهى التي تقع بالقرب من وسط مدينة العلمة، لكن هذا الطفل لم يكن عاديا في نظر والده
بل كان كثير "الزغيد" أي يتسم بنشاط وحيوية منقطعة النظير، ولذلك عمد والده إلى تزويجه وعمره لم يتجاوز 13 سنة، لكن هذه الخطة لم تفلح
مع مسعود ولم يدم الزواج طويلا فذهبت الزوجة إلى أهلها ولم تعد وتم الطلاق ليعود هذا الزوج المشاغب إلى حياة العزوبية من جديد.
الحدس التجاري
وكأن القدر شاء أن يبقى مسعود حرا طليقا حتى يتفرغ لقضاياه التي تجاوزت سنه ولنشاطه التجاري الذي يعتبره نقطة بداية لمسيرة حافلة
بالأحداث؛ فبعد العمل مع والده تحول إلى بائع للحلوى رفقة ابن عمه وكان عمره عندها 15 سنة، وهنا راودته فكرة صنع الحلوى بدل بيعها
فيشرع في تجسيد فكرته وينجح في إنجاز ورشة لصناعة حلوى عرفت يومها باسم "برلنڤو والفليو" فكان يصنعها بنفسه بمستودع بالعلمة ويتولى
تسويقها حتى خارج المدينة وكأنها البداية بالنسبة لرجل خلق للمال والأعمال، فالورشة نجحت وبدأ مسعود يشق طريق النجاح.
أهم محطات حياة البطل
لم يسبق لأي شخص أن تكفّل بمفرده بإنجاز مصنع للسلاح، وقد اختار رشيد كازا أن تكون هذه المغامرة بالمغرب، وكان ذلك في مكان ما بالقرب من
منطقة الناظور، ونقول مكان ما لأنه لا أحد يعلم الموقع بالضبط إلا مسعود وقلة ممن معه، وحتى هذه القلة أكّدت لنا بأنها إذا غادرت المكان لا
تكاد تعرف طريق العودة إلا بتوجيه من رشيد كازا، فلا ملك المغرب ولا أي شخص مغربي كان يعلم شيئا عن هذه المؤسسة النادرة في الوطن العربي،
فظاهريا المصنع يبدو مختصا في صنع الملاعق والشوكات ويعمل به عمال أجانب من دولة المجر، لكن في المستودعات الخفية المكان مخصص لصنع
الروكات أو ما يدعى بـ "البازوكا"سلاح يشبه المدفعية ويوضع على الأكتاف.
وبما أن مسعود كان حريصا على سرية النشاط فلم يوظف فيه إلا المقربين إليه، بعضهم من أفراد العائلة وكلهم تقريبا من أبناء المنطقة؛ أي
من مدينة العلمة، حتى أن بعضهم يقول إن العلمة هي التي زوّدت الثورة بالسلاح، ومن هؤلاء نذكر أمين سر زڤار السيد جيلاني صغير، زقار عبد الله،
منصوري خالد، نواني بشير، زڤار عبد الحميد، عوفي مصطفى، مزنان علي ونواني محمد، وقد كان هؤلاء يشرفون على عمليات التركيب لمختلف قطع
الغيار التي كان يستقدمها زڤار من أمريكا بطريقته الخاصة التي لا يعلمها إلا هو، والتي ظلّت غامضة ومجهولة الى يومنا هذا، وحتى المقربين
إليه لا يعلمون كيف كان زڤار يُدخِل مختلف القطع الى المغرب، خاصة تلك التي تبدو من خلال شكلها بأنها مخصصة لصنع القذائف، وأما بعض القطع
فقد كانت تدخل علانية على أساس أنها موجّهة لصنع الملاعق والشوكات، وحتى العمال المغاربة الذين تم تشغيلهم لم يكونوا على دراية بطبيعة
المصنع الذي يعملون به، فكانوا يعزلون في مستودع خاص وتقدم لهم مادة rdx وهي نوع المتفجرات فيقومون بتفتيتها وفي اعتقادهم أنها مخصّصة
لصنع البلاط (الكارلاج) وهذه المادة في حد ذاتها تشبه من حيث* الشكل* قطع* البلاط،* لكن* حسب* جيلاني* صغير* مفعولها* أقوى* من* tnt* وهي
مادة لمتفجرات قوية وبعد* تكسيرها* يتم* تحويلها* إلى* جيلاني* ورفاقه* لتذويبها* في* حمامات* خاصة* وتعبأ* بها* القذائف*. ولم يتوقف
مسعود عند هذا الحد، بل أحضر خبيرا أمريكيا يدعى "ماكينزي" وهو مهندس مختص في تصميم الأسلحة والذي استقر بالمصنع، وكان يشرف على عملية
التصنيع، ومع مرور الوقت تم تطوير البازوكا الأمريكية واستنسخت منها بازوكا "جزائرية" وذلك بإجراء بعض التعديلات على مستوى الماسورة
التي أصبحت غير قابلة للطي حتى لا تستهلك وقتا طويلا أثناء صنعها، ونفس الشيء بالنسبة للقذيفة التي كانت مقدمتها مقوسة فعدلت وأصبحت
تحمل رأسا حادا عكس ما كانت عليه في السابق، وذلك حتى يكون مداها أبعد وقوتها أكبر، وقد أثبتت التجارب بأن القذيفة بإمكانها* اختراق*
سندان* الحدادة* وإصابة* هدفها* بدقة*.
ومع الاحتكاك اليومي مع المتفجرات تم تسجيل عدة حوادث بسيطة كتلك التي وقعت لجيلاني صغير الذي أصيب في رجله بعدما أصابته شظايا
المتفجرات التي لازالت آثارها على رجله الى يومنا هذا. وحسب هذا الأخير فإن عمل الفريق المشرف على تشغيل المصنع كان يتسم بخطورة بالغة
لأنهم كانوا يعيشون وسط كم هائل من المتفجرات، ورغم ذلك فإن كل المعايير المعمول بها في صناعة البازوكا والقذيفة كانت محترمة بتوجيه من
الخبير الأمريكي، وعندما يصبح المنتوج جاهزا تبدأ المغامرة الثانية المتمثله في شحن البضاعة ونقلها الى وجدة ثم تدخل الجزائر عبر
الحدود* المغربية*.
والملاحظ هنا أنه بالرغم من المستوى الدراسي المحدود لزقار إلا انه استطاع أن يكون نفسه وأضحى يتقن الإنجليزية ويتعامل مع الأمريكيين دون
عقدة، فاندمج معهم في كل شيء حتى في الزي والهندام وطريقة ارتداء القبعة الأمريكية، وبذلك نجح في توطيد العلاقة معهم وخلق خط سري من
امريكا الى المغرب تهرب عبره قطع الغيار الحربية والمتفجرات الموجهة الى المصنع، وهو الخط الذي ظل شغالا الى غاية انتهاء الثورة. وكان
زقار يؤمن بأن أي حركة ثورية يجب أن تقوم على عاملين اثنين أولهما المعلومات التي كان يستقيها من كل مكان، وبلغ به الأمر حد التجسس على
محيط ديڤول، وثانيهما المال الذي تحصل عليه بتوسيع نشاطه التجاري وتنمية ثروته التي خصصها لخدمة القضية الوطنية. وهناك عامل آخر جسده
زڤار بإتقان، ويتعلق بسرية التنظيم، فلم يكن يخبر أحدا بما يفعل أو بما في نيته، وحتى أمين سره ورفيقه الدائم صغير جيلاني* الذي*
التقيناه* لا* يعلم* من أسرار زقار إلا القليل، ويقول إن الرجل كان متحفظا للغاية ويملك حسا أمنيا لا يتحلى به أي شخص آخر*.
وعند* الاستقلال* يقول* جيلاني صغير بأنه بقي مع* بعض الرفاق بالمصنع لبضع أسابيع ثم أمرهم مسعود بالدخول بعد* تفكيك* المصنع* وردم*
آلياته* تحت* التراب* لتنتهي بذلك قصة هذه المؤسسة التي أدت مهمتها بنجاح*.
دبلوماسي بارع وثروة تصل إلى2 مليار دولار
*
وأما في الجزائر، فبالرغم من العلاقة الوطيدة التي كانت تربط هواري بومدين بمسعود زقار، إلا أن هذا الأخير فضل بعد الاستقلال مباشرة الخروج
من الجيش، وكان يومها برتبة رائد، فقدم استقالته وتم تسريحه بتاريخ 16 أكتوبر 1962 وحينها قال لزملائه: "لم أكن في حياتي عسكريا، ولن
أكون كذلك، بل أنا رجل أعمال" وعاد فعلا إلى قضاياه التجارية، فأصبح يتكفل بطعام ولباس الجيش الوطني، وكان يشرف على تسيير عدة مصانع
لإنتاج الحلوى واللبان والمصبرات والعجائن، كما أصبح وسيطا بين الدولة الجزائرية ومختلف الشركات الأجنبية، ولم يتوقف عند هذا الحد بل
وسع نشاطه إلى عدة دول عربية وإسلامية كالعراق والسعودية ومصر وليبيا وإيران وسوريا... وحسب جيلاني صغير فإن الرجل أصبح يشتري البترول
من دول الخليج ويصدره إلى الدول الأمريكية والأوروبية، وطبعا بهذا النشاط تمكن من تكوين ثروة هائلة، ويقول البعض بأن رأسماله في*
السبعينيات* فاق 2 مليار دولار*.
التوجه الفكري لمسعود كان يميل دوما نحو الرأسمالية التي كان سباقا في التنبؤ بهيمنتها على العالم، وهذا بالرغم من التوجه الاشتراكي
للبلاد، ولذلك كان تعامله مركزا اكثر على الولايات المتحدة الامريكية التي يرى فيها القوة الفعلية التي فرضتها الأوضاع الدولية، فكان
بمثابة عين بومدين في امريكا، وظل الوضع كذلك بالرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والولايات المتحدة بعد الحرب العربية
الاسرائيلية سنة 1967 حيث بقي زڤار الدبلوماسي السري الذي له أيدٍ في معظم الإدارات الامريكية، وأهله ذلك الى تكوين شبكة من الاستخبارات*
التي* جعلته* يتحكم في* المعلومات* عبر* العديد* من الدول*.
وبالموازاة مع ذلك سجل تناميا مذهلا في عملياته التجارية وثروته التي غزت العالم وبلغ به الامر حد التكفل التام بالتنقلات الرسمية لأعضاء
مجلس الثورة ومختلف المسؤولين ويتكفل كذلك بأفراد عائلاتهم وذويهم الذين يعالجون في الخارج، كما كان الشأن مع أنيسة زوجة هواري بومدين
التي* كان* يتنقل معها جيلاني برفقة أخيها وخالها من أجل العلاج في الخارج* برعاية* مسعود*.
وبالرغم من أنه لا يشغل أي منصب رسمي إلا أن زقار كان تقريبا وراء كل العلاقات والصفقات الدولية، ولما زار الرئيس الراحل الولايات المتحدة
الامريكية سنة 1974 والتقى بالرئيس ريتشارد نيكسون فإن المتكفل الرئيسي بهذه الزيارة والمكلف بتحضير كل النقاط المبرمجة هو مسعود زقار
الذي كان بمثابة الرجل الثاني بعد الرئيس، وكان يشارك في كل اللقاءات ويحدد حتى مهام أعضاء الوفد المرافق للرئيس، وينجح في ابرام
صفقات هامة بين البلدين... وهنا تكمن قوة هذا الشخص الذي حير الجميع.
زڤار* يصفع* فرنسا* ويمهد* لتأميم* المحروقات
الرائد مسعود زقار مع العقيد الرئيس هواري بومدين
ومن جهة أخرى كان مسعود يدعو المستثمرين الأجانب، وخاصة الامريكيين، الى الاستثمار في الجزائر واكتشاف السوق الجزائرية، وفعل ذلك مع
الملياردير روكفيلر كما كان وراء ابرام عقد مع شركة "البازو" الامريكية من اجل شراء 10 ملايير متر مكعب من الغاز السائل على مدى 25 سنة،
وهي العملية التي تعتبر من أكبر الصفقات الجزائرية في سنة 1969، كما كان مسعود وراء استفادة الجزائر من قرض يقدر بـ 300 مليون دولار
قدم لها من طرف بنك يدعى "ايكسم بنك" وكان ذلك من أجل تمويل مشروع مركب الغاز المميع بمدينة أرزيو، ومثل هذه العمليات مهدت الطريق لدى
المسؤولين الجزائريين لبسط السيادة على الغاز الجزائري وتحريره من السيطرة الفرنسية، وبذلك تم تأميم المحروقات بتاريخ 24 فبراير 1971،
حيث يؤكد وزير الإقتصاد الأسبق بلعيد عبد السلام بأن عقد شركة "البازو" الامريكية وقرض "أيكسيم بنك" كانا عاملا مهما في تأميم 51٪ من
المحروقات.
وحسب محدثنا السيد جيلاني صغير (امين سر زقار) فإن هواري بومدين كان يتعامل مباشرة مع مسعود دون أي وساطة، ويواظب على زيارته في بيته،
كما يكلفه بإجراء تحقيقات وإيفاده بمعلومات حول العديد من القضايا، وكان زڤار على اتصال دائم بمديرية الأمن العسكري التي كان يرأسها
المرحوم قاصدي مرباح، وقد سبق لهذا الأخير أن طلب من زڤار أن يزود المديرية بمجموعة من المسدسات الامريكية فلبى له الطلب في الحين وأتاه
بحقيبتين معبأتين بأكثر من مئة مسدس حديث الصنع، وقد احتفظ مسعود بست مسدسات من هذه الحصة، وهي ذات المسدسات التي يعثر عليها فيما
بعد* الأمن* العسكري* في* بيت* زقار* ويتابع* من* أجلها* قضائيا* في* عهد* الشاذلي* بن* جديد،*.
ويؤكد لنا الاستاذ حميدي خوجة (محامي مسعود) بأن نشاط زقار إمتد على اكثر من صعيد دولي وكان يقلق السلطات الفرنسية التي كان يرعبها اسم
هذا الرجل الذي ضيع عليها عدة مصالح في الجزائر، ولذلك سعى الفرنسيون لملاحقته في كل مكان، وقد انتهزوا قضية أخته دليلة (سنتناولها*
لاحقا*) لتشويه* سمعته* وتحطيمه،* لأن* مصلحتها* تقتضي* إبعاد* الرجل* الذي* يدعم* تعامل* الجزائر* مع* الأمريكان*.
بوش* يتنقل* بطائرة* زقار* ونيكسون* وجون* بولس* ومدير* وكالة* المخابرات* الأمريكية*.. من* الأصدقاء* الأوفياء.
وعلى صعيد آخر، كشف لنا الاستاذ حميدي خوجة عن توسع نشاط زقار ليمتد الى مختلف حركات التحرر عبر العالم التي كان يزودها بالأسلحة. وكانت
طبعا القضية الفلسطينية من الاهتمامات الكبرى لمسعود، فكان يدعم منظمة التحرير الفلسطينية ويوفر لها مصادر التمويل والتسليح ويساهم في
نقل معاناة الشعب الفلسطيني وتدويل القضية الفلسطينية ليكون لها صدى في هيآت الأمم المتحدة. فإن بابا الفاتيكان جون بولس الثاني موجهة
الى مسعود زقار شخصيا ويخبره فيها بأنه سيلقي خطابا بمقر الأمم المتحدة لتدويل* قضية* القدس،* وبأنه* سيأخذ* باقتراحاته* في* هذا*
المجال* ويدعوه* الى* لقاء* خاص* بروما* للحديث* في* هذا* الموضوع*.
النفوذ الكبير لمسعود كان بالولايات المتحدة الامريكية أين تعرف على أبرز الشخصيات كالرئيس السابق نيكسون الذي يقنعه مسعود باستقبال
الرئيس هواري بومدين سنة 1974، كما كانت له علاقة مع كاسي المدير السابق لوكالة المخابرات الامريكية وكذا رائد الفضاء فرونك بورمان الذي
يزور الجزائر بدعوة من مسعود ويستقبل من طرف الرئيس هواري بومدين. علاقاته إمتدت أيضا لجورج بوش الأب قبل أن يصل الى الرئاسة، والذي
يصبح فيما بعد نائبا للرئيس رونالد ريغن، ويؤكد لنا جيلاني بأن جورج بوش الأب كان صديقا لمسعود، وكان أثناء حملته الانتخابية يتنقل عبر
الطائرة الخاصة لزڤار، بدليل أن الرئيس السابق الشاذلي بن جديد لما زار الولايات المتحدة الامريكية في عهد الرئيس ريغن إلتقى بجورج بوش
الأب الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس وقال للشاذلي سلم لي على صديقي زڤار.
الرائد مسعود زقار مع وزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة
وبنفس العزيمة يواصل مسعود مسيرته على أكثر من صعيد، لكن في سنة 1978 يمر الرجل بعدة محن، وفي مقدمتها وفاة الرئيس الراحل هواري
بومدين الذي كان بالنسبة إليه أكثر من صديق، ورحيله كان له أثره البليغ على مسعود . وأما المحنة الثانية التي مر بها زڤار في هذا
العام فتتعلق بقضية أخته دليلة التي تزوجت دون علمه برجل فرنسي وفرت الى كندا، وهنا يتحرك مسعود لاستردادها في مغامرة تحدثت عنها آنذاك
معظم الصحف العالمية فتحول هذا الزواج الى قضية دولة.
عائلة البطل زقار مسعود:
نعود هذه المرة إلى عائلة زقار التي يلعب فيها مسعود دور الأب المتكفّل بكل شيء، فحسب ابن أخته وكل أفراد العائلة الذين التقيناهم
بالعلمة وبالجزائر العاصمة فإن أي قرار لا يتخذ إلا بمشورة الأخ الأكبر الذي يتولى أمر إخوته وخاصة البنات الست اللواتي كان يحبهن حبا
شديدا، وكل العائلة فخورة بهذا الأخ الذي يعتبر رمزا يستحق كل التقدير والاحترام. فكل الأخوات يشهدن له بطيبة القلب وعطفه عليهن والجميع
طبعا استفاد من قدرات وممتلكات مسعود الذي فضّل أن يتابع بنفسه التكوين المدرسي لأخواته، فيقوم بنقلهن إلى سويسرا أين كن يتعلمن في
مدارس خاصة مع توفير كل الظروف المادية والمعنوية.
وحسب أخواته، فقد كان يخشى عليهن من التأثر بالحضارة الغربية ويحرص دوما على احتفاظهن بقيمهن الدينية والعربية، ولذلك خصّص لهن أستاذا
يدرّسهن اللغة العربية والتربية الإسلامية وكان يمنعهن من حضور الدروس المتعلقة بالمعتقدات المسيحية، كما كان يشترط على إدارة المدرسة
بأن لا تقدّم لحم الخنزير لإخوته عند تناولهن وجبات الطعام. وعند عودتهن إلى الجزائر ظل دوما هو المتولي لأمرهن في كل شيء إلى أن زوّجهن
جميعا، أقول جميعا إلا واحدة وهي دليلة البنت المدلّلة التي كانت تحظى بعناية* خاصة* من* طرف* مسعود* كونها* آخر* حبة* في* العنقود*.
نحن الآن في سنة 1975، دليلة لا زالت طالبة بجامعة الجزائر وخلال دراستها تتعرّف على شاب يدعى " دونيس ماشينو" فرنسي الجنسية ومسيحي
الديانة كان زميلها في الدراسة لكن هذه الزمالة تتطوّر إلى علاقة عاطفية، ومع مرور الوقت يعلن الإثنان عن نيتهما في الزواج، وطبعا هذه
الفكرة يستحيل أن يقبلها المجاهد الرائد زقار ليس فقط لأن المتقدم "قاوري" أي إفرنجي وأخته مسلمة، بل لأنه أيضا فرنسي ومسيحي والمعلوم
أن الفرنسيين يكنّون عداءا خاصا لمسعود، وبالتالي لم يستبعد أن تكون العملية مدبّرة من طرف المخابرات الفرنسية والهدف منها التجسّس عليه
وعلى صديقه الرئيس هواري بومدين، ولذلك كان رد مسعود بالرفض القطعي الذي لا يحتمل النقاش. ورغم ذلك ظلّت دليلة متمسّكة بالفرنسي وراحت
تخطّط معه لبلوغ هدفهما وأحسن طريقة في نظرهما هي الخروج من الجزائر والذهاب إلى الخارج بعبارة أخرى الهروب من مسعود، لكن أول عائق
يصطدم مع هذه الفكرة هو استحالة السفر دون ترخيص الولي، ولذلك اهتدت البنت إلى فكرة السفر إلى الخارج برضى مسعود، كيف ذلك؟ دليلة
تستعين بصديقة لها تعمل بالمستشفى فتمكّنها من الحصول على شهادات طبية وراديو تدّعي من خلاله بأنها مصابة بسرطان الثدي، وفور عرضها الملف
على مسعود يقدمه بدوره إلى طبيب مختص فيؤكد له الإصابة وفق ما هو موجود في الملف، ودون تردّد يأمر مسعود أخته لتحضّر نفسها للسفر إلى
سويسرا وفي أقل من نصف ساعة كل شيء كان جاهزا بما فيها ترخيص الولي وتذكرة الطائرة وحتى الغرفة حجزت بمستشفى مختص بجنيف.
على* الطريقة* الهوليودية: زقار* يوظّف* رجال* مباحث* أمريكان* للبحث* عن* أخته
سافرت دليلة إذن ويلتحق بها ماشينو وبعد يومين فقط يتوجه الاثنان إلى باريس أين يعقدان القران بطريقة قانونية لكن دون علم أحد. وعندما
يجري مسعود اتصالاته للاطمئنان على أخته تخبره إدارة المستشفى بأنها لم تستبقل أي مريض بالاسم الذي قدّمه، وهنا تبدأ حيرة العائلة ويتنقل
مسعود إلى سويسرا بحثا عن أخته فلا يعثر لها على أثر، ولم يكتشف الحقيقة إلا بعد مرور عدة أسابيع، حيث تبيّن بأن العروسين الجديدين قد
سافرا من باريس إلى كندا وهو ما جعل مسعود ينتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية أين كلّف اثنين من رجال المباحث الخاصة بمهمة العثور على
دليلة في أقرب وقت، لكن الوصول إلى الهدف لم يتم إلا بعد مرور حوالي 10 أشهر، وفي كل الأحوال تمكّن زقار من معرفة مكان دليلة فظل يراقب
تحركاتها بدقة وبكل تريّث، ثم يشرع في تنفيذ خطته وكانت البداية بكراء فيلا بالقرب من الشقة التي كانت تسكنها مع زوجها ماشينو وبعدها
يستدعي مسعود ابنه الذي يتابع دراسته بالولايات المتحدة الأمريكية ويأمره بأن يتصل بدليلة ويتظاهر بأنه التقى بها صدفة باحد شوارع
مونتريال، فيطمئنها ويؤكّد لها بأن مسعود لم يعثر لها على أثر، وأما النقطة الثانية من الخطة فتتمثل في استدعاء كل أفراد العائلة
ويتعلّق الأمر بأبناء مسعود وأمه وباقي إخوته رفقة أزواجهن وأبنائهن والجميع مدعو إلى الإقامة لعدة أيام في فندق فخم بمونتريال، وبعدها
يتّصل ابن مسعود بدليلة ويدعوها إلى زيارة أمها وأخواتها فتلبّي الدعوة بعد أن ضمنت بأنها لن تلتقي مسعود. وعند الالتقاء* بالعائلة* تقوم
إحدى أخواتها بإعطائها كوبا من "التيزانة*" به دواء مخدر فتفقد دليلة الوعي وهنا يبدأ الشطر الثاني من الخطة*.
طائرة* خاصة* مزودة بخزانين* لتنفيذ* الخطة
مسعود يعطي الأمر لتحضير طائرته الخاصة (من نوع d c 8 تابعة لشركة الطيران التي يملكها زقار) ثم يأمر العائلة بالتنقل إلى المطار بعد
أن يتم حمل دليلة (الفاقدة للوعي) على متن كرسي متحرك. الجميع إذن مستعد للسفر، والمدهش هنا أن مسعود كان مصرا على أن تكون الرحلة من*
مونتريال إلى الجزائر مباشرة دون الحاجة إلى النزول في أي بلد آخر للتزود بالوقود، ولهذا الغرض قام بتزويد الطائرة* بخزان إضافي*.
وبعد عدة ساعات من الطيران تحط الطائرة بسلام بمطار الدار البيضاء بالجزائر العاصمة، ومنه كانت الوجهة مباشرة إلى مدينة العلمة،
وبالضبط إلى إقامة مسعود التي تعرف حاليا باسم قصر زقار، ورغم طول الرحلة إلا أن دليلة لازالت في غيبوبتها، وعندما استيقظت كانت دهشتها
كبيرة لما وجدت نفسها بمدينة* العلمة*.
هل انتهت القصة؟ الأمر ليس كذلك، خاصة بالنسبة للفرنسي ماشينو الذي يفقد زوجته فيبحث عنها في كل مكان، لكنه سرعان ما ترتابه شكوك ويبدأ
يشم رائحة مسعود، ولذلك يقرر رفع شكوى لدى الشرطة الكندية مع توكيل محامي يتكفل بالقضية، وفي الوقت الذي انطلقت التحريات تحاول دليلة
غلق الملف بإرسال رسالة إلى محامي ماشينو تخبره فيها بأنها غادرت كندا بمحض إرادتها، لكن هذه الوثيقة لم يكن لها أي تأثير على مسار
القضية، حيث شكك المحامي في صحتها ولم يكن محتواها مقنعا في نظره، وعليه فإن التحقيق يبقى متواصلا، وبعد حوالي شهر الشرطة الكندية*
تتوصل إلى نتيجة* واحدة لا ثاني لها: السيدة ماشينو اختطفت من طرف أخيها مسعود زقار وأرغمت على مغادرة كندا*.
هواري بومدين في* قلب* العاصفة
وهنا انفجرت القضية وأخذت أبعادا لم يتوقعها أحد، وكانت البداية بالصحافة الكندية التي نشرت الخبر لتستغله فيما بعد الصحافة الفرنسية
التي ملأت الدنيا صخبا، فتحدثت بإسهاب عن هذه القضية ولم تدخر أي عبارة انتقاد إلا ووظفتها ضد زڤار، ونفس الشيء نشرته الصحف العالمية
بما فيها جريدة "لوموند" وكتب عنها الصحفي الشهير بول بالطا، وهنا نأخذ فاصلا ونقتطف فقرة مما نشره محيي الدين عميمور ذات مرة حيث يلمح
للقضية ويقول: (... ويتعرض رشيد "أي مسعود زڤار" لأزمة عائلية شخصية لا أرى داعيا للتوقف عندها وتمكنت من إيقاف كل خبر عنها في الصحافة
الجزائرية وفي "لوموند" انجيل الطبقة الحاكمة ووعدت "بول بالطا" بأن المعني سيتصل به مباشرة لتوضيح الأمر، ولم يحدث ذلك رغم أنني طلبته
منه مباشرة، فنشر الخبر بالطبع، ولكن بعد أسبوع من قضية الطائرة. وهناك بدا لي أن الفتور ترك مكانه لنوع من العداء لم أعرف السبب
الحقيقي له إلا بعد ذلك بسنوات عندما عرفت أن رفيقا قال لرشيد كازا الإسم الحربي لمسعود زقار إنني أنا الذي سربت أنباء الفضيحة لصحيفة
"لوموند" وهو افتراء، لأن مصدر الصحيفة كان كنديا" انتهى كلام عميمور وانتهى الفاصل.
حملة* فرنسية* ضد* الزعيم
تحركات* دبلوماسية* ومظاهرات* في* الشوارع* الكندية* والأوروبية
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ ظلت الأمور في تفاقم مستمر، حيث وهذه المرة يتحرك الشارع الكندي والأوروبي فتقوم العديد من الجمعيات
والمنظمات النسوية بتنظيم مظاهرات في كندا وفي أكثر من دولة أوروبية يتم من خلالها التنديد بعملية الاختطاف والتعبير عن التضامن الكبير
مع* ماشينو*.
وحسب محدثنا جيلاني صغير (أمين سر زقار) الأمور إنفلتت كالسيل، ولم يكن أحد يتوقع أن تصل إلى هذا الحد، حيث بدأت الضغوطات تتهاطل على
الجزائر، وبتاريخ 28 جوان 1978 يتلقى الرئيس هواري بومدين رسالة من شخصيات فرنسية من بينها ليونيل جوسبان وجون بول سارتر ينددون فيها*
بعملية* الاختطاف* ويطلبون من هواري بومدين* أن* يتدخل على الفور للضغط على زقار حتى يسمح لدليلة بالعودة إلى زوجها ماشينو*.
وأما فيما يخص السلطات الكندية فرد الفعل الرسمي جاء من طرف الوزير الأول الذي يحتج علنيا على حادثة الاختطاف للسيدة ماشينو، ومن جهته
سفير كندا بالجزائر يتصل بوزارة الخارجية الجزائرية ويطالب بضرورة اتخاذ الإجراءات الضرورية حتى تتمكن السيدة ماشينو من الالتحاق
بزوجها. كندا تواصل دوما مساعيها الدبلوماسية، وهذه المرة نائب كاتب الدولة المكلف بالعلاقات الخارجية يزور الجزائر ويستقبل من طرف
وزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة الذي يجيب ضيفه بلغة المسؤول ويقول له بأن هذه القضية عائلية والدولة الجزائرية لا تتدخل فيها،
ويؤكد له بأن السلطات الجزائرية لا تمانع على تنقل دليلة إلى كندا للإعلان عن موقفها أو على الأقل يتم تنصيب لجنة تحقق مع دليلة وتستمع
لرأيها مباشرة. وبعد هذا التصريح دليلة تلتقي بموظف كندي بالجزائر العاصمة وتؤكد له بأنها لا ترغب في العودة إلى كندا وتفضل البقاء في*
بلدها* الجزائر*.
القضية تهدأ بعض الوقت، لكنها تشتعل من جديد بعدما تتلقى السلطات الكندية رسالة ممضية من طرف دليلة تقول فيها بأنها أرغمت على البقاء
بالجزائر، وبأنها ترغب في العودة إلى زوجها بكندا، الرسالة تنشر من طرف الصحافة الكندية، وينفجر الوضع مرة أخرى، وتعود المظاهرات إلى
الشارع، وتستأنف الصحافة الفرنسية حملتها ضد زقار وحينها تقوم دليلة بنشر تكذيب تتبرأ فيه من الرسالة التي يتبين بأنها مزورة وليس لها
أي أساس من الصحة، ولحد الساعة ظلت الجهة التي بعثت بهذه الرسالة مجهولة.
نحن الآن في شهر أوت من سنة 1978 العاصفة هدأت، وبعد الاستقرار التام تسافر دليلة إلى كندا ويحدث الطلاق بينهما بالتراضي بشهادة ضباط
جزائريين فتغادر دليلة مونتريال وتعود إلى الجزائر، وهذه المرة دون إحداث أي ضجة، فتتزوج الأخت من رجل* جزائري* وتستقر* بالجزائر*
العاصمة التي لازالت تعيش بها الى يومنا هذا وأنجبت معه أولاد.
ويؤكد لنا أفراد العائلة الذين التقيناهم بأن هذه الحادثة لو وقعت لشخص آخر لانهار من الساعات الأولى، لكن مسعود ظل صامدا ولم يتزعزع
وكان قانعا من أن تصرفه هذا ينبع من تركيبة الشخصية الجزائرية المسلمة التي تتميز بالنخوة والأصالة والشرف، فلم يهضم أن تتزوج أخته
برجل مسيحي، لأن الشريعة الإسلامية تحرم ذلك، وحتى العرف الجزائري كان يستنكر الزواج بما يسميه بـ "الڤاوري" أي الإفرنجي وهو الأمر الذي
تفهمه أصدقاء مسعود وكل السياسيين الجزائريين بمن فيها الرئيس الراحل هواري بومدين ووزير الخارجية آنذاك السيد عبد العزيز بوتفليقة
الذي لازالت* عائلته* تربطها* إلى* يومنا* هذا* علاقة* صداقة* ومحبة* مع* عائلة* زقار*.
من جهة أخرى، فإن مسعود كيّف القضية على أساس أنها مؤامرة مدبرة ضده من طرف الفرنسيين، فلم يكن يتوقع من هذا الزوج الفرنسي سوى عمل
واحد هوالتجسس عليه الذي يعني في نفس الوقت التجسس على هواري بومدين، وهذا تحليل منطقي، لأن فرنسا كانت تكن عداءً كبيرا لزقار الذي ضيع
لها مصالح كبرى في الجزائر وفي مقدمتها المحروقات المؤممة سنة 1971، وهو ما يفسر أيضا التهويل الإعلامي الفرنسي* والعالمي لقضية أخته
التي انفجرت بتحريض من مصالح المخابرات الفرنسية.
وأما فيما يخص الرئيس الراحل هواري بومدين فقد كان لهذه الحادثة أثرها البليغ على شخصه كمسؤول أول عن الدولة، خاصة بعد الضغوطات
السياسية والإعلامية التي استهدفته والتي صمد أمامها وكان حكيما في التصرف ورفض تسليم زقار للعدالة الكندية، حيث تفهم التحرك الذي قام
به* مسعود* حتى* وإن* كان في نظر الغرب* اعتداء على* حقوق المرأة. ويكفي أن يكون* الواحد جزائريا ليتفهم هذا التصرف النابع* من*
أصالة* العقلية* الجزائرية*الحريصة على* جذورها الدينية والعرفية.
لازلنا في صيف 1978 المرض بدأ يفتك بجسم الرئيس هواري بومدين فينقل إلى الاتحاد السوفياتي بغرض العلاج، وبعد العودة يخضع للرعاية الطبية
الفائقة بمستشفى مصطفى باشا، لكن إرادة الله شاءت أن تصعد روح الرئيس بتاريخ 27 ديسمبر 1978 فيفقد زقار أعز صديق عايش معه مرحلة حافلة
بالأحداث، عقب وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين وصعود الشاذلي بن جديد الى الحكم كان على الجزائر أن تنتقل من مرحلة إلى أخرى، فبعد
المؤتمر الرابع لحزب جبهة التحرير الوطني الذي انعقد في جانفي من سنة 1979 يقدم زقار استقالته .
كل الشهادات لصالح رشيد* كازا: زڤار قدم* خدمات جليلة* للوطن
وبحكم موقعه و مواقفه وحبه الكبير لهواري بومدين ومعرفته بكثير من أسرار الثورة التي كان يجهلها بعض السياسين كأحمد بن بلة حاكموه
عسكريا وبداخل المحكمة العسكرية لما كان مسعود يتحدث داخل القاعة، الكل كان يرهف السمع للاستفادة من حقائق لم يكن يعرفها أحد وأضحى
الرجل يصحح المعلومات التي يدلي بها ضباط الأمن العسكري. ولما جاء دور الشهود، كانت كل التدخلات لصالح رشيد كازا، فأكد الجميع أقوال
زقار، ولم يتردد البعض في وصفه بأحد صانعي القرار في الجزائر، ومن بين الشهادات التي لفتت الانتباه كانت شهادة قاصدي مرباح، مدير الأمن
العسكري في عهد الرئيس الراحل، حيث قال: "إن بومدين لم يكن له أصدقاء إلا صديق واحد هو مسعود زقار، وقد كان بومدين يكلفه بمهام
بالولايات المتحدة الأمريكية وبالمغرب وهذا في الوقت الذي كانت العلاقة مع هذين البلدين مقطوعة". وأما سليمان هوفمان، الرئيس السابق
للديوان بوزارة الدفاع، فقد كانت شهادته مثيرة، ولما تقدم إلى العارضة استدار ناحية زقار و قدم له التحية العسكرية، وقال لرئيس الجلسة
"اسمحوا لي سيدي الرئيس أن أحيي السلطة الرابعة في البلاد (يقصد زقار)، وقد جاء في تصريحه بأن السلطة كانت تمارس من طرف أشخاص هم عبارة
عن مؤسسات... وزقار قدم خدمات جليلة لبلاده. شاهد آخر هو عبد المجيد أوشيش الوزير السابق للسكن، يقول أن زقار أعلن التزامه بقضايا شعبه
منذ نعومة أظافره في وقت لم يكن هذا الاختيار مألوفا ولا سهلا. وأن زقار لم يكن يخلط بين نشاطاته العمومية والخاصة، بدليل انه لم يتبوأ
مناصب رسمية بعد الاستقلال. وأما المجاهد عبد الله شنقريحة، وهو من رجال المالية في مصالح الأمن إبان الثورة، فيقول بأن مشاريع زقار بالخارج
كانت غطاء لبعض المعاملات المالية الأمنية لفائدة حركات تحرير عربية وافريقية. وفي شهادة أخرى يقول الدكتور محمد أمير، الأمين العام
السابق لرئاسة الجمهورية في عهد بومدين، بأن زقار قدم خدمات كبيرة للبلاد، ولما سئل أمير من طرف القاضي إن كان زقار يزور بومدين بمقر
الرئاسة، أجاب أمير: لا،* سيادة الرئيس، بل إن بومدين* هو* الذي* كان يزور زقار في بيته الكائن بالأبيار وكان يجلس معه لساعات طويلة*.
وحتى محي الدين عميمور الذي كانت بينه وبين زقار خلافات، إلا أن شهادته كانت لصالح الزعيم، ولما سئل عن تهمة الخيانة الموجهة للمتهم،
انتفض غاضبا وقال: "الرجل مجاهد ولم اعرف عنه سوى صفة المجاهدين"، و نفس الشيء لما سئل إن كان مسعود يقبض عمولات من الأمريكان، فكان*
رد* عميمور* بالنفي،* والأكثر* من ذلك قال بأن زقارهو الذي كان يقدم الهدايا للأمريكيين وليس العكس*.
البراءة* للزعيم* ورحيل* في* صمت
كل الشهادات إذن كانت في صالح زقار، وكل التهم المعلن عنها سقطت كأوراق الخريف ولم يكن هناك أي دليل يدين الرجل الرائد المجاهد، ولذلك
أصدرت المحكمة بتاريخ 4 أكتوبر 1985 حكما ببراءة مسعود زقار وبالرغم من الأذى المعنوي الذي لحق به لم يفكر إطلاقا في الانتقام من الجهات
التي حاولت إسقاطه، ليستأنف بعدها حياته العادية، ويشاء القدر أن يفارق الحياة بتاريخ 21 نوفمبر 1987 وكان ذلك بالفندق الذي يملكه
بالعاصمة الإسبانية مدريد، أين كان جالسا رفقة العائلة، ولما صعد إلى غرفته سقط فجأة مغشيا عليه ولم يستيقظ بعدها أبدا، وحسب أخته فإن
وفاته كانت صدمة كبيرة ومفاجأة غير منتظرة، لأن مسعود لم يكن مصابا بأي مرض.
ودفن الرائد مسعود زفار أورشيد كازا بمدينته سطيف بمقبرة العلمة وحضر جنازته حشد كبير وغفير من المواطنين وضباط ساميين من الجيش
وإطارات في هرم السلطة و كثيرا من أبناء سطيف والعلمة وهي المنطقة التي تكن له احتراما كبيرا وتعترف بخدماته الجليلة التي قدمها للوطن
وللمدينة التي رفع من شأنها في أكثر من مقام، والجميع يذكر بأن الزعيم زقار كان وراء فتح المنطقة الصناعية بالعلمة لتكون مقرا للمؤسسة
الوطنية لأجهزة القياس والمراقبة (amc) ومؤسسة تريفيسود (sns) سابقا، مما يعني أن زقار كان وراء تشغيل آلاف العمال بالعلمة، ولازال
الجميع يذكرونه أيضا من خلال المسجد الفاخر الذي بناه بالمدينة. وإذا كانت السلطات المحلية قد بادرت بإطلاق تسمية مسعود زقار على الملعب
المعشوشب طبيعيا بالعلمة وأقامت له معلما تاريخيا بالمدخل الشرقي للمدينة، فإن أخته دليلة التي تحدثنا معها تقول بأن مسعود اكبر من أن
يطلق اسمه على ملعب أو معلم تذكاري وكان الأجدر أن نجد اسمه منقوشا على مقام أعظم.
وخير ما ختمت به محدثتنا قولها: "لو مازال مسعود حيا لكانت الجزائر أحسن* مما* هي* عليه* الآن،* ولو* كان* رشيد* كازا* على* قيد*
الحياة ما شهد العالم حربا كحرب الخليج*".
رحم* الله*الزعيم مسعودزقار.. لقد كان رجلا عظيما*. انته