التاريخ الاسلامي - الصفحة 4 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية

قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

التاريخ الاسلامي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-03-18, 14:49   رقم المشاركة : 46
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 الواثق

- الواثق

ترجمته:

هو أبو جعفر هارون الواثق باللَّه بن المعتصم بن الرشيد وأمه ولد رومية اسمها قراطيس ولد سنة186 بطريق مكة وبويع بالخلافة عقب وفاة والده في يوم الخميس8 ربيع الأول سنة227(5 يناير سنة 842 ولم يزل خليفة إلى أن توفي لست بقين من ذي الحجة سنة 232 (أغسطس سنة 847 فكانت مدته خمس سنين وتسعة أشهر و15يوماً وسنه36 سنة.
وزراء الواثق:

لم يستوزر الواثق غير محمد بن عبد الملك الزيات وزير أبيه وكان الواثق متغيراً عليه في حياة أبيه حتى حلف أنه لينكبه إذا صار خليفة لكنه لما استخلف غلب عقله على هواه لأنه لم يجد بين رجاله من يقوم مقام محمد بن عبد الملك فكفر عن يمينه وصار هذا الوزير في عهده صاحب الأمر والنهي أكثر مما كان في عهد أبيه.
الجيش:

كانت حال الجيش لعهد الواثق كما كانت في حياة أبيه إلا أن قدم المماليك التي اصطنعهم المعتصم قد توطدت وصار رؤساء الأتراك أصحاب نفوذ عظيم ولا سيما أشناس الذي توجه الواثق وألبسه وشاحين بالجوهر في شهر رمضان سنة228 وقد قام قواد الأتراك بأعظم الأعمال الحربية حتى في جزيرة العرب نفسها التي كانت حمى ما يستطاع أن تتعدى حدوده.
الفداء بين المسلمين والروم:

كانت الحروب دائمة الاتصال بين المسلمين والروم ولم تقدر إحدى الدولتين أن تتغلب على الأخرى وكثيراً ما يكون في يد إحدى الدولتين أسرى من الأخرى ولما كان يهم كلتا الدولتين أن تخلص أسراها حذراً من الاسترقاق كانتا تتفقان على المفاداة كل أسير بمثله وأول فداء حصل كان في عهد الرشيد على نهر اللامس قريباً من طرطوس فودي فيه بثلاثة آلاف وسبعمائة أسير من المسلمين على يد القاسم بن الرشيد وحصل فداء مثله في عهده أيضاً فودي بألفين وخمسين.

وقد كان الفداء الثالث في عهد الواثق سنة231 أرسل ملك الروم إلى الواثق رسلاً يسألونه أن يفادي بمن في يده من أسارى المسلمين فأجاب وانتدب للفداء خاقان الخادم بعد أن أعد من أسرى الروم عدداً كبيراً وقد تقابل الفريقان في يوم عاشوراء سنة231 على نهر اللامس وكان عدد من فودي به من المسلمين4600 منهم نساء وصبيان ومنهم من أهل الذمة نحو500 فوقع الفداء كل نفس عن نفس صغيراً أو كبيراً وقد عقد المسلمون جسراً على النهروعقد الروم جسراً فكان المسلمون يرسلون الرومي على جسرهم ويرسل الروم المسلم على جسرهم وقد أعطى خاقان الروم ممن كان فضل في يده نفس ليكون له عليهم الفضل استظهاراً.
صفات الواثق:

كان الواثق كثير الأكل والشرب واسع المعروف متعطفاً على أهل بيته متفقداً لرعيته وكان محباً للنظر مكرماً لأهله مبغضاً للتقليد وأهله محباً للإشراف على علوم الناس وآرائهم ممن تقدم وتأخر من الفلاسفة والمتطببين وكان له مجلس نظر عقده للنظر بين الفقهاء والمتكلمين في أنواع العلوم من العقليات والسمعيات في جميع الفروع فكانت سيرته في ذلك سيرة عمه المأمون ومن أجل ذلك أخذت مسألة خلق القرآن في عهده شكلاً حاداً أكثر مما كانت في عهد أبيه المعتصم لأن المعتصم كان يتكلف ذلك لمكان وصية أخيه.









 


رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 14:51   رقم المشاركة : 47
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 المتوكل

أصيب الواثق بعلة الاستسقاء وكانت سبب وفاته في6 ذي الحجة232 وسنه36 سنة وبموته مضى على الدولة العباسية قرن كامل. ولم يعهد الواثق لأحد من بعده بالخلافة فخلافته من بعده بدء شكل جديد لم تكن له سابقة في الدولة العباسية وقد ختم هذا القرن بانتهاء الخلفاء العسكريين الذين كانوا يقودون الجيوش بأنفسهم ويخوضون غمرات الموت ولا يستسلمون لداعي الترف المضني.

10- المتوكل

ترجمته:

هو جعفر المتوكل على اللَّه بن المعتصم بن الرشيد وأمه أم ولد خوارزمية يقال لها شجاع. ولد في شوال سنة206 بفم الصلح ولم يكن بالمرضي عنه في حياة أخيه حتى كان الواثق قد وكل به رجلين هما عمر بن فرج الرخجي ومحمد بن العلاء الخادم فكانا يحفظانه ويكتبان بأخباره في كل وقت وقد جر عليه ذلك انحراف الوزير محمد بن عبد الملك الزيات.
وزراء الدولة:

كان الوزير الأول لأول عهد المتوكل هو محمد بن عبد الملك الزيات الذي كان وزيراً لأخيه وأبيه إلا أن المتوكل كان منحرفاً عنه لما كان يفعله معه في حياة أخيه من قبح المقابلة وعدم الرعاية وزاد على ذلك أنه أشار بتولية محمد بن الواثق فكانت شهوة الانتقام متمكنة منه ففي سابع صفر سنة أمر فقبض عليه وصادر جميع ماله من عقار ومنقول وكذلك ضياع أهل بيته حيث كانت. أم ما ناله من المكروه في نفسه فهو أعظم من أن يسطر ولم يزل ذلك حتى مات تحت العذاب.

ولم يمض على ذلك خمسة أشهر حتى أمر المتوكل بالقبض على عمر بن فرج الرخجي وهو الكاتب الذي رمى بصك المتوكل في صحن المسجد أيام خلافة الواثق فقبض عليه وصودرت أملاكه وكان مقدار ما أخذ منه ومن أخيه محمد بن فرج274000 دينار،15000 درهم سوى القصر والأمتعة والضياع وقد حمل متاعه وفرشه على خمسين جملاً كرت مراراً ثم صالحوه بعد ذلك على أن يدفع 10000000 درهم على أن ترد عليه ضياعه بالأهواز فقط فردت عليه وأطلق من عقاله.

استكتب المتوكل بعد ابن عبد الملك أبا الوزير أحمد بن خالد الذي كان في حياة الواثق زماماً على عمر بن فرج الرخجي في ديوان النفقات ولما استكتبه لم يسمه باسم الوزير واستمر كاتباً له زمناً قليلاً فإنه في ذي الحجة من سنة233 غضب عليه وأمر بمحاسبته.

وبعد أبي الوزير استوزر محمد الفضل الجرجرائي منسوب إلى جرجرايا وهي بلد من أعمال النهروان الأسفل بين واسط وبغداد من الجانب الشرقي وكان الجرجرائي من أهل الفضل والأدب والشعر.

اختار بعده لوزارته عبد اللَّه بن يحيى خاقان وبقي وزيراً للمتوكل إلى أن مات وكان حسن الحظ له معرفة بالحساب والاستيفاء.
العلويون:

امتاز المتوكل عن سائر أهل بيته بكراهة علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وأهل بيته وهذا ما يعرف في العقائد بالنصب وهو ضد التشيع وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله بأخذ بالمال والدم وكان فيما يقال يبغض ممن تقدمه من الخلفاء المأمون والمعتصم والواثق لمحبة علي وأهل بيته وكان ينادمه ويجالسه جماعة اشتهروا بالنصب وبغض علي فكانوا يخوفونه من العلويين ويشيرون عليه بإبعادهم والإعراض عنهم والإساءة إليهم ثم حسنوا الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس علو منزلتهم في الدين. ومن آثار تلك الكراهة أنه أمر في سنة237 بهدم قبر الحسين بن علي بكربلاء وهدم ما حوله من المنازل والدور وأن يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره وأن يمنع الناس من إتيانه فذكر أن عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى المطبق فهرب الناس وامتنعوا من المصير إليه وحرث ذلك الموضع وزرع ما حواليه.
الجيش:

كان الجيش على العهد الذي كان عليه في مدة الواثق والمعتصم وكلما قدم العهد زاد الأتراك نفوذاً وقوة وقد أحس المتوكل بتوغل الأتراك في الدولة واستبدادهم بأمور الخلافة وإدارتها وجيشها فأحب أن يضعف شوكتهم ويقلل من نفوذهم فبدأ بإيتاخ الذي كان على الجيش والمغاربة والأتراك والموالي والبريد والحجابة ودار الخلافة وأراد المتوكل الإيقاع به ليتخلص من هذا السلطان الواسع فرأى أن ذلك لا يمكنه معه وهو بسامرا بين قومه وجنده فدس إليه من أشار عليه بالاستئذان في الحج ففعل فأذن له المتوكل وصيره أمير كل بلد يدخله وخلع عليه وركب معه جميع القواد وخرج معه من الشاكرية والقواد والغلمان سوى غلمانه وحشمه بشر كثير فلما حج وانصرف إلى العراق وجه إليه المتوكل بكسوة وألطاف وأمر الرسول أن يلقاه بالكوفة أو ببعض الطريق وتقدم إلى عامله على شرطة بغداد وهو إسحاق بن إبراهيم المصعبي يأمره فيه. فلما وصل بغداد قال له إسحاق بن إبراهيم: إن أمير المؤمنين أراد أن تدخل بغداد وأن يلقاك بنو هاشم ووجوه الناس وأن تقعد لهم في دار خزيمة بن خازم فتأمر لهم بجوائز. فلما صار إيتاخ بالقرب من دار خزيمة حجز عنه غلمانه ودخل الدار وحده فكان فيها سجنه ثم نقل إلى منزل إسحاق فأدخل ناحيةمنه وقيد وأثقل بالحديد في عنقه ورجليه ثم قدم بإبنيه منصور ومظفر وبكاتبيه سليمان بن وهب وقدامة بن زياد فحبسوا وكانت الشدة التي عومل بها إيتاخ سبباً لوفاته فمات سنة235 وأما ابناه فبقيا في الحبس حياة المتوكل ثم أطلقهما المستعين بعده.
الدولة اليعفرية:

في آخر عهد المتوكل ابتدأت الدولة اليعفرية بصنعاء وكان جدهم عبد الرحيم بن إبراهيم الحوالي نائباً عن جعفر بن سليمان بن علي الهاشمي الذي كان والياً للمعتصم على نجد اليمن وصنعاء وما إليها ولما توفي عبد الرحيم قام في الولاية مقامه ابنه يعفر بن عبد الرحيم وهو رأس الدولة ومبدأ استقلالها إلا أنه كان يهاب آلزياد ويدفع لهم خراجاً يحمل إلى زبيد كأنه عامل لهم ونائب عنهم وكان ابتداء استقلال يعفر بن عبد الرحيم سنة247 واستمر ملك صنعاء في أعقابه إلى سنة387 وهذه أسماء ملوكهم

(1) يعفر بن عبد الرحيم (247- 259)

(2) محمد بن يعفر (259- 279)

(3) عبد القادر أحمد بن يعفر (279- 279)

(4) إبراهيم بن محمد (279-285)

(5) أسعد بن إبراهيم (285- 288)

فترة لأئمة صنعاء والقرامطة(288-303)

(6) أسعد بن إبراهيم مرة ثانية (303-332)

(7) محمد بن إبراهيم (332-3352)

(8) عبد اللَّه بن قحطان 352-387)
العلاقات الخارجية:

كانت الحروب بين المسلمين وبين الروم لا تزال دائمة الاتصاب براً وبحراً لا تنقطع إلا لهدنة وقتية.

ففي سنة238 أغارالروم على مصر من جهة دمياط وكان أمير مصر قد أمر حاميتها أن يحضروا إليه بالفسطاط ليتجمل بهم فلما جاءها الروم بمراكبهم لم يجدوا بها حامية وكانوا في نحو300 مركب فدخلوا البلد وعاثوا فيه وأحرقوا دوره والمسجد الجامع وسبوا كثيراً من نساء المسلمين وأهل الذمة وأخذوا ما وصلت إليه أيديهم من المغانم ثم عادوا إلى بلادهم لم يكلم أحد منهم كلما. وكان المسلمون يفعلون مثل ذلك في صوائفهم من جهة الدروب التي تلاصق المملكة الإسلامية من الجهة الشمالية وفي بحر الروم.

وفي سنة241 كان الفداء الرابع بين المسلمين والروم على نهر اللامس في12 شوال وكان القائم به شنيف خادم المتوكل وحضر معه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي القاضي وعلي بن يحيى الأرمني أمير الثغور الشامية وكانت عدة من فودي به من المسلمين في سبعة أيام2100 رجل وامرأة على رواية المقريزي في الخطط وروى الطبري أن عدة أسرى المسلمين كانت 785 إنساناً ومن النساء125 امرأة قال المقريزي وكان مع الروم من النصارى المأسورين من أرض الإسلام مائة رجل ونيف فعوضوا مكانهم عدة أعلاج.

وفي سنة242 خرجت الروم من ناحية شمشاط بعد خروج علي بن يحيى الأرمني من الصائفة حتى قاربوا آمد ثم خرجوا من الثغور الجزرية فانتهبوا عدة قرى وأسروا عدداً عظيماً من الأهلين ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم فخرج في أثرهم قريباس وعمر بن عبد اللَّه الأقطع وقوم من المتطوعة فلم يلحقوا منهم أحداً فكتب إلى علي بن يحيى أن يسير إلى بلادهم شاتيا.

وفي سنة244 وجه المتوكل بغا من دمشق لغزو الروم في شهر ربيع الآخرة فغزوا الصائفة فافتتح صملة.

وفي سنة245 أغارت الروم على سميساط فقتلوا وسبوا نحواً من 500 وغزا علي بن يحيى الأرمني الصائفة.

وفي سنة 246 كان الفداء السادس بين المسلمين والروم في صفر على يد علي بن يحيى الأرمني ففودي بألفين وثلثمائة وسبعة وستين نفساً.
صفات المتوكل وأخلاقه:

ولم يكن المتوكل كمن قبله في حب النظر والجدل بل كان ميالاً إلى التقليد فأمر لأول ولايته بترك النظر والمباحثة والجدل والترك لما كان عليه الناس في أيام المعتصم والواثق وأمر الناس بالتسليم والتقليد وأمر الشيوخ والمحدثين بالتحديث وإظهار السنة.

وكان ينفر من استعمال أهل الذمة في الدواوين ويكره أن يظهروا في الطريق بمظهر المسلمين ولذلك أصدر أمره في سنة235 أن يلبسوا زياً خاصاً بهم وهو الطيالسة العسلية والزنانير وأن تكون لهم سروج خاصة بهم لركوبهم ونهى أن يستعان بهم في الدواوين وأعمال السلطان التي يجري فيها أحكامهم على المسلمين ونهى أن يتعلم أولادهم في كتاتيب المسلمين ولا يعلمهم مسلم وكتب منشوراً إلى عماله في الآفاق بذلك كتبه إبراهيم بن العباس الصولي في شوال سنة235.


ولاية العهد:

تشبة المتوكل في كثير من أعماله بجده الرشيد ومن ذلك توليته العهد؛ فقد عقد الولاية لأولاده الثلاثة وهم محمد المنتصر ومحمد المعتز وإبراهيم المؤيد وذلك في 27 ذي الحجة سنة235 وقسم البلاد بينهم.

فجعل لأكبرهم المنتصر إفريقية والمغرب كله من عريش مصر إلى حيث بلغ سلطانه من المغرب وجند قنسرين والعواصم والثغور الشامية والجزرية وديار مصر وديار ربيعة والموصل وهيت وعانات والخابور وقرقيسيا وكوريا جرمي وتكريت وطساسيج السواد وكور دجلة والحرمين واليمن وعك وحضرموت واليمامة والبحرين والسند ومكران وقندابيل وفرج بيت الذهب وكور الأهواز والمستغلات السامرا وماه الكوفة وماه البصرة وماه سبذان ومهرجان قذق وشهرزور وواراباذ ويصامغان وأصبهان وقم وقاشان وقزوين وأمور الجبل والضياع المنسوبة إلى الجبال وصدقات العرب بالبصرة.

وجعل لابنه المعتز كور خراسان وما يضاف إليه وطبرستان والري وأرمينية وأذربيجان وكور فارس وضم إليه في سنة240 خزن بيوت الأموال في جميع الآفاق ودور الضرب، وأمر بضرب اسمه على الدراهم.

وجعل لابنه المؤيد جند دمشق وجند حمص وجند الأردن وجند فلسطين.

وكتب بينهم كتاباً يشبه الكتاب الذي كتبه الرشيد بين الأمين والمأمون والقاسم. وقد جعل المتوكل لابنيه المعتز والمؤيد تمام الاستقلال في أعمالهما إذا آلت الخلافة للمنتصر بحيث لا يجوز أن يشرك في شيء من أعمال أحدهما أحداً ولا يوجه عليه أميناً ولا كاتباً ولا بريداً ولا يضرب على يده في قليل ولا كثير جعل وكذلك على المعتز للمؤيد إذا آلت الخلافة للمعتز. وكتب من هذا الكتاب أربع نسخ نسخة بخزانة أمير المؤمنين وعند كل من أولياء العهد نسخة.
مقتل المتوكل:

لم تكن قلوب كبار الأتراك مطمئنة إلى المتوكل، فقد وقع في أنفسهم أنه يريد تدبير المكايد لهم حتى يتخلص منهم واحداً بعد واحد، فأخذتهم من ذلك وحشة وكان وزير المتوكل عبيد اللَّه بن خاقان ونديمه الفتح بن خاقان منحرفين عن المنتصر ولي العهد مائلين إلى المعتز. فأوغرا قلب أبيه عليه حتى هم أن يعزله من ولاية العهد فاجتمع لذلك الخصمان قواد الأتراك وولي العهد. مال الأتراك إلى المنتصر ليستعينوا به في تنفيذ غرضهم ومال إليهم ليحفظ لنفسه الخلافة عاجلاً أو آجلاً. ومما زاد في إغراء المنتصر أن المتوكل اشتكى فأمره أن يصلي بالناس يوم الجمعة فقال عبيد اللَّه والفتح للمتوكل: مر أبا عبد اللَّه المعتز باللَّه بالصلاة لتشرفه بذلك في هذا اليوم الشريف فقد اجتمع أهل بيته والناس جميعاً فقد بلغ اللَّه به فأمره المتوكل بالصلاة فركب وصلى بالناس وأقام المنتصر في منزله وفي الجمعة الثانية أراد المتوكل أن يصلي المنتصر بالناس فحسنا له أن يركب هو لئلا يرجف الناس بعلته ففعل. وكل ذلك زاد المنتصر حقداً وخوفاً على الخلافة أن تفوته. ويقال إن المتوكل اتفق مع الفتح بن خاقان على الفتك بالمنتصر وقتل صيف وبغا وغيرهما من قواد الأتراك ولم يكن هذا السر ليستتر مع النبيذ والاستهتار بشربه فاتفق القوم على أن يفتكوا بالمتوكل.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 14:53   رقم المشاركة : 48
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 المنتصر

وقد تولى كبر ذلك بغا الصغير المعروف بالشرابي فإنه أعد لذلك قوماً في مقدمتهم باغر التركي الذي كان يقوم بحراسة المتوكل وأعد معه عشرة من الأجناد فدخلوا القصر وسيوفهم مسلولة والمتوكل قد أخذ منه الشراب فابتدره أحدهم بضربة وثنى عليه بأخرى أتت على نفسه، وكان معه الفتح بن خاقان فقتل معه، وكان قتله ليلة الأربعاء لأربع خلون من شوال سنة248.

11-المنتصر

ترجمته:

هو محمد المنتصر المتوكل بن المعتصم بن الرشيد وأمه أم ولد روميه أسمها حبشية ولد سنة 222 وعقد له أبوه ولاية العهد سنة 253 وسنه ثلاث عشرة سنة. ولما قتل أبوه بايعه قواد الأتراك عقيب مقتله في4شوال سنة 247 (11 ديسمبر سنة 861) واستمر خليفة إلى أن توفي يوم الأحد لخمس خلون من شهر ربيع الآخر سنة 248 (7 يونية سنة 862) فكانت مدته التي تعجلها بقتل أبيه ستة أشهر
وزراء الدولة:

استوزر المنتصر أحمد بن الخصيب وكان كاتبه قبل أن يستخلف وكان مقصراً في صناعته مطعوناً عليه في عقله وكانت فيه مروءة وحدة وطيش فمن احتمله بلغ منه ما أراد وقد وصفه المسعودي بأنه كان قليل الخير كثير الشر وقد ندم المنتصر على ما فعل من تقليده الوزارة ونفيه عبيد اللَّه بن خاقان وزير أبيه بسبب ما شاع من حدة ابن الخطيب وطيشه
الجيش:

بقتل المتوكل واستيلاء المنتصر الشاب زادت الأتراك قوة في الدولة على قوتهم لأن أيديهم امتدت إلى حياة الخلفاء فقتلوا الخليفة وساقوا الخلافة إلى خليفة فأنشبوا أظفارهم بذلك في جسم الدولة ولم يكن هناك من حيلة للتخلص منهم لما دب إلى قلوب الخلفاء من الهيبة ورعاية جانبهم ومما يدل على ذلك أن الأتراك لم يكونوا يحبون أن تكون ولاية العهد للمعتز والمؤيد ابني المتوكل فأشاروا على المنتصر بخلعهما فأحضرا دار الخلافة وطلب منهما أن يكتبا طالبين أن يخلعا من ولاية العهد لضعفهما عن ذلك فرضي المؤيد وأبي المعتز فقال له المؤيد: يا جاهل تراهم قد نالوا من أبيك وهو هو ما نالوا ثم تمتنع عليهم، اخلع ويلك ولا تراجعهم. وما زال به حتى أجاب وكتبا ما أملي عليهما في ذلك.

فانظروا كيف كان عجز الخليفة عن أن يرد مشورة لهم تخالف ما عقده المتوكل وأكده بالإيمان والمواثيق والعهود. وقد كتب المنتصر بذلك إلى الآفاق وظهر في كتابه براءة المنشئين في ذلك الوقت وإن لم تظهر فيه براعة الأخلاق الفاضلة وحفظ العهود والمواثيق وكان الكاتب له أحمد بن الخصيب.
صفات المنتصر:

لئن كان الغضب قد حمل المنتصر على تذليل السبيل لإهراق دم أبيه فإنه كان لا يزال ذا نفس تحس فتتأثر فلم يزل يلاقي أهوال التوبيخ في يقظته ومنامه حتى أسقم ذلك بدنه وأذل نفسه. دخل عليه عبد اللَّه بن عمر البازيار ذات يوم وهو يبكي وينتحب فسأله عن سبب بكائه فقال: كنت نائماً فرأيت كأن المتوكل قد جاءني فقد لي ويلك يا محمد قتلتني وظلمتني وغبنتي خلافتي واللَّه لا تمتعت بعدي إلا أياماً يسيرة ثم مصيرك إلى النار فانتبهت وما أملك عيني ولا جزعي. فهون عليه عبد اللَّه الآمر.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 14:57   رقم المشاركة : 49
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 المستعين و المعتز

قال الطبري: لم أزل أسمع الناس حين أفضت إليه الخلافة من لدن ولي إلى أن مات يقولون إنما مدة حياته ستة أشهر مدة شيرويه بن كسرى قاتل أبيه مستفيضاً ذلك على ألسن العامة والخاصة وكذلك كان فقد أصابته العلة التي قضت عليه يوم الخميس لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة248 ومات مع العصر من يوم الأحد لخمس ليال خلون من شهر ربيع الآخر.

12- المستعين

ترجمته:

هو أحمد بن محمد بن المعتصم بن الرشيد وأمه أم ولد صقلية اسمها مخارق ولد سنة220 وبويع بالخلافة في اليوم الذي توفي فيه المنتصر وهو خامس ربيع الآخر سنة 248 (7 يونيه سنة862) ولم يزل خليفة إلى أن خلع يوم الجمعة4 محرم سنة252 (15 يناير866) فكانت مدته ثلاث سنوات وثمانية أشهر و28 يوماً.
كيف انتخب:

اجتمع الموالي وفيهم بغا الصغير وبغا الكبير وأتامش ومن معهم فاستحلفوا قواد الأتراك والمغاربة والأشروسنية على أن يرضوا بما رضي به من سمينا، فأجمع رأي الثلاثة على ألا يولوا أحداً من أولاد المتوكل لئلا يغتالهم بدم أبيه كما أنهم يريدون إخراجها عن أولاد المعتصم مولاهم فاقترح عليهم تولية أحمد بن المعتصم فقال لهم محمد بن موسى بن شاكر المنجم أتولون رجلاً عنده أنه أحق الناس بالخلافة قبل المتوكل وأنكم دفعتموها عنه وأنه أحق بالأمر من المتوكل والمنتصر فبأي عين يراكم وأي قدر يكون لكم عنده؟ ولكن أطيعوا إنساناً يعرف لكم ذلك.


الوزارة في عهد المستعين:

لم يكن للخليفة شيء من النفوذ فإن الموالي هم الذين حولوا الخلافة عن المعتز بخلعهم إياه من ولاية العهد وهم الذين ساقوها إلى المستعين بلا عهد ولا سابقة فكان من المعقول أن يكون بين أيديهم يفعلون به ما شاؤوا.

فالوزير من قبلهم يولى فإن وافق هواهم رضوا عنه وإن خالفهم في شيء أزالوه عن رتبته وأقاموا غيره.

تركوا الوزارة في يد أحمد بن الخصيب الذي كان وزيراً للمعتصم ثم لم يلبثوا أن غضبوا عليه في جمادى الأولى من سنة248 فاستصفوا ماله ومال ولده ونفوه إلى جزيرة أقريطش.

واختير لوزارة المستعين أتامش أحد قواد الأتراك وكان الذي يقوم بأمر الكتابة كاتبه شجاعفكان أتامش بذلك صاحب السلطان التام فأطلقت يده في الأموال ومعه شاهك الخادم الذي جعله المستعين على داره وكراعه وخزائنه وخاص أموره وضم إليهما في النفوذ والتصرف أم المستعين فإنه لم يمنعها من شيء تريده وكان كاتبها سعيد بن سلمة النصراني فكانت الأموال التي ترد على السلطان من الآفاق يصير معظمها إلى هؤلاء الثلاثة فعمد أتامش إلى ما في بيوت الأموال من الأموال فاكتسحه وكان المستعين قد جعل ابنه العباس في حجر أتامش فكان ما فضل من الأموال عن هؤلاء الثلاثة يؤخذ للعباس فيصرف في نفقاته وأسبابه.

استوزر المستعين بعد أتامش أبا صالح عبد اللَّه بن محمد بن يزيد وأبوه كان قبل ذلك وزيراً للمأمون فمكث في الوزارة نحو ثلاثة أشهر لم يرض فيها أحزاب الموالي لأنه أراد أن يضبط حساب المملكة فلم يعجب ذلك بغاً الصغير وحزبه فأظهروا له الغضب فهرب منهم إلى بغداد في شعبان سنة249.

استكتب المستعين بعده محمد بن الفضل الجرجرائي وهو الذي كان وزيراً للمتوكل قبل ذلك ولم يسمه باسم وزير.
العلويون في عهد المستعين:

كان الذي في عهد المستعين من أئمة الإمامية الاثنا عشرية عليّ الهادي وهو العاشر من أئمتهم وكان مقيماً بسامرا.

أما الزيدية فقد خرج منهم:

أولاً: يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن علي بن الحسين خرج بالكوفة وكان قبل خروجه يتردد بين بغداد وسامرا يطالب كبار الدولة بما يصلح من شأنه فكان يرجع دائماً بالفشل فاستثار جمعاً كثيراً من الأعراب وانضم إليهم جمع من الكوفة فعسكر بهم بضواحي الكوفة ولما علم بخبره محمد بن عبد اللَّه بن طاهر وجه الجنود إليه فبادر يحيى إلى الكوفة فاستولى عليها وعلى بيت مالها ثم خرج منها وصار يتردد في السواد ثم عاد إلى الكوفة ودعا إلى الرضا من آل محمد وكثف أمره وتولاه العامة من أهل بغداد ولا يعلم أنهم تولوا من أهل بيته غيره.

ثانياً: خرج الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي. خرج بنواحي طبرستان وسبب خروجه أن المستعين أقطع محمد بن طاهر قطائع من صوافي السلطان بطبرستان وذلك بعد أن انتصر على يحيى بن عمر.
الجيش:

كان ما ظنه بغا الكبير في محله فإنه قال للقوم (نجيء بمن نهابه ونفرقه فنبقى معه وإن جئنا بمن يخافنا حسد بعضنا بعضنا فقتلنا أنفسنا) وجد التحاسد بين هؤلاء القوم وليس للخليفة سلطان يقمع به من بغى منهم فكانت أولى جناياتهم قتل أتامش لما رأوه قد استبد بأموال الدولة وبمصالحها. ثم اتفق وصيف وبغا على قتل باغر التركي الذي تولى قتل المتوكل لأنهما خافاه على أنفسهما وكان باغر قد جمع إليه الجماعة الذين كانوا بايعوه على قتل المتوكل فجدد عليهم البيعة التي كان أخذها عليهم وقال لهم الزموا الدار حتى نقتل المستعين وبغا ووصيفا وكانا يسميان بالأميرين ونجيء بعلي بن المعتصم أو بابن الواثق فنقعده خليفة حتى يكون الأمر لنا كما هو لهذين اللذين قد استوليا على أمر الدنيا وبقينا نحن على غير شيء فأجابوه إلى ذلك وانتهى الأمر إلى المستعين.


الأحوال الخارجية:

كان الحال في الخارج أشد من ذلك وأنكى فإن الاضطراب الحادث في داخلية الدولة كان سبباً في تقاعد أولي الأمر عن حماية الثغور والوقوف في وجه الروم الذين كانوا ينتظرون مثل هذه الفرصة وقد صادف أن قائدين عظيمين من قواد الثغور قتلا في حرب مع الروم أول عهد المستعين وهما عمر بن عبد اللَّه الأقطع وعلي بن يحيى الأرمني وكانا نابين من أنياب المسلمين شديداً بأسهما عظيماً غناؤهما في الروم فأما أولهما فقد غزا ملطية فقابله ملك الروم في جمع عظيم فأحاطوا به فقتل وقتل معه ألفا رجل وجرأهم قتله على قصد الثغور الجزرية فقصدوها وكلبوا عليها وعلى حرب المسلمين فبلغ ذلك علي بن يحيى وهو قافل من أرمينية إلى ميافارقين فنفر إليهم في جماعة قليلة فقتل نحو400 رجل.

لما بلغ ذلك أهل بغداد شق على عامتهم وعظم مقتل الرجلين في صدورهم مع ما لحقهم من استفظاعهم من الأتراك قتل المتوكل واستيلائهم على أمور المسلمين وقتلهم من أرادوا من الخلفاء واستخلاصهم من أحبوا استخلافه من غير رجوع منهم إلى ديانة ولا نظر لأمور المسلمين فثاروا وربما كانوا ينجحون فيما إليه قصدوا من ثورتهم هذه لو وجدوا قائداً يدبر أمرهم ويبعدهم عن الفوضى ولكنهم لم يظفروا به.

اجتمعت العامة ببغداد بالصراخ والنفير وانضمت إليهم الأبناء الشاكرية وفتحوا أبواب السجون وأخرجوا من فيها ثم أخرج أهل اليسار من أهل بغداد وسامرا أموالاً كثيرة من أموالهم فقووا من خف للنهوض إلى الثغور لحرب الروم وأقبلت إليهم العامة من نواحي الجبل وفارس وغيرهما لهذا القصد كل ذلك والخليفة لاه بما هو فيه عن ثغور المسلمين فلم يوجه لها عسكراً ولم تجد حركة العامة شيئاً


الأحوال الخارجية:

كان الحال في الخارج أشد من ذلك وأنكى فإن الاضطراب الحادث في داخلية الدولة كان سبباً في تقاعد أولي الأمر عن حماية الثغور والوقوف في وجه الروم الذين كانوا ينتظرون مثل هذه الفرصة وقد صادف أن قائدين عظيمين من قواد الثغور قتلا في حرب مع الروم أول عهد المستعين وهما عمر بن عبد اللَّه الأقطع وعلي بن يحيى الأرمني وكانا نابين من أنياب المسلمين شديداً بأسهما عظيماً غناؤهما في الروم فأما أولهما فقد غزا ملطية فقابله ملك الروم في جمع عظيم فأحاطوا به فقتل وقتل معه ألفا رجل وجرأهم قتله على قصد الثغور الجزرية فقصدوها وكلبوا عليها وعلى حرب المسلمين فبلغ ذلك علي بن يحيى وهو قافل من أرمينية إلى ميافارقين فنفر إليهم في جماعة قليلة فقتل نحو400 رجل.

لما بلغ ذلك أهل بغداد شق على عامتهم وعظم مقتل الرجلين في صدورهم مع ما لحقهم من استفظاعهم من الأتراك قتل المتوكل واستيلائهم على أمور المسلمين وقتلهم من أرادوا من الخلفاء واستخلاصهم من أحبوا استخلافه من غير رجوع منهم إلى ديانة ولا نظر لأمور المسلمين فثاروا وربما كانوا ينجحون فيما إليه قصدوا من ثورتهم هذه لو وجدوا قائداً يدبر أمرهم ويبعدهم عن الفوضى ولكنهم لم يظفروا به.

اجتمعت العامة ببغداد بالصراخ والنفير وانضمت إليهم الأبناء الشاكرية وفتحوا أبواب السجون وأخرجوا من فيها ثم أخرج أهل اليسار من أهل بغداد وسامرا أموالاً كثيرة من أموالهم فقووا من خف للنهوض إلى الثغور لحرب الروم وأقبلت إليهم العامة من نواحي الجبل وفارس وغيرهما لهذا القصد كل ذلك والخليفة لاه بما هو فيه عن ثغور المسلمين فلم يوجه لها عسكراً ولم تجد حركة العامة شيئاً
13- المعتز

هو أبو عبد اللَّه المعتز المتوكل بن المعتصم بن الرشيد وأمه أم ولد اسمها قبيحة ولد سنة231 وكان أبوه المتوكل جعله ولي عهده بعد المنتصر فلم تتم له الولاية لأن المنتصر أرغمه على أن يخلع نفسه ولما ولي المستعين بعد المنتصر حبسه هو وأخاه المؤيد حتى كانت الفتنة بين قواد المستعين فأخرج المعتز وبويع وتم له الأمر بعد خلع المستعين في رابع محرم سنة252 (25 يناير سنة866 ولم يزل والياً إلى أن خلع لثلاث بقين من رجب سنة255(11 يولية سنة869 )فكانت مدة خلافته بعد خلع المستعين ثلاث سنوات وستة أشهر و 23 يوماً.


وزراء المعتز:

لم يكن للوزارة في هذا العهد كبير شأن لانحطاط أمر الخلافة نفسها وقد كان الوزراء كتاب أموال فمن أمكنه أن يقوم بحاجة كبار الأتراك ومقدميهم بقي في منصبه وإلا عزل وفعلت به الأفاعيل.

أول وزراء المعتز أبو الفضل جعفر بن محمود الإسكافي. لم يكن له علم ولا أدب ولكنه كان يستميل القلوب بالمواهب والعطايا وكانت وزارته على غير رغبة المعتز لأنه كان يكرهه وكان الأتراك فيه فريقين فثارت بسبب ذلك فتنة فعزل من أجل ذلك.

وتولى الوزارة بعده عيسى بن فرخانشاه ولم يمكث إلا قليلاً حتى عزل بسبب فتنة كالأولى.

دخل صالح بن وصيف مقدم الأتراك على المعتز وقال له: يا أمير المؤمنين ليس للأتراك عطاء ولا في بيت المال مال وقد ذهب ابن إسرائيل وأصحابه بأموال الدنيا فقال له: أحمد بن إسرائيل يا عاصي يا ابن العاصي ثم لم يزالا يتراشقان الكلام بحضرة الخليفة حتى سقط صالح مغشياً عليه من شدة الغيظ والحرفرش على وجهه الماء وبلغ ذلك أصحابه وهم على الباب فصاحوا صيحة واحدة واخترطوا سيوفهم ودخلوا على المعتز فلما رأى ذلك المعتز دخل وتركهم وأخذ صالح بن وصيف أحمد بن إسرائيل الوزير والحسن بن مخلد كاتب قبيحة أم المعتز وأبا نوح عيسى بن إبراهيم فقيدهم وطالبهم بالمال فقال المعتز لصالح قبل أن يحملهم هب لي أحمد فإنه كاتبي وقد رباني فلم يفعل ذلك صالح وبعثت إليه أم المعتز في ابن إسرائيل تقول له: إما حملته إلى المعتز وإما ركبت إليك فيه. فلم يفد هذا ولا ذاك شيئاً. وهذا دليل على انحطاط عظيم في أمر الخلافة وزاد صالح الأمر شنعة فبعث إلى جعفر بن محمود الإسكافي الذي كره المعتز أن يعمل له وولاه الوزارة رغم أنفه.

وإسكاف التي ينتمي إليها جعفر بن محمود قرية من نواحي النهروان بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي وهي إسكاف العليا وهناك إسكاف السفلى بالنهروان أيضاً.
العلويون في عهد المعتز:

في عهد المعتز مات علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا وهو الإمام العاشر من أئمة الشيعة الإمامية فتولى الشيعة بعده ابنه الحسن العسكري وهو الحادي عشر من أئمتهم وإنما لقب بالعسكري لإقامته بسامرا التي كانت تدعى إذ ذاك بالعسكر.

أما الزيدية فكانوا قد وجدت لهم دولة ببلاد طبرستان على يد الحسن بن زيد كما تقدم وقد اتهم جماعة من الطالبيين في بغداد والكوفة بالدعوة للحسن بن زيد ووجدت مع بعضهم كتب من الحسن فأمر المعتز بحملهم إليه بسامرا فحملوه إليه ولم يعرض المعتز لهم بمكروه وإنما توثق منهم.
حال الجيش والأتراك:

استخلف المعتز وأحوال الجند والأتراك على شر ما يكون فهم أصحاب السلطان والنفوذ وهم فيما بينهم مختلفون لأنه لا يد فوق تقف كلا منهم عند حده ولا حيلة للخليفة إلا مراعاة جانبهم حيناً وإعمال الحيلة والدسائس حيناً وهكذا يفعل كل من سلب سلطانه ولا قدرة على استرداده.

في أول خلافة المعتز كتب بإسقاط اسم وصيف وبغا وهما أكبر قواد الأتراك لما كان من مساعدتهما المستعين وكان هذا الكتاب مرسلاً إلى محمد بن عبد اللَّه بن طاهر أمير بغداد فبلغ ذلك وصيفاً وبغا فجاءا إلى محمد وقالا بلغنا أيها الأمير ما عزم عليه القوم من قتلنا والقوم قد غدروا وخالفواما فارقونا عليه واللَّه لو أرادوا أن يقتلونا ما قدروا فحلف لهم محمد باللَّه أنه لم يعلم بشيء من ذلك فذهب الرجلان وتحرزا وتكلم لهما عند المعتز من أرضاه عنهما ثم اجتمع الأتراك عند المعتز وسألوه الأمر بإحضارهما وقالوا هما كبيرانا ورئيسانا فكتب إليهما بالرضا عنهما فذهبا من بغداد إلى سامرا فذهب لزيارتهما في منزلهما وزير المعتز أحمد بن إسرائيل وردهما المعتز إلى مراتبهما رغم أنفه بناء على إلحاح الأتراك وردت إليه ضياعهما.
خاتمة المستعين سلف المعتز:

قدمنا أن المعتز كتب للمستعين شروطاً عند خلعه منها تأمينه على حياته وقد أكدوا في هذا الكتاب تأكيداً شديداً وارتضى أن يقيم بالبصرة فقيل له: إن البصرة وبيئة فكيف اخترت أن تنزلها فقال المستعين: هي أوبأ أو ترك الخلافة؟ فأشخص المستعين مع محمد بن مظفر بن سيسل وابن أبي حفصة إلى واسط لا إلى البصرة في نحو400 من الفرسان وقبل أن تنتهي السنة بدا للمعتز فعزم على قتل المستعين ولم يبال بكتاب الأمان فأرسل إلى ابن طاهر يأمره أن يكتب إلى عامل البصرة أن يسلم المستعين لمن ندبه المعتز لاستلامه وهو أحمد بن طولون التركي فأخرج المستعين من واسط لست بقيت من شهر رمضان فوافى به القاطول لثلاث خلون من شوال فتسلمه منه سعيد بن صالح وكان في ذلك ختام حياة المستعين وكيفية قتله مبهمة مختلف فيها كثيراً وأتى المعتز فيما قيل برأسه وهو يلعب الشطرنج فقيل هذا رأس المخلوع فقال ضعوه هنالك ثم فرغ من لعبه ودعا به فنظر إليه ثم أمر بدفنه وأجاز سعيد بن صالح بخمسين ألف درهم وولي معونة البصرة.


خلع المعتز:

لما أخذ صالح بن وصيف الكتاب على الشكل الذي أوضحناه قبلاً في تاريخ الوزراء لم يجد عندهم من المال ما يسد مطامعه ومطامع الجنود الذين معه فذهبت الجنود إلى المعتز وقالوا له: إعطنا أرزاقنا حتى نقتل لك صالح بن وصيف فأرسل المعتز إلى أمه ذات الثروة الطائلة يسألها أن تعطيه مالاً ليعطيهم فأبت أن تعطيه شيئاً وأنكرت أن يكون عندها شيء ولما وجد الأتراك أن المعتز وأمه قد امتنعا أن يسمحا لهم بشيء وبيت المال خال اتحدت كلمة الأتراك والفراغنة والمغاربة على خلع المعتز فساروا إليه لثلاث بقين من رجب فلم يرعه إلا صياح القوم وإذا صالح بن وصيف وبايكباك ومحمد بن بغا قد دخلوا عليه في السلاح فجلسوا على باب المنزل الذي ينزله المعتز. ثم بعثوا إليه اخرج إلينا فبعث إليهم إني أخذت الدواء أمس وقد أجفلني اثنتي عشرة مرة ولا أقدر على الكلام من الضعف فإن كان أمراً لا بد منه فليدخل إلي بعضكم فليعلمني فدخل إليه القوم فجروا برجله إلى باب الحجرة وتناولوه كما قيل ضرباً بالدبابيس فخرج وقميصه مخرق في مواضع وآثار الدم على منكبه فأقاموه في الشمس في الدار في وقت شديد الحر فصار يرفع قدمه ساعة بعد ساعة من حرارة الموضع الذي قد أقيم فيه ثم بعثوا إلى قاضي القضاة فحضر وأمر المعتز أن يمضي على كتاب خلع كتب له فأمضى وشهد عليه الحاضرون. ويقال إنه بعد الخلع دفع إلى من يعذبه ومنع الطعام والشراب ثلاثة أيام فطلب حسوة من ماء البحر فمنعوه حتى مات وهكذا انتهت حياة هذا الخليفة البائس الذي سعى كثيراً للحصول على هذه الخلافة وركب في سبيل الخلاص ممن توهمهم مزاحمين له ما لا يجوز من خليفة ولا من سوقة فقتل المستعين وخلع أخاه ثم قتله ونفى أخاه الثاني كل ذلك لتهيأ له الخلافة فلم ينل ما أراد بسبب الفساد المستحكم في الدولة.

وكان المعتز أول خليفة أظهر الركوب بحلية الذهب وكان من سلف قبله من خلفاء بني العباس وكذلك جماعة من بني أمية يركبون بالحلية الخفيفة من الفضة والمناطق واتخاذ السيوف والسروج واللجم فلما ركب المعتز بحلية الذهب اتبعه الناس في فعل ذلك.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:00   رقم المشاركة : 50
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 المهتدي و المعتمد

14- المهتدي

ترجمته:

هو محمد المهتدي باللَّه بن هارون الواثق بن المعتصم بن الرشيد وأمه أم ولد رومية يقال لها قرب، ولد سنة218 وبويع له بالخلافة بعد أن خلع المعتز نفسه لثلاث بقين من رجب سنة255 (11 يولية سنة869 ولم يزل خليفة إلى أن خلع في 14 رجب سنة256 (17 يونية سنة870 فكانت مدته 11 شهراً وأياماً.
كيف انتخب:

لما عزم الأتراك على خلع المعتز أرسلوا إلى بغداد فأحضروا محمداً هذا وقد كان المعتز نفاه إليها واعتقله فيها فأتي به في يوم وليلة إلى سامرا فتلقاه الموالي في الطريق ودخل إلى الجوسق فعرضوا عليه الخلافة فأبى أن يقبلها حتى يرى المعتز ويسمع كلامه فأتي بالمعتز وعليه قميص مدنس وعلى رأسه منديل فلما رآه محمد وثب إليه فعانقه وجلسا جميعاً على السرير فقال له محمد يا أخي ما هذا الأمر قال المعتز أمر لا أطيقه ولا أقوم به ولا أصلح له؛ فأراد محمد أن يتوسط أمره ويصلح الحال بينه وبين الأتراك فقال امعتز لا حاجة لي فيها ولا يرضوا بي لها، فقال محمد: فأنا في حل من بيعتك، قال أنت في حل فلما جعله في حل من بيعته حول وجهه عنه فأقيم عن حضرته ورده إلى محبسه وكان من أمره ما قدمنا.
وزراء المهتدي:

أبقى المهتدي محمود بن جعفر الإسكافي على وزارته مدة قليلة ثم عزله واستوزر من بعده سليمان بن وهب بن سعيد.

وكان سليمان أحد كتاب الدنيا ورؤسائها فضلاً وأدباً وكتابة في الدرج والدستور وأحد عقلاء العالم وذوي الرأي منهم واستمر وزيراً للمهتدي إلى أن خلع.
صفات المهتدي:

كان المهتدي من صالح بني العباس يكره الظلم ويحب رفعه وبنى قبة لها أربعة أبواب وسماها قبة المظالم وجلس فيها للعام والخاص للمظالم وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وحرم الشراب ونهى عن القيان وأظهر العدل وكان يحضر كل جمعة إلى المسجد الجامع ويؤم بهم وكان فيه ديانة وتقشف حتى أن الجند تأسوا به إلا أن الدولة كانت وصلت إلى الدرجة التي لا يصلحها فيها مثل المهتدي في صلاحه وكثرة عبادته في بدء خلافته.


خلع المهتدي ثم وفاته:

كانت كل هذه الأحوال فرصاً لخلاص المهتدي من سيادة القواد الأتراك فلم يفعل بل كان ظاهره مع الرؤساء وباطنه مع الجنود ويظهر أنه أراد استعمال الحيلة في الخلاص منهم فأنقذ جنداً لمحاربة خارجي وفيه موسى بن بغا وبايكباك ومفلح فكتب المهتدي إلى باكيباك يأمره أن يضم العسكر الذي مع موسى إلى نفسه وأن يكون هو أمير الجيش وأن يقتل موسى ومفلحا. فلما وصل الكتاب بايكباك ذهب إلى موسى وأراه إياه وقال له إني لست أفرح بهذا وإنما هو تدبير علينا جميعاً وإذا فعل بك اليوم شيء فعل بي غداً مثله فما ترى؟ قال أرى أن تصير إلى سامرا وتظهر له أنك في طاعته فإنه يطمئن إليك ثم تدبر في قتله فقدر بايكباك فدخل على المهتدي فأظهر المهتدي الغضب من مخالفته حيث لم يقتل موسى ومفلحاً فاعتذر إليه بايكباك فاحتبسه المهتدي عنده وأخذ سلاحه ولما رأى الجند الذين معه غيبته عنهم جاشوا وأحاطوا بالجوسق فلما رأى المهتدي ذلك استشار صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور فأشار عليه أن يفعل ما فعله المنصور بأبي مسلم فأمر المهتدي بضرب عنق بايكباك فضرب عنقه والأتراك مطيفون بالجوسق بسلاحهم فلم يرعهم إلا رأس بايكباك بين أيديهم أمر المهتدي برميها. فلما رأوها اضطربوا واستعدوا للقتال فحاربتهم الفراغنة والمغاربة والأشروسنية وكثر بينهم القتل ثم انفصل الفريقان وذهب الأتراك فقووا أنفسهم وجاء منهم زهاء عشرة آلاف وخرج المهتدي وفي عنقه مصحف يدعو الناس إلى نصرته فلما التحم القوم مال الأتراك الذين مع المهتدي إلى إخوانهم وبقي في المغاربة والفراغنة ومن خف من العامة فحملت عليهم الأتراك حملة شديدة ففروا منهزمين معهم المهتدي والسيف في يده مشهور وهو يقول: يا معشر الناس انصروا خليفتكم حتى صار إلى دار محمد بن يزداد وفيها أحمد بن جميل صاحب الشرطة فدخلها ووضع سلاحه فعلم الأتراك خبره فجاؤوا إليه وقبضوا عليه وحملوه إلى داره مهاناً وذلك في14 رجب سنة256 ثم خلعوه لما أبى أن يخلع نفسه ثم مات لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة256.
15- المعتمد:

ترجمته:

هو أحمد المعتمد على اللَّه بن المتوكل بن المعتصم وأمه أم ولد كوفية اسمها فتيان ولد سنة231 وبويع له بالخلافة من غير عهد سابق يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة256 (19 يونية 870) ولم يزل خليفة حتى توفي ليلة الاثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة279 (15 أكتوبر سنة892 فكانت مدته23 سنة وثلاثة أيام.


الأحوال الداخلية:

كانت نتيجة طلبات الأتراك أن يتولى أمر الجيش أحد إخوة أمير المؤمنين وألا يرأسهم أحد منهم لما كان بينهم من الخلاف والمنافسة أن ولى المعتمد أخاه أبا أحمد طلحة بن المتوكل أمر الجيش والولايات فولاه في صفر سنة257 الكوفة وطريق مكة والحرمين واليمن ثم ولاه في رمضان من هذه السنة بغداد والسواد وكور دجلة والبصرة والأهواز وفارس. وفي ربيع الأول سنة258 عقد له على ديار مضر وقنسرين والعواصم فصار السلطان الفعلي لأبي أحمد لا للخليفة وصارت كلمة أبي أحمد هي العليا على الأتراك وقوادهم فكان ذلك مما حسن الأحوال العامة بعض التحسين وإن كانت أحوال المعتمد نفسه ساءت لأنه لم يترك له شيء من التصرف حتى أنه احتاج في بعض الأحيان إلى ثلثمائة دينار فلم يجدها.

كان الذي يولي الوزراء هو أبو أحمد الموفق لأن المعتمد لم يكن له إلا الخطبة والسكة والاسم وما عدا ذلك فهو لأخيه.

كان أول الوزراء عبيد اللَّه بن يحيى بن خاقان وقدمنا ذكره إذ كان وزيراً للمتوكل. ولما عرضت عليه الوزارة كرهها وتنصل منها ولكنهم أبوا إلا إياه فرضي بعد ذلك الإباء وكان عبيد اللَّه خبيراً بأحوال الرعايا والأعمال ضابطاً للأموال ولم يزل وزيراً إلى سنة263حيث مات بسقوطه عن دابته في الميدان وصلى عليه أبو أحمد بن المتوكل ومشى في جنازته.

استوزر بعده الحسن بن مخلد وكان كاتباً لأبي أحمد الموفق فاجتمعت له وزارة المعتمد وكتابة الموفق.

ولي الوزارة بعده سليمان بن وهب وهو الذي كان وزيراً للمهتدي وقد قدمنا صفته وبيته وولي عبد اللَّه بن سليمان كتابة أبي أحمد الموفق إلى ما كان له قبل ذلك من كتابة موسى بن بغا.

وفي سنة264 خرج سليمان بن وهب من بغداد إلى سامرا حيث يقيم الخليفة فلما صار بها غضب عليه المعتمد وحبسه وقيده وانتهب داره وداري ابنيه وهب وإبراهيم وأعاد إلى الوزارة الحسن بن مخلد لثلاث بقين من ذي القعدة فلما علم بذلك الموفق شخص من بغداد ومعه عبد اللَّه بن سليمان فلما قرب من سامرا تحول المعتمد إلى الجانب الغربي فعسكر به ونزل أبو أحمد ومن معه جزيرة المؤيد واختلف الرسل بينهما. ولما كان بعد أيام خلون من ذي الحجة صار المعتمد إلى حراقة في دجلة وصار إليه أخوه أبو أحمد في زلال فخلع المعتمد عليه وعلى من معه من القواد.

وفي ثامن من ذي الحجة عبر جند أبي أحمد إلى جند المتوكل على وفاق وأطلق سليمان بن وهب ورجع المعتمد إلى الجوسق وهرب الحسن بن مخلد وأحمد بن صالح بن شيرزاد وكتب في قبض أموالهما وأموال أسبابهما.

ولم يدم رضا أبي أحمد طويلاً عن سليمان بن وهب فإنه غضب عليه سنة265 وأمر بحبسه وحبس ابنه عبد اللَّه فحبسا وعدة من أسبابهم في دار أبي أحمد وانتهبت دور عدة من أسبابه ووكل بحفظ داري سليمان وابنه عبد اللَّه وأمر بقبض ضياعهما وأموالهما وأموال أسبابهما وضياعهما خلا أحمد بن سليمان ثم صولح سليمان وابنه عبد اللَّه على900000 دينار وصيرا في موضع يصل إليهما من أحبا.

وقد مات سليمان بن وهب في حبس أبي أحمد سنة272.

ولى الوزارة بعده للمعتمد أبو الصقر إسماعيل بن بلبل وهو عربي ينتسب إلى شيبان ولكن نسبه كان مغموراً ومن مساورة الظنون للمتهم أن ابن الرومي الشاعر مدح أبا الصقر بقصيدة نونية مطلعها.

أجنت لك الوصل أغصان وكثبان فيهن نوعان تفاح ورمـان

يقول فيها:

قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم كلا لعمري ولكن منه شيبان

كم من أب قد علا بابن له شـرفا كما برسول اللَّه عدنــان
السامانيون:

تنسب الأسرة السامانية إلى بهرام جور صاحب كسرى هرمز فهي أسرة عريقة المجد في الأمة الفارسية. كان في عهد المأمون من تلك الأسرة أولاد أسد بن سامان وكان المأمون يرعى حقوق الحرمة لذوي البيوتات فقربهم ورفع من أقدارهم وكانت بلاد ما وراء النهر مقسمة بينهم يلونها من جهة أمير خراسان فكان نوح بن أسد في سمرقند وأحمد بن أسد في فرغانة ويحيى بن أسد في الشاس وأشروسنة وإلياس بن أسد في هراة. وكان أحمد بن أسد عفيف الطعمة مَرْضي السيرة لا يأخذ رشوة ولا أحد من أصحابه. ولما توفي استخلف ابنه نصراً على أعماله بسمرقند وما وراءها فبقي عاملاً بها إلى آخر أيام الطاهرية. وكان إسماعيل بن أحمد يخدم أخاه نصراً فولاه بخارى سنة261 وكان بين هذين الأخوين خطوب طويلة بسبب سعاة السوء حتى إنه في سنة275 تحارب نصر وإسماعيل فقهر نصر وحمل إلى أخيه إسماعيل فلما رآه ترجل له وقبل يديه ورده من موضعه إلى سمرقند وتصرف هو على النيابة عنه ببخارى.


أحمد بن طولون:

كان طولون مملوكاً تركياً أهداه نوح بن أسد الساماني إلى المأمون سنة200 فكان من عداد الجنود التركية الكفاة وولد له أحمد ابنه بسامرا سنة220 فربيّ في حلبة أولئك الجنود وأفصح بالعربية وحفظ القرآن الكريم وكان ذا خلق قويم ولما بلغت سنه العشرين توفي أبوه طولون فكان بعده في ضمن جنود بايكباك الذي تقدم ذكره.

كانت ولاية مصر مضافة إلى بايكباك وهو الذي يختار أميرها ففي سنة254 اختار لها أحمد بن طولون لما رأى من كفايته وشجاعته فعقد له عليها ودخلها أحمد لتسع بقين من رمضان وكان يتقلد القصبة وحدها وكان معه أحمد بن محمد الواسطي كاتب بايكباك.

لما توفي المعتز سنة255وتولى المهتدي وقتل بايكباك حل محله أماجور وكان صهراً لأحمد بن طولون فإن أحمد كان زوج ابنته فكتب إليه أماجور تسلم من نفسك لنفسك وزاده الأعمال الخارجية عن قصبة مصر فعظمت لذلك منزلته واتسع ملكه وكان يدعى على منابر مصر للخليفة أولاً ثم لأماجور ثم لأحمد بن طولون حتى مات أماجور سنة258 فاستقل أحمد بمصر ودعي له بها وحده بعد الدعاء للخليفة وضبط ابن طولون بلاد مصر أحسن ضبط وخضد شوكة الثائرين الذين كانوا يثورون بها من وقت لآخر.

وفي سنة262 حصل بينه وبين أبي أحمد الموفق تنافر أدى إلى وحشة استحكمت حلقاتها فكتب أبو أحمد إلى ابن طولون يهدده بالعزل فأجابه جواباً فيه بعض الغلظة فسير إليه الموفق جيشاً يقوده موسى ابن بغا فلما بلغ الرقة أقام فيها عشرة أشهر ولم يمكنه المسير لقلة الأموال وطالبته الجنود بالعطايا فلم يكن معه ما يعطيهم فاختلفوا عليه وثاروا بوزيره فاضطر ابن بغا أن يعود إلى العراق وكفى ابن طولون شره وفي سنة263 ولى المعتمد أحمد بن طولون طرطوس ليقوم بحفظ ذلك الثغر عن الروم الذين كانوا قد تطرقوا البلاد لضعف قوة الخلافة.

وفي سنة264 دخل في حوزته بلاد الشام والثغور بعد وفاة أماجور الذي كانت تلك البلاد له فاتسع ملكه اتساعاً عظيماً حتى كانت حدود مملكته تنتهي إلى نهر الفرات وبذلك تم التغلب والانفراد عن بني العباس من أقاصي الغرب إلى نهر الفرات فضاقت مملكة بني العباس واقتصرت على العراق والجزيرة الفراتية على ما فيها من الثورات والاضطرابات وبلاد الري والأهواز.

وكان الموفق في ذلك الوقت مشغولاً بحرب الدعي صاحب الزنج فكان ذلك فرصة عظيمة لأحمد بن طولون أن يقوي أمر ملكه وكان يعلم ما بين المعتمد الخليفة وبين أخيه من الفتور فأراد أن ينتفع من ذلك وصادف أن أرسل المعتمد إلى ابن طولون يشكو له مما هو فيه من استبداد الموفق عليه وأنه ليس له من الخلافة إلا الاسم فأشار عليه ابن طولون أن يلحق به بمصر ولو تم ذلك لانتقلت الخلافة العباسية إلى القطائع مدينة أحمد بن طولون بمصر ولكن حال دونه عامل الموصل والجزيرة الذي أرسل إليه الموفق أن يبذل جهده في منع المعتمد من المسير إلى مصر فلما بارح المعتمد سامرا ووصل إلى عمل الموصل منعه العامل من المسير فعاد ثانية إلى سامرا وبسبب ذلك اتسعت مسافة الخلف بين الموفق وابن طولون حتى أن ابن طولون قطع خطبة الموفق وأسقط اسمه من الطراز فتقدم الموفق إلى المعتمد يبلغه ففضل مكرها لأن هواه كان مع ابن طولون.

وفي سنة270 توفي أحمد بن طولون فخلفه في مصر والشام والثغور الشامية ابنه خمارويه وقد استمر ملك مصر والشام في أعقاب ابن طولون إلى سنة292 وقد ولي من هذا البيت خمسة أمراء وهم

(1) أحمد بن طولون (254-270)

(2) خمارويه بن أحمد (270-282)

(3) أبو العساكر جيش بن خمارويه (282-283)

(4) هارون بن خمارويه (283-292)

(5) شيبان بن أحمد بن طولون (292-292)
الحوادث الخارجية:

ترتب على الاضطراب الذي قصصنا حديثه في عهد المعتمد أن الحدود الرومية كانت محل اضطراب دائم يغير عليها الروم كل وقت فيجدون الدفاع عنها ضعيفاً حتى أنهم أخذوا سنة263 حصن لؤلؤة الذي كان شجى في حلوقهم وغلبوا كثيراً من الجيوش ولم تتحسن الأحوال قليلاً إلا بعد أن أخذ ابن طولون مدينة طرسوس وعهد إليه حماية الثغور الشامية فتولى الغزو بجنوده المصرية والشامية وقد أوقع بالروم وقعة هائلة سنة270 .

وكانت غارات الروم بعد ذلك على ديار ربيعة وثغورها الجزري فكانت ترد السرايا من تلك الجهة فتغير على المسلمين وهم غارون يأخذون منهم كثيراً من الأسرى ولولا جنود المتطوعين لكانت الحال أسوأ مما حصل
ولاية العهد:

كان أبو أحمد الموفق ولي العهد بعد المعتمد وكانت إليه أمور الخلافة فعلاً فلما توفي سنة278 جعل ولي العهد المفوض بن المعتمد ومن بعده أبو العباس بن أبي أحمد الموفق وكان أبو العباس صاحب الكلمة في الخلافة بعد أبيه فلم يلبث أن خلع المفوض من ولاية العهد وجعل نفسه مقدماً.
صفات المعتمد:

لم يكن للمعتمد نفوذ في إدارة البلاد ولا شيء من سياسة المملكة لأن الأمر كله كان منوطاً بأخيه أبي أحمد وكان المعتمد مشغوفاً بالطرب والغالب عليه المعاقرة ومحبة أنواع اللهو والملاهي لا هم له إلا ذلك وله أحاديث في الغناء والرقص والندامى وهيئة المجالس ومنازل التابع والمتبوع وكيفية مراتبهم وتعبية مجالس الندماء استبدل هذا بتعبية الجيوش وسوقها إلى خوض الغمرات.

وكانت وفاة المعتمد على أثر شراب شربه فأكثر منه ثم أتبعه بأكلة هاضته وأتت على حياته لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة279.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:05   رقم المشاركة : 51
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 المعتضد و المكتفي

16- المعتضد:

ترجمته:

هو أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الموفق طلحة بن المتوكل بن المعتصم وأمه أم ولد اسمها ضرار وكان عضداً لأبيه الموفق في حروبه وأعماله وولي العهد بعد وفاة أبيه وبعد خلع المفوض بن المعتمد سنة وبويع له بالخلافة في اليوم الذي توفي فيه المعتمد على اللَّه لأحدى عشرة بقيت من رجب سنة279(15 أكتوبر سنة892) ولم يزل خليفة حتى توفي لثمان بقين من ربيع الآخر سنة289 (15 إبريل سنة902) فكانت مدته تسع سنوات وتسعة أشهر وثلاثة أيام.
وزراء الدولة:

أول وزراء المعتضد عبيد اللَّه بن سليمان بن وهب واستمرفي وزارته حتى مات سنة288 فاستوزر بعده ابنه أبو الحسين القاسم بن عبيد اللَّه ومات وهو وزيره.


اضطرابات الجزيرة:

كانت العرب مع تغلب الأتراك على دولة بني العباس لا يقرون بالخضوع لهم بل كانوا على ما لم يزالوا عليه من الاستقلال بأمر أنفسهم في ديار ربيعة وفي ديار مضر ولا سيما بعد أن أسقط العباسيون أسماء العرب من ديوان المرتزقة فكانت لا تزال تخرج منهم خوارج يدعون الناس إلى خلع طاعة العباسيين وأكثر هؤلاء العرب جمعاً وخروجاً بنو شيبان من ربيعة.

ففي أول خلافة المعتضد سار إلى بني شيبان بالموضع الذي يجتمعون فيه من أرض الجزيرة فلما بلغهم قصده جمعوا إليهم وأغار المعتضد على الأعراب عند السن فنهب أموالهم وقتل منهم مقتلة عظيمة ثم غرق في نهر الزاب مثل من قتل ثم سار إلى الموصل فلقيته بنو شيبان يسألونه العفو وبذلوا له رهائن فأجابهم إلى ما طلبوا وعاد إلى بغداد.

وفي سنة 281 سار يريد قلعة ماردين للإستيلاء عليها من يدي حمدان بن حمدون الذي تغلب عليها وهو جد الأسرة الحمدانية فلما بلغه ميسر المعتضد إليه ترك في القلعة ابنه وسار عنها فلما وصلها المعتضد نازلها يومه وفيالغد ركب بنفسه حتى أتى باب القلعة وصاح بابن حمدان فأجابه فأمره بفتح باب القلعة ففتحه فقد المعتضد فيالباب وأمر بنقل ما في القلعة وهدمها ثم وجه خلف حمدان من يطلبه أشد الطلب حتى ظفر به بعد عودته إلى بغداد.

وكان مما يهم المعتضد خارجي ظهر بالجزيرة اسمه هارون الشاري واستفحل جمعه واشتدت قوته حتى لم يحاربه جند من جنود السلطان إلا هزمه فرأى المعتضد أن يضرب الحديد بالحديد فندب الحسين بن حمدان لحرب هارون فقال له الحسين: إن أنا جئت به فلي ثلاث حاجات عند أمير المؤمنين إحداها إطلاق أبي وحاجتان أذكرهما بعد مجيئي فأجابه المعتضد إلى ذلك فمضى مع جند اختاره حتى لقيه فحاربه وهزمه ثم ما زال يتبعه حتى ظفر به فأخذه أسيراً وأحضره للمعتضد فخلع على الحسين وطوقه وخلع على إخوته وأمر بفك أبيه والتوسعة والإحسان إليه فكان هذا بدء ظهور الأسرة الحمدانية.


القرامطة:

قد ذكرنا فيما مضى كيف ابتدأت نحلة القرامطة تشيع في سواد الكوفة ويدخل الناس فيها حتى كثر أتباع القرامطة.

في قريب من الوقت الذي انتشر فيه هذا المذهب بسواد الكوفة ظهر بالبحرين رجل يقال له سعيد الحسن الجنابي وجنابة من سواحل فارس يدخل إليها في المراكب في خليج من البحر الفارسي وبين المدينة والبحر ثلاثة أميال وقبالتها في وسط البحر جزيرة خارك نشأ بها أبو سعيد هذا وكان دقاقاً فنفي عن جنابة فخرج إلى البحرين فأقام بها تاجراً وجعل يستميل العرب إلى نحلته حتى استجاب له أهل البحرين وما والاها وقوي أمره فقتل ما حوله من أهل القرى وفعل ذلك بالقطيف وأظهر أنه يريد البصرة التي كتب عليها الشقاء فإنه لم يمض على ما لاقته من السوء على يد دعي العلويين أكثر من15 سنة فكتب واليها إلى المعتضد يخبره بالأمر فأمره المعتضد أن يبني على البصرة سوراً ففعل وفي سنة287 أقبل الجنابي بجموعه يريد البصرة فأرسل إليه المعتضد جيشاً قائده العباس بن عمرو الغنوي فهزمه أبو سعيد وأسر العباس واحتوى ما في العسكر وقتل الأسرى ثم سار الجنابي بعد الواقعة إلى هجر وانصرف المنهزمون إلى البصرة فلقيهم الأعراب فأفنوهم، أحدث ذلك بالبصرة قلقاً واضطراباً حتى هم أهلها بالجلاء عنها ولكن واليها هدأ بالهم.

كان تتابع الجيوش من المعتضد إلى من بسواد الكوفة سبباً لأن داعية قرمط زكرويه بن مهرويه سعى في استغواء كلب بن وبره بواسطة أولاده فأجابه بعض بطونهم وبايعوا سنة291 ابن زكرويه المسمى يحيى المكنى بأبي القاسم ولقبوه الشيخ وزعموا أن محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وزعم لهم أن له بالبلاد مائة ألف تابع وسمى أتباعه الفاطميين فقصدهم شبل مولى المعتضد من ناحية الرصافة فاغتروه فقتلوه وأحرقوا مسجد الرصافة واعترضوا كل قرية اجتازوا بها حتى بلغوا الشام وكانت إذ ذاك في حوزة خماريه بن أحمد بن طولون وينوب عنه فيها طغج بن جف فقاتلهم مراراً فهزموه.

هذا ما كان منهم في حياة المعتضد ظهروا بثلاثة مواضع بالبحرين والعراق والشام وبدأوا بخروجهم شعلة النار المحرقة التي آذت المسلمين ودوختهم وسلبتهم أمن الطريق إلى بيت اللَّه المقدس كما يأتي بيانه.

وفي تلك الأزمنة كان يشتغل دعاة الفاطميين باليمن وأفريقية فكانت الدعوة الإسماعيلية رتبت أن يكون في آن واحد بجميع الجهات الإسلامية حتى لا يكون لبني العباس قبل بملاقاة شرها وكذلك كان.
صفات المعتضد:

كان المعتضد قوي القلب جرئياً ولذلك كان للخلافة في عهده أكثر مما كان في عهد أبيه من الهيبة وإن كان الأمر في الحقيقة جل أن يصلح لأن وراءهم عدواً لا ينام يريد إفساد ملكهم ما أمكنه ولو أدى ذلك إلى إفساد البلاد كلها. وكان مع شجاعته قليل الرحمة سفاكاً للدماء شديد الرغبة في التمثيل بمن يقتله.

وله إصلاحات داخلية جليلة منها أنه أمر برد الفاضل من سهام المواريث على ذوي الأرحام وأمر بإبطال ديوان المواريق وكان أصحاب التركات يلقون من ذلك عناء ومنها اهتمامه بكري دجيل وهو أحد روافد دجلة وقلع من فوهته صخراً كان يمنع الماء.


وفاة المعتضد:

توفي المعتضد لثمان بقين من ربيع الآخر سنة289 وكان ولي عهده ابنه المكتفي
17- المكتفي:

ترجمته:

هو علي المكتفي المعتضد بن أبي أحمد بن المتوكل وأمه أم ولد تركية اسمها جيجك، ولد سنة 236 وبويع بالخلافة بعد وفاة أبيه المعتضد بعهد منه وذلك في28 ربيع الآخر سنة289(15 أبريل سنة902)، ولم يزل خليفة إلى أن توفي في12 ذي القعدة سنة295(13 أغسطس سنة908)، فكانت مدته ست سنوات وستة أشهر و 19 يوماً.
وزراء المكتفي

لما استخلف المكتفي أبقى في الوزارة وزير أبيه القاسم بن عبيد اللَّه بن سليمان بن وهب فدبر الأمور على ما كان في زمن المعتضد واستمر في الوزارة عظيماً مهيباً إلى أن توفي سنة291.

فاستوزر المكتفي بعده العباس بن الحسن.

الأحوال في عهده:

انتكست البلاد في عهد المكتفي بعد أن كانت ابتدأت تنتعش في عهد أبي أحمد الموفق وعهد ابنه المعتضد فقد ابتدأت ولايته بظهور المنافسات بين ذوي النفوذ من الدولة فكان أحدهم يكيد الآخر شر كيد حتى يورده المهالك من غير نظر في ذلك إلى ما تقتضيه مصلحة الأمة.

توالت كتب أهل الشام إلى الخليفة ببغداد يشكون مما ألم بهم من ذي الشامة من القتل والسبي وتخريب البلاد فلم ير بداً من الخروج بنفسه إلى الشام فتأهب وسار إلى الشام وجعل طريقه على الموصل وقدم بين يديه أبا الأغر في عشرة آلاف فارس فنزل أبو الأغر قريباً من حلب فكبسهم القرمطي فقتل منهم خلقاً كثيراً وسلم أبو الأغر فدخل حلب في ألف رجل فتبعه القرمطي إلى حلب فحاربه أبو الأغر بمن بقي معه من أهل البلد فرجع عنهم.

سار المكتفي حتى نزل الرقة وسير الجيوش إليه وجعل أمرها إلى محمد بن سليمان الكاتب فسار محمد حتى صار بينه وبين حماه 12 ميلاً فالتقوا بأصحاب القرمطي فالتحمت الحرب بين الفريقين واشتدت فهزم أصحاب القرمطي وقتلوا وأسر من رجالهم بشر كثير وتفرق الباقون في البوادي وتبعهم أصحاب السلطان
خبر المشرق:

انتظمت بلاد خراسان وما وراء النهر لإسماعيل بن أحمد الساماني وكان رجلاً عاقلاً مدبراً ذا عزيمة ثابتة ولم يزل أمره على ما هو عليه والمكتفي راض عنه حتى توفي سنة295 فولى بعده ابنه أحمد بن إسماعيل وعقد له المكتفي بيده لواء وأرسله إليه.
خبر المغرب:

وفي عهد المكتفي انقرضت دولتان إحداهما دولة بني طولون بمصر على يدي العباسيين وآخر أمرائها شيبان بن أحمد بن طولون سنة292 والثانية دولة الأغالبة بإفريقية انتهت على يدي أبي عبد اللَّه الشيعي داعية الفاطميين بالمغرب.
العلاقات مع الروم:

كانت العلاقات في أول الأمر حسنة مع ملك الروم حتى أنه تبودلت الهدايا بين الملكين.

وفي سنة290 وردت رسل صاحب الروم يسألون المكتفي المفاداة بمن في أيدي المسلمين من الأسرى ومعهم هدايا فأجيبوا إلى طلبهم ولم يتمن هذا الفداء إلا سنة 293 فكان جملة من فودي به من المسلمين نحو1200 وكان المتولي للفداء أمير الثغور رستم بن برد ولم تستمر العلاقات حسنة.
فتح إنطاكية:

ففي سنة291 سار جيش إسلامي من طرسوس وصمد نحو إنطاكية ففتحها بالسيف عنوة وهي من أهم مدن الروم وثغورهم البحرية وقد قتل في فتحها نحو5000 من الروم وأسر مثلهم واستنقذ من أسارى المسلمين مثل ذلك وأخذوا من الروم ستين مركباً فحملت فيها الغنائم من الأموال والمتاع والرقيق وقدر نصيب كل رجل ألف دينار وغزا من المسلمين أمير الثغر رستم مرتين وبلغ في غزوته الثانية سلندوا ففتحها وصار إلى آلس فأسر من الروم عدداً كبيراً وغزا ابن كيغلغ من طرسوس وفي سنة294 استأمن إلى السلطان بطريق اسمه أندرونقس وكان على حرب أهل الثغور من قبل ملك الروم فأجيب طلبه وأخرج نحواً من مائتي نفس من المسلمين كانوا أسرى في حصنه وكان ملك الروم قد وجه من يقبض عليه فأعطى المسلمين الذين كانوا أسرى في حصنه السلاح وأخرج معهم بعض بنيه فكبسوا البطريق الموجه إليه للقبض عليه ليلاً وقتلوا من معه خلقاً كثيراً وغنموا ما في معسكرهم.

وكان رستم قد خرج في أهل الثغور في جمادي الأولىقاصداً أندرونقس ليخلصه فوافى رستم قونية بعقب الواقعة وعلم البطارقة بمسير المسلمين إليهم فانصرفوا ووجه أندونقس ابنه إلى رستم ووجه رستم كاتبه وجماعة من البحريين فباتوا في الحصن فلما أصبحوا خرج أندرونقس وجميع من معه من أسرى المسلمين ومن صارإليه منهم ومن وافقه على رأيه من النصارى وأخرج ماله ومتاعه إلى معسكر المسلمين وضرب المسلمون قونية ثم قفلوا إلى طرسوس هم وأندرونقس وأسارى المسلمين ومن كان مع أندرونقس من النصارى وقد وصل هذا البطريق إلى بغداد فأكرم.

وحصل في آخر عهد المكتفي مفاداة ثانية تمت سنة295 وكان عدة من فودي به من الرجال والنساء ثلاثة آلاف نفس










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:09   رقم المشاركة : 52
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 المقتدرو القاهرو الراضي

توفي المكتفي في12 ذي القعدة سنة295 .

18- المقتدر:

ترجمته:

هو جعفر المقتدر با بن المعتضد بن أحمد بن المتوكل وهو أخو المكتفي وأمه أم ولد اسمها شغب ولد سنة282 وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه ولم يزل خليفة إلى أن قتل في28 شوال سنة220 (1 نوفمبر سنة 932 فتكون مدته24 سنة و 11 شهراً و 16 يوماً.
كيف انتخب:

لما ثقل المكتفي كان في منصب الوزارة العباس بن الحسين ففكر فيمن يتولى الخلافة بعده لأنه لم يكن ولى أحداً العهد في صحته وكان من عادة الوزير أن يسايره إذا ركب واحد من هؤلاء الأربعة الذين يتولون الدواوين وهم أبو عبد اللَّه محمد بن داود بن الجراح وأبو الحسن محمدبن عبد اللَّه وأبو الحسن علي بن محمد بن الفرات وأبو الحسن علي بن عيسى فاستشار الوزير يوماً محمد بن داود بن الجراح في ذلك فأشار بعبد اللَّه بن المعتز ووصفه بالعقل والأدب والرأي واستشار بعده أبا الحسن بن الفرات فقال: هذا شيء ما جرت به عادتي أن أشير فيه وإنما أشاور في العمال لا في الخلفاء فغضب الوزير وقال: هذه مقاطعة باردة وليس يخفى عليك الصحيح وألح عليه فقال: إن كان رأي الوزير قد استقر على أحد بعينه فليفعل فعلم الوزير أنه يعني ابن المعتز لاشتهار خبره فقال: لا أقنع إلا أن تمحضني النصيحة فقال ابن الفرات: فليتق اللَّه الوزير ولا ينصب إلا من قد عرفه واطلع على جميع أحواله ولا ينصبه بخيلاً فيضيق على الناس ويقطع أرزاقهم ولا طماعاً فيشره في أموالهم فيصادرهم ويأخذ أموالهم وأملاكهم ولا قليل الدين فلا يخاف العقوبة والآثام ويرجو الثواب فيما يفعله ولا يولي من عرف نعمة هذا وبستان هذا وضيعة هذا وفرس هذا ومن قد لقي الناس ولقوه وعاملهم وعاملوه ويتخيل ويحسب حساب نعم الناس وعرف وجوه دخلهم وخرجهم فقال الوزير: صدقت ونصحت فبمن تشير؟ قال أصلح الموجودين جعفر بن المعتضد فقال: ويحك هو صبي قال: ابن الفرات إلا أنه ابن المعتضد ولم نأت برجل كامل يباشر الأمور بنفسه غير محتاج إلينا. فمالت نفس الوزير إلى مشورة ابن الفرات وانضاف إلى ذلك وصية المكتفي فإنه أوصى لما اشتد مرضه بتقليد أخيه الخلافة فلما مات المكتفي اختار الوزير جعفراً للخلافة بالاتفاق مع صافي الحرمي ولقب المقتدر بالله وسنه إذ ذاك ثلاث عشرة سنة.
وزراءه:

كان أول وزرائه أبو الحسن علي بن محمد بن موسى بن الفرات استوزره يوم الأحد لعشر بقين من شهر ربيع الأول سنة296 فنظر في الأمور نظر جد واهتمام وأمر جماعة من القواد بطواف البلد ليلاً والإيقاع بأهل الدعارة ومن يرونه متعرضاً لنهب دار وأخذ مال وعلى يد ابن الفرات كانت عقوبات جميع من خرجوا مع ابن المعتز فصادر من صادر وقتل من قتل.

مضى ابن الفرات في وزارته هذه ثلاث سنين وثمانية أشهر وأربعة عشر يوماً اختلفت عليه الأمور فيها وحدثت الحوادث وحضر عيد النحر من سنة298 فاحتيج فيه من النفقات إلى ما جرت العادة به وكانت المواد قصرت والمؤن قد تضاعفت وطلب المقتدر أن يعطيه من بيت مال الخاصة ما يصرفه في نفقات هذا العيد فمنعه من ذلك وألزمه القيام به من جهته فوجد بذلك أعداؤه الطريق إلى الوقيعة فيه.


أمر القرامطة:

كان رئيس القرامطة بالبحرين أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي فقتل سنة301 بعد أن استولى على هجر والأحساء والقطيف وسائر بلاد البحرين فولى بعده ابنه أبو طاهر سليمان الجنابي وكانت له غزوات متتابعة إلى جهة البصرة يريد الاستيلاء عليها وأشد غزواته لها سنة311 فإنه سار إليها في ألف وسبعمائة من القرامطة ودخلها وقتل حاميتها ووضع السيف في أهلها وأقام بها سبعة عشر يوماً يحمل منها ما يقدر عليه من المال والأمتعة والنساء والصبيان ثم عاد إلى بلده ومنها توجه إلى طريق الحاج ليلقاهم عند رجوعهم إلى مكة فأوقع بقافلة تقدمت معظم الحاج وكان فيها خلق كثير من أهل بغداد وغيرهم فنهبهم واتصل الخبر بباقي الحاج وهم بفيد فأقاموا بها حتى فني زادهم فارتحلوا مسرعين إلى طريق الكوفة فأوقع بهم القرامطة وأخذوا جمال الحجاج جميعها وما أرادوا من الأمتعة والأموال والنساء والصبيان ثم عاد الجنابي إلى هجر وترك الحاج في مواضعهم فمات أكثرهم جوعاً وعطشاً من حر الشمس فانقلبت بغداد من سوء تأثير هذا الخبر وكان وصوله في الوقت الذي قتل فيه المحسن بن الفرات من قتل من المصادرين فازدوجت المصيبة وكان ابن الفرات يتهم بالتشيع فذكر بكل قبيح على ألسنتهم.

اضطر المقتدر أن يكاتب أبا طاهر يطلب منه أن يطلق من عنده من أسرى الحاج فأطلقهم وطلب ولاية البصرة والأهواز فلم يجبه المقتدر فسار من هجر يريد الحاج وكان جعفر بن ورقاء الشيباني متقلداً أعمال الكوفة وطريق مكة فلما سار الحاج من بغداد سار جعفر بين أيديهم خوفاً من أبي طاهر ومعه ألف رجل من بني شيبان وسار معهم أيضاً قواد السلطان ومعهم ستة آلاف رجل فلقي أبو طاهر القرمطي جعفراً الشيباني فقاتله جعفر فبينما هو يقاتله إذ طلع جمع من القرامطة عن يمينه فانهزم من بين أيديهم فلقي القافلة الأولى فردها إلى الكوفة ومعها عسكر الخليفة وتبعهم أبو طاهر إلى باب الكوفة فقاتلهم فانهزم عسكر الخليفة ودخل أبو طاهر الكوفة وأقام ستة أيام بظاهرها يدخل البلد نهاراً فيقيم في الجامع إلى الليل ثم يخرج فيبيت في عسكره وحمل منها ما قدر على حمله من الأموال والثياب وغير ذلك ثم عاد إلى هجر وكان أهل بغداد قد خافوا أن يهجم القرامطة عليهم.
سرقة الحجر الأسود:

وفي سنة317 فعل أبو طاهر ما هو أشنع وأدهى وذلك أنه سار بجنده إلى مكة فوافاها يوم التروية فلم يرع حرمة البيت الحرام، بل نهب هو وأصحابه أموال الحجاج وقتلوهم حتى في المسجد الحرام وفي البيت نفسه وقلع الحجر الأسود وأنفذه إلى هجر فخرج إليه أمير مكة في جماعة من الأشراف فسألوه في أموالهم فلم يشفعهم فقاتلوه فقتلهم أجمعين وقلع باب البيت وطرح القتلى في بئر زمزم ودفن الباقين في المسجد الحرام حيث قتلوا بغير غسل ولا كفن ولا صلى على أحد منهم وأخذ كسوة البيت فقسمها بين أصحابه ونهب دور أهل مكة. ولم يحصل في التاريخ أن انتهكت حرمة هذا البيت إلى هذا الحد حتى أن المهدي عبيد اللَّه العلوي لما علم ذلك كتب إلى أبي طاهر ينكر عليه ذلك ويلومه ويلعنه ويقيم عليه القيامة ويقول: قد حققت على شيعتنا ودعاة دولتنا اسم الكفر والإلحاد بما فعلت وإن لم ترد على أهل مكة وعلى الحجاج وغيرهم ما أخذت منهم وترد الحجر الأسود إلى مكانه وترد كسوة الكعبة فأنا بريء منك في الدنيا والآخرة ولما وصله هذا الكتاب أعاد الحجر الأسود واستعاد ما أمكنه من أموال أهل مكة فرده، وقال: إن الناس اقتسموا كسوة الكعبة وأموال الحجاج ولا أقدر على منعهم.
المتغلبون وما كان منهم:

في عهد المقتدر اشتد سلطان المتغلبين بأطراف المملكة وهذه نتيجة طبيعية لما أصاب الدولة من الخلل.


قتل المقتدر:

كان في دولة المقتدر قائدان هما في أرفع الدرجات أولهما مؤنس المظفر وهو القائد العام للجيوش وعليه المعول في تسييرها ويليه في المرتبة محمد بن ياقوت وكان بينهما شيء من المنافسة.

ففي سنة319 قوي أمر محمد بن ياقوت وقلد مع الشرطة الحسبة وضم إليه رجال فقوي بهم فعظم ذلك على مؤنس وسأل المقتدر صرف محمد عن الحسبة وقال: هذا شغل لا يجوز أن يتولاه غير القضاة والعدول فأجابه المقتدر وصرف محمداً عن الحسبة وصرف ابنه عن الشرطة وأبعدها عن الحضرة فأخرجا إلى المدائن حسبما طلبه مؤنس وولى بدلهما إبراهيم بن رائق وأخاه محمداً الحسبة والشرطة وهذا كان بدء الوحشة بين المقتدر ومؤنس ومتى وجدت الوحشة ساءت الظنون وكان للوهم في النفوس أكبر الآثار.

بلغ مؤنساً أن الوزير الحسين بن القاسم قد وافق جماعة من القواد في التدبير عليه فتنكر له مؤنس وطلب من المقتدر عزله ومصادرته فأجاب إلى عزله ولم يصادره فلم يقنع مؤنس بذلك فبقي الحسين في الوزارة وكتب إلى هرون بن غريب أحد القواد وهو بدير العاقول أن يحضر إلى بغداد وكذلك كتب إلى محمد بن ياقوت يستقدمه فزادت الوحشة عند مؤنس وصح عنده أن الحسين يسعى في التدبير عليه ثم صح عنده أنه قد جمع الرجال والغلمان الحجرية في دار الخليفة فأظهر الغضب وذهب نحو الموصل وأرسل غلاماً له إلى المقتدر برسالة فطلب الوزير منه أن يسلمها إليه فأبى فسبه الوزير وشتم صاحبه وأمر بضربه وصادره بثلثمائة ألف دينار وأخذ خطه بها وحبسه ونهب داره فلما بلغ مؤنساً الخبر سار نحو الموصل في أصحابه ومماليكه وتقدم الوزير بقبض أقطاع مؤنس وأملاكه وأملاك من معه فحصل من ذلك مال عظيم وزاد في محل الوزير عند المقتدر فلقبه عميد الدولة وضرب اسمه على الدينار والدرهم وتمكن من الوزارة وولى وعزل.

أما مؤنس فإنه استولى على الموصل من يد بني حمدان واستولى على أموالهم وديارهم وخرج إليه كثير من العساكر من بغداد والشام ومصر لإحسانه كان إليهم وعاد إليه ناصر الدولة بن حمدان فصار معه. فلما اجتمعت إليه العساكر انحدر إلى بغداد في شوال سنة320 فلما بلغ خبره جند بغداد شغبوا وطلبوا أرزاقهم ففرق المقتدر فيهم مالاً عظيماً إلا أنه لم يشبعهم وسير العساكر لمقابلة مؤنس في طريقه فلم يقدروا على رده فجاء حتى نزل بباب الشماسية فحل الخوف في قلب المقتدر وجنده وكان يريد ترك بغداد لمؤنس والرحيل إلى واسط فرده عن ذلك محمد بن ياقوت وزين له اللقاء وقوي نفسه بأن القوم متى رأوه عادوا بأجمعهم إليه فرجع إلى قوله وهو كاره ثم أشار عليه بحضور الحرب فخرج وهو كاره وبين يديه الفقهاء والقراء معهم المصاحف مشهورة وعليه البردة والناس حوله فوقف على تل بعيد من المعركة فأرسل قواد أصحابه إليه يسألونه التقدم مرة بعد أخرى وهو لا يريم مكانه فلما ألحوا عليه تقدم من موضعه فانهزم أصحابه قبل وصوله إليهم فلقيه علي بن بليق من أصحاب مؤنس فترجل وقبل الأرض وقال له: أين تمضي ارجع فلعن اللَّه من أشار عليك بالحضور فأراد الرجوع فلقيه قوم من المغاربة والبربر فشهروا عليه سيوفهم وضربه أحدهم بسيفه على عاتقه فسقط إلى الأرض وذبحه بعضهم ثم رفعوا رأسه على خشبة وهم يكبرون ويلعنونه وأخذ جميع ما عليه حتى سراويله وتركوه مكشوفاً إلى أن مر به رجل من الأكرة فستره بحشيش ثم حفر له موضعه ودفن وكان عمره حين قتل28 سنة ثم تقدم مؤنس وأنفذ إلى دار الخليفة من يمنعها من النهب.
19- القاهر

ترجمته:

هو أبو محمد بن المعتضد بن الموفق طلحة بن المتوكل وأمه أم ولد بربرية اسمها قتول وبويع بالخلافة يوم أن قتل المقتدر في28 شوال سنة320(1 نوفمبر سنة932) ولم يزل خليفة حتى خلع في5 جمادى الأولى سنة322(23 إبريل سنة934) فكانت مدته سنة وستة أشهر وستة أيام.

كيف انتخب:

لما قتل المقتدر كان من رأي مؤنس إقامة ولد أبي العباس أحمد وقال: إنه تربيتي وهو صبي عاقل وفيه دين وكرم ووفاء بما يقول فإذا جلس للخلافة سمحت نفس جدته والدة المقتدر وإخوته وغلمان أبيه ببذلالمال ولم ينتطح في قتل المقتدر عنزان فاعترض عليه أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختي وقال: بعد الكد والتعب استرحنا من خليفة له أم وخالة وخدم يديرونه فنعود إلى تلك الحال واللَّه لا نرضى ألا برجل كامل يدبر نفسه ويدبرنا وما زال بمؤنس حتى رده عن رأيه وذكر له محمد بن المعتضد وهو أخو المكتفي فأجابه إليه على كره منه فإنه كان يقول: إني عارف شره وسوء نيته ولكنه لا حيلة. فبايعوه واستخلفه مؤنس لنفسه ولحاجبه بليق ولعلي بن بليق وأخذوا خطه بذلك واستقرت له الخلافة وبايعه الناس واستوزر أبا علي بن مقلة واستحجب علي بن بليق.
الحال في عهد القاهر:

كان القاهر كما قال مؤنس شريراً خبيث النية فإنه في أول خلافته اشتغل بالبحث عمن استتر من أولاد المقتدر وحرمه واشتغل بمناظرة أم المقتدر وكانت مريضة قد ابتدأ بها داء الاستسقاء وقد زاد مرضها بقتل ابنها ولما سمعت أنه بقي مكشوفاً جزعت جزعاً شديداً وامتنعت عن الأكل والشرب حتى كادت تهلك فوعظها النساء حتى أكلت شيئاً يسيراً من الخبز والملح. أحضرها القاهر عنده وهي على تلك الحال من المرض والجزع وسألها عن مالها فاعترفت له بما عندها من المصوغ والثياب ولم تعترف بشيء من المال والجوهر فضربها أشد ما يكون من الضرب وعلقها برجلها وضرب المواضع الغامضة من بدنها فحلفت أنها لا تملك غير ما أطلعته عليه وقالت: لو كان عندي مال لما أسلمت ولدي للقتل ولم تعترف بشيء ثم أخرجها على تلك الحال لتشهد على نفسها القضاة والعدول أنها قد حلت أوقافها ووكلت في بيعها فامتنعت من ذلك وقالت: قد وقفتها على أبواب البر والقرب بمكة والمدينة والثغور وعلى الضعفاء والمساكين ولا استحل حلها ولا بيعها وإنما أوكل في بيع أملاكي فلما علم القاهر بذلك أحضر القاضي والعدول وأشهدهم على نفسه أنه قد حل أوقافها جميعها ووكل في بيعها فبيع ذلك جميعه مع غيره واشتراه الجند من أرزاقهم ثم صادر جميع ولد المقتدر وحاشيته ولم نسمع في التاريخ ما يقارب فعل القاهر نذالة وجبناً وخسة وشراهة نفس.

بعد قتل المقتدر هرب كبار معينيه وخاصة محمد بن ياقوت وابنا رائق وهارون بن غريب ومفلح وعبد الواحد بن المقتدر فلما صاروا بواسط أرسل هارون بن غريب يطلب الأمان لنفسه ويبذل مصادرة ثلثمائة ألف دينار وعلى أن تطلق له أملاكه فأجيب إلى طلبه وظل رفقاؤه سائرين إلى السوس وسوق الأهواز فأقاموا بالأهواز وطردوا عماله فجهز إليهم مؤنس جيشاً أخرجهم منها ثم طلبوا إليه الأمان فأمنهم وتوجهوا معه إلى بغداد ومعهم محمد بن ياقوت فتقدم عند القاهر وعلت منزلته وصار يخلو به ويشاوره فغلظ ذلك على الوزير مؤنس المظفر وبليق الحاجب وابنه لأنهم ما حاربوا المقتدر إلا من أجله وثبت عندهم أن محمد بن ياقوت يدبر عليهم فاستوحشوا من القاهر وضيقوا عليه وأمر مؤنس بتفتيش كل من يدخل الدار ونقل من كان محبوساً بدار الخلافة كوالدة المقتدر التي اشتد عليها المرض مما نالها من الضرب علم القاهر أن العتاب لا يفيد فأخذ في التدبير على القوم الذين أجلسوه هذا المجلس وكان اعتماد مؤنس على العساكر الساجية فأفسد القاهر قلوبهم عليه وأغراهم بمؤنس وأغرى كاتب ابن مقلة به ووعده الوزارة محله فكان يكاتب القاهر بجميع الأخبار.

أما هؤلاء الخصوم فاتفقوا على خلع القاهر وتحالفوا على ذلك ولكنهم لم يبدوا شيئاً من الحكمة أمام مكر القاهر ودهائه فرأى الوزير أن يظهروا أن أبا طاهر القرمطي ورد الكوفة وأن علي بن بليق صائر إليه ليمنعها منه فإذا دخل على القاهر يودعه قبض عليه فكتب ابن مقلة إلى الخليفة بما اتفقوا على إخباره به ولكن لم يتم ذلك لأن الخبر جاء القاهر سراً بما دبر عليه فاحتاط لنفسه وأنفذ إلى الساجية فأحضرهم وفرقهم في دهاليز الدار مستخفين فلما جاء ابن بليق وطلب الإذن لم يؤذن له ورد رداً قبيحاً من الساجية فخرج هارباً من الدار وعلم بليق بما جرى على ابنه فاحتدّ وقال لا بد من المضي إلى دار الخليفة حتى أعلم سبب ما فعل بابني فذهب هو وجميع القواد الذين بدار مؤنس فلما حضر أمر القاهر فقبض عليه وقبض كذلك على أحمد بن زيرك صاحب الشرطة ثم أرسل إلى مؤنس في داره من أحضره بالحيلة وكان قد استولى عليه الضعف والكبر فلما حضر الدار أمر بالقبض عليه واختفى الوزير ابن مقلة وأمر القاهر بالختم على دور مؤنس وبليق وابنه علي وابن مقلة وأحمد بن زيرك والحسن بن هارون ونقل دوابهم ووكل بحرمهم وأمر بإحراق دار ابن مقلة فأحرقت وظهر محمد ياقوت فولي الحجبة.

ولما تمكن القاهر من هؤلاء الأعداء وضبطهم بداره أمر بقتلهم جميعاً فقتلوا ورأى الناس من شدة القاهر ما علموا معه أنهم لا يسلمون من يده وندم كل من أعانه من الجنود حيث لم ينفعهم الندم.

ومن الغريب أن القاهر بعد أن تم له ما أراد أمر بالقبض على أكبر رجل ساعده وهو طريف السبكري الذي كان من قواد مؤنس فخانه.
بقي من أعداء القاهر الوزير ابن مقلة فإنه كان مستتراً لم يظهر عليه وكذلك الحسن بن هارون فكانا يراسلان قواد الساجية والحجرية ويخوفانهم من شر القاهر ويذكران لهم غدره ونكثه مرة بعد مرة وكان ابن مقلة يجتمع بالقواد ليلاً تارة في زي أعمى وتارة في زي مكد وتارة في زي امرأة ويغريهم به حتى ملأ صدورهم فاتفقوا على خلعه وزحفوا إلى الدار وهجموا عليها من سائر الأبواب فلما سمع القاهر الأصوات والجلبة استيقظ مخموراً وطلب باباً يهرب منه فلم يجده فقبضوا عليه وحبسوه ثم سملوا عينيه وبذلك انتهت مدته وكانت جامعة للمعايب والقبائح.

20- الراضي

نرجمته:

هو أبو العباس أحمد المقتدر بن أبي أحمد الموفق طلحة بن المتوكل وأمه أم ولد اسمها ظلوم ولد سنة 297 وبويع بالخلافة بعد خلع القاهر في5 جمادى الأولى سنة322(23 إبريل سنة934) ولم يزل خليفة إلى أن توفي في منتصف ربيع الأول سنة329(8 ديسمبر سنة940) فكانت مدته ست سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام.
كيف انتخب:

لما قبض على القاهر سأل القواد الخدم عن المكان الذي فيه أبو العباس بن المقتدر فدلوهم عليه وكان هو ووالدته محبوسين فقصدوا وفتحوا عليه ودخلوا فسلموا عليه بالخلافة وأجلسوه على السرير يوم الأربعاء لست خلون من جمادى الأولى ولقبوه الراضي وبايعه القواد.
الحال في عهده:

كانت الحال تزيد إدباراً وانتكاساً واضطراباً في عهده فأصحاب السلطان في العراق يتنافسون ويقتتلون والذين يحيطون بهم من المتغلبين يجدون ويجتهدون فدولة الأندلس زهت وعظمت بهمة الرجل العظيم أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر الذي أعلن في بلاده أنه أمير المؤمنين بعد أن لم يكن سلفه يتسمون بذلك وإنما كانوا يسمون بالأئمة. والدولة العبيدية في المغرب والمهدية قد اشتدت وطأتها وهي آخذة في العلو وتحاول الاستيلاء على مصر. وبنو بويه ظهروا واستولوا على كثير من بلاد الجبال والأهواز. والروم انتهزوا هذه الفرص لاقتطاع البلاد الإسلامية وغزوا الثغور وأهل بغداد مع هذا كله مشغولون بأنفسهم ومتكالبون على ما في أيديهم من البلاد العراقية كما ترى.

كانت الكلمة العليا في أول عهد الراضي لوزيره ابن مقلة وحاجبه محمد بن ياقوت فهما اللذان بأيديهما الحل والعقد في البلاد. في سنة223 نظر ابن مقلة فوجد محمد بن ياقوت قد تحكم في البلاد بأسرها وأنه هو لم يعد بيده شيء فسعى به إلى الراضي وأدام السعاية فبلغ ما أراد ففي خامس جمادى الأولى ركب جميع القواد إلى دار الخليفة حسب عادتهم وحضر الوزير ومحمد بن ياقوت ومعه كاتبه فأمر الخليفة بالقبض عليه وعلى أخيه المظفر بن ياقوت وحبسهما وقد مات محمد في الحبس ثم أطلق المظفر بعد أن أخذ عليه ابن مقلة العهد أنه يواليه ولا ينحرف عنه ولا يسعى له ولا لولده بمكروه. ظن ابن مقلة أن الوقت قد صفا له بحبس ابني ياقوت وأنه لم يعد له منافس في سلطانه ولكنه غفل عن المظفر الذي أطلقه من السجن بعد موت أخيه محمد فإن المظفر كان يظن أن ابن مقلة سم أخاه فكان لذلك يتحين الفرصة للقبض عليه فاتفق مع الجنود الحجرية أن يقبضوا على ابن مقلة فقبضوا عليه وأرسلوا إلى الراضي يعلمونه فاستحسن فعلهم وطلبوا من الخليفة أن يعين وزيراً فرد الاختيار إليهم فاختاروا للوزارة علي بن عيسى وعرضوها عليه فامتنع وأشار بوزارة أخيه عبد الرحمن فاستوزره الراضي وسلم إليه ابن مقلة فصادره.

رأى عبد الرحمن أنه لا يمكنه إدارة الحركة لازدياد الفساد فاستعفى فلم يقبل الراضي منه وقبض عليه وصادره على سبعين ألف دينار وصادر أخاه علياً على مائة ألف.

كتب ابن رائق كتاباً عن الراضي إلى أبي الفتح جعفر بن الفرات يستدعيه ليجعله وزيراً وكان يتولى الخراج بمصر والشام وظن ابن رائق أنه إذا استوزره جبى له أموال الشام ومصر فقدم بغداد ونفذت له الخلع قبل وصوله فلقيته بهيت فلبسها ودخل بغداد وتولى وزارة الخليفة ووزارة ابن رائق جميعاً.
أمر القرامطة:

لم تزل القرامطة على حالهم في الإفساد والعبث واعتراض الحجاج وفي سنة332 أرسل محمد بن ياقوت رسولاً إلى أبي طاهر يدعوه إلى طاعة الخليفة ليقره على ما بيده من البلاد ويقلده بعد ذلك من البلدان ويحسن إليه ويلتمس منه أن يكف عن الحاج جميعهم وأن يرد الحجر الأسود إلى موضعه بمكة فأجاب أبو طاهر إلى أنه لا يعترض للحاج ولا يصيبهم بمكروه ولم يجب إلى رد الحجر الأسود إلى مكة وسأل أن تطلق له الميرة من البصرة ليخطب للخليفة بهجر. فسار الحاج إلى مكة هذه السنة ولم يعترضهم القرمطي. ولكنه في سنة333 اعترضهم فخرج جماعة من العلويين بالكوفة إلى أبي طاهر فسألوه أن يكف عن الحاج فكف عنهم وشرط عليهم أن يرجعوا إلى بغداد فرجعوا ولم يحج هذه السنة من العراق أحد وسار أبو طاهر إلى الكوفة فأقام بها عدة أيام ورحل عنها.


الدولة الأخشيدية:

وفي عهد الراضي ظهرت الدولة الأخشيدية بمصرها على يد مؤسسها محمد الأخشيد بن طغج وهو من موالي آل طولون وكان ملكه مصر سنة323 واستمر الملك في عقبه إلى سنة358 وهم الذين تسلم منهم الفاطميون مصر وهذا ثبت ملوكهم:

(1) محمد الأخشيد بن طغج (323-334)

(2) أبو القاسم أنوجر بن الأخشيد (334-346)

(3) أبو الحسن علي بن الأخشيد 346-355)

(4) أبو المسك كافور مولى الأخشيد (355-357)

(5) أبو الفوارس أحمدبنعلي بن الأخشيد (357-357)

وفي عهد الراضي مات عبيد اللَّه المهدي أول خلفاء الفاطميين بالمهدية وولي بعده ابنه أبو القاسم محمد وكان ملك مصر فلم يتمكن.

ختم الراضي الخلفاء في أشياء منها أنه آخر خليفة دون له شعر وآخر خليفة انفرد بتدبير الملك وآخر خليفة خطب على منبر يوم الجمعة وآخر خليفة جالس الندماء ووصل إليه العلماء وآخر خليفة كانت مراتبه وجوائزه وخدمه وحجابه تجري على قواعد الخلفاء المتقدمين.

وفي أيامه حدث اسم أمير الأمراء في بغداد وصار إلى أمير الأمراء الحل والعقد والخليفة يأتمر بأمره وليس له من نفوذ الكلمة ولا سلطان الخلافة شيء.

وكان الراضي أديباً له شعر مدون يحب محادثة الأدباء والفضلاء والجلوس معهم وكان سمحاً سخياً.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:11   رقم المشاركة : 53
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 المتقي و المستكفي

21-المتقي

ترجمته:

هو إبراهيم المتقي للَّه بن المعتمد بن أبي أحمد الموفق طلحة بن المتوكل وأمه أم ولد اسمها خلوب بويع بالخلافة في20 ربيع الأول سنة329(4 ديسمبر سنة940) ولم يزل خليفة حتى خلع في20صفر سنة333 (12 أكتوبر سنة944 فكانت مدته4 سنوات و 11 شهراً.
كيف انتخب:

لما مات الراضي كان بجكم بواسط، فورد كتابه مع وزيره أبي عبد اللَّه الكوفي يأمره فيه بأن يجتمع مع أبي القاسم سليمان بن الحين وزير الراضي كل من تقلد بالوزارة وأصحاب الدواوين والعلويون والقضاة والعباسيون ووجوه البلد ويشاورهم الكوفي فيمن ينصب للخلافة ممن يرتضي مذهبه وطريقته فجمعهم الكوفي واستشارهم فاتفقوا على إبراهيم بن المقتدر فبايعوه في التاريخ السابق ولقب نفسه المتقي اللَّه وسير الخلع واللواء إلى بجكم بواسط.
الحال في عهده:

كان بجكم أمير الأمراء والتدبير كله إلى وزيره أبي عبد اللَّه الكوفي وليس للخليفة ولا لوزيره سليمان بن الحسن شيء، لم يطل زمن بجكم في الإمارة فإن البريدي كان لا يزال يمني نفسه بالاستيلاء على بغداد فأنفذ من البصرة جيشاً إلى المذار فأنفذ إليه بجكم جيشاً يقوده قائد من كبار قواده اسمه توزون فالتقى الجيشان واقتتلا وكان النصر أولاً لجيش البريدي، فأرسل توزون إلى بجكم يطلب أن يلحق به فسار إليه وصادف أن عادت الكرة لتوزون فأرسل إلى بجكم يخبره بالظفر فأراد الرجوع إلى واسط فأشار عليه بعض أصحابه أن يتصيد، فسار حتى بلغ نهر جور وحينذاك اغتاله رجل من الأكراد الذين يسكنون هناك وكان قتله مفرجاً عن البريدي ومفيداً للمتقي لأنه استولى على داره وما فيها من الأموال فبلغ ما ناله ألف ألف ومائتي دينار. وكانت مدة إمارة بجكم سنتين وثمانية أشهر.

لما قتل بجكم انحدر الديلم إلى البريدي فقوي بهم وعظمت شوكته فسار مريداً الاستيلاء على بغداد ولم يتمكن الخليفة من صده فدخلها في12 رمضان سنة329 ولقيه الوزير والقضاة والكتاب وأعيان الناس فأنفذ إليه المتقي يهنئه بسلامته. ولم يتم له ما أراده من التأمير لأن الأتراك والديالمة اختلفوا عليه ففارق بغداد بعد أن أقام بها24 يوماً وحينئذ تقدم على الجند كورتكين الديلمي فسماه المتقي أمير الأمراء وخلع عليه. وكانت مدته مضطربة لأن عامة البغداديين تأذوا من الديلم فلم ينكر كورتكين على جنده ما فعلوه لذلك حصلت وقائع بين العامة والديلم ولما رأى المتقي أن كورتكين ليس عنده من المنعة ما يزيل به الاضطراب أرسل إلى ابن رائق وهو بالشام يطلب إليه الرجوع إلى بغداد ليكون أمير الأمراء فعاد. أما كورتكين فإنه خرج إليه وقابله بعكبراء فوقعت الحرب بينهما عدة أيام وفي 21 ذي الحجة سار ابن رائق بجيشه ليلاً فأصبح ببغداد وقابل المتقي أما كورتكين فإنه لما أحس في الصباح بمسير ابن رائق تبعه إلى بغداد وكانت عليه الهزيمة حين لاقته جنود ابن رائق فاختفى وأخذ ابن رائق من استأمن إليه من الديلم فقتلهم وكانوا نحو400 وحينئذ خلع المتقي على ابن رائق وسماه أمير الأمراء.

طلب المتقي من ناصر الدولة بن حمدان أن يعينه على البريدي فأرسل أخاه سيف الدولة لنصرته فلقيه هو ابن رائق بتكريت فرجع معهما إلى الموصل وهناك جاء ناصر الدولة واغتال ابن رائق لأنه يريد أن يحل محله في إمرة الأمراء وقد كان ذلك فإن المتقي خلع عليه وسماه أمير الأمراء في أول شعبان سنة 330 وخلع على أخيه أبي الحسن علي ولقبه ذلك اليوم بسيف الدولة.

بعد ذلك تجهز ناصر الدولة وسار إلى بغداد معه المتقي ولما قارباها هرب عنها أبو الحسين بن البريدي وسار إلى واسط بعد أن أقام ببغداد ثلاثة أشهر وعشرين يوماً ودخل المتقي بغداد ومعه بنو حمدان في جيوش كثيرة.

ثم خرج بنو حمدان يريدون واسط لأخذها من البريدي فأقام ناصر الدولة بالمدائن وسير أخاه سيف الدولة لقتال البريدي فالتقى به تحت المدائن بفرسخين وكانت مقاومة البريدي شديدة حتى إنه هزم سيف الدولة ومن معه فعاد إلى المدائن فقواهم ناصر الدولة بجنود أخرى فعادوا فقاتلوا أبا الحسين وهزموه.

اختار المتقي بعد رحيل ناصر الدولة لإمارة الأمراء أكبر قواد الديلم واسمه توزون ولم يكن عنده شيء من حسن السياسة فاستوحش منه المتقي وخافه على نفسه فرأى أن يسير إلى الموصل مستعيناً بالحمدانيين فبارح بغداد إليها ولما بلغ ذلك توزون تبعه حتى وصل تكريت وهناك التقى بسيف الدولة فقاتله وهزمه مرتين ثم استولى على الموصل فسار عنها بنو حمدان والمتقي معهم إلى نصيبين. ثم ترددت الرسل بين توزون من جهة وبين الحمدانيين والمتقي من جهة على الصلح فتم على أن يضمن ناصر الدولة ما بيده من البلاد ثلاث سنين كل سنة بثلاثة آلاف وستمائة ألف درهم وعاد توزون إلى بغداد ولم يعد معه المتقي بل استمر في الموصل. ثم أرسل إلى توزون يطلب منه أن يعود إلى بغداد فأظهر توزون الرغبة في ذلك وحلف للمتقي أنه لا يغدر به فاغتر المتقي بتلك اليمين. وسار إلى بغداد فلقيه توزون تحت هيت ولما رآه قبل له الأرض وقال: ها أنذا قد وفيت بيمني والطاعة لك ثم وكل به وبعد ذلك سمله وخلعه وبذلك انتهت خلافة المتقي.
22- المستكفي:

ترجمته:

هو أبو القاسم عبد اللَّه المستكفي باللَّه بن المكتفي بن المعتضد.

لما قبض توزون على المتقي أحضر المستكفي إليه إلى السندية وبايعه هو وعامة الناس.

الخلافة العباسية تحت سلطان آل بويه:

يبتدىء هذا الدور من سنة334 إلى سنة447 تولى الخلافة فيه خمسة خلفاء وهم: المستكفي والمطيع والطائع والقادر والقائم.

تاريخ هذا الدور يرتبط بتاريخ آل بويه الديلميين الذين كانوا أصحاب النفوذ الحقيقي والسلطان الفعلي في العراق لذلك أردنا أن نسوق فصلاً نبين فيه أحوال الديلم وكيف تصرفت بهم الأحوال إلى أن وصلوا إلى ذروة العظمة باستيلائهم على بغداد عاصمة الخلافة العباسية.

بلاد الديلم أو بلاد جيلان واقعة في الجنوب الغربي من شاطىء بحر الخزر سهلها للجبل وجبالها للديلم وقصبتها روزبار...

كانت في القديم إحدى الأيالات الفارسية إلا أن أهلها لم يكونوا من العنصر الفارسي بل عنصر ممتاز يطلق عليه اسم الديالمة أو الجيل. ولما أذن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه بالانسياح في بلاد العجم كانت بلاد الديلم مما فتحه المسلمون واستمر الديلم خاضعين للحكم الإسلامي مع بقائهم على وثنيتهم ولم يكن استيلاء المسلمين عليهم مما ينقص من شجاعتهم أو يفقدهم جنسيتهم. وكانت تجاورهم بلاد طبرستان وأكثر أهلها دانوا بالإسلام وكان بين الديالمة والطبريين سلم وموادعة.

على هذا كان الحال في صدر الدولة العباسية فلا الديالمة تحدثهم أنفسهم بالخروج إلى بلاد المسلمين ولا المسلمون يحدثون أنفسهم بالتوغل في بلادهم حتى كانت حادثة إقطاع المستعين محمد بن طاهر تلك القطاع التي يقرب بعضها من ثغور طبرستان وأراد رسول ابن طاهر أن يستلمها ومعها الأرض التي كانت مرافق لأهل تلك النواحي فامتنع من ذلك أهل طبرستان وأظهروا العصيان لمحمد بن طاهر ورأوا أن ذلك لا يتم إلا أن يكون على رأسهم رجل يدينون بطاعته فاتفقوا على الحسن بن زيد الذي قدمنا حديثه في خلافة المستعين وكان مقيماً بالري فراسلوه فأقبل إليهم فبايعوه وطلبوا من الديلم أن يساعدوهم على عمال ابن طاهر فبذلوا لهم ما طلبوا من المساعدة لإساءة كانت من عمال ابن طاهر إليهم. استولت هذه القوة على مدن طبرستان ثم الري وجرجان ولم يزل الحسن مدبر أمرهم حتى مات سنة271 ثم ولي أخوه ومحمد بن زيد وكانت مدته مضطربة حتى قتل سنة 287 وكان وجود الحسن بن زيد وأخيه في تلك البلاد سبباً لمواصلة أهل الديلم وشيوع الدعوة الإسلامية بينهم.

بعد ذلك دخل بلاد الديلم الحسن بن علي الملقب بالأطروش وأقام بينهم ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الإسلام ويقتصر منهم على العشر ويدفع عنهم عدوهم فأسلم منهم خلق كثير واجتمعوا عليه وبنى في بلادهم المساجد.

وتوفي الأطروش سنة304 وكان يلقب بالناصر للَّه وكان له من الأولاد الحسن وأبو القاسم والحسين وكان الحسن مغاضباً له فلم يوله شيئاً وولى ابنيه الآخرين فكانت طبرستان في أيديهم بمعونة الحسن بن القاسم الداعي.

كان من أهم مقاصد ابن بويه المسير إلى العراق بعد الاستيلاء على واسط فصار أحمد ابن بويه يسير إلى واسط ثم يعود عنها حتى كاتبه قواد بغداد يطلبون إليه المسير نحوهم للاستيلاء على بغداد فوصلها في11 جمادى الأولى سنة334 والخليفة بها هو المكتفي باللَّه فقابله واحتفى به وبايعه أحمد وحلف كل منهما لصاحبه هذا بالخلافة وذاك بالسلطنة وفي هذا اليوم شرف الخليفة بني بويه بالألقاب فلقب علياً صاحب بلاد فارس عماد الدولة وهو أكبرهم ولقب الحسن صاحب الري والجبل ركن الدولة ولقب أحمد صاحب العراق معز الدولة وأمر أن تضرب ألقابهم وكناهم على النقود.

وهذا اليوم هو تاريخ الدور الثاني للخلافة العباسية وهو تاريخ سقوط السلطان الحقيقي من أيديهم وصيرورة الخليفة منهم رئيساً دينياً لا أمر له ولا شيء ولا وزير وإنما له كاتب يدبر إقطاعاته وإخراجاته لا غير وصارت الوزارة لمعز الدولة يستوزر لنفسه من شاء.

وكان يخطر ببال معز الدولة أن يزيل اسم الخلافة أيضاً عن بني العباس ويوليها علوياً لأن القوم كانوا شيعة زيدية لأن التعاليم الإسلامية وصلت إليهم على يد الحسن بن زيد ثم على يد الحسن الأطروش وكلاهما زيدي فكانوايعتقدون أن بني العباس قد غصبوا الخلافة وأخذوها من مستحقيها ولكن بعض خواصه أشار عليه ألا يفعل وقال له إنك اليوم مع خليفة تعتقد أنت وأصحابك أنه ليس من أهل الخلافة ولو أمرتهم بقتله لقتلوه مستحلين دمه ومتى أجلست بعض العلويين خليفة كان معك من تعتقد أنت وأصحابك صحة خلافته فلو أمرهم بقتلك لفعلوا فأعرض عما كان قد عزم عليه وأبقى اسم الخلافة لبني العباس وانفرد هو بالسلطان ولم يبق بيد الخليفة شيء البتة إلا أقطعه معز الدولة مما يقوم بحاجته.

كان السلطان في ذلك الوقت ببلاد الأندلس لبني أمية والقائم بالأمر منهم عبد الرحمن الناصر وقد لقب بأمير المؤمنين حينما وصلت خلافة بغداد إلى ما وصلت إليه من الضعف أمام الأتراك والديالمة الذين سال سيلهم ببغداد.

وببلاد أفريقية للعبيد الذين تأسست دولتهم على أنقاض الأغالبة والأدراسة والقائم بالأمر منهم إسماعيل المنصور وهو ثاني خلفائهم وكان يلقب بأمير المؤمنين.

وبمصر والشام للأخشيديين والأمير منهم أنوجور بن محمد الأخشيد وكانوا يخطبون باسم الخليفة العباسي.

وبحلب والثغور لسيف الدولة علي بن عبد اللَّه بن حمدان الشيباني ويخطب باسم الخليفة العباسي.

وبالجزيرة الفراتية لناصر الدولة الحسن بن عبد اللَّه بن حمدان الشيباني يخطب باسم الخليفة العباسي.

وبالعراق للديلم والسلطان منهم معز الدولة أحمد بن بويه ويخطب على منابره باسم الخليفة العباسي ثم باسم معز الدولة من بعده.

وبعمان والبحرين واليمامة وبادية البصرة للقرامطة ويخطبون باسم المهدي.

وبفارس والأهواز لعلي بن بويه الملقب عماد الدولة ويخطب باسم الخليفة العباسي وكان يلقب بأمير الأمراء لأنه أكبر بني بويه.

وبالجبل والري لحسن بن بويه الملقب ركن الدولة ويخطب باسم الخليفة العباسي وجرجان وطبرستان يتنازعهما وشمكين بن شيرويه وركن الدولة وآل سامان.

وبخراسان وما وراء النهر لآل سامان ومقر ملكهم مدينة بخارى ويخطبون على منابرهم باسم الخليفة العباسي.

هذه هي القرى الكبرى التي كانت لأسر ملوكية في الرقعة الإسلامية فقد تفرق هذا الملك الواسع تفرقاً غريباً بعد أن كان متماسك الأعضاء يرجع كله إلى حاضرة كبرى تجمع شتاته. ومما يستحق النظر أن العنصر العربي لم يبق له شيء من الملك إلا ما كان لناصر الدولة وأخيه سيف الدولة فإنهما من عنصر عربي ومع هذا فقد كان النفوذ والسلطان فيما يليانه من البلاد لقواد من الأتراك ولم يكن لهما استقلال سياسي بل كان أمر بني بويه فوقهما وكانا يذكران اسم معز الدولة في الخطبة بعد ذكر الخليفة العباسي.

لم يمكث المستكفي في الخلافة بعد استيلاء معز الدولة إلا أربعين يوماً وخلع لأن معز الدولة اتهمه بالتدبير عليهم فصمم على خلعه ففي الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة334 حضر الخليفة وحضر الناس ورسول صاحب خراسان ثم حضر اثنان من نقباء الديلم يصيحان فتناولا يد المستكفي فظن أنهما يريدان تقبيلهما فمدها إليهما فجذباه عن سريره وجعلا عمامته في حلقه ونهض معز الدولة واضطربت الناس ونهبت الأموال وساق الديلميان المستكفي ماشياً إلى دار معز الدولة فاعتقل بها ونهبت دار الخلافة حتى لم يبق بها شيء وقبض على أبي أحمد الشيرازي كاتب المستكفي وكان مدة المستكفي سنة واحدة وأربعة أشهر.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:16   رقم المشاركة : 54
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 تابع

23- المطيع:

ترجمته :

هو الفضل المطيع للَّه بن المقتدر بن المعتضد فهو ابن عم المستكفي بويع بالخلافة ثاني عشر جمادى الآخرة سنة334(29 يناير سنة946) ولم يزل خليفة إلى أن خلع في منتصف ذي القعدة سنة أغسطس سنة363(7 فكانت مدته29 سنة وخمسة أشهر غير أيام ولم يكن له من الأمر شيء والنفوذ في حياته للملوك من آل بويه وهم:

أولاً:- معز الدولة:

وهو أحمد بن بويه فاتح العراق وكان أصغر إخوته وكان سلطان معز الدولة بالعراق بداية خرابه بعد أن كان جنة الدنيا فإنه لما استقرت قدمه فيه شغب الجند عليه وأسمعوه المكروه فضمن لهم أرزاقهم في مدة ذكرها لهم فاضطر إلى ضبط الناس وأخذ الأموال من غير وجوهها وأقطع قواده وأصحابه بالقرى جميعها التي للسلطان وأصحاب الأملاك فبطل لذلك أكثر الدواوين وزالت أيدي العمال وكانت البلاد قد خربت من الاختلاف وفي الغلاء والنهب فأخذ القواد القرى وزادت عمارتها معهم وتوفر دخلها بسبب الجاه فلم يمكن معز الدولة العود عليهم بذلك وأما الاتباع فإن الذي أخذوه زاد خراباً فردوه وطلبوا العوض عنه فعوضوا وترك الأجناد الاهتمام بمشارب القرى وتسوية طرقها فهلكت وبطل الكثير منها.

وفي سنة352 أمر معز الدولة عاشر المحرم أن يغلقوا دكاكينهم ويبطلوا الأسواق والبيع والشراء وأن يظهروا النياحة ويلبسوا قباباً عمولها بالمسوح وأن يخرج النساء منشورات الشعور مسودات الوجوه قد شققن ثيابهن يدرن في البلد بالنوائح ويلطمن وجوههن على الحسين بن علي رضي اللَّه عنهما ففعل الناس ذلك ولم يكن للسنية قدرة على المنع لكثرة الشيعة ولأن السلطان معهم.

وفي ثامن عشر ذي الحجة أمر معز الدولة بإظهار الزينة في البلد وأشعلت النيران بمجلس الشرطة وأظهر الفرح وفتحت الأسواق بالليل كما يفعل ليالي الأعياد فعل ذلك احتفالاً بعيد الغدير يعني غدير خم وهو الموضع الذي يروى أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال فيه عن علي: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وضربت الدبادب والبوقات وكان يوماً مشهوداً.

وبهذا الانقسام صارت بغداد وبلاد فارس والري ميداناً للاضطرابات المتكررة بين العامة والسلطان ضلعه مع أحد الفريقين والخليفة ضلعه مع الفريق الآخر.

ومع ما أدت إليه سياسة معز الدولة من هذا الفساد كانت هناك أمور أخرى تشغل باله في شمالي بلاده وجنوبيها أما في الشمال فناصر الدولة بن حمدان بالموصل وكان الرجلان يتنازعان السلطان وكل يريد الإغارة على ما بيد الآخر.

ثانياً:- عز الدولة بختيار:

وهو ابن معز الدولة أحمد بن بويه ولي العراق بعد وفاة أبيه واستمر في سلطانه إلى أن خلعه ابن عمه عضد الدولة سنة367 فكانت مدته11 سنة قضى منها سبع سنين في خلافة الفضل المطيع وكانت البلاد في سلطانه أسوأ حالاً منها في سلطان أبيه فإنه اشتغل باللهو واللعب وعشرة النساء والمغنين وشرع في إيحاش كاتبي أبيه أبي الفضل العباس بن الحسين وأبي الفرج محمد بن العباس مع أن أباه أوصاه بتقريرهما لكفايتهما وأمانتهما وأوحش سبكتكين أكبر القواد فلم يحضر داره ونفى كبار الديلم شرها إلى اقطاعاتهم وأموالهم وأموال المتصلين بهم فاتفق أصاغرهم عليه وطلبوا الزيادات فاضطر إلى مرضاتهم واقتدى بهم الأتراك فعملوا مثل ذلك ولم يتم له على سبكتكين ما أراد من اغتياله لاحتياطه واتفاق الأتراك معه وخرج الديلم إلى الصحراء وطلبوا بختيار بإعادة من سقط منهم فاحتاج أن يجيبهم إلى ما طلبوا وفعل الأتراك أيضاً مثل فعلهم وفي أول عهده قبض أولاد ناصر الدولة بن حمدان ملك الموصل على أبيهم واستقر في الأمر منهم ابنه أبو تغلب وضمن البلاد من عز الدولة بألف ألف ومائتي ألف درهم كل سنة وكذلك مات سيف الدولة علي بن عبد اللَّه ابن حمدان صاحب حلب وقام مقامه ابنه أبو المعالي شريف. ومات كافور الأخشيدي صاحب مصر سنة 356 وبموته اضطرب أمرها وتهيأت الفرصة للفاطميين. ومات وشمكير بن زيار وهو يحارب ركن الدولة على بلاد الري يريد استردادها منه وقام بأمر ملكه بعده ابنه بيستون بن وشمكير سنة357 ومات أيضاً نقفور الذي ملك الروم وهدد الثغور الشامية والجزرية وأذاقها الوبال.

حال الثغور الإسلامية في عهد المطيع:

كانت الثغور الإسلامية لذلك العهد في حوزة سيف الدولة علي بن حمدان الذي كان متغلباً على حلب والعواصم وديار بكر فكان هو الذي يقوم بحمايتها ودفع العدو عنها. وكان قد ولى هذه الثغور مولاه نصراً فكانا يتناوبان الغزو ولكن لم تكن بهما الكفاية لمقاومة عدو كانت الخلافة الكبرى تحتد له وتهتم أعظم الاهتمام بأمره.

وفي سنة337 سار سيف الدولة بنفسه إلى بلاد الروم فلقوه فاقتتلوا فكانت عليه وأخذ الروم مرعش وأوقعوا بأهل طرسوس. وفي السنة التي تليها دخل غازياً فكان له النصر أولاً ولكنه توغل في البلاد فلما أراد العودة أخذ عليه الروم المضايق فهلك من كان معه من الجند أسراً الغنائم والسبي وغنموا أثقال المسلمين وأموالهم ونجا سيف الدولة في عدد يسير.

وفي سنة341 ملك الروم مدينة سروج وسبوا أهلها وغنموا أموالهم وخربوا المساجد.

وفي سنة343 غزا سيف الدولة البلاد الرومية وكان له بها نصر عظيم وقتل في تلك الواقعة قسطنطين بن الدمستق وقد عظم مقتله على أبيه فجمع عساكره من الروم والروس والبلغار وغيرهم وقصد الثغور فسار إليه سيف الدولة فالتقوا عند الحدث في شعبان فاشتد القتال وصبر الفريقان وكانت العاقبة للمسلمين فانهزم الروم وقتل منهم وممن معهم خلق عظيم وأسر صهر الدمستق وابن بنته وكثير من بطارقته والدمستق عند الروم الرئيس الأكبر للجيش والبطارقة قواده.

وفي سنة345 سار سيف الدولة إلى بلاد الروم في جيوشه حتى وصل إلى خرشنة وفتح عدة حصون ثم رجع إلى أذنة فأقام بها حتى جاءه رئيس طرسوس فخلع عليه وأعطاه شيئاً كثيراً ثم عاد إلى حلب فلما سمع الروم بما فعل جمعوا جموعهم وساروا إلى ميافارقين بديار ربيعة فأحرقوا سوادها ونهبوه وسبوا أهله ونهبوا أموالهم وعادوا ولم يكتفوا بذلك بل ساروا في البحر إلى طرسوس فأوقعوها بأهلها وقتلوا منهم1800 رجل وأحرقوا القرى التي حولها. ثم غزوها مرة ثانية سنة347 وغزوا الرها ففعلوا بها الأفاعيل وعادوا سالمين لم يكلم أحد منهم كلما.

وفي سنة345 سار سيف الدولة إلى بلاد الروم في جمع عظيم فأثر فيهاآثاراً شديدة وفتح عدة حصون وبلغ إلى خرشنة ثم إن الروم أخذوا عليه المضايق فلما أراد الرجوع قال له من معه من أهل طرسوس إن الروم قد ملكوا الدرب خلف ظهرك فلا تقدر على العود منه والرأي أن ترجع معنا فلم يقبل منهم وكان معجباً برأيه يحب أن يستبد ولا يشاور أحداً لئلا يقال إنه أصاب برأي غيره وعاد من الدرب الذي دخل منه فظهر الروم عليه واستردوا ما كان معه من الغنائم وأخذوا أثقاله ووضعوا السيف في أصحابه فأتوا عليهم قتلاً وأسراً وتخلص هو في300 رجل بعد جهد وهذا من سوء رأي المستبدين.

وفي سنة350 سار قفل عظيم من أنطاكية إلى طرسوس ومعهم صاحب أنطاكية فخرج عليهم كمين للروم فأخذ من كان فيه من المسلمين وقتل كثيراً منهم وأفلت صاحب أنطاكية وبه جراحات.

وفي سنة351 غزا الدمستق عين زربة وهي من أحصن مدن الثغور فاستولى عليها وقتل أهلها ولم يرحم شيخاً ولا صبياً وأفلت قليل منهم هربوا على وجوههم فماتوا في الطرقات وفتح حول عين زربة54 حصناً للمسلمين بعضها بالسيف وبعضها بالأمان.

وفي هذه السنة استولى ملك الروم على مدينة حلب حاضرة ملك سيف الدولة فخرج عنها سيف الدولة منهزماً بعد أن قتل أكثر أهل بيته وظفر الدمستق بأموال سيف الدولة وكنوزه وأسلحته وخرب داره التي كانت بظاهر حلب وسبي من حلب وحدها بضعة عشر ألف صبي وصبية وصبية وقتل أكثر من ذلك ولما لم يبق مع الروم ما يحملون عليه غنائمهم أمر الدمستق بإحراق الباقي وأحرق المساجد وأقام بحلب تسعة أيام أراد الانصراف عنها فانصرف عازماً على العودة. وظهر بذلك غلبة الروم على المسلمين إلا أن هؤلاء كانوا يغيرون أحياناً بقيادة سيف الدولة أو أحد غلمانه ولكنهم لا يؤثرون عظيم أثر.

وفي سنة353 حصر الدمستق مدينة المصيصة ولكن أهلها أحسنوا الدفاع عنها فأحرق الروم رستاقها ورستاق أذنة وطرسوس لمساعدتهما أهل المصيصة.

وفي سنة354 ألح نقفور على المصيصة بالحرب حتى فتحها عنوة ووضع السيف في أهلها فقتل منهم مقتلة عظيمة ثم رفع السيف عنها ونقل كل من بها إلى بلاد الروم وكانوا نحواً من مائتي ألف إنسان ثم سار إلى طرسوس فحصرها فأذعن أهلها بالطاعة وطلبوا الأمان فأجابهم إليه وفتحوا البلد فلقيهم بالجميل وأمرهم أن يحملوا من سلاحهم وأموالهم ما يطيقون ويتركوا الباقي ففعلوا ذلك وساروا براً وبحراً وسير معهم من يحميهم حتى بلغوا أنطاكية وجعل الملك المسجد الجامع اصطبلاً لدوابه وأحرق المنبر.

وفي سنة358 دخل ملك الروم الشام فلم يمنعه أحد فسار في البلاد إلى طرابلس وأحرق بلدها وحصر قلعة عرقة فملكها ونهبها وسبى من فيها ثم قصد حمص وكان أهلها قد انتقلوا عنها وأخلوها فأحرقها ملك الروم ورجع إلى بلدان الساحل فأتى عليها نهباً وتخريباً وملك ثمامية عشر منبراً فأما القرى فكثير لا يحصى وأقام في بلاد الشام شهرين يقصد أي موضع شاء ويخرب ما شاء ولا يمنعه أحد.

وكانت هذه الحوادث الجلية سبباً لازدياد الهياج ببلاد خراسان وتنادى الناس بالنفير العام لحماية الثغور الإسلامية فتطوع منهم عشرون ألفاً عليهم قائد منهم وكان فيهم أبو بكر محمد إسماعيل بن القفال الشاشي أحد أئمة الشافعة بما وراء النهر. ومما يحزن أن هذا الجيش المتطوع اضطر إلى المرور ببلاد الجبل التي في حوزة ركن الدولة وهو ديلمي يكرهه أهل خراسان ويعتقدون أن الديلم هم سبب كل هذه البلايا فحصلت فتن بين المتطوعين والديلم وكانت نتيجتها أن حاربهم ركن الدولة وشتت شملهم.

وفي سنة359 ملك الروم مدينة أنطاكية وهي حاضرة الثغور وأضخمها وأخذوا منها سبياً يزيد على عشرين ألفاً كلهم شباب صبيان وصبايا وأخرجوا المشايخ والعجائز والأطفال من البلد ليذهبوا حيث يشاؤون. ولما تم لهم ملك أنطاكية غزوا حلب وبها قرعويه السيفي غلام سيف الدولة وكان أبو المعالي شريف بن سيف الدولة يحاربه فلما سمع بخبر الروم فارق حلب وقصد البرية ليبعد عن الروم أما هؤلاء فجداؤوا وحصروا البلد فتحصن قرعوية بقلعتها واستولى الروم على البلد ثم صالحهم قرعوية على مال يؤديه لهم وأعطاهم رهائن على ذلك.

وفي سنة361 أغار ملك الروم على الرها ونواحيها وساروا في الجزيرة حتى بلغوا نصيبين فغنموا وحرقوا وخربوا البلاد وفعلوا مثل ذلك بديار بكر ولم يكن من أبي تغلب بن حمدان في ذلك حركة ولا سعي في دفعه ولكنه حمل إليه مالاً كفه به عن نفسه فسار جماعة من أهل تلك البلاد إلى بغداد مستنصرين وقاموا في الجوامع والمشاهد واستنفروا المسلمين وذكروا ما فعله الروم من النهب والقتل والأسر والسبي فاستعظم ذلك الناس وخوفهم أهل الجزيرة من انفتاح الطريق وطمع الروم أنه لا مانع منهم فاجتمع معهم أهل بغداد وقصدوا دار الخليفة وأرادوا الهجوم عليه فمنعوا من ذلك وغلقت الأبواب وكان بختيار حينئذ يتصيد بنواحي الكوفة فخرج إليه وجوه أهل بغداد مستغيثين منكرين عليه اشتغاله بالصيد وقتال عمران بن شاهين صاحب البطيحة وهو مسلم وترك جهاد الروم ومنعهم عن بلاد الإسلام حتى توغلوها فوعدهم التجهز للغزو وأرسل الحاجب سبكتكين يأمره بالتجهز وأن يستنفر العامة ففعل سبكتكين ذلك فاجتمع من العامة عدد كثير لا يحصون كثرة وكتب بختيار إلى أبي تغلب بن حمدان صاحب الموصل يأمره بإعداد الميرة والعلوفات ويعرفه عزمه على الغزو فأجابه بإظهار السرور وإعداد ما طلب منه ثم أنفذ بختيار إلى المطيع للَّه يطلب منه مالاً فقال المطيع إن الغزو والنفقة عليه وعلى غيره من مصالح المسلمين تلزمني إذا كانت الدنيا في يدي وتجبي إليَّ الأمور وأما إذا كانت حالي هذه فلا يلزمني شيء من ذلك وإنما يلزم من البلاد في يده وليس لي إلا الخطبة فإن شئتم أن اعتزل فعلت وترددت الرسائل بينهما حتى وصل الحال إلى تهديد الخليفة فبذل المطيع400 ألف درهم فاحتاج إلى بيع ثيابه وأنقاض داره وغير ذلك وشاع بين الناس من أهل العراق وخراسان وغيرهم أن الخليفة قد صودر فلما قبض بختيار المال صرفه في مصالحه وبطل حديث الغزو.

وفي سنة362 كانت واقعة بين الدمستق وبين هبة اللَّه بن ناصر الدولة بن حمدان وكان الروم يريدون الاستيلاء على آمد فاستعد له أبو تغلب وأرسل أخاه هبة اللَّه فواقع الدمستق في مضيق لا تجول فيه الخيل والروم على غير أهبة فانهزموا وأسر الدمستق ولم يزل محبوساً إلى أن مرض سنة 363 فبالغ أبو تغلب في علاجه وجمع الأطباء له فلم ينفعه ذلك ومات.

هذه كانت الحال في خلافة المطيع استرد الروم فيها جميع الثغور الإسلامية الكبرى وصارت لهم الهيبة في قلوب المسلمين من أهل الجزيرة والشام وبنو بويه وبنو حمدان يغزو بعضهم بعضاً وهم عما نابهم من عدوهم مشتغلون.

ومما حصل في عهد المطيع من الحوادث انتقال خلفاء الفاطميين إلى مصر بعد استيلاء جوهر الصقلي عليها وذلك سنة361 في عهد الخليفة المعز لدين اللَّه معد الفاطمي.
خلع المطيع:

لم يكن للمطيع عمل ولا تاريخ يذكر وقد فلج فأشار عليه سبكتكين مقدم الأتراك أن يعتزل فلم يجد من الامتثال بداً فخلع نفسه في منتصف ذي القعدة سنة363 .

24- الطائع:

ترجمته:

هو أبو الفضل عبد الكريم الطائع للَّه بن المطيع بن المقتدر بن المعتضد ولد سنة317 وبويع له بالخلافة بعد خلع أبيه المطيع (18 أغسطس سنة974 واستمر خليفة إلى أن خلع في21 رجب سنة 381( أكتوبر سنة991) فكانت مدته 17 سنة وثمانية أشهر وستة أيام.

كانت خلافة الطائع والسلطان بالعراق لخمسة من بني بويه وهم:

أولاً:- عز الدولة بختيار بن معز الدولة إلى سنة367.

ثانياً:- عضد الدولة فناخسرو بن ركن الدولة الحسن بن بويه إلى سنة372.

ثالثاً:- صمصام الدولة أبو كاليجار المرزبان بن عضد الدولة إلى سنة376.

رابعاً:- شرف الدولة أبو الفوارس سيرزيل بن عضد الدولة إلى سنة379.

خامساً:- بهاء الدولة أبو نصر فيروز بن عضد الدولة.

ولي الطائع وأمر بختيار مضطرب لأن الأتراك وفي مقدمتهم سبكتكين قد تباعد ما بينهم وبينه وكانت العامة من أهل السنة تنصر سبكتكين لكراهة ما كان عليه بنو بويه من التشيع الشديد الذي كان سبباً لفتنة عظيمة ببغداد بين أهل السنة والشيعة سفكت فيها الدماء وأحرقت الكرخ التي كانت محلة الشيعة وظهر أهل السنة عليهم فكتب بختيار إلى عمه ركن الدولة بأصبهان وإلى ابن عمه عضد الدولة يسألهما أن يساعداه على الأتراك فجهز إليه ركن الدولة جنداً مع وزيره ابن العميد وأما عضد الدولة فكان ميالاً إلى ملك العراق فتربص ببختيار الدوائر كرر إليه بختيار الكتب يستغيث به ويستحثه فلما رأى عضد الدولة أن الأمر قد بلغ ببختيار ما يرجوه سار نحو العراق ظاهره رحمة لبختيار وباطنه إرادة الاستيلاء على العراق فسار إلى واسط ومنها إلى بغداد فتغلب على عساكر الأتراك في 14 جمادى الأولى سنة364 ودخل بغداد ظافراً وكان يريد القبض على بختيار فوسوس إلى جنده أن يثوروا عليه ويشغبوا ويطالبوه بالأموال ففعلوا ولم يكن مع بختيار ما يسكنهم به وأشار عليه عضد الدولة ألا يلتفت إلى شكواهم ويغلظ في معاملتهم ففعل ذلك فاستمر هذا الحال أياماً وحينئذ استدعي بختيار هو وإخوته إليه وقبض عليهم وجمع الناس وأعلمهم استعفاء بختيار عن الإمارة وعجزه عنها ووعد الجنود بالإحسان إليهم وأظهر الخليفة سروره مما تم لأنه كان منافياً لبختيار وقد قابله عضد الدولة بأن أظهر من رسوم الخلافة وتعظيمها ما كان قد نسي وترك وأمر بعمارة دار الخلافة والإكثار من الآلات وعمارة ما يتعلق بالخليفة وحماية أقطاعه.

لم يطل الأمر إلا بمقدار ما توفي ركن الدولة سنة466 فاستولى ابنه عضد الدولة على ملكه بعهد منه وما عتم أن تجهز إلى بغداد وأرسل إلى بختيار يطلب منه الطاعة وأن يسيره عن العراق إلى أي جهة شاء وضمن مساعدته بما يحتاج إليه من مال وسلاح فأجاب بختيار إلى ذلك وسلم إلى عضد الدولة ووزيره الأمير محمد بن بقية ثم سار حتى دخل بغداد وخطب له بها ولم يكن قبل ذلك يخطب لأحد ببغداد وضرب على بابه ثلاث نوب ولم تجر بذلك عادة من تقدمه وأمر بأن يلقى ابن بقية بين قوائم الفيلة لتقتله ففعل به ذلك وصلب على رأس الجسر في شوال سنة376 وهو الذي رثاه أبو الحسين الأنباري بقصيدته المشهورة التي أولها:

علو في الحياة وفي الممات لحق أنت إحدى المعجزات



استقر ملك عضد الدولة بالعراق وما معهما من ملك أبيه ومحمد ثم سار نحو الموصل فملكها وأقام بها مطمئناً وأزال عنها الدولة الحمدانية وبثّ سراياه في طلب أبي تغلب الحمداني فهرب أبو تغلب على وجهه إلى بلاد الروم وفتحت الجنود العضدية جميع ديار بكر وديار ربيعة ثم افتتح ديار مضر إلى الرقة وجعل باقيها في يد سعد الدولة بن سيف الدولة صاحب حلب وبذلك اتسمت أملاك عضد الدولة وصار له العراق والجزيرة والأهواز وفارس والجبال والري ثم دخلت في حوزته جرجان سنة371 أخذها من صاحبها قابوسبن وشمكير.

لم يقم في آل بويه من يماثل عضد الدولة جرأة وإقداماً وكان عاقلاً فاضلاً حسن السياسة والإصابة شديد الهيبة بعيد الهمة ثاقب الرأي محباً للفضائل واهباً باذلاً في موضع العطاء مانعاً في مواضع الحزم ناظراً في عواقب الأمور وهو الذي بنى على مدينة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سوراً.

ومما يعد من سيئاته أنه أحدث في آخر أيامه رسوماً جائرة في المساحة والضرائب على بيع الدواب وغيرها من الأمتعة ومنع من عمل الثلج والقز وجعل ذلك متجراً خاصاً وكان يتوصل إلى أخذ المال بكل طريق. توفي عضد الدولة في شوال سنة372.

اجتمع القواد بعد وفاته على بيعة ابنه أبي كاليجار المرزبان الملقب صمصام الدولة وكان إخوته وبنو أعمامه متفوقين في الولايات فأخوه شرف الدولة شيرزيل بفارس وعمه مؤيد الدولة أبو منصور بويه بجرجان.

مكث صمصام الدولة قائماً بأمر العراق واضطراب لاحق من جراء خلاف أخيه شرف الدولة عليه فإنه أظهر مشاقته وقطع خطبته فسير إليه جيشاً كانت عاقبته الهزيمة.

وخرجت عن يده بلاد الموصل استولى عليها الأكراد وعليهم شجاع باذ بن دوستك وهو من الأكراد الحميدية وكان ابتداء أمره أنه كان يغزو كثيراً بثغور ديار بكر وكان عظيم الخلقة وله شدة وبأس فلما ملك عضد الدولة حضر عنده ثم فاته لما تخوف منه وذهب إلى ثغور ديار بكر وأقام بها إلى أن استفحل أمره وقوي ملك ميافارقين وغيرها من ديار بكر بعد موت عضد الدولة ووصل بعض أصحابه إلى نصيبين فاستولى عليها فجهز إليه صمصام الدولة العساكر فانهزمت وقوي أمر باذ وغلب جيوش الديلم ثم سار إلى الموصل فملكها وحدثته نفسه بالاستيلاء على بغداد وإزالة الديلم عنها فخافه صمصام الدولة وأهمه أمره وأعد له جيشاً عظيماً مستوفي العدة فلقوه بظاهر الموصل وهزموه هزيمة منكرة فخرج منها ثم انتهى الحال بالصلح بين الديلم وباذ على أن يكون لباذ ديار بكر والنصف من طور عبدين.

كانت هذه الاضطرابات والمشاغل سبباً لأن شرف الدولة صاحب فارس تجهز يريد الاستيلاء على الأهواز والعراق فسار بجيشه سنة375 فاستولى على الأهواز من يد أخيه أبي الحسن الملقب بتاج الدولة ثم سار إلى البصرة فملكها، بلغ الخبر صمصام الدولة فراسله في الصلح فاستقر الأمر بينهما على أن يخطب لشرف الدولة بالعراق بعد صمصام الدولة ويكون هذا نائباً عنه فصلح الحال واستقام وخطب لشرف الدولة بالعراق وسيرت إليه الخلع من الطائع للَّه فلما وردته الرسل بذلك ليحلفوه عاد عن الصلح وعزم على قصد بغداد والاستيلاء عليها ونفذ تلك العزيمة فلما وصل واسط ملكها فاتسع الخرق على صمصام الدولة وشغب عليه الجند فوقع رأيه على اللحاق بأخيه والدخول في طاعته فسار إليه فقبض عليه شرف الدولة وسار إلى بغداد فدخلها في رمضان سنة376 وانتهت مدة صمصام الدولة بالعراق ومقدارها ثلاث سنين وأحد عشر شهراً.

ومن أحدث هذا البيت في عهد وفاة عمه مؤيد الدولة بويه بن ركن الدولة صاحب جرجان واستيلاء أخيه فخر الدولة علي بن ركن الدولة على بلاده باختيار القواد والوزير الكبير الصاحب بن عباد.

ملك شرف الدولة شيرزيل بغداد بعد صمصام الدولة بسنتين وثمانية أشهر وقد ابتدأ عهده باضطراب وفتن بين جنود الديلم والترك ببغداد أدى إلى قتال بينهم وقد بذل شرف الدولة جهده حتى أزال من بينهم الخصام ومن فضائل شرف الدولة أنه منع الناس من السعايات ولم يقبلها فأمن الناس وسكنوا.

وكانت وفاة شرف الدولة في جمادى الآخرة سنة379.

تولى العراق بعده أخوه بها الدولة أبو نصر. ولأول تولية تجددت الاضطرابات بين الترك والديلم وأدت إلى قتال دام خمسة أيام وانضم بهاء الدولة إلى الأتراك فاشتد الأمر على الديلم ومع ما حصل من الصلح بين الفريقين فإن الديلم قد ضعفت شوكتهم وتغلب الأتراك عليهم. وكانت بينه وبين آل بيته فتن كثيرة بسبب طمعهم فيما بيده من الملك ومحاولتهم سلبه منه ولكنهم أخفقوا.

وفي سنة381 قبض بهاء الدولة على الطائع للَّه وذلك أن الأموال قلت عنده فشغب عليه الجند فأطمعه وزيره في أموال الخليفة وحسن له القبض عليه فأرسل إلى الطائع وسأله الإذن في الحضور ليجدد العهد به فأذن له في ذلك وجلس له كما جرت العادة فدخل إليه بهاء الدولة ومعه عدد كثير فلما دخل قبل الأرض وأجلس على كرسي فدخل بعض الديلم كأنه يريد أن يقبل الخليفة فجذبه فأنزل عن سريره والخليفة يقول إنا للَّه وإنا إليه راجعون ويستغيث فلا يلتفت إليه وأخذ ما في داره من الذخائر.

ولما حمل الطائع إلى دار بهاء الدولة أشهد عليه بالخلع.
25- القادر:

ترجمته:

هو أبو العباس أحمد القادر باللَّه ابن إسحاق بن المقتدر بن المعتضد وأمه أم ولد اسمها دمنة بويع بالخلافة في12 رمضان سنة381(3 أكتوبر سنة991 واستمر خليفة إلى أن توفي في غاية ذي الحجة سنة422(18 ديسمبر سنة1031 فكانت مدته41 سنة وثلاثة أشهر وعشرين يوماً
معاصرو القادر من الملوك:

كان الخليفة بالأندلس هشام بن الحكم الملقب بالمؤيد إلى سنة399 ثم خلفه محمد المهدي بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر إلى سنة403 وقد ثار عليه سليمان المستعين بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر فأخذ منه قرطبة وكانت بينهما خطوب إلى أن قتل المهدي وانتهت مدة المستعين 408 ثم كانت البلاد الأندلسية ميدان النزاع بين أعقاب الأمويين والعلويين من ذرية إدريس بن عبد اللَّه فكانت الحال هناك في اضطراب يشبه ما كان في الشرق ويزيد عليه.

وكان الأمير بإفريقية من آل زيري النائبين عن الدولة الفاطمية المنصور بن يوسف بلكين إلى سنة 386 ثم ابنه باديس إلى سنة406 ثم المعز بن باديس إلى سنة453 وكان الخليفة بمصر والشام من الدولة الفاطمية العزيز بالله نزال إلى سنة376 ثم ابنه الحاكم بأمر اللَّه منصور إلى سنة 411 ثم ابنه الظاهر لإعزاز دين اللَّه سنة 427.

وفي عهده ابتدأت الدولة النجاحية بزبيد على أطلال الدولة الزيادية وكان ابتداؤها على يد المؤيد نجاح سنة412 وهو مولى موالي آل زياد وأصله عبد حبشي سمت به همته إلى أن تولى ملك تهامة اليمن وعاد إليها وقد استمر ملكها فيه وفي أعقابه إلى سنة554 وهذا ثبتهم:

(1) المؤيد نجاح (412-452)

(2) فترة على الداعي الصليحي (452-473)

(3) سعيد الأحوال بن نجاح (473-482)

(4) جياش بن نجاح (482-498)

(5) فاتك بن جياش ( 498-503)

(6) منصور بن فاتك 503-517)

(7) فاتك بن منصور (517-531)

(8) فاتك بن محمد بن فاتك(531-554)

وانتقل الملك عنهم إلى الدولة المهدية وسيأتي حديثها إذ ذاك.

أما الجزيرة الفراتية وما إليها من حوض الفرات فكانت منقسمة إلى ثلاث إمارات وهي ديار ربيعة وحاضرتها الموصل وديار بكر وحاضرتها آمد وديار مضر وحاضرتها الرقة

ففي عهد القادر ظهرت الدولة العقيلية التي أسسها أبو الذواد محمد بن المسيب بن رافع بن مقلد العقيلي بالموصل ولم يكن له تمام الاستقلال بل كان معه نائب من قبل بهاء الدولة الديلمي إلا أن النفوذ الفعلي كان لأبي الذواد ولم يزل كذلك حتى توفي سنة286 فخلفه أخوه حسام الدولة المسيب بن المقلد. وكان الاتفاق أن يتولى الموصل والكوفة والقصر والجامعين ولم يزل يليها إلى أن قتل سنة 391 فخلفه ولده أبو المنيع معتمد الدولة قراوش بن المقلد ومن أهم حوادثه السياسية أنه خطب للحاكم بأمر اللَّه العلوي صاحب مصر بأعماله كلها وهي الموصل والأنبار والمدائن والكوفة وغيرها وكان ابتداء الخطبة بالموصل الحمد للَّه الذي انجلت بنوره غمرات العصب وانهدت بقدرته أركان النصب واطلع بنوره شمس الحق من العرب فأرسل القادر باللَّه القاضي أبا بكر بن الباقلاني شيخ الأشعرية ببغداد إلى بهاء الدولة يعرفه ذلك فأكرم بهاء الدولة القاضي وكتب إلى نائبه ببغداد يأمره أن يسير لحرب قرواش فسار عميد الجيوش لحربه ولما علم بذلك أرسل يعتذر وأعاد خطبة القادر باللَّه.

وقد استمرت هذه الدولة العربية بالموصل إلى سنة489 وانتهت على يد السلاجقة كما انتهت الدولة الديلمية وهذا ثبت ملوكها.

(1) حسام الدولة المقلد بن المسيب (386-391)

(2) معتمد الدولة قرواش بن المقلد (391-442)

(3) زعيم الدولة أبو كامل بركة بن المقلد (442-443)

(4) علم الدولة أبو المعالي قرواش بن بدران بن المقلد (443-453)

(5) شرف الدولة أبو المكارم مسلم بن قرواش (453-478)

(6) إبراهيم بن قرواش 478-486)

(7) علي بن مسلم بن قرواش (486-489)

وفي ديار بكر ظهرت دولة الأكراد من آل مروان على يد مؤسسها أبي علي الحسين بن مروان قام بالأمر سنة380 بعد خاله باذ الذي قدمنا حديثه وضبط ديار بكر أحسن ضبط وأحسن إلى أهلها وألان جانبه لهم ثم تزوج ست الناس بنت سيف الدولة ولم يكن ملكاً إلى أن قتل سنة387 فخلعه أخوه ممهد الدولة أبو منصور بن مروان إلى أن قتل سنة402 فتولى بعده أخوه أبو نصر نصر الدولة أحمد بن مروان وهو واسطة عقد آل مروان فإن أيامه طالت وأحسن السيرة جداً وكان مقصوداً من العلماء في كافة الأقطار فكثروا ببلاده وممن قصده أبو عبد اللَّه الكازروتي وعنه انتشر مذهب الشافعي رحمه اللَّه بديار بكر وقصده الشعراء فأجزل مواهبهم ويبقى كذلك إلى سنة453 وكانت الثغور معه آمنة وسيرته في رعيته أحسن سيرة وولى ابنه نظام الدولة نصر إلى سنة472 ثم منصور بن نصر إلى سنة489 وعلى يده انتهت دولتهم بملك آل سلجوق لها.

أما ديار مصر فقد استولى عليها لأول عهد القادر بكجور الذي كان والياً على دمشق للعزيز باللَّه الفاطمي خليفة مصر وفي سنة387 عزله عنها فتوجه إلى الرقة فاستولى عليها وعلى الرحبة وما يجاورها ثم راسل بهاء الدولة ملك العراق في الانضمام إليه وكاتب أيضاً باذ الكردي والمتغلب على ديار بكر وكذلك راسل سعد الدولة بن سيف الدولة صاحب حلب بأن يعود إلى طاعته ويعطي مدينة حمص كما كانت له فلم يجبه واحد منهم إلى شيء فبقي بالرقة يراسل جماعة من مماليك سعد الدولة ويستميلهم فأجابوه وحينئذ أغرى العزيز باللَّه نزاراً صاحب مصر على قصد حلب فأجابه وأرسل إليه العساكر تتصرف بأمره ولكنه لم ينجح لأن سعد الدولة استعان عليه بوالي انطاكية الرومي وبالعرب الذين مع بكجور فكانت النتيجة فشل بكجور وقتله ثم سار سعد الدولة إلى الرقة فاستولى عليها من وزير بكجور وأخذ أولاد بكجور وأمواله ثم أن سعد الدولة هلك بعقب ذلك فأرسل أهل الرحبة إلى بهاء الدولة يطلبون إليه أن ينفذ من يتسلم بلدهم فأنفذ لهم أميراً تسلمها ولم يتمكن من الاستيلاء على الرقة ولم تمكث الحال على ذلك كثيراً فإن البلاد انتقلت إلى حوزة العلويين من أصحاب مصر وصاحب يخطب لهم بالرقة والرحبة إلا أن سلطانهم كان اسمياً والنفوذ إلى رؤساء القبائل المضرية فكان فيها أولاد أبو علي بن ثمال الخفاجي ثم استولى عليها عيسى بن خلاط العقيلي ثم صار أمرها إلى صالح بن مرداس الكلابي وكان محسناً للرعية ويدعو للعلويين.

أما حلب فكان السلطان بها لأول عهد القادر باللَّه لسعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان وكان قد عصي عليه بكجور الذي تقدم ذكره وهو أحد مماليك أبيه وغزاه من الرقة بعساكر خليفة مصر العلوي ولكنه لم يفز وقتل كما قدمنا وتسبب عن ذلك أن سعد الدولة أراد أن يأخذ دمشق ليأخذها من يد العزيز بالله فمات عقب خروجه سنة382 وعهد لابنه أبي الفضائل وأوصى به لؤلؤاً أحد مماليك أبيه سيف الدولة فلما توفي سعد الدولة قام ابنه مقامه وأخذ له لؤلؤ العهد على الأجناد.

كان خليفة مصر لا يزال يتطلع إلى الاستيلاء على حلب فسير إليها جيشاً من دمشق عليه منجوتكين أحد أمرائه ولما كانت عساكره كثيرة ولا قبل للؤلؤ بمقاومتها استنجد بملك الروم بسيل فأرسل إلى نائبه بأنطاكية يأمره أن ينجد أبا الفضائل فسار إليه بحلب حتى نزل على الجسر الجديد بالعاصي. ولما سمع منجوتكين الخبر سار إلى الروم ليقابلهم قبل اجتماعهم بأبي الفضائل وعبر إليهم العاصي وأوقع بهم وقعة شنيعة وسار إلى أنطاكية فنهب بلدهم وقراها وأحرقها. وأنفذ أبو الفضائل إلى بلد حلب فنقل ما فيه من الغلال وأحرق الباقي أضراراً بعساكر مصر. وعاد منجوتكين إلى حلب فحصرها فأرسل لؤلؤ إلى رؤساء المصريين يبذل لهم مالاً ليردوا منجوتكين عنهم هذه السنة بعلة تعذر الأقوات ففعلوا ذلك وكان منجوتكين قد ضجر من الحرب فأجابهم وعاد إلى دمشق ولكن ذلك لم يعجب العزيز باللَّه وكتب بإعادة الكرة على حلب وأرسل الأقوات من مصر إلى طرابلس بحراً ومنها إلى العسكر فنازل المصريون حلب وأقاموا عليه ثلاثة عشر شهراً فقلت الأقوات بحلب وعاد لؤلؤ إلى مراسلة ملك الروم متعضداً به وقال متى أخذت حلب أخذت أنطاكية وعظم عليك الخطب فجاء ملك الروم منجداً له فلما علم منجوتكين بقرب وروده سار عن حلب فجاء ملك الروم فنزل عليها وخرج إليه أبو الفضائل ولؤلؤ ثم سار بسيل إلى الشام ففتح حمص وشيزر ونهبها وسار إلى طرابلس فنازلها فامتنعت عليه وأقام عليها نيفاً وأربعين ليلة ولما أيس منها عاد إلى بلاده، ولما علم العزيز بتلك الأخبار عظم الأمر عليه ونادى في الناس بالنفير لغزو الروم فحال موته دون ذلك.

لم يزل الأمر لأبي الفضائل حتى سنة 402 حيث غزاه صالح بن مرداس الكلابي وكان السلطان الحقيقي في حلب للؤلؤ وكان يخطب باسم الحاكم بأمر اللَّه العلوي بمقتضى اتفاق عقد بين الطرفين بعد الحوادث المتقدمة.

وفي سنة414 اتفق ثلاثة من أمراء العرب وهم حسان أمير طيىء وصالح بن مرداس أمير بني كلاب وسنان بن عليان على أن يكون من حلب إلى عانة لصالح بن مرداس ومن الرملة إلى مصر لحسان ودمشق لسنان. فقصد صالح حلب فاستولى عليها من يد عامل المصريين وكان الحلبيون يحبون صالحاً لإحسانه إليهم ولسوء سيرة أمراء العلويين معهم فملك من بعلبك إلى عانة وأقام بحلب ست سنين وفي سنة420 جهز الظاهر صاحب مصر جيشاً سيره إلى الشام لقتال صالح وحسان وكان مقدم الجيش أبو شتكين البربري والالتقاء عند طبرية فقتل في الموقعة صالح وابنه ونجا ولده أبو كامل نصر بن صالح فجاء إلى حلب وملكها وكان يقلب بشبل الدولة وقد استمرت الدولة المرداسية بحلب إلى سنة472 وهذا ثبت ملوكها:

(1) صالح بن مرداس (414-420)

(2) شبل الدولة أبو كامل نصر (420-429)

(3) الفاطميون( 429-434)

( 4) معز الدولة أبو علوان طمل بن صالح (434-449)

(5) الفاطميون (449-452)

(6) رشيد الدولة محمود بن شبل الدولة (452-453)

(7) معز الدولة ( ثانياً ) (453-454)

(8) أبو ذؤابة عطية بن صالح (454-454)

(9) رشيد الدولة ( ثانية) (454-468)

(10) جلال الدولة نصر بن رشيد الدولة (468-468)

(11) أبو الفضل سابق بن رشيد الدولة (468-482)

وهذا آخرهم وقد انتهى أمرهم على يد الدولة العقيلية التي تقدم ذكرها.

وفي سنة384 لما ثارت الفتن والقلاقل بالبلاد الخراسانية رأى الأمير نوح بن منصور أن يكل أمرها إلى سبكتكين ليكسر من جناح قواده الذين جاهروا بعصيانه فكتب إليه وهو بغزنة يطلعه على الأحوال ويأمره بالمسير إليه لينجده وولاه خراسان فأجاب إلى ذلك سبكتكين وجمع العساكر وحشدها ولما بلغ قائدي نوح الخبر وهما فائق وأبو علي بن سيمجور راسلاً فخر الدولة بن بويه يستنجدانه ويطلبان منه عسكراً فأجابهما إلى ذلك وسير إليهما عسكراً كثيراً وكانت الواقعة بين هذين الجيشين بنواحي هراة فكان الظفر لسبكتكين ثم سار نحو نيسابور التي انهزم إليها أبو علي وفائق فلما علما بالخبر سارا نحو جرجان واستولى نوح بن منصور بمعونة سبكتكين وجيشه على خراسان فولاه محمود بن سبكتكين وسماه سيف الدولة ولقب أباه ناصر الدولة فأحسن السيرة وأقام محمود بنيسابور وعاد نوح إلى بخارى وسبكتكين إلى هراة.

لما علم أبو علي بمبارحة سبكتكين ونوح نيسابور طمع في استردادها فقدم إليها ومعه فائق فخرج إليهما محمود وقاتلهما ولما كانت رجاله قليلة لم تمكنه المقاومة فانهزم عنهما قاصداً أباه فلما استقر هذا الخبر عند سبكتكين جمع الجند وأتى ممداً لابنه فتقابلت جنوده مع جنود أبي علي بنواحي طوس فانهزم أبو علي هزيمة منكرة ولم يرتفع له بعد ذلك ذكر وصفت خراسان لسبكتكين.

وفي سنة387 توفي سبكتكين بعد بلخ وغزنة ودفن بغزنة بعد ملك دام عشرين سنة وكان عادلاً خيراً كثير الجهاد ذا مروءة تامة وحسن ووفاء وعهد بالملك من بعده لابنه إسماعي. وكان أصغر من أخيه محمود فاستضعف الجند وأرسل إليه محمود من نيسابور يقول له إن أباك إنما عهد إليك لبعدي عنه وذكره ما يتعين من تقديم الكبير على الصغير ويطلب منه الوفاق وإنفاذ ما يخصه من تركة أبيه فلم يفعل وكان ذلك داعياً إلى أن محموداً قصده بغزنة واستولى عليها ولكنه عامل أخاه معاملة كريمة ولما تم له أمر غزنة واستقام له الملكعاد إلى بلخ ومحمود هذا هو ثالث آل سبكتكين وواسط عقدهم لقبه الخليفة القادر بيمين الدولة. وكانت هناك بعض مناوشات بينه وبين قواد السامانية انتهت بالنصر والتمكين له في خراسان فأزال عنها اسم السامانية وخطب للقادر باللَّه سنة389 وجعل أخاه نصراً قائداً لجند نيسابور وسار هو إلى بلخ فاتخذها دار ملك له واتفق أصحاب الأطراف على طاعته.

كان عهد محمود عهد ارتفاع وقوة فوسع أملاكه فقد كانت في الأصل بلاد غزنة ثم ضم بلاد الغور وهي جبال ووديان بين هراة وغزنة وأكبر ما فيها قلعة يقال لها فيروزكوه. ثم أدخل جزءاً عظيماً من بلاد الهند تحت سلطانه حتى وصل إلى قشمير فأسلم صاحبها على يده وأسلم كذلك كثير من ملوك الهند وقد عبر نهر الكنج في فتوحاته. ومن الجهة الأخرى ضمت إليه خراسان والري والجبال ودانت له ملوك طبرستان وجرجان ولم يزل في عزه وسلطانه إلى أن أدركته الوفاة سنة421 عهد بالملك من بعده لابنه محمد وكان أصغر من مسعود ولقب بجلال الدولة إلا أن ذلك لم يرق لأخيه مسعود فسار إليه وأخذ الملك منه وتوفي القادر باللَّه والملك في آل سبكتكين لمسعود بن سبكتكين وقد استمرت الدولة في أعقاب هذا البيت إلى سنة582 وهذا ثبت ملوكها.

(1) سبكتكين (366-387)

(2) إسماعيل بن سبكتكين (387-388)

(3) يمين الدولة محمود بن سبكتكين( 388-421)

(4) جلال الدولة محمد بن محمود (421-421)

(5) ناصر دين اللَّه مسعود (421-432)

(6) شهاب الدولة مودود بن مسعود (432-440)

(7) مسعود بن مودود (440-440)

(8) بهاء الدولة أبو الحسن علي بن مسعود بن محمود (440-444)

(9)عز الدولة عبد الرشيد بن محمود (444-444)

(10) جمال الدولة فزحزاد بن مسعود بن محمود (444-451)

(11) ظهير الدولة إبراهيم بن عبد الرشيد (451-492)

(12) علاء الدولة مسعود بن إبراهيم 492-508)

(13) كمال الدولة شيرزاد بن مسعود (508-509)

(14) سلطان الدولة أرسلان بن مسعود (509-512)

(15) يمين الدولة بهرام شاه بن مسعود (512-547)

(16) معز الدولة خسرو شاه بن بهرام شاه (547-555)

(17) تاج الدولة خسرو ملك بن خسرو شاه (555-582)

وكان انقضاء هذه الدولة على يد الدولة الغورية.

كان بجرجان من الدولة الزيادية شمس المعالي قابوس بن وشمكير إلى سنة 403 ثم فلك المعالي متوجهر بن بستون بن وشمكير إلى سنة 420 ثم أنوشروان بن قابوس إلى سنة434 وهو الذي انتهى على يده ملك أهل بيته على يد الدولة الغزنوية.

أما السلطان ببلاد العراق فكان لأربعة ملوك من آل بويه يتلو أحدهم الآخر الأول بهاء الدولة أبو نصر عضد الدولة وهو الذي ولى القادر الخلافة وكان عهده عهد اضطراب بينه وبين أهل بيته فأضعف ذلك من سلطانه وآذن البيت كله بالانحلال وكانت وفاته سنة 403 وكان في سلطانه العراق والأهواز وفارس وكرمان.

الثاني سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة ولم يكن عهده أحسن من عهد أبيه بل كان عهد ضعف واستكانة فإن جنده ما كانوا يطيعونه وكثيراً ما شغبوا عليه يطلبون منه طلبات لا يقدر عليها وكان ذلك سبباً لقيام أخيه وهو:

الثالث شرف الدولة أبو علي بن بهاء الدولة قام على أخيه وانتزع منه ملك العراق فخطب له ببغداد في آخر المحرم سنة 412 ونفي سلطان الدولة عن العراق فذهب إلى بلاد فارس وضبطها ثم اصطلح الأخوان على أن يكون لشرف الدولة العراق ولسلطان الدولة فارس وكرمان إلا أن مدة سلطان الدولة لم تطل فإنه توفي سنة 415 بشيراز وخلفه ابنه أبو كاليجار وفي ربيع الأول سنة 416 توفي شرف الدولة وكان كثير الخير قليل الشر عادلاً حسن السيرة.

الرابع جلال الدولة أبو طاهر بن بهاء الدولة خطب له ببغداد بعد وفاة أخيه وكان إذ ذاك بالبصرة والياً عليها وطلب إلى بغداد فلم يصعد إليها وإنما بلغ واسطاً وأقام بها ثم عاد إلى البصرة فقطعت خطبته لابن أخيه أبي كاليجار بن سلطان الدولة الذي كان صاحب الأهواز وكان بها وراسله الجند في ذلك فوعدهم أن يجيء ولكنه تأخر لما كان بينه وبين عمه أبي الفوارس صاحب كرمان من الحرب فازدادت الفتن ببغداد لعدم السلطان وكثر شر الأتراك بها ولما رأى ذلك عقلاء القوم راسلوا جلال الدولة ليصعد إليهم فيملك أمرهم وخطبوا باسمه في جمادى الأولى سنة 418 فما عتم أن صعد إليهم وملك أمرهم ولكن لم يكن عنده من المال ما يضمن راحتهم وراحته فكثر الشغب عليه من الجند وأتراك بغداد حتى كادوا يخلعونه وكان ينازعه أخوه أبو كاليجار. وانتهت مدة القادر باللَّه وهما على ذلك النزاع.

لم يكن للخليفة القادر باللَّه شيء من السلطان كمن مضى في عهد سلاطين ابن بويه إلا أن ضعف البيت الملك أحيا له شيئاً من الكلمة والنفوذ وكان فيه من خلال الخير ما يساعد على ذلك فقد كان حليماً كريماً خيراً يحب الخير وأهله ويأمر به وينهى عن الشر ويبغض أهله وكان حسن الاعتقاد صنف كتاباً على مذهب أهل السنة والجماعة وكان يخرج من داره في زي العامة ويزور قبور الصالحين وإذا وصل إليه حال أمر فيه بالحق.

وكان في زمنه أحداث عظام في جميع الأصقاع الإسلامية من قيام دول وإبادة أخرى وكلها تهتف على منابرها باسمه وتتقلد الولايات منه إلا ما كان من البلاد التي تحت يد الدولة المضرية فإنها كانت تخطب باسم أئمتها ومع ذلك فإن المعز بن باديس صاحب المغرب والقيروان دعا باسم القادر على منابر بلاده.
وفاته:

توفي القادر باللَّه في ذي الحجة سنة 432 وعمره ست وثمانون سنة وعشرة أشهر وخلافته 41 سنة وثلاثة أشهر وعشرون يوماً.

26- القائم:

ترجمته:

هو أبو جعفر عبد اللَّه القائم بأمر اللَّه. ولي الخلافة بعد أبيه بعهد منه وكانت بيعته في ذي الحجة سنة422( نوفمبر سنة 1031 وبقي خليفة إلى13 شعبان سنة 467(3 إبريل سنة 1075 فكانت مدته44 سنة و 25 يوماً.

كان سلطان العراق لأول عهده جلال الدولة بن بهاء الدولة ولم يكن أمره من سلطانه على سداد لكثرة شغب الغلمان والأتراك عليه طالبين مرتباتهم التي لم يكن يقدر على أدائها في أوقاتها لقلة الوارد عليه فلم تجيء سنة426 إلا وقد انحل أمر الخلافة والسلطنة جميعاً ببغداد.

قضى جلال الدولة حياته في منازعات بينه وبين جنوده وبينه وبين أبي كاليجار إلى أن توفي سنة 435 بعد ملك مدته16 سنة و 11 شهراً.

استقر في الملك بعده منازعه ابن أخيه أبو كاليجار المرزباني بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة ولقبه الخليفة محيي الدين ولم تكن قدمه بأثبت من قدم أبيه ولا سلطانه أوفر بل كان النزاع كثيراً ما يستحكم بين الديلم عنصر السلطان وبين الأتراك قدماء العهد ببغداد وكانت وفاة أبي كاليجار سنة 44.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:18   رقم المشاركة : 55
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 تابع 1

آل سلجوق:

من عشائر الغز الكبير عشيرة السلاجقة تنسب إلى مقدمها سلجوق بن تقاق وكانت هذه العشيرة تقيم في بلاد تركستان تحت حكم ملك الترك المسمى بيغوا وكان تقاق مقدم العشيرة إلى قوله يرجعون وعن أمره يصدرون وولد له ابنه سلجوق بذلك الإقليم فلما كبر ظهرت عليه أمارات النجابة ومخايل التقدم فقربه ملك الترك وجعله قائد الحقد (شباسي) وكانت امرأة تخوفه من سلجوق لما ترى من طاعة الناس له فأغرته بقتله وبلغ سلجوق ذلك الخبر فجمع عشيرته وهاجر إلى ديار الإسلام واعتنق الحنيفية فازداد بذلك عزا إلى عزه وأقام بنواحي جند (على طرف سيحون من حدود الترك) وصار يشن الغارة على بلاد الترك.

في تلك الأوقات قام النزاع بين أحد ملوك السامانية وهارون بن أيلك خان وقد استولى هارون على بعض بلاد فرأى أن يضرب الحديد بالحديد فاستنجد سلجوق فأنجده بابنه أرسلان في جمع من أصحابه فقوي بهم الساماني واسترد من خصمه ما أخذه وهذه أول صلة بين عشيرة السلاجقة والسامانية.

لم يزل سلجوق بجند حتى توفي له ثلاثة من الأولاد هم أرسلان وميكائيل وموسى فأما ميكائيل فغزا غزوة في بلاد الترك فاستشهد وبقيت أولاده وهم بيغوا وطغرلبك محمد وجغري بك داود فأطاعتهم عشيرتهم.

لما انقرضت دولة السامانية سنة 389 وملك أيلك خان عظم محل أرسلان بن سلجوق بما وراء النهر وكان على تكين أحد قواد السامانية في حبس أرسلان خان فهرب ولحق ببخارى واستولى عليها واتفق مع أرسلان بن سلجوق فامتنعا واستفحل أمرهما وقصدهما أيلكك فهزماه وبقيا ببخارى.

لما عبر محمود سبكتكين النهر إلى بخارى للاستيلاء على بلاد ما وراء النهر هرب علي تكين من بخارى وأما أرسلان بن سلجوق وجماعته فإنهم دخلوا المفازه والرمل فاحتموا من محمود فرأى من قوتهم ما هاله وأراد أن يستعمل معهم الحيلة فكاتب أرسلان واستماله ورغبه فورده عليه فلم يكن من محمود إلا أن قبض عليه وسجنه في قلعة ونهب خركاته ثم أمر عشيرته فعبروا نهر جيحون وفرقهم في بلاد خراسان فلم يطمئنوا بها من جور العمال عليهم فسار منهم أهل ألفي خركاه فلحقوا بأصبهان ومنها إلى أذربيجان ودخلوا مراعة سنة 429 وأحرقوا جامعها وقتلوا من عوامها مقتلة عظيمة فعظم الأمر على أهلها واشتد بهم البلاء.

رأى ذلك أكراد أذربيجان وكانوا مختلفين فاتفقت كلمتهم على هؤلاء المفسدين فانتصفوا منهم رأي الغز أنهم لا مقام لهم هناك فافترقوا فرقتين فطائفة سارت إلى الري ومقدمهم بوقاً وطائفة سارت إلى همذان ومقدمهم منصور وكوكتاش.

أما الذين ذهبوا إلى الري فإنهم استولوا عليها ونهبوها نهباً فاحشاً وسبوا النساء وبقوا كذلك خمسة أيام حتى لجأت الحرم إلى الجامع وتفرق الناس كل مذهب ومهرب وكان السعيد من نجا بنفسه وكادوا يستأصلون أهل الري.

وأما الذين ساروا إلى همذان فإنهم ملكوها أيضاً من يد بني بويه سنة420.

ولما دخلوها نهبوها نهباً منكراً لم يفعلوه بغيرها من البلدان غيظاً منهم وحنقاً عليهم حيث قاتلوهم أولاً وأخذوا الحرم وضربت سراياهم إلى أسداذبان وقرى الدينور واستباحوا تلك البلاد.

ولم يزالوا على هذا الإفساد والتخريب حتى ظهرت السلاجقة وخرج إبراهيم ينال أخو طغرلبك إلى الري فلما علموا بمسيره جفلوا من بين يديه وفارقوا بلاد الجبل قاصدين أذربيجان فلم يمكنهم القيام بها لما فعلوه بها أولاً ولأن إبراهيم ينال وراءهم وكانوا يخافونه لأنهم كانوا له ولأخيه طغرلبك رعية فساروا إلى ديار بكر وأميرها سليمان بن نصر الدولة بن مروان فأخربوا ونهبوا أعمالها إلى أن بذل لهم سليمان ما لا ليفارقوا عمله.

أما من كان من أولاد ميكائيل بن سلجوق فإنهم أقلعوا بنواحي بخارى كما قدمنا فغص بمكانهم أمير بخارى علي تكين فأعمل الحيلة في الظفر بهم فأرسل إلى يوسف بن موسى ابن سلجوق ومناه الإحسان وفوض إليه التقدم على جميع الأتراك الذين في ولايته ولقبه بالأمير إينانج بيغو وأراد بذلك أن يستعين به وبعشيرته على ابني عمه طغرلبك وداود وأن يفرق كلمتهم ويضرب بعضهم ببعض فلم تجر هذه الحيلة على يوسف فل يكن من علي تكين إلا أن قبض عليه وقتله بيد أمير من أمرائه فعظم على ابني عمه فجمعا قومهما للأخذ بثأره وجمع على تكين جيوشه فكان النصر لطغرلبك وأخيه ثم احتشد علي تكين مرة ثانية وأوقع بالسلاجقة وقعة كانت عليهم شديدة ألجأتهم إلى عبور النهر نحو خراسان فكتب إليهم خوارزمشاه هارون بن التونتامش ملك خوارزم يستدعيهم للاتفاق معه فساروا إليه وخيموا بظواهر خوارزم سنة426 واطمأنوا إلى خوارز مشاه ولكن غدر بهم وكبسهم وهم غارون فقتل منهم جمعاً فساروا على خوارزم إلى مفازة نسا ثم كتبوا إلى الملك مسعود بن محمود بن سبكتكين يطلبون منه الأمان ويضمنون أن يكونوا عوناً له على من يعاديه فلم يفعل وسير إليهم جيوشه فلقيتهم عند نسا فأوقع السلاجقة بجيش مسعود ولما بلغه ذلك ندم على رده طاعتهم وعلم أن هيبتهم تمكنت من قلوب عسكره فأرسل إليهم يتهددهم ويتوعدهم فكتب إليه طغرلبك هذه الآية {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} فلما ورد الكتاب على مسعود كتب من ثانية يعدهم المواعيد الجميلة ويأمرهم أن يرحلوا إلى آمل على شاطىء جيحون وينهاهم عن الشر والفساد وأقطع داهستان لداود وداهستان مدينة عند مازندان بناها عبد اللَّه بن طاهر بين جرجان وخوارزم آخر حدود طبرستان وأقطع نسا لطغرلبك وأقطع فراوة لبيغو وفراوة بلدة مما يلي خوارزم بناها عبد اللَّه بن طاهر.

علم ذلك مسعود فاضطر أن يسير بنفسه من غزنة جيوش حتى وصل بلخ ومنها سار في أول رمضان سنة429 واستعد له السلاحقة فلما التقى الفريقان كان التعب قد أخذ من عسكر مسعود فاجتاحهم السلاجقة واضطر مسعود أن ينهزم ومعه مائة فارس وغنم السلاجقة من هذا العسكر ما لا يدخل تحت الإحصاء فقسمه داود على عسكره وآثرهم على نفسه.

بعد تلك الواقعة عاد طغرلبك إلى نيسابور فملكها ثانية آخر سنة 441 وسكن الناس وطمأنهم بعد أن كانوا في شدة من الفوضى ثم ملك داود بلخ وفي سنة 433 ملك طغرلبك وجرجان وطبرستان من يد أنو شروان بن منوجهر بن قابوس وشمكير. وفي سنة434 ملك خوارزم.

لما تم له ذلك سار يريد الري وبلاد الجبل وكان قد سبقه إليها أخوه لأمه إبراهيم ينال واستولى على الري فلما سمع بقدومه سار إليه وسلمه إياها وجميع ما ملك من بلاد الجبل فأمر طغرلبك بعمارة الري وكانت قد خرجت ثم سار إلى قزوين فملكها صلحاً وملك أيضاً همذان.

بذلك تم له ملك أصقاع كبيرة من البلاد الإسلامية وهي خوارزم وخراسان وبلاد الري ووصلت طلائع جنوده إلى البلاد العراقية أهم ذلك الملك أبا كاليجار صاحب العراق ولم يجد في نفسه قدرة على صد ذلك السيل فأرسل إلى طغرلبك في الصلح فأجابه إليه واصطلحا وكتب طغرلبك إلى أخيه إبراهيم ينال يأمره بالكف عما وراء ما بيده واستقر الحال على أن يتزوج طغرلبك بابنة أبي كاليجار ويتزوج الأمير أبو منصور بن أبي كاليجار بابنة الملك داود أخي طغرلبك وتم هذا في ربيع الأول سنة 439 وفي سنة441 خطب لطغرلبك بديار بكر. خطب له بها نظر الدولة بن مروان صاحبها وفي سنة 442 استولى على أصبهان ثم أطاعته أذربيجان وأرسل إليه من بها من الأمراء يبذلون له الطاعة والخطبة فأبقى بلادهم بأيديهم وأخذ رهائنهم ثم سار إلى أرمينية وقصد ملازجرد وهي للروم فحصرها وأخرب ما حولها وأثر في بلاد الروم آثاراً عظيمة وبلغ في غزوته هذه إلى أرزن الروم أرضروم ولما هجم عليه الشتاء عاد إلى أذربيجان ثم توجه إلى الري فأقام بها إلى سنة447 .

في هذا الوقت كانت الأحوال سيئة في بغداد فإن آل بويه قد تفرقت كلمتهم وزالت من القلوب هيبتهم فلم يكن يمكنهم أن يحفظوا بغداد لا من عدو طارىء ولا من عياريها ولصوصها فأعدوا الجمهور لقبول ما يغير من هذه الحال. ومما زاد الحال فساداً ما كان من أمر أبي الحارث أرسلان المعروف بالبساسيري وهو غلام تركي من مماليك بهاء الدولة فإنه أراد أن يزيل الخلافة عن بني العباس وكاتب الخليفة المستنصر العلوي بمصر ليدخل في طاعته ويخطب باسمه على منابر بغداد والخليفة العباسي عنده علم ذلك. فكتب إلى السلطان طغرلبك مستنجداً مستغيثاً وكانت هذه أمنيته فأظهر أنه يريد الحج وإصلاح طريق مكة والمسير إلى الشام ومصر وإزالة المستنصر العلوي صاحبها وكاتب أصحابه بالدينور وقرميسين وحلوان وغيرها فأمرهم بإعداد الأقوات والعلوفات فعظم الإرجاف ببغداد وفت أعضاد الناس. وصل طغرلبك إلى حلوان وانتشر أصحابه في طريق خراسان فأجفل الناس إلى غربي بغداد وأرسل طغرلبك إلى الخليفة يبالغ في إظهار العبودية والطاعة إلى الأتراك البغداديين يعدهم الجميل والإحسان فاتفق من بغداد من الرؤساء والأمراء على مكاتبة طغرلبك يبذلون له الطاعة والخطبة وفعلاً تقدم الخليفة إلى الخطباء بالخطبة لطغرلبك بجوامع بغداد فخطب له في يوم الجمعة 22 محرم سنة448 ودخلها طغرلبك في الخامس والعشرين منه وقبض على آخر سلاطين بني بويه وهو الملك الرحيم وبذلك انقضت دولتهم ووجدت بالعراق وما وراءه هذه الدولة الجديدة الفتية وهي دولة السلاجقة.

هذه العشيرة استولت على جل ما ملكه المسلمون وقد انقسمت إلى خمسة بيوت:

الأول: السلاجقة العظمى وهي التي كانت تملك خراسان والري والجبال والعراق والجزيرة وفارس والأهواز.

الثاني: سلاجقة كرمان.

الثالث: سلاجقة العراق.

الرابع: سلاجقة سوريا.

الخامس: سلاجقة الروم.

أما السلاجقة الكبرى فهي الدولة التي أسسها ركن الدين أبو طالب طغرلبك وحياتها93 سنة من سنة 429(1039)م إلى سنة522(1127) م وهذا ثبتها.

(1) ركن الدين أبو طالب طغرلبك (429-455)

(2) عضد الدين أبو شجاع ألب أرسلان(455-465)

(3) عضد الدين أبو الفتح ملكشاه (465-485)

(4) ناصر الدين محمود (485-487)

(5) ركن الدين أبو المظفر بركياروق (487-498)

(6) ركن الدين ملكشاه الثاني (498-498)

(7) غياث الدين أبو شجاع محمد (498-511)

(8) معز الدين أبو الحارث سنجر (511-522)

وقد انقضت دولتهم على أيدي شاهات خوازم.

وأما سلاجقة كرمان فكانوا من عشيرة قاروت بك بن داود بن ميكائيل بن سلجوق وهو أخو ألب أرسلان ومدة ملكهم 150 سنة من 432(1041 م إلى 583(1188) وهذا ثبت ملوكها.

(1) عماد الدين قرا أرسلان قاروت بك (433-456)

(2) كرمانشاه (456-467)

(3) حسين (467-467)

(4) ركن الدين سلطان نشاه (467-477)

(5) تورانشاه (477-490)

(6) أرانشاه (490-494)

(7) أرسلانشاه (494-536)

(8) مغيث الدين محمد الأول (536-551)

(9) محيي الدين طغريل شاه بهرامشاه (551-563)

أرسلانشاه الثاني

طرخان شاه

محمد الثاني (563-563)

وقد انقضت دولتهم على أيدي الغز التركمان.

وأما سلاجقة العراق وكردستان فقد ابتدأت دولتهم سنة511(1117) أي من عهد وفاة غياث الدين أبي شجاع محمد سابع ملوك السلاجقة وانتهت سنة590(1194 فبقيت79 سنة وانقرضت على أيدي شاهات خوارزم وهذا ثبت ملوكها.

(1) مغيث الدين محمود (511-525)

(2) غياث الدين داود (525-526)

(3) طغريل الأول (526-527)

(4) غياث الدين مسعود (527-547)

(5) معين الدين ملكشاه (547-548)

(6) محمد (548-554)

(7) سليمانشاه (554-655)

(8) أرسلانشاه (556-573)

(9) طغريل الثاني (573-590)

وأما سلاجقة سوريا فكانوا من بيت تتش بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق وقد ابتدأت دولتهم سنة487(1094) أي في أول عهد ركن الدين بركياروق خامس ملوك السلاجقة العظمى وانتهت سنة511(1117) فكانت حياتها24 سنة وانتهت على أيدي الدولتين النورية والأرتقية وهذا ثبت ملوكها.

(1) تتش بن ألب أرسلان (487-488)

(2) رضوان بن تتش (488-488)

(3) تقاق بن تتش في دمشق (488-507)

(4) ألب أرسلان أخرص بن رضوان (507-508)

(5) سلطانشاه بن رضشوان (508-511)

وأما السلاجقة الروم ملوك قونية وأقصرا فكانوا من بيت قطلمش بن إسرائيل بن سلجوق وقد ابتدأت دولتهم سنة في عهد جلال الدين أبي الفتح ملكشاه ثالث ملوك السلاجقة العظمى وانتهت سنة 700(1300) فمدة حياتها 230 سنة فهي أطول دول السلاجقة حياة وقد انتهت دولتهم على أيدي الأتراك العثمانيين والمغول وهذا ثبت ملوكها.

(1) سليمان بن قطلمش (470-475)

(2) قليج أرسلان داود بن سليمان (475-500)

(3) ملكشاه بن قليج أرسلان (55-510)

(4) مسعود بن قليج أرسلان (510-551)

(5) عز الدين قليج أرسلان بن ملكشاه (551-584)

(6) قطب الدين ملكشاه بن قليج أرسلان (584-588)

(7) غياث الدين كيخسرو بن قليج أرسلان (588-597)

(8) ركن الدين سليمان بن قليبح أرسلان (597-600)

(9) قليج أرسلان بن سليمان (597-600)

(10) غياث الدين كيخسرو بن قليج أرسلان ثانياً (601-607)

(11) عز الدين كيقاوس بن ملكشاه (607-616)

(12) علاء الدين كيقباذ بن ملكشاه (616-634)

(13) غياث الدين كيخسرو بن كيقباذ (634-643)

(14) عز الدين كيقاوس بن كيخسرو (643-655)

(15) ركن الدين قليج أرسلان بن كيخسرو (655-666)

(16) غياث الدين كيخسرو بن قليج أرسلان (666-682)

(17) غياث الدين مسعود بن كيقاوس (682-691)

(18) علاء الدين كيقباذ (691-700)

والذي كان يرتبط تاريخه من هذه البيوت بتاريخ الدولة العباسية لدخول بغداد في حوزتهم السلاجقة العظمى وسلاجقة العراق الذين كان لهم السلطان على العباسيين447 إلى سنة 590 أي 143 سنة.

استخلف من آل العباس في عهد الدولة السلجوقية تسعة خلفاء وهم:

26- عبد اللَّه القائم بأمر اللَّه القادر بن المقتدر.

27- عبد اللَّه المقتدي بااللَّه بن محمد بن القائم.

28- أحمد المستظهر بن المقتدي.

29- الفضل المسترشد بن المستظهر

30- المنصور الراشد بن المسترشد.

31- محمد المقتفي بن المستظهر.

32- يوسف المستنجد بن المقتفي.

33- الحسن المستضيء بن المستنجد.

34- أحمد الناصر بن المستضيء.

الحاديث العظيم ببغداد:

في السنة التي تلت حكم السلاجقة ببغداد وهي سنة 448 كانت عند مدينة سنجار وقعة شديدة بين البساسيري ومعه نور الدولة دبيس بن مزيد الأسدي وبين قريش بن بدران العقيلي ومعه قتلمش ابن عم السلطان طغرلبك انهزم فيها قريش وقتلمش فوصل خبر هذه الواقعة إلى السلطان بعد أن أقام ببغداد ثلاثة عشر شهراً لم يقابل فيها الخليفة فسار عنها بجيوشه فقاتل العرب بالموصل والجزيرة وانتصر عليهم وانتهى الأمر باستيلائه على جميع البلاد الموصلية والجزيرة وسلمها إلى أخيه لأمه إبراهيم ينال ثم عاد إلى بغداد في أوائل سنة449 وقابلالخليفة لأول مرة وفوض إليه الخليفة أمر إدارة البلاد وقد بالغ طغرلبك في احترام مقام الخلافة العباسية وخلع عليه الخليفة سبع خلع وتوج وعمم إشارة إلى جمعه بين ملك العرب والعجم وقلد سيفاً محلى بالذهب وخاطبه الخليفة بملك المشرق والمغرب فقبل يد الخليفة دفعتين ووضعها على عينه تبركاً، فعل ما فعل من ذلك التعظيم والإجلال تديناً.

وفي سنة450 ترك إبراهيم ينال بلاد الموصل وتوجه نحو بلاد الجبل ويقال إن المصريين كاتبوه وأطعموه في الملك فأهم ذلك السلطان وسار وراءه إلى همذان في ذلك الوقت عاد البساسيري بقوته وكن المصريون يساعدونه ويمدونه ولم يزل يجتاح البلاد حتى وصل بغداد في ثامن ذي القعدة سنة 450 واستولى عليها لأنه ليس بها جند يحميها وخطب بجامع المنصور لمعد المستنصر العلوي صاحب مصر وأذن بخير العمل وكانت العامة قد مالت إليه أما الشيعة فلاتحاد المذهب وأهل السنة فلما فعل بهم الأتراك.

أما الخليفة القائم فإنه خرج من قصره في ذمام رئيس العرب قريش بن بدران العقيلي استذم منه بذمام اللَّه وذمام رسوله صلى اللَّه عليه وسلم وذمام العربية فأعطاه ذلك ونزع قريش قلنسوته فأعاها الخليفة ثم حمله إلى معكسره وعليه السواد والبردة وبيده السيف وعلى رأسه اللواء وأنزله في خيمة ثم سلمه إلى ابن عمه مهاريش بن المجلي وهو رجل فيه دين وله مروءة فحلمه في هودج وسار به إلى حديثة عانة فتركه بها آمناً مطمئناً في ذمام العربية الذي يرى الخيانة عاراً.

أما البساسيري فإنه سار ببغداد سيرة ملك ورفعت على رأسه الألوية البيضاء التي أرسلت إليه من مصر ثم ملك بعد ذلك واسط والبصرة وهتف على منابر تلك البلاد باسم آل علي.

أما السلطان فإنه استنجد بأولاد أخيه أرسلان وياقوتي وقاورت بك فجاؤوه بالعساكر يتلو بعضها بعضاً فلقي بهم أخاه إبراهيم ينال بالقرب من الري فتغلب عليه وأسره ثم أمر به فخنق بوتر قوسه في تاسع جمادى الآخرة سنة451 ولما تم له ذلك عاد يطلب العراق وليس له هم إلا إعادة القائم بأمر اللَّه إلى خلافته ولما قارب بغداد أدرك البساسيري أنه لا قبل له بمقاومته فرحل عن بغداد وكان دخوله إليها سادس ذي القعدة سنة450 وخروجه منها سادس ذي القعدة سنة451 وكان السلطان قد أرسل وهو بالطريق إمام أهل السنة أبا بكر أحمد بن محمد المعروف بابن فورك إلى قريش بن بدران يشكره على ما فعله بالخليفة ويخبره أنه أرسل ابن فورك للقيام بخدمة الخليفة وإحضاره فأرسل قريش إلى ابن عمه مهارش يقول له أودعنا الخليفة عندك ثقة بأمانتك لينكف بلاء الغزو عنا والآن فقد عادوا وهم عازمون على قصدك فارحل أنت وأهلك إلى البرية فإنهم إذا علموا أن الخليفة عندنا في البرية لم يقصدوا العراق ونحكم عليهم بما نريد فأبى ذلك مهارش وقال إن الخليفة قد استحلفني بعهود ومواثيق لا مخلص منها وسار بالخليفة إلى العراق وقد لقيهما ابن فورك بتل عكبرا فساروا معاً حتى وصلوا إلى النهروان في 24 ذي القعدة فخرج السلطان إلى خدمة الخليفة فاجتمع به وقبل الأرض بين يديه وهنأه بالسلامة وأظهر الفرح بسلامته واعتذر عن تأخره بعصيان أخيه إبراهيم وأنه قتله عقوبة لما جرى من الوهن على الدولة العباسية فقلده الخليفة بيده سيفاً وقال لم يبق مع أمير المؤمنين من داره سواه وقد تبرك به أمير المؤمنين فكشف غشاء الخركاه حتى رآه الأمراء فخدموا وانصرفوا ثم ساروا جميعاً إلى بغداد وكان دخول الخليفة لخمس بقين من ذي القعدة سنة.

وفي سنة 465 توجه ألب أرسلان قاصداً بلاد الترك فعبر نهر جيحون ولكن المشيئة سابقته فسبقته. حكي عنه أنه قال وهو يقرب من الموت ما كنت قط في وجه قصدته ولا عدو أردته إلا توكلت على اللَّه وطلبت منه النصر وأما في هذه النوبة فإني أشرفت من تلٍ عال فرأيت عسكري فقلت أين من له قدر بمصارعتي ومعارضتي وإني أصل بهذا العسكر إلى بلاد الصين. فكان ما أراد اللَّه وكانت وفاته في 6 ربيع الأول سنة465.

ولى السلطانة بعده ولي عهده السلطان جلال الدولة أبو الفتح ملكشاه.

ولأوائل حكمه توفي الخليفة القائم بأمر اللَّه ثالث عشر شعبان سنة 467 فقام بالأمر بعده ولي عهده حفيده.
27- المقتدي بأمر الله

ترجمته:

أبو القاسم عبد اللَّه بن الذخيرة أبي العباس محمد بن القائم ولم يكن للقائم من أعقابه ذكر سواه فإن الذخيرة توفي أيام أبيه ولم يكن له غيره فأيقن الناس بانقراض نسله وانقراض الخلافة من البيت القادري إلى غيره ولم يشكوا في اختلاف الأحوال بعد القائم لأن من عدا البيت القادري كانوا يخالطون العامة في البلد ويجرون مجرى السوقة فلو اضطر الناس إلى خلافة أحدهم لم يكن له قبول ولا هيبة فقد اللَّه أن الذخيرة كانت له جارية أرمنية اسمها أرجوان وكان يلم بها فلما توفي ظهر أنها حامل وولدت بعد موت سيدهات بستة أشهر وذلك الولد هو عبد اللَّه الذي ولاه جده العهد بعده لما بلغ الحلم وقد بويع بعد وفاة جده واستمر خليفة إلى أن توفي فجأة في يوم السبت خامس محرم سنة 487. فكانت خلافته 19 سنة وثمانية أشهر غير يومين وهو من خيرة بني العباس.
مناجته:

كان قوي النفس عظيم الهمة أصلح كثيراً من الأحوال الأدبية ببغداد فأمر بنفي المغنيات والمفسدات منها ووقع الهرادي والأبراج التي للطيور ومنع من اللعب به لأجل منع الاطلاع على حرم الناس ومنع الملاحين أن يحملوا الرجال والنساء مجتمعين ولذلك أصلح كثيراً من الماديات فعمرت في بغداد عدة محال في خلافته ومنع من إجراء ماء الحمامات إلى دجلة وألزم أربابها بحفر آبار للمياه وأمر أن يغسل السمك المالح يعبر إلى النجمي فيغسله هناك وكانت أيامه كثيرة الخير واسعة الرزق وعظمت الخلافة أكثر مما كان من قبله وكان سلطان السلاجقة في عهده ملكشاه الذي ذكرنا قيامه بعد أبيه ألب أرسلان.

وكان ملكشاه سلطاناً عادلاً ذا فضل وإنصاف، شجاعاً مقداماً صائبالرأي والتدبير أيامه في دولة السلاجقة واسطة عقدها وكان ميمون النقيبة لم يتوجه إلى إقليم إلا فتحه ولما توجه إلى الشام وأنطاكية بلغ إلى حد قسطنطينية وقرر ألف دينار على ملوكها تحمل إلى خزانته ووضع في النواحي التي فتحها من الروم خمسين منبراً إسلامياً ولم يزد زمن ذلك العمل على شهرين ثم عاد إلى الري وقصد سمرقند فظفر بخانها وأسره فحمل غاشية السلطان على كتفه وسار في ركابه إلى موضع سرير ملكه ثم مَنَّ عليه وأعاده إلى ملكه. وتوجه في السنة الثانية إلى أوزكند فأخضعها وخضع له جميع الملوك والرؤساء بالمشرق والمغرب. وهذه السعادة كلها إنما تيسرت بسعادة الوزير الكبير خواجه بزرك قوام الدين نظام الملك أبي علي الحسن بن علي بن إسحاق رضي أمير المؤمنين الطوسي، وكان معدوداً من العلماء الأجواد وكان محباً للعلم مجلسه دائماً معمور بالقراء والفقهاء وأئمة المسلمين وأهل الخير والصلاح. أمر ببناء المدارس المعروفة بالنظامية في سائر الأمصار والبلاد وأجرى لها الجرايات العظيمة وسمع الحديث بالبلاد ببغداد وخراسان وغيرهما وكان يقول إني لست من أهل هذا الشأن ولكني أحب أن أجعل نفسي على قطار نقلة حديث رسول اللهَّ صلى اللَّه عليه وسلم وكان إذا سمع المؤذن أمسك عن كل ما هو فيه وتجنبه فإذا فرغ لا يبدأ بشيء قبل الصلاة وأسقط في زمنه كثيراً من المكوس والضرائب وهو الذي أزال لعن الأشعرية من المنابر وكان سلفه عميد الملك الكندري قد حسن للسلطان طغرلبك التقديم بلعن الرافضة فأمره بذلك فأضاف إليهم الأشعرية ولعن الجميع فلهذا فارق كثير من الأئمة بلادهم مثل إمام الحرمين وأبي القاسم القشيري وغيرهما فلما ولي نظام الملك أزال ذلك جميعه وأعاد العلماء إلى أوطانهم.

مات ملكشاه بعد أن اتسع ملكه اتساعاً عظيماً فخطب له من حدود الصين إلى آخر الشام ومن أقاصي بلاد الإسلام في الشمال إلى آخر بلاد اليمن وحملت إليه الروم الجزية ولم يفته مطلب. وانقضت أيامه على أمن عام وسكون شامل وعدل مطرد أسقط المكوس والمؤن من جميع البلاد، وعمر الطرق والقناطر والمرابط التي في المفاوز وحفر الأنهار الخراب، وعمر الجامع ببغداد وعمل المصانع بطرق مكة وبنى البلد بأصبهان.

وكان للسلطان ملكشاه أربعة بنين وهم بركياروق ومحمد وسنجر ومحمود. وكان محمود طفلاً وأمه تركان خاتون فطلبت من الخليفة المقتدي أن يعين ولدها للسلطنة فأجاب إلى ذلك على شروط اشترطها إلا أن جنود نظام الملك ساعدوا أخاه الأكبر بركياروق على أن يكون هو السلطان، فتم ما أرادوا وأرسل تقليده إلى الخليفة ليوقعه فمات الخليفة والتقليد بين يديه وكانت وفاته في 15 محرم سنة 488.
وفاة المقتدي:

في منتصف المحرم سنة 487 توفي المقتدي باللَّه فجأة بعد أن قدم إليه تقليد السلطان بركياروق فقرأه وعلم ما فيه ولم يمضه.
28- المستظهر بالله

ترجمته:

بويع بالخلافة بعده ولده أبو العباس أحمد المستظهر باللَّه واستمر خليفة إلى أن توفي في 11 ربيع الآخرة سنة 512 فكانت خلافته 24 سنة وثلاثة أشهر و 11 يوماً وكانت سنه حين توفي 41 سنة وستة أشهر وستة أيام.
حال الممالك الإسلامية في عهده:

وكان بالأندلس والمغرب الأقصى دولة الملثمين والقائم بأمرهم يوسف بن تاشفين إلى سنة ثم من بعد ابنه علي إلى سنة 537.

وبافريقية من آل زيري تميم بن المعز بن باديس إلى سنة501 ثم يحيى بن تميم إلى سنة 509 ثم علي بن يحيى إلى سنة 515.

وبمصر من الفاطميين المستعلي أبو القاسم أحمد بن المستنصر معد إلى سنة 495 ثم الآمر بأحكام اللَّه علي المنصور بن المستعلي إلى سنة 524.

وبزبيد من الدولة النجاحية الأمير جيش بن نجاح سنة 498 ثم فاتك بن جيش إلى سنة 503 ثم منصور بن فاتك إلى سنة 517.

وبصنعاء ومهرة ظهر الأمير حاتم بن غاشم الهمذاني من سنة 492 إلى سنة 502 ثم عبد اللَّه بن حاتم إلى سنة 504 ثم معن بن حاتم إلى سنة 510 ثم هشام بن قبيط وحاتم بن حماص.

وما عدا ذلك من البلدان الإسلامية في آسيا فهو محكوم بدولة السلاجقة، كان المستظهر باللَّه من خيار بني العباس لين الجانب كريم الأخلاق يحب الاصطناع ويفعل الخير ويسارع إلى أعمال البر والمثوبات مشكور المساعي لا يرد مكرمة تطلب منه وكان كثير الوثوق بمن يوليه غير مصغ إلى سعاية ساع ولا ملتفت إلى قوله ولم يعرف منه تلون وانحلال عزم بأقوال أصحاب الأغراض وكانت أيامه أيام سرور لرعيته وكان إذا بلغه ذلك فرح به وسره وإذا تعرض سلطان أو نائب له إلى أذى أحد بالغ في إنكار ذلك والزجر عنه وكان حسن الخط جيد التوقيعات لا يقاربه فيها أحد وله شعر رقيق.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:20   رقم المشاركة : 56
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 تابع

خطر المغرب:

كما كان اختلاف آل سلجوق وتفرق كلمتهم سبباً لنكبتهم بالباطنية كذلك كان سبباً لنكبتهم من المغرب بالحروب الصليبية وليس غرضنا الآن أن نشرح هذه الحروب شرحاً وافياً فإنها حوادث أجيال إذ قد استمر أمرها من سنة 490 إلى سنة 690 أي قرنين كاملين اشترك فيها من الدول الإسلامية الفاطمية بمصر ودولة السلاجقة ودول الأتابكية التي تفرعت عن السلاجقة ودول الأيوبية ودولة المماليك البحرية بمصر ولما كنا الآن في اقتصاص أحوال آل سلجوق نسوق من أخبار هذه الحروب ما ارتبط بتاريخهم.

امتد سلطان السلاجقة إلى بلاد الروم ( أرمينية والأناضول) وتأسست هناك دولة سلجوقية عظيمة الشأن بقونية واقصرا وما إليهما وأخذا بمخنق الروم فقصدوا كل حيلة في استرداد ما أخذ منهم لقوة الهاجمين وخافوا على ما بقي لهم من الأملاك في آسيا، وكان ملك السلاجقة الروميين في أيام تلك الحوادث السلطان قليج أرسلان داود بن قتلمش (485-500).

وكذلك امتد على بلاد سوريا وتأسست لهم بها دولة حاضرتها دمشق وكان سلطانها في هذه الحوادث السلطان رضوان بن تتش بن ألب أرسلان بينه وبين أخيه دقاق بن تتش حروب سببها المنافسة في الملك.

وكان خليفة مصر الفاطمي هو المستعلي باللَّه أبو القاسم أحمد بن المستنصر (487-495).

كان بيت المقدس مما ملكه تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان مؤسس الدولة السلجوقية بسوريا فأقطعه للأمير سقمان بن أرتق التركماني فاستمر في حوزته إلى سنة 489 وهي السنة التي سار فيها الصليبيون قاصدين في الظاهر الاستيلاء عليه وتخليصه من أيدي هؤلاء المغتصبين.

وقد اضطربت كلمة المؤرخين من العرب في السبب الذي حدا بأولئك المغيرين إلى الخروج من بلادهم بهذه الشدة والكثرة فقال فريق منهم إن هذه الحملة كانت في الأصل موجهة إلى شمال أفريقية وكانت إذ ذاك تحت يد الدولة الزيرية والقائم بالأمر فيها تميم بن المعز بن باديس (453-501) وكان رجار الصقلي قد قام في عهده واستولى على صقلية وحارب تميماً في عقر داره حروباً كانت بينهما سجالاً ولما بلغ رجار ما عزم عليه الصليبيون لم يعجبه لأنه قال إذا وصلوا إليّ احتاج إلى كلفة كثيرة ومراكب تحملهم إلى افريقية وعساكر من عندي أيضاً فإن فتحوا البلاد كانت لهم وصارت المؤنة لهم من صقلية وينقطع عني ما يصل من المال من ثمن الغلات كل سنة وإن لم يفلحوا رجعوا إلى بلادي وتأذيت بهم ويقول تميم غدرت ونقضت عهدي وتنقطع الوصلة والأسفار بيننا وبلاد افريقية باقية لنا متى وجدنا قوة أخذناها ومن أجل ذلك أشار على هؤلاء المتحمسين بقصد بيت المقدس لأن الجهاد في تخليصه أعظم أثراً وأبقى فخراً.

وقال فريق آخر إن أصحاب مصر من العلويين لما رأوا قوة الدولة السلجوقية وتمكنها واستيلاءها على بلاد الشام إلى غزة ولم يبق بينهم وبين مصر ولاية أخرى تمنعهم وقد دخل بعضهم فعلاً إلى بلاد مصر لما رأوا ذلك خافوا وأرسلوا إلى الفرنج يدعونهم إلى الشام ليملكوه ويكون بينهم وبين المسلمين.

وقال فريق من غيرهم إن ملك الروم هو الذي دعا الفرنج إلى ذلك لما خاف على دولته من السلاجقة فإنهم كما أخافوا المصريين أخافوا الروم فكل من الفريقين خائف وجل.

والذي عليه جمهور المؤرخين أن الغيرة الدينية التي أثارها في أوروبا بطرس الراهب بمساعدة الباب أوربانس الثاني هي التي هاجت أنفس الإفرنج لهذه الإغارة.

وكل هذه الأسباب لا يبعدها العقل ولا يبعد أن يكون بعضها قد ساعد بعضاً والافرنج يميلون إلى جعلها حرباً دينية لا سياسية أثار غبارها ما كان من حمية الجاهلية في ذلك العصر.

زار بطرس الراهب البيت المقدس فعز عليه ما رآه من ملك المسلمين لهذا البيت الذي فيه آثار المسيح عليه السلام فعاد إلى أوربا شاكياً باكياً مستغيثاً متضرعاً واستعان بسلطان البابا أوربانس الثاني الذي كان إذ ذاك صاحب الكلمة العليا في أوروبا فأعانه وعقد المؤتمرات لبث الحمية الدينية في قلوب المسيحيين فنجح في ذلك ولا سيما أنه أعطى امتيازات لها قيمة لمن يتطوع في هذه الحرب فتألفت جيوش عظيمة سارت إلى طلبتها في 25 أغسطس سنة 1096(419 يقدمها بطرس الراهب وغيره إلا أن هذه الحملة لم تنجح في مسيرها لأنها لم تكن ذات نظام عسكري فعاثت في الأرض فساداً فقاومها البلغاريون والهونفريون وأفنوا كثيراً منها والذين تخلصوا وجازوا البحر عند القسطنطينية إلى آسيا أخذتهم سيوف السلطان قليج أرسلان عند قونية فلم ينج منهم أحد وهذه هي الحملة الأولى من الحرب الصليبية الأولى قامت على أثرها حملة أخرى وهي الحملة الثانية يقدمها غودا فرودي بوليون دوق دي لورين السفلى ومعه عدد وافر من قواد فرنسا والنمسا وجيش آخر يقدمه هوكز أخو ملك فرنسا ومعه عدد من القواد وجيش ثالث يقدمه بوهيمند أمير تارنت الإيطالي.

سارت هذه الجيوش ومرت بالقسطنطينية بعد خطوب نالتهم من ملك الروم اليكسيوس ثم عبرت المجاز قاصدة مدينة قونية التي كانت من أعمال قليج أرسلان وعددهم عظيم جداً فلقيهم ذلك السلطان مدافعاً عن ملكه فتغلب عليه الصليبيون لكثرة عددهم ثم حصروا قونية نحو خمسين يوماً وفي نهاية سلمت حامية هذه المدينة لكنها لم تسلم للصليبيين بل سلمت لقائد ملك الروم الذي أرسل مع الصليبيين لهذه الغاية وكان هذا العمل سبباً لغيظ قوادهم، أصاب هذا الجيش بعد ذلك نكبات شديدة جداً في مسيرة ففي كثير منه بالحرب والجوع والتعب والأوبئة والاختلاف الكبير بين القواد الذين كان لكل منهم مقصد في العلو والرفعة وقد انفصل عنهم وهم سائرون أحد القواد وهو بودوين وسار إلى الجزيرة الفراتيةفامتلك مدينة الرها وكانت للروم إذ ذاك.

صار القوم إلى أنطاكية وكان حاكمها أحد قواد السلجوقية باغيسيان فحصروها تسعة أشهر وظهر من شجاعة باغيسيان وجودة رأيه وحزمه واحتياطه ما لم يشاهد من غيره فهلك أكثر الفرنج وبعد هذا الحصر استولوا على المدينة بخيانة أحد المستحفظين للأبراج الذي بذل له الافرنج مالاً وأقطاعاً وكان الإفرنج قد كاتبوا صاحب حلب ودمشق إننا لا نقصد غير البلاد التي كانت للروم لا نطلب سواها وإنما فعلوا ذلك معهم حتى لا يساعدوا صاحب أنطاكية وقد كان ما أرادوا. سار الإفرنج بعد ذلك إلى معرة النعمان فامتلكوها.

كان البيت المقدس في تلك الأيام قد خرج من حوزة السلاجقة وامتلكه المصريون فإنهم لما علموا بما أصاب الأتراك على أنطاكية أرسلوا جيشاً يقدمه الأفضل بن بدر الجمالي فاستولى عليه من يد الأمير سقمان بن أرتق التركماني واستناب فيه رجلاً يعرف بافتخار الدولة وهو الذي تلقى حملة الصليبيين الذين حضروا إليه بعد أن حصروا عكا ولم يقدروا على فتحها. حصروا بيت المقدس نيفاً وأربعين ليلة وأخيراً استولوا عليه في يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان سنة 492 ولم يكن منهم ما يحمد عليه المحارب الشجاع بل أساؤوا معاملة أهليه وقتلوا منهم خلقاً كثيراً وورد المستنفرون من الشام في رمضان إلى بغداد بصحبة القاضي أبي سعيد الهروي فأوردوا في الديوان كلاماً أبكى العيون وأوجع القلوب وقاموا بالجامع يوم الجمعة فاستغاثوا وبكوا وأبكوا والسلطانان السلجوقيان بركياروق ومحمد إذ ذاك يتطاحنان يريد كل منهما الانفراد بالملك وإقصاء أخيه عنه.

ولما تم للإفرنج ما طلبوا من الاستيلاء على البيت المقدس انتخبوا القائد غودافر ليكون ملكاً هناك ولكنه لم يرض أن يلقب بلقب ملك بل بحامي قبر المسيح وأقام معه بعض الجنود ورحل سائرهم إلى أوطانهم.
وضع غودافر قانوناً لإدارة مملكته الجديدة إلا أن زمنه لم يطل فإنه توفي في 18 يوليو سنة 1100 فأقيم مقامه بودوين ملك الرها وشقيق غودافر وأعلم بذلك فقبله وأقام بدله في ملك الرها ابن عمه بودوين دي بورغ ملكاً على الرها وسار هو إلى حاضرة ملكه وهو المعروف في التواريخ العربية باسم بردويل. هكذا وجدت مملكة افرنجية في وسط أملاك المسلمين لأول مرة ولم يتركها المسلمون براحة بال ولا هي تركتهم بل كانت الحروب متصلة بين الطرفين المصريون يناوشونهم من الجنوب والأتراك من الشرق. ولم تكن المملكة الإفرنجية واحدة في البلاد التي استولوا عليها بل كانت جملة ممالك مملكة القدس وانطاكية والرها وغير ذلك إلا أن المملكة الكبرى كانت مملكة القدس. وسنتكلم في حوادثها عند ظهور الدولة الأتابكية والدولة الأيوبية اللتين أججتا نار الحرب مع هؤلاء الإفرنج. 29- المسترشد بالله

ترجمته:

هو أبو منصور الفضل المسترشد باللَّه بن المستظهر ولاه أبوه بالعهد فبويع بالخلافة في اليوم الذي توفي فيه والده 16 ربيع الآخر سنة 513(7 أغسطس سنة 1118) واستمر خليفة إلى أن قتل في يوم الأحد 17 ذي القعدة سنة 529(30 أغسطس سنة 135.

كان سلطان العراق لأول عهده هو السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه وكان السلطان سنجر بن ملكشاه في ذلك الوقت ملك خراسان وما إليها من بلاد ما وراء النهر إلى غزنة وخوارزم وقد عظمت دولته وهو شيخ البيت السلجوقي وعظيمه. فلما توفي أخوه محمد وجلس ابن أخيه محمود وهو زوج ابنته لحقه لوفاة أخيه حزن أليم وجزع وجلس للعزاء على الرماد وتقدم الخطباء يذكرون السلطان محمد بمحاسن أعماله من قتال الباطنية وإطلاق المكوس غير ذلك وكان يلقب ناصر الدين فلما توفي أخوه تلقب معز الدين وهو لقب أبيه ملكشاه وعزم على قصد الجبل والعراق وما بيد ابن أخيه محمود.

ثم إن السلطان محمود أرسل إلى عمه سنجر وفداً معه الهدايا والتحف وطلب إليه أن ينزل له عن مازندران فغاظه هذا الطلب وقال إن ولد أخي صبي وقد تحكم عليه وزيره وحاجبه وصمم على المسير فسار وكذلك فعل السلطان محمود والتقيا عند الري بالقرب من ساوة وكان العسكر المحمودي قد استهان بالعسكر السنجري لكثرة الأولين وشجاعتهم وكثرة خيلهم ولما حصل اللقاء انهزمت ميمنة سنجر وميسرته وسارت جنودهما لا تلوي على شيء أما سنجر فكان واقفاً في القلب وأمامه السلطان محمود وقد أشار بعض المقربين من سنجر عليه أن ينهزم فقال إما النصر وإما القتل وأما الهزيمة فلا، وهجم بفيلته على قلب محمود هجوماً شديداً فتراجعت خيل محمود على أعقابها وكان بذلك هزيمة السلطان محمود ولما تم النصر لسنجر أرسل من رد المنهزمين من جنده. ورد الخبر إلى بغداد في عشرة أيام فأشير على الخليفة بالخطبة للسلطان سنجر ففعل.

أما محمود فإنه سار إلى أصبهان ومعه وزيره وبعض أمرائه وأما سنجر فسار إلى همذان وهناك راسل ابن أخيه في الصلح وكانت والدة سنجر تشير عليه بذلك وتقول قد استوليت على غزنة وأعمالها وما وراء النهر وملكت ما لأحد قدر عليه وقررت الجميع على صحابه فاجعل ولد أخيك كأحدهم فأجاب إلى قولها وبعد محاولات تقرر الصلح وسار محمود إلى عمه سنجر ونزل على جدته أم السلطان سنجر وأكرمه عمه وبالغ في إكرامه وحمل له محمود هدية عظيمة فقبلها ظاهراً وردها باطناً ولم يأخذ منه سوى خمسة أفراس عربية وكتب السلطان سنجر إلى جميع عماله أن يخطب لمحمود من بعده حيث جعله ولي عهده ورد عليه جميع ما أخذ منه سوى الري.

ولم يكد السلطان محمود ينتهي من هذا النزاع بينه وبين عمه حتى قام ضده أخوه مسعود بن محمد وكان لمسعود حينئذ الموصل وأذربيجان وذلك سنة 514 وقد أجج الأمراء نار هذا الخلاف لينالوا من وراء ذلك حظوظهم ولا يبالون بالمملكة الإفرنجية التي صارت شوكة في جنوبهم وكان وزير مسعود هو الأستاذ أبو إسماعيل الحسين بن علي الأصفهاني وهو الذي حسن لمسعود أن يقوم مطالباً بالمملكة ولما بلغ ذلك محموداً كتب إليهم يخوفهم إن خالفوه ويعدهم الإحسان إن أقاموا على طاعته وموافقته فلم يصغوا إلى قوله وأظهروا ما كانوا عليه وما يسرونه وخطبوا للملك مسعود بالسلطنة وضربوا له النواب الخمس ثم سار كل منهم إلى لقاء صاحبه فالتقوا عند عقبة أسداباذ واقتتلوا من بكرة إلى آخر النهار وأبلت الجنود المحمودية بلاء حسناً فانهزم عسكر مسعود آخر النهار وأسر جماعة من مقدمي جنودهم ومنهم الوزير أبو إسماعيل الطغرائي فأمر السلطان بقتله وقال قد ثبت عندي فساد دينه واعتقاده وكان حسن الكتابة والشعر.

ثم أرسل محمود وراء أخيه من لحقه وأتى به بعد أن بذل له الأمان فاستقبله استقبالاً عظيماً ووفى له بما بذلن وخلطه بنفسه في كل أفعاله فعد ذلك من مكارم محمود ولا عجب فقد علمه سنجر.

كان الخليفة المسترشد با في هذا العصر قد استرد شيئاً من نشاط العباسيين وقاد الجيوش بنفسه لحرب المخالفين عليه وأهمهم دبيس بن صدقة ملك الحلة ولم يكن للخلفاء عهد بذلك منذ زمن طويل ولا شك أن الملوك السلجوقيين لا يقع ذلك عندهم موقع الاستحسان فإنهم يتخوفون عاقبته ويرون منه خطراً على نفوذهم ومما يدل على أن ذلك منحه قوة لم تكن لسلفه أن شحنة بغداد برنقش الذكوي حصل بينه وبين نواب الخلافة نفرة فتهدده الخليفة فخاف فسار عن بغداد إلى السلطان محمود وشكا إليه وحذره جانب الخليفة وأعلمه أنه قاد العساكر ولقي الحروب وقويت نفسه ومتى لم تعاجله بقصد العراق ودخول بغداد ازداد قوة وجمعاًومنعك عنه وحينئذ يتعذر عليك ما هو الآن بيده فأثر ذلك الكلام في نفس السلطان وتوجه نحو العراق فأرسل إليه الخليفة يعرفه بالبلاد وما عليه أهلها من الضعف والوهن وأن الغلاء قد اشتد بالناس لعدم الغلات والأقوات لهرب الأكرة ويطلب منه أن يؤخر حضوره حتى تصلح الأحوال وبذل له على ذلك مالاً كثيراً فكان هذا مما زاد في إغراء السلطان حتى قصد بغداد فسار مجداً ولما بلغ الخليفة الخبر أظهر الغضب والنزوح عن بغداد واستعد لذلك إن جاء السلطان فأثر ذلك في أنفس العامة تأثيراً عظيماً حتى أكثروا البكاء والضجيج ولما أعلم السلطان بذلك أرسل يستعطف الخليفة ويطلب إليه العودة إلى داره بأبى إلا أن يعود السلطان ولا يحضر إلى بغداد فلم يلتفت السلطان إلى قوله واستمر قاصداً بغداد أما الخليفة فاستعد لمقابلته بالقوة وكان معه كثير من العامة والجند يدافعون عنه تديناً وقد حصلت مناوشات بين الفريقين في أول سنة 521 وكان مع كل جمع عظيم ولما رأى المسترشد باللَّه جنح إلى الصلح الذي طلبه السلطان محمود فتم ذلك وكان أعداء الخليفة يشيرون على السلطان بإحراق بغداد فلم يفعل وقال لا تساوي الدنيا فعل مثل هذا وأقام ببغداد إلى رابع شهر الآخر سنة 521 ثم فارقها بعد أن حمل إليه الخليفة الخلع والدواب الكثيرة.

وفي سنة 524 ملك السلطان محمود قلعة الموت من يد صاحبها الحسن بن الصباح.

وفي سنة 525 توفي السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه وكان حليماً كريماً عاقلاً يسمع ما يكره ولا يعاقب عليه مع القدرة قليل الطمع في أموال الرعايا عفيفاً عنها كافاً لأصحابه عن التطرق إلى شيء منها.

لما توفي خطب لولده داود بالسلطنة في بلاد الجبل وأذربيجان إلا أنه قام ضده ابن عمه السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه فكان الظفر لمسعود وخطب له بالسلطنة على منابر بغداد إلا أن هذا لم يرق لعميد البيت ورئيسه السلطان سنجر فأقبل من خراسان قاصداً دفع مسعود عن السلطنة وسار إليه مسعود فالتقيا بعولان عند الدينور وكانت النتيجة أن انهزم مسعود وفل جيشه وتحكم سنجر فيما بقي ثم أرسل وراء ابن أخيه من يرده فرده إليه فلما حضر عنده قبله وأكرمه وعاتبه على عصيانه ومخالفته ولم يعده إلى السلطنة بل رده إلى كنجه وأجلس الملك طغرل ابن أخيه محمد مكانه وخطب له في جميع البلاد ثم عاد إلى نيسابور فلما رأى ذلك مسعود خرج من مكمنه وتوجه إلى بغداد ثانياً بما جمعه من الجيوش فدخلها فقابله الخليفة بالإكرام ووعده أن يرسل معه جيشاً لمحاربة طغرل وقد وفَّى بما وعد فسارت الجنود المسعودية صوب طغرل حتى التقوا به عند همذان فكانت بينهما موقعة انهزم فيها طغرل واستقر الأمر ثانية للسلطان غياث الدنيا والدين أبي الفتح مسعود بن محمد بن ملكشاه .

كان هذا الخلاف بين البيت السلجوقي مقوياً للمسترشد فصار يعد نفسه صاحب الأمر الذي يجب أن يطاع لا بالقوة المعنوية وحدها بل بقوة السيف أيضاً. فقد صار تحت أمره أجناد ورجال يلبون دعوته وينفذون كلمته وقد حصل بسبب ذلك نفرة بينه وبين السلطان مسعود أدت إلى أن أمر الخليفة بقطع خطبة مسعود من منابر بغداد ولم يقف عند ذلك بل تجهز بجيشه يريد حرب مسعود بدار سلطنته ومعه الجنود الكثيرة إلا أنها لم تكن ذات عصبية تصدق عند اللقاء فإن العصبية الجنسية غلابة مهما كانت الأحوال ولذلك لما التقى الطرفان انحاز كثير من عسكر الخليفة الأتراك إلى السلطان مسعود فانهزم جند الخليفة أما هو فبقي ثابتاً حتى أسر ولما بلغ ذلك الخبر بغداد قامت قيامة أهلها وخرجوا من الأسواق يحثون التراب على رؤوسهم ويبكون ويصيحون وخرجت النساء حاسرات في الأسواق يلطمن.

أما الخليفة فقد جعله السلطان في خيمة ووكل به من يحفظه وقام بما يجب من خدمته وترددت الرسل بينهما في تقرير قواعد الصلح على مال يؤديه الخليفة وألا يعود إلى جمع العساكر وألا يخرج من داره فأجيب إلى ذلك ولم يبق إلا أن يعود الخليفة إلى بغداد إلا أنه صادف أن هجم على خيمة الخليفة جماعة من الباطنية فقتلوه ومثلوا به وكان ذلك في يوم الأحد 17 ذي القعدة على باب مدينة مراغة وكان المسترشد شهماً شجاعاً كثير الإقدام بعيد الهمة وكان فصيحاً بليغاً حسن الخط. قال ابن الأثير ولقد رأيت خطه في غاية الجودة ورأيت أجوبته على الرقاع من أحسن ما يكتب وأفصحه ولقد حاول أن يعيد شيئاً من مجد أهل بيته فحالت الأقدار بينه وبين ما أراد.


30- الراشد باللَّه

بويع بالخلافة بعد المسترشد باللَّه ابنه أبو جعفر المنصور الراشد باللَّه وكان ولي العهد فلما مات أبوه جددت له البيعة في 27 من ذي القعدة وكتب السلطان إلى شحنة بغداد بالبيعة له وحضر بيعته 21 رجلاً من أولاد الخلفاء.

ولم يكن السلطان مسعود مع الراشد أسعد حظاً من أبيه معه، بل حاول الراشد أن يثأر لأبيه ويخل سلطنة مسعود فاتفق مع داود بن السلطان محمود أخي مسعود أقبل مسرعاً صوب بغداد ولما وصلها حصرها لامتناع الخليفة ومن معه بها ولكن سرعان ما اختلفت كلمة الأمراء الذين حالفوا الخليفة وتفرقوا تاريكن بغداد حتى أكبرهم شأناً عماد الدين زنكي صاحب الموصل ولما رأى الخليفة ذلك بارح بغداد في رفقة عماد الدين ولما رأى مسعود ذلك دخل بغداد ظافراً وأمر فجمع القضاة والشهور والفقهاء وعرضوا عليهم اليمين التي حلف الراشد باللَّه لسمعود وفيها بخط يده إني متى جندت أو خرجت أو لقيت أحداً من أصحاب السلطان بالسيف فقد خلعت نفسي من الأمر. فأفتوا بخروجه من الخلافة. وكانت خلافته 11 شهراً و 11 يوماً.


31- المقتفي لأمر اللَّه

ترجمته:

هو أبو عبد اللَّه الحسين المقتفي لأمر اللَّه ابن المستظهر، اختاره السلطان مسعود للخلافة بعد أن كتب محضر بخلع ابن أخيه الراشد من الخلافة وكانت بيعته في ثامن ذي الحجة سنة 530 (7 سبتمبر سنة 1136) واستمر في الخلافة إلى أن توفي ثاني ربيع الأول سنة 555(12 مارس سنة 1160) فكانت خلافته 24 سنة وثلاثة أشهر و 16 يوماً وكان عمره إذ توفي 66 سنة.

ولما بايع السلطان المقتفي صاهره فزوجه أخته فاطمة على صداق مائة ألف دينار وبذلك أمن السلطان أن يكون الخليفة ضدَّه. وقد حاول الخليفة المعزول أن يعيد لنفسه الخلافة فاتحد مع الملك داود بن السلطان محمود ولكنه مع ما بذلهمن المجهود العظيم لم ينجح فقد ائتمر به جماعة من الباطنية فسقوه الردى بنواحي أصفهان.

استمر السلطان مسعود في سلطانه مع كثرة المخالفين والخارجين عليه من أهل بيته ومن امرأته إلى أن توفي سنة 547 بهمذان وذلك على رأس مائة سنة من الخطبة ببغداد للسلطان طغرلبك، وماتت مع مسعود سعادة البيت السلجوقي فلم تقم له بعده راية يعتد بها ولا يلتفت إليها. وكان رحمه اللَّه حسن الأخلاق كثير المزاح والتبسط مع الناس وكان كريماً عفيفاً عن أموال الرعية حسن السيرة فيهم. من أصلح السلاطين سيرة وألينهم عريكة سهل الأخلاق وكان مسعود قد عهد بالسلطنة بعده لابن أخيه ملكشاه بن السلطان محمود.

أما الخليفة فإنه لم بلغه وفاة مسعود طرد شحنة السلجوقية بها وأخذ داره ودور أصحاب السلطان ببغداد وأخذ كل ما لهم فيها ولك من عنده وديعة لأحد منهم أحضرها بالديوان وجمع الرجال والعساكر وأكثر التجنيد وتقدم بإراقة الخمور من مساكن أصحاب السلطان وأرسل جنوده فاستولت على سائر البلاد العراقية الحلة وواسط وغيرها وخرج بنفسه ليقوي جنده.


أصبح ذلك الملك العظيم الذي أسسه طغريل بك وإخوته ورفع بنيانه ملكشاه أصبح نهباً تقاسمته دول شتى تعرف بالدول الأتابكية.

32- المستنجد باللَّه

هو أبو المظفر يوسف المستنجد باللَّه بن المقتفي لأمر اللَّه وأمه أم ولد اسمها طاوس رومية ولي سنة 555 وبويع بالخلافة عقب وفاة والده واستمر خليفة إلى أن مات في تاسع ربيع الآخر سنة 566.

فكانت خلافته 11 سنة وشهراً وأسبوعاً.

المستنجد معدود من خيرة الخلفاء العباسيين ومن مآثره أنه لما ولي أزال المكوس والمظالم ولم يترك بالعراق منها شيئاً وكان شديداً على أهل العبث والفساد والسعاية بالناس قبض مرة على خبيث كان يسعى بالناس فأطال حبسه فشفع فيه بعض أصحابه المختصين بخدمته وبدل عنه عشرة آلاف دينار فقال الخليفة أنا أعطيك عشرة آلاف دينار وتحضر إلي إنساناً آخر مثله لأكف شره عن الناس ولم يطلقه ورد كثيراً من الأموال على أصحابها أيضاً.

ومن أعماله أنه حل المقاطعات وأعادها إلى الخراج وهذا عمل حسن إلا أن بعض العلويين بالعراق تضرروا به ومن أجل ذلك يعدون هذا العمل من عيوبه وهو صلاح للجمهور.

وكان ملك السلاجقة لعهده أرسلان شاهبن محمدبن ملكشاه ولم يكن له شيء من السلطان في بلاد العراق نفسها بل استبد الخليفة بأمرها منذ عهد أبيه.


33- المستضيء باللَّه

هو أبو محمد الحسن بن المستنجد باللَّه وأمه أم ولد أرمينية تدعى غضة. بويع بالخلافة بعد وفاة أبيه وكان عادلاً حسن السيرة في الرعية كثير البذل للأموال غير مبالغ في أخذ ما جرت العادة بأخذه وكان الناس معه في أمن عام وإحسان شامل وطمأنينة وسكون لم يروا مثله وكان حليماً قليل المعاقبة على الذنوب محباً للعفو والصفح عن المذنبين. فعاش حميداً ومات سعيداً. وكانت وفاته ثاني ذي القعدة سنة 575 هـ .

وفي عهده انقرضت الدولة الفاطمية بمصر وظهرت الدولة الأيوبية بهمة مؤسسها المقدام صلاح الدين الأيوبي يوسف بن أيوب الذي ظهر في كنف محمود نور الدين الشهيد وكان ذلك في محرم سنة 567 حيث قطعت خطبة الخليفة العاضد لدين اللَّه واستيفاء ذلك في تاريخ مصر والذي خطب له من العباسيين هو المستضيء باللَّه.

وفي عهده توفي خوارزمشاه أيل أرسلان بن أتسز وملك بعده ابنه سلطانشاه بتدبير أمه ولما علم بذلك أخوه الأكبر علاء الدين تكش جمع العساكر وقصد خوارزم فاستولى عليها واستقل بالملك.
وفي عهده توفي الرجل العظيم ذو القدم الثابتة في فعال الخير وفي جهاد الإفرنج وهو محمود نور الدين بن زنكي وكان قد اتسع ملكه جداً وخطب له بالحرمين وبالمين ومصر وسوريا وقد طبق ذكره الأرض بحسن سيرته وعدله قال ابن الأثير في تاريخه وقد طالعت سير الملوك المتقدمين فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر ابن عبد العزيز أحسن من سيرته ولا أكثر تحريا منه للعدل، وله أخبار حسان ألفت فيها الكتب خاصة.

34- الناصر لدين اللَّه

هو أبو العباس أحمد الناصر لدين ا بن المستضيء بن المستضيء بن المستنجد وأمه أم ولد تركية اسمها زمرد.

بويع بالخلافة بعد وفاة والده المستضيء في 2 ذي القعدة سنة 575(30 مارس سنة 1180 ولم يزل خليفة إلى أن توفي في آخر ليلة من رمضان سنة 622(6 أكتوبر سنة 1225) فكانت خلافته 46 سنة وعشرة أشهر و 28 يوماً وهو أطول خلفاء بني العباس مدة ولم يزد عليه من خلفاء الفاطميين إلا المستنصر باللَّه فإنه قد ولي 60 سنة ولا من خلفاء بني أمية بالأندلس إلا عبد الرحمن الناصر فإنه ولي 50 سنة.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:23   رقم المشاركة : 57
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 تابع 3

حال الممالك الإسلامية لعهده:

كان في الأندلس وشمال أفريقيا دولة الموحدين. وفي عهد الناصر ابتدأت الدولة المرينية بمراكش أسسها عبد الحق المريني سنة 591 وهو من أعقاب الموحدين.

وكان مصر واليمن والحرمين وسوريا الدولة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة 564.

وكان بالموصل وسنجار وجزيرة ابن عمر بقايا دول الأتابكية.

وكان بقونية دول سلاجقة الروم.

وكان ببلاد الجبل والعراق من السلاجقة السلطان طغريل الثاني وهو آخر سلاجقة العراق.

وكان بخوارزم وخراسان وما إليها الدولة الخوارزمشاهية والقائم بالأمر منهم السلطان تكش بن إيل أرسلان إلى سنة 596 ثم علاء الدين محمد إلى سنة 617 ثم جلال الدين منكبرتي إلى سنة 628 وهو آخرهم.

وكان بالغور والأفغان والهند الدولة الغورية.

في عهد الناصر لدين الله انتهى ملك السلجوقيين بالعراق سنة 590 بقتل طغريل بن ألب أرسلان على يد خوارزمشاه علاء الدين تكش الذي اتسع ملكه جداً فصار ملكه ممتداً من أقاصي بلاد ما وراء النهر شرقاً إلى بلاد الري التي أخذها بعد القضاء على السلاجقة ولكن ملكه لم يكن بالري ثابتاً فإن الخليفة الناصر قد طمع أن تكون البلاد له بعد رحيل خوارزمشاه عنها فأرسل إليها جنداً مع وزيره فاستردها بعد أن حارب عسكر خوارزمشاه لكن ذلك لم يطل فإن خوارزمشاه لما بلغه ذلك رجع فحارب عسكر الخليفة وأخذ البلاد منهم، وفي سنة 596 توفي وخلفه ابنه قطب الدين خوارزمشاه محمد وزاد ملكه اتساعاً.

كان هوى خوارزمشاه بعد اتساع ملكه أن يتشرف بذكر اسمه على منابر بغداد فيخطب له بدل السلاجقة فأبى الخليفة ذلك عليه فاشتدت العداوة بينهما حتى قطع خوارزمشاه خطبة الناصر من منابر بلاده فاستحكمت حلقات الفساد وهذا الذي جعل كثيراً من المؤرخين يعتقد أن خروج التتر إنما كان باستدعاء الناصر لدين ا وليس ببعيد كان قصده على ما يظهر أن يشتغل بهم خوارزمشاه فتخف عنه وطأته وقد اعتادوا ذلك من قبل.

إغارة المغول والتتار:

من أكبر الحوادث في التاريخ الإسلامي خروج طوائف المغول والتتر إلى البلاد الإسلامية واستيلاؤهم على معظمها في آسيا وشرق أوروبا وأول فتح هذا الباب كان على يد جنكيز خان المغولي وخوارزمشاه محمد بن تكش الخوارزمي.

التتر شعب كبير من الأمة التركية ومنه تتفرق معظم بطونها وأفخاذها وهو مرادف للترك عند الإفرنج حتى إنهم يعدون قبائل الأتراك كافة تتراً ومنه العثمانيون والتركمان وقرمان وغيرهم وكانوا مشهورين عند قدماء اليونان باسم سيتيا أواسكوتيا ومؤرخو الترك ونسابوهم يقولون ألنجه خان أحد ملوك الترك في الأزمنة القديمة ولد له ولدان توأمان هما تتارخان ومغل خان نحو ربيعة ومضر في الأمة العربية.
خروج المغول إلى البلاد الإسلامية

قد أكثر المؤرخون في ذكر الأسباب التي دعت جنكيز خان وقومه للخروج إلى البلاد الإسلامية فقال بعضهم إن خوارزمشاه لما أظهر الخلاف على الناصر لدين اللَّه وقطع خطبته من بلاده وأراد أن يذهب إلى بغداد للاستيلاء عليها أرسل الناصر لدين ا إلى جنكيز خان يحرضه على الخروج إلى خوارزمشاه والتعرض لمملكته يريد بذلك أن تنكسر شوكة خوارزمشاه ويشتغل عنه بنفسه وقد سبق لخلفاء بني العباس أن فعلوا ذلك مراراً فهم الذين راسلوا بني بويه ليخلصوهم من استبداد الأتراك البغداديين وتحكمهم فيهم وهم الذين راسلوا طغرلبك شاه السلجوقي ليخلصهم من تحكم البساسيري حينما أراد تحويل الدعوة إلى المصريين الفاطميين وهم الذين راسلوا خوارزمشاه ليخلصهم من السلاجقة ولكن الفرق أن هؤلاء كلهم كانوا مسلمين وأما المغل فكانوا كفاراً ولا نبدي هذا الفرق استبعاداً للمكاتبة لأن ذلك الملك لا يبالي بما يفعل لتخليص ملكه ولم يكن الخليفة هذا الفرق استبعاداً للمكاتبة لأن ذلك الملك لا يبالي بما يفعل لتخليص ملكه ولم يكن الخليفة يبغي إلا أن المغول يشغلون عنه خوارزمشاه فتكون العداوة بين الرجلين ضامنة لاستقلاله كما أنه لم يكن يظن أن يكون من التتر ما كان لأن بينهم وبين العراق أمكنة مترامية الأطراف وبينه وبينهم ذلك الأسد الهصور ولم يكن يظن به من الضعف ما يجعله يجفل أمام جنكيز خان كالحمامة تجفل من صقرها. وهذا السبب وإن كان مطمعاً لجنكيز خان في البلاد الإسلامية ولكنه كان يتطلب سبباً آخر يبيح له فتح باب الحرب على خوارزمشاه فيقال إنه في سنة 612 أرسل رسلاً إلى خوارزمشاه وكانوا من كبار المسلمين الذين يقيمون ببلاده يطلب منه أن يعاهده لتردد التجارة من كل جانب إلى الآخر وأرسل إليه هدايا عظيمة المقدار فلما وصلت الرسل إلى خوارزمشاه أجاب إلى ذلك فرجعوا إلى جنكيز خان مسرورين من تمام ما أرسلوا له فاستبشر بذلك جنكيز خان ومكث الأمر على سداد مدة والتجار والزوار يترددون آمنين مطمئنين.

وفي سنة 615 سافر تجار من بلاد جنكيز خان حتى وصلوا إلى بلدة أترار وهي بلدة بثغر خوارزمشاه بساحل سيحون سرداريا وبها والٍ كان من قبله فلما ورد عليه هؤلاء التجار وكانوا زهاء 400 نفس ومعهم أموال جسيمة طمع ذلك الوالي في أخذ أموالهم فأرسل قاصداً إلى خوارزمشاه يخبره أن جواسيس جنكيز خان قد قدموا في زي تجار فأمره بقتلهم واستصفاء أموالهم فسارع ذلك الوالي المشؤوم إلى ذلك وأرسل إلى خوارزمشاه ما كان معهم من الأموال فأخذها وفرقها على تجار بخارى وسمرقند وأخذ منهم ثمنها. فلما بلغ علم ذلك جنكيز خان أخذه المقيم المقعد وأرسل إلى خوارزمشاه يخبر بصورة الحال ويطلب منه غاير خان ذلك الوالي ليقتص منه فلم يكن من الأحمق خوارزمشاه إلا أن قتل الرسول فلما بلغ ذلك جنكيز خان استشاط غضباً وصمم على قصده وحربه. وعلم خوارزمشاه أنه قد استهدف بعمله لحرب تلك الأمة العظيمة وزاد الطين بلة بأن جمع عساكره وسار بادئاً بالعدوان حتى وصل تخوم تركستان وهجم على بلاد عدوه فلقي هناك جموعاً قليلة متخلفة في النساء والصبيان لأن جنكيز خان كان غائباً بجنده في داخل بلاده فلم يمكن خوازرمشاه أن ينتصر على هذا العدد القليل فعلم أنَّ له يوماً ضروساً إذا تحرك عليه جنكيز خان وهو لا بد فاعل فأمر خوارزمشاه سكان تلك المدن العظيمة التي على حدود بلاده أن يجلوا عنها خوفاً عليهم من التتر وكانت من جنان الدنيا فأصبحت بذلك بلاقع وسهل بهذا العمل السبيل إلى عدوه ثم عاد. أما جنكيز خان فإنه جمع عساكره الجرارة التي تفوق عد العادين وعبر نهر سيحون وليس أمامه من يناوشه قتالاً أو يشغله عن قصده وسار حتى أتى بخارى وكان بها عشرون ألفاً من الجنود الخوارزمية فلم يكن عندهم طاقة بما دهمهم من ذلك البحر الزاخر فتركوا المدينة من غير حام فأرسل أهلها القاضي بدر الدين قاضيخان يطلب الأمان للناس فأمنهم جنكيز خان ودخل هو وجنده البلد في رابع ذي الحجة سنة 616 وأعلن أهله بأن كل ما هو للسلطان عندكم من ذخيرة وغيرها أخرجوه إلينا ثم طلب رؤساء البلد وقال لهم أريد منكم أمتعة التجار التي باعكم إياها خوارزمشاه فإنها لي ومن أصحابي أخذت وهي عندكم فأحضر كل من كان عنده شيء منها ما عنده ثم أمرهم بالخروج من البلد فخرجوا منها مجردين من أموالهم وأعمل التتر النهب وقتلوا من وجدوا فيه ثم أمرهم بالخروج من البلد فخرجوا منها مجردين من أموالهم وأعمل التتر النهب وقتلوا من وجدوا فيه ثم أمر أصحابه أن يقتسموا الناس فاقتسموهم وأصبحت بخارى تلك المدينة العظيمة خاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس.

ثم رحلوا نحو سمرقند وهي قصبة ما وراء النهر والمصر الجامع لعلمائه وأدبائه وثروته واستصحبوا معهم من سلم من أهل بخارى فساروا بهم مشاة على أقبح صورة ومن أعيا عن المشي قتل.

ولما وصلوا سمرقند كان بها خمسون ألفاً من جند خوارزمشاه فحاموا عن اللقاء لما دخل قلبهم من الرعب والخور أما أهل البلد فخرج منهم ذوو الجلد والقوة فقاتلهم العساكر الجنكيزية ظاهر البلد واحتالوا عليهم بأن تقهقروا أمامهم وأهل سمرقند يتبعونهم ويطمعون فيهم حتى أبعدوا عن معقلهم وكان المغول قد أعدوا لهم كميناً يأتيهم من خلفهم فلما جاوزوا الكمين خرجوا عليهم وحالوا بينهم وبينم البلد ورجع عليهم الباقون من الأمام فأخذهم السيف من كل جانب وقتل عظيمهم ولما رأى ذلك الباقون بالبلد من الجند والعامة ضعفت نفوسهم وأيقنوا بالهلاك فقال الجند نحن من جنس هؤلاء ولا يقتلوننا لأن الكل أتراك فطلبوا الأمان فأمنوا وفتحت البلد فخرجوا إلى التتر بأهلهم وأموالهم فطلبوا منهم أن ينزعوا أسلحتهم فنزعوها وإذ ذاك وضعوا فيهم السيف وقتلوهم عن آخرهم وفي اليوم الرابع نادوا في البلد أن لا يتأخر بها أحد ومن تأخر قتلوه وهكذا فعل التتر بسمرقند ما فعلوه ببخارى وكان ذلك في المحرم سنة 617.

ولما تم لجنكيز ملك سمرقند سير عشرين ألفاً من أشداء جنوده وقال لهم اطلبوا خوارزمشاه أين كان لو تعلق بالسماء حتى تدركوه وتأخذوه فساروا وعبروا جيحون وكان خوارزمشاه مقيماً بغربيه يستعد وقد ملىء قلبه رعباً فلما علم بقدوم التتر عليه لم ير إلا أن ينهزم عنهم قبل أن يحصل بينهم وبينه صدام وقتال ورحل لا يلوي على شيء وقصد مدينة نيسابور فلم يكد يستقر بها حتى أدركه جنود التتر فطار إلى مازندان والتتر على أثره ولم يعرجوا على نيسابور فكان كلما رحل عن منزلة نزلوها فوصل إلى مرسي من بحر طبرستان ونزل يريد قلعة له في البحر فلما نزل هو وأصحابه في السفن وصل التتر فأيسوا من اللحاق به فعادوا عنه وكان ذلك آخر العهد به.

وهذه الفرقة من التتر تسمى المغربة لأنهم ساروا إلى غرب خراسان وتشبه هذه الفرقة فرقة السلاجقة العراقيةالتي قصدت البلاد الإسلامية بالتخريب والإفساد قبل أن ينساح السلاجقة ويستولوا على البلاد ولما أيس التتر من اللحاق به ساروا إلى مازندان فملكوها في أسرع وقت مع حصانتها وصعوبة الدخول إليها وامتناع قلاعها. ثم ساروا نحو الري وقد انضم إليهم كثير من عساكر المسلمين والكفار من المفسدين من يريد النهب والشر وهم كثيرون فوصلوا إلى الري على حين غفلة من أهلها فملكوها وفعلوا بها الأفاعيل وكانوا ينهبون في طريقهم كل قرية مروا عليها. ثم ساروا إلى همذان فطلب صاحبها الأمان فأمنوه هو ومن معه ثم وصلوا إلى قزوين فدخلواها عنوا ويقال إن من قتل من أهلها يبلغون أربعين ألفاً. ثم ساروا إلى أذربيجان فوصلوا إلى تبريز وبها صاحب البلاد أوزبك بن البهلوان فلم يخرج إليهم ولا حدثته نفسه بقتالهم لاشتغاله بما هو بصدده من إدمان الشراب ليلاً ونهاراً لا يفيق وإنما أرسل إليهم وصالحهم فساروا عنه إلى ساحل البحر ليشتقوا فيه فوصلوا إلى موقان وتطرقوا في طريقهم إلى بلاد الكرك فحاربهم أهلها لكنهم انهزموا فأرسلوا إلى أوزبك خان يطلبون منه أن يتفق معهمفي دفع التتر وكذلك أرسلوا إلى الملك الأشرف بن العادل الأيوبي صاحب خلاط وديار الجزيرة يطلبون منه الانضمام إليهم وظنوا جميعاً أن التتر لا يتحركون حتى ينحسر الشتاء فلم يفعلوا ذلك بل ساروا نحو الكرج وانضاف إليهم مملوك من مماليك أوزبك اسمه أقوش وجميع أهل تلك الجبال والصحراء من التركمان والأكراد وغيرهم فاجتمع إليه خلق كثير وأرسل التتر في الانضمام إليهم فأجابوا إلى ذلك للجنسية فاجتمعوا جميعاً حتى وصلوا تفليس فاجتمعت الكرج وخرجت بحدها وحديدها لكن لم يجدهم شيئاً فانهزموا أقبح هزيمة وركبهم التتر من كل جانب فقتل منهم ما لا يحصى وكانت الوقعة في ذي القعدة سنة 617.

ولما دخلت سنة 618 كروا راجعين إلى مدينة مراغة فملكوها عنوة ووضعوا السيف على أهلها ونهبوا كل ما صلح لهم وما لا يصلح أحرقوه ثم رحلوا عنها قاصدين إربل لكنهم هابوا الهجوم عليها لخوفهم أن تجتمع الجنود عليهم من العراق وغيرها فعادوا إلى همذان وساروا إلى أذربيجان ومنها ساروا إلى دربند شروان فاستولوا على مدينة شماخي عنوة وخرجوا من الدربند إلى البلاد الشمالية وهي دشت القفجاق وفيها أمم كثيرة تركية فأمعن التتر فيهم قتلاً وسبياً والذي لقي حد هذه الحروب أمة القفجاق فكثر فيهم القتل والأسر فتفرقوا أيدي سبأ في جميع الأقطار وكان هذا أول ورود المماليك القفجاقية على البلاد المصرية فاشترى منهم الصالح نجم الدين أيوب مماليكه البحرية ملوك مصر بعد الدولة الأيوبية ومنهم المعز أيبك والمظفر قطز والمنصور قلاوون وغيرهم.

ثم قصد التتر بعد ذلك بلاد الروس فاتفق هؤلاء مع فلول القفجاق أن يكونوا يداً واحدة ضد التتر ومع هذا فكان الظفر للتتر وانهزم عنهم الروس والقفجاق أقبح هزيمة ونهب التتر بلادهم ثم عادوا عنهم وقصدوا بلغار أواخر سنة 620 فلما سمع أهل بلغار بقربهم منهم كمنوا لهم في عدة مواضع واستجروهم إلى أن جاوزوا موضع الكمناء فخرجوا عليهم من وراء ظهورهم فقتل منهم كثير.

هذه أخبار طائفة صغيرة من طوائف التتر وما فعلته.

أما جنكيز خان فإنه لما سير تلك الطائفة لطلب خوارزمشاه أقام بسمرقند وهناك سير جيشاً عليه أحد أولاده لملك خراسان فعبروا النهر وقصدوا مدينة بلخ فطلب أهلها الأمان وتسلموا البلد سنة 617 ولم يتعرضوا له بنهب ولا قتل بل جعلوا فيه شحنة ثم صاروا يستولون على تلك البلاد شيئاً بعد شيء دون صعوبة أو مقاومة ولذلك لم يكونوا يتعرضون لأهلها بسوء ولا أذى سوى أنهم كانوا يأخذون الرجال ليقاتلوا بهم من يمتنع عليهم ولم يمض إلا القليل حتى دخل معظم البلاد الفارسية تحت حكم التتر.

وأرسل جيشاً آخر وجهته الشمال ليملك دشت القفجاق وكان الأمر قد تهيأ لهم بها لما فعله التتر المغربة من إضغاف القوى التي كانت بهاتيك البلاد على أنها لم تكن قوى مجتمعة يخشى بأسها بل كانوا طوائف شتى لا جامعة لهم فسهل على الجيش الجنكيزي أن يستولي على الدشت كله في أسرع ما يمكن.

فتم بذلك لجنكيز خان مملكة عظيمة واسعة مترامية الأطراف تبتدىء شرقاً من بلاد الصين وتنتهي غرباً إلى بلاد العراق وبحر الخزر وبلاد الروس وجنوباً ببلاد الهند وشمالاً بالبحر الشمالي كل ذلك تم له في مدة قصيرة.

ولما أحس بقرب منيته قسم الممالك الجنكيزية إلى أربعة أقسام بين أبنائه الأربعة وهم جوجي وجغطاي وتولى وأوكداي.

فجعل دشت قفجاق بأسرها وبلاد الداغستان وخوارزم وبلغار والروس وما يؤمل أخذه إلى منتهى المعمورة وسواحل البحر الغربي لولده الأكبر جوجي.

وجعل بلاد ايغور والتركستان وما وراء النهر بأسره لولده الثاني جغطاي.

وجعل خراسان وما يؤمل أخذه من ديار بكر والعراقين إلى منتهى حوافر خيولهم لولده الثالث تولى خان.

وجعل بلاده الأصلية والخطا والصين إلى منتهى المعمورة الشرقي لولده الرابع أوكداي وجعله ولي عهده من بعده ويصير قاآناً على الكل أو ملك الملوك وهو عندهم بمنزلة الخليفة عند المسلمين وأمر الباقين بمتابعته وكذا كل من يصير قاآناً من ذريته يجب على الباقين طاعته ومن أتباعه ومن خالفه يجب على الباقين حربه حتى يفيء إلى يساق جنكيز خان.

هكذا قدر للرجل لعظم همته أن يملك أولاده الدنيا بأسرها ولا يبقى فيها لغيرهم كلمة ولا سلطان ولولا ما حصل من الخلاف بعده لتم كل ما توقعه.

وفي سنة 624 أدركته منيته وكان الخليفة العباسي حين وفاته المنصور المستنصر باللَّه بن محمد الظاهر.

وجد من آل جنكيز خان أربعة بيوت ورثت الملك وتممت الفتح حتى تهيأ لها أن تملك معظم بلاد المسلمين وجزءاً من أوروبا.

وبيت تولي هو الذي كان على يده سقوط الخلافة العباسية ببغداد وامتداد سلطان التتر على الجزيرة والشام وبلاد الروم وسنذكر ذلك في حينه.

حصلت هذه الحوادث الكبرى وخليفة بغداد لاه بما هو فيه من عسف الناس وظلمهم فقد كان قبيح السيرة في رعيته ظالماً فخرب في أيامه العراق وتفرق أهله في البلاد وأخذ أملاكهم وأموالهم وكان كثيراً ما يفعل الأشياء ثم ينقضها وجعل جل همه في رمي البندق والطيور المناسيب وسراويلات الفتوة فبطلت الفتوة في البلاد جميعاً إلا من يلبس منه سراويل يدعى إليه ولبس كثير من الملوك منه سراويلات الفتوة وكذلك منع الطيور المناسيب لغيره إلا ما يؤخذ من طيوره ومنع الرمي بالبندق إلا من ينتمي إليه. هذه كانت مشاغله العجيبة والتتر يمعنون في بلاد المسلمين قتلاً وأسراً وتخريباً ومع ذلك أثنى عليه ابن طباطبا في تاريخه الموسوم بالفخري ثناء جماً ومن ضمن ما وصفه به أنه كان يرى رأي الإمامية والظاهر أن هذا هو الذي حببه إلى المؤرخ المذكور.
بقي الناصر في أواخر أيامه ثلاث سنين عاطلاً عن الحركة وقد ذهبت إحدى عينيه والأخرى يبصر بها إبصاراً ضعيفاً وفي آخر الأمر أصابته دوسنطاريا عشرين يوماً وكانت بها منيته.

35- الظاهر بأمر اللَّه

ترجمته:

هو أبو نصر محمد الظاهر بأمر اللَّه بن الناصر بويع بالخلافة عقب موت أبيه وكان ولي عهده واستمر خليفة إلى 14 رجب سنة 623 فكانت خلافته تسعة أشهر و 14يوماً.

ولما ولي أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سنة العمرين قال ابن الأثير فلو قيل إنه لم يل الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادقاً فإنه أعاد من الأموال المغصوبة في أيام أبيه وقبله شيئاً كثيراً وأطلق المكوس في البلاد جميعها وأمر بإعادة الخراج القديم في جميع العراق وأن يسقط جميع ما جدده أبوه وكان كثيراً لا يحصى. ولما أمر بأخذ الخراج الأول من جميع البلاد حضر كثير من أهل العراق وذكروا أن الأملاك التي كان يؤخذ منها الخراج قديماً قد يبس أكثر أشجارها وخربت ومتى طولبوا بالخرج الأول لا يفي دخل الباقي بالخراج فأمر ألا يأخذ الخرج إلا من كل شجرة سليمة وأما الذاهب فلا يؤخذ منه شيء ومن أعماله أن المخزن كان له صنجة الذهب تزيد على صنجة البلد نصف قيراط يقبضون بها المال ويعطون بالصنجة التي للبلد يتعامل بها الناس فسمع بذلك فخرج خطه إلى الوزير وأوله {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم} قد بلغنا كذا وكذا فتعاد صنجة المخزن إلى الصنجة التي يتعامل بها المسلمون واليهود والنصارى فكتب بعض النواب إليه يقول إن هذا مبلغ كبير وقد حسبناه فوجدنا في السنة الماضية 35 ألف دينار فأعاد الجواب ينكر على القائل ويقول لو أنه 350 ألف دينار يطلق وكذلك أيضاً فعل في إطلاق زيادة الصنجة التي للديوان وهي في كل دينار حبة وتقدم إلى القاضي كل من عرض عليه كتاباً صحيحاً بملك يعيده إليه من غير إذن ومنها أن العادة كانت في بغداد أن الحارس بكل درب يبكر ويكتب مطالعة في الخليفة بما تجدد في دربه من اجتماع الأصدقاء ببعض كل نزهة أو سماع أو غير ذلك ويكتب ما سوى ذلك من كبير وصغير فكان الناس من هذا في حجر عظيم فلما ولي الظاهر أتته المطالعات على العادة فأمر بقطعها وقال أي غرض لنا في معرفة أحوال الناس في بيوتهم فلا يكتب أحد لنا إلا ما يتعلق بمصالح دولتنا فقيل له إن العامة تفسد بذلك ويعظم شرها قال إنا ندعو اللَّه أن يصلحهم ومنها أنه لما ولي الخلافة وصل صاحب الديوان من واسط وكان قد سار إليها أيام الناصر لتحصيل الأموال فأصعد ومعه ما يزيد على مائة ألف دينار وكتب مطالعة تتضمن ذكر ما معه ويستخرج الأمر في حمله فأعاد الجواب بأن يعاد إلى أربابه فلا حاجة لنا إليه فأعيد عليهم. ومنها أنه أخرج كل من كان في السجون وأمر بإعادة ما أخذ منهم وأرسل إلى القاضي عشرة آلاف دينار ليعطيها عن كل من هو محبوس في حبس الشرع وليس له مال.

ولم يزل كل يوم يزداد من الخير والإحسان إلى الرعية فجدد من العدل ما كان دارساً وأذكر من الإحسان ما كان منسياً. وقبل وفاته أخرج توقيعاً إلى الوزير بخطه عن أرباب الدولة وقال الرسول: أمير المؤمنين يقول ليس غرضنا أن يقال برز مرسوم أو نفذ مثال ثم لا يبين له أثر بل أنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال. وقد قرىء التوقيع فإذا في أوله بعد البسملة (اعلموا أنه ليس إمهالنا إهمالاً ولاإغضاؤنا إغفالاً ولكن لنبولك أيكم أحسن عملاً وقد عفونا لكم ما سلف من إخراب البلاد وتشريد الرعايا وتقبيح الشريعة وإظهار الباطل الجلي في صورة الحق الخفي حيلة ومكيدة وتسمية الاستئصال والاجتياح استيفاء واستداراً كالأغراض التي انتهزتم فرصها مختلسة من براثن ليث باسل وأنياب أسد مهيب تنفقون بألفاظ مختلفة على معنى وأنتم أمناؤه وثقاته فتميلون رأيه إلى هواكم وتمزجون باطلكم بحقه فيعطيكم وأنتم له عاصون ويوافقكم وأنتم له مخالفون والآن قد بدل اللَّه سبحانه بخوفكم أمناً وبفقركم غنى وبباطلكم حقً ورزقكم سلطاناً يقيل العثرة ولا يؤاخذ إلا من أصر ولا ينتقم إلا ممن استمر يأمركم بالعدل وهو يريده منكم وينهاكم عن الجور وهو يكرهه لكم يخاف اللَّه ويخوفكم مكره ويرجو اللَّه تعالى ويرغبكم في طاعته فإن سلكتم مسالك نواب خلفاء اللَّه في أرضه وأمنائه على خلقه وإلا هلكتم والسلام ).

ولم تتمتع الأمة بهذا الخليفة طويلاً فإنه لحق بربه قبل أن تمر سنة على خلافته.


36- المستنصر بالله

ترجمته:

هو أبو جعفر المنصور المستنصر باللَّه بن الظاهر.

بويع بالخلافة يوم وفاة والده 14 رجب سنة 623(11 يولية سنة 1226) واستمر في الخلافة إلى أن توفي لعشرين خلون من جمادى الآخرة سنة 640(5 ديسمبر سنة 1243) فكانت خلافته 17 سنة إلا شهراً.

كان المستنصر شهماً جواداً يباري الريح كرماً وجوداً وله الآثار الجليلة في بغداد منها وهي أعظمها المدرسة المستنصرية على شط دجلة من الجانب الشرقي مما يلي دار الخلافة وبنى غيرها من القناطر والخانات والربط ودور الضيافة وكان يقول إني أخاف ألا يثيبني اللَّه على ما أهبه وأعطيه لأن اللَّه تعالى يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وأنا واللَّه لا فرق عندي بين التراب والذهب.

ولما ولي سلك في الخير والإحسان إلى الناس سيرة أبيه وأمر فنودي ببغداد بإفاضة العدل، وأن من كانت له حاجة أو مظلمة يطالع بها تقضي حاجته وتكشف مظلمته.

وفي عهده توفي ملك المغول الكبير جنكيز خاز سنة 624 وحل محله في بلاد خراسان وما وراءها ابنه تولي خان فوسع مملكته إلى الغرب وأرسل فرقة إلى بلاد أذربيجان فملكتها وأجلت عنها جلال الدين مكبرتي وخافهم أهل أذربيجان خوفاً شديداً ولم يكن أمامهم من يرد غائلتهم بعد جلال الدين الذي لم يجد له نصيراً لأنه وتر الملوك المجاورين له طراً.

قال ابن الأثير تعليقاً على هذه الحال: (فما نرى من ملوك الإسلام من له رغبة في الجهاد ولا نصرة الدين بل كل منهم مقبل على لهوه ولعبه وظلم رعيته وهذا أخوف عندي من العدو قال اللَّه تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة).

وكان مقتل جلال الدين في منتصف شوال سنة 628 قتل شريداً طريداً لم يفده هذا الملك العظيم الذي ورثه عن أبيه، وبهلاكه تم للمغول ملك جميع البلاد الفارسية إلى حدود العراق ولم يتهيأ للملوك أن يتفقوا ضد هذا العدو الشديد المراس بل كانوا فيما بينهم مختلفين يغير بعضهم على بعض وعن عدوهم لاهون غافلون. صار العراق ينتظر النكبة منهم من أن لآن وخليفة بغداد مستسلم للحوادث مدل بمركزه الديني.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:25   رقم المشاركة : 58
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1

37- المستعصم

ترجمته:

هو أبو أحمد عبد اللَّه المستعصم باللَّه بن المستنصر بن الظاهر بن الناصر بن المستضيء بن المستنجد بن المقتفي بن المستظهر بن المقتدي بن محمد الذخيرة بن القائم بن القادر بن إسحاق بن المقتدر بن المعتضد بن طلحة بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهتدي بن المنصور ففي آبائه سبعة عشر خليفة.

بويع بالخلافة بعد وفاة أبيه المستنصر باللَّه في عاشر جمادى الآخرة سنة 640(6 ديسمبر سنة 1242 ولم يزل خليفة إلى أن قتل بين يدي هولاكو خان في 20 محرم سنة 656(27 يناير سنة 1258 وبقتله انتهت الخلافة العباسية.

قال ابن طبابا كان المعتصم رجلاً خيراً متديناً لين الجانب سهل العريكة عفيف اللسان والفرج حمل كتاب اللَّه تعالى وكتب خطاً مليحاً وكان سهل الأخلاق وكان خفيف الوطأة إلا أنه كان مستضعف الرأي ضعيف البطش قليل الخبرة بأمور المملكة مطموعاً فيه غير مهيب في النفوس ولا مطلع على حقائق الأمور وكان زمانه ينقضي أكثر بسماع الأغاني والتفرج على المساخرة وفي بعض الأوقات يجلس بخزانة الكتب جلوساً ليس فيه كبير فائدة وكان أصحابه مستولين عليه وكلهم جهال من أرذال العوام إلا وزيره مؤيد الدين دين محمد بن العلقمي فإنه كان منأعيان الناس وعقلاء الرجال وكان مكفوف اليد مردود القول يترقب العزل والقبض صباح مساء.


حال التتر

قلنا قيما تقدم إن جنكيز خان لما حانت منيته قسم ممالكه إلى أقسام أربعة بين أولاده ومنهم تولي خان بعمل له خراسان وما يؤهل أخذه من ديار العراقين إلى منتهى حوافر خيولهم وقد استمر تولي في مملكته الجديدة يتوسع في الفتح ويمد بلاده إلى الغرب ويستنزل ملوك فارس عن تخوتها حتى توفي سنة 654 في عهد المستعصم باللَّه وكانت حدود بلاده تنتهي عند بلاد العراق فحلفه في الملك ابنه هولاكو خان حفيد جنكيز خان فأهمه التوسع في الفتح وأخذ بغداد وكان بها من يحب ذلك:

قال المؤرخون إن أهل السنة والشيعة الذين يتألف منهم جمهور البغداديين كانوا في نزاع مستمر وقد أدى هذا النزاع بينهم إلى حروب وشدائد رائدها الجهل والغفلة عن المصالح وكان وزير المستعصم من رجال الشيعة فكان يسؤوه ما يلقاه أهل مذهبه من اضطهاد أهل السنة الذين هم الجمهور الأكبر وكان يزيد في مساءته أن أهل البيت العباسي كانوا يساعدون أهل السنة لأنهم عماد بيتهم والشيعة يريدون خروج الأمر منهم وقد حصل في أواخر عهد المستعصم أن أغار أهل السنة على الكرخ وهو محلة الشيعة فأهانوا أهله وأسرفوا في قتلهم ونهب دورهم وكان ذلك بأمر أبي بكر أحد أولاد الخليفة المستعصم فيقال إن الوزير كاتب هولاكو يحرضه على قصد بغداد ويطمعه فيها وجل رغبته أن تسقط الخلافة العباسية ولا يهمه بعد سقوط عدوه من تولى الملك بعده فكانت تلك المكاتبة مما ساعد هولاكو على تنفيذ رغبته وأكثر المؤرخين يتهمون ابن العلقمي بهذه التهمة الشنيعة حتى نقل ابن الوردي في تاريخه ما يؤكد هذه التهمةوهو رسالة أرسلها ابن العلقمي إلى وزير إربل منها أنه قد نهب الكرخ المكرم وقد ديس البساط النبوي المعظم وقد نهب العترة العلوية واستؤسرت العصابة الهاشمية.

وكن لما أقول بالمرصاد وتأويل أول النجم واحرص واللَّه أعلم.

وابن طباطبا العلوي يبعد هذه التهمة عن ابن العلقمي قال في تاريخه وقد نسبه الناس إلى أنه خامر وليس ذلك بصحيح ومن أقوى الأدلة على عدم مخامرته سلامته في هذه الدولة فإن السلطان هولاكو لما فتح بغداد وقتل الخليفة سلم البلد إلى الوزير وأحسن إليه وحكمه فلو كان قد خامر على الخليفة لما وقع الوثوق إليه أه واللَّه أعلم بمقدار هذا البرهان في الإنتاج.

سارت جيوش هولاكو الجرارة قاصدة بغداد وفي منتصف محرم سنة 656 نزل بنفسه على باب بغداد وأعد عدة الحصار ولم يكن عند الخليفة ما يدفع به ذلك السيل الجارف واكتفى بإقفال الأبواب فجد المغول في القتال حتى ملكوا الأسوار بعد حصار لم يزد على عشرة أيام وبملك الأسوار تم لهم ملك البلد.

ولما رأى الخليفة ذلك استأذن أن يخرج إلى هولاكو فأمر هولاكو أن ينزل باب كلواذي أحد أبواب بغداد وشرعت جنوده في نهب تلك المدينة التي كانت حاضرة الإسلام كله ثم تقدم بإحضار الخليفة فأحضره ومثل بين يديه وقدم لهولاكو جواهر نفيسة ولآليء ودرراً معبأة في أطباق ففرق هولاكو ذلك على أمرائه.

وفي رابع عشر صفر سنة رحل عن بغداد واستصحب معه الخليفة وفي أول مرحلة قتله هو وابنه الأوسط مع ستة نفر من الخصيان وقتل ابنه الكبير ومعه جماعة من الخواص على باب كلواذي وبهذا لقتل كسفت شمس الخلافة العباسية من بغداد بعد أن مكثت مشرقة سة واشتفت قلوب العلويين من بني عمهم بما حل بهم من هذا الخراب والدمار.

أما بغداد دار الخلافة وعاصمة الملك فقد جرى عليها ما جرى على سواها من أمهات المدن الإسلامية فقد قتل معظم أهلها وقيل منهم من نجا وقد استبقى المغولي جماعة من الشيعة والنصارى وسكان بغداد بعد أن أفنى أكثر أهلها قوم جاءوا مع هولاكو ومن أقطار شتى وصارت حاضرة دولة لا تدين بدين بعد أن كانت عاصمة المسلمين.


حال الدولة الإسلامية

عند سقوط الدولة العباسية

(1)كانت بغرناطة من البلاد الأندلسية دولة بني نصر والقائم بالأمر منها مؤسسها محمد الغالب باللَّه بن نصر (629-671) .

(2) بشمال إفريقية دولة الموحدين والقائم بالأمر منهم أبو حفص عمر المرتضى بن إسحاق بن يعقوب يوسف بن عبد المؤمن (646-665). .

(3) وبالجزائر الدولة الزيانية والقائم بالأمر منهم بغمواسن بن زيان مؤسس الدولة ( 633-681).

(4) وبتونس الدولة الحفصية والقائم بالأمر منهم أبو عبد اللَّه محمد المستنصر باللَّه أي زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص (647-675).

(5) وبمراكش الدولة المرينية والقائم بالأمر منهم أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق .

(6) وبمصر دولة المماليك البحرية والقائم بالأمر منهم المنصور نور الدين علي بن المعز عز الدين أيبك (655-658)..

(7) وباليمن الدولة الرسولية والقائم بالأمر منهم المظفر بن يوسف بن المنصور عمر بن علي بن رسول (647-675).

(8) وبصنعاء من أئمة الزيدية المتوكل شمس الدين أحمد (656-680) .

(9) وبالروم من السلاجقة ركن الدين قليج أرسلان الرابع (655-666) .

(10) وبماردين من الدولة الأرتقية نجم الدين غازي السعيد (637-658) .

(11) وبفارس من الأتابكية السلغرية أبو بكر بن سعد بن زنكي بن مودود (633-658) .

(12) وبلورستان من الأتابكية الهزار سبية دكلا بن هزار سب (650-657). .

(13) وبكرمان من دولة قتلغ خان قتلغ خاتون (655-681).


إجمال القول في الدولة العباسية:

تولى العباسيون الخلافة الإسلامية سنة 132 حيث بويع لأولهم أبي العباس عبد اللَّه السفاح بالكوفة واستمرت خلافتهم إلى سنة 656 حيث سقط عبد اللَّه المستصم قتيلاً بين يدي هولاكو خان المغولي في أعقاب جنكيز خان موحد التتر الخارج بهم إلى بلاد الإسلام. جاءت الرايات السود من المشرق فأقعدت بني العباس على عشر بني أمية وجاءت رايات التتر من المشرق فثلت عرشهم من بغداد زهرة المشرق وجنة الدنيا فمن الشرق أشرق كوكب سعدهم ومن الشرق ظهر نجم نحسهم استمرت خلافتهم 524 سنة استخلف فيها منهم 37 خليفة فمتوسط ملك الخليفة منهم نحو 14 سنة وأكبر مدة قام فيها خليفة عباسي 46 سنة وأقلها سنة فما دونها.

مكثت الدولة العباسية100 سنة لخلفائها الكلمة العليا والسيادة التامة على جميع العالم الإسلامي ما عدا بلاد الأندلس يقولون فيسمع لهم ويأمرون فيأتمر الناس ولا يجسر أحد على مخالفتهم والوقوف في وجه جنودهم إلا منافسيهم في القرب من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهم بنو عمهم من آل أبي طالب وبعض الخوارج الذين كانت تخبو نارهم حيناً وتلمع ثم تجيء القوة العباسية الهائلة على ذلك بسرعة.

وقام في هذا العصر الباهر من العباسيين ثمانية خلفاء وهم السفاح والمنصور والمهدي والرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق متوسط خلافة الواحد منهم اثنتا عشرة سنة ونصف وينتهي هذا الدور بوفاة الواثق سنة 232.

ثم جاء بعد ذلك قرن آخر من 232 إلى 234 أخذت الدولة فيه في النزول شيئاً فشيئاً وضعف تلك المكانة التي كانت لهم في نفس الأمم الإسلامية واجترأ الأمراء بالأطراف على الاستقلال وصار أمر العباسيين يضمحل حتى لم يبق بيدهم إلا العراق وفارس الأهواز وهذه مملوءة بالاضطراب والفتن وآل الأمر إلى أن يتولى بغداد مملوك تركي أو ديلمي يطلق عليه أمير الأمراء له النفوذ التام والسلطان المطلق والولاية العامة وليس للخلافة من الأمر شيء.

قام في هذا العصر اثنا عشر خليفة. وهم المتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهدي والمعتمد والمعتضد والمكتفي والمقتدر والقاهر والمتقي والمستكفي الذي ملك بنو بويه في آخر عهده ومتوسط خلافة الواحد منهم ثماني سنوات ونصف ولم يمت منهم موتاً هادئاً إلا أربعة والباقون خرجوا من الخلافة بين قتيل ومخلوع. وكان استيلاء بني بويه على بغداد سنة 334.

جاء بعد ذلك دور ثالث من 334 إلى 447 ليس للخليفة فيه إلا اسم الخلافة والسلطان الفعلي لأمة فارسية هي الأمة الديلمية التي يمثلها السلطان من بين بويه يقيم ببغداد فصار الخليفة كأنه موظف لهم يتناول منهم ما يقوم بأوده وليس له تصرف ولا نفوذ يؤمر فيأتمر ويفعل ما يراد منه لا ما يريد وليس له على أنفس المالكين شيء من السلطان الديني لمباينتهم له في العقيدة فقد كانوا شيعة غلاة يدينون بفضل علي وآل بيته على من عداهم وإنما رضوا ببقاء الخليفة العباسي ليكون أمره عليهم هيناً يبقونه حتى رأوا في بقائه خيراً لهم ويعزلونه أو يقتلونه متى رأوا في ذلك مصلحتهم.

وقد قام في هذا الدور المستكفي المطيع والطائع والقادر والقائم ومتوسط مدة الخليفة منهم 22 سنة ونصف والقائم هو حلقة الاتصال بين هذا الدور والذي يليه والثلاثة الأولون من خلفاء هذا الدور خلعهم بنو بويه.

جاء بعد ذلك دور آخر من سنة 447 إلى سنة 590 انتقل السلطان الفعلي فيه إلى أمة تركية يمثلها سلطان من آل سلجوق يقيم ببلاد الجبل لا في بغداد وكان بنو العباس مع هذه الدولة أحسن حالاً منهم مع بني بويه فإن هؤلاء كانوا يحترمون الخلفاء تديناً وكانوا يبدون لهم من مظاهر التعظيم والإجلال ما يقضي به منصبهم الديني.

وقد ولي في هذا الدور المقتدي والمستظهر والمسترشد والراشد والمقتفي والمستنجد والمستضيء ومتوسط خلافة الواحد منهم نحو عشرين سنة ونصف ولم يكن الخلفاء في هذه المدة على حال واحد فإنهم من عده المسترشد شرعوا يستردون شيئاً من نفوذهم الفعلي في بغداد والعراق والذي ساعدهم على ذلك بعد آل سلجوق عنهم وتفرقهم ووقوع الحرب بينهم وقد تم استبدادهم بأمر العراق في عهد المقتفي وانقضت دولة السلاجقة سنة 490 على يد خوارزمشاه ونفوذهم في العراق قد اضمحل تماماً.

مكث العباسيون بعد سقوط الدولة السلجوقية 66 سنة لم يكونوا فيها تحت سلطان أحد بل كانوا مستقلين بملك العراق إلى أن قام المغول والتتار بحركتهم التي ابتدأت بأقصى تركستان وعصف ريحهم على البلاد الإسلامية فأخذ أنفاس الدولة العباسية وأزالها من بغداد على يد هولاكوا خان حفيد جنكيز خان سنة 656.

فللدولة العباسية أدوار

100سنة عصر القوة والعمل من(132-232)

102 سنة عصر استبداد المماليك الأتراك من (232-334)

113 سنة عصر استبداد الملوك من آل بويه من (334-447)

83 سنة عصر استبداد الملوك من آل سلجوق من (447-530)

126 سنة عصر استعادة العباسيين شيئاً من نفوذهم السياسي مع تغلب القواد من (530-656)

ونريد أن نوضح هنا الأسباب الرئيسية التي أدت بهذه القوة الهائلة إلى الضعف ثم التلاشي.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:27   رقم المشاركة : 59
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 دولة المماليك

قيـــام دَولَة الممَاليك

كان الترك الذين يؤسرون في الحروب يشكلون أكبر نسبة للرقيق وكانوا يجلبون من بلاد ما وراء النهر إذ كانت تلك الجهات مسرحاً دائماً للقتال وتمتد بلاد الترك إلى ما بعد تلك المناطق كثيراً حيث تتوغل إلى منغوليا وغيرها من بلدان أواسط آسيا، وتصل إلى بلاد الأفغان اليوم ونواحي واسعة من سيبيريا، وتتجه تلك الأقوام باستمرار نحو الغرب وتصطدم مع المسلمين، وتكون أعداد من الأسرى كبيرة، وإن كانت جموع أخرى تدخل ديار الإسلام ثم لا تلبث أن تدين بديانة أهل البلاد، وتعمل بعدئذٍ على نشر الإسلام ومحاربة أبناء جلدتها أيضاً، ومن هؤلاء السلاجقة والتركمان العز ثم العثمانيون و....

ثم غدا الصقالبة مصدراً آخر للرقيق، وكان يؤتى بهم من شرقي أوروبا إلى ألمانيا وفرنسا وايطاليا والأندلس حيث يباعون، وعمل اليهود في تجارة الرقيق وحصلوا على أموال وفيرة من وراء هذه التجارة، وغدت بعض الأسواق في أوروبا لهذا الرقيق الذاهب إلى البلدان الإسلامية وبيزنطة. "فإذا قدم بالمملوك تاجره، عرضه على السلطان فيشتريه ويجعله في طبقة جنسه، ويسلّمه إلى المختص برسم الكتابة، فأول ما يبدأ به تعليمه ما يحتاج إليه من القرآن الكريم. ولكل طائفة فقيه يأتيها كل يوم، ويأخذ في تعليمها القرآن، ومعرفة الخط والتمرين بآداب الشريعة الإسلامية، وملازمة الصلوات والأذكار. وصار الرسم إذ ذاك ألا تجلب التجار إلا المماليك الصغار، فإذا شبّ الواحد من المماليك، علّمه الفقيه شيئاً من الفقه، وأقرأه فيه مقدمة، فإذا صار إلى سن البلوغ أخذ في تعليمه فنون الحرب من رمي السهام ولعب الرمح ونحو ذلك، فيتسلّم كل طائفةٍ معلم حتى يبلغ الغاية في معرفة ما يحتاج إليه. وإذا ركبوا إلى لعب الرمح أو رمي النشاب، لا يجسر جندي ولا أمير أن يحدّثهم أن يدنو منهم، عند ذلك ينقل إلى الخدمة، وينتقل في أطوارها رتبةً بعد رتبةٍ إلى أن يصير من الأمراء، فلا يبلغ هذه إلا وقد تهذّبت أخلاقه، وكثرت آدابه، وامتزج تعظيم الإسلام وأهله بقلبه، واشتدّ ساعده في رماية النشاب، وحسن لعبه بالرمح، ومرن على ركوب الخيل. وقد كان لهم خدام وأكابر من النواب يفحصون الواحد منهم فحصاً شافياً ويؤاخذونه أشد المؤاخذة، ويناقشونه على حركاته وسكناته، فإن عثر أحد مؤدبيه الذي يعلمه القرآن، أو رأس النوبة الذي هو حاكم عليه، على أنه اقترف ذنباً، أو أخلّ برسم، أو ترك أدباً من آداب الدين أو الدنيا قابله على ذلك بعقوبةٍ شديدةٍ بقدر جرمه. فلذلك كانوا سادةً يدبّرون الممالك، وقادةً يجاهدون في سبيل الله، وأهل سياسةٍ يبالغون في إظهار الجميل ويردعون من جار أو تعدّى".

كان هذا الوضع أيام الأيوبيين، ولم يختلف عند أيام المماليك إذ أخذوا عنهم كثيراً من تقاليدهم ونظمهم ولا غرابة في ذلك فهم ساداتهم.

وكان الملك الصالح نجم الدين أيوب الملك الأيوبي السابع قد استكثر من المماليك الذين نسبوا إليه كالعادة - فهم المماليك الصالحية، وذلك خوفاً من اجتماع الملوك الأيوبيين عليه وخاصةً عمه اسماعيل، وقد أعطى هذا الملك الصالح الحرية لمماليكه هؤلاء حتى ضجّ منهم الناس فاضطر أن يبعدهم عن السكان فبنى لهم قلعةً خاصةً بجريرة الروضة عام 638، واتخذ من هذه القلعة مقراً لحكمه، وقد عرف هؤلاء المماليك بالبحرية إضافةً إلى الصالحية، والبحرية نسبةً إل جزيرة الروضة، وإن كانت هذه النسبة ليست خاصةً بهم إذ أطلقت على كثيرين غيرهم إذ جلبوا مما وراء البحار وخاصةً الصقالبة الذين جيء بهم عن طريق البحر.

توفي الملك الصالح نجم الدين أيوب وهو يقاتل الصليبيين عام 647، وكتمت زوجته شجرة الدر نبأ وفاته حتى وصل إلى مصر ابنه توران شاه الذي استدعته حيث قاد بنفسه قتال الصليبيين، على حين كانت هي تدير أمور المملكة وشؤون القتال باسم زوجها المتوفى ولا يعلم أحد خبر وفاته. ووصل الصليبيون إلى المنصورة، وجيوش المسلمين تتراجع، فجمع الأمير بيبرس البندقداري جماعة من المسلمين وقادهم وتمكن من إبادة الصليبيين الغزاة. كما قاد الأمير فارس الدين أقطاي المملوكي المماليك وهاجم الصليبيين وانتصر عليهم حتى أيقنوا بعدم إمكانية البقاء فانسحبوا إلى دمياط.

كان توران شاه قد وصل من بلاد الشام وقد الجيوش بنفسه واضطر لويس التاسع ملك فرنسا إلى طلب المهادنة والصلح بعد أن وقع أسيراً بأيدي المسلمين، وانتهت الحملة الصليبية السابعة حيث انسحب الملك لويس التاسع إلى عكا، ودفع جزيةً كبيرةً وفداءً له.

اختلف توران شاه مع المماليك فقتله الأميران فارس الدين أقطاي وبيبرس البندقداري عام 648، كما كان قد اختلف مع زوجة أبيه شجرة الدرّ التي عادت السلطة إليها بعد مقتل ابن زوجها، فعيّنت عزالدين أيبك، ثم تنازلت له بعد أن تزوجت به. وفي هذه الأثناء انسحب الفرنسيون من دمياط.

غضب الأيوبيون من سيطرة عزالدين أيبك، وسار الملك الناصر يوسف(1) صاحب حلب إلى دمشق فدخلها، وزحف نحو مصر غير أن عزالدين أيبك قد تمكن من ردّه وتحالف مع الملك لويس التاسع خوفاً من مداهمة الأيوبيين لمصر.





_______________________________________

(1) الملك الناصر يوسف ابن الملك العزيز محمد ابن الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف الأيوبي.



أرسل هولاكو وفداً إلى عزالدين أيبك وفي الوقت نفسه أرسل إلى الملك الناصر يوسف.

عمل عزالدين أيبك الملك المعزّ على إنهاء معارضة الأيوبيين، بأن جعل أميراً أيوبياً بجانبه وقد اختار لهذه الإمرة طفلاً لا يزيد على السادسة من عمره، وهو الأشرف موسى بن يوسف بن المسعود بن الكامل، وكان جده المسعود صاحب اليمن، وهو المعروف باقسيس، أما أبوه فقد عاش في كنف الملك الصالح نجم الدين أيوب، لكن هذا الطفل لم يلبث أن توفي، غير أن هذه الطريقة لم تنطل على الأيوبيين فاستمرت المعارضة فأعلن أيبك ارتباط مصر بالخلافة العباسية وأن يحكمها نيابةً عن الخليفة العباسي المستعصم الذي بدأ يخطب له.

استمر الملك الأيوبي الناصر يوسف في معارضته لعزالدين، وعرض على ملك فرنسا لويس التاسع المقيم في عكا مساعدته مقابل تسليمه بيت المقدس غير أن الملك المعز قد هدد لويس التاسع بقتل الأسرى الصليبيين في مصر جميعهم إن اتفق مع الناصر يوسف، وفي الوقت نفسه عرض عليه التحالف معه مقابل أن يتنازل له عن نصف الفدية المقررة عليه، فرأى بعدئذٍ الملك لويس التاسع أن يقف على الحياد بين الطرفين مستفيداً من خصومتهما بعضهما لبعض أو عمل على التحريض بينهما.

زحف الملك الأيوبي الناصر يوسف على مصر، والتقى مع المماليك عند بلدة العباسة وأحرز النصر في بداية الأمر غير أنه قد هزم في الجولة الثانية إذ انضم جزء من مماليكه إلى المماليك، وفر الأيوبيون من الميدان، ورأى الملك المعز عزالدين أيبك ملاحقتهم، وعرض على ملك فرنسا الصليبي لويس التاسع دعمه مقابل تسليمه بيت المقدس إن أخذها، ورأى لويس التاسع الصليبي رجحان جانب المماليك فانضم إليهم حيث لم يرغب أن تفوته هذه الفرصة واحتل يافا بينما سار المماليك بإمرة فارس الدين أقطاي إلى غزة وكذا سار الملك الناصر يوسف نحو غزة ولكن لم تحدث لقاءات لأن الخليفة المستعصم قد أصلح بين الطرفين بحيث تكون مصر وجنوبي فلسطين بما فيها غزة وبيت المقدس للمماليك وتكون بقية بلاد الشام للأيوبيين وذلك عام 651، وبذا لم يسلّم المماليك بيت المقدس للصليبيين فلم خاب أمل الملك لويس التاسع عاد إلى فرنسا عام 652 وقد اضطر إلى ذلك إذ توفيت والدته التي كانت تحكم له فرنسا وباسمه.

قامت في هذه الأثناء حركة في الصعيد ضد المماليك وقد تزعمها شريف يُدعى حصن الدين إلا أن أيبك قد وجّه لهم قوةً بإمرة فارس الدين أقطاي فاستطاع أن يقمعها.

أصبح الأمير فارس الدين أقطاي أكبر الأمراء وأكثرهم شهرة، وينافس الملك المعز عزالدين أيبك، ويحمل عليه بعض تصرفاته في تعهده للملك الصليبي بتسليمه بيت المقدس، وتلقب فارس الدين أقطاي باسم الملك الجواد، وتزوج إحدى الأميرات الأيوبيات هي ابنة الملك المظفر تقي الدين محمود صاحب حماه، لكن الملك المعز عزالدين أيبك قد استدعى أقطاي لاستشاراته في بعض الموضوعات فسار إليه مع مجموعةٍ من مماليكه فلما وصل إلى القلعة دخلها إلا أن الباب قد أغلق دون مماليكه، وانهال عليه مماليك المعز أيبك بالضرب، وعلى رأسهم سيف الدين قطز، وقتلوه وأسرع أنصار أقطاي عندما علموا بالخبر لإنقاذه وعلى رأسهم الظاهر بيبرس البندقداري وقلاوون الإلفي ظناً منهم أنه لم يقتل بعد، ولكنهم لم يلبثوا أن أخبروا أن أمره قد انتهى، وهكذا انقسم المماليك إلى معزية وهم مماليك الملك المعز عزالدين أيبك، وصالحية أو بحرية، وهم مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب.

بدأ بعض أمراء المماليك البحرية يفرّون إلى ملوك بني أيوب في بلاد الشام وخاصةً إلى الملك الناصر يوسف الذي كان الخصم الأيوبي الأول لعزالدين أيبك والمتصالح معه حالياً لذا فإن الناصر يوسف قد طلب من الملك المعز أيبك أن يعطي هؤلاء المماليك جنوبي بلاد الشام فيكون قد أبعدهم خوفاً من شرّهم وفي الوقت نفسه يكون قد أرضاهم فلا تتفتت قوة المسلمين تجاه أعدائهم إلا أن هذا الطلب من الملك الناصر يوسف قد أخافه، واعتقد دعمه للمماليك البحرية، واتفاقه معهم على أمر، لذا فقد استعد وأقام بالعباسة استعداداً لأي طارئ، وبقي على حالة استعداده أو استنفاره مدة ثلاث سنوات، وعاد بعدها إلى القاهرة بعد أن تمّ حيث أرسل الخليفة العباسي المستعصم رسولاً هو نجم الدين البادراني فأصلح بينهما على أن يكون للملك المعز عزالدين أيبك مصر وساحل بلاد الشام. ولجأ المماليك البحرية بعد هذا الصلح الذي دارت بنوده بين الملك المعز عزالدين أيبك المملوكي والملك الناصر يوسف الأيوبي لجؤوا إلى الملك المغيث عمر(1) صاحب الكرك الذي كان يطمع أيضاً ببلاد مصر.

أراد الملك المعز عزالدين أيبك أن يحصر المغيث عمر فراسل صاحب الموصل بدرالدين لؤلؤ وخطب ابنته فوقعت الغيرة في نفس شجرة الدر زوجة أيبك وعملت على التخلص من زوجها فراسلت الملك الأيوبي الناصر يوسف تحرّضه على غزو مصر وتتعهد له بدعمه للتخلص من أيبك ولكن لمتجدعنده ذلك الحماس، فعملت مع المماليك واستطاعت قتله عام 655هـ.

اختلف المماليك بعضها مع بعض فالصالحية منهم تناصر شجرة الدر، والمعزية تعارضها، وأصبح الأمير علم الدين سنجر الحلبي مقدم المماليك الصالحية غير أن المماليك المعزية قد قبضوا عليه وسجنوه وتغلبوا على الأمر وبدأت المماليك الصالحية تفرّ إلى ملوك الأيوبيين في بلاد الشام وخاصة إلى المغيث عمر صاحب الكرك وتحرّضه على أخذ مصر، وقد حاول مرتين 655 و 656 غير أنه فشل في كلتا المحاولتين بجهود سيف الدين قطز. أما المماليك المعزية فقد قدموا عليهم نورالدين علي بن عزالدين أيبك الذي غدا سلطاناً لمصر، أما الذي يقوم بالنيابة عنه فهو الأمير سيف الدين قطز، ولكن لم يلبث قطز أن عزل نورالدين علي وتسلم السلطنة بنفسه بحجة أن الأول كان ضعيفاً

(1) المغيث عمر : ابن الملك العادل محمد ابن الملك الكامل محمد ابن الملك العادل سيف الدين محمد ابن نجم الدين أيوب.

وظروف البلاد تقتضي رجلاً قوياً، فالأيوبيون لا يزالون يطمعون في مصر والخطر الخارجي على ديار الإسلام يتمثّل في عدوين شرسين هما التتار والصليبيون.

استولى التتار بقيادة هولاكو على بغداد عام 656 وخاف الملك الناصر يوسف فراسل هولاكو يجامله، ويطلب منه الدعم لأخذ مصر غير أنه لم يحدث بين الطرفين ما يدعو إلى التفاهم. وزحف التتار إلى بلاد الشام ووجد الناصر يوسف نفسه ضعيفاً أمام جحافل التتار فاتصل بالمماليك وطلب منهم المساعدة.

استولى التتار على حلب في صفر عام 658، ثم استولوا على ميافارقين بإمرة يشموط بن هولاكو بعد أن دافع عنها أهلها دفاعاً مستميتاً لم يعرفه المغول من قبل، واستشهد صاحبها الملك الأيوبي الكامل محمد(1)، وخضع الملك الأشرف موسى(2) صاحب تل باشر فأعطاه هولاكو إمارة حمص مكافأةً له، وكان الملك الناصر يوسف قد انتزعها منه منذ عام 646، وزحف هولاكو نحو دمشق ففرّ منها الناصر يوسف واتجه إلى غزة فاستقبله سيف الدين قطز ومن معه، وبدأ قطز يتقرّب من جيش الناصر يوسف ويضم أمرؤه إليه، حتى لم يبقى مع الناصر يوسف إلا قليل فذهب بهم إلى جنوب الأردن حيث استقر قرب الجفر ليعيش منزوياً بمن معه منعزلاً عن الأحداث التي تدور في بلاده، وعلم هولاكو بهذا فأرسل مجموعة من الجند إلى الجفر وأحضرت الناصر يوسف، فاستقبله هولاكو استقبالاً كريماً ورأى فيه ضالته، ومنّاه بالتربع على عرش دولةٍ أيوبية تشمل مصر والشام تحت حمى التتار، وقدّمه على الأشرف موسى إذ وجد في الأول خيراً له لما عنده من إمكانات وطاقات.

حاصر هولاكو دمشق في ربيع الأول عام 658 وشدّد الحصار حتى استسلمت في ربيع الثاني أما القلعة فقد صمدت حتى 21 جمادى الآخرة من العام نفسه غير أنها سلمت من التهديم لالتماس أعيانها لديه، واتجه هولاكو نحو انطاكية بعدها.

وصل إلى هولاكو نبأ وفاة أخيه مانغو خان التتار الأعظم، لذا فقد ترك بلاد الشام بعد أن ولّى عليها مكانه القائد كتبغانوين، واتجه إلى قره قورم حاضرة التتار لحضور اجتماع رؤساء التتار لانتخاب الخان الأعظم لهم، وهو يطمع أن يحصل على هذا المنصب لما قدم من خدمات لهم بمد نفوذهم إلى العراق والشام، فلما وصل إلى تبريز بلغه خبر انتهاء الاجتماع وإتمام عملية الانتخاب، واختيار أخيه قوبلاي خاناً أعظم للتتار، فسكت احتراماً لأخيه.

أما المماليك البحرية الذين فرّوا إلى بلاد الشام خوفاً من المماليك المعزية وأميرهم سيف الدين

(1) الكامل محمد : ابن الملك المظفر غازي بن الملك العادل سيف الدين محمد ابن نجم الدين أيوب.

(2) الأشرف موسى : ابن المنصور ابن الملك المجاهد أسدالدين شيركوه ابن ناصر الدين محمد بن أسدالدين شيركوه بن شادي، ولم يكن ليسيطر إلا على تل باشر قرب الرها.

قطز، واتجهوا إلى الملوك الأيوبيين وخاصةً إلى الناصر يوسف والمغيث عمر فقد رجع بعضهم إلى مصر خوفاً من المغول، وترك بعضهم الآخر الناصر يوسف الذي تفاهم مع التتار على كرهٍ منه، أو اعتزل بعد فراره من التتار وانضمام جيشه في غزة إلى سيف الدين قطز هؤلاء قد ساروا إلى المغيث عمر صاحب الكرك ومنهم الظاهر بيبرس البندقداري، وبدؤوا يُغيرون على أملاك الناصر يوسف الجديدة، وهذا ما جعل الناصر يوسف يسير بجيش إلى الكرك ويحاصرها ووجد المماليك أنفسهم في وضع خطير وخاصةً الذين كانوا بجانب الناصر يوسف وفرّوا من عنده مغاضبين لموقفه حتى ليقال إن الظاهر بيبرس كان قد عرض على الناصر يوسف إعطاءه أربعة آلاف مقاتل للوقوف في وجه التتار عندما أرادوا عبور نهر الفرات لمنعهم من ذلك لكن الناصر يوسف لم يستجب لهذا الطلب، في هذا الوقت عفا قطز عن المماليك البحرية فبدؤوا يتجهون نحوه من بلاد سلاجقة الروم، ومن الكرك، ومن دمشق وغدا المماليك مرة أخرى مجموعة واحدة، واستقبل قطز هؤلاء استقبالاً لائقاً وخاصةً بيبرس إذ أنزله بدار الوزارة وذلك عام 658.

بعد أن سقطت دمشق بيد التتار أرسل هولاكو وفداً إلى الأمير سيف الدين قطز يحمل رسالةً كلها تهديد ووعيد، فعقد قطز اجتماعاً ضمّ أمراء المماليك فكان الرأي العزم على الحرب، فقبض قطز على رجال وفد هولاكو وأعدمهم، وعرض أجسادهم للناس، وأخذ قطز يحشد الحشود، ويفرض الضرائب فوجد معارضةً من العلماء على هذه الضرائب وعلى رأسهم العز بن عبد السلام الذي أعلن أن على الأمير إذا أراد فرض الضرائب أن يأخذ قبل ذلك الحلي التي في بيته وبيت أمثاله من الأمراء وأن يضربها نقوداً فإن لم تف بالحاجة يفرض بعضها الضرائب فامتثل قطز بذلك وفعل ما وجّه إليه.

وتمّ الاستعداد، وأرسل قطز حملةً استطلاعيةً بإمرة الظاهر بيبرس البندقداري إلى جهات غزة فانتصر على حملة تتارية متقدمة، وبقي يناور التتار كي لا يعلموا بتحرك الجيش الرئيسي الذي يقوده سيف الدين قطز.

سار سيف الدين قطز بجيشه مع الساحل الشامي باتجاه عكا، وهدد الصليبيين إن بدرت منهم أية بادرة شرّ، وطلب منهم أن يكونوا على الحياد إن لم ينصروا المسلمين، ولم يكن وضعهم يومئذٍ بالذي يساعدهم على التحرك سواء أكان بجانب المسلمين أم بجانب التتار. ووافى الأمير سيف الدين قطز قائده الظاهر بيبرس عند عين جالوت، وتدفق التتار إلى ذلك الميدان، واحتدمت المعركة وهجمت ميمنة التتار على ميسرة المسلمين، فتقدم أمير الجيش الإسلامي سيف قطز والقى بخوذته على الأرض أمام الأمراء وصاح بأعلى صوته "وإسلاماه" واندفع نحو التتار يقاتل والتف حوله جنود المسلمين، انقضوا على التتار فأفنوهم، وقُتل قائد التتار كبتغا في ميدان المعركة وأُسر ابنه.

ووصلت أخبار معركة عين جالوت إلى دمشق فابتهج المسلمون وانطلقوا يهاجمون التتار ويعملون بهم ذبحاً، وشملت هذه المذبحة النصارى أيضاً الذين وقفوا فجانب التتار وأعانوهم على المسلمين، واستأسدوا على المسلمين أثناء حكم التتار، ولم يستتب الأمن بدمشق إلا بدخول قطز إليها في 27 رمضان عام 658 أي بعد استسلام قلعتها بثلاثة أشهر وستة أيام وهذه المدة لتي حكم التتار فيها دمشق. وبدأ التتار يفرون من بلاد الشام خوفاً من انتقام المسلمين منهم، وتمكن قطز من فتح بلاد الشام بعدة أسابيع، وأعاد بعض الملوك الأيوبيين إلى ممالكهم بعد أن أخذ المواثيق والعهود عليهم بالولاء ودفع الإتاوات السنوية للسلطان في مصر، وكذلك أقطع أمراء المماليك إقطاعاتٍ واسعةً إذ أعطى علم الدين سنجر الحلبي نيابة يحكمها باسمه، ومنح حلب إلى الملك السعيد علاء الدين بن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، وكان الظاهر بيبرس يرغب بها، وقد طلبها من قطز لملاحقة التتار فلم يقبل منه فأصبح بنفسه شيء عليه.

عاد المماليك إلى مصر، وقتل الظاهر بيبرس أميره سيف الدين قطز وربما كان للخلاف السابق بين المماليك البحرية الذين منهم بيبرس والمماليك المعزية الذين منهم قطز، وقد اضطر المماليك البحرية للعودة إلى مصر بعد أن فرّوا منها عندما لم يجدوا لهم مقاماً في الشام لهجوم التتار فكان لابدّ من الاتفاق لحماية ديار الإسلام، فلما أصبحت ديار الإسلام في أمان من هجوم التتار عاد الخلاف وظهر من جديد، وقتل قائد جناح المماليك البحرية أمير المماليك المعزية، وربما كان سبب هذا القتل ما بقي في نفس بيبرس من قطز عندما رفض إعطاءه ولاية حلب، وهو يريد أن يتابع التتار ويستعيد للمسلمين أرضهم، وعلى كل فقد قتل الأمير سيف الدين قطز، واتفق أمراء المماليك على تعيين الظاهر بيبرس سلطاناً على مصر.

إن انتصار المماليك في عين جالوت قد جعل دعايةً واسعةً لهم وخاصةً أن الناس كانوا لا يتصورّون هزيمةً كهذه الهزيمة تلحق بالتتار بسبب الرعب الذي أصابهم والهلع الذي ملأ قلوبهم.

إن الهجوم الصليبي الشرس من الغرب على ديار الإسلام والغزو التتاري الوحشي من الشرق ودعم النصارى الذين عاشوا في كنف المسلمين منذ فجر الإسلام إلى كلا العدوين الصليبي والتتاري والحقد الواضح الذي بدا منهم كل هذا جعل المسلمين يعودون قليلاً إلى دينهم، كما كانت دعوة حكامهم بالدرجة الأولى إلى وحدة صفوف المسلمين للوقوف في وجه الأعداء وخاصةً أولئك التي تعرّضت بلادهم للتخريب الصليبي أو للتدمير التتاري، لذلك اعترف المماليك بسلطة الخلافة العباسية عليهم، والخلافة هي محطّ أنظار المسلمين في كل مكان، ويمكن أن يلتفّ حولها المسلمون، وتتوحد كلمتهم بها، ولا يوجد في ديار المسلمين سوى خليفةٍ واحدٍ لذا فهو الذي يمكن أن يحمل راية الجهاد ويقاتل المسلمون جميعاً تحت هذه الراية. وهذا الاعتراف بالخلافة العباسية قد أكسبهم الصفة الشرعية التي اعترف العباسيون بحكمهم، وفي الوقت نفسه فقد أكسبهم القوة، وعندما سقطت بغداد بيد التتار عام 656 قام المماليك يحملون عبء الجهاد، وقد وفقوا في ذلك فأنزلوا بالتتار هزيمة عين جالوت عام 658.

كان الملك المظفر سيف الدين قطز قد استناب على دمشق الأمير علم الدين سنجر الحلبي فلما قتل قُطز نادى سنجر بنفسه سلطاناً، وتلقّب بالملك المجاهد، وأخذ شعار السلطنة بعد مقتل قطز بشهر واحد، وطلب من الملك الأشرف موسى الأيوبي، والملك المنصور صاحب حماه الأيوبي أيضاً، والأمير حسام الدين لاجين العزيزي صاحب حلب مساعدته فلم يوافقوه، وسيّر الظاهربيبرس حملةً إلى دمشق حملت سنجر إلى القاهرة مقيداً بالأغلال ولم يمض على سلطنته المحلية أكثر من شهر.

وقام رجل شيعي بالقاهرة يدعى الكوراني يدعو لنفسه ويرغب في عودة النفوذ العبيدي مرةً أخرى أو الشيعة كما يسميها واستطاع الظاهر بيبرس القضاء عليها بسرعة.

ومع استقرار الوضع للظاهر بيبرس وقفت دولة المماليك على أقدامها، كما أن الخلافة قد عادت من جديد.

ولما كان المماليك هم السلاطين، وهم ولاة الأمور إذ لهم الدور الأول في تسيير شؤون الدولة سواء أكان في الداخل أم في الخارج لذا كان لا بد من بحث أمور هؤلاء السلاطين على نطاق أوسع من بحث الخلفاء، فالسلاطين هم الذين نسب إليهم العهد، ولم ينسب إلى العباسيين، وهم الخلفاء أو أمراء المؤمنين بالنسبة إلى المسلمين في جهات الأرض.

ففي مرحلة قيام دولة المماليك تولّى أمر مصر أربعة من السلاطين هم :

1- شجرة الدر 648 80 يوماً

2- المعز عزالدين أيبك 648 - 655

3- نورالدين علي 655 - 657

4- سيف الدين قطز 657 - 658

وبعد أن تولى السلطنة الظاهر بيبرس السلطنة بمدة أصبحت الخلافة أو حملة الدولة اسم الخلافة من جديد، واتجهت إليها أنظار المسلمين أكثر من السابق.

وتولى أمر المماليك نوعان من السلاطين يعودون في أصولهم إلى جهتين وهما :

1- المماليك البحرية 648 - 792

2- المماليك الجراكسة أوالبرجية 792 -
عصر الممَاليك البحرية

648 - 792



1- شجرة الدر : 80 يوماً 648-648

2- عزالدين أيبك : 7 سنوات 648-655 قتل

3- نورالدين علي : 2 سنة 655-657 ابن أيبك خلع

4- سيف الدين قطز : 1 سنة 657-658 قتل

5- الظاهر بيبرس : 18 سنة 658-676 توفي

6- السعيد بركة : 2 سنة 676-678 ابن بيبروس خلع

7- العادل بدرالدين : أقل من سنة 678-678 ابن بيبرس خلع

8- المنصور قلاوون : 11 سنة 678-689 توفي

9- الأشرف خليل : 4 سنوات 689-693 ابن قلاوون قتل

10- الناصر محمد : 1 سنة 693-694 ابن قلاوون خلع

11- العادل كتبغا : 2 سنة 694-696

12- المنصور لاجين : 2 سنة 696-698 قتل

أعيد 13- الناصر محمد : 10 سنوات 698-708 ابن قلاوون اعتزل

14- المظفر بيبرس ابي شنكير : 1 سنة 708-709 قتل

عاد 15- الناصر محمد : 32 سنة 709-741 ابن قلاوون توفي

16- المنصور أبو بكر : أقل من سنة 741-742 ابن الناصرمحمد خلع

17- الأشرف كجك : أقل من سنة 742-742 ابن الناصرمحمد خلع

18- الناصر أحمد : أقل من سنة 742-743 ابن الناصرمحمد خلع

19- الصالح اسماعيل : ثلاث سنوات 743-746 ابن الناصرمحمد توفى

20- الكامل شعبان : أقل من سنة 746-747 ابن الناصرمحمد قتل

21- المظفر أمير حاج : أقل من سنة 747-748 ابن الناصرمحمد قتل

22- الناصر حسن : 4 سنوات 748-752 ابن الناصرمحمد خلع

23- الصالح صالح : 3 سنوات 752-755 ابن الناصرمحمد خلع

أعيد 24- الناصر حسن : 7 سنوات 755-762 ابن الناصرمحمد قتل

25- المنصور محمد : 2 سنة 762-764 ابن المظفر أمير حاج خلع

26- الأشرف شعبان : 14 سنة 764-778 ابن حسين قتل

27- المنصور علي : 5 سنوات 778-783 ابن الأشرف شعبان توفى

28- الصالح حاجي : 1 سنة 783-784 ابن الأشرف شعبان خلع

برقوق

29- الصالح حاجي : أقل من سنة 791-792 ابن الأشرف شعبان خلع



وهم مماليك السلطان الصالح نجم الدين أيوب الذين كثر عددهم، وزادت تعدياتهم فضجّ منهم السكان فبنى لهم قلعة في جزيرة الروضة عام 638 فعرفوا بالمماليك البحرية، وإن كان هذا الاسم ليس خاصاً بهم إذ كثيراً ما أطلق على غيرهم بسبب حملهم عن طريق البحر، وإن لحق بهم هذا الاسم فيما بعد وأصبح دلالةً عليهم، كما عرفوا أيضاً باسم الصالحيين نسبة إلى لقب سيدهم الصالح نجم الدين أيوب، وأقل من هذا الاسم وذاك أطلق عليهم النجميين لاسم اليد نفسه.

حكم هؤلاء المماليك البحرية مصر مدة أربع وأربعين ومائة سنة 648-792، وقد تمثّل هذا الحكم في أسرتين فقط، وهما أسرة الظاهر بيبرس البندقداري، وقد دام حكمها مدة عشرين سنة (658-678) وقد حكم هو وولداه، ودام حكمه ثماني عشرة سنة، وحكم ابنه الأول السعيد بركة ما يقرب من سنتين، ثم خلع، وحكم ابنه الثاني العادل بدرالدين سلامش عدة أشهر وخلع بعدها. وكان الظاهر بيبرس قد حرص على بقاء أسرته في الحكم من بعده، وهيأ الأسباب لذلك، وكان خوفه من المماليك أنفسهم، وقد برز منهم يومذاك المنصور قلاوون لذا فقد سعى إلى ضمان قلاوون بل فكر بأن يجعله يقف بجانب أولاده من بعده، وزوّج ابنه وخليفته السعيد بركة من ابنة قلاوون غازية، وظنّ بأن هذه المصاهرة سيقف قلاوون بجانب ابنه السعيد بركة، عندما حاصر المماليك السعيد بركة اتصل بالمنصور قلاوون وطلب دعمه فنصحه بالتنازل عن السلطنة، وقد فعل ذلك، ووافق قلاوون على استلام العادل بدر الدين سلامش أخي السعيد بركة وابن الظاهر بيبرس السلطنة وذلك لأنه صغير ويمكن ان يتصرف بالأمر، ولم تمض عدة أشهر، حتى دعا المنصور قلاوون أمراء المماليك وبسط لهم الوضع القائم، وأن الأمر يتطلب رجلاً حكيماً يدبر شؤون الدولة، وأن الصغير يعيق الأمر ولا يصلح للأمر فانفق الجميع على خلع العادل بدر الدين سلامش وسلطنة المنصور قلاوون.

أما الأسرة الثانية فهي أسرة المنصور قلاوون نفسه، وقد استمر أمرها أربع عشرة ومائة سنة (678-792) وحكم هو وأولاده وأحفاده، لم يتخللها سوى خمس سنوات خرج أمر مصر من أيديهم، إذ تسلم العادل كتبغا والمنصور لاجين والمظفر بيبرس الجاشنكير وقد قتل ثلاثتهم، حكم الأوليان منهم مدة أربع سنوات 694-698، وحكم الثالث ما يقرب من سنة (708-709).

أما أفراد الأسرة فقد حكم المنصور محمد أبو ناصر قلاوون احدى عشرة سنة توفي بعدها (678-689)، ورجع الحكم بعده ضعيفاً إذ حكم ابنه الأشرف صلاح الدين خليل مدة أربع سنوات (689-693) وقتل بعدها، وجيء بأخيه الناصر محمد، ولم يطل عهده بأكثر من سنة حتى خلع، وتسلطن العادل كتبغا مدة سنتين ثم علا السلطة المنصور لاجين عندما كان العادل في زيارة لدمشق لكن المنصور لاجين لم يلبث أن قتل، وأعيد إلى السلطنة الناصر محمد ابن قلاوون، وبقي عشر سنوات 689-708 غير أنه اعتزل، فتسلم السلطة المظفر بيبرس الجاشنكير، وشعر الناصر محمد بن قلاوون أنه هضم حقه فاستعاد السلطنة بالاتفاق مع بعض الأمراء، واستمر أمره حتى توفي وقد أحبه الناس، لذا فقد حكم أبناؤه من بعده رغم ضعفهم وصغر سنهم، إذ تلسم السلطنة ثمانية من أبنائه.

كان الأول منهم المنصور سيف الدين أبو بكر وخلع قبل مرور عام على حكمه.

وكان أمر الثاني الأشرف علاء الدين كجك كالأول لم يصل عهده إلى العام.

ويشبههما الثالث الناصر أحمد.

أما الرابع فهو الصالح اسماعيل وقد حكم ثلاث سنوات (743-746) ومات بعدها.

وجاء الخامس الكامل شعبان وقتل قبل أقل من عام.

وكذا السادس المظفر أمير حاج كان مصيره القتل ولم يصل أمره إلى العام.

وحكم السابع الناصر حسن أربعة أعوام (748-752) وخلع بعدها.

وخلع الثامن الصالح صالح بعد ثلاث سنوات من حكمه (752-755).

وأعيد الناصر حسن فاستمر سبع سنوات (755-762) وقتل بعدها.

وتولّى الأمر بعدئذ المنصور محمد بن السلطان المظفر أمير حاج وخلع بعد عامين من حكمه 762-764.

وجاء بعده ابن عمه الأشرف شعبان فحكم أربع عشر عاماً 764-778 وقتل بعدها.

وخلفه ابنه المنصور علي لمدة خمس سنوات توفي بعدها 778-783، وخلفه أخوه الصالح حاجي.

فلم يمض عليه سوى سنة حتى خلع وتسلطن الأمير برقوق من المماليك الجراكسة.

غير أنه أعيد الصالح حاجي بعد سبع سنوات (784-791) وحكم مدة سنة واحدة (791-792).

ثم أخرج السلطان برقوق من سجنه وأعيد إلى سلطانه، وانتهى أمر المماليك البحرية بشكل دائم وجاء عهد المماليك الجراكسة أو البرجية.

ونلاحظ أن أسرة المنصور قلاوون قد حكم منها خمسة عشر سلطاناً توفي منهم أربعة وفاة طبيعية أو تركوا الحكم نتيجة الوفاة الطبيعية بينما خلع سبعة منهم خلعاً، وقتل خمسة منهم، وأن بعضهم وهو الناصر محمد قد خلع مرة واعتزل مرة وعاد حتى توفي، وأن الناصر حسن قد خلع وأعيد ثم قتل...










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:30   رقم المشاركة : 60
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 تابع

خلفاء بني العباس في القاهرة



المستنصر بالله

أحمد بن محمد الظاهر

(659 - 660 هـ)



هو أحمد أبو القاسم ابن الخليفة العباسي الظاهر (622-623)، أخو الخليفة العباسي المستنصر (623-640)، عمّ الخليفة المستعصم (640-656)، كان داخل السجن عندما اقتحم التتار بغداد، فلما فتح السجّانون أبواب السجون أطلق أحمد أبو القاسم فهرب وتمكن من الخروج من بغداد فاتجه إلى عرب العراق فبقي مدةً عندهم، فلما انتصر المماليك في عين جالوت على التتار، ثم طردوهم من الشام، توجه أحمد أبو القاسم إلى القاهرة، وكان الأمر فيها للسلطان بيبرس فوصل إليها في أوائل رجب من عام 659، فأثبت نسبه فبايعه بالخلافة السلطان بيبرس، ثم قاضي القضاة تاج الدين، ثم الشيخ عز الدين بن عبد السلام وذلك في شهر رجب من العام نفسه، وخطب له، ونقش اسمه على السكة، ولُقّب بالمستنصر على لقب أخيه، وخطب بالناس يوم الجمعة، ودعا للسلطان بيبرس، ثم صلى بالمسلمين.

قرر الخليفة المستنصر التوجه إلى العراق لقتال التتار فخرج، وخرج معه السلطان بيبرس يشيعه حتى دمشق، فجهّزه بجيش، وانضم إليه الملوك في الشام، وصاحب سنجار، والخليفة الحاكم بأمر الله الذي بويع في حلب الذي تنازل له بسبب أنه أكبر منه سناً، ولصلته بأواخر خلفاء بني العباس في بغداد، وسار معه تحت لوائه، واستطاع الخليفة المستنصر أن يدخل مدينة الحديثة على نهر الفرات، وسار بعدها إلى هيت فدخلها أيضاً، فالتقى بعدها بجيشٍ من التتار، وحدثت معركة بين الطرفين، قتل فيها الخليفة المستنصر، ونجا منها الخليفة الحاكم بأمر الله مع عدد قليل من أنصاره، وذلك في الثالث من محرم عام 660.

وبذا كانت خلافة المستنصر دون ستة أشهر بعشرة أيام










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الاسلامي, التاريخ


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:15

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc