شرح متن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - الصفحة 3 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد > أرشيف قسم العقيدة و التوحيد

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

شرح متن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2008-12-18, 09:48   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَوْلُهُ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) فِي [سَبْعَةِ]
مَوَاضِعَ: [فِي سُورَةِ الأَعْرَافِ؛ قَوْلُهُ: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )
وَقَالَ فِي سُورَةِ يُونُسَ ـ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ـ : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )

وَقَالَ فَي سُورَةِِ الرَّعْدِِ: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )

وَقَالَ فِي سُورَةِ طَهَ: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)
وَقَالَ فِي سُورَةِ الْفُرْقَـان ِ: ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ )
وَقَالَ فِي سُورَةِ آلم السَّجْدَةِ: ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش )، وَقَالَ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )

/ش/ وقولـه: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى... ) إلخ؛ هذه هي المواضع السبعة التي أخبر فيها سبحانه باستوائه على العرش، وكلها قطعية الثبوت؛ لأنها من كتاب الله، فلا يملك الجهميُّ المعطِّل لها ردًّا ولا إنكارًا، كما أنها صريحة في بابها، لا تحتمل تأويلاً، فإن لفظ: (اسْتَوَى ) في اللغة إذا عُدِّي بـ(على) لا يمكن أن يُفْهَمَ منه إلا العلو والارتفاع، ولهذا لم تخرج تفسيرات السلف لهذا اللفظ عن أربع عبارات؛ ذكرها العلاَّمة ابن القيم في ((النُّونية)) ؛ حيث قال:

فَلَهُمْ عِبَارَاتٌ عَلَيْهَا أَرْبَعٌ

قَدْ حُصِّلَتْ لِلْفَارِسِ الطَّعَّانِ

وَهِيَ اسْتَقَرَّ وَقَدْ عَلاَ وَكَذلِكَ

ارتَفَعَ الَّذِي مَا فِيهِ مِن نُّكْرَانِ

وَكَذَاكَ قَدْ صَعِدَ الَّذِي هُوَ رَابِعٌ

وَأَبُو عُبَيْدَةَ صَاحِبُ الشِّيبَانِي

يَخْتَارُ هَذَا القَوْلَ فِي تَفْسِيرِهِ

أَدْرَى مِنَ الْجَهْمِيِّ بِالْقُرآنِ

فأهل السنة والجماعة يؤمنون بما أخبر به سبحانه عن نفسه من أنه مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه بالكيفية التي يعلمها هو جلَّ شأنه؛ كما قال مالك وغيره:

((الاستواء معلومٌ، والكيفُ مجهولُ) .

وأما ما يشغِّب به أهل التعطيل من إيراد اللوازم الفاسدة على تقرير الاستواء؛ فهي لا تلزمنا؛ لأننا لا نقول بأن فوقيَّتَهُ على العرش كفوقِيَّة المخلوق على المخلوق.

وأما ما يحاولون به صرف هذه الآيات الصريحة عن ظواهرها بالتأويلات الفاسدة التي تدُلُّ على حيرتهم واضطرابهم؛ كتفسيرهم : ??(اسْتَوَى ) بـ( اسـتولى ) ، أو حملهم (عَلَى ) على معنى ( إلى ) ، و (اسْتَوَى )؛ بمعنى: (قصد)… إلى آخر ما نقله عنهم حامل لواء التجهُّم والتعطيل زاهد الكوثري ؛ فكلها تشغيبٌ بالباطل، وتغييرٌ في وجه الحق لا يغني عنهم في قليلٍ ولا كثيرٍ.

وليت شعري! ماذا يريد هؤلاء المعطِّلة أن يقولوا؟!

أيريدون أن يقولوا: ليس في السماء ربٌّ يُقْصَدُ، ولا فوق العرش إله يُعْبَدُ؟!

فأين يكون إذن؟!

ولعلَّهم يضحكون منا حين نسأل عنه بـ(أين)! ونسوا أن أكمل الخلق وأعلمهم بربهم صلوات الله عليه وسلامه قد سأل عنه بـ(أين) حين قال للجارية: ((أين الله؟)).ورضي جوابها حين قالت: في السماء .

وقد أجاب كذلك مَن سأله بـ: أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ بأنه كان في عماء.. الحديث .

ولم يُرْوَ عنه أنه زجر السائل، ولا قال له: إنك غلطت في السؤال.

إن قصارى ما يقوله المتحذلق منهم في هذا الباب: إن الله تعالى كان ولا مكان، ثم خلق المكان، وهو الآن على ما كان قبل المكان.

فماذا يعني هذا المُخَرِّف بالمكان الذي كان الله ولم يكن؟!

هل يعني به تلك الأمكنة الوجودية التي هي داخل محيط العالم؟!

فهذه أمكنة حـادثة ، ونحن لا نقول بوجود الله في شيءٍ منها ؛ إذ لا يحصره ولا يحيط به شيء من مخلوقاته.

وأما إذا أراد بها المكان العَدَميَّ الذي هو خلاءٌ محضٌ لا وجود فيه؛ فهذا لا يقال: إنه لم يكن ثم خلق؛ إذ لا يتعلق به الخلق، فإنه أمر عدميٌّ، فإذا قيل: إن الله في مكان بهذا المعنى؛ كما دلَّت عليه الآيات والأحاديث؛ فأي محذورٍ في هذا؟!

بل الحق أن يقال: كان الله ولم يكن شيء قبله، ثم خلق السموات والأرض في ستة أيام، وكان عرشه على الماء، ثم استوى على العرش، وثم هنا للترتيب الزماني لا لمجرَّد العطف.









 


قديم 2008-12-20, 09:57   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَوْلُهُ: (يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ )، (بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ )، (إِلَيْهِ يَصْعَدُالْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )


(يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًالَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ* أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَىوَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا )، وَقَوْلُهُ: (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءأَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَاهِيَ تَمُورُ * أَمْأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءأَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًافَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ) .
/ش/وقولـه: (يَاعِيسَى... ) إلخ؛ هذه الآيات جاءت مؤيِّدة لما دلَّت عليه الآيات السابقة من علوِّه تعالى وارتفاعه فوق العرش مباينًا للخلق، وناعية على المعطِّلة جحودهم وإنكارهم لذلك، تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا.
ففي الآية الأولى ينادي الله رسوله وكلمته عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام بأنَّه متوفِّيه ورافعه إليه حين دبَّر اليهود قتله، والضمير في قوله( إِلَيَّ )هو ضمير الرب جلَّ شأنه، لا يحتمل غير ذلك، فتأويله بأن المراد: إلى محل رحمتي، أو مكان ملائكتي... إلخ لا معنى له.


ومثل ذلك يقال أيضًا في قوله سبحانه ردًّا على ما ادَّعاه اليهود من قتل عيسى وصلبه: (بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ).
وقد اختُلِفَ في المراد بالتوفِّي المذكور في الآية، فحملـه بعضهم على الموت، والأكثرون على أنَّ المراد به النوم، ولفظ المتوفَّى يُسْتَعْمَل فيه؛ قال تعالى:
(وَهُوَالَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَاجَرَحْتُم )
ومنهم مَن زعم أنَّ في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، وأنَّ التقدير: إنِّي رافعك ومتوفيك؛ أي: مميتك بعد ذلك.
والحق أنَّه عليه السلام رُفع حيًّا، وأنَّه سينزل قرب قيام الساعة؛ لصحَّة الحديث بذلك .
وأما قولـه سبحانه: (إِلَيْهِ يَصْعَدُالْكَلِمُ الطَّيِّبُ )؛ فهو صريحٌ أيضًا في صعود أقوال العباد وأعمالهم إلى الله عز وجل، يصعد بها الكرام الكاتبون كل يوم عقب صلاة العصر، وعقب صلاة الفجر؛ كما جاء في الحديث:
((فيعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم ـ وهو أعلم ـ كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: يا ربنا! أتيناهم وهم يصلُّون, وتركناهم وهم يصلُّون)) .
وأما قوله سبحانه حكايةً عن فرعون: (يَاهَامَانُ... )إلخ؛ فهو دليل على أنَّ موسى عليه السلام أخبر فرعون الطاغية بأنَّ إلهه في السماء، فأراد أنْ يتلمَّس الأسباب للوصول إليه تمويهًا على قومه، فأمر وزيره هامان أنْ يبني له الصرح، ثم عقَّب على ذلك بقوله : (وَإِنِّي لأَظُنُّهُ )؛ أي: موسى (كَاذِبًا )فيما أخبر به من كون إلهه في السماء، فمَن إذًا أشبه بفرعون وأقرب إليه نسبًا؛ نحنُ أم هؤلاء المعطِّلة؟! إنَّ فرعونَ كَذَّبَ موسى في كون إلهه في السماء، وهو نفس ما يقوله هؤلاء.
قولـه: (أَأَمِنتُم... )إلخ؛ هاتان الآيتان فيهما التصريح بأنَّ الله عز وجل في السماء، ولا يجوز حمل ذلك على أنَّ المراد به: العذاب، أو الأمر، أو المَلَك؛ كما يفعل المعطلة؛ لأنَّه قال: (مَّن )، وهي [للعاقل] ، وحَمْلُها على المَلَك إخراجُ اللفظ عن ظاهره بلا قرينة توجب ذلك.
ولا يجوز أنْ يُفهم من قوله: (فِي السَّمَاء ) أنَّ السماء ظرفٌ له سبحانه؛ بل إنْ أُريد بالسماء هذه المعروفة؛ فـ (فِي )بمعنى على؛ كما في قوله تعالى: (وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْل ) ، وإنْ أريد بها جهة العلو؛ فـ (فِي ) على حقيقتها؛ فإنَّه سبحانه في أعلى العلوِّ.

















آخر تعديل ليتيم الشافعي 2008-12-20 في 10:02.
قديم 2008-12-25, 09:27   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قوله تعالى:
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )
، وَقَوْلُهُ: (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )، (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) ، وَقَوْلُهُ : (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) ، (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ )،(وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) ،(كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )

/ش/ قولـه: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات.. ) إلخ؛ تضمَّنت هذه الآية الكريمة إثبات صفة المعيَّة له عزَّ وجلَّ، وهي على نوعين.

1- معيَّة عامَّة: شاملة لجميع المخلوقات، فهو سبحانه مع كل شيء بعلمه وقدرته وقهره وإحاطته، لا يغيب عنه شيء، ولا يعجزه، وهذه المعيَّة المذكورة في الآية.

ففي هذه الآية يخبر عن نفسه سبحانه بأنه هو وحده الذي خلق السموات والأرض ـ يعني: أوجدهما على تقدير وترتيب سابق في مدة ستة أيام ـ، ثم علا بعد ذلك وارتفع على عرشه؛ لتدبير أمور خلقه. وهو مع كونه فوق عرشه لا يغيب عنه شيءٌ من العالَمَيْن العُلويِّ والسُّفليِّ؛ فهو( يَعْلَمُ مَا يَلِجُ ) أي: يدخل(فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ ) ؛ أي: يصعد( فِيهَا) ، ولا شَكَّ أن مَن كان علمه وقدرته محيطَيْن بجميع الأشياء؛ فهو مع كل شيء، ولذلك قال: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ).

قولـه: (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ) إلخ؛ يثبت سبحانه شمول علمه وأحاطته بجميع الأشياء، وأنه لا يخفى عليه نجوى المتناجين، وأنه شهيدٌ على الأشياء كلها، مطَّلِع عليها.

وإضافة ( نَّجْوَى ) إلى ثلاثة من إضافة الصفة إلى الموصوف، والتقدير: ما يكون من ثلاثة نجوى؛ أي: متناجين.

2- وأما الآيات الباقية؛ فهي في إثبات المعيَّة الخاصَّة التي هي معيَّتُه لرسلـه تعالى وأوليائه بالنصر والتأييد والمحبة والتوفيق والإلهام.

فقولـه تعالى (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) حكايةٌ عما قالـه عليه الصلاة والسلام لأبي بكرٍ الصدِّيق وهما في الغار، فقد أحاط المشركون بفم الغار عندما خرجوا في طلبه عليه السلام، فلما رأى أبو بكر ذلك انزعج، وقال:

((والله يا رسول الله! لو نظر أحدهم تحت قدمه لأبصرنا)).

فقال لـه الرسول ( ما حكاه الله عز وجل هنا:

(لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )

فالمراد بالمعيَّة هنا معية النصر والعصمة من الأعداء.

وأما قولـه: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ). فقد تقدَّم الكلام عليه، وأنَّها خطابٌ لموسى وهارون عليهما السلام أن لا يخافا بطش فرعون بهما؛ لأنَّ الله عز وجل معهما بنصره وتأييده.

وكذلك بقيَّة الآيات يخبر الله فيها عن معيته للمتَّقين الذين يراقبون الله عز وجل في أمره ونهيه، ويحفظون حدوده، وللمحسنين الذين يلتزمون الإحسان في كل شيء، والإحسان يكون في كل شيء بحسبه، فهو في العبادة ـ مثلاً ـ أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك؛ كما جاء في حديث جبريل عليه السلام .

وكذلك يخبر عن معيَّته للصابرين الذي يحبسون أنفسهم على ما تكره، ويتحمَّلون المشاقَّ والأذى في سبيل الله وابتغاء وجهه؛ صبرًا على طاعة الله، وصبرًا عن معصيته، وصبرًا على قضائه.

يتبع










آخر تعديل ليتيم الشافعي 2008-12-25 في 09:29.
قديم 2008-12-25, 09:52   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَوْلُـهُ :( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ) ،(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً )، (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ )
، (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ) ، وَقَوْلُهُ: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ) ، (مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ )، (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ )،(وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا )، وَقَوْلـه : (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )(وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ )، وَقَوْلُهُ: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ).

/ش/: تضمَّنت هذه الآيات إثبات صفة الكلام لله عزّ وجلّ.

وقد تنازع الناس حول هذه المسألة نزاعًا كبيرًا:

فمنهم من جعل كلامه سبحانه مخلوقًا منفصلاً منه، وقال: إن معنى (متكلِّم): خالقٌ للكلام. وهم المعتزلة.

ومنهم من جعلـه لازمًا لذاته أزلاً وأبدًا، لا يتعلَّق بمشيئته وقدرته، ونفى عنه الحرف والصوت، وقال: إنه معنى واحد في الأزل. وهم الكُلاَّبيَّة والأشعرية.

ومنهم مَن زعم أنه حروفٌ وأصواتٌ قديمةٌ لازمة للذَّات، وقال: إنها مقترنة في الأزل، فهو سبحانه لا يتكلم بها شيئًا بعد شيء. وهم بعض الغلاة.

ومنهم من جعلـه حادثًا قائمًا بذاته تعالى، ومتعلِّقًا بمشيئته وقدرته، ولكن زعم أن لـه ابتداء في ذاته، وأن الله لم يكن متكلِّمًا في الأزل. وهم الكرَّامية .

ويطول بنا القول لو اشتغلنا بمناقشة هذه الأقول وإفسادها، على أن فسادها بيِّنٌ لكل ذي فهمٍ سليمٍ، ونظرٍ مستقيمٍ.

وخلاصةُ مذهب أهل السنة والجماعة في هذه المسألة أن الله تعالى لم يزل متكلِّمًا إذا شاء، وأن الكلام صفة لـه قائمة بذاته، يتكلَّم بها بمشيئته وقدرته، فهو لم يزل ولا يزال متكلِّمًا إذا شاء، وما تكلَّم الله به فهو قائمٌ به ليس مخلوقًا منفصلاً عنه؛ كما تقول المعتزلة، ولا لازمًا لذاته لزوم الحياة لها؛ كما تقول الأشاعرة؛ بل هو تابعٌ لمشيئته وقدرته.

والله سبحانه نادى موسى بصوتٍ، ونادى آدم وحواء بصوتٍ، وينادي عباده يوم القيامة بصوتٍ، ويتكلَّم بالوحي بصوتٍ، ولكن الحروف والأصوات التي تكلَّم الله بها صفة لـه غير مخلوقة، ولا تشبه أصوات المخلوقين وحروفهم؛ كما أن علم الله القائم بذاته ليس مثل علم عباده؛ فإن الله لا يماثل المخلوقين في شيء من صفاته.

والآيتان الأوليان هنا ـ وهما من سورة النساء ـ تنفيان أن يكون أحدٌ أصدقَ حديثًا وقولاً من الله عز وجل، بل هو سبحانه أصدق من كل أحدٍ في كل ما يخبر به، وذلك لأن علمه بالحقائق المخبَرِ عنها أشمل وأضبط، فهو يعلمها على ما هي به من كل وجه، وعلم غيره ليس كذلك.

وأما قوله: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى.... )إلخ؛ فهو حكايةٌ لما سيكون يوم القيامة من سؤال الله لرسولـه وكلمته عيسى عمَّا نسبه إليه الَّذين ألَّهوه وأمه من النصارى من أنه هو الذي أمرهم بأن يتَّخِذوه وأمَّه إلهينِ من دون الله.

وهذا السؤال لإظهار براءة عيسى عليه السلام، وتسجيل الكذب والبهتان على هؤلاء الضالِّين الأغبياء.

وأما قولـه: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً )؛ فالمراد صدقًا في أخباره، وعدلاً في أحكامه؛ لأن كلامه تعالى إما أخبار، وهي كلها في غاية الصدق، وإما أمر ونهي، وكلها في غاية العدل الذي لا جور فيه؛ لابتنائها على الحكمة والرحمة.

والمراد بالكلمة هنا الكلمات؛ لأنها أُضيفت إلى معرفة، فتفيد معنى الجمع؛ كما في قولنا: رحمة الله ونعمة الله.

وأما قوله: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا )وما بعدها من الآيات التي تدل على أن الله قد نادى موسى وكلمه تكليمًا، وناجاه حقيقة من وراء حجاب، وبلا واسطة ملَكٍ؛ فهي تردُّ على الأشاعرة الذين يجعلون الكلام معنى قائمًا بالنفس؛ بلا حرف، ولا صوت!

فيقال لهم: كيف سمع موسى هذا الكلامَ النفسيَّ؟

فإن قالوا: ألقى الله في قلبه علمًا ضروريًّا بالمعاني التي يريد أن يكلِّمَه بها؛ لم يكن هناك خصوصية لموسى في ذلك.

وإن قالوا: إن الله خلق كلامًا في الشجرة أو في الهواء، ونحو ذلك؛ لزم أن تكون الشجرة هي التي قالت لموسى: (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ )

وكذلك تردُّ عليهم هذه الآيات في جعلهم الكلام معنى واحدًا في الأزل، لا يحدث منه في ذاته شيءٌ، فإن الله يقول: (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ )؛ فهي تفيد حدوث الكلام عند مجيء موسى للميقات، ويقول: (وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ ) فهذا يدل حدوث النداء عند جانب الطور الأيمن.

والنداء لا يكون إلا صوتًا مسموعًا.

وكذلك قوله تعالى في شأن آدم وحواء: (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا... )الآية؛ فإن هذا النداء لم يكن إلا بعد الوقوع في الخطيئة، فهو حادث قطعًا.

وكذلك قوله تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ... ) إلخ؛ فإن هذا النداء والقول سيكون يوم القيامة.

وفي الحديث:

((ما من عبدٍ إلاَّ سيكلِّمُهُ الله يومَ القيامة ليس بينَهُ وبينَه تَرجمان))










قديم 2008-12-27, 11:59   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قوله:
(وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ) ،(وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
،( يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ )، (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ )، وَقَوْلُهُ: ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) ، (وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ) ، ( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) ،( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ )

/ش/ قوله: ( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ...)إلخ؛ هذه الآيات الكريمة تفيد أن القرآن المتلوّ المسموع المكتوب بين دفَّتي المصحف هو كلام الله على الحقيقة، وليس فقط عبارة أو حكاية عن كلام الله؛ كما تقول الأشعريَّة.

وإضافته إلى الله عزّ وجلّ تدلُّ على أنه صفةٌ لـه قائمة به، وليست كإضافة البيت أو الناقة؛ فإنها إضافة معنى إلى الذات، تدلُّ على ثبوت المعنى لتلك الذات؛ بخلاف إضافة البيت أو الناقة؛ فإنَّها إضافة أعيان، وهذا يردُّ على المعتزلة في قولهم: إنه مخلوق منفصلٌ عن الله.

ودلَّـت هذه الآيات أيضًا على أن القرآن منزَّلٌ من عند الله، بمعنى أن الله تكلَّم به بصوتٍ سمعه جبريل عليه السلام، فنزل به، وأدَّاه إلى رسول الله ( كما سمعه من الربِّ جل شأنه.

وخلاصة القول في ذلك: أن القرآن العربي كلام الله، منزَّلٌ، غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود، والله تكلَّم به على الحقيقة، فهو كلامه حقيقة لا كلام غيره، وإذا قرأ الناس القرآن أو كتبوه في المصاحف لم يخرجه ذلك عن أن يكون كلام الله؛ فإن الكلام إنما يضاف حقيقةً إلى مَن قاله مبتدئًا، لا إلى مَن بلغه مؤدِّيًا، والله تكلَّم بحروفه ومعانيه بلفظ نفسه، ليس شيء منه كلامًا لغيره، لا لجبريل، ولا لمحمد، ولا لغيرهما، والله تكلم به أيضًا بصوت نفسه، فإذا قرأه العباد قرؤوه بصوت أنفسهم، فإذا قال القارئ مثلاً :(الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين )؛كان هذا الكلام المسموع منه كلام الله ، لا كلام نفسه ، وكان هو قرأه بصوت نفسه لا بصوت الله.

وكما أن القرآن كلام الله، فكذلك هو كتابه؛ لأنه كتبه في اللوح المحفوظ، ولأنه مكتوبٌ في المصاحف؛ قال تعالى:

(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ )

وقال: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ )

وقال: (فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ )

والقرآن في الأصل مصدرٌ كالقراءة؛ كما في قوله تعالى:

(إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا )

ويراد به هنا أن يكونَ عَلَمًا على هذا المنزَّل من عند الله، المكتوب بين دفَّتي المصحف، المتعبَّد بتلاوته، المتحدَّى بأقصر سورة منه.

وقولـه: ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقّ ) يدلُّ أن ابتداء نزولـه من عند الله عز وجل، وأن روح القدس جبريل عليه السلام تلقَّاه عن الله سبحانه بالكيفيَّة التي يعلمها.



وَقَوْلُهُ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )،( عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ) ،( لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) ، وَقَوْلُهُ: ( لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) ، وَهَذَا الْبَابُ فِي كِتَابِ اللهِ كَثِيرٌ، مَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ طَالِبًا لِلْهُدَى مِنْهُ؛ تَبَيَّنَ لَهُ طَرُيقُ الْحَقِّ .
/ش/ قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ.. ) إلخ؛ هذه الآيات تثبت رؤية المؤمنين لله عز وجل يوم القيامة في الجنة.

وقد نفاها المعتزلة؛ بناء على نفيهم الجهة عن الله؛ لأن المرئي يجب أن يكون في جهة من الرائي، وما دامت الجهة مستحيلة، وهي شرط في الرؤية؛ فالرؤية كذلك مستحيلة.

واحتجُّوا من النقل بقولـه تعالى: ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) ، وقوله لموسى عليه السلام حين سألـه الرؤية: ( لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي )

وأما الأشاعرة؛ فهم مع نفيهم الجهة كالمعتزلة يثبتون الرؤية، ولذلك حاروا في تفسير تلك الرؤية، فمنهم مَن قال: يرونه من جميع الجهات، ومنهم من جعلها رؤية بالبصيرة لا بالبصر، وقال: المقصود زيادة الانكشاف والتجلي حتى كأنها رؤية عين.

وهذه الآيات التي أوردها المؤلِّف حجة على المعتزلة في نفيهم الرؤيـة ؛ فإن الآية الأولى عُدِّي النظر فيها بـ (إِلَى ) ، فيكون بمعنى الإبصار؛ يقال: نظرتُ إليه وأبصرتُه بمعنى، ومتعلِّق النظر هو الربّ جلّ شأنه.

وأما ما يتكلَّفه المعتزلة من جعلهم ( نَاظِرَةٌ )بمعنى منتظرة ، و(إِلَى ) بمعنى النعمة. والتقدير: ثواب ربها منتظرة؛ فهو تأويل مضحك.

وأما الآية الثانية؛ فتفيد أن أهل الجنة، وهم على أرائكهم ـ يعني: أَسِرَّتَهم، جمع أريكة ـ ينظرون إلى ربهم.

وأما الآيتان الأخيرتان؛ فقد صحَّ عن النبي ( تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله عز وجل ).

ويشهد لذلك أيضًا قوله تعالى في حق الكفار(كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ) ، فدلَّ حجب هؤلاء على أن أولياءَه يرونه.

وأحاديث الرؤية متواترة في هذا المعنى عند أهل العلم بالحديث، لا ينكرها إلا ملحد زنديق.

وأما ما احتجَّ به المعتزلة من قوله تعالى لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ) ؛ فلا حجة لهم فيه؛ لأن نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية، فالمراد أن الأبصار تراه ، ولكن لا تحيط به رؤية ؛ كما أن العقول تعلمه ولكن لا تحيط به علمًا؛ لأن الإدراك هو الرؤية على جهة الإحاطة، فهو رؤية خاصة، ونفي الخاص لا يستلزم نفي مطلق الرؤية.

وكذلك استدلالهم على نفي الرؤية بقولـه تعالى لموسى عليه السلام (لَن تَرَانِي ) لا يصلح دليلاً، بل الآية تدل على الرؤية من وجوهٍ كثيرةٍ؛ منها:

1- وقوع السؤال من موسى، وهو رسول الله وكليمه، وهو أعلمُ بما يستحيل في حق الله من هؤلاء المعتزلة، فلو كانت الرؤية ممتنعة لما طلبها.

2- أن الله عز وجلَّ علّق الرؤية على استقرار الجبل حال التجلِّي وهو ممكنٌ، والمعلَّق على الممكن ممكنٌ.

3- أن الله تجلَّى للجبل بالفعل، وهو جمادٌ، فلا يمتنع إذًا أن يتجلَّى لأهل محبَّته وأصفيائه.

وأما قولـهم : إن (لَن )، لتأبيد النفي ، وإنـها تدل على عدم وقوع الرؤية أصلاً؛ فهو كذب على اللغة فقد قال تعالى حكايةً عن الكفار: (وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا )، ثم قـال: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) ، فأخبر عن عدم تمنِّيهم للموت بـ (لَن ) ، ثم أخبر عن تمنِّيهم له وهم في النار.

وإذًا؛ فمعنى قوله: (لَن تَرَانِي ) : لن تستطيع رؤيتي في الدنيا؛ لضعف قوى البشر فيها عن رؤيته سبحانه، ولو كانت الرؤية ممتنعة لذاتها؛ لقال: إنِّي لا أُرى، أو لا يجوز رؤيتي، أو لست بمرئيٍّ… ونحو ذلك، والله أعلم.

مباحث عامَّة حول آيات الصفات

إن الناظر في آيات الصفات التي ساقها المؤلِّف رحمه الله يستطيع أن يستنبط منها قواعدَ وأصولاً هامَّة يجب الرجوع إليها في هذا الباب:

الأصل الأوَّل: اتفق السلف على أنه يجب الإيمان بجميع الأسماء الحسنى، وما دلَّت عليه من الصفات، وما ينشأ عنها من الأفعال.

مثال ذلك القدرة مثلاً، يجب الإيمان بأنه سبحانه على كل شيء قدير، والإيمان بكمال قدرته، والإيمان بأن قدرته نشأت عنها جميع الكائنات..

وهكذا بقية الأسماء الحسنى على هذا النمط.

وعلى هذا؛ فما ورد في هذه الآيات التي ساقها المصنِّف من الأسماء الحسنى؛ فإنها داخلةٌ في الإيمان بالاسم.

وما فيها من ذكر الصفات؛ مثل: عزَّة الله، وقدرته، وعلمه، وحكمته، وإرادته، ومشيئته، فإنها داخلة في الإيمان بالصفات.

وما فيها من ذكر الأفعال المطلقة والمقيَّدة، مثل: يعلم كذا، ويحكم ما يريد، ويرى، ويسمع، وينادي، ويناجي، وكلَّم، ويكلِّم؛ فإنها داخلةٌ في الإيمان بالأفعال.

الأصل الثاني: دلَّت هذه النصوص القرآنية على أن صفات الباري قسمان:

1- صفات ذاتيَّة لا تنفكُّ عنها الذات، بل هي لازمة لها أزلاً وأبدًا، ولا تتعلَّق بها مشيئته تعالى وقدرته، وذلك كصفات: الحياة، والعلم، والقدرة، والقوة، والعزَّة، والملك، والعظمة، والكبرياء، والمجد، والجلال… إلخ.

2- صفات فعليَّة تتعلق بها مشيئته وقدرته كل وقت وآن، وتحدث بمشيئته وقدرته آحاد تلك الصفات من الأفعال، وإن كان هو لم يزل موصوفًا بها، بمعنى أن نوعها قديم، وأفرادها حادثة، فهو سبحانه لم يزل فعّالاً لما يريد، ولم يزل ولا يزال يقول ويتكلَّم ويخلق ويدبِّر الأمور، وأفعالـه تقع شيئًا فشيئًا، تبعًا لحكمته وإرادته.

فعلى المؤمن الإيمان بكل مانسبه الله لنفسه من الأفعال المتعلِّقة بذاته؛ كالاستواء على العرش، والمجيء، والإتيان، والنزول إلى السماء الدنيا، والضحك، والرضى، والغضب، والكراهية، والمحبة. والمتعلِّقة بخلقه؛ كالخلق, والرزق، والإحياء، والإماتة، وأنواع التدبير المختلفة.

الأصل الثالث: إثبات تفرُّد الربِّ جلَّ شأنه بكل صفة كمال، وأنه ليس لـه شريك أو مثيلٌ في شيءٍ منها.

وما ورد في الآيات السابقة من إثبات المثل الأعلى لـه وحده، ونفي الند والمثل والكفء والسميّ والشريك عنه يدل على ذلك؛كما يدل على أنه منزَّه عن كل نقصٍ وعيبٍ وآفةٍ.

الأصل الرابع: إثبات جميع ما ورد به الكتاب والسنة من الصفات، لا فرق بين الذاتية منها؛ كالعلم والقدرة والإرادة والحياة والسمع والبصر ونحوها، والفعلية؛ كالرضا والمحبة والغضب والكراهة، وكذلك لا فرق بين إثبات الوجه واليدين ونحوهما، وبين الاستواء على العرش والنزول، فكلها مما اتفق السلف على إثباته بلا تأويل ولا تعطيل، وبلا تشبيه وتمثيل.

والمخالف في هذا الأصل فريقان:

1- الجهميَّة: ينفون الأسماء والصفات جميعًا.

2- المعتزلة:فإنهم ينفون جميع الصفات،ويثبتون الأسماء والأحكام، فيقولون: عليم بلا علم، وقدير بلا قدرة، وحيٌّ بلا حياة… إلخ.

وهذا القول في غاية الفساد؛ فإن إثبات موصوف بلا صفة، وإثبات ما للصفة للذات المجرَّدة محالٌ في العقل؛ كما هو باطلٌ في الشرع.

أما الأشعرية ومَن تبعهم؛ فإنهم يوافقون أهل السنة في إثبات سبع صفات يسمونها صفات المعاني، ويدَّعون ثبوتها بالعقل، وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، و الإرادة، والسمع، والبصر، والكلام.

ولكنهم وافقوا المعتزلة في نفي ما عدا هذه السبع من الصفات الخبرية التي صحَّ بها الخبر.

والكل محجوجون بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقرون المفضَّلة على الإثبات العام.










آخر تعديل ليتيم الشافعي 2008-12-27 في 12:08.
قديم 2008-12-28, 15:17   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

فَصْلٌ: ثُمَّ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ، فَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ الْقُرآنَ، وتُبَيِّنُهُ، وتَدُلُّ عَلَيْهِ، وتُعَبِّرُ عَنْهُ، وَمَا وَصَفَ الرَّسُولُ بِهِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ الَّتِي تَلَقَّاهَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْقَبُولِ؛ وَجَبَ الإيمَانُ بِهَا كَذَلِكَ

/ش/ قولـه: ((ثم في سنة رسول الله)) عطفٌ على قولـه فيما تقدَّم : ((وقد دخل في هذه الجملة ما وصف الله به نفسه في سورة الإخلاص… إلخ))؛ يعنى: ودخل فيها ما وصف به الرسول ( ربَّه فيما وردت به السنة الصحيحة.

والسنَّة هي الأصل الثاني الذي يجب الرجوع إليه، والتَّعويل عليه بعد كتاب الله عز وجل؛ قال تعالى:

(وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )

والمراد بالحكمة: السنة.

وقال: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )

وقال آمرًا لنساء نبيِّه: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ )

وقال سبحانه: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا )

وقال صلواتُ الله وسلامُهُ عليهِ وآلـه: ((ألا إني أوتيت القرآن ومثلـه معه))

وحكم السنة حكم القرآن في ثبوت العلم واليقين والاعتقاد والعمل؛ فإن السنة توضيح للقرآن، وبيانٌ للمراد منه: تفصِّل مجملـه، وتقيِّد مطلقه, وتخصِّص عمومه؛ كما قال تعالى:

(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) .

وأهل البدع والأهواء بإزاء السنة الصحيحة فريقان:

1- فريقٌ لا يتورَّع عن ردها وإنكارها إذا وردت بما يخالف مذهبه؛ بدعوى أنها أحاديث آحاد لا تفيد إلاَّ الظنَّ، والواجب في باب الاعتقاد اليقين، وهؤلاء هم المعتزلة والفلاسفة.

2- وفريق يُثبتها ويعتقد بصحة النقل، ولكنه يشتغل بتأويلها؛ كما يشتغل بتأويل آيات الكتاب، حتى يخرِجَها عن معانيها الظاهرة إلى ما يريده من معانٍ بالإلحاد والتحريف، وهؤلاء هم متأخِّرو الأشعرية، وأكثرهم توسُّعًا في هذا الباب الغزالي ، والرَّازي

قولـه: ((وما وصف الرسول به…)) إلخ؛ يعني: أنه كما وجب الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ؛ كذلك يجب الإيمان بكل ما وصفه به أعلم الخلق بربه وبما يجب لـه،وهو رسولـه الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه وآلـه.

قولـه: ((كذلك))؛ أي: إيمانًا مثل ذلك الإيمان، خاليًا من التحريف والتعطيل، ومن التكييف والتمثيل بل إثبات لها على الوجه اللائق بعظمة الرب جلّ شأنه.



فَمِنْ ذَلِكَ: مِثْلُ قَوْلِهِ : ((يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
/ش/ قولـه: ((فمن ذلك مثل قولـه ) إلخ؛ الكلام على هذا الحديث من جهتين:

الأولى: صحَّته من جهة النقل؛ وقد ذكر المؤلِّف رحمه الله أنه متَّفق عليه. ويقول الذهبي في كتابه ((العلو للعليِّ الغفار)) :

((إن أحاديث النزول متواترة، تفيد القطع)).

وعلى هذا؛ فلا مجال لإنكار أو جحود.

الثانية: ما يفيده هذا الحديث؛ وهو إخباره ( بنزول الربِّ تبارك وتعالى كل ليلة… إلخ.

ومعنى هذا أن النزول صفة لله عز وجل على ما يليق بجلاله وعظمته، فهو لا يماثل نزول الخلق؛ كما أن استواءه لا يماثل استواء الخلق.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله في تفسيره سورة الإخلاص:

((فالربُّ سبحانه إذا وصفه رسولـه بأنه ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة، وأنه يدنو عشية عرفة إلى الحجاج، وأنه كلَّم موسى بالوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة، وأنه استوى إلى السماء وهي دخانٌ، فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا؛ لم يلزم من ذلك أن تكون هذه الأفعال من جنس ما نشاهده من نزول هذه الأعيان المشهودة حتى يُقال: ذلك يستلزم تفريغ مكان وشغل آخر)) .

فأهل السنة والجماعة يؤمنون بالنزول صفة حقيقية لله عز وجل، على الكيفية التي يشاء، فيثبتون النزول كما يثبتون جميع الصفات التي ثبتت في الكتاب والسنة، ويقفون عند ذلك، فلا يكيِّفون ولا يمثِّلون ولا ينفون ولا يعطِّلون، ويقولون: إن الرسول أخبرنا أنه ينزل،ولكنه لم يخبرنا كيف ينزل، وقد علمنا أنه فعَّال لما يريد، وأنه على كل شيء قدير.

ولهذا ترى خواصَّ المؤمنين يتعرَّضون في هذا الوقت الجليل لألطاف ربهم ومواهبه، فيقومون لعبوديته؛ خاضعين خاشعين، داعين متضرِّعين، يرجون منه حصول مطالبهم التي وعدهم بها على لسان رسولـه
.........يتبع










آخر تعديل ليتيم الشافعي 2008-12-28 في 15:20.
قديم 2008-12-29, 09:34   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَوْلُهُ : ((لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ التَّائِبِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِرَاحِلَتِهِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
/ش/ قولـه: ((لله أَشَدُّ فَرَحًا…)) إلخ؛ تتمة هذا الحديث؛ كما في البخاري وغيره:

((لله أشدُّ فرحًا بتوبة عبده المؤمن من رجل بأرض فلاة دويَّة مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنزل عنها، فنام وراحلته عند رأسه، فاستيقظ وقد ذهبت، فذهب في طلبها، فلم يقدر عليها، حتى أدركه الموت من العطش، فقال: والله لأرجعن فلأموتن حيث كان رحلي، فرجع، فنام، فاستيقظ، فإذا راحلته عند رأسه، فقال: اللهمَّ أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح))

وفي هذا الحديث إثبات صفة الفرح لله عزّ وجلّ، والكلام فيه كالكلام في غيره من الصفات: أنه صفة حقيقة لله عزّ وجلّ، على ما يليق به، وهو من صفات الفعل التابعة لمشيئته تعالى وقدرته، فيَحْدُث لـه هذا المعنى المعبَّر عنه بالفرح عندما يُحدِثُ عبدُه التوبةَ والإنابةَ إليه، وهو مستلزمٌ لرضاه عن عبده التائب، وقبولـه توبته.

وإذا كان الفرح في المخلوق على أنواع؛ فقد يكون فرح خفة وسرور وطرب، وقد يكون فرح أشرٍ وبطرٍ؛ فالله عزَّ وجلَّ منزَّه عن ذلك كلـه، ففرحـهُ لا يشبه فرح أحد من خلقه، لا في ذاته، ولا في أسبابه، ولا في غاياته، فسببه كمال رحمته وإحسانه التي يحب من عباده أن يتعرَّضوا لها، وغايته إتمام نعمته على التائبين المنيبين.

وأما تفسير الفرح بلازمه،وهو الرضا، وتفسير الرضا بإرادة الثواب؛ فكلُّ ذلك نفيٌ وتعطيلٌ لفرحه ورضاه سبحانه، أوجبه سوءُ ظنِّ هؤلاء المعطِّلة بربهم، حيث توهَّموا أن هذه المعاني تكون فيه كما هي في المخلوق، تعالى الله عن تشبيههم وتعطيلهم.



وَقَوْلُهُ: : ((يَضْحَكُ اللهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ؛ كِلاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
/ش/ قولـه: ((يضحك الله إلى رجلين…)) إلخ؛ يثبت أهل السنة والجماعة الضحك لله عز وجل ـ كما أفاده هذا الحديث وغيره ـ على المعنى الذي يليق به سبحانه، والذي لا يشبهه ضحك المخلوقين عندما يستخفُّهم الفرح، أو يستفزُّهم الطرب؛ بل هو معنى يحدث في ذاته عند وجود مقتضيه، وإنما يحدث بمشيئته وحكمته؛ فإن الضحك إنما ينشأ في المخلوق عند إدراكه لأمرٍ عجيبٍ يخرج عن نظائره، وهذه الحالة المذكورة في هذا الحديث كذلك؛ فإن تسليط الكافر على قتل المسلم مَدعاةٌ في بادئ الرأي لسخط الله على هذا الكافر، وخذلانه، ومعاقبته في الدنيا والآخرة، فإذا منَّ الله على هذا الكافر بعد ذلك بالتوبة، وهداه للدخول في الإسلام، وقاتل في سبيل الله حتى يستشهد فيدخل الجنة؛ كان ذلك من الأمور العجيبة حقًّا.

وهذا من كمال رحمته وإحسانه وسعة فضلـه على عباده سبحانه؛ فإن المسلم يقاتل في سبيل الله، ويقتله الكافر، فيكرم الله المسلم بالشهادة، ثم يمنُّ على ذلك القاتل، فيهديه للإسلام والاستشهاد في سبيله، فيدخلان الجنة جميعًا.

وأما تأويل ضحكه سبحانه بالرضا أو القبول أو أنّ الشيء حلَّ عنده بمحلِّ ما يضحك منه، وليس هناك في الحقيقة ضحك؛ فهو نفيٌ لما أثبته رسول الله ( لربه، فلا يُلْتَفَتُ إليه.



وَقَوْلُهُ: ((عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ خَيْرِهِ، يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ آزِلينَ قَنِطِينَ، فَيَظَلُّ يَضْحَكُ يَعْلَمُ أَنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ)) . حَدِيثٌ حَسَنٌ .
/ش/ قولـه: ((عَجِبَ رَبُّنا…)) إلخ؛ هذا الحديث يثبت لله عز وجل صفة العَجَب، وفي معناه قولـه عليه الصلاة والسلام:

((عجب ربك من شابٍّ ليس لـه صبوة))

وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه: (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ) ؛ بضم التاء على أنَّها ضميرٌ للرَّبِّ جلّ شأنه.

وليس عجبه سبحانه ناشئًا عن خفاء في الأسباب أو جهل بحقائق الأمور؛ كما هو الحال في عجب المخلوقين؛ بل هو معنى يحدث لـه سبحانه على مقتضى مشيئته وحكمته وعند وجود مقتضيه، وهو الشيء الذي يستحقّ أن يتعجب منه.

وهذا العَجَب الذي وصف به الرسولُ ربَّه هنا من آثار رحمته، وهو من كمالـه تعالى، فإذا تأخَّر الغيث عن العباد مع فقرهم وشدَّة حاجتهم، واستولى عليهم اليأس والقنوط، وصار نظرهم قاصرًا على الأسباب الظاهرة، وحسبوا أن لا يكون وراءها فرجٌ من القريب المجيب؛ فيعجب الله منهم.

وهذا محلٌّ عجيبٌ حقًّا؛ إذ كيف يقنطون ورحمته وسعت كلَّ شيء، والأسباب لحصولها قد توفَّرت؟! فإن حاجة العباد وضرورتهم من أسباب رحمته، وكذا الدعاء بحصول الغيث والرجاء في الله من أسبابها، وقد جرت عادته سبحانه في خلقه أن الفرج مع الكرب، وأن اليسر مع العسر، وأن الشدة لا تدوم، فإذا انضمَّ إلى ذلك قوّة التجاء وطمع في فضل الله ، وتضرع إليه ودعاء ؛ فتح اللهم عليهم من خزائن رحمته ما لا يخطر على البال.

والقنوط مصدر (قَنَط)، وهو اليأس من رحمة الله؛ قال تعالى:

(وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ)

قولـه: ((وقُرب خيره))؛ أي: فضلـه ورحمته. وقد رُوِيَ: ((غِيَرِه)). والغِيَر: اسم من قولك: غَيَّرَ الشيء فتغيَّر.

وفي حديث الاستسقاء:

((مَن يكفر بالله يلقَ الغِيَر)) ؛ أي: تغيّر الحال، وانتقالها من الصلاح إلى الفساد.

قولـه: ((آزلين قنطين)): حالان من الضمير المجرور في ((إليكم)).

و((آزِلين)): جمع آزِِل، اسم فاعل من الأزْل؛ بمعنى الشِّدة والضيق. يقال: أَزِلَ الرجل يأزَل أزَلاً، من باب فرح؛ أي: صار في ضيق وجدب.

.....يتبع










قديم 2008-12-30, 09:42   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَوْلُهُ : ((لا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَهِيَ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا رِجْلَهُ [وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَيْهَا قَدَمَهُ] فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، فَتَقُولُ: قَط قَط)) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
/ش/ قولـه: ((لا تزال جهنَّم…)) إلخ؛ في هذا الحديث إثبات الرجل والقدَم لله عز وجل، وهذه الصفة تُجرى مجرى بقيَّة الصفات، فتُثبت لله علي الوجه اللائق بعظمته سبحانه.

والحكمة من وضع رجلـه سبحانه في النار أنه قد وعد أن يملأها؛ كما في قولـه تعالى: (لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ).

ولما كان مقتضى رحمته وعدلـه أن لا يعذِّبَ أحدًا بغير ذنبٍ، وكانت النار في غاية العمق والسعة؛ حقَّق وعده تعالى، فوضع فيها قدمه، فحينئذ يتلاقى طرفاها، ولا يبقى فيها فضل عن أهلها.

وأما الجنة؛ فإنه يبقى فيها فضلٌ عن أهلها مع كثرة ما أعطاهم وأوسع لهم، فينشئ الله لها خلقًا آخرين؛ كما ثبت بذلك الحديث .



وَقَوْلُهُ: "يَقُولُ تَعَالَى: يَا آدَمُ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. فَيُنَادِي بِصَوتٍ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِن ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إلَى النَّارِ)). مُتَّفقٌ عَلَيْهِ . وَقَوْلُهُ: ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ)) .
/ش/ قولـه: ((يقول تعالى: يا آدم…)) إلخ؛ في هذين الحديثين إثباتُ القول والنداء والتكليم لله عز وجل، وقد سبق أن بيَّنَّا مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك، وأنهم يؤمنون بأن هذه صفات أفعال لـه سبحانه تابعة لمشيئته وحكمته، فهو قال، ويقول، ونادى، وينادي، وكلَّم، ويكلِّم، وأن قولـه ونداءه وتكليمه إنما يكون بحروف وأصوات يسمعها من يناديه ويكلِّمه، وفي هذا ردٌّ على الأشاعرة في قولـهم: إن كلامه قديم، وإنه بلا حرفٍ ولا صوتٍ.

وقد دلَّ الحديث الثاني على أنه سبحانه سيكلِّم جميع عباده بلا واسطة، وهذا تكليمٌ عامٌّ؛ لأنه تكليمُ محاسبةٍ، فهو يشملُ المؤمنَ والكافرَ والبر والفاجر، ولا ينافيه قولـه تعالى: (وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ )؛ لأن المنفيَّ هنا هو التكليم بما يسرُّ المكلَّم، وهو تكليمٌ خاصٌّ، ويقابلـه تكليمه سبحانه لأهل الجنة تكليمَ محبة ورضوان وإحسان.



وَقَوْلُهُ فِي رُقْيَةِ الْمَرِيضِ(رَبَّنَا اللهَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، تَقَدَّسَ اسْمُكَ، أَمْرُكَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، كَمَا رَحْمَتُكَ فِي السَّمَاءِ اجْعَلْ رَحْمَتَكَ فِي الأَرْضِ، اغْفِرْ لَنَا حُوبَنَا وَخَطَايَانَا، أَنْتَ رَبُّ الطَّيِّبِينَ، أَنْزِلْ رَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ، وَشِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ عَلَى هَذَا الْوَجِعِ؛ [فَيَبْرَأَ]
[حَدِيثٌ حَسَنٌ] ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ [وَغَيرُهُ] .

وَقَوْلُهُ: ((أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ)) . [حَدِيثٌ صَحِيحٌ]

وَقَوْلُهُ: ((وَالْعَرْشُ فَوْقَ [الْمَاءِ] ، وَاللهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ))

[حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ]
وَقَوْلُهُ لِلْجَارِيَةِ: ((أَيْنَ اللهُ؟)). قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ. قَالَ: ((مَنْ أَنَا؟)). قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ. قَالَ: ((أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

/ش/قولـه: ((ربّنا الله الذي في السّماء…)) إلخ؛ الحديث الأول [والثاني] صريحٌ في علوِّه تعالى وفوقيّته؛ فهو كقولـه تعالى: (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء )

وقد سبق أن قلنا: إن هذه النصوص ليس المراد منها أن السماء ظرفٌ حاوٍ لـه سبحانه؛ بل (في) إما أن تكون بمعنى (على)؛ كما قالـه كثير من أهل العلم واللغة، و(في) تكون بمعنى (على) في مواضع كثيرةٍ؛ مثل قولـه تعالى: (وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ )، وإما أن يكون المراد من السماء جهة العلو، وعلى الوجهين فهي نصٌّ في علوِّه تعالى على خلقه.

وفي حديث الرقية المذكور توسُّلٌ إلى الله عزّ وجلّ بالثناء عليه بربوبيَّته وإلاهيَّته وتقديس اسمه وعلوِّه على خلقه وعموم أمره الشرعي وأمره القدري، ثم توسلٌ إليه برحمته التي شملت أهل سماواته جميعًا أن يجعل لأهل الأرض نصيبًا منها، ثم توسلٌ إليه بسؤال مغفرة الحُوب ـ وهو الذنب العظيم ـ، ثم الخطايا التي هي دونه، ثم توسلٌ إليه بربوبيته الخاصَّة للطَّيِّبين من عباده، وهم الأنبياء وأتباعهم، التي كان من آثارها أن غمرهم بنعم الدِّين والدُّنيا الظاهرة والباطنة.

فهذه الوسائل المتنوِّعة إلى الله لا يكاد يُرَدُّ دعاء مَن توسَّل بها،ولهذا دعا الله بعدها بالشفاء الذي هو شفاءُ الله الذي لا يدع مرضًا إلا أزاله، ولا تعلُّق فيه لغير الله.

فهل يفقه هذا عُبَّاد القبور من المتوسِّلين بالذوات والأشخاص والحق والجاه والحرمة ونحو ذلك؟!

وأما قولـه: ((والعرش فوق الماء…)) إلخ؛ ففيه الجمع بين الإيمان بعلوِّه تعالى على عرشه، وبإحاطة علمه بالموجودات كلها.

فسبحان مَن هو عليٌّ في دنوِّه، قريبٌ في علوِّه.

وأما الحديث الرابع ؛ فقد تضمَّن شهادة الرسول ( بالإيمان للجارية التي اعترفت بعلوه تعالى على خلقه، فدلَّ ذلك على أن وصف العلوِّ من أعظم أوصاف الباري جل شأنه، حيث خصَّه بالسؤال عنه دون بقيَّة الأوصاف، ودلَّ أيضًا على أن الإيمان بعلوِّه المطلق من كل وجه هو من أعظم أصول الإيمان، فمَن أنكره؛ فقد حُرِم الإيمان الصحيح.

والعجب من هؤلاء الحمقى من المعطِّلة النفاة زعمهم أنهم أعلم بالله من رسوله، فينفون عنه الأين بعدما وقع هذا اللفظ بعينه من الرسول مرة سائلاً غيره ـ كما في هذا الحديث ـ، ومرة مجيبًا لمن سألـه بقولـه: أين كان ربنا؟
.......يتبع










آخر تعديل ليتيم الشافعي 2008-12-30 في 09:49.
قديم 2008-12-31, 14:33   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَوْلُهُ: ((أَفْضَلُ الإِيمَانِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللهَ مَعَكَ حَيْثُمَا كُنْتَ)) حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَقَوْلُهُ: ((إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاةِ؛ فَلاَ يَبْصُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ، وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ)) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ : ((اللهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ [وَالأَرْضِ]() وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ [نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ] كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ؛ اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنَ الْفَقْرِ)) . [رِوَايَةُ] مُسْلِمٌ.

وَقَوْلُهُ (: لَمَّا رَفَعَ [الصَّحَابَةُ] أَصْوَاتَهُمْ بِالذِّكْرِ: ((أَيُّهَا النَّاسُ! ارْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا [بَصِيرًا] قَرِيبًا. إِنَّ الَّذي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ)) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ


/ش/ قولـه: ((أفضل الإيمان أن تعلم…)) إلخ؛ فيه دلالة على أن أفضل الإيمان هو مقام الإحسان والمراقبة، وهو أن العبدُ ربَّه كأنَّه يراه ويشاهده، ويعلم أن الله معه حيث كان، فلا يتكلَّم ولا يفعل ولا يخوض في أمرٍ إلا والله رقيبٌ مطَّلع عليه؛

قال تعالى:

(وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيه ) .

ولا شكَّ أن هذه المعيَّة إذا استحضرها العبد في كل أحواله؛ فإنه يستحيي من الله عزَّ وجلَّ أن يراه حيث نهاه، أو أن يفتقده حيث أمره، فتكون عونًا لـه على اجتناب ما حرَّم الله، والمسارعة إلى فعل ما أمر به من الطاعات على وجه الكمال ظاهرًا وباطنًا، ولا سيما إذا دخل في الصلاة التي هي أعظم صلة ومناجاة بين العبد وربه، فيخشع قلبه، ويستحضر عظمة الله وجلاله، فتقلُّ حركاته، ولا يسيء الأدب مع ربه بالبصق أمامه أو عن يمينه.

قولـه: ((إذا قام أحدكم إلى الصلاة…)) إلخ؛ دلَّ على أن الله عز وجل يكونُ قِبَلَ وَجهِ المُصلِّي.

قال شيخ الإسلام في ((العقيدة الحموية)) .

((إن الحديث حقٌّ على ظاهره، وهو سبحانه فوق العرش، وهو قِبَل وجه المصلي، بل هذا الوصف يثـبُتُ للمخلوقات؛ فإن الإنسان لو أنه يناجي السماء أو يناجي الشمس والقمر؛ لكانت السماء والشمس والقمر فوقه، وكانت أيضًا قِبل وجهه)). اهـ

قولـه: ((اللهُمَّ ربَّ السموات…)) إلخ؛ تضمَّن الحديث إثبات أسمائه تعالى: الأول، والآخر، والظاهر، والباطن، وهي من الأسماء الحسنى، وقد فسرها النبيُّ ( بما لا يدعُ مجالاً لقائلٍ، فهو أعلم الخلق جميعًا بأسماء ربه وبالمعاني التي تدلُّ عليها، فلا يصحُّ أن يُلْتَفَت إلى قول غيره أيًّا كان.

وفي الحديث أيضًا يعلِّمنا نبيُّنا صلوات الله وسلامه عليه وآلـه كيف نثني على ربِّنا عزّ وجلّ قبل السؤال، فهو يثني عليه بربوبيَّته العامة التي انتظمت كل شيء، ثم بربوبيَّتِه الخاصة الممثَّلة في إنزالـه هذه الكتب الثلاثة تحمل الهدى والنور إلى عباده، ثم يعوذ ويعتصم به سبحانه من شر نفسه ومن شر كل ذي شر من خلقه، ثم يسألـه في آخر الحديث أن يقضي عنه دينه، وأن يغنيه من فقرٍ.

قولـه: ((أيُّها النَّاس اربعوا على أنفسكم…)) إلخ؛ أفاد هذا الحديث قربه سبحانه من عباده، وأنه ليس بحاجة إلى أن يرفعوا إليه أصواتهم؛ فإنه يعلم السرَّ والنَّجوى، وهذا القرب المذكور في الحديث قرب إحاطة، وعلم، وسمع، ورؤية، فلا ينافي علوَّه على خلقه.



قَوْلُهُ: ((إِنَّكُمْ سَـتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَـرَوْنَ الْقَمَـرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن لاَّ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلاةٍ قَبْلَ غُرُوبِهَا؛ فَافْعَلُوا) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

/ش/ هذا الحديث الصحيح المتواتر يشهد لما دلَّت عليه الآيات السابقة من رؤية المؤمنين لله عزّ وجلّ في الجنة، وتمتُّعهم بالنظر إلى وجهه الكريم.

وهذه النصوص من الآيات والأحاديث تدلُّ على أمرين:

أولهما: علوُّه تعالى علىخلقه؛ لأنها صريحة في أنهم يرونه من فوقهم.

ثانيهما: أن أعظم أنواع النعيم هو النظر إلى وجه الله الكريم.

وقولـه: ((كما ترون القمر ليلة البدر))؛ المراد تشبيه الرؤية بالرؤية، لا تشبيه المرئي بالمرئي؛ يعني: أن رؤيتهم لربهم تكون من الظهور والوضوح كرؤية القمر في أكمل حالاته، وهي كونه بدرًا، ولا يحجبه سحاب، ولهذا قال بعد ذلك: ((لا تُضامون في رؤيته))؛ روي بتشديد الميم من التَّضامِّ؛ بمعنى: التزاحم والتلاصق، والتاء يجوز فيها الضمّ والفتح، على أن الأصل تتضامُّون، فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا، وروي بتخفيف الميم من الضيم؛ بمعنى: الظلم؛ يعني: لا يلحقكم في رؤيته ضيمٌ ولا غبنٌ.

وفي حثِّه ( في هذا الحديث على صلاة العصر وصلاة الفجر خاصة إشارة إلى أن مَن حافظ عليهما في جماعة نال هذا النعيم الكامل، الذي يضمحلُّ بإزائه كل نعيم، وهو يدلُّ على تأكيد هاتين الصلاتين كما دلَّ على ذلك الحديث الآخر:

((يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر)) . متفق عليه.

.....يتبع










قديم 2009-01-03, 14:12   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

إِلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ الَّتِي يُخْبِرُ فِيهَا رِسُولُ اللهِ ( عَن رَّبِهِ بِمَا يُخْبِرُ بِهِ؛ فَإِنَّ الْفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ؛ كَمَا يُؤْمِنُونَ بِمَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ؛ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلا تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلٍ، بَلْ هُمُ الْوَسَطُ فِي فِرَقِ الأُمَّةِ؛ كَمَا أَنَّ الأُمَّةَ هِيَ الْوَسَطُ فِي الأُمَمِ).
/ش/ قولـه: ((إلى أمثال هذه الأحاديث…)) إلخ. لما كان ما ذكره المؤلف من الأحاديث ليس هو كل ما ورد في باب الصفات من الأخبار؛ نبَّه على أن أمثال هذه الأحاديث التي ذكرها ممَّا يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه بما يخبر به، فإن حكمه كذلك، وهو وجوب الإيمان بما يتضمَّنه من أسماء الله وصفاته.

ثم عاد فأكَّد معتقد أهل السنة والجماعة. وهو أنهم يؤمنون بما وردت به السنة الصحيحة من صفات؛ كإيمانهم بما أخبر الله به في كتابه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل.

ثم أخبر عن أهل السنة والجماعة بأنهم وسطٌ بين فِرَق الضلال والزَّيغ من هذه الأمة؛ كما أن هذه الأمة وسطٌ بين الأمم السابقة؛ قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا )

ومعنى (وَسَطًا ): عُدولاً خيارًا؛ كما وردَ الحديث بذلك

فهذه الأمـَّة وسطٌ بين الأمم التي تجنَحُ إلى الغلوِّ الضارِّ والأمم التي تميلُ إلى التَّفريط المُهْلِكِ.

فإنّ من الأمم مَن غلا في المخلوقين، وجعل لهم من صفات الخالق وحقوقه ما جعل؛ كالنصارى الذين غَلَوا في المسيح والرُّهبان.

ومنهم مَن جفا الأنبياء وأتباعَهم ، حتى قتلهُم ، وردَّ دعوتهم ؛ كاليهود الذين قتلوا زكريا ويحيى، وحاولوا قتل المسيح، ورَمَوْه بالبُهتان.

وأما هذه الأمة؛ فقد آمنت بكل رسول أرسله الله، واعتقدت رسالتهم، وعرفت لهم مقاماتهم الرَّفيعة التي فضَّلهم الله بها.

ومن الأمم أيضًا مَن استحلَّت كلَّ خبيثٍ وطيِّبٍ.

ومنها مَن حرَّم الطَّيِّبات غلوًّا ومجاوزةً.

وأما هذه الأمة؛ فقد أحَلَّ الله لها الطَّيِّبات، وحرَّم عليها الخبائث..

إلى غير ذلك من الأمور التي مَنَّ الله على هذه الأمة الكاملة بالتوسُّط فيها.

فكذلك أهل السنة والجماعة متوسِّطون بين فرق الأمة المبتدعة التي انحرفتْ عن الصراط المستقيم.



فَهُمْ وَسَطٌ فِي بَابِ صِفَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ أهْلِ التَّعْطِيلِ الْجَهْمِيَّةِ ، وَأَهْلِ التَّمْثِيلِ الْمُشَبِّهَةِ) .
/ش/ قولـه: ((فهُم وسطٌ في باب صفات الله…)) إلخ؛ يعني: أن أهل السنة والجماعة وسَطٌ في باب الصفات بين مَن ينفيها ويعطِّل الذات العليَّة عنها، ويحرِّف ما ورد فيها من الآيات والأحاديث عن معانيها الصَّحيحة إلى ما يعتقده هو من معانٍ بلا دليلٍ صحيح، ولا عقلٍ صريح؛ كقولهم: رحمة الله: إرادته الإحسان، ويده: قدرتُه، وعينُه: حفظه ورعايته، واستواؤه على العرش: استيلاؤه… إلى أمثال ذلك من أنواع النفي والتَّعطيل التي أوقعهم فيها سوء ظنِّهم بربِّهم، وتوهُّمِهم أن قيام هذه الصفات به لا يُعْقَل إلا على النحو الموجود في قيامها بالمخلوق.

ولقد أحسن القائل حيث يقول:

وَقُصَارَى أَمْرِ مَنْ أَوَّلَ أَنْ ظَنُّوا الظُّنُونَا

فَيَقُولُونَ عَلَى الرَّحْمَنِ مَا لاَ يَعْلَمُونَا

وإنما سُمِّي أهل التعطيل جهمية نسبة إلى الجهم بن صفوان الترمذي رأس الفتنة والضلال، وقد تُوُسِّع في هذا اللفظ حتى أصبح يُطلق على كل من نفى شيئًا من الأسماء والصفات، فهو شامل لجميع فرق النُّفاة؛ من فلاسفة، ومعتزلة، وأشعرية، وقرامطة باطنية .

فأهل السنة والجماعة وسط بين هؤلاء الجهمية النفاة وبين أهل التمثيل المشبِّهة الذين شبّهوا الله بخلقه، ومثَّلوه بعباده.

وقد ردّ الله على الطائفتين بقولـه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) ، فهذا يردُّ على المشبِّهة. وقولـه: (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) يردُّ على المعطِّلة.

وأما أهل الحق؛ فهم الذين يثبتون الصفات للـه تعالى إثباتًا بلا تمثيل، وينزِّهُونه عن مشابهة المخلوقات تنزيهًا بلا تعطيل، فجمعوا أحسن ما عند الفريقين؛ أعني: التنزيه والإثبات، وتركوا ما أخطؤوا وأساؤوا فيه من التعطيل والتشبيه.



(وَهُـمْ وَسَـطٌ فِي بَـابِ أَفْعَالِ الله بَيْنَ الْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ ).
/ش/ قولـه: ((وَهُمْ وَسَطٌ…)) إلخ؛ قال الشيخ العلاَّمة محمد بن عبدالعزيز بن مانع في تعليقه على هذه العبارة ما نصه :

(اعلم أن الناس اختلفوا في أفعال العباد؛ هل هي مقدورةٌ للرب أم لا

فقال جهمٌ وأتباعه ـ وهم الجبرية ـ : إن ذلك الفعل مقـدورٌ للرَّب لا للعبد.

وكذلك قال الأشعري وأتباعه: إن المؤثر في المقدور قدرة الرب دون قدرة العبد.

وقال جمهور المعتزلة ـ وهم القدرية؛ أي: نفاة القدر ـ: إن الرب لا يقدر على عين مقدور العبد. واختلفوا: هل يقدر على مثل مقدوره؟ فأثبته البصريون؛ كأبي علي، وأبي هاشم، ونفاه الكعبيُّ وأتباعه البغداديُّون.

وقال أهل الحق: أفعال العباد بها صاروا مطيعين وعصاة، وهي مخلوقة لله تعالى، والحق سبحانه منفردٌ بخلق المخلوقات، لا خالق لها سواه.

فالجبرية غلَوْا في إثبات القدر، فنَفَوْا فعل العبد أصلاً.

والمعتزلة نفاة القدر جعلوا العباد خالقين مع الله، ولهذا كانوا مجوس هذه الأمة.

وهدى الله المؤمنين أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ، فقالوا: العباد فاعلون، والله خالقهم وخالق أفعالهم؛كما قال تعالى (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) اهـ

وإنما نقلنا هذه العبارة بنصها؛ لأنها تلخيصٌ جيِّدٌ لمذاهب المتكلِّمين في القدر وأفعال العباد.
......يتبع










قديم 2009-01-06, 09:03   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَفِي بَابِ وَعِيدِ اللهِ بَيْنَ الْمُرْجِئَةِ [و] الْوَعِيدِيَّةِ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ وَغِيْرِهِمْ).
/ش/ قولـه: ((وفي باب وعيد الله…)) إلخ؛ يعني: أن أهل السنة والجماعة وسط في باب الوعيد بين المفرِّطين من المرجئة الذين قالوا: لا يضرُّ مع الإيمان ذنبٌ، كما لا تنفع مع الكفر طاعة. وزعموا أن الإيمان مجرَّد التصديق بالقلب، وإن لم ينطق به، وسُمُّوا بذلك نسبةً إلى الإرجاء؛ أي التأخير؛ لأنهم أخروا الأعمال عن الإيمان.

ولا شكَّ أن الإرجاء بهذا المعنى كفرٌ يخرجُ صاحِبَهُ عن الملَّة؛ فإنه لابد في الإيمان من قولٍ باللسان، واعتقادٍ بالجَنَان، وعملٍ بالأركان، فإذا اختلَّ واحدٌ منها لم يكن الرجل مؤمنًا.

وأمّا الإرجاء الذي نسب إلى بعض الأئمة من أهل الكوفة؛ كأبي حنيفة وغيره، وهو قولهم: إن الأعمال ليست من الإيمان، ولكنهم مع ذلك يوافقون أهل السنة على أن الله يعذِّب مَن يعذِّب من أهل الكبائر بالنار، ثم يخرجهم منها بالشفاعة وغيرها، وعلى أنه لا بدّ في الإيمان من نطقٍ باللسان، وعلى أن الأعمال المفروضة واجبة يستحقُّ تاركها الذمَّ والعقاب؛ فهذا النوع من الإرجاء ليس كفرًا، وإن كان قولاً باطلاً مبتَدعًا؛ لإخراجهم الأعمال عن الإيمان.

وأما الوعيدية؛ فهم القائلون بأن الله يجب عليه عقلاً أن يعذِّب العاصي؛ كما يجب عليه أن يُثيب المطيع، فمن مات على كبيرة ولم يتب منها لا يجوز عندهم أن يَغْفِرَ الله لـه، ومذهبهم باطلٌ مخالفٌ للكتاب والسنة؛ قال تعالى:

(إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ).

وقد استفاضت الأحاديث في خروج عصاة الموحِّدين من النار ودخولهم الجنة.

فمذهب أهل السنة والجماعة وسطٌ بين نفاة الوعيد من المرجئة وبين موجبيه من القدريَّة، فمَن مات على كبيرةٍ عندهم؛ فأمره مفوَّضٌ إلى الله، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه؛ كما دلَّت عليه الآية السابقة.

وإذا عاقبه بها؛ فإنه لا يخلد خلود الكفار، بل يخرج من النار، ويدخل الجنة.



(وَفِي بَابِ [أَسْمَاءِ] الإِيمَانِ والدِّينِ بَيْنَ الْحَرُورِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَبَيْنَ الْمُرْجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ ).
/ش/ قولـه: ((وفي باب أسماء الإيمان…)) إلخ؛ كانت مسألة الأسماء والأحكام من أول ماوقع فيه النزاع في الإسلام بين الطوائف المختلفة، وكان للأحداث السياسية والحروب التي جرت بين عليٍّ ومعاوية رضي الله عنهما في ذلك الحين، وما ترتب عليها من ظهور الخوارج والرافضة والقدريَّة أثر كبير في ذلك النزاع.

والمراد بالأسماء هنا أسماء الدين، مثل: مؤمن، ومسلم، وكافر، وفاسق… إلخ.

والمراد بالأحكام أحكام أصحابها في الدنيا والآخرة.

فالخوارج الحرورية والمعتزلة ذهبوا إلى أنه لا يستحقُّ اسمَ الإيمان إلاّ مَن صدَّق بجَنانه، وأقرَّ بلسانه، وقام بجميع الواجبات، واجتنب جميع الكبائر. فمرتكب الكبيرة عندهم لا يسمى مؤمنًا باتفاق بين الفريقين.

ولكنهم اختلفوا: هل يسمَّى كافرًا أو لا؟

فالخوارج يسمونه كافرًا، ويستحلِّون دمه وماله، ولهذا كفَّروا عليًّا ومعاوية وأصحابهما، واستحلُّوا منهم ما يستحلُّون من الكفّار.

وأما المعتزلة؛ فقالوا: إن مرتكب الكبيرة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر؛ فهو بمنزلة بين المنزلتين، وهذا أحد الأصول التي قام عليها مذهب الاعتزال.

واتَّفق الفريقان أيضًا على أن مَن مات على كبيرة ولم يتب منها فهو مخلَّد في النار.

فوقع الاتفاق بينهما في أمرين:

1- نفي الإيمان عن مرتكب الكبيرة.

2- خلوده في النار مع الكفّار.

ووقع الخلاف أيضًا في موضعين:

أحدهما: تسميته كافرًا.

والثاني: استحلال دمه وماله، وهو الحكم الدنيوي.

وأما المرجئة؛ فقد سبق بيان مذهبهم، وهو أنه لا يضر مع الإيمان معصية؛ فمرتكب الكبيرة عندهم مؤمنٌ كامل الإيمان، ولا يستحقُّ دخول النار.

فمذهب أهل السنة والجماعة وسطٌ بين هذين المذهبين؛ فمرتكب الكبيرة عندهم مؤمنٌ ناقص الإيمان، قد نقص من إيمانه بقدر ما ارتكب من معصية، فلا ينفون عنه الإيمان أصلاً؛ كالخوارج والمعتزلة، ولا يقولون بأنه كامل الإيمان؛ كالمرجئة والجهمية. وحكمه في الآخرة عندهم أنه قد يعفو الله عز وجل عنه فيدخل الجنة ابتداءً، أو يعذِّبه بقدر معصيته، ثم يخرجه ويدخلـه الجنة كما سبق، وهذا الحكم أيضًا وسط بين مَن يقول بخلوده في النار، وبين مَن يقول: إنه لا يستحق على المعصية عقابًا.
....يتبع










قديم 2009-01-08, 10:58   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

(وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ( بَيْنَ الرَّافِضَةِ و الْخَوَارِجِ)
/ش/ قولـه: ((وفي أصحاب رسول الله…)) إلخ. المعروف أن الرافضة ـ قبَّحهم الله ـ يسبون الصحابة رضي الله عنهم، ويلعنونهم، وربما كفَّروهم أو كفَّروا بعضهم، والغالبية منهم ـ مع سبهم لكثير من الصحابة والخلفاء ـ يغلون في عليٍّ وأولاده، ويعتقدون فيهم الإلهية.

وقد ظهر هؤلاء في حياة عليٍّ رضي الله عنه بزعامة عبد الله بن سبأ الذي كان يهوديًّا وأسلم وأراد أن يكيد للإسلام وأهله؛ كما كاد اليهود من قبل للنصرانية وأفسدوها على أهلها، وقد حرَّقهم علي بالنار لإطفاء فتنتهم، وروي عنه في ذلك قولـه:

لَمَّا رَأَيْتُ الأَمْرَ أَمْرًا مُنْكَرًا

أَجَّجْتُ نَارِي وَدَعَوْتُ قَنْبَرًا

وأما الخوارج؛ فقد قابلوا هؤلاء الروافض، فكفَّروا عليًّا ومعاوية ومَن معهما من الصحابة، وقاتلوهم واستحلُّوا دماءهم وأموالهم.

وأما أهل السنة والجماعة؛ فكانوا وسطًا بين غلوِّ هؤلاء وتقصير أولئك، وهداهم الله إلى الاعتراف بفضل أصحاب نبيِّهم، وأنهم أكمل هذه الأمة إيمانًا وإسلامًا وعلمًا وحكمةً، ولكنهم لم يغلوا فيهم، ولم يعتقدوا عصمتهم؛ بل قاموا بحقوقهم، وأحبُّوهم لعظيم سابقتهم وحسن بلائهم في نصرة الإسلام وجهادهم مع رسول الله .



فَصْلٌ: وَقَدْ دَخَلَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ الإِيمَانُ بِمَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ، وَتَوَاتَرَ عَن رَّسُولِهِ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ؛ مِنْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، عَلَى عَرْشِهِ، عَلِيٌّ عَلَى خَلْقِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا، يَعْلَمُ مَا هُمْ عَامِلُونَ؛ كَمَا جَمَعَ بَيْنَ ذَلِكَ في َقَوْلِهِ:
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( ().

وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَهُوَ مَعَكُمْ ) أَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِالْخَلْقِ؛ فَإِنَّ هَذَا لاَ تُوجِبُهُ ، اللُّغَةُ ، بَلِ الْقَمَرُ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ مِنْ أَصْغَرِ مَخْلُوقَاتِهِ، وَهُوَ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ مَعَ الْمُسَافِرِ وَغَيْرِ الْمُسَافِرِ أَيْنَمَا كَانَ.

وَهُوَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، رَقِيبٌ عَلَى خَلْقِهِ، مُهَيْمِنٌ عَلَيْهِمْ، مُطَّلِعٌ [عَلَيْهِم] … إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِن مَّعَانِي رُبُوبِِيَّتِهِ.

وَكُلُّ هَذَا الْكَلامِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ ـ مِنْ أَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَأَنَّهُ مَعَنَا ـ حَقٌّ عَلَى حَقِيقَتِهِ، لاَ يَحْتَاجُ إَلَى تَحْرِيفٍ، وَلَكِنْ يُصَانُ عَنِ الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ؛ مِثْلِ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: (في السَّمَاء ) ؛ أَنَّ السَّمَاءَ تُظِلُّهُ أَوْ تُقِلُّهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالإِيمَانِ؛ فَإنَّ اللهَ قَدْ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَهُوَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ، وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ؛ إلاَّ بِإِذْنِهِ، وَمَنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ .

/ش/ قولـه: ((وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان…)) إلخ. صرَّح المؤلِّف هنا بمسألة علوِّ الله تعالى واستوائه على عرشه بائنًا من خلقه؛ كما أخبر الله عن ذلك في كتابه، وكما تواتر الخبر بذلك عن رسوله، وكما أجمع عليه سلف الأمة الذين هم أكملها علمًا وإيمانًا، مؤكِّدًا بذلك ما سبق أن ذكره في هذا الصدد، ومشدِّدًا النكير على مَن أنكر ذلك من الجهمية والمعتزلة ومَن تبعهم من الأشاعرة.

ثم بَيَّنَ أن استواءه على عرشه لا ينافي معيَّته وقربه من خلقه؛ فإن المعيَّة ليس معناها الاختلاط والمجاورة الحسيَّة.

وضرب لذلك مثلاً بالقمر الذي هو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغيره أينما كان؛ بظهوره واتصال نوره، فإذا جاز هذا بالنسبة للقمر، وهو من أصغر مخلوقات الله؛ أفلا يجوز بالنسبة إلى اللطيف الخبير الذي أحاط بعباده علمًا وقدرة، والذي هو شهيدٌ مطَّلع عليهم, يسمعهم، ويراهم، ويعلم سرَّهم ونجواهم، بل العالم كلـه سماواته وأرضه من العرش إلى الفرش كلـه بين يديه سبحانه؛ كأنه بندقةٌ في يد أحدنا؛ أفلا يجوز لمن هذا شأنه أن يقال: إنه مع خلقه مع كونه عاليًا عليهم بائنًا منهم فوق عرشه؟!

بلى؛ يجب الإيمان بكلٍّ من علوِّه تعالى ومعيِّته، واعتقاده أن ذلك كلـه حقٌّ على حقيقته، من غير أن يُساء فهم ذلك، أو يُحمل على معانٍ فاسدة؛ كأن يُفْهَمَ من قوله: (وَهُوَ مَعَكُمْ )معيَّةَ الاختلاط والامتزاج؛ كما يزعمه الحلولية ! أو يفهم من قولـه: (في السَّمَاء ) أن السماء ظرفٌ حاوٍ له محيطٌ به! كيف وقد وسع كرسيُّه السموات والأرض جميعًا؟! وهو الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه؟!

فسبحان مَن لا يبلغه وهم الواهمين، ولا تدركه أفهام العالمين.
....يتبع










آخر تعديل ليتيم الشافعي 2009-01-08 في 11:00.
قديم 2009-01-08, 17:50   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
رقة الحياة
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيكم










قديم 2009-01-12, 09:28   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

فَصْلٌ: وَقَد دَّخَلَ فِي ذَلِكَ الإِيمَانُ بِأَنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ كَمَا جَمَعَ بينَ ذَلِكَ في قَوْلُِهُِ: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ... )
وَقَوْلُهُ : ((إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُم مِّن عُنقِ رَاحِلَتِهِ))

وَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتِابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ قُرْبِهِ وَمَعِيَّتِهِ لاَ يُنَافِي مَا ذُكِرَ مِنْ عُلُوِّهِ وَفَوْقِيَّتِهِ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي جَمِيعِ نُعُوتِهِ، وَهُوَ عَلِيٌّ فِي دُنُوِّه، قَرِيبٌ فِي عُلُوِّهِ .

/ش/ قولـه: ((وقد دخل في ذلك الإيمان…)) إلخ. يجب الإيمان بما وصف الله به نفسه من أنه قريبٌ مجيبٌ، فهو سبحانه قريبٌ ممَّن يدعوه ويناجيه، يسمع دعاءه ونجواه، ويجيب دعاءه متى شاء وكيف شاء، فهو تعالى قريبٌ قربَ العلم والإحاطة؛ كما قال تعالى:

( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )

وبهذا يتبيَّن أنه لا منافاة أصلاً بين ما ذُكر في الكتاب والسنة من قربه تعالى ومعيَّته وبين ما فيهما من علوِّه تعالى وفوقيَّته.

فهذه كلها نعوتٌ لـه على ما يليق به سبحانه، ليس كمثلـه شيءٌ في شيءٍ منها.



(وَمِنَ الإِيمَانِ باللهِ وَكُتُبِهِ الإيمانُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللهِ، مُنَزَّلٌ، غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ، وَأَنَّ اللهَ تَكَلَّمَ بِهِ حَقِيقَةً، وَأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ هُوَ كَلامُ اللهِ حَقِيقَةً، لاَ كَلامَ غَيْرِهِ.
وَلا يَجُوزُ إِطْلاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ كَلاَمِ اللهِ، أَوْ عِبَارَةٌ، بَلْ إِذَا قَرَأَهُ النَّاسُ أَوْ كَتَبُوهُ فِي الْمَصَاحِفِ؛ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَلامَ اللهِ تَعَالَى حَقِيقَةً، فَإِنَّ الْكَلاَمَ إِنَّمَا يُضَافُ حَقِيقَةً إِلَى مَنْ قَالَهُ مُبْتَدِئًا، لاَ إلَى مَنْ قَالَهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا.

وَهُوَ كَلامُ اللهِ؛ حُرُوفُهُ، ومَعَانِيهِ، لَيْسَ كَلامُ اللهِ الْحُرُوفَ دُونَ الْمَعَانِي، وَلاَ الْمَعَانِيَ دُونَ الْحُرُوفِ).

/ش/ قولـه: ((ومن الإيمان بالله وكتبه…)) إلخ. جعل المصنِّف الإيمان بأن القرآن كلام الله داخلاً في الإيمان بالله؛ لأنه صفةٌ من صفاته، فلا يتمُّ الإيمان به سبحانه إلا بها، إذ الكلام لا يكون إلا صفةً للمتكلِّم، والله سبحانه موصوفٌ بأنه متكلِّم بما شاء متى شاء، وأنه لم يزل ولا يزال يتكلَّم؛ بمعنى أن نوع كلامه قديمٌ وإن كانت آحاده لا تزال تقع شيئًا بعد شيءٍ بحسب حكمته.

وقد قلنا فيما سبق: إن الإضافة في قولنا: القرآن كلام الله؛ هي من إضافة الصفة للموصوف، فتفيد أن القرآن صفة الرب سبحانه، وأنه تكلم به حقيقة بألفاظه ومعانيه، بصوت نفسه.

فمن زعم أن القرآن مخلوقٌ من المعتزلة؛ فقد أعظم الفِرية على الله، ونفى كلام الله عن الله وصفًا، وجعلـه وصفًا لمخلوق، وكان أيضًا متجنِّيًا على اللغة، فليس فيها متكلِّم بمعنى خالق للكلام.

ومَن زعم أن القرآن الموجود بيننا حكاية عن كلام الله؛ كما تقولـه الكُلاَّبية، أو أنه عبارة عنه؛ كما تقولـه الأشعرية؛ فقد قال بنصف قول المعتزلة؛ حيث فرَّق بين الألفاظ والمعاني، فجعل الألفاظ مخلوقة، والمعاني عبارة عن الصفة القديمة؛ كما أنه ضاهى النصارى في قولهم بحلول اللاهوت ـ وهو الكلمة ـ في الناسوت ـ وهو جسد عيسى عليه السلام ـ؛ إذ قال بحلول المعاني التي هي الصفة القديمة في هذه الألفاظ المخلوقة، فجعل الألفاظ ناسوتًا لها.

والقرآن كلام الله؛ حيث تصرَّف، فمهما كتبناه في المصاحف، أو تلوناه بالألسنة؛ لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله؛ لأن الكلام ـ كما قال المصنّف ـ إنما يضاف إلى مَن قاله مبتدئًا؛ لا إلى مَن قالـه مبلِّغًا مؤدِّيًا.

وأما معنى قول السلف: ((منه بدأ وإليه يعود))؛ فهو من البدء؛ يعني: أن الله هو الذي تكلَّم به ابتداء، لم يُبْتَدَأْ من غيره، ويحتمل أن يكون من البُدُو؛ بمعنى الظهور؛ يعني أنه هو الذي تكلَّم به وظهر منه، لم يظهر من غيره.

ومعنى: ((إليه يعود))؛ أي: يرجع إليه وصفًا؛ لأنه وصفه القائم به، وقيل: معناه يعود إليه في آخر الزمان، حين يرفع من المصاحف والصدور؛ كما ورد في أشراط الساعة .

وأما كون الإيمان بأن القرآن كلام الله داخلاً في الإيمان بالكتب؛ فإن الإيمان بها إيمانًا صحيحًا يقتضي إيمان العبد بأن الله تكلَّم بها بألفاظها ومعانيها، وأنها جميعًا كلامه هو؛ لا كلام غيره، فهو الذي تكلَّم بالتوراة بالعبرانية، وبالإنجيل بالسريانية، وبالقرآن بلسان عربيٍّ مبين.
.....يتبع










قديم 2009-01-29, 10:18   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَد دَّخَلَ أيْضًا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الإِيمَانِ بِهِ وَبِكُتُبِهِ وَبِمَلاَئِكَتَهِ وَبِرُسُلِهِ:
الإيمَانُ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَيَانًا بِأَبْصَارِهِمْ كَمَا يَرَوْنَ الشَّمْسَ صَحْوًا لَيْسَ [بِهَا] سَحَابٌ، وَكَمَا يَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لاَ يُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ.

يَرَوْنَهُ سُبْحَانَهَ وَهُمْ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَرَوْنَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ؛ كَمَا يَشَاءُ اللهُ تَعَالَى).

/ش/ قولـه: ((وقد دخل أيضًا فيما ذكرناه…)) إلخ؛ تقدم الكلام على رؤية المؤمنين لربِّهم عز وجل في الجنة؛ كما دلّت على ذلك الآيات والأحاديث الصريحة، فلا حاجة بنا إلى إعادة الكلام فيها.

غير أن قولـه: ((يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة)) قد يوهم أن هذه الرؤية أيضًا خاصة بالمؤمنين، ولكن الحق أنها عامَّة لجميع أهل الموقف؛ حين يجيء الرب لفصل القضاء بينهم ؛ كما يدل عليه قوله تعالى (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ ) الآية.

والعَرَصَات: جمع عَرَصة، وهي كل موضع واسع لا بناء فيه.



فَصْلٌ: وَمِنَ الإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الآخِرِ الإيمَانُ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ ( مِمَّا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَيُؤْمِنُونَ بِفِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِهِ.
فَأَمَّا الْفِتْنَةُ؛ فَإِنَّ النَّاسَ [يُمْتَحَنُونَ] فِي قُبُورِهِمْ، فَيُقَالُ للرِّجُلِ: مَن رَّبُكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَ[مَن] نَّبِيُّك؟

فيُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ، فَيَقُولُ الْمؤْمِنُ: [رَبِّيَ اللهُ] ، وَالإِسْلاَمُ دِينِي، وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي.

وَأَمَّا الْمُرْتَابُ؛ فَيَقُولُ: هَاه هَاه؛ لاَ أَدْري، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ، فَيُضْرَبُ بِمِرْزَبَةٍ مِنْ حَدِيدٍ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا كُلُّ شَيْءٍ؛ إلاَّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهَا الإِنْسَانُ؛ لَصَعِقَ .

ثُمَّ بَعْدَ هّذِهِ الْفِتْنَةِ إمَّا نَعِيمٌ وَإِمَّا عَذَابٌ، إِلَى أَنْ تَقُومَ الْقِيَامَةُ الْكُبْرى، فَتُعَادُ الأَرْوَاحُ إِلَى الأجْسَادِ).

/ش/ قولـه: ((ومن الإيمان باليوم الآخر…)) إلخ؛ إذا كان الإيمان باليوم الآخر أحد الأركان الستة التي يقوم عليها الإيمان؛ فإن الإيمان به إيمانًا تامًّا كاملاً لا يتحقق إلاّ إذا آمن العبد بكل ما أخبر به النبيُّ ( من أمور الغيب التي تكون بعد الموت.

والضابط في ذلك أنها أمورٌ ممكنةٌ أخبر بها الصادق صلوات الله عليه وسلامه وآلِه، وكل ممكن أخبر به الصادق يجب الإيمان بوقوعه كما أخبر؛ فإن هذه الأمور لا تستفاد إلا من خبر الرسول، فأهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك كله.

وأما أهل المروق والإلحاد من الفلاسفة والمعتزلة؛ فينكرون هذه الأمور؛ من سؤال القبر، ومن نعيم القبر، وعذابه، والصراط، والميزان، وغير ذلك؛ بدعوى أنها لم تثبت بالعقل، والعقل عندهم هو الحاكم الأوَّل الذي لا يجوز الإيمان بشيء إلاَّ عن طريقه، وهم يردُّون الأحاديث الواردة في هذه الأمور بدعوى أنها أحاديث آحاد لا تُقبل في باب الاعتقاد، وأما الآيات، فيؤوِّلونها بما يصرفها عن معانيها.

والإضافة في قولـه: ((بفتنة القبر)) على معنى في؛ أي: بالفتنة التي تكون في القبر.

وأصل الفتنة وضع الذّهب ونحوه على النار لتخليصه من الأوضار والعناصر الغريبة، ثم استُعْمِلَتْ في الاختبار والامتحان.

وأما عذاب القبر ونعيمه؛ فيدل عليه قولـه تعالى في حقِّ آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا )، وقولـه سبحانه عن قوم نوح: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا) ، وقولـه عليه الصلاة والسلام: ((القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار)) .

والمِرْزَبَة ـ بالتخفيف ـ: المطرقة الكبيرة، ويقال لها أيضًا: إِرْزَبَّة؛ بالهمزة والتشديد.
...يتبع










 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 11:45

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc