من مواقف علماء الجزائر - الصفحة 4 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجزائر > تاريخ الجزائر > قسم شخصيات و أعلام جزائرية

قسم شخصيات و أعلام جزائرية يهتم بالشخصيات و الأعلام الجزائرية التاريخية التي تركت بصماتها على مرّ العصور

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

من مواقف علماء الجزائر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-01-10, 10:22   رقم المشاركة : 46
معلومات العضو
السنوسي الخطابي
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا









 


رد مع اقتباس
قديم 2015-09-28, 20:39   رقم المشاركة : 47
معلومات العضو
نمرالعمودي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

الشيخ الشاعر محمد الأمين العمودي أحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين :
( 1308 - 1377 هـ)
( 1890 - 1957 م)
سيرة الشاعر محمد الأمين العمودي.

مناضل وشاعر وصحفي أعتنى بالإصلاح ..
الشهيد الشيخ محمد الأمين العمودي
لعب محمد الأمين العمودي دورا في الحركة الاصلاحية، باعتباره كان عضوا نشيطا في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كما برزت هذه الشخصية التاريخية في عدة جوانب فقد كان مناضلا وطنيا، مصلحا، شاعرا، مترجما، وصحفيا. كان يعتني كثيرا بالإصلاح قبل ظهور جمعية العلماء المسلمين، فقد دعا على صفحات جريدة «الاصلاح» لصاحبها الطيب العقبي سنة 1930، إلى تأسيس جمعية دينية يلتقي فيها العلماء والمفكرون الجزائريون، يكون منهجها الاصلاح وأساسها الدعوة إلى الاسلام الصحيح.ولد الشهيد محمد الامين العمودي سنة 1890 بوادي سوف، من عائلة فقيرة ومحافظة، توفي أبوه وهو صغير فكفله عمه العلامة الشيخ محمد بن عبد الرحمن العمودي، الذي تعلم على يده القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربية، وحين وصل سن التمدرس التحق بالمدرسة الرسمية الفرنسية الوحيدة بوادي سوف آنذاك، فحصل على الشهادة الابتدائية ثم التحق بمتوسطة بسكرة لكنه طرد منها، وعندما بلغ السنة السادسة عشرة تقدم إلى امتحان الدخول إلى المدرسة الفرنسية الاسلامية التي أنشأتها الادارة الاستعمارية لتكوين القضاة والمترجمين والوكلاء الشرعيين بكل من قسنطينة، العاصمة، وتلمسان، فحصل العمودي بمدرسة قسنطينة على شهادة وكيل شرعي.
بدأ الشهيد في نظم الشعر منذ كان طالبا، وكان شعره آنذاك يصوّر حياة البؤس والشقاء التي كان يعيشها الجزائريون، كما عبّر عن ذلك في إحدى قصائده، ثم تحول إلى الشعر الاجتماعي الساخر رافضا الخرافة، وداعيا إلى وحدة الشعب الجزائري ورفض الاستعمار.
كانت بدايته مع الصحافة سنة 1925، حيث كتب باللغتين العربية والفرنسية في أغلب صحف النهضة مثل جريدتي «النجاح» والإقدام والمنتقد والشهاب، الجزائر، صدى الصحراء والجزائر الجمهورية.
إنّ الثقافة الواسعة التي اكتسبها الشيخ محمد الامين العمودي، جعلته يرى الاشياء بمنظار الحق ويثور على الظلم ويدعو الى المساواة بين الفرنسيين والجزائريين، فالإدارة الفرنسية كانت تطلق اسم الاهالي على الجزائريين وتعتبرهم مجرد رعايا، وهذا ما كان يقلق بال محمد العمودي وغيره من المثقفين الجزائريين، لذلك ظل يناضل من أجل الدفاع عن الكرامة والحفاظ على مبادئ الشعب الجزائري وقيمه كاللغة والدين والتاريخ.
كان له موقف واضح من المستعمر الفرنسي، وهو فضح أفعاله وتوضيح اهدافه الخفية والمعلنة لضرب مقومات الشعب الجزائري، ظهر هذا الموقف في مقالاته الصحفية وأعماله الادبية والشعرية ونشاطه في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وفي 5 ماي 1931، انعقدت جمعية عامة بنادي الترقي بالجزائر العاصمة حضرها عدد كبير من العلماء، كان محمد الامين ضمن وفد ناحية بسكرة مع الشيخين الطيب العقبي والشاعر محمد العيد آل خليفة، وقد نتج عن هذا الاجتماع تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وانتخاب محمد الامين العمودي كاتبا عاما لها لأنه كان يتقن اللغة العربية والفرنسية، فادى مهامه بعد ذلك في هذا المنصب خير آداء.
عند اندلاع الثورة التحريرية كان يتابع ما يكتب عنها باللغة الاجنبية ويترجمه إلى اللغة العربية، ليطلع عليه زملاؤه الذين لا يتقنون اللغة الفرنسية، طلبت منه السلطات الاستعمارية أن يقدح في الثورة والثوار، لكنه رفض ذلك، مما جعل المستعمر يضمر له الشر، لاسيما بعدما شك أنه هو الذي ترجم لائحة مطالب جبهة التحرير الوطني التي قدمت إلى هيئة الامم المتحدة، ونتيجة ذلك اختطفته عصابة اليد الحمراء وأعدمته دون محاكمة بتاريخ ال 10 أكتوبر 1957م ..

.................................................. ..........
الأعضاء المؤسسون لجمعية العلماء المسلمين بالجزائر :
1- الرئيس : عبد الحميد بن باديس.
2- نائب الرئيس : محمد البشير الإبراهيمي.
3- الكاتب العام : محمد الأمين العمودي.
4- نائب الكاتب العام : الطيب العقبي.
5- أمين المال : مبارك الميلي.
6- نائب أمين المال : إبراهيم بيوض.
أعضاء مستشارين:
7- المولود الحافظي.
8- الطيب المهاجي.
9- مولاي بن شريف.
10- السعيد اليجري.
11- حسن الطرابلسي.
12- عبد القادر القاسمي.
13- محمد الفضيل اليراتني
.................................................. ....................‏'










رد مع اقتباس
قديم 2015-11-09, 16:43   رقم المشاركة : 48
معلومات العضو
hichamabassi
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

[IMG][/IMG][/IMG]من العلماء الشهداء ..الشهيد عباسي محمد بن لخضر..سيرة علم ومسيرة جهاد واستشهاد

منقول بتصرف عن كتاب "منطقة بن سرور ..جهاد متصل من الحركة الوطنية الى ثورة التحرير"[/IMG]

مولده ونشأته:
في يوم من أيام سنة 1911 ** وبقرية عين اعقاب الرابضة بين عدة قرى ودواوير على سفح جبل شاهق متصل بجبل الزعفرانية المنيع ..رزق الوالدان لخضر بن السـلامي بن محمد عباسـي المتصل نسبا بخالد بن زكري من ذرية سيدي محمد نائل، وحــدّة بنت أحمد بن المقــدم طاهري سليلة الأرومة نفسها، بطفل كان خامس إخوته الذكور وأصغرهم ، و قد علت الفرحة والابتهاج أرجاء البيت ترحيبا بالوافد الصغير، وبعد مشاورة سريعة في الأسرة استقر الرأي على أن يحمل المولود الجديد اسم محمد تبركا وتيمنا بصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم ،لأن خير الأسماء ما عُبّد وحُمّد.
كان الوالد لخضر بن السلامي رجلا ميسور الحال نسبيا بمقاييس ذلك الزمن ، شهما جوادا مولعا بالفروسية وركوب الخيل وألعاب الفانتازيا ،معتدا بنفسه غاية الاعتداد ، معتدلا في آرائه وتصرفاته ،لم يعرف عنه تشددا أو تزمتا في الدين خارج أداء الفرائض المعروفة كسائر الناس، بل كان إلى اللهو وحب الاستمتاع بالحياة أقرب منه إلى التدين والالتزام بالفرائض الدينية ،ويروي أكبر أبنائه " موسى" أن والده كان ذا هيبة ومكانة وكان أبناء القرية يجلونه و يوقرونه يكنون له احتراما خاصا ، حيث كان الجميع ينادونه بالأب، ومع ذلك كان الرجل ذا مزاج غريب في حياته الخاصة وفي حياته الزوجية إذ لا يكاد يتزوج حتى يطلق، حيث تزوج إحدى عشرة امرأة ، أما سبب بقاء أم الأولاد في عصمته إلى آخر يوم في حياتها فلأنه كلما فكر في تطليقها وجدها حاملا فيتركها حتى تلد ثم ينتظر حتى يفطم الولد فيجدها حاملا من جديد وهكذا..، كما عرف عنه المواظبة على حضور المناسبات والأفراح مصطحبا فرسه وسلاحه حتى يظهر مواهبه في هذه الفنون التي يتقنها جيدا.
وفي هذه الأجواء الهادئة عاش الطفل محمد حياة عادية مستقرة ،وكان مفهوم الاستقرار في تلك الأيام يُترجَم بالإقامة الدائمة في مكان واحد بعيدا عن شظف العيش و حياة الحل والترحال ورحلة الشتاء والصيف التي عرف بها أبناء هذه الناحية خصوصا في السنوات العجاف حين يقل الزرع ويجف الضرع،ومما هو معروف لدى عامة الناس عن لخضر وأبنائه من بعده أنهم لم يرتحلوا خارج حدود منطقتهم قط مهما شحّت عليهم السماء و قست عليهم الظروف.
غير أن تلك الحياة العادية المستقرة التي نعمت بها الأسرة لم تدم طويلا، ولم تمنح الصبي فرصة الاستمتاع بحياة طفولة هادئة مطمئنة في كنف عناية ورعاية والديه ،إذ سرعان ما كشّر الدهر على أنيابه حين فُجع الطفل محمد بوفاة والدته على اثر عملية ولادة فاشلة قبل أن يكمل عامه الثاني، وبفقدها فقد الطفل الصغير الحضن الدافئ والصدر الحنون، وما هي إلا أشهر قليلة حتى تزوج الوالد من امرأة أخرى ولكنها كانت امرأة طيبة كريمة فاضلة فاحتضنت الطفل الصغير محمد وبقية الإخوة ، واستوصت بهم خيرا ،وعوضتهم حنانا بحنان وكانت لهم أما بعد أمهم ، واحتل محمد - باعتباره أصغر الأبناء - من نفسها وقلبها مكانا مميزا وغمرته بعطفها وحنانها فلم يشعر معها باليتم والحرمان. *
لكن كابوس الفواجع و مسلسل الآلام والمواجع لم ينته من حياته، و ما كاد يهنأ في ظل رعاية أمه الثانية حتى نُكب مرة أخرى بفقد والده ،وكانت الصدمة هذه المرة أشد و أقسى من أن يحتملها قلب الفتى الصغير محمد الذي بات يتيم الأبوين قبل أن يبلغ سن الخامسة من العمر، ومما زاد من آلامه وحرمانه خروج زوجة الأب من حياة الأسرة وانتقالها إلى بيت والدها لتبدأ حياة أخرى تاركة الطفل وبقية إخوته يكابدون ظروف اليتم والحرمان وآلام الفراق.
ولأنه كان خامس إخوته وأصغرهم سنا، فقد كان الطفل محمد أثيرا لدى أشقائه حبيبا إلى قلوبهم قريبا إلى نفوسهم، خصوصا لدى شقيقه الأكبر (موسى)، الذي كان عنده بمنزلة الابن، ويذكر موسى كيف كان يأخذ شقيقه الصغير لينام بجانبه محاولا تسليته والتخفيف عنه بعد أن تعذر عليه النوم طيلة أيام نتيجة استغراقه في نوبات من البكاء الهستيري حين وجد نفسه يتيم الأبوين ، ونتيجة لحالة التشتت الأسري والفراغ العاطفي التي حدثت في الأسرة خصوصا بعد فراق زوجة الأب وما كان يسببه ذلك الفراق من ألم وحزن للطفل و لبقية الأخوة.
ظل الصبي محمد في رعاية شقيقه الأكبر موسى الذي لم يدخر جهدا في سبيل تربيته ورعايته وإسعاده، وما إن رأى من علامات النباهة والذكاء عند شقيقه الصغير حتى آل على نفسه أن يتكفل به ويعتني بتربيته ويمكنه من مزاولة الدراسة والتعلم عسى أن يكون له شأن، وهكذا خطا به خطوته الأولى على درب العلم والمعرفة بأن توجه به نحو الكتاتيب القريبة لينال قسطا من القرآن الكريم وحفظ بعض المتون، غير أن الفتى محمد أبان منذ الأيام الأولى عن استعداد فطري واضح للتعلم، وأظهر رغبة جامحة في مواصلة تحصيله مما شجع شقيقه موسى على أن يخطو به الخطوة الثانية على المسار ذاته حيث توجه به شطر مدرسة الشيخ على بن عمر بطولقة (الزاوية العثمانية حاليا) جريا على عادة أبناء ذلك الزمان، فمكث بها مدة أتاحت له حفظ القرآن الكريم ،ونهل من فيض علمها فدرس التفسير والحديث النبوي الشريف والفقه واللغة والأدب والحساب، على أيدي خيرة شيوخها منهم : الشيخ بن علي بن عثمان شيخ الزاوية آنذاك ، و الأستاذ المداني عثماني وعبد الله بن مبروك ،وتزود من مكتبتها العامرة بالكتب القيمة والمخطوطات النادرة في شتى علوم الدين واللغة والأدب، و تُعد هذه المكتبة من أغنى المكتبات الخاصة في القطر الجزائري.
وأثناء وجوده بالزاوية العثمانية تعرّف على أحد أبنائها النجباء، وشيخ من شيوخها الأجلاء، وهو الشيخ العالم الشهيد المصلح عبد الحفيظ جلاب *، وربما انتقلت إليه فكرة اعتناقه للفكر التنويري الباديسي الإصلاحي عن طريق هذا الرجل، وقد شكّل تحصيله العلمي من هذه الزاوية زادا شجعه على العودة إلى بلدته ومسقط رأسه "بن سرور" التي استقر بها فور عودته من طولقة ،وجعلها مركزا لانطلاق عمله التربوي والإصلاحي الذي كان هدفه الأسمى ورسالته في الحياة ، ونقل ما تعلمه هناك وجعله في خدمة جحافل المحرومين من نور العلم والمعرفة من أبناء مدينته ومنطقته.
غير أن السياسة الاستعمارية المستندة إلى قانون "الأنديجينا le code de l'idigénat * العنصري السيئ السمعة القائم على التجهيل والعمل على طمس الهوية الثقافية و الحضارية للشعب الجزائري ، لم تكن لتسمح للشيخ بمزاولة التدريس بالحرية التي يتمناها، خصوصا بعد أن أبان عن ميوله السياسية وبدأت تتكشف لها صلاته واتصالاته بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وبأحزاب الحركة الوطنية الأخرى، بل إن علاقة الشهيد سي محمد بن لخضر بجمعية العلماء في هذه الفترة قد تأكدت، وصلاته بها قد توطدت ، وبات بالفعل صوتا عاليا من أصواتها المسموعة، وعنصرا نشطا من عناصرها في المنطقة ، وهنا بدأت رحلة المضايقات ووضع الحواجز و العراقيل أمامه من طرف إدارة الاستعمار و بإيعاز من أعوانها من الطرقيين والانتفاعيين ، وغالبا ما تكون حجج و مبررات المنع هي عدم الحصول على الترخيص الإداري اللازم من السلطات، لكن إصراره على أداء المهمة مهما تعددت العراقيل وتنوعت الضغوط جعله يفكر في تخصيص جانب من جوانب بيته الفسيح للتدريس نهارا ، أما ليلا فكان يخصصه لاستقبال بعض رفاقه وخلصائه لإلقاء بعض المواعظ و الدروس، تتخللها مسامرات ومناقشات تتناول الأوضاع العامة في البلاد وخارجها، ويروي أحد جلسائه أنه كان يملك مذياعا يلتقط به عددا من المحطات العربية،وقليلا من يملك مذياعا في ذلك الوقت، وعندما يحين موعد الأخبار ترانا وكأن على رؤوسنا الطير، وكانت إسرائيل قد احتلت فلسطين في ذلك العام، وكان الشيخ حزينا ومتأثرا جدا لما حاق بالشعب الفلسطيني وببيت المقدس نتيجة هذه النكبة الموجعة ، وعند انتهاء النشرة يغلق المذياع ويلخص لنا ما جاء في الأخبار ، وكان في كل مرة يقول : يا إخواني مأساة الشعب الفلسطيني ومأساة الشعب الجزائري واحدة ،غير أن مشكلة الجزائر أقل تعقيدا وهي ستتحرر عن قريب من الاستعمار الفرنسي ،أما مأساة الشعب الفلسطيني فهي معقدة جدا ويعلم الله كم يلزمهم من الوقت حتى تنتهي محنتهم ويتحرروا من الاحتلال الصهيوني، أما حين يسافر أو ينشغل لسبب من الأسباب فكان ينتدب مكانه تلميذه ورفيقه في الوقت نفسه الغربي العربي للقيام مقامه في مهمة التدريس.
كان الشهيد ضمن لجنة العلماء التي شكلها بن الضيف زيان بعد انتخابه رئيسا لأول مجلس بلدي لبلدية بن سرور سنة 1947 وتتكون هذه اللجنة من السادة : سي محمد بن لخضر عباسي، سي محمد بن معاش ،سي محمد بن رمضان بن داود ، ، ومهمة هذه اللجنة الاضطلاع بأمور القضاء والإفتاء و حل الخلافات والمنازعات التي تنشأ بين المواطنين وإصلاح ذات البين بينهم ، وغالبا ما كان الشهيد يركز في دروسه وخطبه على جوانب الإصلاح في أمور العقيدة وتطهيرها من البدع والخرافات دافعا طلابه ومريديه إلى الشد على زناد اليقظة الروحية والفكرية والوطنية كلما شعروا بالخطر الداهم يبتغي استئصال هويتهم أو ينال من دينهم ووطنهم، وقد جعله ذلك النشاط التربوي الإصلاحي ذو المضمون السياسي موضع ترصد ومتابعة وتهديد ومطاردة ،بل ضمن دائرة الاستهداف الجسدي من قبل السلطات الفرنسية.
وفي هذه الأجواء المتوترة العاصفة بينه وبين الإدارة الاستعمارية واصل الشيخ سي محمد عملية التدريس والتكوين والإعداد لتلاميذه التي بدأها بهمة ونشاط إلى غاية 1949 وهي السنة التي غادر فيها أرض الوطن قاصدا البقاع المقدسة لأداء فريضة الحج.
*في رحاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين:
رأى الشهيد عباسي محمد - كما رأى غيره- في ميلاد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أملا جديدا يشرق في دنيا الجزائر المظلمة ، ونورا يضيء سماءها المعتمة بغيوم الظلم والجهل والتخلف والحرمان ، و ما إن برزت الجمعية إلى حيز الوجود عام 1931 حتى كان الشهيد وجها من وجوهها النشطة، وعنصرا من عناصرها الفاعلة في ناحية بوسعادة ، وبقي وثيق الصلة بالجمعية وبقادتها ، ينشط ضمن صفوفها ويشترك في صحفها و يتبنى نهجها ويتقاسم أفكارها مع ثلة ممن كانت لهم اهتمامات علمية وإصلاحية وسياسية من رفاقه أبناء الحركة الوطنية في ناحية بوسعادة عامة وأبناء الجمعية خاصة، نذكر منهم الأستاذ عيسى بسكر، وعبد القادر بن حميدة،ورفيقه وابن بلدته الشيخ سي محمد بن معاش ، والعربي بن بازة، و فكاني العموري، ، وعلي بيوض ،كما كانت له صلة واحتكاك بالشيخ نعيم النعيمي * أديب الفقهاء وفقيه الأدباء وأحد أصحاب فكرة إنشاء المعهد الإسلامي بمدينة بوسعادة ** ويحضر دروسه ومحاضراته كلما سمحت الظروف بذلك، كما شارك مع إخوانه ورفاقه في جهود النهضة والإصلاح عبر مشاركته المنتظمة في الندوات والمجالس التي كانت تعمل على توحيد الجزائريين وشحذ هممهم لمقارعة عدوهم الأول الجاثم على صدورهم قبل أرضهم، كما كان شديد الالتزام والمواظبة على حضور المنتديات والملتقيات السياسية والتربوية والإصلاحية التي كانت تعقدها الجمعية في أنحاء مختلفة من البلاد، من بينها مثلا حضور لقاءات وندوات "نادي الترقي" بالعاصمة، ومشاركته في افتتاح دار الحديث بتلمسان سنة 1937 ، وحرصه على الحضور والمشاركة في توديع الشيخ البشير الإبراهيمي يوم قرر السفر إلى المشرق العربي سنة 1952.
لقد انصب اهتمام الشهيد وانصرف جهده إلى أحوال بلدته الغارقة في ظلام الجهل والتخلف وانتشار البدع و الخرافات الباطلة والاعتقادات الفاسدة، وكان من أبرز نشاطاته الإصلاحية في المنطقة رفقة زميله ورفيق دربه في العلم والجهاد والاستشهاد الشيخ سي محمد بن معاش هو التصدي بقوة لدعاة الحركة الطرقية التي كانت متفشية في أوساط العامة نتيجة لانتشار الفقر والجهل ،و لم يكونا راضيين عن ضلالها ولا مطمئنين لتصرفات رجالها بعد أن رأيا أن دين الله في هذه الجهة قد غشيته غاشية من البدع والمنكرات ، فرفعا الصوت، وأعلنا النكير، وشددا التحذير،واعتبرا ما يقوم به أتباع هذه الحركة الضالة المضللة من قبيل الشعوذة والدجل والزندقة وتشويه الدين الحنيف، وتخدير الجماهير وتنويمها وإبعادها عن المطالبة بحقوقها الوطنية المشروعة في الحرية والتعلم والعمل والعيش الكريم، فسفّها دعواهم وحاربا أباطيلهم وضلالهم معتمديْن في ذلك منهج الجمعية الصارم في محاربة الطرقية وأتباعها، ذلك المنهج القويم المستند إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة "ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون"(01) و "أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون "(02)و "قال هل يسمعونكم إذ تدعون ، أو ينفعونكم أو يضرون "(03).
وإذا كان أسلوب سي محمد بن لخضر عباسي في محاربة هذه الآفة والتوعية بمخاطرها على حاضر الأمة ومستقبلها قائما على اللين والحكمة والموعظة والمجادلة بالتي هي أحسن ، فإن الشيخ سي محمد بن معاش كان أكثر حدة وصرامة و لم تأخذه في دين الله لومة لائم، ولم يرق له ما كان يسمع ويرى إذ اعتمد أسلوبا مغايرا في مقارعة أصحاب البدع و الشعوذة يقوم على الزجر والتعنيف والشدة والتقريع أحيانا، وكأني بالرجلين - اللذين ربطت بينهما روابط الأخوة والمودة والمصاهرة والأفكار والتوجهات الإصلاحية والسياسية المشتركة برباط وثيق - قد عمدا إلى هذا النهج عن قصد وسابق تخطيط بحيث اتضح مع الوقت أن أسلوب المزاوجة بين الشدة واللين ينسجم تماما مع ظروف الناس واختلاف طبائعهم ودرجة وعيهم، و كانت له في نهاية المطاف نتائج ايجابية على المجتمع في حاضره ومستقبله.
لم تكن محاربة الشهيدين للشعوذة والدجل وأباطيل الحركة الطرقية التي كانت نهجا ثابتا وأسلوبا متبعا لدى بعض الزوايا لتحجب رؤيتهما إلى الحق أو تقودهما إلى التطرف والشطط وإطلاق الأحكام الجائرة و تعميم تلك الأوصاف والنعوت على بعض الزوايا الوطنية ذات النهج التربوي القويم التي كانت على الدوام منارات شامخة للعلم والمعرفة، وحصونا منيعة حاضنة لقيم الأمة وهويتها الثقافية والحضارية.
لقد ساهمت جهود الشيخين الإصلاحية والسياسية مساهمة واضحة في إعادة تشكيل الوعي الفكري والاجتماعي لأبناء المنطقة ، و انتسب إلى صفوف الجمعية عدد معتبر من رجال تلك الفترة و شبابها ببن سرور نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر : بن الضيف زيان الذي كان من أوائل من ربطوا الاتصال بالجمعية وكانت تصله صحفها ومنشوراتها بانتظام ،دحماني أحمد بن عامر ، بن الضيف "القائد" البشير ، سي عبد الرحمان بن صوشة ، بن الضيف البشير، محمدي مصطفى بن عطية ،طويري امحمد ، بن محجوبة زيان ، بن الضيف الحفناوي ،الغربي العربي ، حبيب محمود ، ، دحماني السقاي ، بن الوناس السعيد ،بن خناثة الدواحي، صديقي البشير، بليح امحمد ،بن صوشة علي ، الحامدي أحمد وغيرهم.
*على درب النضال السياسي الوطــني:
مع مطلع العام 1946 أخذ الشهيد يعمق نضاله الوطني ، وأضحت له نشاطات ومساهمات واضحة ضمن أحزاب الحركة الوطنية الناشطة في الساحة آنذاك عبر صحفها ومنتدياتها ، خصوصا حزب الشعب الجزائري (PPA PARTI DU PEUPLE ALGERIEN. ، وحزب أحباب البيان والحرية AMIS DU MANIFESTE ET DE LA LIBERTE A.M L ، وحزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري (U .D.M.A UNION DEMOCRATIQUE DU MANIFESTE ALGERIEN) ، وكانت مدينة بوسعادة آنذاك تمثل ملتقى للمناضلين من أجل القضية الوطنية وبرزت فيها أسماء وطنية معروفة من أمثال: الأستاذ عيسى بسكر ،عبد القادر بن حميدة، العربي بن بازة ،فكاني العموري وغيرهم ، يقصدها قادة الحركة الوطنية بين الحين والآخر، ومنها ينطلقون إلى المناطق المجاورة لبوسعادة للوقوف على أحوال هذه المناطق وظروف سكانها ، والاتصال برفاقهم وأتباعهم هناك وتزويدهم بالنصائح والتوجيهات وما إلى ذلك.. .
ومن بين هذه الزيارات تلك الزيارة المشهودة،والخطوة المعدودة التي قام بها بعض زعماء أحزاب الحركة الوطنية إلى مدينة بن سرور سنة 1946 برئاسة الزعيم فرحات عباس* الذي كان مرفوقا بثلة من كبار القادة السياسيين من بينهم على الخصوص : محمد بوضياف ،أحمد فرنسيس ،عبد القادر الأغواطي ،بومنجل يرافقهم بعض ممثلي الحركة الوطنية بناحية بوسعادة من أمثال: سي عيسى بسكر ، عبد القادر بن حميدة ، الحاج العربي بن بازة، الباهي عامر،إبراهيم سرقين،عماري عبد القادر، بوزيان جلول،عمر قطاي وآخرون، بمناسبة حملة التحضير والتوعية للانتخابات البرلمانية المقررة في تلك السنة، فاستقبلوا بالمدينة استقبالا شعبيا حافلا بالخطب والأناشيد الوطنية الحماسية، و أعد لهم سكان المدينة ما يليق بهم من حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة وقد اتخذ الوفد من بيت الشهيد شي محمد عباسي مقرا للإقامة والضيافة ومكانا للاجتماع، وأصبح هذا البيت شاهدا على رمزية هذا الحدث التاريخي الكبير وأهميته وتأثيره في تاريخ هذه المنطقة .
ومع أنه كان من شبه المؤكد أن هذه الزيارة حصلت في النصف الأول من سنة 1946 ،غير أن هناك سؤالا وجيها يثيره البعض و تبقى الإجابة عنه معلقة حول السبب الحقيقي للزيارة برأيهم ..هل هي ترويج ودعوة للمشاركة في انتخابات 02 جوان 1946 التي شارك فيها عباس فرحات بحزبه الوليدU.D.M.A وحلفاؤه من جمعية العلماء؟ أم جاءت للدعوة إلى المقاطعة وعدم المشاركة في انتخابات 10نوفمبر 1946 التشريعية التالية التي قاطعها عباس وحلفاؤه وشارك فيها مصالي الحاج وحزبه الجديد M.T.L.D ؟.
غير أن مجريات الأحداث تؤكد أن الزيارة جاءت لحث المواطنين ودعوتهم إلى المشاركة في انتخابات 02جوان 1946 التي كانت نتيجتها لصالح فرحات عباس وحلفائه من العُلمائيين وغيرهم حيث حصد 11 مقعدا من أصل 13 مقعدا مخصصة للجزائريين في المجلس التأسيسي الثاني(01) ، في حين لم يحصل الاشتراكيون على أكثر من مقعدين ، أما الشيوعيون فلم يحصلوا على أي مقعد.
وبفضل هذه الزيارة الناجحة **، ونتيجة لعملية التوعية والتجنيد ورفع درجة الوعي الوطني في أوساط المواطنين تمكن فرحات عباس ورفاقه من تمرير خيارهم وفرض إرادتهم المتمثلة في دعم قائمة عباس وحلفائه في هذه الانتخابات، التي حقق فيها نتائج جيدة ، ومنيت فيها فرنسا ومشروعها وحلفاؤها ومرشحوهم بهزيمة سياسية قاسية، وكانت النتيجة التي حصلت عليها القائمة المدعومة من الفرنسيين ببن سرور 14 صوتا فقط ، فجن جنون فرنسا لهذه النكسة السياسية التي لحقت بها ، وراح مسؤولوها يخبطون يمينا وشمالا بحثا عمن كان وراء هذه الهزيمة، وألقوا باللائمة في ما حدث على عاتق من كانوا يظنون أنهم أنصار فرنسا وخدامها في المنطقة ، فتوجهوا رأسا إلى الآغا أحمد بن الضيف وأخيه الحاج زيان يسألون عن الأسباب التي أدت إلى هذه الخسارة، فكان ردهما أن قيم الحرية ومبادئ الديمقراطية الفرنسية تعطي للمواطن الحق في أن ينتخب من يشاء أو يقاطع إن أراد المقاطعة.. فسأله المسؤول : دعني من أصوات المواطنين العاديين أين هي أصوات عائلة الآغا وحاشيتهم وحراسهم وخدمهم و.و.و الخ ؟ وازداد حنق السلطات وسخطها وفهمت أن الخسارة نتيجة منطقية لزيارة وفد الأحـزاب الوطنية إلى بن سرور وترجمة عملية لتعليمات رجالها إلى الأنصار والمريدين،وقد أضمرت فرنسا شرا مستطيرا للمنطقة ورجالها* بفعل هذه الهزيمة النكراء ،وقررت أن تنتقم لنفسها ، وكانت الخطوة الأولى أن جمعت الأعيان الذين التقوا بوفد الحركة الوطنية وفي مقدمتهم الشهيد سي محمد عباسي ورفاقه** وقررت نفيهم خارج حدود المنطقة باتجاه عين الصفراء ، ولم تقرر السماح لهم بالعودة إلى ديارهم إلا بعد حركتي ضغط وتضامن واسعتين من طرف وجهاء وأعيان القبائل والعروش المجاورة،الذين هددوا بالتمرد والخروج على السلطات الاستعمارية الفرنسية إن لم تبادر بإطلاق سراح أعيان عرش أولاد خالد فورا ، وكان الشيخ سي مصطفى بن محمد القاسمي الذي كان شيخا لزاوية الهامل القاسمية في الفترة (1970.1928)، قد قام بوساطة وتدخل لدى الحاكم الفرنسي العام بالجزائر الذي كانت تربطه به وبالسلطات الفرنسية علاقة وطيدة لإيجاد حل للقضية ، وقد أثمرت هذه الجهود والضغوط والوساطات في ثني السلطات الفرنسية عن تنفيذ قرارها التعسفي ، واضطرت بعد هذه الحركة الاحتجاجية إلى إصدار أمر بإعادة الرجال المحتجزين إلى ديارهم ،ولولا تدخل الشيخ سي مصطفى القاسمي لانتهى الأمر بالموقوفين إلى النفي وربما الإعدام ، ومازال أبناء المنطقة يحفظون للشيخ الوقور سي مصطفى ذلك الموقف الرائع إلى اليوم.
غير أن الذي لاشك فيه هو أن هذا المهرجان السياسي والنجاح الذي حققه قد شكل نقطة تحول فاصلة في تاريخ هذه المنطقة النضالي، وأعطى إشارة انطلاق لمرحلة نضالية حاسمة للمنطقة وأبنائها ضد الوجود الاستعماري البغيض ، كما شكل من جهة أخرى بداية لمرحلة جديدة في مسار الشهيد عباسي محمد وعلاقته المتأزمة بالسلطات الفرنسية التي أخذت تتطور بمرور الوقت من سيئ إلى أسوأ، حيث أن هذه السلطات لم تكن سعيدة بسبب السمعة الطيبة و المكانة اللائقة التي يحظى بها الرجل في أوساط أبناء المنطقة ،بل توجست منه وراحت تنظر بعين الشك والقلق والارتياب لأية حركة أو نشاط يقوم به الشيخ ، وأحاطته بمراقبة سرية دقيقة، وبدأت تترصد أقواله وأفعاله وتحركاته، فقابل هذا التضييق والمراقبة بوضع احتياطات أمنية صارمة، واتخذ لنفسه أعلى درجات الحيطة والحذر خلال تنقلاته إلى مختلف جهات الوطن، بحيث إذا سافر بالقطار مثلا عاد بالحافلة أو العكس .
لكن هذه النشاطات السياسية على أهميتها وكثافتها لم تكن لتصرف اهتمام الشهيد عن هدفه الرئيسي وهو العمل التربوي المتصل من أجل تهيئة الشباب وإعداده ليوم عظيم لا ريب فيه يحق الحق ويبطل الباطل، وكان المسجد العتيق ببن سرور الذي كان الشهيد إماما خطيبا به أفضل مكان للقيام بهذه المهمة الجليلة ، حيث كان هذا المسجد جامعا وجامعة ومركز إعداد وتوعية وتنظيم وتدريب في الوقت نفسه ، وكان من ثمار عمله التربوي والتوعوي هذا أن برزت على يديه نخبة طيبة من شباب المنطقة تشبعوا بالقيم الوطنية الأصيلة وروح الجهاد والاستشهاد،فانخرطوا في أتون الثورة المباركة منذ أيامها الأولى ومن هؤلاء: بن عزوز محمد(شهيد)،العيشي الأزهري (شهيد)(01)، دحماني عيسى(شهيد)،بن السلامي مخلوف(شهيد) جلد عطية (شهيد)، بن سديرة أحمد (شهيد)حبيب أحمد (مجاهد)، محمودي محمود (مجاهد)،عباسي عبد الرحمان(مجاهد)،الغربي العربي(مجاهد) ، عمار القبايلي (مجاهد)، بن صوشة عبد الكريم (مجاهد)، مزياني صالح(مجاهد)، لبادي محمد بن البشير(مجاهد) ، بن الوناس العمري (مجاهد)، عامر دحماني (مجاهد) بن الموفق عبد القادر (مجاهد)،بن صوشة محمد الصغير(مجاهد)، بن الوناس أحمد (مجاهد) ،بن عزوز الصحراوي(مجاهد)،ومن تلاميذه أيضا سعدي عثمان ، العشي العربي ، محمودي عبد العزيز ، بن قسمية عمر، مني محمد ، الحامدي سليمان ، الحامدي محمد ،خضار بوسعيد ،بوناب بلال وغيرهم..ولقد كان هؤلاء الفتية النجباء الذين آمنوا بربهم ووطنهم مثالا في الإخلاص والتضحية وروح الفداء ، فكانوا جميعا على موعد مع التاريخ حين لبوا نداء الوطن و انخرطوا في ركب الثورة التحريرية المباركة "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" (02).
*في ركب الثورة التحريرية:
لقد تعلقت همة الشهيد سي محمد بن لخضر عباسي بالدفاع عن وطنه منذ تفتحت عيناه على الواقع المرير الذي فرضه الاستعمار البغيض على وطنه وشعبه،وضاق صدره مما يسمع ويرى ،وبإحساس الرجل الوطني المناضل المتشبع بأفكار الحركة الوطنية، الشاهد على جرائم فرنسا ضد الشعب الجزائري في مجازر الثامن ماي 1945 الدامية ، لم يكن ليفوّت سانحة أو يترك مناسبة إلا وعبر فيها عما يحس به من مشاعر الحزن و الألم ، وما بداخله من براكين الثورة والغضب من جور الاستعمار وظلمه وعسفه وبشاعة جرائمه، وما كان يمر يوم إلا و تعلق قلبه بالأمل في تغيير هذا الواقع الظالم المظلم إلى واقع آخر أكثر عدلا وإشراقا وإنصافا ، وبحس المناضل أيضا وإيمان المؤمن كان يدرك أن انتصار الثورة أمر لا ريب فيه وحتمية تقرها قوانين الأرض وشرائع السماء، وأن ليل الاستعمار الطويل ستبدده حتما شمس الحق التي ستشرق مع الرصاصات الأولى لثورة نوفمبر المجيدة .
التحق الشهيد بالثورة مبكرا وبارك انطلاقتها المباركة منذ بيانها الأول، وكان في طليعة من أيدوها وناصروها* ، مسلحا بإيمانه بالله وحب وطنه، مسترشدا برصيده النضالي الطويل في الحركة الوطنية، وقد لاحظ القريبون منه تحركاته غير المعهودة خلال الأشهر التي سبقت اندلاع الثورة ، بحيث تعددت تنقلاته إلى الجزائر العاصمة وإلى جهات أخرى خلال تلك الفترة في مهمات سرية على ما يبدو ،وكان في بعض هذه الأسفار يصطحب معه جاره وجليسه و رفيق دربه في الجهاد والاستشهاد الشهيد بلوناس السعيد**.
وباعتباره كان المحرك الأول للثورة في أوساط تلاميذه وأنصاره ومريديه، والمشجع لهم على مؤازرتها والانضمام إلى صفوفها ، فقد نجح الشهيد - بالفعل - في استثمار شبكة الروابط و العلاقات النضالية الواسعة التي كان أقامها في الفترة السابقة لاندلاع الثورة مع كل من كانت له مواقف وطنية مخلصة للجزائر وقضيتها ومعادية للاستعمار ورموزه ، ومن بين هؤلاء بعض الشخصيات الثورية المحلية وخصوصا القائدان الشهيدان علي بن المسعود ،وبن الضيف البشير ،وغالبا ماكانت هذه الاتصالات تتم بمبادرة من الشهيد علي بن المسعود فيأتي للقائه في البيت أو في المسجد وأحيانا بنواحي وادي الشعير،وأعتقد أنه كان يفعل الشئ نفسه مع سي محمد بن معاش أيضا، وقد وظف الشهيد هذه الروابط و العلاقات بالشكل الذي يخدم الثورة في المنطقة ويحقق أهدافها وغاياتها.
كما كانت للشهيد صلات واتصالات بطلائع جيش التحرير الوطني بالمنطقة ،و توطدت بينه وبينهم علاقات تنسيق وعمل وثيقة منذ وقت مبكر ، وكان دائم اللقاء بالقائد زيان عاشور في إطار مساعيه لتوعية أعراش المنطقة وتوحيد كلمتها وحثها على الانضمام إلى العمل الثوري، بالإضافة إلى صلته بالعقيدين سي الحواس ومحمد شعباني ورفاقهما إضافة إلى الشهيد الرائد علي بن مسعود كما سبقت الإشارة.
وكان الشهيد حاضرا ومواكبا للتحركات والاتصالات الأولى التي جرت مع بداية 1955 تحضيرا لإشعال الثورة في المنطقة، فحضر الاجتماع التنظيمي الأول المنعقد بناحية امدوكال رفقة مجموعة من رجال المنطقة منهم على الخصوص: دحماني أحمد بن الحاج عامر ،سي عبد الرحمن بن صوشة ،يرافقهم علي بن المسعود* بإشراف وتأطير قيادات عسكرية من الأوراس ، بل كان الشهيد عباسي محمد مطلعا ومتابعا بدقة للقاءات الفردية التي جرت بعد ذلك بوقت قليل بين موفدي الشهيد مصطفى بن بولعيد وهم: محمد بن أحمد عبدلي ،الصاق جغروري، والحسين بن عبد الباقي ،يرافقهم الشهيد علي بن المسعود بوصفه قائدا عسكريا من أبناء الجهة العارفين بدروبها ومسالكها وسكانها ، وبين كل من : دحماني أحمد بن عامر في جبل القنانة ، وبن الضيف العلا في جبل ميزارزو بالقرب من الزعفرانية وكان يومئذ يشغل منصب رئيس بلدية بن سرور خلفا لوالده بن الضيف زيان، حيث زودهم ببعض الأسلحة التي كانت معه ، وطويري امحمد في جبل الميمونة. وكان الغرض من تلك اللقاءات هو جمع الأسلحة لفائدة الثورة و دراسة الطبيعة الجغرافية للمنطقة ،واختيار الأماكن المناسبة لتمركز جنود جيش التحرير والبحث في تشكيل الخلايا الأولى للثورة وإعداد اللجان ومراكز التموين واختيار الرجال.وربما يكون الاختيار قد وقع على جبل الزعفرانية الحصين ليكون مقرا دائما لقيادة الثورة منذ تلك اللقاءات الأولى بالنظر لموقعه الاستراتيجي وكثافة أشجاره ووعورة مسالكه ، وما ان علمت فرنسا بهذه العلاقة وهذه التحركات حتى أدركت خطورة الرجل دوره وتأثيره، فسعت بكل الوسائل لتحُول بينه وبين المجتمع، ولما يئست - بعد أن اختبرت عزمه وصلابة موقفه وصموده أمام أساليب الترغيب والترهيب التي انتهجتها معه -كشرت عن أنيابها وحاولت أن تجرب معه أسلوبا آخر فبدأت بمضايقته ومطاردته ومصادرة ممتلكاته وكتبه ووثائقه ومخطـوطاته، وما بقي من هذه الكتب في أيدي أصدقائه وتلاميذه بادروا إلى التخلص منها مخافة بطش السلطات الاستعمارية، وبالرغم من أنه كان يخفي نشاطاته السياسية و الثورية تحت غطاء التجارة حين فتح متجرا له بوسط المدينة إلا أن السلطات الاستعمارية ظلت له بالمرصاد خصوصا بعد أن أحرقت متجره ومتجر رفيقه سي محمد بن رمضان بن داود البوسعادي وجزءا من مقهى رفيقه الشهيد بلوناس السعيد ، بعد العملية الفدائية الناجحة التي استهدفت عناصر الدرك الفرنسي بالمدينة.*
وبحكم دوره السياسي السابق و مكانته العلمية وشبكة علاقاته الاجتماعية فقد كان قادة الثورة يطلبون رأيه في بعض المسائل الشرعية وقضايا الصلح، والقضاء وفض المنازعات وتطبيق بعض العقوبات ومسائل أخرى .."ومن قضاة المنطقة الثالثة للولاية السادسة التاريخية الشيخ عباسي محمد بن الأخضر الذي كانت له فاعلية وتأثير في الوسط الاجتماعي لما يمتاز به من صفات علمية وثقافية وقمة في الوطنية ومجابهة المستعمر
الفرنسي...وبعد اندلاع الثورة ساهم في بث الأفكار وتكوين اللجان والخلايا والتطوع لصالح الثورة التحريرية فكان القاضي والمحرض والمجابه.."(01).
لقد تعرض الشهيد أثناء جهاده إلى مخاطر جمة ، وظل مطاردا و دمه مهدرا من قبل جيش الاحتلال، ونتيجة لاشتداد المطاردة وإحكام طوق التضييق والمراقبة المستمرة حوله، أشار عليه بعض الأصدقاء بتدبير أمر ترحيله إلى تونس أو المغرب ، ويروي المجاهد مسعودي بن سالم أن قيادة الثورة بالزعفرانية وردت إليها رسالة من تونس سنة 1958 تأمر بضرورة الإسراع في إخراج الشهيدين عبد القادر بن حميدة وسي محمد بن لخضر عباسي عبر الحدود إلى تونس (02) بعد أن وصلتها معلومات تؤكد استهدافهما من طرف جيش العدو بالتصفية الجسدية أو بالاعتقال، لكن الشهيد بدا غير مقتنع تماما بهذا الطرح و رفض فكرة الخروج من الجزائر تحت أي ظرف من منطلق إيمانه أن مقارعة العدو ينبغي أن تكون من داخل أرض الوطن، وبدل ذلك آثر الخروج من مدينة بن سرور للعيش متخفيا بين شعاب المنطقة وجبالها، بعيدا عن أعين الاستعمار وأعوانه حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
*صفات الشهيد وجوانب من شخصيته وخصاله:
الذين عايشوا الشهيد عن قرب واحتكوا به احتكاكا مباشرا من أقربائه و أصهاره ورفاقه وتلاميذه يذكرون صورا من حياته ويروون عنه بعض المواقف والتصرفات وما تميز به من مناقب و خصال ، حقيق بنا أن نعرف جوانب منها ونتوقف عند بعضها .
و في غياب أي رسم أوخط أو وثيقة أو أي أثر من آثاره ،لأن الاستعمار الفرنسي لم يترك لنا من آثاره ومتعلقاته أي شي باستثناء صورة شمسية واحدة عُثر عليها بعد مضي عدة سنوات من الاستقلال الوطني مع بعض أصدقائه وقد كَتب على ظهرها بخط يده بيتين من شعر تمثلهما من شعر المنفلوطي وكأنه كان يتوقّع قرب نهايته ، وهما:
أيها الناظـرون هذا خـيالي فيه رمـزُُ بالاعتـبارِ جديـُر
لا تظنوا الحياة تبقـى طويلا هكـذا الجسم بعد حين يصـير
وحرصا منا على رسم صورة تقريبية عن شخصية هذا الرجل ومعرفة المزيد عنه ومحاولة نقل هذه الصورة لمن يرغب في معرفتها ممن لم يعاصره، اتصلنا ببعض أصدقائه وتلامذته في المنطقة ، وببعض أفراد أسرته وأصهاره ومعارفه* فكانت هذه الصورة.
كان الشهيد ربعة نحيلا، أسمر مستدير الوجه، أسود الشعر، ذو عينين سوداوين بهما حِـدّة،يطلق لحية خفيفة مهذبة، على وجهه ملامح النجابة وعلامات المهابة، متوسط البنية، يشكو بين الحين والآخر من اعتلال صحته بسبب إصابته بقرحة معِدية ،خفيف المشية سريع الخطو، خافت الصوت، يعتم عمامة بيضاء على عادة أهل المنطقة ،يلبس من الثياب الجيد النظيف وغالبا ما يكون عبارة عن عباءة " قندورة بوسعادي" بيضاء تحتها قميص و سترة بها ساعة، وفوقها برنوس من الصوف الأبيض الرقيق حسب حالة الجو ،وينتعل حذاء خفيفا أو "بلغة" ، و كان رحمه الله يواظب على ارتداء اللباس الأبيض في حالتين ، في صلاة الجمعة ، وفي حال السفر.
نشأ الشهيد سي محمد عباسي وطنيا معتزا بجزائريته ، متمسكا بدينه، مؤمنا متين العقيدة، واقفا على حدود الله ، قائما بسننه وفرائضه، مصلحا عريق النسبة في الإصلاح، وثيق الصلة برجاله، بعيد الغور في التفكير، سديد النظر في الحكم على الأشياء،معتدل التفكير شعاره "ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" *(سورة النحل الآية: 125) عالي الهمة ،باذل النعمة ،كثير النصح ، بعيدا عن التصنع و المظاهر ، حرا صريحا لاذع الصراحة فيما يعتقد أنه حق، شجاع الرأي ، غيورا على وطنه غيرته على دينه، زانه العلم وجملته الأخلاق وحنكته التجارب والمحن.
كان رحمة الله عليه لا يأمر بمعروف حتى يكون أول العاملين به، ولا ينه عن منكر حتى يكون أول التاركين له، وكانت المبادئ عنده ثوابت ليست قابلة للمساومة ، عُرف عنه أنه كان حادّ الذكاء، متوقد الذهن، قويّ الذاكرة، قليل الكلام، وإذا تكلم أوجز، مؤثرا للصمت أحيانا، منكِرا للثرثرة والتشدق الفارغ، لأنه يرى في ذلك نقيصة وإضاعة للوقت الثمين من غير فائدة، وكان مولعاً بالمطالعة واقتناء الكتب، فاتخذ الكتاب جليسه وصاحبه وأنيسه، وقد ساعدته ذاكرته القوية في حفظ الكثير من المتون والنصوص والْتهام الجيد والمأثور من ثمرات العقول شعرا ونثرا، ويذكر بعض معارفه أنه كان يمتلك مكتبة ضخمة بها أمهات الكتب وبعض المخطوطات النادرة، لكن السلطات الاستعمارية صادرت هذه المكتبة وكل الوثائق والمقتنيات، وحتى تلك الكتب التي اعتقد الشهيد أنه هرّبها وأمّنها في متجره بالمدينة طالها الحرق و التدمير حين تم حرق متجره بالكامل. *
عرف عنه أنه كان سخيا جوادا ، يكرم ضيوفه ويبالغ في إكرامهم ، وكانت له صدقات مستورة للفقراء والمحتاجين لا يعلمها إلا بعض تلاميذه الذين ينوبون عنه في إيصالها إلى مستحقيها. وكان مع أهله على نهج الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم القائل : (خيركم خيركم لأهله ،وأنا خيركم لأهلي) (01) يرشدهم برفق ولين، ويأكل مما يشتهون، ويوسّع عليهم، ويلبّي مطالبهم وحاجاتهم بما فاء الله به عليه وبما تيسر له، كما كانت له أساليب وطرق خاصة في تربية أطفال الأسرة الصغيرة والكبيرة، وتعليمهم آداب الأكل والشرب والجلوس وما إلى ذلك.
عرف عن الشهيد ـ رحمه الله ـ أنه كان يتهيب الإفتاء، ويتحاشى الخوض فيه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، على الرغم من أنه كان أهلا لذلك،ولكنه كان يقدّر عاقبة الإفتاء وخطورته بنص القرآن والسنة ،قال تعالى :"ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا"(02) ، وقوله صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وأضلّوا"(03) ، وقد روى بعض مجاهدي الثورة* أنهم طلبوا منه ـ ذات مرة ـ رأيه في قضية ميراث عرضت عليهم، فأبدى تبرمه وعدم استعداده للإفتاء فيها، وطلب منهم عرض سؤالهم على غيره، فأصروا على سماع رأيه هو فامتنع، فلجأوا إلى حيلة حيث تظاهروا أمامه بدراسة القضية والقول فيها بأنفسهم ما دام لا يريد هو إعطاء رأيه في المسألة، وأثناء مناقشتهم للأمر لم يتمالك نفسه وتدخل بحدة معاتبا إياهم على استصغارهم للأمر والقول في الموضوع بغير علم، ثم أجابهم عن المسألة على الوجه الصحيح.
وحتى في حياته الخاصة عرف عن الشهيد أنه كان شديد العناية بتنظيم شؤونه ،حريصا على ترتيب أوقاته، دقيقا في ضبط مواعيده، لا يقدم فيها ولا يؤخر، بحيث يكون من الممكن معرفة الوقت الذي يمر فيه من هذا الطريق أو ذاك المكان **، كما كان شديد الحرص على أن تكون أعماله منسجمة ومنظمة ولها معنى وهدف، وفيها مصلحة له ولمن هم حوله، تواقا لحيازة المناقب والخصال النبيلة والمثل السامية.
لقد كان من أسباب نجاح الشيخ في أداء الأمانة الثقيلة ، أمانة العلم والإصلاح والجهاد التي حلم بها و حملها في قلبه وضميره طوال سنوات حياته ، ولم يؤده حفظها و نشرها والتبشير بها بين قومه ومحبيه و طلابه ومريديه ، أنه كان طاهر السريرة صادق العزم ، مؤمنا بما يقوم به ، ولم يكن يسعى لدينا زائلة يصيبها، أو لزعامة زائفة ينالها، ولكنه كان يجاهد في سبيل الله وفي سبيل عزة وطنه وكرامة شعبه، وفي سبيل ما يؤمن به من قيم ومُثل عليا فتحقق له ما أراد.
*في رحاب الله مع الصديقين والشهداء:
ظل الشهيد طوال سنوات نضاله الحافلة تحت مجهر المراقبة العسكرية الفرنسية الدقيقة، والمضايقة الأمنية اللصيقة، مطاردا من مكان إلى مكان، ورغم أنه كان يواجه تفنن السلطات الاستعمارية في مطاردته ومحاولة الإيقاع به بتفننه أيضا في المراوغة وابتكار الحيل والأساليب وطرق التضليل والتمويه التي تجعله يفلت من الوقوع في شباكها ،فمن تغيير مكان إقامته باستمرار، إلى اختفائه الكلي في ساعات النهار ،إلى مغادرته النهائية للمدينة واحتمائه بشعاب المنطقة وجبالها.
وفي شهر نوفمبر 1958 وأثناء زيارة خاطفة قادته لزيارة شقيقه (الحاج بن لخضر) الخارج لتوّه من المعتقل ، حيث أطلقت السلطات الفرنسية سراحه من معتقل بوسعادة بعد تدهور حالته الصحية بسبب التعذيب ـ ويبدو أن فرنسا كانت تنتظر هذه الفرصة، فجعلت من هذه الزيارة مصيدة للإيقاع بالشهيد ـ فترصدت له عن طريق عيونها و أعوانها من الخونة والعملاء، وهكذا وبمجرد وصول الشهيد إلى بيت شقيقه، حرك الجيش الفرنسي قوة عسكرية كبيرة من قـواته المرابطة بمركزي وادي الشعير وبن سرور بهدف الإطباق عليه من الجهتين وإلقاء القبض عليه دون أن تترك له فرصة للنجاة ،فوجد نفسه بين فكي كماشة، لكنه نجح في التسلل واختراق الطوق العسكري المضروب حوله، وبعد مطاردة شاقة له في أحراش المنطقة وجبالها استطاع التواري عن أنظار مطارديه والسير بوادي عميق يقوده إلى جبل منيع صعب المسالك ، ونظرا لوعورة المكان توقفت الآليات الفرنسية عن المطاردة، فأشار أحد الحركى على قائد العملية باستعمال الخيول فهي الأقدر على اللحاق به ، وكان الفلاحون وقتها منهمكين في حراثة الأرض بواسطة الأحصنة غير بعيد منهم ، فصدرت الأوامر من القائد العسكري باستعمال الخيول ، ويروي أحد الفلاحين * أنه عندما جاء العساكر ليأخذوا فرسه تعمد الإبطاء في نزع المحراث و فك الحبال حتى يعطي الوقت الكافي للشهيد للنجاة بنفسه، لكن الحركى تفطنوا للحيلة وعمدوا إلى تقطيع الحبال بالخناجر، وهكذا ما كاد الشهيد يصل إلى حضن الجبل حتى أمسك به العساكر وأفراد الحركى الذين كانوا على ظهور الخيل، وكانوا قد أصابوه عن بعد بجروح بليغة عطلت سيره، وفي هذه الأثناء كان الشهيد قد تمكن من إخفاء محفظة الوثائق المهمة التي كانت معه حتى لا تقع في أيدي عساكر الاستعمار، وقد عثر عليها أحد الرعاة بعد عدة أسابيع في مكان العملية..وهكذا وقع الشهيد سي محمد عباسي بعد سنوات من النضال والجهاد ،وبعد سنوات من المضايقة و المطاردة في قبضة الجيش الفرنسي الذي اقتاده إلى مقر القيادة العسكرية بوادي الشعير قصد معالجته واستنطاقه ومحاولة ثنيه عن دعم الثورة وتأييدها، ولما يئس المحققون أمام إصراره على مواقفه وعدم الحصول على أية معلومات منه ،أدركوا خطورة بقائه على قيد الحياة فقرروا تصفيته و التخلص منه بعد أيام قليلة من اعتقاله وتم إعدامه بدم بارد دون محاكمة ودون أن يرف لهم جفن مع اثنين من المجاهدين هما: عمار بن عون *و بن عطا الله الغربي** حيث اقتادوهم إلى "جبل ميزارزو" قرب الزعفرانية مقر قيادة جيش التحرير الوطني وضعوهم في مغارة في عمق الجبل وألقوا عليهم قنبلة، ويروي أحد السكان القريبن من المكان أنه سمع دوي القنبلة حوالي الساعة الخامسة صباحا ثم تلا ذلك إطلاق نار كثيف ربما ابتهاجا و احتفالا من قِبل الجنود الفرنسيين بتنفيذ جريمتهم البشعة ، و ذلك يوم الأثنين 10 نوفمبر 1958 حسب بعض الروايات، وكان عمره يومئذ 47 سنة (1911ـ 1958)،تاركا من الذكور خمسة ومن الإناث اثنتين، كلهم أعقبوا إلا واحدا مات قبل الزواج، وبعد الاستقلال نُقل رفاته وأعيد دفنه بمقبرة الشهداء بمدينة بن سرور.
إن أمثال هؤلاء الرجال ـ أصحاب الفضل علينا جميعا ـ لم يعيشوا لأنفسهم، بل عاشوا لمجتمعهم، ولوطنهم الذي آمنوا به، وجاهدوا من أجله، واستشهدوا في سبيله، ولم يكونوا يبغون عن استقلاله حولا ، ولا بغير حريته وكرامته بدلا ، إنهم الشهداء الأبرار..تيجان المجد ، فخر الأمم، أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر.
رحم الله شهداءنا الأبرار، وجزاهم عن الأمة والوطن كريم الجزاء، ورحم من قال في حقهم:*
هتفت بهـــم ريح العُلا فأجابـوا وإلى الوغـى بعـد التجهّـز ثابوا
علّمــوا الأجيــال أن صلاحهـا بجهادهــا والباقيات ســـراب
ملكوا نفوسَهم فباعوا واشتـــروا في الله ما خـــافوا العٍدا أو هابوا










رد مع اقتباس
قديم 2016-03-09, 16:58   رقم المشاركة : 49
معلومات العضو
mima64
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

جميل جدااااا










رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 06:51

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc