هل يجوز الوقوف تعظيماً لأي سلام وطني أو علم وطني؟ - الصفحة 3 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد

قسم العقيدة و التوحيد تعرض فيه مواضيع الإيمان و التوحيد على منهج أهل السنة و الجماعة ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

هل يجوز الوقوف تعظيماً لأي سلام وطني أو علم وطني؟

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-04-26, 12:06   رقم المشاركة : 31
معلومات العضو
mom147
محظور
 
إحصائية العضو










Icon24

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة التوحيد الخالص مشاهدة المشاركة
والله ما فهمت شئ ..؟؟؟ في ما اظن انكم انتم الذين تتعصبون لعلماءكم ولسنا نحن. فقد نقلت كلمة الشيخ ربيع فيمن يتعصب فيه فقال ردوا على من يتعصب في وأنا اقرضها فراجعها بارك الله فيك
وزد كلما نقلنا كلاما تقولوا اجتهادات علمائكم هاتوا باجتهادات علمائكم ان كان لهم الحق
نحن نتعصب لشيوخنا، اين وجدت ذلك ؟ طبعا سانقل لك ،اسماء شيوخنا وعناوينهم، وطولقة وحدها تحوي جهابذة الحديث ، حفظا واتقانا ، لكن الدولة الجزائرية لاتهتم ، وجهاز الدعاية الوهابية الذي يوحي للناس انه لا يوجد علماء في جميع العالم الاسلامي، اللهم في السعودية، هل انقل للك الاسماء والعناوين








 


قديم 2012-04-26, 12:07   رقم المشاركة : 32
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ من تكلم معك الكلام غير موجه اليك اخي
نعم تفضل انبانا بشيوخك










قديم 2012-04-26, 12:29   رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
aboumoadh
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة التوحيد الخالص مشاهدة المشاركة
وهل اللجنة الدائمة تفتي من عقلها يا اخي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
والله كلامك كلام متعصب ولا دليل عليه مردود عليك دخلت حربا وما ظننتك منتصرا لان جولانك ودورانك حول اقوال العلماء وردك لاقوالهم بعقلك الصغير وتعصبك المقيت للباطل جعلك تقبل كلام عالمك الذي تاخذ عنه بلا تردد ولا نكار اما معارضه فجعلت نفسك حبيس عقلك لا الديليل ؟؟؟؟؟؟؟؟
والله المستعان
ولم أر في عيوب الناس عيبا *** كنقص القادرين على التمام

لا تتهرب
أنتظر جوابا على سؤالي و ما فعل مصعب بن عمير في أحد









قديم 2012-04-26, 12:32   رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
aboumoadh
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة التوحيد الخالص مشاهدة المشاركة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل المرسلين أما بعد :

من العبارات التي تتكرر في كتب أهل السنة : العقل الصريح والنقل الصحيح ، أو كما يقول ابن تيمية -مثلا- وما أكثر ورودها في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، لكثرة ردوده على الباطل وأهله :
(وَكُلّ مَا خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ أَيْضًا لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ فَإِنَّ الْعَقْلَ الصَّرِيحَ لَا يُخَالِفُ النَّقْلَ الصَّحِيحَ)اهـ.
أو قوله:
(...مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ مَفْعُولٍ مُحْدَثٍ مَسْبُوقٌ بِالْعَدَمِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْلِ الصَّرِيحِ وَالنَّقْلِ الصَّحِيحِ)اهـ.
أو قوله:
(وكذلك أتباع رؤوس المقالات التي ذهب إليها من ذهب من أهل القبلة وإن كان فيها ما فيها من البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة ففيها أيضا من مخالفة العقل الصريح ما لا يعلمه إلا الله كأتباع أبي الهذيل العلاف وأبي إسحاق النظام وأبي القاسم الكعبي وأبي علي وأبي هاشم وأبي الحسين البصري وأمثالهم)اهـ.
والمواضع في ذلك كثيرة.
فما هو العقل الصريح؟!
هناك تعريف للعلامة العثيمين-رحمه الله تعالى - أذكره بعد مشاركات الإخوة.

والله الموفق.
هذا منهج الوهابيين
عندما لا يستطعون الإجابة عن السؤال الموجه إليهم يتخيلون سؤالا من عند أنفسهم ثم يجيبون عنه









قديم 2012-04-26, 12:34   رقم المشاركة : 35
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة aboumoadh مشاهدة المشاركة
تقولون الحق لا يعرف بالرجال
ثم إذا أتيناكم بالأدلة أرجعتمونا إلي قول الرجال
هل اللجنة الإفتاء حجة و دليل ؟
فعل الصحابة و الرسول صلى الله عليه و سلم أقوي.



أمر آخر لاحظته من الوهابيين

إذا كان هناك مشاركة فيها سؤال يزعجهم أو فيها أدلة أقوى من أدلتهم يتجاهلون هذه المشاركة و يكملون تعنتهم و عنادهم
انت اتيتني بادلة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هل انا من يفهم كلام الرسول ام العلما ء ؟؟؟؟
وماذا نفعل بقوله تعالى { واسألوا اهل العلم ان كنتم لا تعلمين }}
انت تستدل من هواك اريني ماذا قال فيها اعلماء ام انت عام وتفهم كلام الرسول ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ عجيب ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أدلتك مردودة عليك يا اخي خارجة محل انزاع فتفطن









قديم 2012-04-26, 12:35   رقم المشاركة : 36
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة aboumoadh مشاهدة المشاركة
هذا منهج الوهابيين
عندما لا يستطعون الإجابة عن السؤال الموجه إليهم يتخيلون سؤالا من عند أنفسهم ثم يجيبون عنه
سؤالك خارج محل النزاع فتفطنننننننننننننننننننننننن ؟؟؟؟









قديم 2012-04-26, 12:47   رقم المشاركة : 37
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الشيخ الفوزان معقباً على الأسمري: إيضاح وكشف شبهة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فقد كثر الكلام في هذه الأيام عن حق الوطن وعن تحية العلم، وآخر ما قرأت في ذلك مقالاً للكاتب محمد بن ناصر الأسمري في جريدة الجزيرة يوم الجمعة 16 من شهر جمادى الآخرة 1426هـ العدد 11985 شرَّق فيه وغرَّب وفنَّد فيه فتوى اللجنة الدائمة في حكم تحية العلم، -عفا الله عنا وعنه- فلم يسعني السكوت عن البيان الواجب إيضاحه في هاتين المسألتين فأقول مستعيناً بالله ومنه أستمد التوفيق للصواب: 1- أما حب الوطن إذا لم يتعارض مع الدين فهو أمر طبيعي فطري لا لوم فيه، كما قال الشاعر:

كم منزل في الأرض يألفه الفتى

وحنينه أبداً لأول منزل

بل إن الدفاع عن أوطان المسلمين إذا داهمها الأعداء فرض على كل من يستطيع ذلك، بل إن حب الوطن إذا كانت له قدسية شرعية فإن حبه عبادة، كمحبة مكة والمدينة شرفهما الله، لكن إذا تعارض حب الوطن مع أمر من أمور الدين كالهجرة والجهاد في سبيل الله فإن تقديم حب الوطن على الجهاد والهجرة أمر محرم شديد التحريم.. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً}، وقال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}. ولذلك خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجراً إلى المدينة وهي أحب البقاع إليه، وهاجر إبراهيم عليه السلام من أرض العراق التي هي موطنه الأصلي إلى أرض الشام ومكة {وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي}. 2- وأما تحية العلم، فالتحية تأتي بمعنى التعظيم ولا تكون تحية التعظيم إلا لله كما نقول في تشهدنا في الصلوات: (التحيات لله) أي جميع التعظيمات لله سبحانه ملكاً واستحقاقاً فهي تحية تعظيم وليست تحية سلام، فالله يحيا ولا يسلم عليه، وتأتي التحية بمعنى السلام الذي ليس فيه تعظيم وهذه مشروعة بين المسلمين، قال تعالى: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً(61)} سورة النور. وقال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا(86)} سورة النساء. وقال تعالى عن أهل الجنة: تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} وقال تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم). فالسلام إنما يكون بين المسلمين ولا يكون السلام على الجمادات والخرق ونحوها لأنه دعاء بالسلامة من الآفات، أو هو اسم من أسماء الله يدعو به المسلم لأخيه المسلم عليه ليناله من خيراته وبركاته. والمراد بتحية العلم الآن الوقوف إجلالاً وتعظيماً له، وهذا هو الذي أفتت اللجنة الدائمة بتحريمه لأنه وقوف تعظيم، فإن قيل إن في تحية العلم احتراماً لشعار الحكومة. فنقول: نحن نحترم الحكومة بما شرعه الله من السمع والطاعة بالمعروف والدعاء لهم بالتوفيق، واللجنة حينما تبين هذا للمسلمين إنما تبين حكماً شرعياً يجب علينا جميعاً حكومة وشعباً امتثاله، وحكومتنا -حفظها الله وبارك فيها- هي أول من يمتثل ذلك. هذا ما أردت بيانه خروجاً من إثم الكتمان، ولا نريد بذلك تجهيل الأمة كما يقول الأخ الكاتب محمد بن ناصر الأسمري في عنوانه سامحه الله. هذا وأسأل الله لنا وله ولجميع المسلمين التوفيق لمعرفة الحق والعمل به ومعرفة الباطل واجتنابه، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء










قديم 2012-04-26, 12:48   رقم المشاركة : 38
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ما حكم الوقوف للعلم الشيخ الالباني

السلام عليكم وهذا سؤال آخر عن حكم تحية العَلَم والنشيد الوطني وجه للشيخ الالبانيرحمه الله في محاضرة بعنوان الأجوبة الألبانية على الأسئلة الكويتية
السؤال: ما حكم الوقوف أمام العلم وما حكم الكف عن الحركة والانتصاب للعلم عند النشيد الوطني؟
الجواب: هذه -لا شك- من التقاليد الأوروبية الكافرة، وقد نهينا عن تقليدهم بمناهي عامة وخاصة، ولا يجوز لأي دولة مسلمة حقاً أن تتبنى شيئاً من تقاليد الكفار، لكن الأمر يعود إلى من كان له الخيرة في ألا يسمح بذلك، ولا شك أن الحاكم المسلم الذي ليس فوقه حاكم في الدنيا، هو الذي يستطيع أن يغير ويبدل هذه التقاليد والعادات الكافرة بتقاليد وعادات إسلامية، أما من كان موظفاً أو كان جندياً، ولا يستطيع إلا أن يتبع هذا النظام المنحرف عن الإسلام، فهذا يُظْهِرُ مراتبَ الناسِ، على حد قوله عليه السلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) فنحن نعلم أن مثل هذه المشاكل يقع الشيء الكثير منها في بعض البلاد الإسلامية؛ لأنها أمور -كما قلنا- تقاليد أجنبية. مثلاً: في بعض الدول العربية الإسلامية لا يسمح للجندي أن يلتحي، فالناس على هذه المراتب التي جاء ذكرها في الحديث، أكثر الناس اليوم عندما يدخلون الجندية يحلقون لحاهم هكذا النظام، وبعضهم لا يحلقها وإنما هم يحلقونها رغم أنفه، وبعض آخر -وهذا قليل جداً، وله أمثلة هنا في الأردن وفي سوريا - يصمد ويصبر ويلقى العذاب والسجن .. إلخ، ثم ينصره الله عز وجل، فتراه جندياً ملتحياً، بينما الألوف المؤلفة بدون لحى، فإذاً القضية لها علاقة بقوة الإيمان في المكلف، هذا الذي يكلف بأن يحييّ العَلَم هذه التحية غير الإسلامية بلا شك أنه يستطيع ألا يحيي، لكنه يعلم أن أمامه السجن والتعذيب، وربما أشياء أخرى لا نعرفها، فالمؤمن القوي الإيمان يصبر، ثم ما يكون بعد الصبر إلا النصر كما وعد الله عز وجل المؤمنين، ولا يسع آخرين -لا يصبرون هذا الصبر- إلا أن يحيوا العلم وقلوبهم منكرة لهذه التحية، وهكذا يجب أن نعلم أن هذا منكر، وأن الذي يضطر إلى القيام به على الأقلَّ ينكره بقلبه؛ لأنه (ليس وراء ذلك ذرة من إيمان) كما هو معلوم في بعض روايات الحديث الصحيحة.
السائل: وهل مجرد الانتصابأمام العلم يخل بالتوحيد؟
الجواب: نعم، يخل بالإسلام والشريعة والآداب الإسلامية.. يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6] هذا تعظيم أشبه بتعظيم الأصنام؛ لأن هذا العلم عبارة عن قطعة قماش، لكن هو التقليد الأوروبي الأعمى مع الأسف الشديد!!
وهذه فتوى للشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله:
حمل من هنا


المصدر









قديم 2012-04-26, 12:52   رقم المشاركة : 39
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هذا بحث ماتع لفضيلة شيخنا ابي عبد المعز محمد على فركوس الجزائري-حفظه الله- في حكم القيام لتحية العلم اورده في ثلاث حلقات:

تفنيد الشبهات المثارة حول حكم القيام للجماد
«الحلقة الأولى»
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أما بعد:
فقدِ اطّلعتُ على مجموعةِ الرّدودِ التي تمسّك بها المخالفون مِن جمعيّاتٍ وهيئاتٍ إسلاميّةٍ عليا في مسألةِ حكمِ القيامِ للجمادِ مِنَ التّماثيلِ والسّيفِ والعَلَمِ والنُّصُبِ وَالمدفعِ وسائرِ أنواعِ الأشياءِ والجمادِ، فوجدتُها مفرَّغَةً عنِ الدّليلِ والحجّةِ، وقد جاء في فتوى دارِ الإفتاءِ المصريّةِ ما نصُّه: «أنّ تحيّةَ العَلَمِ بالنّشيدِ أوِ الإشارةِ باليدِ في موضعٍ معيَّنٍ إشعارٌ بالولاءِ للوطنِ والالتفافِ حول قيادتِه والحرصِ على حمايتِه، وذلك لا يدخل في مفهومِ العبادةِ، فليس فيها صلاةٌ ولا ذكرٌ حتّى يُقالَ إنّها بدعةٌ أو تقرُّبٌ إلى اللهِ»(1).
وقال آخرُ: «إنّ هناك اختلافًا بين تعظيمِ العبادةِ وتعظيمِ العادةِ التي يدخل ضِمْنَها تحيّةُ العَلَمِ، ولا شيءَ فيها، لأنّها ليست عبادةً، ولأنّه لا أحدَ يتعبّد للهِ بتحيّةِ العَلَمِ»، ومِنْ أغربِ ما سمعتُه ممّن حُرِمَ العِلْمَ: «أنّ تعظيمَ الرّايةِ والاستشهادَ في سبيلِها؟! أثناءَ الحروبِ على عهدِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم وقصّةَ جعفرٍ الطّيّارِ في غزوةِ مؤتةَ خيرُ دليلٍ على ذلك حين رفض ترْكَ الرّايةِ»، وأضاف غيرُه: «أنّ الوقوفَ للنّشيدِ الوطنيِّ أمرٌ محبَّبٌ لأنّ دينَنا الحنيفَ يؤكّد أنّ حبَّ الوطنِ مِنَ الإيمانِ، وأنّ هذه السّلوكاتِ رمزيّةٌ، واصطلاحاتُ حياتِه لا علاقةَ لها بالشّرعِ، وأنّ الاستماعَ للنّشيدِ والوقوفَ للعَلَمِ يدخل في شكلِ تقديرِ الوطنِ والولاءِ له»، وغيرِ ذلك مِن مضامينِ الانتقادِ والرّدِ الذي يتمحور في شُبَهٍ متهافِتَةٍ أجيبُ عنها على الوجهِ التّالي:
الشّبهةُ الأولى: تمويهُ حقيقةِ رايةِ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم بالباطلِ
إنّ رايةَ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم في الغزواتِ والحروبِ لا يُنكرها إلا جاهلٌ، وقد عقد لها المحدِّثون بابًا: «ما جاء في الرّاياتِ» مِن كتبِ السّنّةِ(2)، وقد أعطاها النّبيّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم لأبي بكرٍ وعُمَرَ رضي الله عنهما في غزوةِ خيبرَ، ثمّ قال: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ - أو: لَيَأْخُذَنَّ بِالرَّايَةِ - غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ -أو قال: يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ- يَفْتَحُ اللهُ عَلَيْهِ»(3)، فأعطاها لعليٍّ رضي الله عنه، وكذلك وقع مع زيدِ بنِ حارثةَ وجعفرِ بنِ أبي طالبٍ وعبدِ اللهِ بنِ رواحةَ وخالدِ بنِ الوليدِ رضي اللهُ عنهم في غزوةِ مؤتةَ(4) وغيرِها مِن وقائعِ السّيرةِ. هذا، وحروبُ المسلمين تكشف بجلاءٍ أنّ الرّايةَ التي تُعْقَد في طرفِ الرّمحِ وتُتْرَكُ مِن غير لَيٍّ لتصفقَها الرّياحُ ما هي إلاّ عَلَمٌ يُحْمَل في الحربِ يُعْرَف بعلامةٍ متميِّزةٍ، وبارتفاعِها عاليةً تُرى مِن بُعْدٍ ليسهلَ معرفةُ موضعِ صاحبِ الجيشِ وقائدِه ليكونَ النّاسُ تبعًا له(5)، قال ابنُ حجرٍ -رحمه اللهُ-: «الرّايةُ لا تُرْكَزُ إلاّ بإذنِ الإمامِ لأنّها علامةٌ على مكانِه فلا يُتَصَرَّف فيها إلاّ بأمرِه»(6)، فكان المقصودُ مِنَ الرّايةِ أنّها وسيلةُ حربٍ وعلامةُ دلالةٍ على القائدِ، وليست محلَّ تعظيمٍ وتقديسٍ كما يريد المخالفون أن يموّهوا بمزجِ الحقِّ بالباطلِ.
فحاصلُ الجوابِ -إذن- ما يلي:
• الرّايةُ داخلةٌ في إعدادِ العدّةِ الماديّةِ المأمورِ بها في قولِه تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: 60]، فشأنُ الرايةِ كغيرِها مِن وسائلِ الحربِ: كالسّيفِ والرّمحِ والقوسِ والنّبلِ ونحوِ ذلك، ولم يثبتْ في هذه الجماداتِ الحربيّةِ أيُّ مستندٍ شرعيٍّ أو تاريخيٍّ يدلّ على مظاهرِ التّعظيمِ والعبادةِ مِنَ الوقوفِ لها والانحناءِ بطأطأةِ الرّأسِ أوِ الخشوعِ لها بقطعِ الأنفاسِ وتركِ الحركةِ، أو حملِ العَلَمِ في وسادةٍ والانبطاحِ على الأرضِ إذا ما سقط العَلَمُ وغيرِها ممّا هو معروفٌ عند المخالفين والمموّهين وأضرابِهم.
• الرّايةُ تختصّ بالجيوشِ والحروبِ، فهي اسمٌ على عَلَمٍ يحمله القائدُ في الحربِ بعلامةٍ متميِّزةٍ –كما تقدّم- تجتمع جماعتُه تحته ويُعْرَف مكانُه، ليتماسكَ أفرادُ الجيشِ ويعرفوا مدى توغُّلِه في وسطِ المعركةِ بارتفاعِ الرّايةِ عاليةً، ليكونَ مرجعًا لمن تحت قيادتِه، على نحوِ ما تُرْفَع الرّاياتُ في الحجِّ لتَعرفَ كلُّ مجموعةٍ مِنَ الحجّاجِ مرجعَها لتتبعَه إلى الغرضِ الذي جاء مِنْ أجلِه، فقولُ بعضِهم: «إنّ أغلبَ الشّهداءِ كانوا يردّدون كلمةَ «اللهُ أكبرُ» والرّايةُ الوطنيّةُ بأيديهم» لا يتنافى مع ما تقرّر مِنْ جهةِ الإعدادِ،ولكنّ موردَ المسألةِ مِنْ جهةِ التّعظيمِ والتّقديسِ لا مِن جهةِ الإعدادِ والاختصاصِ.
• الرّايةُ وسيلةُ حربٍ وقتالٍ وليست محلَّ تقديسٍ وتعظيمٍ، فلم يُعْهَدْ عنِ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم أنّه خلّف سيفَه أو رايتَه للتّقديسِ والتّعظيمِ، بل مات النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم ودرعُه مرهونةٌ عند يهوديٍّ في قوتٍ لأهلِه(7)، كما لم يُعْهَدْ ممّن بعده مِنْ خيرةِ النّاسِ ولا في سيرةِ الأوّلين والآخِرين مِنَ المسلمين في تاريخِهم الحافلِ بالانتصاراتِ والبطولاتِ أن رفعوا وسائلَ الجهادِ والرّاياتِ –على وجهِ التّقديسِ- فوق البيوتِ والبناياتِ أو أماكنِ الاجتماعاتِ أو على السّاحاتِ العموميّةِ أو على المدارسِ والمعاهدِ والجامعاتِ أو ألزموا النّاسَ بمظاهر مبايِنةٍ لإخلاصِ العبوديّةِ للهِ الواحدِ القهّارِ، وإنّما عُرِفَتْ مظاهرُ التّقديسِ عند المعاصرين المتأثّرين بالمدنيّةِ العلمانيّةِ الغربيّةِ، فقلّدوهم في الأعيادِ والاحتفالاتِ الرّسميّةِ والمراسيمِ الدُّوليّةِ شبرًا بشبرٍ وحذوَ القذّةِ بالقذّةِ كما أخبر النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم(8).
ولا يخفى أنّ السّيفَ والعَلَمَ وغيرَهما في مضامينِ القوانينِ الجاريةِ في المجتمعاتِ العربيّةِ والإسلاميّةِ معدودٌ مِنَ المقدَّساتِ الوطنيّةِ بلا خلافٍ، موافَقةً للدّساتيرِ والقوانينِ الغربيّةِ الأجنبيّةِ التي تُعَدّ امتدادًا للوثنيّاتِ اليونانيّةِ والرّومانيّةِ وغيرِهما، لأنّ أصولَها قامتْ على تأليهِ الهوى لذلك كانتْ مقدَّساتُها الوطنيّةُ أقوى تعظيمًا وأشدَّ عقوبةً مِنَ المقدّساتِ الشّرعيّةِ بدليلِ حكايةِ حالِ مَنِ امتنع عن أداءِ المراسيمِ الموضوعةِ، أو أبى القيامَ للعَلَمِ أو للنُّصُبِ، فقد ارتكب في نظرِ مَنْ يُؤَلِّه الهوى أعْظمَ جريمةٍ، ونقَموا منه ونسبوه إلى الخيانةِ العُظمى، وكان مِنَ المخذولين المُبْعَدين، في حينِ أنّ مَنِ اقترف كلَّ المخازي والمهالكِ مِنِ انتهاكٍ واختلاسٍ ونهبٍ.. وهو في ظاهرِ حالِه يعظّم العَلَمَ ويتظاهر بمحبّةِ الوطنِ، وأعمالُه وتصرُّفاتُه لا تعكس بحالٍ حقيقةَ المحبّةِ كان هذا مِنَ المنصورين المقرَّبين، أم كيف يُحْكَم بمعاقبةِ مَنْ لم يَقُمْ للعَلَمِ الجماديِّ الذي لم نُؤْمَرْ شرعًا بالقيامِ له، ويُعْدَلُ عن معاقَبةِ مَنْ لم يَقُمْ للهِ ربِّ العالَمين ؟! فأيُّ الميزانَيْن أحقُّ بالاتّباعِ؟ ميزانُ الهوى أم ميزانُ الحقِّ والعدلِ، واللهُ المستعانُ وإليه المشتكى.
غير أن الذي يُؤْسَفُ له أن أمْرَ التّابعِ لا يختلف في شكلِه ومظهرِه عن حالِ المتبوعِ، واللهُ المستعانُ.
«يتبع..»

1- «فتاوى الأزهر» (10/221).
2- انظر: [باب في الرّايات والألوية] في «سنن أبي داود» (2/ 337) و[باب الرّايات والألوية] في «سنن ابن ماجه» (2/ 941) و[باب ما جاء في الرّايات] في «سنن التّرمذيّ» (4/ 196).
3- أخرجه البخاريّ في «الجهاد والسير» (2/ 81) باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم في «فضائل الصحابة» (2/ 1130) رقم (2407)، واللفظ له. من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه. وقصة أخذ أبي بكر ثم عمر رضي الله عنهما اللواء أخرجها: أحمد في «مسنده» (5/ 353) من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه. قال في «مجمع الزوائد» (6/ 220): «رجاله رجال الصحيح». وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (7/ 733).
4- أخرجه البخاريّ في «الجنائز» باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه (1/ 299)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
5- انظر: «عارضة الأحوذيّ» لابن العربيّ (7/177)، «شرح مسلم» للنّوويّ (12/43)، «النّهاية» لابن الأثير (4/279)، «تحفة الأحوذيّ» للمباركفوريّ (5/327).
6- «فتح الباري» لابن حجر (6/127).
7- انظر: «صحيح البخاري» في «الجهاد والسير» (1/ 67) باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم والقميص في الحرب، من حديث عائشة رضي الله عنها. و«مسند أحمد» (1/ 361) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
8- انظر: «صحيح البخاري» في «أحاديث الأنبياء» (2/ 210) باب ما ذكر عن بني إسرائيل، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. و«مسند أحمد» (4/ 125) من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه









قديم 2012-04-26, 12:53   رقم المشاركة : 40
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفنيد الشبهات المثارة حول حكم القيام للجماد
«الحلقة الثانية»
الشّبهةُ الثّانيةُ: إخراجُ القيامِ مِن مفهومِ العبادةِ
أمّا القولُ بأنّ القيامَ لا يدخل في مفهومِ العبادةِ لأنّه مجرَّدٌ عنِ الصّلاةِ والذّكرِ وغيرِها مِن العباداتِ، وفرّق بعضُهم بين تعظيمِ العبادةِ وتعظيمِ العادةِ، وألحق الوقوفَ وتحيّةَ العَلَمِ بتعظيمِ العادةِ، ونفى جازمًا أن يكونَ القيامُ مِنَ العبادةِ.
فإنّه لا يخفى على طالبِ علمٍ، بَلْهَ عن عالمٍ أو مُفتٍ أنّ مفهومَ العبادةِ أوسعُ مِن أن يكونَ صلاةً أو ذكرًا، وإنّما العبادةُ اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُحبّه اللهُ ويرضاه مِنَ الأقوالِ والأعمالِ الظّاهرةِ والباطنةِ مع كمالِ المحبّةِ والذّلِّ والخضوعِ والبراءةِ مما يُنافي ذلك ويُضادّه، فهي بهذا المفهومِ شاملةٌ لكافّةِ جوانبِ الحياةِ المختلفةِ، يصدق على هذا المعنى الشّموليِّ قولُه تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 162-163].
وعليه فأنواعُ العبادةِ كثيرةٌ يمكن حصرُها في أربعِ مراتبَ:
الأولى: عباداتٌ قلبيّةٌ، منها: المحبّةُ، والخوفُ، والرّجاءُ، والإنابةُ، والخشيةُ، والرّهبةُ، والرّغبةُ، والتّوكّلُ، ونحوُ ذلك.
الثّانيةُ: عباداتٌ قوليّةٌ، منها: الذّكرُ، والاستغفارُ، والشّهادةُ، والأذانُ، والاستعانةُ، والاستجارةُ، والجهادُ باللّسانِ، والدّعاءُ، والقسَمُ، والأمرُ بالمعروفِ، والنّهيُ عنِ المنكرِ، وصِدْقُ الحديثِ، ونحوُ ذلك.
الثّالثةُ: عباداتٌ عمليّةٌ، منها: الصّلاةُ، والصّيامُ، والحجُّ، والسّجودُ، والرّكوعُ، والقيامُ، والتّمسّحُ، والتّقبيلُ، ورفعُ اليدين، ومظاهرُ الخضوعِ والخنوعِ والانكسارِ، والذّبحُ، والجهادُ باليدِ، وبرُّ الوالدَيْنِ وصلةُ الأرحامِ، ونحوُ ذلك.
الرّابعةُ: عباداتٌ ماليّةٌ: كالزّكاةِ، والصّدقةِ، والذّبيحةِ، والجهادِ بالمالِ، ونحوِ ذلك.
والمعلومُ أنّ هذه الأنواعَ –على انفرادِها- عباداتٌ سواء كانت قلبيّةً أو قوليّةً أو عمليّةً أو ماليّةً، لكنْ لا تتمّ على الوجهِ الكاملِ الصّحيحِ إلا باجتماعِ ثلاثةِ أعمالٍ قلبيّةٍ وهي أصولُ العبادةِ: المحبّةُ والخوفُ والرّجاءُ، والمحبّةُ لا تتمّ إلا بموالاةِ العبدِ ربَّه فيما يحبّه اللهُ ويبغضُه، فهي محرّكُ إرادةِ القلبِ، وكلّما قَوِيَتْ طلب القلبُ فِعْلَ كلِّ ما يدخل في وسعِ صاحبِه وقدرتِه، والخضوعُ لازمُ المحبّةِ، فالمحبّةُ المنفردةُ عنِ الخضوعِ لا تكون عبادةً ،كمحبّةِ العبدِ لولدِه أو لصديقِه أو للطّعامِ والشّرابِ، وبالعكسِ فالخضوعُ المجرّدُ عنِ المحبّةِ لا يكون عبادةً كمن يخضع لأوامرِ قاطعِ طريقٍ أو لظالمٍ متجبّرٍ اتّقاءَ ظلمِه وعدوانِه وشرِّه، فلا بدَّ في العبادةِ مِنِ اجتماعِ المحبّةِ والخضوعِ مع الأصلين السّابقَيْن.
والقيامُ من حيث هو قيامٌ -بغضِّ النّظر عن المقومِ له- إن كان مصحوبًا بالمحبّةِ مع الذّلِّ والخضوعِ فهو عبادةٌ، قال تعالى: ﴿وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238]، وقال تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا﴾ [الزمر: 9]، فإن خلا مِن تلك المعاني لم يكن عبادةً.
وإذا ما أردْنا تحقيق المناطِ في القيامِ للجماداتِ: مِن سيفٍ أو عَلَمٍ أو تمثالٍ مرفوعٍ أو محلِّ نارٍ ملتهبةٍ أو حَجَرٍ منصوبٍ ونحو ذلك؛ فإننا نجد حقيقةَ القيامِ لها مُشْرَبًا بالمحبّةِ التي يجسّدها صنيعُ بعضِهم بوضعِ اليدِ اليمنى على القلبِ أثناءَ أداءِ تحيّةِ العَلَمِ إشعارًا بالمحبّةِ والولاءِ الوطنيِّ، والقائمون لها يُقْبِلون بوجوهِهم، خاشعةً أبصارُهم يوجّهونها جميعًا للجماداتِ بمحبّةٍ مصحوبةٍ بانكسارٍ وتركٍ للحركةِ وخشوعٍ وخضوعٍ وغيرِها مِن مظاهرِ الذّلِّ والعبادةِ. وهذا بارز للعيان لا يحاجج فيه إلا مبطل.
ولو سلّمْنا -جدلاً- أنّ القيامَ للجمادِ لا يدخل في مفهومِ العبادةِ وإنّما هو داخلٌ في مفهومِ العادةِ، أفليست عادةُ اليهودِ والنّصارى هذه قائمةً على غلوِّهم في العبادِ والجمادِ؟ أليستِ المشابهةُ للكفّارِ تدلّ على استحسانِ الفاعلِ لمراسيمِهم وشعائرِهم الوثنيّةِ؟ وقد جاء النّصُّ صريحًا في النّهيِ عنِ التّشبّهِ بالكفّارِ في قولِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(1)، ويكفي اتّباعَ سبيلِ المغضوبِ عليهم والضّالين مهلكةً أنّ التّشبُّه بهم في الظّاهرِ مؤذنٌ بالتّشبّهِ بهم في الباطنِ. واللهُ المستعانُ.


«يتبع..»

1- أخرجه أبو داود في «اللباس» (4033) باب في لباس الشهرة ، وأحمد في «مسنده» (2/ 50)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وصححه العراقي في «تخريج الإحياء»: (1/ 359)، وحسنه ابن حجر في «فتح الباري»: (10/ 288)، والألباني في «الإرواء»: (5/ 109)










قديم 2012-04-26, 12:54   رقم المشاركة : 41
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هذه الحلقة الثالثة و الاخيرة :

تفنيد الشبهات المثارة حول حكم القيام للجماد
الشّبهةُ الثّالثةُ: الولاءُ الوطنيُّ وترسيخُ مبدإ «حُبُّ الوَطَنِ مِنَ الإِيمَانِ»
«الحلقة الأخيرة»
فالذي ينبغي أن يُعْلَمَ أنّ محبّةَ الأوطانِ مِن مشاعرِ الفطرةِ والغريزةِ في الإنسانِ، فشأنُ حبِّ الوطنِ كشأنِ حبِّ النّفسِ والآباءِ والمالِ والمطاعمِ والمراكبِ ونحوِ ذلك، وليس حبُّ الوطنِ -في ذاتِه- مِنَ الإيمانِ ولا مِنْ مقتضَياتِه ولوازمِه بدليلِ اشتراكِ النّاسِ فيه مِن غيرِ فرقٍ بين أهلِ التّقوى والإيمانِ وأهلِ الكفرِ والفسوقِ والعصيانِ، بل من مقتضَياتِ الإيمانِ أنْ نفرّقَ بين المؤمنِ وغيرِه وبين المتّقي والفاجرِ؛ كما نصّتْ عليه الآياتُ القرآنيّةُ في قولِه تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لاَ يَسْتَوُونَ﴾ [السجدة: 18]، وقولِه تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ. مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: 35-36]، وقولِه تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [ص: 28]، وقولِه تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الجاثية: 21].
هذا، والاعتمادُ على حديثِ «حُبُّ الوَطَنِ مِنَ الإيمانِ» في الاحتجاجِ على أنّ حبَّ الوطنِ مِن لوازمِ الإيمانِ لا يستقيم مِن جهةِ المعنى –كما تقدّم- مع أنّه قابلٌ للتّأويلِ –كما سيأتي-، ولا ينتهض مِن جهةِ السّندِ؛ لأنّه حديثٌ موضوعٌ مكذوبٌ ومختلقٌ على النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم على ما قرّره أهلُ الاختصاصِ في الحديثِ(1).
وأمّا استدلالُ دعاةِ الوطنيّةِ بقولِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم في فضلِ مكّةَ المكرّمةِ: «وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبُّ أرضِ اللهِ إِلَيَّ، وَاللهِ لَوْلاَ أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ»(2)، فليس فيه ما يدلّ على أنّ حبَّ الوطنِ مِنَ الإيمانِ، ذلك لأنّ محبّةَ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم لمكّةَ لا مِنْ أجلِ الوطنِ، وإنّما لكونِها خيرَ بقاعِ الأرضِ عند اللهِ تعالى، وقد نصّ عليه الحديثُ صراحةً في روايةِ التّرمذيِّ وفيه: «وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ»(3)، وهذا ظاهرٌ لكونِها أماكنَ العبادةِ والحجِّ، وفيها تقوى القلوبِ بتعظيمِ شعائرِ اللهِ، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]، ومثيلُه قولُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «أَحَبُّ البِلاَدِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا»(4)، لأنّها أماكنُ العبادةِ يَعْمُرُها المصلّي بذكرِ اللهِ والمناجاةِ وكثرةِ التّردّدِ إليها للصّلاةِ، وفيها يجتمع بإخوانِه المؤمنين فتتقوّى صلتُهم على حبِّ اللهِ وطاعتِه، وفي هذا خيرُ الدّنيا وسعادةُ الآخرةِ، قال تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [النور: 36-38]، وأكبرُ مظاهرِ عمارةِ المساجدِ الإيمانيّةِ عمارتُها بالتّقوى والعبادةِ والذّكرِ ودراسةِ العلمِ، فذلك مكمنُ محبّةِ اللهِ لها، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ [التوبة: 18].
ويُترجِم هذا المعنى قولُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ» وذكر: «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ»(5)، فقد كنّى النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم عن حبِّ الرّجلِ الشّديدِ للمسجدِ وملازمتِه له وتردّدِه عليه ومحافظتِه على الصّلاةِ مع الجماعةِ بأنّه «مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ»، ومنه يظهر جليًّا أنّ حبَّ خيرِ بقاعِ الأرضِ إيمانيٌّ وليس ترابيًّا.
هذا، ولا يخفى أنّ التّركيزَ على مبدإِ الوطنيّةِ أمرٌ خطيرٌ على عقيدةِ المسلمِ وواقعِه، فهو بغضِّ النّظرِ عن مصدرِه العلمانيِّ فهو مُزيحٌ لعقيدةِ الولاءِ والبراءِ الشّرعيِّ، ومُقْصٍ لرابطةِ الأخوّةِ الإيمانيّةِ المنصوصِ عليها في قولِه تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10] وإحلالُ الرّابطةِ الوطنيّةِ محلَّها، وهذا ما يأباه كلُّ موحِّدٍ يؤمن باللهِ واليومِ الآخرِ، ذلك لأنّ عقيدةَ الولاءِ والبراءِ في موافقةِ العبدِ ربَّه فيما يحبّه ويرضاه وفيما يسخطه ويكرهه ويُبغضه ولا يرضاه مِنَ الأقوالِ والأفعالِ والاعتقاداتِ والذّواتِ واجبةٌ شرعًا، بل إنّ عقيدةَ الولاءِ والبراءِ تُعَدّ مِن لوازمِ الشّهادةِ وشرطًا مِن شروطِها لقولِه تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 24].
هذه المذكوراتُ في الآيةِ مِنَ الحبِّ الفطريِّ، فحبُّ الأصولِ والفروعِ وحواشي النسبِ والأزواجِ والعشيرةِ مقدّمٌ على حبِّ الوطنِ؛ إذ المرء بطبعه يفارق وطنه حفاظا على نفسه أو أصوله وفروعه أو لماله وتجارته، كما هو مأمور –شرعا- بالهجرة من وطنه الذي يحبه غريزيا إن كان بلد كفر إلى بلد الإسلام إن لم يستطع أن يقيم فيه دينه ويظهره، وأن الإقامة فيه مذمومة ما عدا في حق المستضعفين الذين يفقدون الحيلة والسبيل، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا. إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً. فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء: 97-99]، وكذلك يؤمر بالهجرة من بلد المعصية والذنوب إلى أرض الطاعة والاستقامة كما في قصة الرجل العالم الذي أرشد صاحب المعصية الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا(6) أن ينتقل إلى أرض الطاعة استكمالا لهجر المعصية وإحقاقا للتوبة والإنابة إلى الله منها، لذلك كان حبّ الله ورسوله مقدما على الجميع، وقد ذكر الله عز وجل الأوطان والمساكن من حيث تعلق القلب بها في آخر المراتب، وأفصح ابن القيم –رحمه الله- عن السر في ذلك بقوله: «ثمّ ذكر الأوطانَ ثامنًا آخِرَ المراتبِ؛ لأنّ تعلُّقَ القلبِ بها دون تعلّقِه بسائرِ ما تقدّم، فإنّ الأوطانَ تتشابه، وقد يقوم الوطنُ الثّاني مقامَ الأوّلِ مِنْ كلِّ وجهٍ ويكون خيرًا منه؛ فمنها عوضٌ، وأمّا الآباءُ والأبناءُ والأقاربُ والعشائرُ فلا يُتعوَّضُ منها بغيرِها، فالقلبُ وإن كان يحِنّ إلى وطنِه الأوّلِ فحنينُه إلى آبائِه وأبنائِه وزوجاتِه أعظمُ، فمحبّةُ الوطنِ آخرُ المراتبِ، وهذا هو الواقعُ إلاّ لعارضٍ يترجّح عنده إيثارُ البعيدِ على القريبِ؛ فذلك جزئيٌّ لا كلّيٌّ فلا تُنَاقَضُ به، وأمّا عند عدمِ العوارضِ فهذا هو التّرتيبُ المناسبُ والواقعُ»(7)، وعليه فلا ينبغي تغليب حبّ النفس بتضييع حق الأصول والفروع والنظراء والأزواج، ولا أن يدفعنا حبنا لهم إلى تضييع حق الله تعالى ومخالفة أمره، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ﴾ [البقرة: 165].
وقد جاء النّهيُ صريحًا في قولِه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات: 1]، ومنه يُفْهَم معنى الشّهادتين المقتضي لحبِّ ما يحبّه اللهُ ورسولُه وبغضِ ما يُبغضه اللهُ ورسولُه، وحبِّ ما دلّتْ عليه وحبِّ مَنْ نطق بها وعمل بموجَبِها ودعا إليها وكراهةِ ما يُضادّها، ومِنْ ثَمَّ يتذوّق القلبُ حلاوةَ الإيمانِ ولذّةَ اليقينِ لكونِ عقيدةِ الولاءِ والبراءِ مستمَدّةً مِن الإيمانِ، وهي مِن مكمّلاتِه وأوثقِ عراه، قال صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: من كانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ»(8)، وقال صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «أَوْثَقُ عُرَى الإيمانِ الحُبُّ فِي اللهِ وَالبُغْضُ فِي اللهِ»(9)، وفي الحديثِ -أيضًا- قولُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «مَنْ أَحَبَّ للهِ وَأَبْغَضَ للهِ، وَأَعْطَى للهِ وَمَنَعَ للهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ»(10)، فمَنْ أحبَّ اللهَ أحبّ فيه ووالى أولياءَه وعادى أعداءَه، فمَن كان كذلك نال ولايةَ اللهِ، ومَن أحبّ لغيرِ اللهِ تولاّه أعداءُ اللهِ تعالى.
ومِن هنا يظهر جليًّا أنّ المبدأَ الصّحيحَ الجامعَ للأمّةِ الذي أراده الشّرعُ هو «الإسلامُ»، وأنّ الصّلةَ التي على أساسِها يقوم المجتمعُ إنّما هي رابطةُ الأخوّةِ الإيمانيّةِ، والتي أثبتها اللهُ عزّ وجلّ في كتابِه الكريمِ للمؤمنين في قولِه تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]، وهي رابطةٌ مقدَّمةٌ على غيرِها مِنَ الرّوابطِ الأخرى، فالأخوّةُ النّسبيّةُ الطّينيّةُ والعصبيّةُ قوميّةً كانت أو حزبيّةً أو وطنيّةً لا تتماسك مع قوّةِ رابطةِ الدّينِ التي هي الصّلةُ الباقيةُ بين النّاسِ يومَ القيامةِ، وما عداها فمنقطِعٌ، قال تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ﴾ [البقرة: 166]، ولا يخفى أن الرابطة القومية التي يعتبرها أصحابها الرابطة الوحيدة التي تنصهر في بوتقتها جميع العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية لا تفرّق بين العهود الجاهلية والإسلام، وقيمة المواطن بحسب عمله في سبيل تقدم الأمة دون نظر إلى أي اعتبار آخر، ولا تمييز في هذه الرابطة بين المسلم واليهودي والنصراني والشيوعي، فيقدّمون اليهودي العربي والنصراني العربي والشيوعي العربي على المسلم غير العربي، حتى أضحى شاعرهم يقول:
يَا مُسْلِمُونَ وَيَا نَصَارَى دِينُكُمْ ** دِينُ العُرُوبَةِ وَاحِدٌ لاَ اثْنَانِ
وقال آخر:
آمَنْتُ بِالبَعْثِ رَبًّا لاَ شَرِيكَ لَهُ ** وَبِالعُرُوبَةِ دِينًا مَا لَهُ ثَانِ
وقال ثالث:
سَلاَمٌ عَلَى كُفْرٍ يُوَحِّدُ بَيْنَنَا ** وَأَهْلاً وَسَهْلاً بَعْدَهُ بِجَهَنَّمِ
وما كان لهذه الرابطة إلا المخازي والمهالك والإفساد ونشر الظلم والخوف والإلحاد ونهب الثروات وتضييع الأراضي والممتلكات.
هذا، والدعوة إلى الروابط النسبية والعصبية مهما اتصفت وتنوعت فهي -في ميزان الشرع- من عزاء الجاهلية، قال ابن تيمية -رحمه الله-: «وكلُّ ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن: من نسب أو بلد، أو جنس أو مذهب، أو طريقة: فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصم رجلان من المهاجرين والأنصار فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وغضب لذلك غضبًا شديدًا(11)»(12).
أمّا رابطةُ الإيمانِ فتجمع المفترقِين وتؤلّف بين المختلفين وتجعل الأمّةَ كالجسدِ الواحدِ أو كالبنيانِ المرصوصِ يشدّ بعضُه بعضًا، قال صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مثلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى»(13)، وقال صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»، وشبّك بين أصابِعه(14)، وقال صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ»(15) وفي روايةٍ: «لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ»(16)
ولا يخفى أنّ الآيةَ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10] لمّا نزلتْ في المدينةِ كان بها من المواطنين غيرُ المؤمنين مِنَ اليهودِ وغيرِهم، ولم يَدْخُلْ في عمومِ الآية إلاّ المؤمنون دون سائرِ المواطنين.
فالحاصلُ أنّ الشّعورَ بحبِّ الوطنِ مِنْ أجلِ الأرضِ أو مسقطِ الرّأسِ ونحوِ ذلك فهو حبٌّ فطريٌّ غريزيٌّ يجتمع في حبِّه كلُّ مواطنٍ مستقيمٍ في عقيدتِه وسلوكِه وأخلاقِه أو منحرفٍ، ومِنْ هنا لا يكون حبُّه إيمانيًّا إلاّ إذا كان حبُّ الوطنِ في شعائرِه ومقوِّماتِه الدّينيّةِ والخُلُقيّةِ إسلاميًّا(17)، فهو مِنْ أجلِّ هذه الدّوافعِ حبٌّ إيمانيٌّ موجِبٌ للولاءِ والبراءِ وموالاةِ المؤمنين ومحبّتِهم، لقولِه تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: 71]، ولقولِه تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم﴾ [الفتح: 29]، وقولِه تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة: 55-56]، وإذا كان الوطنُ دارَ إسلامٍ فإنّ المسلمَ لا يَقْصُر محبّتَه على مسقطِ رأسِه فحسْبُ، بل ينبغي أن تعمَّ محبّتُه كلَّ وطنٍ مسلمٍ بعيدًا كان أم قريبًا، فتجب نصرتُه وحمايتُه والدّفاعُ عنه، لأنّ بواعثَ المحبّةِ الإيمانيّةِ أشملُ مِنْ قصرِها على الوطنيّةِ الضّيّقةِ، إذِ المؤمنون إخوةٌ في الدّينِ متحابّون يقتدي آخرُهم بأوّلِهم ويدعو بعضُهم لبعضٍ ويستغفرُ بعضُهم لبعضٍ، مهما تباعدتْ أوطانُهم وتباينتْ أنسابُهم وامتدّتْ أزمانُهم، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10].
هذا، ومَنِ اتّصف بالإيمانِ وجب عليه تقديمُ عقيدةِ الولاءِ والبراءِ الشّرعيّةِ على ما عداها مِنَ الرّوابطِ الأخرى وأن يعلمَ أنّ الأخوّةَ الإيمانيّةَ مبنيّةٌ على التّعاونِ الشّرعيِّ بعيدًا عنِ المسلكِ الحزبيِّ أو الجهويِّ أو الوطنيِّ أو القوميِّ، لقولِه تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]، وأنّ مبنى التّضامنِ الإسلاميِّ لا يتمّ إلاّ على عقيدةِ التّوحيدِ، وهو مبدأُ الانطلاقِ في المسيرةِ الدّعويةِ مع التّركيزِ على الإخلاصِ والمتابعةِ؛ لأنّه لا وحدةَ إلا بالتّوحيدِ، ولا اجتماعَ إلا باتّباعٍ، وهذا معنى الشّهادتين، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا، وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: 102-103]، فإنّ التّوحيدَ والاتّباعَ مكمنُ عزِّ المسلمين وقوّتِهم، واللهُ تعالى لا يُعزّ قومًا هجروا سببَ عزّتِهم، وقد أُثِرَ عن عُمَرَ بنِ الخطّابِ رضي اللهُ عنه أنّه قال: «إِنَّا قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللهُ بِالإِسْلاَمِ، فَلَنْ نَبْتَغِيَ العِزَّ بِغَيْرِهِ»(18)، وفي روايةٍ: «إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ فَأَعَزَّنَا اللهُ بِالإِسْلاَمِ، فَمَهْمَا نَطْلِبِ العِزَّ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللهُ بِهِ أَذَلَّنَا اللهُ»(19).
اللّهمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين ورُدَّهم إليك ردًّا جميلاً، وارزقْني وإيّاهم حُبَّك وحُبَّ مَن يحبّك وحُبّ كلِّ عملٍ يقرّبنا إلى حبِّك واجعلني وإيّاهم ممّن يستمعون القولَ فيتّبعون أحسنَه استجابةً للهِ والرّسولِ وخضوعًا لأوامرِ الشّرعِ وانقيادًا له، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ. وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: 24-25]
وآخِرُ دعوانَا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 19 رمضان 1431 ه
الموافق ل: 29 أوت 2010










قديم 2012-04-26, 13:13   رقم المشاركة : 42
معلومات العضو
aboumoadh
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة التوحيد الخالص مشاهدة المشاركة
سؤالك خارج محل النزاع فتفطنننننننننننننننننننننننن ؟؟؟؟
فهمت أنك تتهرب عن الجواب لأن ما أوردتُه حجة عليك فلا ترد عليه و تتناساه
لماذا مصعب رضى الله عنه عظم الراية و تفانى فى رفعها حتى قُتل؟









قديم 2012-04-26, 13:20   رقم المشاركة : 43
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ألم أقل لك انك لا تفرق...... وأشك في قراءتك للموضوع ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
اقراء جيدا بارك الله فيك وركز










قديم 2012-04-26, 13:29   رقم المشاركة : 44
معلومات العضو
aboumoadh
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة التوحيد الخالص مشاهدة المشاركة
هذه الحلقة الثالثة و الاخيرة :

تفنيد الشبهات المثارة حول حكم القيام للجماد
الشّبهةُ الثّالثةُ: الولاءُ الوطنيُّ وترسيخُ مبدإ «حُبُّ الوَطَنِ مِنَ الإِيمَانِ»
«الحلقة الأخيرة»
فالذي ينبغي أن يُعْلَمَ أنّ محبّةَ الأوطانِ مِن مشاعرِ الفطرةِ والغريزةِ في الإنسانِ، فشأنُ حبِّ الوطنِ كشأنِ حبِّ النّفسِ والآباءِ والمالِ والمطاعمِ والمراكبِ ونحوِ ذلك، وليس حبُّ الوطنِ -في ذاتِه- مِنَ الإيمانِ ولا مِنْ مقتضَياتِه ولوازمِه بدليلِ اشتراكِ النّاسِ فيه مِن غيرِ فرقٍ بين أهلِ التّقوى والإيمانِ وأهلِ الكفرِ والفسوقِ والعصيانِ، بل من مقتضَياتِ الإيمانِ أنْ نفرّقَ بين المؤمنِ وغيرِه وبين المتّقي والفاجرِ؛ كما نصّتْ عليه الآياتُ القرآنيّةُ في قولِه تعالى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لاَ يَسْتَوُونَ﴾ [السجدة: 18]، وقولِه تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ. مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: 35-36]، وقولِه تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [ص: 28]، وقولِه تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الجاثية: 21].
هذا، والاعتمادُ على حديثِ «حُبُّ الوَطَنِ مِنَ الإيمانِ» في الاحتجاجِ على أنّ حبَّ الوطنِ مِن لوازمِ الإيمانِ لا يستقيم مِن جهةِ المعنى –كما تقدّم- مع أنّه قابلٌ للتّأويلِ –كما سيأتي-، ولا ينتهض مِن جهةِ السّندِ؛ لأنّه حديثٌ موضوعٌ مكذوبٌ ومختلقٌ على النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم على ما قرّره أهلُ الاختصاصِ في الحديثِ(1).
وأمّا استدلالُ دعاةِ الوطنيّةِ بقولِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم في فضلِ مكّةَ المكرّمةِ: «وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبُّ أرضِ اللهِ إِلَيَّ، وَاللهِ لَوْلاَ أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ»(2)، فليس فيه ما يدلّ على أنّ حبَّ الوطنِ مِنَ الإيمانِ، ذلك لأنّ محبّةَ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم لمكّةَ لا مِنْ أجلِ الوطنِ، وإنّما لكونِها خيرَ بقاعِ الأرضِ عند اللهِ تعالى، وقد نصّ عليه الحديثُ صراحةً في روايةِ التّرمذيِّ وفيه: «وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ»(3)، وهذا ظاهرٌ لكونِها أماكنَ العبادةِ والحجِّ، وفيها تقوى القلوبِ بتعظيمِ شعائرِ اللهِ، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]، ومثيلُه قولُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «أَحَبُّ البِلاَدِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا»(4)، لأنّها أماكنُ العبادةِ يَعْمُرُها المصلّي بذكرِ اللهِ والمناجاةِ وكثرةِ التّردّدِ إليها للصّلاةِ، وفيها يجتمع بإخوانِه المؤمنين فتتقوّى صلتُهم على حبِّ اللهِ وطاعتِه، وفي هذا خيرُ الدّنيا وسعادةُ الآخرةِ، قال تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [النور: 36-38]، وأكبرُ مظاهرِ عمارةِ المساجدِ الإيمانيّةِ عمارتُها بالتّقوى والعبادةِ والذّكرِ ودراسةِ العلمِ، فذلك مكمنُ محبّةِ اللهِ لها، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ [التوبة: 18].
ويُترجِم هذا المعنى قولُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ» وذكر: «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ»(5)، فقد كنّى النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم عن حبِّ الرّجلِ الشّديدِ للمسجدِ وملازمتِه له وتردّدِه عليه ومحافظتِه على الصّلاةِ مع الجماعةِ بأنّه «مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ»، ومنه يظهر جليًّا أنّ حبَّ خيرِ بقاعِ الأرضِ إيمانيٌّ وليس ترابيًّا.
هذا، ولا يخفى أنّ التّركيزَ على مبدإِ الوطنيّةِ أمرٌ خطيرٌ على عقيدةِ المسلمِ وواقعِه، فهو بغضِّ النّظرِ عن مصدرِه العلمانيِّ فهو مُزيحٌ لعقيدةِ الولاءِ والبراءِ الشّرعيِّ، ومُقْصٍ لرابطةِ الأخوّةِ الإيمانيّةِ المنصوصِ عليها في قولِه تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10] وإحلالُ الرّابطةِ الوطنيّةِ محلَّها، وهذا ما يأباه كلُّ موحِّدٍ يؤمن باللهِ واليومِ الآخرِ، ذلك لأنّ عقيدةَ الولاءِ والبراءِ في موافقةِ العبدِ ربَّه فيما يحبّه ويرضاه وفيما يسخطه ويكرهه ويُبغضه ولا يرضاه مِنَ الأقوالِ والأفعالِ والاعتقاداتِ والذّواتِ واجبةٌ شرعًا، بل إنّ عقيدةَ الولاءِ والبراءِ تُعَدّ مِن لوازمِ الشّهادةِ وشرطًا مِن شروطِها لقولِه تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 24].
هذه المذكوراتُ في الآيةِ مِنَ الحبِّ الفطريِّ، فحبُّ الأصولِ والفروعِ وحواشي النسبِ والأزواجِ والعشيرةِ مقدّمٌ على حبِّ الوطنِ؛ إذ المرء بطبعه يفارق وطنه حفاظا على نفسه أو أصوله وفروعه أو لماله وتجارته، كما هو مأمور –شرعا- بالهجرة من وطنه الذي يحبه غريزيا إن كان بلد كفر إلى بلد الإسلام إن لم يستطع أن يقيم فيه دينه ويظهره، وأن الإقامة فيه مذمومة ما عدا في حق المستضعفين الذين يفقدون الحيلة والسبيل، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا. إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً. فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء: 97-99]، وكذلك يؤمر بالهجرة من بلد المعصية والذنوب إلى أرض الطاعة والاستقامة كما في قصة الرجل العالم الذي أرشد صاحب المعصية الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا(6) أن ينتقل إلى أرض الطاعة استكمالا لهجر المعصية وإحقاقا للتوبة والإنابة إلى الله منها، لذلك كان حبّ الله ورسوله مقدما على الجميع، وقد ذكر الله عز وجل الأوطان والمساكن من حيث تعلق القلب بها في آخر المراتب، وأفصح ابن القيم –رحمه الله- عن السر في ذلك بقوله: «ثمّ ذكر الأوطانَ ثامنًا آخِرَ المراتبِ؛ لأنّ تعلُّقَ القلبِ بها دون تعلّقِه بسائرِ ما تقدّم، فإنّ الأوطانَ تتشابه، وقد يقوم الوطنُ الثّاني مقامَ الأوّلِ مِنْ كلِّ وجهٍ ويكون خيرًا منه؛ فمنها عوضٌ، وأمّا الآباءُ والأبناءُ والأقاربُ والعشائرُ فلا يُتعوَّضُ منها بغيرِها، فالقلبُ وإن كان يحِنّ إلى وطنِه الأوّلِ فحنينُه إلى آبائِه وأبنائِه وزوجاتِه أعظمُ، فمحبّةُ الوطنِ آخرُ المراتبِ، وهذا هو الواقعُ إلاّ لعارضٍ يترجّح عنده إيثارُ البعيدِ على القريبِ؛ فذلك جزئيٌّ لا كلّيٌّ فلا تُنَاقَضُ به، وأمّا عند عدمِ العوارضِ فهذا هو التّرتيبُ المناسبُ والواقعُ»(7)، وعليه فلا ينبغي تغليب حبّ النفس بتضييع حق الأصول والفروع والنظراء والأزواج، ولا أن يدفعنا حبنا لهم إلى تضييع حق الله تعالى ومخالفة أمره، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ﴾ [البقرة: 165].
وقد جاء النّهيُ صريحًا في قولِه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات: 1]، ومنه يُفْهَم معنى الشّهادتين المقتضي لحبِّ ما يحبّه اللهُ ورسولُه وبغضِ ما يُبغضه اللهُ ورسولُه، وحبِّ ما دلّتْ عليه وحبِّ مَنْ نطق بها وعمل بموجَبِها ودعا إليها وكراهةِ ما يُضادّها، ومِنْ ثَمَّ يتذوّق القلبُ حلاوةَ الإيمانِ ولذّةَ اليقينِ لكونِ عقيدةِ الولاءِ والبراءِ مستمَدّةً مِن الإيمانِ، وهي مِن مكمّلاتِه وأوثقِ عراه، قال صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: من كانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ»(8)، وقال صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «أَوْثَقُ عُرَى الإيمانِ الحُبُّ فِي اللهِ وَالبُغْضُ فِي اللهِ»(9)، وفي الحديثِ -أيضًا- قولُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «مَنْ أَحَبَّ للهِ وَأَبْغَضَ للهِ، وَأَعْطَى للهِ وَمَنَعَ للهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ»(10)، فمَنْ أحبَّ اللهَ أحبّ فيه ووالى أولياءَه وعادى أعداءَه، فمَن كان كذلك نال ولايةَ اللهِ، ومَن أحبّ لغيرِ اللهِ تولاّه أعداءُ اللهِ تعالى.
ومِن هنا يظهر جليًّا أنّ المبدأَ الصّحيحَ الجامعَ للأمّةِ الذي أراده الشّرعُ هو «الإسلامُ»، وأنّ الصّلةَ التي على أساسِها يقوم المجتمعُ إنّما هي رابطةُ الأخوّةِ الإيمانيّةِ، والتي أثبتها اللهُ عزّ وجلّ في كتابِه الكريمِ للمؤمنين في قولِه تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]، وهي رابطةٌ مقدَّمةٌ على غيرِها مِنَ الرّوابطِ الأخرى، فالأخوّةُ النّسبيّةُ الطّينيّةُ والعصبيّةُ قوميّةً كانت أو حزبيّةً أو وطنيّةً لا تتماسك مع قوّةِ رابطةِ الدّينِ التي هي الصّلةُ الباقيةُ بين النّاسِ يومَ القيامةِ، وما عداها فمنقطِعٌ، قال تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ﴾ [البقرة: 166]، ولا يخفى أن الرابطة القومية التي يعتبرها أصحابها الرابطة الوحيدة التي تنصهر في بوتقتها جميع العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية لا تفرّق بين العهود الجاهلية والإسلام، وقيمة المواطن بحسب عمله في سبيل تقدم الأمة دون نظر إلى أي اعتبار آخر، ولا تمييز في هذه الرابطة بين المسلم واليهودي والنصراني والشيوعي، فيقدّمون اليهودي العربي والنصراني العربي والشيوعي العربي على المسلم غير العربي، حتى أضحى شاعرهم يقول:
يَا مُسْلِمُونَ وَيَا نَصَارَى دِينُكُمْ ** دِينُ العُرُوبَةِ وَاحِدٌ لاَ اثْنَانِ
وقال آخر:
آمَنْتُ بِالبَعْثِ رَبًّا لاَ شَرِيكَ لَهُ ** وَبِالعُرُوبَةِ دِينًا مَا لَهُ ثَانِ
وقال ثالث:
سَلاَمٌ عَلَى كُفْرٍ يُوَحِّدُ بَيْنَنَا ** وَأَهْلاً وَسَهْلاً بَعْدَهُ بِجَهَنَّمِ
وما كان لهذه الرابطة إلا المخازي والمهالك والإفساد ونشر الظلم والخوف والإلحاد ونهب الثروات وتضييع الأراضي والممتلكات.
هذا، والدعوة إلى الروابط النسبية والعصبية مهما اتصفت وتنوعت فهي -في ميزان الشرع- من عزاء الجاهلية، قال ابن تيمية -رحمه الله-: «وكلُّ ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن: من نسب أو بلد، أو جنس أو مذهب، أو طريقة: فهو من عزاء الجاهلية، بل لما اختصم رجلان من المهاجرين والأنصار فقال المهاجري: يا للمهاجرين، وقال الأنصاري: يا للأنصار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وغضب لذلك غضبًا شديدًا(11)»(12).
أمّا رابطةُ الإيمانِ فتجمع المفترقِين وتؤلّف بين المختلفين وتجعل الأمّةَ كالجسدِ الواحدِ أو كالبنيانِ المرصوصِ يشدّ بعضُه بعضًا، قال صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مثلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى»(13)، وقال صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»، وشبّك بين أصابِعه(14)، وقال صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ»(15) وفي روايةٍ: «لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ»(16)
ولا يخفى أنّ الآيةَ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10] لمّا نزلتْ في المدينةِ كان بها من المواطنين غيرُ المؤمنين مِنَ اليهودِ وغيرِهم، ولم يَدْخُلْ في عمومِ الآية إلاّ المؤمنون دون سائرِ المواطنين.
فالحاصلُ أنّ الشّعورَ بحبِّ الوطنِ مِنْ أجلِ الأرضِ أو مسقطِ الرّأسِ ونحوِ ذلك فهو حبٌّ فطريٌّ غريزيٌّ يجتمع في حبِّه كلُّ مواطنٍ مستقيمٍ في عقيدتِه وسلوكِه وأخلاقِه أو منحرفٍ، ومِنْ هنا لا يكون حبُّه إيمانيًّا إلاّ إذا كان حبُّ الوطنِ في شعائرِه ومقوِّماتِه الدّينيّةِ والخُلُقيّةِ إسلاميًّا(17)، فهو مِنْ أجلِّ هذه الدّوافعِ حبٌّ إيمانيٌّ موجِبٌ للولاءِ والبراءِ وموالاةِ المؤمنين ومحبّتِهم، لقولِه تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: 71]، ولقولِه تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم﴾ [الفتح: 29]، وقولِه تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة: 55-56]، وإذا كان الوطنُ دارَ إسلامٍ فإنّ المسلمَ لا يَقْصُر محبّتَه على مسقطِ رأسِه فحسْبُ، بل ينبغي أن تعمَّ محبّتُه كلَّ وطنٍ مسلمٍ بعيدًا كان أم قريبًا، فتجب نصرتُه وحمايتُه والدّفاعُ عنه، لأنّ بواعثَ المحبّةِ الإيمانيّةِ أشملُ مِنْ قصرِها على الوطنيّةِ الضّيّقةِ، إذِ المؤمنون إخوةٌ في الدّينِ متحابّون يقتدي آخرُهم بأوّلِهم ويدعو بعضُهم لبعضٍ ويستغفرُ بعضُهم لبعضٍ، مهما تباعدتْ أوطانُهم وتباينتْ أنسابُهم وامتدّتْ أزمانُهم، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10].
هذا، ومَنِ اتّصف بالإيمانِ وجب عليه تقديمُ عقيدةِ الولاءِ والبراءِ الشّرعيّةِ على ما عداها مِنَ الرّوابطِ الأخرى وأن يعلمَ أنّ الأخوّةَ الإيمانيّةَ مبنيّةٌ على التّعاونِ الشّرعيِّ بعيدًا عنِ المسلكِ الحزبيِّ أو الجهويِّ أو الوطنيِّ أو القوميِّ، لقولِه تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]، وأنّ مبنى التّضامنِ الإسلاميِّ لا يتمّ إلاّ على عقيدةِ التّوحيدِ، وهو مبدأُ الانطلاقِ في المسيرةِ الدّعويةِ مع التّركيزِ على الإخلاصِ والمتابعةِ؛ لأنّه لا وحدةَ إلا بالتّوحيدِ، ولا اجتماعَ إلا باتّباعٍ، وهذا معنى الشّهادتين، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا، وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: 102-103]، فإنّ التّوحيدَ والاتّباعَ مكمنُ عزِّ المسلمين وقوّتِهم، واللهُ تعالى لا يُعزّ قومًا هجروا سببَ عزّتِهم، وقد أُثِرَ عن عُمَرَ بنِ الخطّابِ رضي اللهُ عنه أنّه قال: «إِنَّا قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللهُ بِالإِسْلاَمِ، فَلَنْ نَبْتَغِيَ العِزَّ بِغَيْرِهِ»(18)، وفي روايةٍ: «إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ فَأَعَزَّنَا اللهُ بِالإِسْلاَمِ، فَمَهْمَا نَطْلِبِ العِزَّ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللهُ بِهِ أَذَلَّنَا اللهُ»(19).
اللّهمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين ورُدَّهم إليك ردًّا جميلاً، وارزقْني وإيّاهم حُبَّك وحُبَّ مَن يحبّك وحُبّ كلِّ عملٍ يقرّبنا إلى حبِّك واجعلني وإيّاهم ممّن يستمعون القولَ فيتّبعون أحسنَه استجابةً للهِ والرّسولِ وخضوعًا لأوامرِ الشّرعِ وانقيادًا له، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ. وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: 24-25]
وآخِرُ دعوانَا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 19 رمضان 1431 ه
الموافق ل: 29 أوت 2010
قال كلمة هي بيت القصيد:حب خير البقاع إيماني و ليس ترابي فحبنا لمكة لما فيها المسجد الحرام و كذلك المدينة و فلسطين و كذالك باقي البدان الإسلامية حبنا لها لمفيها من ماجد زو إبمان و توحيد و ليس لترابها
فحب الوطن الإسلامي و الدفاع عنه من الإيمان و هذا الفرق بيننا و بين الكافر الذى يحب بلده لأنه ولد فيه.
سؤال الذى يطرح نفسه؟
الذي يموت من أجل الدفاع عن وطنه المسلم شهيد أم لا ؟



شكرا على عدم ذكر إسم الشيخ









قديم 2012-04-26, 13:56   رقم المشاركة : 45
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

يظر عليك ما فهت شئ لا تعليق والشيخ هو الشيخ فركوس حفظه الله ويظر عليك كذاك ما تتبعت التسلسل ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟










 

الكلمات الدلالية (Tags)
الوقوف, تعظيماً, خدوش, سلام, وطني, وطني؟


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 05:02

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc