ان أسباب ظاهرة الدروس الخصوصية عديدة ومتشعبة سأحاول ذكر الأهم:
أولا: اذا رجعنا الى العشريات الثلاثة بعد الاستقلال ( 60-70-80) نجد ان البرامج كانت مدروسة , بحيث عندما ينتقل التلميذ من الابتدائي الى المتوسط كان يعرف يقرأ , يكتب و يحسب (بدون آلة حاسبة) هذه الكفاءات تساعده في مرحلة المتوسط على استيعاب محتوى برامج المتوسط حيث كان الحجم الساعي ملائما مما يسمح للتلميذ بالقيام ببعض الاعمال المنزلية. في نهاية مرحلة المتوسط كان انتقال التلميذ الي الثانوي يعتمد على نتائجه السنوية وليس على نتيجة شهادة (BEM) التي كانت اختيارية. في الثانوي كان التلميذ يوجه مباشرة الى الشعبة المناسبة لقدراته (حسب نتائجه في المتوسط)، وكانت لكل شعبة مميزاتها، كان امتحان البكالوريا يشمل المواد الأساسية لكل شعبة على العموم. فكانت تسود منافسة عالية بين تلاميذ نفس الشعبة وكان للتلميذ ثقة في نفسه حيث كان يعمل في منزله أكثر من العمل في القسم رغم قلة الوسائل مقارنة مع الوقت الحالي. فكان التلميذ المعرب يقتني الحوليات للرياضيات و الفيزياء و العلوم بالفرنسية ( (les ABC , Bordas , Vuibert…etc. ولم يكن يحس أنه يحتاج الى دروس خصوصية رغم شبه انعدامها آنذاك فالدراسة كانت متعة وتحدي بالنسبة للتلميذ. في أوساط الثمانينات والتسعينات ظهرت المدرسة الأساسية حيث ثقلت البرامج في الابتدائي والمتوسط وازدادت الكتب المدرسية بزيادة المواد وأرهق التلميذ بمواد لا فائدة منها في تلك المراحل التعليمية فزاد الحجم الساعي الأسبوعي للتلميذ وكأنه أصبح عاملا وكثرت واجباته المنزلية ونسينا أنه طفلا يحتاج الى الراحة واللعب كل يوم. فلجا الطفل الى ابسط طريقة وهي الاعتماد على الحفظ وعلى الآلة الحاسبة في الرياضيات التي تجمد العقل، وبدأت تظهر الدروس الخصوصية مع بداية تدني المستوى المعيشي للأستاذ. ونتائج مرحلة الأساسي تعرفونها جيدا: تدني المستوى اللغوي للتلميذ بحيث لا يستطيع حتى أن يملأ استمارة ويكتب طلبا خطيا ...الخ وبدأت تظهر عقلية " الدعم " في المجتمع الجزائري
أما الإصلاحات اهذه الألفية فهي تدخل في نطاق العولمة. فبرامج هذه الإصلاحات ليس الهدف منها تكوين تلاميذ اذكياء (نابغة) بل تكوين شباب قادر تشغيل آلة، استعمال جهاز لإيجاد (la formation d’operateurs) حسب سوق العمل وهذه الإصلاحات الأخيرة اصطدمت بواقع مر في مجتمعنا: ظهور الرشوة – الغش – المعرفة ...الخ والمدرسة ليست منفصلة عن المجتمع فبدا الضمير المهني ينعدم عند البعض وفقد التلميذ الثقة في نفسه وفي أساتذته. يريد التلميذ ان ينجح لكن لا يريد أن يضحي. لا يريد أن يفهم بل يريد النتيجة. وانكسر الحاجز بين الأستاذ والتلميذ وأصبحت بينهما علاقة مالية بعدما كانت علاقة تربية وعلم. كيف يستطيع أستاذ أن يقول لتلميذ أعطيني اجرة مقابل دروس هذه حقا جرأة لم نعتدها من قبل لكن في نفس الوقت هي تدحرج لقيمة الأستاذ في المجتمع. وبدأ المجتمع ينظر الى الأستاذ على انه انسان انتهازي ويستغل التلاميذ بحيث يقايضهم النجاح مقابل المال. كم من أستاذ سمعناه يلعن في هذه المهنة وتجدهم الأوائل عند شبابيك البريد وكثر الحديث عن الأجرة والمردودية في المنتديات عند بداية كل شهر. ان سلوكيات بعض الأساتذة تؤثر على كل الأساتذة. لم أنسى أبدا رد أستاذ رياضيات لتلميذة قسم نهائي جاءت تطلب العون " حكيهم تربحي ". التلميذ ضحية: نعم ضحية برامج مثقلة وغير جذابة وضحية عقلية الدعم وسو سيال. انظروا الى تلاميذكم في الجامعة معظمهم تائهون. لم نحضر تلاميذنا للجامعة بل للبكالوريا وفقط.
أبواب الخير للأستاذ متعددة وهي كلها تعتبر صدقات جارية وأنتم تعرفونها حتما..............................