وإليك شرح مفصل في المسألة
سئل الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في شريط بعنوان ( جلسة علمية في منزل معالي الشيخ صالح آل الشيخ بتاريخ 1/1/1421هـ )
السؤال :
من مذهب السلف في باب الصفات فهم المعنى وتفويض الكيف .
والسؤال هنا كيف يُفهم المعنى ؟
هل يُفهم بلازم الصفة , فمثلاً صفة اليد يُفهم معناها من خلال اللازم من كونها يداً وأنها تقبض وتبسط وصفة القدم وأنها يوطأ بها ؟
أما أنه لا يتم ذلك باللازم ؟
فإن لم يكن المعنى من اللازم فكيف يُفهم ؟
أمن لغة العرب التي قد لا نجد معنىً واضحاً في قواميسها ؟
الجواب :
قال الشيخ صالح حفظه الله: ما المقصود بإثبات الصفة وتفويض الكيف ؟
السلف لم يعبروا بإطلاق المعنى كما عبرت في السؤال وإنما كان مذهبهم الإيمان بظاهر النصوص وأن لا يتجاوز القرآن والحديث فيها وأن يكون هذا الإيمان إيماناً بإثبات الصفة إثباتاً مع قطع الطمع في إدراك الكيفية.
فيكون معنى ذلك أن السلف يثبتون الصفات وهذا الإثبات إثبات معنى لا إثبات كيفية للصفة.
وإثبات المعنى معناه أن الصفات الذاتية أو الصفات الفعلية للرب جل جلاله وتقدست أسماءه لها معاني مختلفة , فليس معنى صفة الوجه هو معنى صفة اليدين لله جل وعلا , وليس معنى صفة النزول هو معنى صفة الاستواء , وليس معنى صفة الاستواء هو معنى صفة الرحمة , وليس معنى صفة الرحمة هو معنى صفة الإرادة , وليس معنى صفة الغضب هو معنى صفة الانتقام وهكذا.
فهذه الصفات التي وصف الله جل وعلا بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم لما اختلفت ألفاظها اختلف اتصاف الله جل وعلا بها.
بمعنى أن كل صفة تُثبت كما وردت , فمن ذلك صفة الوجه لله جل جلاله كما في قوله { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } وكما في قوله جل وعلا { فأين ما تولوا فثم وجه الله } عند من قال أنها من آيات الصفات ونحو ذلك مما فيه إثبات هذه الصفة الجليلة , ويدل عليها من السنة قوله عليه الصلاة والسلام : " حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " . والأدلة في إثبات هذه الصفة كثيرة معروفه.
والوجه نقول فيه أن الوجه معروفاً في اللغة أو معروفاً عند الناس , والمعروف هو المعنى الكلي لا المعنى الإضافي.
لأن الصفات بعامة - ليس المقصود صفات الله جل وعلا – تكون لها في اللغات كلها معاني كلية ومعاني إضافية.
المعاني الكلية هذه ليست موجودة في الواقع , لكنها موجودة في اللغة وموجودة في الإدراك.
عكس المعاني الإضافية فهذه هي التي تدرك , لأنها عُرفت في الأخر.
فإذا نظرت مثلاً لصفة الوجه بعامة , فإن كل أحداً يسمع كلمة ( وجه ) يُدرك المعنى الكلي لها وهو أنها صفة شريفة تحصل بها المواجهة وأنها أشرف ما في الموجود بعامة وهذا من حيث المعنى الكلي.
فإذا جاء إلى المعنى الإضافي – لصفة الوجه – فإنه يعرف معناها لأنها تُحدد هل هو وجه إنسان فيتصور وجه الإنسان على نحو ما رآه , فإن كان وجه حمار فيتصوره على نحو ما رآه , أو وجه عصفور فيتصوره على نحو ما رآه وهكذا.
لهذا فالمعنى الكلي هو الذي يُثبت في الصفات - الإلهية – لأن المعنى الإضافي لا ندركه فالمعنى الإضافي لا يُدرك.
والمعنى الكلي ليس شرطاً أن يكون موجوداً في اللغة , لماذا ؟
لأن كتب اللغة معنية ببيان الإضافيات لا ببيان الكليات وقليل منها من يذكر أحياناً المعنى الكلي.
ممن يذكر المعاني الكلية ابن فارس في مقاييس اللغة وتارة يغلب عليه النظر في الإضافي ولكن كثيراً ما يذكر المعنى الكلي.
فإذا تقرر هذا :
فإذن لا تقول إن إثبات المعنى في هذه الصفات هو إثبات للازمها وإنما نقول إثبات الصفة هو إمرارها كما جاءت على ظاهرها ولا نقول أن الوجه معناه كذا أو ينطبع في ذهننا أن الوجه معناه كذا .
إنما نقول الوجه لله جلا وعلا صفة وهو غير صفة الوجود.
فإذا جاء في النصوص تفسير لأثار الوجه أو لعمل اليدين مثل ما قلت في اليدين يقبض ويبسط , يخفض ويرفع , بيده اليمنى القسط وبيده الأخرى كذا مثل ما جاء في النصوص نَمرّها كما جاءت , لكن لا تُفسر بلازمها وعدم التفسير باللازم لأجل ألا يفضي إلى محذورين:
المحذور الأول:
أن تفسيرها باللازم يُذهب كلية لغوية والكلية اللغوية هي الإمرار كما جاءت.
المحذور الثاني:
التفسير باللازم لاشك أنه سيفضي إلى أنك تفسرها باللازم عند البشر مثل ما قلت في القدم في السؤال هي التي يوطأ بها !!
هذا ليس صحيحاً , ففي اللغة القدم سميت بذلك لأنها هي التي تتقدم عند الانتقال.
ولكن هذا أيضاً يدخل فيه الحس الإضافي , فلذلك نقول أن إثبات الصفات إثباتاً كما جاءت والمهم فيها أن لا نفوض المعنى.
وإثبات المعنى معناه الإيقان بأن الوجه غير اليدين واليدين غير القدم والقدم غير الساق والعينين غير السمع والبصر غير السمع وغير الكلام , والرحمة غير الإرادة والغضب غير الرضا والرضا غير الإرادة وهكذا.
يعني كل صفة مستقلة بمعنىً من المعاني لا يُفسر.
فالغضب غير الرضا والغضب معروف تستطيع أن تدركه لكن قد يكون إدراك الإنسان له إدراك بآثاره , لكن الإنسان يتصور أن الغضب غير الرضا.
لكن الغضب على حقيقته في الله جل وعلا لا يتصوره – الإنسان – لكنه يتصور الأثر فيما يعرف فينطبع في ذهنه شيئين:
الأول: أن الغضب صفة غير الرضا لاشك أنها مقابلة لها تماماً.
الثاني: أن آثار الغضب يحذرها ويخافها.
فإذن إثبات الصفة هنا إثبات وجود وإثبات تمايز وتغاير بينها وبين الصفات الأخرى دون إثبات للاوازم إلا إذا وردت في النصوص.أهـ