وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ
103 النحل
*أضغط هنا لعرض كامل السورة
اسباب النزول - أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي
قوله تعالى: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ...} الآية [103].
أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم المُزكيِّ، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمدان الزاهد، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، قال: حدَّثنا أبو هشام الرِّفاعي، قال: حدثنا ابن فضيل، قال: حدثنا حُصَين عن عبد الله بن مسلم، قال: كان لنا غلامان نصرانيان من أهل عين التمر، اسم أحدهما: يَسارٌ، والآخر جَبر، وكانا [صَيْقَلَيْن] يقرآن كتباً لهما بلسانهما، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بهما فيسمع قراءتهما، فكان المشركون يقولون: يتعلم منهما. فأنزل الله تعالى فأكذبهم: { لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} .
تفسير بن كثير
يقول تعالى مخبراً عن المشركين ما كانوا يقولونه من الكذب والافتراء والبهت أن محمداً إنما يعلمه هذا الذي يتلوه علينا من القرآن بشر، ويشيرون إلى رجل أعجمي كان بين أظهرهم، غلام لبعض بطون قريش، وكان بياعاً يبيع عند الصفا، وربما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء، وذاك كان أعجمي اللسان لا يعرف العربية، فلهذا قال اللّه تعالى رادًّا عليهم في افترائهم ذلك: { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} أي القرآن، أي فكيف يتعلم من جاء بهذا القرآن في فصاحته وبلاغته ومعانيه التامة الشاملة التي هي أكمل من معاني كل كتاب نزل على بني إسرائيل، كيف يتعلم من رجل أعجمي؟ لا يقول هذا من له أدنى مسكة من العقل. قال محمد بن إسحاق: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - فيما بلغني - كثيراً ما يجلس عند المروة إلى غلام نصراني يقال له جبر عبد لبعض بني الحضرمي، فأنزل اللّه: { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} . وعن عكرمة وقتادة كان اسمه يعيش ، وقال ابن جرير، عن ابن عباس قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعلم قيناً بمكة، وكان اسمه بلعام، وكان أعجمي اللسان، وكان المشركون يرون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده، فقالوا: إنما يعلمه بلعام، فأنزل اللّه هذه الآية: { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} .
تفسير الجلالين
{ ولقد } للتحقيق { نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه } القرآن { بشر } وهو قين نصراني كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل عليه قال تعالى { لسان } لغة { الذي يلحدون } يميلون { إليه } أنه يعلمه { أعجمي وهذا } القرآن { لسان عربي مبين } ذو بيان وفصاحة فكيف يعلمه أعجمي .
تفسير الطبري
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ جَهْلًا مِنْهُمْ : إِنَّمَا يُعَلِّم مُحَمَّدًا هَذَا الَّذِي يَتْلُوهُ بَشَر مِنْ بَنِي آدَم , وَمَا هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه . يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره مُكَذِّبهمْ فِي قِيلهمْ ذَلِكَ : أَلَا تَعْلَمُونَ كَذِب مَا تَقُولُونَ ؟ إِنَّ لِسَان الَّذِي تُلْحِدُونَ إِلَيْهِ , يَقُول : تَمِيلُونَ إِلَيْهِ . بِأَنَّهُ يُعَلِّم مُحَمَّدًا , أَعْجَمِيّ . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ فِيمَا ذُكِرَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ الَّذِي يُعَلِّم مُحَمَّدًا هَذَا الْقُرْآن عَبْد رُومِيّ , فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } يَقُول : وَهَذَا الْقُرْآن لِسَان عَرَبِيّ مُبِين . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى اِخْتِلَاف مِنْهُمْ فِي اِسْم الَّذِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يُعَلِّم مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْقُرْآن مِنْ الْبَشَر , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ اِسْمه بَلْعَام , وَكَانَ قَيْنًا بِمَكَّة نَصْرَانِيًّا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16552 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان , عَنْ مُسْلِم بْن عَبْد اللَّه الْمُلَائِيّ , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّم قَيْنًا بِمَكَّة , وَكَانَ أَعْجَمِيّ اللِّسَان , وَكَانَ اِسْمه بَلْعَام , فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَرَوْنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين يَدْخُل عَلَيْهِ وَحِين يَخْرُج مِنْ عِنْده , فَقَالُوا : إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَلْعَام ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } وَقَالَ آخَرُونَ : اِسْمه يَعِيش . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16553 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يُقْرِئ غُلَامًا لِبَنِي الْمُغِيرَة أَعْجَمِيًّا - قَالَ سُفْيَان : أَرَاهُ يُقَال لَهُ : يَعِيش - قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } 16554 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر } وَقَدْ قَالَتْ قُرَيْش : إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر , عَبْد لِبَنِي الْحَضْرَمِيّ يُقَال لَهُ يَعِيش , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } وَكَانَ يَعِيش يَقْرَأ الْكُتُب . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ اِسْمه جَبْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16555 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي كَثِيرًا مَا يَجْلِس عِنْد الْمَرْوَة إِلَى غُلَام نَصْرَانِيّ يُقَال لَهُ جَبْر , عَبْد لِبَنِي بَيَاضَة الْحَضْرَمِيّ , فَكَانُوا يَقُولُونَ : وَاَللَّه مَا يُعَلِّم مُحَمَّدًا كَثِيرًا مِمَّا يَأْتِي بِهِ إِلَّا جَبْر النَّصْرَانِيّ غُلَام الْحَضْرَمِيّ ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِي قَوْلهمْ : { وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } 16556 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : كَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّمَا يُعَلِّمهُ نَصْرَانِيّ عَلَى الْمَرْوَة , وَيُعَلِّم مُحَمَّدًا رُومِيّ يَقُولُونَ اِسْمه جَبْر وَكَانَ صَاحِب كُتُب عَبْد لِابْنِ الْحَضْرَمِيّ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ } قَالَ : وَهَذَا قَوْل قُرَيْش إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ اللَّه أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَا غُلَامَيْنِ اِسْم أَحَدهمَا يَسَار وَالْآخَر جَبْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16557 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم الْحَضْرَمِيّ : أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ عَبْدَانِ مِنْ أَهْل عِير الْيَمَن , وَكَانَا طِفْلَيْنِ , وَكَانَ يُقَال لِأَحَدِهِمَا يَسَار وَالْآخَر جَبْر , فَكَانَا يَقْرَآنِ التَّوْرَاة , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبَّمَا جَلَسَ إِلَيْهِمَا , فَقَالَ كُفَّار قُرَيْش : إِنَّمَا يَجْلِس إِلَيْهِمَا يَتَعَلَّم مِنْهُمَا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مَعْن بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم الْحَضْرَمِيّ , نَحْوه . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم , قَالَ : كَانَ لَنَا غُلَامَانِ فَكَانَ يَقْرَآنِ كِتَابًا لَهُمَا بِلِسَانِهِمَا , فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُرّ عَلَيْهِمَا , فَيَقُوم يَسْتَمِع مِنْهُمَا , فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : يَتَعَلَّم مِنْهُمَا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى مَا كَذَّبَهُمْ بِهِ , فَقَالَ : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ اللَّه أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ ذَلِكَ سَلْمَان الْفَارِسِيّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16558 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ اللَّه أَعْجَمِيّ } كَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّمَا يُعَلِّمهُ سَلْمَان الْفَارِسِيّ . 16559 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر } قَالَ : قَوْل كُفَّار قُرَيْش : إِنَّمَا يُعَلِّم مُحَمَّدًا عَبْد اِبْن الْحَضْرَمِيّ , وَهُوَ صَاحِب كِتَاب , يَقُول اللَّه : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ رَجُل كَاتِب لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِرْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16560 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن الْمُسَيَّب : أَنَّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّه إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر إِنَّمَا اُفْتُتِنَ إِنَّهُ كَانَ يَكْتُب الْوَحْي , فَكَانَ يُمْلِي عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سَمِيع عَلِيم " أَوْ " عَزِيز حَكِيم " وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ خَوَاتِم الْآي , ثُمَّ يَشْتَغِل عَنْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْوَحْي , فَيَسْتَفْهِم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَقُول : أَعَزِيز حَكِيم , أَوْ سَمِيع عَلِيم , أَوْ عَزِيز عَلِيم ؟ فَيَقُول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيّ ذَلِكَ كَتَبْت فَهُوَ كَذَلِكَ " . فَفَتَنَهُ ذَلِكَ , فَقَالَ : إِنَّ مُحَمَّدًا يَكِل ذَلِكَ إِلَيَّ , فَأَكْتُب مَا شِئْت . وَهُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي سَعِيد بْن الْمُسَيَّب مِنْ الْحُرُوف السَّبْعَة . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { يُلْحِدُونَ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ } بِضَمِّ الْيَاء مِنْ أَلْحَدَ يُلْحِد إِلْحَادًا , بِمَعْنَى يَعْتَرِضُونَ وَيَعْدِلُونَ إِلَيْهِ وَيَعْرُجُونَ إِلَيْهِ ; مِنْ قَوْل الشَّاعِر : قَدْنِيَ مِنْ نَصْر الْخُبَيْبَيْنِ قَدِي لَيْسَ أَمِيرِي بِالشَّحِيحِ الْمُلْحِد وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : " لِسَان الَّذِي يَلْحِدُونَ إِلَيْهِ " بِفَتْحِ الْيَاء , يَعْنِي : يَمِيلُونَ إِلَيْهِ , مِنْ لَحَدَ فُلَان إِلَى هَذَا الْأَمْر يَلْحِد لَحْدًا وَلُحُودًا . وَهُمَا عِنْدِي لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب فِيهِمَا الصَّوَاب . وَقِيلَ : { وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } يَعْنِي : الْقُرْآن كَمَا تَقُول الْعَرَب لِقَصِيدَةِ مِنْ الشِّعْر يَعْرِضهَا الشَّاعِر : هَذَا لِسَان فُلَان , تُرِيد قَصِيدَته ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : لِسَان السُّوء تُهْدِيهَا إِلَيْنَا وَحِنْت وَمَا حَسِبْتُك أَنْ تَحِينَا يَعْنِي بِاللِّسَانِ الْقَصِيدَة وَالْكَلِمَة . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ جَهْلًا مِنْهُمْ : إِنَّمَا يُعَلِّم مُحَمَّدًا هَذَا الَّذِي يَتْلُوهُ بَشَر مِنْ بَنِي آدَم , وَمَا هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه . يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره مُكَذِّبهمْ فِي قِيلهمْ ذَلِكَ : أَلَا تَعْلَمُونَ كَذِب مَا تَقُولُونَ ؟ إِنَّ لِسَان الَّذِي تُلْحِدُونَ إِلَيْهِ , يَقُول : تَمِيلُونَ إِلَيْهِ . بِأَنَّهُ يُعَلِّم مُحَمَّدًا , أَعْجَمِيّ . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ فِيمَا ذُكِرَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ الَّذِي يُعَلِّم مُحَمَّدًا هَذَا الْقُرْآن عَبْد رُومِيّ , فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } يَقُول : وَهَذَا الْقُرْآن لِسَان عَرَبِيّ مُبِين . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى اِخْتِلَاف مِنْهُمْ فِي اِسْم الَّذِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يُعَلِّم مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْقُرْآن مِنْ الْبَشَر , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ اِسْمه بَلْعَام , وَكَانَ قَيْنًا بِمَكَّة نَصْرَانِيًّا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16552 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان , عَنْ مُسْلِم بْن عَبْد اللَّه الْمُلَائِيّ , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّم قَيْنًا بِمَكَّة , وَكَانَ أَعْجَمِيّ اللِّسَان , وَكَانَ اِسْمه بَلْعَام , فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَرَوْنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين يَدْخُل عَلَيْهِ وَحِين يَخْرُج مِنْ عِنْده , فَقَالُوا : إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَلْعَام ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } وَقَالَ آخَرُونَ : اِسْمه يَعِيش . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16553 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يُقْرِئ غُلَامًا لِبَنِي الْمُغِيرَة أَعْجَمِيًّا - قَالَ سُفْيَان : أَرَاهُ يُقَال لَهُ : يَعِيش - قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } 16554 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر } وَقَدْ قَالَتْ قُرَيْش : إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر , عَبْد لِبَنِي الْحَضْرَمِيّ يُقَال لَهُ يَعِيش , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } وَكَانَ يَعِيش يَقْرَأ الْكُتُب . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ اِسْمه جَبْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16555 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي كَثِيرًا مَا يَجْلِس عِنْد الْمَرْوَة إِلَى غُلَام نَصْرَانِيّ يُقَال لَهُ جَبْر , عَبْد لِبَنِي بَيَاضَة الْحَضْرَمِيّ , فَكَانُوا يَقُولُونَ : وَاَللَّه مَا يُعَلِّم مُحَمَّدًا كَثِيرًا مِمَّا يَأْتِي بِهِ إِلَّا جَبْر النَّصْرَانِيّ غُلَام الْحَضْرَمِيّ ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِي قَوْلهمْ : { وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } 16556 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : كَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّمَا يُعَلِّمهُ نَصْرَانِيّ عَلَى الْمَرْوَة , وَيُعَلِّم مُحَمَّدًا رُومِيّ يَقُولُونَ اِسْمه جَبْر وَكَانَ صَاحِب كُتُب عَبْد لِابْنِ الْحَضْرَمِيّ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ } قَالَ : وَهَذَا قَوْل قُرَيْش إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ اللَّه أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَا غُلَامَيْنِ اِسْم أَحَدهمَا يَسَار وَالْآخَر جَبْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16557 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم الْحَضْرَمِيّ : أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ عَبْدَانِ مِنْ أَهْل عِير الْيَمَن , وَكَانَا طِفْلَيْنِ , وَكَانَ يُقَال لِأَحَدِهِمَا يَسَار وَالْآخَر جَبْر , فَكَانَا يَقْرَآنِ التَّوْرَاة , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبَّمَا جَلَسَ إِلَيْهِمَا , فَقَالَ كُفَّار قُرَيْش : إِنَّمَا يَجْلِس إِلَيْهِمَا يَتَعَلَّم مِنْهُمَا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مَعْن بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم الْحَضْرَمِيّ , نَحْوه . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم , قَالَ : كَانَ لَنَا غُلَامَانِ فَكَانَ يَقْرَآنِ كِتَابًا لَهُمَا بِلِسَانِهِمَا , فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُرّ عَلَيْهِمَا , فَيَقُوم يَسْتَمِع مِنْهُمَا , فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : يَتَعَلَّم مِنْهُمَا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى مَا كَذَّبَهُمْ بِهِ , فَقَالَ : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ اللَّه أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ ذَلِكَ سَلْمَان الْفَارِسِيّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16558 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ اللَّه أَعْجَمِيّ } كَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّمَا يُعَلِّمهُ سَلْمَان الْفَارِسِيّ . 16559 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر } قَالَ : قَوْل كُفَّار قُرَيْش : إِنَّمَا يُعَلِّم مُحَمَّدًا عَبْد اِبْن الْحَضْرَمِيّ , وَهُوَ صَاحِب كِتَاب , يَقُول اللَّه : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ رَجُل كَاتِب لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِرْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16560 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن الْمُسَيَّب : أَنَّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّه إِنَّمَا يُعَلِّمهُ بَشَر إِنَّمَا اُفْتُتِنَ إِنَّهُ كَانَ يَكْتُب الْوَحْي , فَكَانَ يُمْلِي عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سَمِيع عَلِيم " أَوْ " عَزِيز حَكِيم " وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ خَوَاتِم الْآي , ثُمَّ يَشْتَغِل عَنْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْوَحْي , فَيَسْتَفْهِم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَقُول : أَعَزِيز حَكِيم , أَوْ سَمِيع عَلِيم , أَوْ عَزِيز عَلِيم ؟ فَيَقُول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيّ ذَلِكَ كَتَبْت فَهُوَ كَذَلِكَ " . فَفَتَنَهُ ذَلِكَ , فَقَالَ : إِنَّ مُحَمَّدًا يَكِل ذَلِكَ إِلَيَّ , فَأَكْتُب مَا شِئْت . وَهُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي سَعِيد بْن الْمُسَيَّب مِنْ الْحُرُوف السَّبْعَة . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { يُلْحِدُونَ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { لِسَان الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ } بِضَمِّ الْيَاء مِنْ أَلْحَدَ يُلْحِد إِلْحَادًا , بِمَعْنَى يَعْتَرِضُونَ وَيَعْدِلُونَ إِلَيْهِ وَيَعْرُجُونَ إِلَيْهِ ; مِنْ قَوْل الشَّاعِر : قَدْنِيَ مِنْ نَصْر الْخُبَيْبَيْنِ قَدِي لَيْسَ أَمِيرِي بِالشَّحِيحِ الْمُلْحِد وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : " لِسَان الَّذِي يَلْحِدُونَ إِلَيْهِ " بِفَتْحِ الْيَاء , يَعْنِي : يَمِيلُونَ إِلَيْهِ , مِنْ لَحَدَ فُلَان إِلَى هَذَا الْأَمْر يَلْحِد لَحْدًا وَلُحُودًا . وَهُمَا عِنْدِي لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب فِيهِمَا الصَّوَاب . وَقِيلَ : { وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبِين } يَعْنِي : الْقُرْآن كَمَا تَقُول الْعَرَب لِقَصِيدَةِ مِنْ الشِّعْر يَعْرِضهَا الشَّاعِر : هَذَا لِسَان فُلَان , تُرِيد قَصِيدَته ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : لِسَان السُّوء تُهْدِيهَا إِلَيْنَا وَحِنْت وَمَا حَسِبْتُك أَنْ تَحِينَا يَعْنِي بِاللِّسَانِ الْقَصِيدَة وَالْكَلِمَة .'
تفسير القرطبي
قوله تعالى { ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر} اختلف في اسم هذا الذي قالوا إنما يعلمه؛ فقيل : هو غلام الفاكه بن المغيرة واسمه جبر، كان نصرانيا فأسلم؛ وكانوا إذا سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم ما مضى وما هو آت مع أنه أمي لم يقرأ قالوا : إنما يعلمه جبر وهو أعجمي؛ فقال الله تعالى { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} أي كيف يعلمه جبر وهو أعجمي هذا الكلام الذي لا يستطيع الإنس والجن أن يعارضوا منه سورة واحدة فما فوقها. وذكر النقاش أن مولى جبر كان يضربه ويقول له : أنت تعلم محمدا، فيقول : لا والله، بل هو يعلمني ويهديني. وقال ابن إسحاق : كان النبي صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - كثيرا ما يجلس عند المروة إلى غلام نصراني يقال له جبر، عبد بني الحضرمي، وكان يقرأ الكتب، فقال المشركون : والله ما يعلم محمدا ما يأتي به إلا جبر النصراني. وقال عكرمة : اسمه يعيش عبد لبني الحضرمي، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقنه القرآن؛ ذكره المارودي. وذكر الثعلبي عن عكرمة وقتادة أنه غلام لبني المغيرة اسمه يعيش، وكان يقرأ الكتب الأعجمية، فقالت قريش : إنما يعلمه بشر، فنزلت. المهدوي عن عكرمة : هو غلام لبني عامر بن لؤي، واسمه يعيش. وقال عبدالله بن مسلم الحضرمي : كان لنا غلامان نصرانيان من أهل عين التمر، اسم أحدهما يسار واسم الآخر جبر. كذا ذكر الماوردي والقشيري والثعلبي؛ إلا أن الثعلبي قال : يقال لأحدهما نبت ويكنى أبا فكيهة، والآخر جبر، وكانا صيقلين يعملان السيوف؛ وكانا يقرأن كتابا لهم. الثعلبي : يقرأن التوراة والإنجيل. الماوردي والمهدوي : التوراة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بهما ويسمع قراءتهما، وكان المشركون يقولون : يتعلم منهما، فأنزل الله هذه الآية وأكذبهم. وقيل : عنوا سلمان الفارسي رضي الله عنه؛ قاله الضحاك. وقيل : نصرانيا بمكة اسمه بلعام، وكان غلاما يقرأ التوراة؛ قاله ابن عباس. وقال القتبي : كان بمكة رجل نصراني يقال له أبو ميسرة يتكلم بالرومية، فربما قعد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الكفار : إنما يتعلم محمد منه، فنزلت. وفي رواية أنه عداس غلام عتبة بن ربيعة. وقيل : عابس غلام حويطب بن عبدالعزى ويسار أبو فكيهة مولى ابن الحضرمي، وكانا قد أسلما. والله أعلم قلت : والكل محتمل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ربما جلس إليهم في أوقات مختلفة ليعلمهم مما علمه الله، وكان ذلك بمكة. وقال النحاس : وهذه الأقوال ليست بمتناقضة؛ لأنه يجوز أن يكونوا أومأوا إلى هؤلاء جميعا، وزعموا أنهم يعلمونه. قلت : وأما ما ذكره الضحاك من أنه سلمان ففيه بعد؛ لأن سلمان إنما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهذه الآية مكية. قوله تعالى { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي} الإلحاد : الميل؛ يقال : لحد وألحد، أي مال عن القصد. وقرأ حمزة { يلحدون} بفتح الياء والحاء؛ أي لسان الذي يميلون إليه ويشيرون أعجمي. والعجمة : الإخفاء وضد البيان. ورجل أعجم وامرأة عجماء، أي لا يفصح؛ ومنه عجم الذنب لاستتاره. والعجماء : البهيمة؛ لأنها لا توضح عن نفسها. وأعجمت الكتاب أي أزلت عجمته. والعرب تسمي كل من لا يعرف لغتهم ولا يتكلم بكلامهم أعجميا. وقال الفراء : الأعجم الذي في لسانه عجمة وإن كان من العرب، والأعجمي أو العجمي الذي أصله من العجم. وقال أبو علي : الأعجمي الذي لا يفصح، سواء كان من العرب أو من العجم، وكذلك الأعجم والأعجمي المنسوب إلى العجم وإن كان فصيحا. وأراد باللسان القرآن؛ لأن العرب تقول للقصيدة والبيت : لسان؛ قال الشاعر : لسان الشر تهديها إلينا ** وخنت وما حسبتك أن تخونا يعني باللسان القصيدة. { وهذا لسان عربي مبين} أي أفصح ما يكون من العربية.
يعني اخي علام انت فسرت الاية بطريقة غريبة ثم تقول ان الله اراد ان يقول بان المراد من دالك ان اللغة العربية مقدسة
اللهم اغفرلنا مسيئنا ومصيبنا انك انت الغفور الرحيم