الفقه وأصوله - الصفحة 4 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الفقه وأصوله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-03-13, 16:40   رقم المشاركة : 46
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حكم القياس في الرخص

السؤال :

ما حكم القياس على الرخص ، كمن يقيس رخصة الصلاة في البيت حال المطر ، بغيرها من الأمور التي من شأنها أن تسبب عائقاً للمرء أو إزعاجا ؟ ومن العلماء من قاس جواز تأخير الصلاة عند قدوم الطعام ، بغيرها من المسائل التي ينشغل فيها ذهن المرء ، فجعلوا انشغال الذهن سبباً موجباً لاتخاذ الرخصة وتأخير الصلاة .

وماذا لو لم يتوفر الموجب للرخصة ، ولكن توفرت الحالة ؛ كأن تكون السماء ممطرة ، ولكن مع وجود المظلة أو السيارة بحيث يستطيع الوصول إلى المسجد دون أن يبتل ؟ هذا على اعتبار أن البلل هو سبب حيازة الرخصة . وقل مثل ذلك في السفر، فقد يتوفر للمرء السفر على الدرجة الأولى في ظروف مريحة جداً، فهل يجوز له القصر والجمع ؟

وإذا ما جاز ، قلنا فما باله لا يقصر من يعمل عملاً شاقاً ؟ أليس في حالة يصبح فيها أكثر احتياجاً إلى القصر من ذلك المسافر المرتاح على أريكته ؟


الجواب :

الحمد لله

أولا:

القياس على الرخص مختلف فيه عند علماء أصول الفقه ، وقد حكى الدكتور عبد الكريم النملة الخلاف في كتابه " المهذب في علم أصول الفقه المقارن" (4 / 1939) ورجح إثبات الرخص بالقياس وأجاب عن أدلة القائلين بالمنع فقال : " هل يجوز القياس في الرخص كقياس الثلج على المطر في جواز الجمع بين الصلاتين بجامع أن كلًّا منهما يتأذى منه المسلم ؟ اختلف في ذلك على مذهبين:

المذهب الأول: أنه يجوز إثبات الرخص بالقياس ، ولا مانع من ذلك ، إذا عرفنا العِلَّة وتحققنا منها. وهو مذهب جمهور العلماء ، وهو الحق؛ لما يلي من الأدلة:

الدليل الأول: عموم الأدلة المثبتة لحجية القياس من الإجماع والكتاب والسُّنَّة والمعقول - كما سبق بيانه -؛ حيث إنها دلَّت على أن القياس يجري في جميع الأحكام الشرعية ، إذا عرفت العلَّة ، وتحققت في الفرع ، ووجدت جميع شروط القياس ، فإن تلك الأدلة لم تفرق بين حكم وحكم ، وبما أن الرخصة حكم من الأحكام الشرعية

فإنها تدخل في هذا العموم.

الدليل الثاني: أن الرخص تثبت بخبر الواحد ، فكذلك تثبت بالقياس ، ولا فرق ؛ بجامع: أن كلًّا منهما يفيد الظن ، ويجوز الخطأ والسهو في كل منهما.

المذهب الثاني: لا يجوز إجراء القياس في الرخص. وهو مذهب الحنفية، وقول للإمام مالك، وقول للإمام الشافعي .
أدلة هذا المذهب:

الدليل الأول: أن الرخص مخالفة للدليل ، فالقول بجواز القياس عليها ، يؤدي ويفضي إلى كثرة مخالفة الدليل ، فوجب أن لا يجوز.

جوابه: أن الدليل إنما يخالفه صاحب الشرع ، لمصلحة تزيد على مصلحة ذلك الدليل ؛ عملاً بالاستقراء ؛ وتقديمُ الأرجح : هو شأن صاحب الشرع، فإذا وجدنا تلك المصلحة التي خولف الدليل لأجلها في صورة أخرى ، وجب أن يخالف الدليل بها - أيضاً - عملاً برجحانها -

فنحن حينئذٍ قد أكثرنا موافقة الدليل ، لا مخالفته.

الدليل الثاني: أن الرخص منح من اللَّه - تعالى - وعطايا ؛ فلا يتعدى بها عن مواضعها؛ حيث إن في قياس غير المنصوص ، على المنصوص ، في الأحكامالاحتكامَ على المُعطي في غير محل إرادته ، وهذا لا يجوز، فينتج من ذلك: عدم جواز إثبات الرخص بالقياس.

جوابه: أن مدار إجراء القياس : على إدراك العلَّة ، والمعنى من شرع الحكم .

وكون الرخص تتصف باليسر والتخفيف : لا يمنع من إجراء القياس فيها ؛ فمتى أدركنا العلَّة التي من أجلها شرعت تلك الرخصة ، ووجدنا تلك العلَّة في شَيء آخر فإننا نعدي تلك الرخصة إلى ذلك الشيء؛ تكثيرا لمنح اللَّه ، وحفظا لحكمة الوصف من الضياع.

وقال إمام الحرمين - في الجواب عن ذلك الدليل -: هذا هذيان ، فإن كل ما يتقلب فيه العباد من المنافع : فهي منح من اللَّه تعالى" انتهى.

وبناء على هذا ؛ فإذا عرفت العلة من مشروعية الرخصة ، وتحققنا من وجود هذه العلة في النوع : فحينئذ يصح القياس .
وهذا القياس لا يمكن أن ينطبق على قصر الصلاة ، لأن العلة في قصر الصلاة هي السفر ، وليست هي المشقة ، فالمسافر يقصر الصلاة ، سواء وَجَد مشقة أم لم يجد ، وغير المسافر (المقيم) لا يقصر الصلاة ، ولو وجدت المشقة .

ولذلك نص العلماء على أنه لا يصح القياس على الرخصة التي لا توجد علتها في غير ما شرعت فيه ، (كرخص السفر) ؛ فإن علة السفر لا توجد في الإقامة ، وكذلك لا يصح القياس إذا لم نعرف علة الرخصة .

جاء في " البحر المحيط في أصول الفقه " (7 / 75):

" وَقَالَ إلْكِيَا: إنَّمَا نَمْنَعُ الْقِيَاسَ عَلَى الرُّخَصِ إذَا كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى حَاجَاتٍ خَاصَّةٍ ، لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الرُّخْصَةِ ؛ فَيَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ لِعَدَمِ الْجَامِعِ ، كَغَيْرِ الْمُسَافِرِ يُعْتَبَرُ بِالْمُسَافِرِ فِي رُخَصِ السَّفَرِ ؛ إذْ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ تَخْصِيصِ الشَّرْعِ ...

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يَحْتَمِلُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ أَنْ لَا يَظْهَرَ لِلرُّخْصَةِ مَعْنًى : فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا ، وَبَيْنَ أَنْ يَظْهَرَ : فَيُقَاسُ.
وَيَنْزِلُ الْخِلَافُ عَلَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ.

وَرَأَيْت فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ مَنْصُوصًا: فَيَجُوزُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادًا : فَلَا. فَحَصَلَ مَذَاهِبُ" انتهى.

وينظر ـ للفائدة ـ مذهب إمام الحرمين في ذلك : "البحر المحيط" (7/79) .

ثانيا :

أما تأخير الصلاة إذا أحضر الطعام ، فليست العلة هي حضور الطعام ، ولكن العلة هي انشغال الذهن ، وذهاب الخشوع أو قلته ، ولذلك صح أن يقاس على حضور الطعام كل ما يشغل ذهن المصلي ويقلل خشوعه .

قال النووي رحمه الله في شرحه لحديث ( لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ ) . رواه مسلم (560) . قال:
"فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث : كَرَاهَة الصَّلَاة بِحَضْرَةِ الطَّعَام الَّذِي يُرِيد أَكْله ، لِمَا فِيهِ مِنْ اِشْتِغَال الْقَلْب بِهِ ، وَذَهَاب كَمَالِ الْخُشُوع ، وَكَرَاهَتهَا مَعَ مُدَافَعَة الْأَخْبَثِينَ وَهُمَا : الْبَوْل وَالْغَائِط ، وَيَلْحَق بِهَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ يَشْغَل الْقَلْب وَيُذْهِب كَمَال الْخُشُوع .

، وَهَذِهِ الْكَرَاهَة إِذَا صَلَّى كَذَلِكَ وَفِي الْوَقْت سَعَة ، فَإِذَا ضَاقَ بِحَيْثُ لَوْ أَكَلَ أَوْ تَطَهَّرَ خَرَجَ وَقْت الصَّلَاة : صَلَّى عَلَى حَاله ، مُحَافَظَة عَلَى حُرْمَة الْوَقْت ، وَلَا يَجُوز تَأْخِيرهَا" انتهى .

وقال العز بن عبد السلام رحمه الله في "قواعد الأحكام"(1/38) :

"وكذلك تؤخر الصلاة بكل ما يشوش الخشوع ، كإفراط الظمأ والجوع " انتهى .

وأما التخلف عن صلاة الجماعة من أجل المطر ، فليست العلة هي المطر ، ولكن العلة هي المشقة الحاصلة بسبب السعي إلى الصلاة في المطر ، ولذلك اشترط العلماء في المطر أن يبل الثياب ، لأن هذا هو الذي تحصل به المشقة .

قال البهوتي في " كشاف القناع "(4/12) :

"يُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ : خَائِفٌ مِنْ ضَرَرٍ فِي مَالِهِ ، أَوْ فِي مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا ، أَوْ أَطْلَقَ الْمَاءَ عَلَى زَرْعِهِ ، أَوْ بُسْتَانِهِ ، يَخَافُ إنْ تَرَكَهُ فَسَدَ ، أَوْ كَانَ مُسْتَحْفَظًا عَلَى شَيْءٍ يَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيَاعَ إنْ ذَهَبَ وَتَرَكَهُ ، كَنَاطُورِ (حارس) بُسْتَانٍ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ اللَّاحِقَةَ بِذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ بَلِّ الثِّيَابِ بِالْمَطَرِ ، الَّذِي هُوَ عُذْرٌ بِالِاتِّفَاقِ " انتهى .

ومثل المطر : ما قد يحصل به التأذي في مثل تلك الحال ؛ كشدة الريح ، أو شدة البرد ، أو الوحل .

قال البهوتي في "الروض المربع" (2/362) وهو يذكر أعذار التخلف عن صلاة الجماعة : "أو : حصل له أذى بمطر ووحل ، وكذا ثلج وجليد وبرد ، وبريح باردة شديدة في ليلة مظلمة" انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (4/317) :

"فإذا خافَ الأذى بمطرٍ أو وَحْلٍ، أي: إذا كانت السَّماءُ تمطرُ، وإذا خَرَجَ للجُمُعةِ أو الجماعةِ تأذَّى بالمطرِ : فهو معذورٌ.
والأذيَّة بالمطرِ : أن يتأذَّى في بَلِّ ثيابه ، أو ببرودة الجَوِّ، أو ما أشبه ذلك، وكذلك لو خاف التأذِّي بوَحْلٍ .

وكان النَّاسُ في الأول يعانون مِن الوحلِ ؛ لأن الأسواقَ طين ، فيحصُلُ فيها الوَحْلُ والزَّلَقُ، فيتعبُ الإِنسانُ في الحضور إلى المسجدِ، فإذا حصلَ هذا فهو معذورٌ .

وأما في وقتنا الحاضرِ : فإن الوَحْلَ لا يحصُل به تأذٍّ ، لأنَّ الأسواقَ مزفَّتة ، وليس فيها طين، وغاية ما هنالك أن تجدَ في بعض المواضع المنخفضة مطراً متجمِّعاً، وهذا لا يتأذَّى به الإِنسانُ ، لا بثيابه ولا بقدميه، فالعُذرُ في مثل هذه الحال إنما يكون بنزولِ المطرِ ، فإذا توقَّفَ المطرُ : فلا عُذر، لكن في بعض القُرى التي لم تُزفَّت يكون العُذرُ موجوداً" انتهى .

والحاصل :

أن ما عرفت علته من الرخص ، وتحققت تلك العلة في الفرع : صح فيه القياس ، وما لم تعلم علته ، أو كانت علته قاصرة لا توجد في غير ما شرعت فيه : لم يصح فيه القياس حينئذ .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-03-18, 07:42   رقم المشاركة : 47
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته


يسأل عن ضابط الخلاف المعتبر

السؤال:


هل هناك شروط لكي يكون الخلاف معتبرا أو غير معتبر ، حيث إننا نسمع في المسألة الواحدة بعض العلماء يجعل الخلاف فيها معتبراً ، والآخرون يجعلونه شاذاً أو غير معتبر ؟


الجواب :


الحمد لله

تقدير الخلاف ، والحكم عليه بأنه "سائغ" ، "معتبر" ، أو خلاف ذلك ؛ مرجعه إلى النظر إلى دليله ، في أكثر تعريفات الفقهاء والأصوليين ، فما بُني على " حجة " معتبرة من حيث الثبوت ، أو الدلالة ، أو القياس ، أو المصلحة ، أو الإجماع والآثار ، أو العقل والعرف والعادة ، فهو قول معتبر ، والخلاف الذي أحدثه معترف به.

جاء في كتاب " الرسالة " للشافعي (1/ 560):

" قال : فإني أجد أهل العلم قديماً وحديثاً مختلفين في بعض أمورهم ، فهل يسعهم ذلك ؟

قال : فقلت له : الاختلاف من وجهين :

أحدهما : محرم . ولا أقول ذلك في الآخر .

قال : فما الاختلاف المحرم ؟

قلت : كل ما أقام الله به الحجة في كتابه ، أو على لسان نبيه ، منصوصاً بيِّناً : لم يحل الاختلاف فيه ، لمن علمه .
وما كان من ذلك يحتمل التأويل ، ويُدرك قياساً ، فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس ، وإن خالفه فيه غيره : لم أقل إنه يَضِيق عليه ضِيقَ الخلاف في المنصوص " انتهى.

ويقول الإمام العز ابن عبد السلام رحمه الله :

" الضابط في هذا :

أن مأخذ المخالف ، إن كان في غاية الضعف والبعد من الصواب ، فلا نظر إليه ، ولا التفات عليه ، إذا كان ما اعتمد عليه لا يصح نصه دليلا شرعا ، ولا سيما إذا كان مأخذه مما يُنقض الحكمُ بمثله "

انتهى من " قواعد الأحكام في مصالح الأنام " (1/ 253) .

ويقول الإمام الشاطبي رحمه الله :

" إنما يعد في الخلاف : الأقوال الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة ، كانت مما يقوى أو يضعف.

وأما إذا صدرت عن مجرد خفاء الدليل، أو عدم مصادفته ، فلا .

فلذلك قيل : إنه لا يصح أن يعتد بها في الخلاف ، كما لم يعتد السلف الصالح بالخلاف في مسألة ربا الفضل ، والمتعة ، ومحاشي النساء ، وأشباهها من المسائل التي خفيت فيها الأدلة على من خالف فيها " انتهى.

ويقول الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله – في حديثه عن شرط الخلاف المعتبر -:

" أن يقوى مدرك الخلاف . فإن ضعُف ونأى عن مأخذ الشرع : كان معدودا من الهفوات ، والسقطات ، لا من الخلافيات المجتهدات ...

وهناك تنبيه على أنه لا نظر إلى القائلين من المجتهدين ، بل إلى أقوالهم ومداركها قوة وضعفا ، ونعني بالقوة ما يوجب وقوف الذهن عندها ، وتعلق ذي الفطنة بسبيلها ؛ لانتهاض الحجة بها ؛ فإن الحجة لو انتهضت بها لما كنا مخالفين لها .

إذَا عرفت هذا : فمن قوي مدركُه اعتُد بخلافه ، وإن كانت مرتبته في الاجتهاد دون مرتبة مخالفه ، ومن ضعف مدركُه لم يُعتدّ بخلافه ، وإن كانت مرتبته أرفع ، وربما قوي مدرك بعضهم في بعض المسائل دون بعض ؛ بل هذا لا يخلو عنه مجتهد .

وقوة المدرك وضعفه : مما لا ينتهي إلى الإحاطة به إلا الأفراد ، وقد يظهر الضعف أو القوة بأدنى تأمل ، وقد يحتاج إلى تأمل وفكر ، ولا بد أن يقع هنا خلاف في الاعتداد به ، ناشئا عن المدرك قوي أو ضعيف "

انتهى من " الأشباه والنظائر " (1/ 112) .

فإذا تبين أن المدار على " المَدرك " قوة وضعفا ، ثبوتا ووهاء ، علمنا أن البحث في هذا الشأن هو من ولاية العلماء والفقهاء ، الذين يميزون مدارك الأحكام ، وموارد الأفهام ، ولهم باع وتخصص في تعاطي أقوال الفقهاء ، والحجاج الفقهي والأصولي ، ولهم في كل مسألة نظر خاص ، فقد يكون الاحتجاج بقول الصحابي في مسألة احتجاجا معتبرا ، في حين أنه احتجاج ضعيف غير معتبر في مسألة أخرى ، بسبب ثبوت الإجماع مثلا ، أو ضعف الرواية ، أو حكاية تراجع ذلك الصحابي ، ونحو ذلك من احتمالات تقليب الأدلة بين العلماء .

يقول الإمام الشاطبي رحمه الله :

"فإن قيل : فماذا يُعَرِّف من الأقوال ، ما هو كذلك ، مما ليس كذلك ؟

فالجواب :

أنه من وظائف المجتهدين ، فهم العارفون بما وافق أو خالف
.
وأما غيرهم ، فلا تمييز لهم في هذا المقام .

ويعضد هذا أن المخالفة للأدلة الشرعية على مراتب :

فمن الأقوال ما يكون خلافا لدليل قطعي، من نص متواتر ، أو إجماع قطعي ، في حكم كلي.

ومنها ما يكون خلافا لدليل ظني . والأدلة الظنية متفاوتة ، كأخبار الآحاد ، والقياس الجزئية .

فأما المخالف للقطعي ؛ فلا إشكال في اطراحه ، ولكن العلماء ربما ذكروه للتنبيه عليه وعلى ما فيه ، لا للاعتداد به .
وأما المخالف للظني ؛ ففيه الاجتهاد ، بناء على التوازن بينه وبين ما اعتمده صاحبه من القياس أو غيره "

انتهى من " الموافقات " (5/139-140) .

ولا أحد يدعي – في مقام التمييز بين الخلاف المعتبر ، وغير المعتبر – أنه يملك خطا أحمر محددا ودقيقا في جميع المسائل ، لا يجوز لأحد أن يخالف فيه ، بل هذه القضية التمييزية نفسها ، يدخلها قدر من الاختلاف والنزاع في التنزيل والتطبيق .

ولكن اختلاف العلماء في بعض المسائل : إن كانت من الخلاف السائغ ، أو المردود ؛ لا يلغي الضوابط العامة ، والمناط الكلي الذي ذكروه ، ونقلناه سابقا ، وهكذا دائما وقوع الخلاف في بعض الصور والتطبيقات : لا ينبغي أن يلغي الأصول الكلية ، والفوارق العامة .

ولهذا كله يكفيك أن تخرج من جوابنا هذا بخطوط عريضة ، تقرب إليك ضابط المسألة - دون حسم لكل الجزئيات أو الخلافيات التي تتفاوت فيها الأنظار - يمكننا إجمال خلاصتها بالنقاط الآتية:

1. إذا كان القول المخالف مناقضا للنصوص الصريحة القطعية من الكتاب والسنة : فلا عبرة به .

2. إذا وقع على خلاف الإجماع الصحيح المنضبط : فلا عبرة به .

3. إذا كان قولا مهجورا يتقيه العلماء على مدار تاريخ الفقه ، ويضربون به المثل في الضعف ، والإبعاد .

4. إذا كان الخلاف مناقضا لمقاصد الشريعة ، وقواعد المصالح التي جاءت بها ، فأدى إلى عنت شديد ، وخروج بحياة الناس عن اعتدالها إلى العنت ، فالخلاف فيه غير معتبر .

ومن ذلك تتبين أيضا أن أكثر اختلاف العلماء في مسائل الشريعة ، إنما هو من الخلاف المعتبر ، كما نص على ذلك الشاطبي رحمه الله حيث قال : " الخلاف الذي لا يعتد به قليل "

انتهى من "الموافقات" (1/164) .

وذلك من رحمة الله بهذه الأمة ، حيث حفظ عليها أفهامها السائغة للشرع ، ووسع عليهم في طرق التدبر والاستنباط ؛ كي لا تتيه في بيداء النزاع التأويلي ، ولا تقع الأمة ـ بمجموعها ـ في حرج أو عنت ، ولا تنقلب عن منهاجها كأمة وسط أخرجت لهداية الناس .

وأقرب علامة يستعين بها غير المختص ، على الفرق بين الخلاف السائغ المعتبر ، والخلاف غير السائغ وغير المعتبر ، هي : أن ينظر ما عليه السواد الأعظم من المسلمين ، فإذا وجد قولا محدثا يخالفهم ، فخلافه ـ في الغالب ـ غير معتبر .
وفي مثل ذلك ، عادة ما يقول الإمام ابن جرير الطبري – عن أحد الأقوال -:

" هذا قول لا نعلم قائلا له من أهل التأويل ، وكفى خطأ بقوله خروجه عن أقوال أهل العلم ، لو لم يكن على خطئه دلالة سواه . فكيف وظاهر التنزيل ينبئ عن فساده ! " .

انتهى من " جامع البيان " (10/55)

ويقول الشاطبي رحمه الله :

"فإن قيل :

فهل لغير المجتهد من المتفقهين في ذلك ضابط يعتمده أم لا ؟

فالجواب :

إن له ضابطا تقريبيا ، وهو أن ما كان معدودا في الأقوال غلطا وزللا : قليل جدا في الشريعة ، وغالب الأمر أن أصحابها منفردون بها ، قلما يساعدهم عليها مجتهد آخر .

فإذا انفرد صاحب قول عن عامة الأمة ، فليكن اعتقادك أن الحق في المسألة مع السواد الأعظم من المجتهدين ، لا من المقلدين"

انتهى من " الموافقات " (5/139-140) .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-18, 07:46   رقم المشاركة : 48
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل العلم الحديث يرفع الحكم الشرعي
من النجاسة إلى الطهارة مثلا؟


السؤال:

هل يمكن أن يؤثر العلم الحديث في الفتاوى الشرعية ، فمثلا : اختلف العلماء في طهارة الدم ، فلو أخذنا عينة من الدم ووضعناها تحت المجهر ، ووجدنا أن مكونات الدم كلها مواد طاهرة كالماء ، فهل يحكم بطهارته ؟


الجواب :

الحمد لله

تغيير العلم الحديث الأحكامَ الشرعية الثابتة سؤالٌ مغالط ، لا يمكن أن يُتصور أو يقع ؛ ومتناقض في أصله ؛ ذلك أن حقائق الكون وحقائق الشرع مصدرُهما واحد ، وهو الخالق جل وعلا ، وحينئذ لا يمكن أن يقع بينهما التناقض بحيث يرفع أحدهما الآخر أو يلغيه ، وكل من يعتقد خلاف ذلك إنما أُتي من ضعف بحثه وتحريه ، وأُتي من خطئه في تصور العلم الحديث ، أو خطئه في الوصول إلى الحكم الشرعي .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" فأما القطعيان فلا يجوز تعارضهما - سواء كانا عقليين أو سمعيين ، أو أحدهما عقلياً والآخر سمعياً - وهذا متفق عليه بين العقلاء ؛ لأن الدليل القطعي هو الذي يجب ثبوت مدلوله ، ولا يمكن أن تكون دلالته باطلة ، وحينئذ فلو تعارض دليلان قطعيان ، وأحدهما يناقض مدلول الآخر ، للزم الجمع بين النقيضين ، وهو محال .

بل كل ما يعتقد تعارضه من الدلائل التي يعتقد أنها قطعية ، فلا بد من أن يكون الدليلان ، أو أحدهما غير قطعي ، أو أن لا يكون مدلولاهما متناقضين ، فأما مع تناقض المدلولين المعلومين : فيمتنع تعارض الدليلين"

انتهى من " درء تعارض العقل والنقل " (1/79) .

ويقول أيضا رحمه الله :

" تأملت ، ووجدت : ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه سمعٌ [السمع هو الكتاب والسنة] قط ، بل السمع الذي يقال إنه يخالفه: إما حديث موضوع ، أو دلالة ضعيفة ، فلا يصلح أن يكون دليلاً لو تجرد عن معارضة العقل الصريح ، فكيف إذا خالفه صريح المعقول !

ونحن نعلم أن الرسل لا يخبرون بمحالات العقول ، بل بمحارات العقول ، فلا يخبرون بما يعلم العقل انتفاءه ، بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته " .

انتهى من "درء تعارض العقل والنقل" (1/147) .

ولهذا ؛ فالفرضية الواردة في السؤال غير واقعية ؛ لأن الحكم الشرعي الثابت لا يمكن أن يأتي العقل أو العلم بخطئه ومناقضته ، بل يأتي كل منهما مؤكدا للآخر .

قال ابن أمير الحاج رحمه الله تعالى :

" لا مانع في الشرع والعقل من تعاضد الأدلة وتأكد بعضها ببعض ... وقد ملأ السلف كتبهم بالتمسك بالنص والمعقول في حكم واحد ، ولم ينقل عن أحد في ذلك نكير ، فكان إجماعا على جوازه "

انتهى من " التقرير والتحبير " ( 3 / 178 ) .

والمثال الذي ذكرته في سؤالك غير واقعي أيضا ، فالدم ثبتت نجاسته بالأدلة والإجماع ،

ثم ، من قال : إن مناط الحكم على العين بالنجاسة ، أو التحريم : هو مكوناتها الأولية ، التي يكشف عنها المجهر ؟
فالنجاسات المغلظة ، إذا حللناها : ماذا تظن أن تعطينا ؟

فإن مناط الحكم بالطهارة أو النجاسة هو للدليل الشرعي الذي يتعبدنا الله عز وجل به وباتباعه ، وليس المناط اكتشاف المكونات إن كانت مستقذرة أم غير مستقذرة ، فالاستقذار لا يستلزم النجاسة ، ألا ترى أن الشريعة حكمت بطهارة مخاط الأنف ومني الإنسان وقذى العين ، رغم كونها من المستقذرات عرفا وعادة ، وأيضا رجح المحققون من العلماء طهارة بول وروث ما يؤكل لحمه من الحيوانات رغم كونه مستقذرا ، وأيضا حكمت الشريعة بنجاسة لحم الخنزير رغم عدم استقذاره من جهة كثير من الناس !!

وهذا لا ينفي إمكان الإفادة من العلوم الحديثة في جوانب مهمة من الفتاوى الشرعية ، وذلك عبر البحث في تحقيق المناط الذي جاءت به الشريعة ، كالبحث في مضار بعض المواد وتعاطيها من خلال أدوات العلم الحديث ، فإن تبين الضرر تأكدنا من تحقق مناطه فأفتينا بالمنع والتحريم .

ومثله البحث في المواد المسكرة مثلا ، من خلال المختبرات الفنية ، فإن تبين إسكار الكثير من الشراب حرم القليل منه .
ومثله أيضا الاستعانة بنتائج العلوم الحديثة في فهم شرح العلماء لبعض الأحاديث النبوية ، كما تقرر في فهم حديث ( لا عدوى ) متفق عليه ، وأن المقصود به نفي العدوى التي كان يؤمن بها أهل الجاهلية ، والتي تنتقل بذاتها ، ويعدونها المسبب وليست مجرد سبب ، وأما كون العدوى سببا بإذن الله لانتقال المرض فهذا يؤكده الطب الحديث ، وبينه العلماء أيضا في شرح الحديث الشريف.

هذه بعض الجوانب المهمة التي يمكن الإفادة فيها من العلوم الحديثة في الفتاوى الشرعية الاجتهادية.

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-18, 07:50   رقم المشاركة : 49
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل انعقد إجماع على جواز التقليد
التام لأحد المذاهب الأربعة ؟


السؤال:

هل يوجد هناك إجماع على جواز التقليد التام لأحد المذاهب الأربعة في القرن الثالث للهجرة؟

وما المقصود بالآيات التالية: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) فقد قرأت أنّ هذه الآية تشير إلى تقليد المذاهب الأربعة

وأنّ الأمر في الجزء الثاني من الآية هو مختص بأهل الاجتهاد وليس للعامة ؟ وهل يعني ذلك أنّ العلماء فقط هم من يمكنهم فهم القران والسنة ، وأنّ غيرهم من الناس يجب عليهم تقليد أي من هذه المذاهب الأربعة ؟


الجواب :

الحمد لله

لا يجب على المسلم اتباع مذهب بعينه من المذاهب الأربعة أو غيرها ، ولا يجوز لأحد أن يقلد أحدا في دين الله تعالى ، بحيث لا يخالفه لا في صغير ولا كبير .

وفي ذلك يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى في "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" (7 / 307): " وَأَمَّا نَوْعُ التَّقْلِيدِ الَّذِي خَالَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ الصَّحَابَةَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْخَيْرِ، فَهُوَ تَقْلِيدُ رَجُلٍ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ دُونَ غَيْرِهِ ، مِنْ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ ، فَإِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ التَّقْلِيدِ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْخَيْرِ.

وَهُوَ مُخَالِفٌ لِأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، فَلَمْ يُقِلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْجُمُودِ عَلَى قَوْلِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ دُونَ غَيْرِهِ، مِنْ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ.

فَتَقْلِيدُ الْعَالِمِ الْمُعَيَّنِ مِنْ بِدَعِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ ، وَمَنْ يَدَّعِي خِلَافَ ذَلِكَ ، فَلْيُعَيِّنْ لَنَا رَجُلًا وَاحِدًا مِنَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ ، الْتَزَمَ مَذْهَبَ رَجُلٍ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ ، وَلَنْ يَسْتَطِيعَ ذَلِكَ أَبَدًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعِ الْبَتَّةَ " انتهى .

وقد كان الأئمة رضوان الله عليهم ينهون عن تقليدهم فقد قال الإمام أحمد : " لَا تُقَلِّدْنِي وَلَا تُقَلِّدْ مَالِكًا وَلَا الثَّوْرِيَّ وَلَا الْأَوْزَاعِيَّ ، وَخُذْ مِنْ حَيْثُ أَخَذُوا" ، وَقَالَ أيضا : "مِنْ قِلَّةِ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يُقَلِّدَ دِينَهُ الرِّجَالَ"

انتهى من " إعلام الموقعين عن رب العالمين " (2 / 139).

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" ما تقول السادة العلماء أئمة الدين - رضي الله عنهم أجمعين - في رجل سئل : إيش مذهبك؟ فقال: (محمدي) ؛ أتبع كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .

فقيل: ينبغي لكل مؤمن أن يتبع مذهبا ، ومن لا مذهب له فهو شيطان .

فقال: إيش كان مذهب أبي بكر الصديق والخلفاء بعده - رضي الله عنهم -؟

فقيل له: لا ينبغي لك إلا أن تتبع مذهبا من هذه المذاهب ؛ فأيهما المصيب ؟ " .

فأجاب:

" الحمد لله ، إنما يجب على الناس طاعة الله والرسول .

وهؤلاء ـ أولو الأمر الذين أمر الله بطاعتهم في قوله : {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} ـ : إنما تجب طاعتهم تبعا لطاعة الله ورسوله ، لا استقلالا ، ثم قال: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} .

وإذا نزلت بالمسلم نازلة فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله ، من أي مذهب كان ، ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول ، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم ، في كل ما يوجبه ويخبر به ؛ بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واتباع شخص ، لمذهب شخص بعينه ، لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته : إنما هو مما يسوغ له ، ليس هو مما يجب على كل أحد إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق ؛ بل كل أحد عليه أن يتقي الله ما استطاع ، ويطلب علم ما أمر الله به ورسوله ؛ فيفعل المأمور ، ويترك المحظور. والله أعلم"

انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/208-209) .

وأما قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) النساء/ 59 .

فليس فيه ما يدل على تقليد الأئمة الأربعة ، بل فيه الأمر بطاعة الله تعالى ورسوله الكريم وطاعة ولاة الأمر ، وولاة الأمور هم الأمراء الذين يحكمون بما أنزل الله ، والعلماء والفقهاء المتبعون لأمر الله جل وعلا ، دون تخصيص ذلك بعالم معين ، قال البغوي في تفسيره (2 / 239): " اخْتَلَفُوا فِي (أُولِي الْأَمْرِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: هُمُ

الْفُقَهَاءُ وَالْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ مَعَالِمَ دِينِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ وَمُجَاهِدٍ، وَدَلِيلُهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (النِّسَاءِ -83) . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هُمُ الْأُمَرَاءُ وَالْوُلَاةُ ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَقٌّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، وَيُؤَدِّيَ الْأَمَانَةَ ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَحَقٌّ عَلَى الرَّعِيَّةِ أَنْ يَسْمَعُوا وَيُطِيعُوا" انتهى.

وأما قوله تعالى : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) فالمخاطب به كل من كانت له أهلية النظر في الأدلة، أما من لم تكن عنده أهلية النظر ، فعليه سؤال أهل العلم والعمل بفتاواهم .

قال الآمدي في "الإحكام في أصول الأحكام" (4 / 228):

" العامي ، ومن ليس له أهلية الاجتهاد، وإن كان محصلا لبعض العلوم المعتبرة في الاجتهاد : يلزمه اتباع قول المجتهد ، والأخذ بفتواه عند المحققين من الأصوليين " انتهى.

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-18, 07:56   رقم المشاركة : 50
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

عقد التحكيم وشروطه في الشريعة الإسلامية

السؤال:


ما حكم عقد التحكيم أو شرط التحكيم ؟

وهل يندرج تحت الصلح أم لا ؟


الجواب :

الحمد لله

التحكيم بين الناس في الخصومات والخلافات : مشروع بكتاب الله تعالى ، وبسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم , قال تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ) النساء/ 35 .

وهذه أقوال أهل العلم في المسألة :

مذهب الحنفية :

يجيز فقهاء الحنفية التحكيم ، ويشترطون في المحكَّم أن يكون صالحا للقضاء، وأن يكون مسلما ، إذا كان سيحكم بين مسلمين ، وأن يكون بالغا غير محدود في قذف ، ويجيزون تحكيم الفاسق والمرأة ، خلافا للجمهور .

قال الزيلعي في " تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق " (4 / 193):

"(بَابُ التَّحْكِيمِ) : لَمَّا كَانَ الْمُحَكَّمُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحُكَّامِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي .

وَهُوَ جَائِزٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ .

أَمَّا الْكِتَابُ : فَقَوْلُهُ تَعَالَى : ( فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ) [النساء: 35] ؛ نَزَلَتْ فِي تَحْكِيمِ الزَّوْجَيْنِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ : فَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَرَكَهُمْ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» .

وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَكَّمَا رَجُلًا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فَحَكَمَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ وَدِيَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ صَحَّ لَوْ صَلَحَ الْمُحَكَّمُ قَاضِيًا) ، لِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا ، وَلِأَنَّ لَهُمَا وِلَايَةَ أَنْفُسِهِمَا ، فَصَحَّ تَحْكِيمُهُمَا ، وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ فِي حَقِّهِمَا .

وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَوْ النُّكُولِ ؛ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ .

وَشُرِطَ لِنُفُوذِ حُكْمِهِ : أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ وَدِيَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ ؛ لِأَنَّ تَحْكِيمَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ بَيْنَهُمَا ، وَلَيْسَ لَهُمَا وِلَايَةٌ عَلَى دَمِهِمَا ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكَانِ إبَاحَتَهُ ، وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى الْعَاقِلَةِ ، فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ مِنْ حَكَّمَاهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ، وَلَا عَلَى الْقَاتِلِ ، لِعَدَمِ الْتِزَامِ الْعَاقِلَةِ حُكْمَهُ ، وَلِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا عَلَى الْقَاتِلِ ، وَلَوْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِإِقْرَارِهِ ، أَوْ ثَبَتَ جِرَاحَتُهُ بِبَيِّنَةٍ ، وَأَرْشُهَا أَقَلُّ مِمَّا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ خَطَأً ، كَانَتْ الْجِرَاحَةُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا ، أَوْ كَانَ قَدْرُ مَا تَتَحَمَّلُهُ ، وَلَكِنَّ الْجِرَاحَةَ كَانَتْ عَمْدًا لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ : نَفَذَ حُكْمُهُ عَلَيْه ِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُهُ .

وَأَجَازَ فِي الْمُحِيطِ التَّحْكِيمَ فِي الْقِصَاصِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ .

وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي فِيمَا بَيْنَهُمَا ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي، حَتَّى لَوْ حَكَّمَا كَافِرًا ، أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا ، أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ ، أَوْ صَبِيًّا : لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ قَاضِيًا ، لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ ؛ فَكَذَا حَكَمًا.

وَإِنْ حَكَّمَا فَاسِقًا أَوْ امْرَأَةً : جَازَ ، كَمَا فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ .

وَكَذَا : الْكَافِرُ فِي حَقِّ الْكَافِرِ ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّهِ ، وَكَذَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ الْقَضَاءَ لِيَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّة " انتهى
.
مذهب المالكية :

وأما المالكية : فإنهم يجيزون تحكيم العدل المسلم الحر البالغ العاقل ، فلا يجيزون تحكيم امرأة ولا فاسق .

قال القرافي في "الذخيرة" (10 / 34):

" المبحث الثَّانِي : فِي الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ ، وَهِيَ التَّحْكِيمُ .

وَفِي الْجَوَاهِرِ : جَائِزٌ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا ، فَلَا يُقِيمُ الْمُحَكَّمُ حَدًّا ، وَلَا يُلَاعِنُ ، وَلَا يَحْكُمُ فِي قِصَاصٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ ، لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ وَضَعْفِهَا ، وَهَذِهِ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ تَحْتَاجُ إِلَى أَهْلِيَّةٍ عَظِيمَةٍ.
...
وَبِجَوَازِ التَّحْكِيمِ قَالَ الْأَئِمَّةُ ؛ لِمَا فِي النَّسَائِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - قَالَ لأبي شريح : ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ ؛ فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ ؟ قَالَ : إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي ، فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ ، فَرَضِيَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ بِحُكْمِي . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - مَا أَحْسَنَ هَذَا !! فَمَنْ أَكْبَرُ وَلَدِكَ ؟ قَالَ : شُرَيْح . قَالَ : فَأَنت أبو شريح ) .

وَعنهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم – : (مَنْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَرَاضَيَا ، فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا : فَهُوَ مَلْعُونٌ) ؛ وَهُوَ دَلِيلُ الْجَوَازِ ، وَالْإِلْزَامِ ؛ وَإِلَّا لَمَا لُعِنَ ؛ لِأَنَّ لَهُمَا تَرْكَ حُكْمِهِ إِذا كَانَ جَوْرا " انتهى باختصار يسير.

مذهب الشافعية:

وأما الشافعية : فإنهم يجيزون تحكيم من يصلح للقضاء .

قال الشيرازي في "المهذب" (3 / 378) : " فإن تحاكم رجلان إلى من يصلح أن يكون حاكماً ، ليحكم بينهما : جاز ؛ لأنه تحاكم عمر وأبي بن كعب إلى زيد بن ثابت ، وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم .

واختلف قوله في الذي يَلزم به حكمه ؛ فقال في أحد القولين : لا يلزم الحكم إلا بتراضيهما بعد الحكم ، وهو قول المزني رحمه الله تعالى ، لأنا لو ألزمناهما حكمه ، كان ذلك عزلاً للقضاة ، وافتياتاً على الإمام ، ولأنه لما اعتُبر تراضيهما في الحكم ، اعتُبر رضاهما في لزوم الحكم .

والثاني: أنه يلزم بنفس الحكم ، لأن من جاز حكمه ، لزم حكمه ؛ كالقاضي الذي ولاه الإمام . واختلف أصحابنا فيما يجوز فيه التحكيم ؛ فمنهم من قال يجوز في كل ما تحاكم فيه الخصمان ، كما يجوز حكم القاضي الذي ولاه الإمام ، ومنهم من قال : يجوز في الأموال ، فأما في النكاح والقصاص واللعان وحد القذف : فلا يجوز فيها التحكيم ، لأنها حقوق بنيت على الاحتياط ، فلم يجز فيها التحكيم" انتهى.

مذهب الحنابلة:

ومذهبهم في هذه المسألة يكاد يتطابق مع مذهب الشافعية .

قال ابن قدامة في "الكافي" (4 / 224):

" فإن تحاكم رجلان إلى من يصلح للقضاء ، فحكماه ليحكم بينهما : جاز ؛ لما روى أبو شريح أنه «قال: يا رسول الله إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني، فحكمت بينهم، فرضي علي الفريقان، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما أحسن هذا» . رواه النسائي؛ ولأن عمر وأبياً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، تحاكما إلى زيد بن ثابت وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم. فإذا حكم بينهما، لزم حكمه ؛ لأن من جاز حكمه، لزم، كقاضي الإمام.

فإن رجع أحد الخصمين عن تحكيمه ، قبل شروعه في الحكم ، فله ذلك؛ لأنه إنما صار حكماً لرضاه به، فاعتبر دوام الرضى .

وإن رجع بعد شروعه فيه، وقبل تمامه، ففيه وجهان:

أحدهما: له ذلك؛ لأن الحكم لم يتم، أشبه ما قبل الشروع.

والثاني: ليس له ذلك؛ لأنه يؤدي إلى أن كل واحد منهما، إذا رأى من الحكم ما لا يوافقه، رجع، فيبطل المقصود بذلك.
واختلف أصحابنا فيما يجوز فيه التحكيم، فقال أبو الخطاب: ظاهر كلام أحمد أن تحكيمه يجوز في كل ما يتحاكم فيه الخصمان، قياساً على قاضي الإمام.

وقال القاضي: يجوز حكمه في الأموال الخاصة. فأما النكاح والقصاص، وحد القذف، فلا يجوز التحكيم فيها؛ لأنها مبنية على الاحتياط، فيعتبر للحكم فيها قاضي الإمام، كالحدود" انتهى.

من هذه النصوص السابقة لفقهاء المذاهب يتلخص ما يلي:

1. يجوز أن يحكِّم المتخاصمان مَنْ يحكم بينهما ، على وفق أحكام الله جل وعلا.

2. يشترط في هذا المحكَّم أن يكون : مسلما عدلا ذكرا بالغا ، عالما بأحكام الله جل وعلا.

3. إذا حكم المحكَّم بين المتخاصمين : فإن حكمه ينفذ ، ولو لم يرضيا به ، لأنه لو لم ينفذ حكمه ، كان تحكيمه عبثا.

4. اختلف العلماء فيما يحكم فيه المحكَّم فقال بعضهم: يحكم في كل شيء مما يحكم فيه القاضي ، وقال بعضهم : بل يحكم في الأموال خاصة ، وهذا الأخير هو الراجح ؛ لأن الحكم في الدماء والأعراض أمر يتطلب ولاية عظيمة ، كتلك التي تتوفر في الدولة , بالإضافة إلى أن الدول في زماننا هذا لن تسمح للأفراد بإقامة الحدود وتنفيذ القصاص من الأفراد ، لما يسببه من القلق والاضطراب والفتن ، فالأصح قصر التحكيم على باب الأموال خاصة.

وأما علاقة التحكيم بالصلح : فبعض الفقهاء قد اعتبره من باب الصلح ؛ لأنه لا يثبت جبرا , بل بتراضي الخصمين ، وهذا فيه معنى التصالح .

جاء في " العناية شرح الهداية "(7 / 316):

" التَّحْكِيم صُلْح مَعْنًى ؛ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِتَرَاضِي الْخَصْمَيْنِ ، وَالْمَقْصُودُ بِهِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ " انتهى .

وجاء في " البحر الرائق شرح كنز الدقائق " (7 / 26): "

... لِأَنَّ تَحْكِيمَهُمَا بِمَنْزِلَةِ صُلْحِهِمَا" انتهى.

والله أعلم.


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-20, 02:45   رقم المشاركة : 51
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



الجمع في النية بين سنة العصر وقضاء سنة الظهر

السؤال:

ما حكم الجمع في النية بين سنة العصر المستحبة القبلية وقضاء سنة الظهر ؟


الجواب
:
الحمد لله

أولا :

من شرط العبادتين المتداخلتين التي يصح للمسلم أن ينويهما معا ، ويحصل له ثوابهما بفعل واحد :

أن تكون العبادتان ، أو إحداهما ، غيرَ مقصودة لذاتها ، كتحية المسجد ، وكصوم ثلاثة أيام من كل شهر وغسل الجمعة .
.. ونحو ذلك .

فيصح أن يصلي السنة القبلية للفجر أو الظهر بنيتها ، مع نية تحية المسجد ، ويصوم يوم عرفة ، وينوي به يوما من الأيام الثلاثة من كل شهر ، ويغتسل للجنابة وينوي به رفع الحدث وغسل الجمعة ، ونحو ذلك .

ثانيا :

تبعية النافلة لصلاة قبلها أو بعدها ، يجعلها مقصودة بذاتها ، فلا يصح تداخل سنة ما قبل العصر مع قضاء راتبة الظهر ؛ لأن راتبة الظهر مقصودة بالتبعية لفريضة الظهر ، وسنة العصر مقصودة بالتبعية لصلاة العصر .

ومما قاله ابن حجر الهيتمي رحمه الله أثناء كلامه عن التداخل بين العقيقة والأضحية ، وامتناع ذلك :

" وبالقول بالتداخل : يبطل المقصود من كل منهما ، فلم يمكن القول به ؛ نظير ما قالوه في سنة غسل الجمعة وغسل العيد ، وسنة الظهر وسنة العصر .

وأما تحية المسجد ونحوها : فهي ليست مقصودة لذاتها ، بل لعدم هتك حرمة المسجد ؛ وذلك حاصل بصلاة غيرها . وكذا صوم نحو الاثنين ، لأن القصد منه إحياء هذا اليوم بعبادة الصوم المخصوصة ، وذلك حاصل بأي صوم وقع فيه .
وأما الأضحية والعقيقة : فليستا كذلك "

انتهى من " الفتاوى الفقهية الكبرى " (4/256) .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-20, 02:49   رقم المشاركة : 52
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يمكن أن يصلي ركعتين بأكثر من نية ؟

السؤال:

هل يمكن دمج النية عند أداء صلاة النافلة ، كأن أصلي ركعتين ناويا بأن تكونا نافلة عن ركعتي الوضوء وسنة المغرب البعدية ؟

الجواب:

الحمد لله

تداخل العبادات قسمان :

القسم الأول :

يصح تداخل العبادات فيه ، وضابط ذلك: أن تكون إحدى العبادتين غير مرادة لذاتها ، فهنا يجوز التداخل ، بحيث يكفي عن الفعلين فعل واحد فقط .

مثال ذلك : ركعتا تحية المسجد وركعتا الوضوء ونحوهما مما ليس مقصودا لذاته ؛ فيجوز أن يصلي شخص ركعتين بنية ركعتي الوضوء ، ونية نافلة المغرب كما ذكر السائل ؛ لأن المراد من ركعتي الوضوء أن يصلي المسلم عقب وضوئه ، سواء كانت صلاته راتبة ، أو صلاة ضحى أو غيرها .

ومثل ذلك يقال في تحية المسجد ؛ لأن المراد منها أن لا يجلس الداخل للمسجد حتى يصلي .

قال الشيخ خالد المشيقح : " تحية المسجد ليست مقصودة لذاتها فإنها تدخل مع غيرها كالسنة الراتبة ، فإذا دخلت المسجد لصلاة الظهر فإنك تصلي ركعتين تنوي بهما السنة الراتبة وتنوي تحية المسجد ، فإذا نويت تحية المسجد والسنة الراتبة حصل لك صلاتان بركعتين ، وإذا توضأت وأتيت المسجد تنوي السنة الراتبة ، وتحية المسجد ، وركعتي الوضوء يحصل لك ثلاث صلوات بركعتين فهذه من فوائد النية ، وكذلك إذا توضأ الإنسان للضحى وصلى ركعتين ينوي بهما ركعتي الوضوء وركعتي الضحى يحصل له صلاتان بركعتين " .

انتهى من " العقد الثمين " (ص161) بترقيم الشاملة .

القسم الثاني :

لا يصح تداخل العبادات فيه ، وذلك فيما إذا كانت العبادتان مقصودتين ، فهنا لا يمكن أن تُدخَل نيتان في فعل واحد .
مثّل لذلك الشيخ ابن عثيمين فقال : " إنسان فاتته سنة الفجر حتى طلعت الشمس ، وجاء وقت صلاة الضحى ، فهنا لا تجزئ سنة الفجر عن صلاة الضحى ، ولا الضحى عن سنة الفجر ، ولا الجمع بينهما أيضا ؛ لأن سنة الفجر مستقلة وسنة الضحى مستقلة ، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى .

وكذلك إذا كانت الأخرى تابعة لما قبلها فإنها لا تتداخل ، فلو قال إنسان : أنا أريد أن أنوي بصلاة الفجر صلاة الفريضة والراتبة ، قلنا: لا يصح هذا؛ لأن الراتبة تابعة للصلاة فلا تجزئ "
.
وقال : " وهكذا أيضا سنة الطواف مع سنة الفجر، مثلا: لو انتهى الإنسان من طوافه بعد أذان الفجر وقبل الإقامة، فنوى بالركعتين سنة الطواف وراتبة الفجر فإنها لا تغني إحداهما عن الأخرى ؛ لأن سنة الطواف سنة مقصودة بذاتها ، وسنة الفجر سنة مقصودة بذاتها " .

انتهى من " لقاءات الباب المفتوح " .

وقال السيوطي نقلا عن النووي "... السنتين إذَا لَمْ تَدْخُل إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى لَا يَنْعَقِد التَّشْرِيك بَيْنهمَا ، كَسُنَّةِ الضُّحَى وَقَضَاء سُنَّة الْفَجْر ، بِخِلَافِ تَحِيَّة الْمَسْجِد وَسُنَّة الظُّهْر مَثَلًا ؛ لِأَنَّ التَّحِيَّة تَحْصُل ضِمْنًا "

انتهى من " الأشباه والنظائر " (ص23)

وينظر " المجموع شرح المهذب " (5/57) .

وممن زاد هذه القاعدة بيانا وأفاض فيها

العلامة ابن رجب رحمه الله في كتابه " القواعد " (ص23) .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-20, 02:58   رقم المشاركة : 53
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل للحيوانات عقل ؟

السؤال:

هل للحيوانات عقل وفهم مثل الإنسان : فإن كانت الإجابة " لا "، فكيف فهم هدهد سيدنا سليمان عليه السلام سجود بلقيس للشمس ، وتعجب من ذلك ، إضافة إلى أن الله عز وجل أخبرنا أن الطيور والحيوانات تسجد

وتصلي ، وتسبح ، وتنطق ، فكيف تفعل كل هذا وهي لا تملك فهما ولا عقلا . وإن كانت الإجابة " نعم "، فلماذا لم تصبح مكلفة مثل الإنسان ، طالما أن لديها عقلا مثله ، وما وجه تكريم الإنسان عن بقية الكائنات ؟


الجواب :

الحمد لله

يتفق جميع العلماء والعقلاء على أن الإدراك الذي ركبه الله عز وجل في الحيوانات ليس هو العقل الغريزي ، أو ما يسميه الفلاسفة " الهيولاني " الذي كان الفارق الحقيقي بين الإنسان والحيوان ، والذي أدخل الإنسان دائرة التكليف والمسؤولية .

وأما الحيوان ، فما وهبه الله سبحانه مما نراه في إدراكه طرق تدبير معيشته ، والخضوع لخالقه ، سماه القرآن الكريم " هداية "، وذلك في قول الله سبحانه : ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) طه/50. ويسميه العلماء في كتبهم " إدراك الحيوان "، أو " فطنة الحيوان "، أو " حيلة الحيوان "، ونحو ذلك من الأسماء.

يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله :

" أُعطِيَت [يعني الحيوانات] من التمييز والإدراك ما تتم به مصلحتها ومصلحة من ذللت له ، وسلبت من الذهن والعقل ما ميز به عليها الإنسان ، وليظهر أيضا فضيلة التمييز والاختصاص "

انتهى من " مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة " (1/ 234) .

نعم ، سمى بعض العلماء هذه " الفطنة الحيوانية " عقلا ، كما فعل ابن العربي رحمه الله في كتابه " أحكام القرآن " (3/472-473) .

لكن مثل هذا الوصف للحيوان بالعقل لا يقصد به على الإطلاق : "العقل الإنساني" الذي هو " ملكة حاصلة بالتجارب ، يستنبط بها المصالح والأغراض ، ويحصل به الوقوف على العواقب ، و[التمييز] بين الأمور الحسنة ، والقبيحة " كما في " شرح التلويح " (2/312) .

وإنما يراد به ، ما سبق ذكره ، من أنه إدراك تدبير شؤون معاشها بالغريزة والحيلة ، وإدراك ما ألهمها الله سبحانه ، وركبه في طبيعة خلقها من أمور تهتدي بها إلى مصالحها ، وقوام عيشها .

هكذا ينبغي أن نفهم النصوص التي تتحدث عن " هداية الحيوان "، سواء في القرآن الكريم أم في السنة النبوية .
ولهذا لم يكن الحيوان مكلفا أبدا ، لأنه لا يملك العقل الذي ينمو ويدرك عواقب الأمور ، ويصبح هو المحرك للفعل الحيواني .

يقول السرخسي رحمه الله :

" [العقل] عبارة عن الاختيار الذي يبتني عليه المرء ما يأتي به وما يذر ، مما لا ينتهي إلى إدراكه سائر الحواس ، فإن الفعل أو الترك لا يعتبر إلا لحكمة وعاقبة حميدة ، ولهذا لا يعتبر من البهائم ، لخلوه عن هذا المعنى .

والعاقبة الحميدة لا تتحقق فيما يأتي به الإنسان من فعل أو ترك له إلا بعد التأمل فيه بعقله ، فمتى ظهرت أفعاله على سنن أفعال العقلاء ، كان ذلك دليلا لنا على أنه عاقل مميز ، وأن فعله وقوله ليس يخلو عن حكمة وعاقبة حميدة "

انتهى من " أصول السرخسي " (1/ 347)

ويقول نجم الدين الطوفي رحمه الله :

" العقل قوة غريزية ، يدرَك بها الكليات وغيرها ، وهو يوجد بوجود الإنسان ، ثم يتزايد بتزايد البدن تزايدا تدريجيا خفيا عن الحس ، كتزايد الأجسام النباتية والحيوانية في النماء ، وضوء الصبح ، وظل الشمس ، ونحوها من المتزايدات الخفية ، فلا يمكن الوقوف على أول وقت يفهم فيه الخطاب ، فجعل الشرع بلوغه عَلَمًا ظاهرا على أهليته للتكليف ، وضابطا له " ا

نتهى من " شرح مختصر الروضة " (1/ 186)

أما ما وقع من الهدهد في قصته مع سليمان عليه السلام ، فقد قال بعض العلماء : إن هذه حالة متقدمة لا يقاس عليها ، ولا نظير لها في الحيوانات ، جعلها الله تعالى معجزة خاصة بنبي الله سليمان ، فلا يقاس عليها شأن سائر الحيوان .
قال ابن حزم رحمه الله :

" وقد علمنا بضرورة الحس أن الله تعالى إنما خص بالنطق - الذي هو التصرف ومعرفة الأشياء على ما هي عليه ، والتصرف في الصناعات على اختلافها - الإنسانَ خاصة ، وأضفنا إليهم بالخبر الصادق مجرد الجن ، وأضفنا إليهم بالخبر الصادق وببراهين أيضا ضرورية الملائكة .

وإنما شارك من ذكرنا سائر الحيوان في الحياة الخاصة ، وهي الحس ، والحركة الإرادية ، فعلمنا بضرورة العقل أن الله تعالى لا يخاطب بالشرائع إلا من يعقلها ، ويعرف المراد بها ، وبقوله تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها

ووجدنا جميع الحيوان - حاشا الناس - يجري على رتبة واحدة في تصرفها في معايشها وتناسلها ، لا يجتنب منها واحد شيئا يفعله غيره . هذا الذي يدرك حسا فيما يعاشر الناس في منازلهم ، من المواشي والخيل والبغال والحمير والطير وغير ذلك ، وليس الناس في أحوالهم كذلك ، فصح أن البهائم غير مخاطبة بالشرائع .

فإن اعترض معترض بفعل النحل ، ونسج العنكبوت !

قيل له وبالله التوفيق :

إن هذه طبيعة ضرورية ؛ لأن العنكبوت لا يتصرف في غير تلك الصفة من النسج ، ولا توجد أبدا إلا كذلك .

وأما الإنسان فإنه يتصرف في عمل الديباج ، والوشي ، والقباطي ، وأنواع الأصباغ ، والدباغ ، والخرط ، والنقش ، وسائر الصناعات من الحرث والحصاد والطحن والطبخ والبناء والتجارات ، وفي أنواع العلوم من النجوم ، ومن الأغاني ، والطب ، والجبر ، والعبارة ، والعبادة ، وغير ذلك . ولا سبيل لشيء من الحيوان إلى التصرف في غير الشيء الذي اقتضاه له طبعه ، ولا إلى مفارقة تلك الكيفية .

فإن اعترض معترض بقول الله تعالى : ( عُلِّمنا مَنطِقَ الطَّير )، وبما ذكر الله تعالى من قول النملة : ( يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ) الآية ، وقصة الهدهد .

قيل له وبالله تعالى التوفيق :

لم ندفع أن يكون للحيوان أصوات عند معاناة ما تقتضيه له الحياة من طلب الغذاء ، وعند الألم ، وعند المضاربة ، وطلب الفساد ، ودعاء أولادها ، وما أشبه ذلك ، فهذا هو الذي علمه الله تعالى سليمان رسوله عليه السلام ، وهذا الذي يوجد في أكثر الحيوان ، وليس هذا من تمييز دقائق العلوم والكلام ، ولا من عمل وجوه الصناعات كلها في شيء ، وإنما عنى الله تعالى بمنطق الطير أصواتها التي ذكرنا ، لا تمييز العلوم ، والتصرف في الصناعات الذي من ادعاه لها أكذبه العيان ، والله تعالى لا يقول إلا الحق .

وأما قصة النملة والهدهد فهما معجزتان خاصتان لذلك النمل ، ولذلك الهدهد ، وآيتان لسليمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ككلام الذراع ، وحنين الجذع ، وتسبيح الطعام لمحمد صلى الله عليه وسلم ، آيات لنبوته عليه السلام ، وكذلك حياة عصا موسى عليه السلام آية لرسول الله موسى عليه السلام ؛ لأن هذا النطق شامل ولأنواع هذه الأشياء "

انتهى باختصار من " الفصل في الملل والأهواء والنحل " (1/69-71)

ويقول أبو حامد الغزالي رحمه الله :

" العقل اسم يطلق بالاشتراك على أربعة معان :

فالأول : الوصف الذي يفارق الإنسان به سائر البهائم ، وهو الذي استعد به لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية الفكرية ، وهو الذي أراده الحارث بن أسد المحاسبي حيث قال في حد العقل : إنه غريزة يتهيأ بها إدراك العلوم النظرية . وكأنه نور يقذف في القلب به يستعد لإدراك الأشياء .

الثاني : هي العلوم التي تخرج إلى الوجود في ذات الطفل المميز ، بجواز الجائزات ، واستحالة المستحيلات ، كالعلم بأن الاثنين أكثر من الواحد ، وأن الشخص الواحد لا يكون في مكانين في وقت واحد ، وهو الذي عناه بعض المتكلمين حيث قال في حد العقل : إنه بعض العلوم الضرورية .

الثالث : علوم تستفاد من التجارب بمجاري الأحوال ، فإن من حنكته التجارب ، وهذبته المذاهب ، يقال : إنه عاقل في العادة ، ومن لا يتصف بهذه الصفة فيقال : إنه غبي غمر جاهل . فهذا نوع آخر من العلوم يسمى عقلا .

الرابع : أن تنتهي قوة تلك الغريزة إلى أن يعرف عواقب الأمور ، ويقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة ويقهرها ، فإذا حصلت هذه القوة سمى صاحبها عاقلا ، من حيث إن إقدامه وإحجامه ، بحسب ما يقتضيه النظر في العواقب ، لا بحكم الشهوة العاجلة .

وهذه أيضا من خواص الإنسان التي بها يتميز عن سائر الحيوان .

فالأول هو الأس والمنبع ، والثاني هو الفرع الأقرب إليه ، والثالث فرع الأول والثاني ، إذ بقوة الغريزة والعلوم الضرورية تستفاد علوم التجارب ، والرابع هو الثمرة الأخيرة ، وهو الغاية القصوى فالأولان بالطبع والأخيران بالاكتساب "

انتهى من " إحياء علوم الدين " (1/85-86)

والخلاصة : أن العقل الذي هو مناط التكليف هو من خصائص الإنسان التي تميزه عن سائر الحيوان .

وأن ما نشهده من سلوك الحيوانات تجاه إصلاح معاشها والتصرف بمحيطها إنما هو " هداية " غريزية ، أودعها الله الحيوان ، من غير تعقل قادر على تقبل العلوم وتطوير المهارات .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-20, 03:09   رقم المشاركة : 54
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تعددت عليها الفتاوى فأخذت بما اطمأنت إليه

السؤال:

علمت أن العامي لا يملك الترجيح بين الأدلة ، وليس عليه سوى سؤال من يثق بعلمه . ولكن معنى ذلك أنه لا يستفتي قلبه أبدا ، ولا يحكم عقله إذا قرأ أدلة كل طرف . فأنا تعودت ألا أسأل شيخا بعينه ؛ لأن هناك شيوخا موثوقا بهم يكون لهم آراء شاقة وغير مبنية على فقه الواقع ، فألجأ إلى البحث في أدلة الطرفين ، مثل من يقول بخروج جميع الجماعات الإسلامية من الطائفة الناجية . فأصبحت أعتمد على شيئين :

1. اتباع الدليل . 2. التخفيف من مقاصد الشريعة . فأحيانا أسأل سؤالا فيجاب علي بإجابة أجدها متساهلة ، فأسأل من هو أكثر تشددا فإن جاوب علي بدليل واضح من الكتاب والسنة فآخذ برأيه ، والعكس ، أحيانا أسأل سؤالا فيجاب علي بإجابة أجدها شاقة ومتعنتة ، فأسأل شيخا آخر ، فإن كان رأيه أيسر (ويؤكده الدليل) آخذ به .

ومثال على ذلك الرأي القائل بعدم إعادة الصلاة التي ترك صاحبها شرطا من شروط الصلاة جهلا ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر بإعادة ما سبق عن جهل ، كما أن فيها مشقة لأنني كل فترة أكتشف خطأ كنت أفعله في الصلاة عن جهل ، فهل كل فترة سأقوم بتعويض الصلوات ، وهل سأقضي عمري كله في تعويض الصلاة !

وسؤالي هنا :

هل ما أفعله صحيح ؛ وهو : اتباع العامي للدليل المقنع إذا شك فيما أفتي به ، والبعد عن الفتاوى التي فيها مشقة واضحة لأن التخفيف من مقاصد الشريعة ؟ وللتوضيح فأمثلتي على الآراء التي أعمل بها لوجود مشقة في الرأي المقابل لها ما يلي : عدم إعادة الصلاة لترك شرط من شروطها جهلا . عدم الحكم بالكفر على من استمع إلى الاستهزاء بالدين دون رضا . تغطية القدم بالجوارب دون إسدال العباءة في الصلاة وغيرها للقدرة على الحركة .


الجواب :


الحمد لله

أولا :

الخطر الذي يجب على الجميع اجتنابه ، سواء كان عالما أو عاميا ، هو : الانتقاء لمجرد الهوى وموافقة الرغبة والشهوة ، وتقصد اختيار الفتاوى التي يتحلل بها المسلم من جميع القيود ، وتفتح له أبواب العفو عن كل التزام ، أو عن التزام ما يخالف هوى النفس ، أو يشق عليها فعله ، أدنى مشقة

لأن نفسه الأمارة بالسوء تطلب ذلك وتهواه .

فمن كان هذا حاله فهو على خطر عظيم ؛ لأن مآل حاله إلى التحلل من الشرائع ، فالنفس لا يقف هواها عند حد ، فإن أصبحت هي المعيار الذي يحدد الاختيار بين الفتاوى فقد وجدت مشروعية ذلك الهوى الفاسد ، وحينئذ يصعب العلاج ، ويتعذر الدواء . قال تعالى : ( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يوسف/53 ، وقال عز وجل : ( وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) ص/26، وقال سبحانه : ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) النازعات/40-41.

يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله :

" لا يجوز للمفتي أن يعمل بما يشاء من الأقوال والوجوه من غير نظر من الترجيح ولا يعتد به ، بل يكتفي في العمل بمجرد كون ذلك قولا قاله إمام ، أو وجها ذهب إليه جماعة ، فيعمل بما يشاء من الوجوه والأقوال ، حيث رأى القول وفق إرادته وغرضه عمل به ، فإرادته وغرضه هو المعيار ، وبها الترجيح ، وهذا حرام باتفاق الأمة .

وهذا مثل ما حكى القاضي أبو الوليد الباجي عن بعض أهل زمانه - ممن نصب نفسه للفتوى - أنه كان يقول : إن الذي لصديقي علي إذا وقعت له حكومة ، أو فتيا ، أن أفتيه بالرواية التي توافقه .

وقال : وأخبرني من أثق به ، أنه وقعت له واقعة ، فأفتاه جماعة من المفتين بما يضره ، وأنه كان غائبا ، فلما حضر سألهم بنفسه ، فقالوا : لم نعلم أنها لك . وأفتوه بالرواية الأخرى التي توافقه .

قال : وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ، ممن يعتد بهم في الإجماع ، أنه لا يجوز ، وقد قال مالك رحمه الله : في اختلاف الصحابة رضي الله عنهم : مخطئ ومصيب ، فعليك بالاجتهاد.

وبالجملة ، فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي ، والتخير ، وموافقة الغرض ، فيطلب القول الذي يوافق غرضه ، وغرض من يحابيه ، فيعمل به ، ويفتي به ، ويحكم به ، ويحكم على عدوه ويفتيه بضده ، وهذا من أفسق الفسوق ، وأكبر الكبائر ، والله المستعان " .

انتهى من " إعلام الموقعين " (4/162) .

وهذا معنى ما نجده في كتب العلماء من تحريم " تتبع الرخص "، فالتتبع هنا مقصود ، يعني التلقُّط ، داعيتُه الهوى والرغبة النفسية ، وسببه البحث عن الترخص والتشهي والتحلل من الأحكام ، فهذا هو الممنوع والمحرم .

قال سليمان التيمي :

" إن أخذت برخصة كل عالم ، اجتمع فيك الشر كله" .

وعلق عليه أبو عمر ابن عبد البر بقوله : "هذا إجماع ، لا أعلم فيه خلافا والحمد لله " .

انتهى من " جامع بيان العلم وفضله " (2/ 927) .

وسئل الإمام النووي رحمه الله :

" هل يجوز لمن تمذهب بمذهب أن يقلد مذهبًا آخرَ فيما يكون به النفع ، ويتتبع الرخص ؟

فأجاب بقوله :

" لا يجوز تتبع الرخص "

انتهى من " فتاوى النووي "(ص: 235) .

ويقول الإمام الشاطبي رحمه الله :

" إذا صار المكلف في كل مسألة عنَّت له يتبع رخص المذاهب ، وكل قول وافق فيها هواه ؛ فقد خلع ربقة التقوى ، وتمادى في متابعة الهوى ، ونقض ما أبرمه الشارع ، وأخر ما قدمه "
.
انتهى من " الموافقات " (3/ 123) .

ثانيا :

أما إذا نظر العامي في أدلة المجتهدين أو المفتين ، وراعى في نظره هذا محذور المشقة الخارجة عن المعتاد ، التي قد يؤدي إليها أحد الأقوال ، وتشكلت لديه قناعة معينة ، بسبب ما قرأ من تعليق العلماء وشرحهم ، وتوسعهم في الاستدلال لبعض أقوالهم ، فلا حرج عليه في تقليد ما اقتنع به ، ضمن هذه المعطيات .

كما لا بأس عليه في اتباع اختياره ، وإن وافق القول الأيسر ؛ لأنه لم يختر الأيسر بباعث الهوى والرغبة النفسية ، وإنما بباعث شرعي مقصود ، وهو اطمئنان القلب بالدليل المقنع ، وحسن الظن بالشريعة أنها لا تؤدي بالناس إلى العنت الخارج عن المعتاد، وليس تقصدا لتتبع الرخص أو الخروج عن التكاليف .

بل نحن ندعو العامي إلى سلوك هذا الطريق ، ولا نفضل أن يأخذ بقول من يفتيه مسلما ، بل نحثه على البحث والتأمل والتفكر ، ومحاولة الاطلاع على بعض أدوات البحث الشرعي ، ويستزيد من علومه الشرعية ، ولكن ضمن دائرة العلم والعلماء ، من غير اجتهاد مستقل ، وإحداث أقوال طارئة ، أو استطالة على العلماء وخروج عن أقوالهم .

يقول الإمام النووي رحمه الله :

" إذا اختلف عليه فتوى مفتيين ، ففيه خمسة أوجه للأصحاب ... الخامس : يتخير ، فيأخذ بقول أيهما شاء ، وهذا هو الأصح عند الشيخ أبي إسحاق الشيرازي ، وعند الخطيب البغدادي ، ونقله المحاملي في أول المجموع عن أكثر أصحابنا ، واختاره صاحب الشامل فيما إذا تساوى المفتيان في نفسه ... والظاهر أن الخامس أظهرها ؛ لأنه ليس من أهل الاجتهاد ، وإنما فرضه أن يقلد عالما أهلا لذلك ، وقد فعل ذلك بأخذه بقول من شاء منهما "

انتهى من " المجموع " (1/56) .

فإذا أجاز العلماء للمستفتي تقليد من شاء بشرط أن يكون من الفقهاء المجتهدين ، وأن لا يتبع هواه وشهوته ، فمن باب أولى أن يقال بجواز تقليد من يطمئن العامي لتقليده لقوة أدلته واقتناعه بها .

وقد نقل الشافعية عن العلامة ابن دقيق العيد ، تجويزه لهذا النوع من الاختيار بين المفتين ، بشرط:

" انشراح صدره للتقليد المذكور ، وعدم اعتقاده لكونه متلاعبا بالدين ، متساهلا فيه ، ودليل اعتبار هذا الشرط قوله : ( والإثم ما حاك في نفسك )، فهذا تصريح بأن ما حاك في نفسك ففعله إثم "

انتهى من " البحر المحيط " (8/377) .
وجاء في " المسودة في أصول الفقه " (ص: 518):

" إذا جوز للعامي أن يقلد من شاء ، فالذي يدل عليه كلام أصحابنا وغيرهم أنه لا يجوز له تتبع الرخص مطلقا ، فإن أحمد أثر مثل ذلك عن السلف ، وأخبر به ، فروى عبد الله بن أحمد عن أبيه قال : سمعت يحيى القطان يقول : لو أن رجلا عمل بكل رخصة بقول أهل المدينة في السماع ، يعنى في الغناء ، وبقول أهل الكوفة في النبيذ ، وبقول أهل مكة في المتعة ، لكان فاسقا " انتهى.

ثم يتأكد اتباع القول الأيسر : متى كان القول المقابل له يوقع المكلف في حرج ، أو مشقة خارجة عن المعتاد في شأن التكليف ، ولم يكن الدليل على ذلك القول بينا محكم الدلالة بالنسبة للمكلف المعين ، أو لم يبلغه دليل أصلا في المسألة ، أو تعارضت عليه وجوه الترجيح ، إن كان ينظر ويرجح ، أو تعارضت عليه

قوال المفتين ، وليس عنده ما يرجح بينها ؛ فلا حرج عليه في ذلك أن يبني ترجيح أحد القولين على التيسير ، ودفع المشقة ، ورفع الحرج ؛ فهذا أصل شرعي معتبر ، تكاثرت النصوص الشرعية في الدلالة عليه ، من حيث الجملة .

وأما من استمع ، وأنكر بقلبه : فلم نجد من يقول بتكفيره ، وإن كان يلحقه الإثم إذا تمكن من المخالفة أو الإنكار ولم يفعل .

والله أعلم .


وننبه هنا إلى أن المسائل الثلاثة التي ذكرتها في سؤالك قد سبق تقرير الجواب عليها في الاجابات التاليه









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-20, 03:14   رقم المشاركة : 55
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

المرأة إذا لم تستر قدميها في الصلاة جهلاً
فهل تلزمها إعادة الصلاة ؟


السؤال :

سمعت فتوى للشيخ ابن باز رحمه الله ذكر فيها أن من صلت وقدمها مكشوف ، فعليها الإعادة . سؤالي : ما حكم الصلوات التي صليت قبل معرفة الحكم ؟ وماذا علي الآن هل أقوم بإعادتها ؟ وإذا كنت لا أحصي العدد ، فما العمل ؟

الجواب :

الحمد لله

أولاً :

اختلف أهل العلم رحمهم الله : في حكم ستر المرأة للقدمين في الصلاة ، فذهب جمهور العلماء : إلى أنه يجب على المرأة أن تستر قدميها في الصلاة ، ومال إلى هذا القول الشيخ ابن باز رحمه الله ، وقد سبق في جواب السؤال رقم : ( 1046 ) نقل كلامه رحمه الله ، فينظر فيه للفائدة .

والقول الثاني : عدم الوجوب ، وهو مذهب الأحناف ، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية ، ومال إليه ابن عثيمين رحمة الله على الجميع .

جاء في " الموسوعة الفقهية " (7/86) :

" وأما القدمان ، فهما عورة عند المالكية والشافعية غير المزني , وهو المذهب عند الحنابلة , وهو رأي بعض الحنفية .

والمعتمد عند الحنفية أنهما ليستا بعورة , وهو رأي المزني من الشافعية , والشيخ تقي الدين ابن تيمية من الحنابلة " انتهى .

واستدل الجمهور على القول بالوجوب : بما رواه أبو داود (640) عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار ؟ قال : ( إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا ) .
قال الخطابي رحمه الله : " وفي الخبر دليل على صحة قول من لم يجز صلاتها إذا انكشف من بدنها شيء ، ألا تراه يقول : إذا كان سابغا يغطي ظهور قدميها ، فجعل من شرط جواز صلاتها ، أن لا يظهر من أعضائها شيء "

انتهى من " معالم السنن " (1/ 159) – ترقيم الشاملة - .

واستدل أصحاب القول الثاني : بأن القدمين مما يظهر غالباً في المرأة في بيتها ، ومع هذا لم يثبت في وجوب تغطية القدمين حديث .

وأجابوا على حديث أم سلمة رضي الله عنها ، بأنه موقوف .

قال أبو داود في " سننه " بعدما روى الحديث : " روى هذا الحديث مالك بن أنس وبكر بن مضر وحفص بن غياث وإسمعيل بن جعفر وابن أبي ذئب وابن إسحق عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة ، لم يذكر أحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم ، قصروا به على أم سلمة رضي الله عنها " انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في " الشرح الممتع " (2/ 161) :

" ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الحرة عورة إلا ما يبدو منها في بيتها ، وهو الوجه والكفان والقدمان ، وقال : إن النساء في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كن في البيوت يلبسن القمص، وليس لكل امرأة ثوبان ، ولهذا إذا أصاب دم الحيض الثوب غسلته وصلت فيه ، فتكون القدمان والكفان غير عورة في الصلاة ، لا في النظر .

وبناء على أنه ليس هناك دليل تطمئن إليه النفس في هذه المسألة ، فأنا أقلد شيخ الإسلام في هذه المسألة ، وأقول : إن هذا هو الظاهر إن لم نجزم به ؛ لأن المرأة حتى ولو كان لها ثوب يضرب على الأرض ، فإنها إذا سجدت سوف يظهر باطن قدميها " انتهى .

ثانياً :

إذا صلت المرأة زمناً بدون أن تستر قدميها ، وهي جاهلة بالحكم ، فإنه لا يلزمها قضاء الصلوات الفائتة ؛ لأنها معذورة بالجهل ، وتقضي الصلاة الحاضرة إذا لم يخرج وقتها .

قال الشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله :

" وقال مالك بن أنس : إذا صلت المرأة ، وقد انكشف شعرها ، أو ظُهُور قدميها ، تعيد ما دامت في الوقت "

انتهى من " عون المعبود شرح سنن أبي داود " (2/242) – ترقيم الشاملة - .

وللشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فتوتان : الأولى مع أعضاء اللجنة الدائمة برئاسته رحمه الله ، والفتوى الثانية له رحمه الله خاصة من فتاوى نور على الدرب ، وكلا الفتوتيين فيهما : أن من كانت جاهلة بالحكم ، فإنه لا يلزمها القضاء .

جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية " (5/143) : سمعت في برنامج ديني : أنه يحرم على المرأة أن تصلي ورجلاها ظاهرتان ، فما الحكم ؟

فأجابوا : " يجب على المرأة أن تستر جميع بدنها في الصلاة ، بما في ذلك القدمان يجب سترهما ، وأما الوجه ، فإنها تكشفه إذا لم يكن عندها رجال غير محارم لها ، وما مضى من ظهور بعض قدميك في الصلاة ، فإنه معفو عنه إن شاء الله من أجل الجهل ، وبالله التوفيق " انتهى .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : " أما كونها تقضي ما مضى من صلاتها ، فهذا من باب أنها أخلَّت بالشرط ، فإذا كانت صلت صلوات ليست ساترة لقدميها فيها ، فإن الواجب قضاؤها ، لكن إذا كانت جاهلة بالحكم الشرعي ، فلعلَّ الله جل وعلا يعفو عنها فيما مضى ، ولا يكون عليها قضاء ، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه لما رأى رجلاً يصلي وينقر صلاته ، فقال له عليه الصلاة : ( ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ ) .

... ، متفق على صحته ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد هذه الصلاة الحاضرة ، ولم يأمره أن يعيد الصلوات الماضية للجهل ، فإن ظاهر حاله أنه يصلي هذه الصلاة فيما مضى ، ولكن لما كان جاهلاً عذره صلى الله عليه وسلم في الأوقات الماضية وأمره أن يعيد الحاضر ، فدل ذلك على أن من جهل شيئاً من فرائض الصلاة ثم نبه في الوقت الحاضر فإنه يعيد الحاضر ، أما التي مضت فتجزئه من أجل الجهل ، هذا هو مقتضى هذا الحديث ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر هذا المسيء في صلاته أن يعيد صلواته الماضية

بسبب الجهل وما في ذلك من المشقة ، فهكذا التي صلت صلوات كثيرة قبل أن تعلم وجوب ستر القدمين ، فإنها لا إعادة عليها إن شاء الله على الصحيح ؛ لأنها معذورة بالجهل ، وإنما تلتزم في المستقبل وتستقيم في المستقبل على ستر قدميها وبقية بدنها ، ما عدا الوجه والكفين ، فإنهما ليسا عورة في الصلاة ، عند أهل العلم ، ولكن إذا سترت الكفين خروجاً من خلاف بعض أهل العلم ، فهذا حسن "

انتهى بتصرف يسير من " فتاوى نور على الدرب لابن باز " .

والحاصل : أن ستر القدمين في الصلاة للمرأة محل خلاف بين العلماء ، والأحوط للمرأة : أن لا تكشف قدميها في الصلاة ؛ خروجاً من خلاف أهل العلم ، وأما ما مضى من صلوات ، فإنه لا يلزمها قضائها ؛ لأنها معذورة بالجهل .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-20, 03:17   رقم المشاركة : 56
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل الفتاة المحجبة يجب عليها أن تغطي قدميها ؟

السؤال

هل الفتاة المحجبة يجب عليها أن تغطي قدميها ؟ ماذا لو ارتدت حذاء مكشوف الوجه (صندل) مع جوارب أو أي شيء يغطي قدميها ؟ هل هذا جائز ؟

الجواب

الحمد لله

كانت النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يحرصن على الستر الكامل ، ومن ذلك تغطية القدمين ، وكنَّ يطلن ذيل لباسهن ، فسألت إحداهن رسولَ الله عليه وسلم عن لمس هذا الذيل لما على الأرض مما يقذره فقال : (يطهره ما بعده) ، وعندما قال صلى الله عليه وسلم – في موقف آخر – إن النساء يرخين ذيولهن شبراً قالت إحداهن : (إذن تنكشف أقدامهن) ، فهو يدل على حرصهن على تغطية القدمين ، وأنهما مما يجب ستره .

فقد سألت امرأة أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر ، فقالت أم سلمة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يطهره ما بعده) رواه الترمذي (143) وأبو داود (383) وابن ماجه (531) والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (407) .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ، فقالت أم سلمة : فكيف يصنعن النساء بذيولهن ؟ قال : يرخين شبراً ، فقالت : إذا تنكشف أقدامهن ، قال : فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه) رواه الترمذي (1731) وقال : قال هذا حديث حسن صحيح ، والنسائي (5336) والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1864) .

فلا يجوز للمرأة أن تلبس حذاءً مكشوفاً يَظهر منه قدماها ، فإذا كان اللباس طويلاً وهي تلبس الجوارب : فلا حرج عليها ، والأفضل أن تُغطَى القدمان بالثوب لا بالجوارب .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

لو لبست المرأة سراويل أو خفا واسعا صلبا كالموق وتدلى فوقه الجلباب بحيث لا يظهر حجم القدم لكان هذا محصلا للمقصود بخلاف الخف اللين الذي يبدي حجم القدم ; فإن هذا من لباس الرجال .

" مجموع الفتاوى " ( 22 / 148 ) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

يجوز للمرأة أن تُنزل ثوبها إلى أسفل من الكعبين ، بل إن هذا هو المشروع في حقها من أجل أن تستر بذلك قدميها ، فإن ستر قدمي المرأة أمر مشروع بل واجب عند كثير من أهل العلم ، فالذي ينبغي للمرأة : أن تستر قدميها إما بثوبٍ ضافٍ عليها ، وإما بلباس شراب [ - أي : جوارب - ] أو كنادر أو شبهها .

" فتاوى المرأة المسلمة " ( 1 / 437 ) .

والله أعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-20, 03:21   رقم المشاركة : 57
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حكم من جلس يشاهد فيلما يُسَبّ
فيه الدين أو يستهان فيه بالشريعة


السؤال

لا شك أن مشاهدة الفيديو كليب أو المسلسلات أو برامج الغناء : حرام ، لكن هل لك نفس إثمهم أم إنك تأثم فقط ؛ فهل مثلا إدا شاهدت فيلما يسب الدين تعتبر كافرا للمشاهدة فقط ، أم إنك آثم؟

الجواب :


الحمد لله

حرمت نصوص الشريعة المطهرة كل معصية ، وسدت أبواب الوسائل إليها ، ونهت عن التعاون على الإثم والعدوان ، وعن التشبه بالعصاة ، وبينت أن من أحب قوما حشر معهم ، ومن تشبه بقوم فهو منهم .

وكان مما حرمته الشريعة مشاهدة تلك الأفلام والمسلسلات وبرامج الغناء والترفيه المتضمنة لغير لون من ألوان المعصية .
ومشاهدة مثل هذه الأمور إقرار لأصحابها على باطلهم ، ومن رأى المنكر فأقرّ به ورضيه ولم ينكره كان في حكم فاعله .

قال الله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ) النساء / 140 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" أي : إنكم إذا جلستم معهم وأقررتموهم على ذلك ، فقد ساويتموهم في الذي هم فيه " انتهى .

"تفسير ابن كثير" (3 / 278)

وقال السعدي رحمه الله :

" أي : إن قعدتم معهم في الحال المذكورة فأنتم مثلهم ؛ لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم ، والراضي بالمعصية كالفاعل لها ، والحاصل أن من حضر مجلسا يعصى الله به ، فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة ، أو القيام مع عدمها " انتهى .

"تفسير السعدي" (ص 210)

وقال شيخ الإسلام رحمه الله :

" لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَحْضُرَ مَجَالِسَ الْمُنْكَرِ بِاخْتِيَارِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ : ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ ) وَرُفِعَ لِعُمَرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَوْمٌ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَأَمَرَ بِجَلْدِهِمْ فَقِيلَ لَهُ : إنَّ فِيهِمْ صَائِمًا . فَقَالَ : ابْدَءُوا بِهِ ، أَمَا سَمِعْتُمْ اللَّهَ يَقُولُ : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ ) .

بَيَّنَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ حَاضِرَ الْمُنْكَرِ كَفَاعِلِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ : إذَا دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ كَالْخَمْرِ وَالزَّمْرِ لَمْ يَجُزْ حُضُورُهَا ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ، فَمَنْ حَضَرَ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِتَرْكِ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ إنْكَارِهِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي يَحْضُرُ مَجَالِسَ الْخَمْرِ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا يُنْكِرُ الْمُنْكَرَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ هُوَ شَرِيكُ الْفُسَّاقِ فِي فِسْقِهِمْ فَيَلْحَقُ بِهِمْ " انتهى .

"مجموع الفتاوى" (28 / 221-222)

وقد روى مسلم (1854) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ) .

فمن جلس يستمع لمثل هذا المنكر أو يشاهده فهو شريك أصحابه في الإثم ، وإذا تضمّن كفرا – والعياذ بالله – كسبّ الدين أو الطعن في الرسالات أو المرسلين أو الاستهانة بأحكام الدين وشرائعه والسخرية منها كاللحية والنقاب – كما يصنع كثير من الضلال اليوم – فجلس يصغي إليهم ، ولا يغضب لله ، وهو راض بما يقولون فهو مثلهم .

قال الله تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) التوبة / 65 ، 66.

فمن أتى بكلمة الكفر أو بفعل استوجب الكفر وهو يعلم أنه كفر فهو كافر ، سواء أتى به جادا أو هازلا ، ومن أصغى إليه ولم ينكر عليه ، ورضي بما قال أو فَعَل : فهو كافر مثله .

بل لو لم يرض بذلك المنكر ، وكرهه بقلبه ، ثم لم يقم من مكانه ، وهو قادر على ذلك : كان آثما بمجرد الجلوس ؛ فلو سلم من الكفر ، لم يسلم من الوقوع في إثم الجلوس في ذلك المكان.

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

أنا شاب ملتزم وأجلس في هذه الليالي المباركة في استراحة مع بعض الشباب، لكن قد يأتي من يدخن وقد يأتي من يشرب الشيشة، فماذا أصنع في هذه الحالة؟

فأجاب : " قال النبي صلوات الله وسلامه عليه: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه) فإذا حضر إلى مجالسكم حاضر وشرب الدخان فانصحه أولاً، فإن انتهى فهذا خير لك وله، وإن لم ينته وأنت قادر على إخراجه من المكان فأخرجه لأنك تقدر على تغيير المنكر بيدك، وإن لم تقدر بأن كان المكان لغيرك فاخرج؛ لأنك لم تستطع بلسانك ولا تستطيع بفعلك، ما الذي بقي؟

القلب. القلب لا يمكن أن ينكر شيئاً ويبقى مع صاحبه أبداً ، فاخرج ، قال بعض الناس : إنه يجلس معهم وهو كاره بقلبه . نقول : سبحان الله العظيم ! هذا تناقض ، لو كنت كارهاً بقلبك فمن الذي أجبرك ؟ لا يوجد إجبار ، فكل إنسان ينكر الشيء بقلبه فلا بد أن يفارق مكانه ، وإن ادعى أنه منكر بقلبه وهو باق في مكانه فهو كاذب " .

"اللقاء الشهري" (3 / 45) .

والحاصل :

أن من شاهد ذلك وسمعه ورضي به فحكمه حكم الفاعل له، وأما إذا كره ذلك بقلبه ولكنه استمر في المشاهدة والاستماع فهو على خطر عظيم ، وإن سلم من الكفر لم يسلم من الوقوع في الإثم والمعصية .

والله تعالى أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-20, 03:26   رقم المشاركة : 58
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يجوز أن يأخذ بمذهب مالك في الطهارة
حتى يدفع عن نفسه الوسواس؟


السؤال:

أنا شاب مصاب بالوسواس في الطهارة ، وأنا أعلم أن النجاسة تنتقل إذا كانت يابسة والجسم الملموس رطبا أو مبتلا ففي هذا القول أجد بعض المشقة ، وسؤالي هو : هل يجوز لي الأخذ بفتاوى المذهب المالكي بخصوص الطهارة وذلك لكثرة اليسر من خلال هذا المذهب ؟

الجواب :


الحمد لله

لا شك أن المسلم متى تبينت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان الواجب عليه لزومها .

قال الإمام الشافعي رحمه الله : " أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ "

انتهى من من "إعلام الموقعين" (1/6) .

وسنة رسول الله عليه وسلم ، وشرعه بصفة عامة : يسر لا حرج فيه ؛ فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة .

وأما مسائل الاجتهاد ، فهذه لا حرج فيها على العامي ونحوه : أن يقلد مذهبا من المذاهب الأربعة المتبوعة المشهورة عند أهل العلم ، ولا يلزمه أن يتقيد بمذهب معين ، في جميع مسائله ، على القول الراجح عند الأصوليين ، لا سيما إذا كان اختياره لمذهب في مسألة معينة ، أو في باب معين : لمقصد ديني شرعي معتبر ، وليس لمجرد التشهي واتباع الهوى ؛ فإن هذا هو الممنوع .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْتِزَامَ الْمَذَاهِبِ وَالْخُرُوجَ عَنْهَا :

إنْ كَانَ لِغَيْرِ أَمْرٍ دِينِيٍّ ، مِثْلَ: أَنْ يَلْتَزِمَ مَذْهَبًا لِحُصُولِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا مِمَّا لَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ ، بَلْ يُذَمُّ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ وَلَوْ كَانَ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا انْتَقَلَ عَنْهُ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يُسْلِمُ إلَّا لِغَرَضِ دُنْيَوِيٍّ أَوْ يُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ لِامْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا أَوْ دُنْيَا يُصِيبُهَا .
..
وَأَمَّا إنْ كَانَ انْتِقَالُهُ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ : لِأَمْرِ دِينِيٍّ ، مِثْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ رُجْحَانَ قَوْلٍ عَلَى قَوْلٍ فَيَرْجِعَ إلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ .." .

انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/222-223) ، وينظر أيضا : "البحر المحيط" (8/375) .

ولا شك أن قصد تصحيح العبادة ، ورفع الحرج ، والمشقة الزائدة ، ودفع الوساوس لا شك أن ذلك كله من المقاصد الشرعية الدينية المعتبرة .

ويترجح القول بمشروعية اتباعك لمذهب الإمام مالك في الطهارات ، بأمور :

الأمر الأول : أن هذا هو مذهب عامة الناس في بلدك ، وعليه علماؤكم ، وأمر الفتوى والأحكام في بلدكم ـ غالبا ـ كما هي عادة الناس فيما ينتشر بينهم من مذاهب .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَأَكْثَرُ النَّاسِ إنَّمَا الْتَزَمُوا الْمَذَاهِبَ ، بَلْ الْأَدْيَانَ بِحُكْمِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَنْشَأُ عَلَى دِينِ أَبِيهِ أَوْ سَيِّدِهِ أَوْ أَهْلِ بَلَدِهِ ، كَمَا يَتْبَعُ الطِّفْلُ فِي الدِّينِ أَبَوَيْهِ وَسَابِيهِ [يعني : سيده] وَأَهْلَ بَلَدِهِ ، ثُمَّ إذَا بَلَغَ الرَّجُلُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْصِدَ طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حَيْثُ كَانَتْ ...

وَكَذَلِكَ : مَنْ تَبَيَّنَ لَهُ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الْحَقُّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ ثُمَّ عَدَلَ عَنْهُ إلَى عَادَتِهِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ.

وَأَمَّا مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ مَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَقَدْ اتَّبَعَ فِيهَا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَنَّ قَوْلَ غَيْرِهِ أَرْجَحُ مِنْ قَوْلِهِ فَهُوَ مَحْمُودٌ يُثَابُ ، لَا يُذَمُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُعَاقَبُ .."

انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/225) .

الأمر الثاني : أن مذهب مالك فيه من التيسير والسعة : ما هو أقرب للحنيفية السمحة التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَمَنْ تَدَبَّرَ مَذْهَبَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ عَالِمًا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، تَبَيَّنَ لَهُ قَطْعًا أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، الْمُنْتَظِمَ لِلتَّيْسِيرِ فِي هَذَا الْبَابِ ـ يعني : باب أعيان النجاسات ـ : أَشْبَهُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمُنْتَظِمِ لِلتَّعْسِيرِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَمَّا بَالَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْمَسْجِدِ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّبِّ عَلَى بَوْلِهِ قَالَ: {إنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ} "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/339) .

ولأجل ما في مذهب مالك من موافقة أصول التيسير في الشريعة ، كان أبو حامد الغزالي يتمنى أن يكون مذهب الشافعي في ذلك الباب ، كمذهب مالك ، رحمهم الله ، ويرى أن ذلك أعون على التيسير ، وأبعد عن المشقة والحرج .
فإذا اتفق أن شخصا ابتلي بمشقة زائدة ، أو وسواس في نفسه ، وكان اتباعه لمذهب مالك من شأنه أن يدفع عنه ذلك الحرج ، لم يكن في أصول الشرع ما يمنع ذلك ، بل فيه ما يؤكده ، ويرغبه فيه .

قال أبو حامد :

" وَيَخْرُجُ الْمَاءُ عَنِ الطَّهَارَةِ : بِأَنْ يَتَغَيَّرَ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ ، طَعْمُهُ ، أَوْ لَوْنُهُ ، أَوْ رِيحُهُ .

فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ ، وكان قريباً من مائتين وخمسين مَنَّا ، وهو خمسمائة رطل برطل العراق : لَمْ يَنْجُسْ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً ) .

وإن كان دونه : صار نجساً عند الشافعي رضي الله عنه . هذا في الماء الراكد .

وأما الماء الجاري : إذا تغير بالنجاسة ، فالجرية المتغيرة نجسة .. " .

ثم استطرد في بعض مسائل المذهب في هذا الباب ، ثم قال :

" هذا هو مذهب الشافعي رضي الله عنه ؛ وكنت أود أن يكون مذهبه كمذهب مالك رضي الله عنه ، في أن الماء وإن قل : لا ينجس إلا بالتغير ؛ إذ الحاجة ماسة إليه ، ومثار الوسواس : اشتراط القلتين ؛ ولأجله شق على الناس ذلك ، وهو لعمري سبب المشقة ، ويعرفه من يجربه ويتأمله "

انتهى من "إحياء علوم الدين" (1/129) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يُقَلِّدَ رَجُلًا بِعَيْنِهِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ ، وَيَسْتَحِبُّهُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يَسْتَفْتُونَ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ ، فَيُقَلِّدُونَ تَارَةً هَذَا ، وَتَارَةً هَذَا.

فَإِذَا كَانَ الْمُقَلِّدُ يُقَلِّدُ فِي مَسْأَلَةٍ يَرَاهَا أَصْلَحَ فِي دِينِهِ ، أَوْ الْقَوْلُ بِهَا أَرْجَحُ ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ جَازَ هَذَا بِاتِّفَاقِ جَمَاهِيرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، لَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ لَا أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا مَالِكٌ وَلَا الشَّافِعِيُّ وَلَا أَحْمَد.."

انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/381) ، وينظر : (20/222) .

على أننا ننبه هنا على أمر مهم ، وهو أنه يجب على السائل ، وعلى غيره ممن أراد الأخذ بمذهب معين ، من المذاهب المتبوعة : أن يتيقن من قول المذهب في المسألة المعينة ، ولا يعتمد على ظن ظنه ، أو قول سمعه ، بل لابد من أن يسأل عن المذهب علماءه العارفين به ، المحققين لمسائله ، كما يسأل عن أمر دينه ـ بصفة عامة ـ أهل الذكر العالمين به .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-20, 03:31   رقم المشاركة : 59
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يجب اتباع أقوال ابن عباس لأن النبي
صلى الله عليه وسلم دعا له بالعلم ؟


السؤال :

هناك من يقول : بأنه لا يجوز مخالفة ابن عباس رضي الله عنهما في مسائل الفقه والتفسير، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) ودعاء رسول الله مستجاب ، فما قولكم في هذه المسألة ؟


الجواب :

الحمد لله


أولا :

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الخَلاَءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا ، قَالَ : ( مَنْ وَضَعَ هَذَا ؟) ، فَأُخْبِرَ ، فَقَالَ : (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ) رواه البخاري ( 143 ) ، ومسلم ( 2477 ) .

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ : ( اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ) "رواه البخاري ( 75 ) .
وروى الإمام أحمد في " المسند " ( 4 / 225 ) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِي - أَوْ عَلَى مَنْكِبِي ، شَكَّ سَعِيدٌ - ثُمَّ قَالَ : ( اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ ) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 6 / 173 ) .

وهذا الأحاديث فيها دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه بالفقه في الدين والعلم بالقرآن ، وهذا ما تحقق حيث أصبح ابن عباس عالما من علماء الصحابة ومفسريهم .

ثانيا :

هذه الأحاديث لا تثبت العصمة لأقوال ابن عباس رضي الله عنه :

1- لأن ليس فيها الدعوة بالعصمة من الخطأ ، وإنما فيها الدعوة بالعلم فقط .

2- عدم إصابة العالم للحق أحيانا لا يخرجه من زمرة العلماء ولا ينزع عنه صفة العلم .

3- - لا يلزم من إثبات الفقه للعالم ، الصحابي أو غيره ، أن يصيب في جميع أقواله ، فالفقهاء ما زالوا يصيبون ويخطئون ، ولكن لا شك أن لابن عباس مزية بهذا الدعاء ، فهو أقرب إلى الصواب من غيره ، وإن كان في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، من هو أولى بالفقه والصواب منه ، كأبي بكر ، وعمر ، بل وسائر الخلفاء الراشدين ، رضوان الله عليهم جميعا .

4- وقد ورد في شأن أبي بكر من الفضل ، وفي شأن عمر رضي الله عنه ، وعلمه وأن الحق ينطق على لسانه ، وفي شأن علي ، وابن مسعود ، ومعاذ بن جبل ... إلخ ، ما هو أعظم مما ورد في شأن ابن عباس ولم يلزم من ذلك كله أن يكون الوحد منهم معصوما ، أو أن اتباعه فرض لازم على الأمة في كل حال . ولم يحتج لا عمر ولا ابن عباس

ولا غيرهما من فقهاء الصحابة وفضلائهم ، على أحد من الصحابة ، بل ولا التابعين : بما ورد في فضلهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، مما يدل على أنهم لم يفهموا من هذا أن قولهم صار صوابا في جميع الأحوال .

5- بل أدل من ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين ، ولم يمنع ذلك أن يخالفهم بعض الصحابة في مسائل ؛ قال الزركشي رحمه الله ، في بحث مسألة "قول الخلفاء الأربعة" هل هو حجة أم لا : " .. لَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ خَالَفَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ فِي الْفَرَائِضِ انْفَرَدَ بِهَا، وَابْنُ مَسْعُودٍ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ ، وَلَمْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ بِإِجْمَاعِ الْأَرْبَعَةِ." .

انتهى من "البحر المحيط في أصول الفقه" (6/452) .

ثالثا :

ربما يُشكِل على هذا القائل رواية أخرى للحديث المذكور في الدعاء لابن عباس ، وهي :

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " ضَمَّنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَدْرِهِ ، وَقَالَ: ( اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الحِكْمَةَ ) " رواه البخاري ( 3756 ) .

فـ " الحكمة " هنا فسرها بعض أهل العلم بأنها الإصابة في القول ، لكن هذا مجرد قول من أقوال متعددة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :

" واختلف الشراح في المراد بالحكمة هنا فقيل : القرآن كما تقدم ، وقيل العمل به ، وقيل السنة ، وقيل الإصابة في القول ، وقيل الخشية ، وقيل الفهم عن الله ، وقيل العقل ، وقيل ما يشهد العقل بصحته ، وقيل نور يفرق به بين الإلهام والوسواس ، وقيل سرعة الجواب مع الإصابة ... والاقرب أن المراد بها في حديث بن عباس الفهم في القرآن "
.
انتهى من " فتح الباري " ( 1 / 170 ) .

فرجح ابن حجر أن المراد بها القرآن فهي مفسرة بالرواية السابقة : ( اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ )
.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :

" وقال : ( اللهم علمه الحكمة )، وفي لفظ : ( علمه الكتاب ) وهو يؤيد من فسر الحكمة هنا بالقرآن "

انتهى من " فتح الباري " ( 7 / 100 ) .

وقال ابن الملقن رحمه الله تعالى :

" المراد بالكتاب هنا : القرآن وكذا كل موضع ذكر الله تعالى فيه الكتاب ، والمراد بالحكمة أيضًا : القرآن "

انتهى من " التوضيح لشرح الجامع الصحيح " ( 3 / 383 ) .

رابعا :

ثمّ من المتفق عليه بين أهل السنة أن لا عصمة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" والقاعدة الكلية في هذا أن لا نعتقد أن أحدا معصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، بل الخلفاء وغير الخلفاء يجوز عليهم الخطأ "

انتهى من " منهاج السنة " ( 6 / 196 ) .

وقال رحمه الله تعالى :

" اتفق أهل العلم - أهل الكتاب والسنة - على أن كل شخص سوى الرسول فإنه يؤخذ من قوله ويترك ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه يجب تصديقه في كل ما أخبر ، وطاعته في كل ما أمر ، فإنه المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى " .

انتهى من " منهاج السنة " ( 6 / 190 – 191 ) .

ولهذا يعامل أهل العلم أقوال ابن عباس كأقوال غيره من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-20, 03:41   رقم المشاركة : 60
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل أقوال علماء الصحابة حجة لا يجوز مخالفتها

السؤال :

هل قول علماء الصحابة ، العارفين بتأويل القرآن ، كابن عباس ، رضي الله عنهما ، حجة ، لا يجوز مخالفتها ؟

الجواب :


الحمد لله


قول الصحابي عند أهل العلم - إذا صحّ السند إليه - له عدة حالات– على وجه الاجمال - :

القسم الأول :

قول الصحابي الذي لا يقال مثله بالاجتهاد والرأي وإنما سبيله الرواية فقط ، كأن يكون عن أمر غيبي مثلا .
فهذا القول يعتمد عليه ويكون له حكم الرفع ، فهنا احتمال قوي أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحابة أحيانا يروون السنة بلفظها ومسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحيانا بمعناها وغير مسندة خاصة إذا خرجت على سبيل الفتوى أو الجواب على سؤال .

مثال ذلك :

قال الله تعالى :

( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) البقرة ( 197 ) .

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " لَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ؛ فَإِنَّ مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ أَنْ تُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ " رواه ابن خزيمة في صحيحه ( 4 / 162 ) .

فنسبة شيء إلى السنة عمدته الرواية لا الرأي والاجتهاد .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى :

" وهذا إسناد صحيح ، وقول الصحابي : " من السنة كذا " في حكم المرفوع عند الأكثرين ، ولا سيما قول ابن عباس تفسيرا للقرآن ، وهو ترجمانه " .

انتهى من" تفسير ابن كثير " ( 1 / 541 ).

لكن يستثنى من هذا إذا كان هناك احتمال قوي أنه من الروايات الاسرائيلية المنقولة عن أهل الكتاب .
قال محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى :

" فإن كان مما لا مجال للرأي فيه فهو في حكم المرفوع ، كما تقرر في علم الحديث ، فيقدَّمُ على القياس ، ويُخَصُّ به النص , إن لم يُعْرَف الصحابي بالأخذ من الإسرائيليات "
.
انتهى من " مذكرة أصول الفقه " ( ص 256 ) .

فإذا كان الاحتمال القوي أنه من الأخبار المنقولة عن أهل الكتاب ؛ ففي هذه الحالة يكون له حكم الأخبار الإسرائيلية ؛ وحكمها كما بينه الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى :

" من المعلوم أن ما يروى عن بني إسرائيل من الأخبار المعروفة بالإسرائيليات له ثلاث حالات : في واحدة منها يجب تصديقه ، وهي ما إذا دل الكتاب أو السنة الثابتة على صدقه . وفي واحدة يجب تكذيبه ، وهي ما إذا دل القرآن أو السنة أيضا على كذبه . وفي الثالثة لا يجوز التكذيب ولا التصديق ، وهي ما إذا لم يثبت في كتاب ولا سنة صدقه ولا كذبه " .

انتهى من " أضواء البيان " ( 4 / 238 ) .

ومثال ذلك :

" حديث الفتون " الذي رواه النسائي في " السنن الكبرى " ( 10 / 172 – 183 ) عن ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى : ( وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ) طه / 40 ، وهو حديث طويل جدا .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى بعد أن ذكره :

" هكذا رواه الإمام النسائي في السنن الكبرى ، وأخرجه أبو جعفر بن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما كلهم من حديث يزيد بن هارون به ، وهو موقوف من كلام ابن عباس ، وليس فيه مرفوع إلا قليل منه ، وكأنه تلقاه ابن عباس رضي الله عنه مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن كعب الأحبار أو غيره ، والله أعلم . وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك أيضا "

انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 5 / 293 ) .

القسم الثاني :

قول الصحابي الذي يقال مثله بالاجتهاد والرأي .

وهذا له عدة حالات :

الحالة الأولى :

إذا خالف نصا شرعيا : فيقدم النص ولا يعمل بقول الصحابي .

مثال ذلك :

قال الله تعالى
:
( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ) النساء ( 11 ) .

فالله نص على نصيب ميراث البنات مع الأولاد ، ونصيب البنات لوحدهن إذا كن فوق اثنتين وعلى نصيب البنت وحدها ، ولم ينص على نصيب البنتين .

فابن عباس رضي الله عنهما أفتى بأن للبنتين نصف التركة .

وقد أجمع أهل العلم بعده على خلاف قوله وقالوا بأن لهن الثلثين .

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى :

" وفرض الله تعالى للبنت الواحدة النصف ، وفرض لما فوق الثنتين من البنات الثلثين ، ولم يفرض للبينتين فرضاً منصوصا في كتابه .

وأجمع أهل العلم على أن للثنتين من البنات الثلثين ، فثبت ذلك بإجماعهم وتوارث في كل زمان على ذلك إلى هذا الوقت ..."

انتهى من " الإشراف " ( 4 / 316 ) .

ومما استدل به أهل العلم .

حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " جَاءَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ ، قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا ، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا ، فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا وَلَا تُنْكَحَانِ إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ ، قَالَ: يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ ، فَنَزَلَتْ : آيَةُ المِيرَاثِ ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَمِّهِمَا ، فَقَالَ : أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ ، وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ ) رواه الترمذي ( 2092 ) وقال : " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ " ، وصححه الحاكم والذهبي " المستدرك " ( 4 / 334 ) ، وحسنه الألباني " إرواء الغليل " ( 6 / 121 – 122 ) .

قال ابن حجر رحمه الله تعالى :

" وقد انفرد بن عباس بأن حكمهما حكم الواحدة وأبى ذلك الجمهور ، واختلف في مأخذهم فقيل حكمهما حكم الثلاث فما زاد ، ودليله بيان السنة فإن الآية لما كانت محتملة بينت السنة أن حكمهما حكم ما زاد عليهما ، وذلك واضح في سبب النزول فإن العم لما منع البنتين من الإرث وشكت ذلك أمهما قال صلى الله عليه وسلم لها ( يقضي الله في ذلك ) فنزلت آية الميراث ، فأرسل إلى العم فقال : ( اعط بنتي سعد الثلثين ) ... ويعتذر عن ابن عباس بأنه لم يبلغه فوقف مع ظاهر الآية "

انتهى من " فتح الباري " ( 12 / 15 – 16 ) .

الحالة الثانية
:
قول الصحابي إذا خالفه غيره من الصحابة .

ففي هذه الحالة لا يكون قول أحدهم حجة دون الآخر ، بل يرجح بين أقوالهم ولا يخرج عنها.

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى :

"وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول ، ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء "

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 20 / 14 ) .

ومثال لذلك :

الحاج إذا جامع زوجته بعد التحلل الأول وقبل طواف الإفاضة ، فأفتى ابن عباس رضي الله عنه ؛ بأنه يكفيه أن يخرج إلى التنعيم فيعتمر وعليه فدية .

وأفتى ابن عمر رضي الله عنه ؛ بأن حجه قد فسد ، وعليه الحج مرة أخرى .

ففي هذه الحالة يرجح بين أقوالهم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" روى قتادة عن علي بن عبد الله البارقي : ( أن رجلا وامرأة أتيا ابن عمر قضيا المناسك كلها ما خلا الطواف فغشيها – أي جامعها - ، فقال ابن عمر : عليهما الحج عاما قابلا ، فقال: أنا إنسان من أهل عمان ، وإن دارنا نائية ، فقال: وإن كنتما من أهل عمان ، وكانت داركما نائية ، حجا عاما قابلا ، فأتيا ابن عباس ، فأمرهما أن يأتيا التنعيم ، فيهلا منه بعمرة ، فيكون أربعة أميال مكان أربعة أميال ، وإحرام مكان إحرام ، وطواف مكان طواف ) رواه سعيد بن أبي عروبة في المناسك عنه ، وروى مالك عن ثور بن زيد الديلي ، عن عكرمة – قال : لا أظنه إلا عن ابن عباس - قال: " الذي يصيب أهله قبل أن يفيض : يتعمر ويهدي " ... فإذا اختلف الصحابة على قولين :

أحدهما: إيجاب حج كامل ، والثاني : إيجاب عمرة . لم يجز الخروج عنهما ، والاجتزاء بدون ذلك " انتهى من " شرح العمدة - المناسك " ( 3 / 239 – 240 ) .

الحالة الثالثة :

قول الصحابي إذا اشتهر ولم نعلم أحدا من الصحابة أنكره
.
فمثل هذا القول جعله جمهور أهل العلم حجة .

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى :
\
" وأما أقوال الصحابة ؛ فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء".

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 20 / 14 ) .

وقال محمد الامين الشنقيطي رحمه الله تعالى :

" وإن كان – أي قول الصحابي – مما للرأي فيه مجال ، فإن انتشر في الصحابة ولم يظهر له مخالف فهو الإجماع السكوتي ، وهو حجة عند الأكثر " .

انتهى من " مذكرة أصول الفقه " ( ص 256 ) .

ومثال ذلك :

قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ : ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ ) ؟ قَالُوا : اللَّهُ أَعْلَمُ ، فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ : قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لاَ نَعْلَمُ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ، قَالَ عُمَرُ : يَا ابْنَ أَخِي قُلْ وَلاَ تَحْقِرْ نَفْسَكَ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ . قَالَ عُمَرُ : أَيُّ عَمَلٍ ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لِعَمَلٍ ، قَالَ عُمَرُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ " رواه البخاري ( 4538 ) .

وهذا تفسير من ابن عباس ، أقره عليه عمر رضي الله عنه ، ولم ينكر عليهما أحد ممن حضر ، فيكون قولا معتمدا في تفسير هذه الآية .

ولهذا قال ابن كثير رحمه الله تعالى بعد أن أورده :

" وفي هذا الحديث كفاية في تفسير هذه الآية "

انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 1 / 696 ) .

الحالة الرابعة :

قول الصحابي إذا لم نعلم باشتهاره ، ولا نعلم أن أحدا من الصحابة أنكره .

فجمهور أهل العلم على قبول قوله والاعتماد عليه .

قال ابن تيمية:

"وإن قال بعضهم قولاً ولم يقل بعضهم بخلافه ولم ينتشر ؛ فهذا فيه نزاع ، وجمهور العلماء يحتجون به ؛ كأبي حنيفة ، ومالك ، وأحمد في المشهور عنه ، والشافعي في أحد قوليه ، وفي كتبه الجديدة الاحتجاج بمثل ذلك في غير موضع ... " .

انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 20 / 14 ) .

ويدخل في هذه الحالة ما استنبطه ابن عباس رضي الله عنه من التفسير ، ولم يعرف له مخالف ولا موافق من الصحابة .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سؤال وجواب


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 11:47

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc