لا يجوز للمرأة الولاية على الرجال
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد الدال على كل خير المحذِّر من كل شر، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فقد كتبت كلمة ناصحة من عشر صفحات بعنوان ((دعاة تغريب المرأة ومتبعو الأهواء والشهوات هم الذين وراء بدء انفلات بعض النساء أخيرا في بلاد الحرمين))، ونُشرت قريباً في يوم الجمعة الثامن عشر من شهر صفر، وفي اليوم التالي فوجئ كل مسلم ناصح لهذه البلاد محب الخير لها حكومة وشعباً بنبأ مؤلم هو تعيين امرأة نائبة لوزير التربية والتعليم لشؤون البنات، وأما المستغربون ومتبعو الأهواء والشهوات فهو لهم مفاجأة سارة؛ لأن مثله مما يلهثون وراءه، وهو من آثار كيد ومكر بعض كبرائهم من غزاة هذه البلاد، لاسيما مَن جمع منهم في الغزو بين الاسم والمسمى واللفظ والمعنى، وعسى الله أن يخلص هذه البلاد حكومة وشعباً من ظلمهم، وأن يكفيها شرهم جميعاً بما يشاء، وعسى أن يحصل لهذا الغازي غضبة أخرى تبعده عن الإفساد في أرض الحرمين بعد إصلاحها ولو ببعثه إلى البحرين سفيرا مرة أخرى!، وهذا المنصب أول من تولى المسئولية فيه عند تأسيس رئاسة تعليم البنات شيخنا الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد رحمه الله، ثم الشيخ ناصر بن حمد الراشد رحمه الله، ثم بعدهما عدد من المشايخ، ثم ضُمت قبل سنوات قليلة رئاسة تعليم البنات إلى وزارة التربية والتعليم، وعُيِّن فيها نائب للوزير لشؤون البنات، ثم عُيِّن بدله آخر، وبهذا التعيين الجديد آل الأمر إلى أن تولاه امرأة تحت ولايتها أعداد كبيرة جدا من الرجال.
وتعيين النساء في الولاية على الرجال ليس له أصل في شريعة الإسلام، فقد جاءت الأدلة الشرعية من الكتاب والسّنّة على منع ولاية النساء على الرجال في الولايات العامة والخاصة، وقد سبق أن كتبت رسالة بعنوان((الدفاع عن الصحابي أبي بكرة ومروياته والاستدلال لمنع ولاية النساء على الرجال)) طبعت في عام 1425هـ، ثم في عام 1428هـ ضمن مجموعة كتبي ورسائلي (7/395-427) نشر دار التوحيد بالرياض، وأيضا ذكرت هذه الأدلة باختصار في رسالة ((العدل في شريعة الإسلام وليس في الديمقراطية المزعومة)) طبعت عام 1426هـ، وفي مجموعة كتبي ورسائلي (6/329-375)، وهذه هي الأدلة كما جاءت في الرسالة الأخيرة:
الأول: قول الله :{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى}،وقوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ }،وقوله: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} ففي الآية الأولى: أنَّ رسل الله من الرجال لا من النساء، وفي ذلك تفضيل لهم عليهن، وفي الآية الثانية:بيان أنَّ القوامة إنما هي للرجال على النساء، لما فُضلوا به عليهن، وفي الآية الثالثة: تفضيل الرجال على النساء؛ لأنَّ لهم عليهن درجة، وهذا فيه دلالة على أنَّ الولاية العامة إنما تكون لمن جعل الله الرسالة فيهم، وهم الرجال ومن جعلهم الله قوامين على النساء، وجعل لهم عليهن درجة، وأنَّها لا تكون لمن لم يُرسل منهن أحد، ومن هن مَقُوم عليهن لا قوّامات، ومن هن دون الرجال درجة، وقد جاءت الشريعة بتفضيل الرجال على النساء في الميراث والشهادة والعتق والعقيقة والدية، حيث جُعلت المرأة على النصف من الرجل في هذه الخمس.
الثاني: قوله : ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي بكرة في موضعين (4425) و(7099)، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (20402) (20474) (20477) بلفظ: ((أسندوا أمرهم إلى امرأة))، و(20438) (20478) (20517) بلفظ: ((تملكهم امرأة))،و(20508) بلفظ: ((ما أفلح قوم تلي أمرهم امرأة))، وأخرجه النسائي في كتاب القضاء من سننه (5388) باب: النهي عن استعمال النساء في الحكم، ولفظه: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))، وأخرجه الترمذي (2262) بمثل لفظ البخاري والنسائي، وقال: ((هذا حديث صحيح)).
وهذا الحديث واضح الدلالة على أنَّ المرأة ليست من أهل الولاية العامة، بل في ذكر النسائي له في كتاب القضاء دلالة أنَّها ليست أهلاً لما دون ذلك، وهو القضاء، قال الشوكاني في السيل الجرار (4/273): ((وليس بعد نفي الفلاح شيء من الوعيد الشديد، ورأس الأمور هو القضاء بحكم الله ، فدخوله فيها دخولاً أوَّليًّا))، ونفي الفلاح شامل للدنيوي والأخروي، أمَّا الدنيوي فواضح، وأمَّا الأخروي؛ فلأنَّ المرأة لا يمكنها الإلزام بتنفيذ أحكام الشرع المتعلقة بالنساء من القرار في البيوت وترك التبرُّج ومنع الاختلاط بالرجال والخلوة بالنساء وسفرهنَّ بدون محرم وغير ذلك؛ لأنَّها أولُ الواقعين فيه، وفاقد الشيء لا يُعطيه.
الثالث: أنَّ الشريعة جاءت باحتجاب النساء عن الرجال، ومنع الاختلاط بين الرجال والنساء، قال الله في احتجاب النساء: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} ففي هذه الآية الكريمة إيجاب الحجاب على أمَّهات المؤمنين، وألاَّ يسألهنَّ أحد إلَّا من وراء حجاب، وقد أجمع العلماء على وجوب تغطيتهنَّ وجوههنَّ عن الرجال الأجانب، والتعليل الذي عُلِّل به الحكم، وهو قوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} يدل على أنَّ لزوم تغطية الوجه لا يختصُّ بهنَّ، بل يكون لغيرهنَّ؛ لأنَّ تعليل الأمر بطهارة القلوب مع ما أكرمهنَّ الله به من ملازمة الرسول وما حباهنَّ به من العفَّة والطُّهر يدلُّ على أنَّ غيرهنَّ ممن لم يحصل لهنَّ هذا الشرف يكون أشد حاجة إلى ذلك.
وقال الله u: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}.
ففي هذه الآية الكريمة دلالة على أنَّ حكم الحجاب لا يختصُّ بأمَّهات المؤمنين؛ لأنَّه عُطف عليهنَّ في الآية بناته ونساء المؤمنين، وهو دالٌّ على أنَّ حكم الحجاب للجميع، ومن أوضح ما يُستدلُّ به من السنة على وجوب تغطية النساء وجوههنَّ حديث عبد الله بن عمر { قال: قال رسول الله: ((مَن جرَّ ثوبه خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أمُّ سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهنَّ؟ قال: يُرخين شبراً، فقالت: إذاً تنكشف أقدامهنَّ! قال: فيُرخينه ذراعاً لا يزدن عليه)) رواه أهل السنن وغيرهم، وقال الترمذي (1731): ((هذا حديث حسن صحيح))، فإنَّ مجيء الشريعة بتغطية النساء أقدامهنَّ يدلُّ دلالة واضحة على أنَّ تغطية الوجه واجب؛ لأنَّه موضع الفتنة والجمال من المرأة، وتغطيته أولى من تغطية الرِّجلين.
وأمَّا اختلاط النساء بالرجال فقد قال الله عن نبيِّه موسى عليه الصلاة والسلام: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا}
ففي هذه القصة الدلالة على أنَّ ترك اختلاط النساء بالرجال كان في الأُمم السابقة؛ فإنَّ هاتين المرأتين احتاجتا إلى سقي غنمهما وانتظرتا حتى ينتهي الرجال من سقي أغنامهم، واعتذرتا لموسى عليه الصلاة والسلام لما سألهما بأنَّ أباهما شيخ كبير لا يتمكَّن من الحضور لسقي الغنم مع الرجال، فسقى لهما موسى عليه الصلاة والسلام.
وفي صحيح البخاري (870) عن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله إذا سلَّم قام النساء حين يقضي تسليمه، ويَمكث هو في مقامه يسيراً قبل أن يقوم، قال: نرى ـ والله أعلم ـ أنَّ ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يُدركهنَّ أحدٌ من الرجال))، ورواه النسائي (1333)، ولفظه: ((أنَّ النساء في عهد رسول الله كنَّ إذا سلَّمن من الصلاة قُمنَ، وثبت رسول اللهومن صلَّى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله قام الرجال)).
وأمَّا منع المرأة من السفر إلَّا مع ذي محرم ومن خلوة الرجل الأجنبي بها إلَّا مع ذي محرم، فيدلُّ عليه قوله: ((لا تسافر المرأة إلَّا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجلٌ إلَّا ومعها محرم، فقال رجلٌ: يا رسول الله! إنِّي أريد أن أخرجَ في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحجَّ؟ فقال: اخرج معها)) أخرجه البخاري (1862) ومسلم (3272) عن ابن عباس {، فقد أرشد النَّبيُّ السائلَ في هذا الحديث إلى ترك الجهاد ليسافر مع امرأته للحج، وقال: ((إيَّاكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! أفرأيتَ الحمو؟ قال: الحمو الموت)) رواه البخاري (5232) ومسلم (2172) عن عقبة بن عامر ، والحمو المحرَّم دخوله على المرأة كلُّ قريب للزوج سوى آبائه وأبنائه.
وهذه الأدلة الدَّالة على وجوب تغطية المرأة وجهها عن الرجال الأجانب والابتعاد عن مخالطتهم ومنعها من السفر إلَّا مع ذي محرم ومن خلوة الرجل الأجنبي بها إلَّا مع ذي محرم، من أمثلة عدل الإسلام في تشريعه للمرأة ما يكفل صيانتها وحِشمتها وظفرها بكسب الفضائل وحمايتها من الوقوع في الرذائل، وهذا بخلاف الديمقراطية المستوردة التي تعطي المرأة الحريَّة المطلقة، فتذهب كيف شاءت، وتختلط بمن شاءت، وتتصرَّف كيف شاءت دون حفيظ لها أو رقيب عليها، ومن يحاول الحيلولة بينها وبين هذا الانفلات فإنَّ حُماة الديمقراطية المزعومة له بالمرصاد؛ لأنَّ في عدم تمكينها من انفلاتها كبتاً للحريَّات واعتداء على حقوق الإنسان بزعمهم.
الرابع: أنَّ المرأة ممنوعة من السفر إلَّا ومعها محرم، وممنوعة من خلوة الرجل الأجنبي بها إلَّا ومعها محرم، وقد تقدَّم الاستدلال على ذلك، والمَحرم زوج المرأة ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب كأبيها وابنها وأخيها وعمِّها وخالها ونحوهم، أو سبب مباح من رضاع أو مصاهرة كابنها وأبيها وأخيها وعمِّها من الرضاع ونحوهم، وكأبي زوجها وابن زوجها ونحوهما، وكيف تلي الأمر من لا تسافر إلَّا مع ذي محرم؟! ومن لا يخلو بها رجل أجنبي إلَّا مع ذي محرم؟!
الخامس: أنَّ ولي الأمر إذا كان في جماعة وحضرت الصلاة، أولى بالإمامة من غيره، لقوله: ((ولا يؤُمَنَّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلَّا بإذنه)) رواه مسلم (1533) عن أبي مسعود، ورواه النسائي (783) بلفظ: ((لا يُؤَم الرجل في سلطانه، ولا يُجلس على تكرمته إلَّا بإذنه))، أورده في ترجمة (اجتماع القوم وفيهم الوالي)، والمرأة لا يجوز أن تؤم الرجال في الصلاة، فلا تؤمهم في أمور الدنيا، والنساء لا تجب عليهن الجماعة، وصلاتهن في بيوتهن أفضل من صلاتهن في المساجد، وإذا حضرن إلى المساجد ابتعدن عن الرجال، لقوله : ((خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)) رواه مسلم (985) عن أبي هريرة .
السادس: أنَّ من صفات النساء الضعف والجزَع، والرجال أشدُّ منهنَّ قوة وأكثر تحمُّلاً، ولهذا جاء الوعيد في النياحة على الميت مضافاً إلى النساء؛ لأنَّ الجزع وعدم الصبر غالب عليهنَّ، وكان يأخذ على النساء عند البيعة ألاَّ يَنُحنَ، فعن أمِّ عطيَّة رضي الله عنها قالت: ((أخذ علينا رسول الله عند البيعة أن لا نَنُوحَ)) رواه البخاري (1306) ومسلم (2164)، وفي صحيح مسلم (288) عن أبي موسى الأشعري: ((أنَّ رسول الله برئ من الصالقة والحالقة والشاقَّة))، والصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة التي تحلق رأسَها، والشاقة التي تشقُّ ثوبها، والولاية في الشرع ثبتت لأهل القوة والصبر، لا لذوات الجزع والضعف.
السابع: أنَّ تاريخ الإسلام خال من ولاية النساء الولاية العامة، بل وحتى الولايات الخاصة التي تكون فيها النساء مرجعاً للرجال، ولم يثبت عن النبي وخلفائه الراشدين تولية امرأة في قضاء أو إمارة قرية، أو غير ذلك، وقد قال عليه الصلاة والسلام في حديث العرباض بن سارية: ((فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ...)) الحديث.
قال ابن قدامة في المغني (14/13): ((ولا تصلح للإمامة العظمى، ولا لتولية البلدان، ولهذا لم يول النبي ولا أحد من خلفائه ولا مَن بعدهم امرأة قضاءً ولا ولاية بلدٍ، فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يَخلُ منه جميع الزمان غالباً))، وكانت وفاة ابن قدامة سنة (620هـ).
الثامن: أنَّ الأمَّة مجمعةٌ على أنَّ المرأة لا تتولى الولاية العامة، حكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم منهم ابن حزم، قال في كتابه الفصل (4/179): ((وجميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة امرأة...))، وقال البغوي في شرح السنة (10/77): ((اتفقوا على أنَّ المرأة لا تصلح أن تكون إماماً ولا قاضياً؛ لأنَّ الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد والقيام بأمور المسلمين، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات، والمرأة عورة لا تصلح للبروز))، وقال شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان (1/55): ((من شروط الإمام الأعظم كونه ذكراً، ولا خلاف في ذلك بين العلماء))، والقول بأنَّ المرأة لا تتولى القضاء ولا غيره من الولايات التي تكون فيها المرأة مرجعاً للرجال، هو الذي دلت عليه الأدلة التي تقدم ذكرها، من أنَّ المرأة تحتجب عن الرجال ولا تخالطهم، وكذا خُلُوّ تاريخ الإسلام من ذلك، كما ذكره صاحب المغني، وتقدم قريباً.
وقصَّة المرأة في سورة النمل التي ملكت سبأ لا تدلُّ على أنَّ المرأة من أهل الولاية على الرجال؛ لأنَّها حكاية عمَّن كان قبلنا، وليس فيه ذكر أنَّها شريعة من الشرائع، بل كانت وقومها كفَّاراً يسجدون للشمس، ومع ذلك فقد جاء في شريعتنا ما يدلُّ على خلاف ذلك، ومنها الأدلة الثمانية التي أوردتها، وقد نقل ابن كثير في تفسيره قوله تعالى: {وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ }قول الحسن البصري رحمه الله ذامًّا الذين فوَّضوا الأمر إليها: ((فوَّضوا أمرهم إلى علجة تضطرب ثدياها)). انتهى من رسالة ((العدل في شريعة الإسلام وليس في الديمقراطية المزعومة)).
واستدلال بعض متبعي الأهواء والشهوات بقصة بلقيس على ولاية النساء على الرجال وترك الأدلة الثابتة على المنع من ذلك هو أيضاً من اتباع المتشابه وترك المحكم، ومثله استدلال بعض أهل الأهواء لاتخاذ القبور مساجد بقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً}وتركهم الأخذ بالأحاديث المحكمة الثابتة عن رسول الله في تحريم البناء على القبور واتخاذها مساجد؛ فإن الذي في الآية حكاية عزم أهل الغلبة فيهم على اتخاذ المسجد عليهم، وهذه الحكاية لا تدل على حمد الذي عزموا عليه، وهو من جملة فعل من كان قبلنا إن كانوا نفَّذوا ما عزموا عليه، وقد جاءت الأدلة الصحيحة في بيان أن اتخاذ المساجد على قبور الأنبياء والصالحين من فعل من قبلنا، ونُهينا أن نفعل مثل أفعالهم، ومثل ذلك أيضاً الاستدلال لعمل التماثيل بقوله تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ } الآية، وترك الأخذ بقوله لعلي رضي الله عنه: ((أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبراً مشرفا إلا سويته)) رواه مسلم (2243).
وكما أن المرأة ليس لها ولاية على الرجال فكذلك ليس لها أن تولي غيرها من الرجال أو تشارك في توليتهم؛ لأن أول ولاية في الإسلام بعد رسول الله خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقد بايعه كبار الصحابة في سقيفة بني ساعدة ثم في المسجد ولم يشارك في ذلك امرأة واحدة.
وبناء على هذه الأدلة التي تقدمت، فإن تعيين تلك المرأة نائبة لوزير التربية والتعليم غير جائز شرعاً، وليس لها أن تفرح ولا ترضى بشيء لم يأذن الله لها به، بل عليها الرضى بما أمر الله به أمهات المؤمنين وغيرهن من النساء في قوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} فإن الأمر بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله مطلوب من كل مسلمة وليس ذلك من خصائص أمهات المؤمنين، وخروج المرأة إلى عملها مختلطة بالرجال بولايتها عليهم وكونها مرجعا لهم أشد من تبرج الجاهلية الأولى، والواجب إعفاؤها من هذا المنصب وأن يُولى فيه رجل يكون مرجعاً للرجال، أو نقل الرجال من هذا المرفق إلى أعمال أخرى وإحلال نساء محلهم تكون هذه المرأة مرجعاً لهن، وإن بقيت في هذا العمل مع تأنيث المرفق فلا يجوز لها أن تختلط بالرجال في اجتماع وغيره.
وقد قلت أيضا في رسالة ((العدل في شريعة الإسلام وليس في الديمقراطية المزعومة)) تحت عنوان: استنوق الجمل واستديكت الدجاجة:هذا مثلٌ يُضرَبُ لنزول الرِّجال عن أقدارهم في تشبُّههم بالنساء، وارتفاع النساء عن منازلهنَّ إلى التشبُّه بالرِّجال، وكلٌّ من الأمرين مذمومٌ، ولكنَّه أشدُّ في حقِّ الرِّجال، كما قال الشاعر:
وما عجب أنَّ النِّساءَ ترجَّلت ولكن تأنيث الرِّجال عُجابُ
وذلك لأنَّ النساءَ في ترجُّلهنِّ يطلبنَ رفعةً مذمومة، والرِّجال يهبطون بتأنُّثهم من علوٍّ إلى سُفل، فهم أشدُّ ذمًّا وأسوأ حظًّا، يتَّضح ذلك بتسلُّط النساء على الرجال في الولايات أو تسليطهنَّ عليهم من قِبَلهم في البلاد الكافرة ومَن اقتدى بهم من المسلمين، فيقف الرجلُ الذي جعل الله له القوامة على النساء أمام المرأة المتسلِّطة أو المسلَّطة وهي بكامل زينتها واضعة حقيبة أدوات التجميل بجانبها، يقف أمامها في ذُلٍّ وهوان، وهذا شيء غير معروف في تاريخ الإسلام، وإنَّما استورده بعضُ المسلمين من حضارات جديدة وديمقراطية مزعومة لا صلةَ لها بالإسلام.
وقد لعن رسول الله من تشبَّه من الجنسين بالآخر، ففي صحيح البخاري (5885) عن ابن عباس { قال: ((لعن رسول الله المتشبِّهين من الرِّجال بالنساء، والمتشبِّهات من النساء بالرِّجال))، وقد حصل في هذا الزمان ما لم يحصل في الجاهلية الأولى من تبرُّج النساء، حتى وصل ذلك في كثير من بلاد المسلمين إلى إخراج بعض النساء في الأسواق والطُرُقات رؤوسَهنَّ ونحورَهنَّ وأذرعهنَّ وأعضادهنَّ وسُوقهنَّ وبعض أفخاذهنَّ، وفي مقابل ذلك أسبل الرِّجال ثيابهم حتى غطوا كعابَهم، وقد قال : ((ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار)) رواه البخاري (5787)، وفي صحيح مسلم (106) عن أبي ذر ، عن النَّبيِّ قال: ((ثلاثةٌ لا يُكلِّمهم الله يوم القيامة ولا ينظرُ إليهم ولا يُزكِّيهم ولهم عذابٌ أليم، قال: فقرأها رسول الله ثلاث مرَّات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا! مَن هم يا رسول الله؟ قال: المُسبِلُ، والمنَّانُ، والمنفِّقُ سلعتَه بالحلف الكاذب))، فهذا الصنف من الرجال نُهوا عن الإسبال فأسبَلوا، وذاك الصنف من النساء أُمِرنَ بالحجاب وتغطية أقدامهنَّ فخالفن وأظهرنَ كثيراً من زينتهنَّ، وقال : ((ثلاثةٌ لا يدخلون الجنَّة: العاقُّ لوالديه، والدَّيوث، ورَجلةُ النساء)) رواه الحاكم (1/72)، وصحَّحه ووافقه الذهبي.
والمرأة التي تُمكَّن من الولايات العظمى أو ما دونها من الولايات على الرِّجال من أهل هذا الوعيد في هذا الحديث.
وفي تولية النساء على الرجال وذُلِّ الرِّجال أمام النساء اختلالٌ للموازين وقلبٌ للحقائق، وتقديم للحرث على الحارث، والمقوم عليه على القوَّام، فأصبح المؤخَّر مقدَّماً والمقدَّمُ مؤخَّراً، والتابع متبوعاً والمتبوع تابعاً، والله المستعان، قال الشاعر كما في معجم الأدباء لياقوت الحموي (17/198):
قد قُدّمَ العجبُ على الروَيس وشارف الوهدُ أبا قبيس
وطاول البقلُ فروعَ الميْس وهبت العنز لقرع التيس
وادّعت الروم أبًا في قيس واختلط الناس اختلاط الحيس
إذ قرا القاضي حليف الكيس معاني الشعر على العبيسي انتهى
وهذه الكلمة الناصحة متممة للكلمة التي قبلها، والمأمول من خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ وقد قارب التسعين أو بلغها كما في كتاب شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله للزركلي (2/1410) أمد الله في عمره على خير وصلاح وإصلاح ـ المأمول منه حفظه الله إصدار الأوامر الكريمة بالعمل على كل ما من شأنه المحافظة على المكاسب العظيمة التي ورَّثها الملك عبد العزيز رحمه الله، ولاسيما أن تبقى النساء في هذه البلاد على ما كانت عليه في عهده وعهد أبنائه الذين ولوا الأمر من بعده من الحجاب والحشمة والبعد عن مخالطة الرجال، ليظفر حفظه الله بجميل الذكر في الدنيا وعظيم الثواب في الآخرة.
وأسأل الله أن يُبقي هذه البلاد حكومة وشعباً محافظة على شرع الله مستقيمة على أمر الله، وأن يقيها شر الأشرار وكيد الكفار والفجار، اللهم من أراد هذه البلاد حكومة وشعباً بسوء فأشغله بنفسه عن الإفساد فيها بعد إصلاحها، واكفها شرهم بما تشاء إنك على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
الشيخ الفقيه عبدالمحسن العباد