النظام الديمقراطي ( منقول )
شرحنا في الجزء الأول معني الديمقراطية وهي فكرة ليست جذابة و لا هي سهلة الابتلاع لكثير من الناس خاصة المتدينين الذين يؤمنون بالله ( من أي دين) و لذلك نجد أن الديمقراطية بالرغم من أنها وجدت منذ زمن الاغريق الا أنها لم تنتشر الا في منتصف القرن الثامن عشر تقريبا و ذلك لأسباب عدة لسنا في صدد شرحها بالتفصيل فهذا ليس موضوعنا و لكن من أهم الأسباب ما ارتكبته الكنيسة الغربية من انتهاكات صارخة و قهر شديد للأفراد ممثلا في محاكم التفتيش و صكوك الغفران بالاضافة الي التائييد المطلق للملوك و أنهم \"ظل الله في الأرض\" و الجمود و محاربة التقدم العلمي مما دعا الشعوب للنفور من الكنيسة و البعد عن الدين المسيحي و البحث عن نظام بديل ينقذهم من القهر. أما في الدول الاسلامية فانتشار الديمقراطية تأخر بسبب عوامل عده من أظهرها تدين الأمة (مسلمين و مسيحيين).
و من الملحوظ أن الدعوة للديمقراطية تنتشر و تقوي حين يضعف الفهم الديني و يكاد ينعدم التطبيق الصحيح للدين.
و علي الرغم من الاسباب السابقة فالديمقراطية لم تكن لتنتشر لولا وجود بعض \"محليات الطعم\" التي تسيغ بلعها.
فأنت حين تسأل أي شخص \"ما هي الديمقراطية؟\" ستجد اجابات عديدة ( ليس منها التعريف الصحيح للديمقراطية) و لكن هناك قاسم مشترك و هو كلمة الحرية . هناك من سيقول حرية الرأي أو احترام الرأي الأخر أو كرامة المواطن أو حرية التعبير أو حتي الرفاهية و التقدم .
فالملحوظ هنا هو هذا الايحاء بأن الديمقراطية هي الحرية و الكرامة و الازدهار كأنها الطريق الأمثل و الأوحد و هذا هو مثار اللبس عند الناس.
و الدارس للديمقراطية يلاحظ أن هناك حوالي ثلاثة و عشرون نوع من الديمقراطية فهم يحاولون تلبيسها لأي نوع من أنواع الحكم فمن الديمقراطية الليبرالية ( السائدة في الغرب) للديمقراطية الإشتراكية و حتي الديمقراطية الدينية و هلم جرا، أي شيئ ليبعدك عن قول أن الدين ( أي دين سماوي)أفضل من الديمقراطية و للإيحاء بأنها الطريق الأمثل و الأوحد و أنها يمكن أن تطبق مع أي نظام.
و يجب أن ننوه هنا بأن الديمقراطية لها توأمان هما الليبرالية و العلمانية فهذان هما\"العسل\" الذي يسهل بلع الديمقراطية و الثلاثة يكونون النظام الديمقراطي الغربي, فحين يبيحون الزنا و تعترض يقال لك أنت حر لا تزني و لكن احترم الأغلبية و احترم الرأي الأخر (الليبرالية), و اذا أردت أن تقول حكم الدين يقال لك دينك في بيتك و أنت حر فيه و لكن لا حكم للدين علينا بل ما تقوله الأغلبية(العلمانية).
هنا يجب أن نقف و نناقش نقطتين مهمتين :
أولاهما: من الذي قال أن الديمقراطية هي الحرية و الاحترام و الكرامة و العدالة و الرفاهية و الازدهار و أن الاسلام ليس كذلك بل و أفضل (و لكن العيب في فهمنا و تطبيقنا للاسلام).
ثانيهما: ما الفرق بين حرية الاسلام و حرية الديمقراطية و الليبرالية و العلمانية ؟
نبدأ بالأولي فنقول بسم الله الرحمن الرحيم
حين ننظر عن قرب إلي النظام الديمقراطي و الإسلام نري الأتي:
1- أن الديمقراطية تقوم علي مبدأ\" الشوري\" و هو مبدأ مكفول في الاسلام \" فاعف عنهم و استغفر لهم و شاورهم في الأمر\" و \" و أمرهم شوري بينهم\".
2- أن الليبرالية أي\" الحرية في الاختيار\" مكفولة في الاسلام \" انا عرضنا الأمانة علي السموات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا\". و الأمانة هنا هي حرية الإختيار و لذلك الإنسان مسئول عن عمله أمام الله تعالي يوم القيامة منهم من يدخل الجنة و منهم من يدخل النار و ذلك لا يكون الا إذا كان هناك حرية إختيار.
3- أن العلمانية تقوم علي مبدأ\" حرية الدين أو الإعتقاد\" و هذا أيضا مكفول في الاسلام \" لا اكراه في الدين\" \" لست عليهم بمسيطر\" \" انما أنت نذير\" .
فالاسلام أمرنا بالشوري و أتاح لنا حرية الاختيار( تريد أن تزني و تشرب الخمر... افعل, تريد ان تتعامل بالربا... تعامل ), و أتاح لنا حرية الدين أيضا( تريد أ ن تكون مسلما أو مسيحي أو يهودي أو لا ديني... أنت حر).
اذا فما الفرق بين الاسلام و النظام الديمقراطي و ما الفرق بين الحرية في كل منهما
أولا:
- النظام الديمقراطي يجعل السلطة و القرار في يد ممثلي الأغلبية ( و الأوقع أن نقول أغلبية من يدلون بأصواتهم ، فغالبية الشعب عادة لا يدلون بأصواتهم حسب الإحصاءات الغربية) و هم بشر ( يخطئون و يصيبون ) يضعون الأطر و الضوابط للنظام و يحددون الصواب من الخطأ و الحلال من الحرام حسب ما يرون، و هم في هذا يخطئون أكثر مما يصيبون و لذلك وصف الله الانسان حين حمل الأمانة بأنه \" ظلوما جهولا\"
- الاسلام يؤمن و يسلم أن الله تعالي له السلطان التام علينا( حيث أنه الخالق) يحدد لنا الاطار العام من حلال و حرام و صواب و خطأ و ما دون ذلك فشوري بيننا في حدود هذا الاطار .
فمن أحق أن يتبع من خلق أم مخلوق مثلك ؟ يقول تعالي \"قل الله يهدي الي الحق . أفمن يهدي الي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهـِدٌي الا أن يُهدى فمالكم كيف تحكمون \" و يقول تعالي \" ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير\". و يقول \" فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم و أنتم لا تعلمون\"
أنجادل الخالق سبحانه و تعالي في شريعته ، يقول تعالي\" إنما كان قول المؤمنون إذا دعوا إلي الله و رسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا و أطعنا و أولاءك هم المفلحون\". أنظروا يقول \"سمعنا\" لم يقل فهمنا أو إقتنعنا بل سمعنا لأن قوله تعالي هو الحق و إن لم نفهم أو نقتنع.
يقول تعالي \"و ما قدروا الله حق قدره و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السموات مطويات بيمينه سبحانه و تعالي عما يشركون\".
ثانيا:
- النظام الديمقراطي أباح الحرية الشخصية التامة و سمح لك بأن تعلن بذلك بل و تروج لة جهارا نهارا من زنا و ربا و خمر و دين و ما تتخيل و وضع لذلك ضوابط تحمي حرية الأخرين ( من وجهة نظرهم)و هي تؤدي الي تفكك و تحلل المجتمع كما هو حادث فعلا الأن و الحديث عن المساوئ الأخلاقية و الاقتصادية للديمقراطية تحتاج لأكثر من مقال و لكن ليس هذا مجالنا الأن.
- الاسلام أعطاك نفس الحرية انما منعك من أن تعلن بها أو تروج لها . لماذا لأن الله تعالي لا يريد أن ينتشر الفساد في الأرض فهناك نفوس ضعيفة و عقول ضعيفة و هناك عواقب وخيمة يقول تعالي\" و الله يريد أن يتوب عليكم و يريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما\" و يقول تعالي \" يريد الله أن يخفف عنكم و خلق الانسان ضعيفا\" و يقول أيضا \" ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب أليمٌ في الدنيا و الأخرة و الله يعلم و أنتم لا تعلمون\". أفهمتم.... الله يعلم و أنتم لا تعلمون
فانظر و قارن أيهم أطهر و أحكم تريد أن تخطئ إفعل و لكن لا تؤذي غيرك و لا تعلن عنها أو تروج لها فان فعلت يقام عليك الحد سواء حد الفعل أو التعذير( لا تبلي غيرك) و النبي (صلعم) يقول \" كل أمتي معافي الا المجاهرون\"من هؤلاء \" من يفعلون المعصية ليلا و الله يسترهم ثم يصبحون فيقصون ما فعلوا\"فما بالك بمن يفعل جهارا نهارا بل و يروج لها أين تظن أنهم يذهبون؟\" أليس في جهنم مثوي لهم\"و ما العاقبة علي المجتمع ان سمح لهم بنشرها.
فالمعصية حدثت وستحدث في كل الأوقات( حتي في زمن النبي صلعم حدثت) فهناك عدو لنا أقسم بعزة الله أنه سيحتنك ذرية آدم إلا قليلا من المؤمنين و الله تعالي أخبر بأنه سيملأ جهنم من إبليس و ممن إتبعه ( إعاذكم الله و إياي من جهنم) و الله تعالي أعلم بنا و بضعفنا لذلك نهي عن فعل المعصية و إن فعلتها فقد نهي عن الجهر بها أو الترويج لها و توعد من يفعل ذلك. فمن أحق أن يتبع الله تعالي أم أهل الليبرالية؟
و كذلك في الدين اعتنق أي دين شئت و لكن لا تروج له و لا تنشره فالله تعالي لا يريد نشر الباطل, أنت آمن في دينك و عبادتك و لن يكرههك أحد علي اعتناق الإسلام و لكن لا تضل غيرك فالإسلام هو الدين الحق و هو الدين الذي ُينشر بين الناس فنحن نعلم أن كل رسالة يأتي بها نبي تجب ( أي تلغي) شريعة الرسالات السابقة لها و تبقي الرسالات كلها واحدة \" لا الله إلا الله وحده لا شريك له و لا نعبد إلا إياه\"و حيث أن الإسلام هو خاتم الرسالات فقد جبت جميع الشرائع التي قبله و بطلت و لا تنشر( هذا إذا سلمت من التحريف) بل إن حدث أن أحد الأنبياء كان علي قيد الحياة و جاء نبي بعده فإن هذا النبي لا يسعه إلا أن يؤمن بهذا النبي الجديد و ينصره و يعمل بالشريعة التي أتي بها و اقرأوا إن شئتم قول الله تعالي\" و إذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب و حكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به و لتنصرنه قال ءأقررتم علي ذلكم و أخذتم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا و أنا معكم من الشاهدين\".
هذا ما أمر به الله \" إن الدين عند الله الاسلام\" و هذا ما عاهد عليه النبي (صلعم) أهل الكتاب من اليهود و النصاري و هذا ما فعل الخلفاء من بعده و هذا ما عاهد عليه عمرو بن العاص (رضي الله عنه) النصاري في مصر و هو العهد الذي كسره عدو الله الا مبارك لإرضاء أسياده و البقاء علي الكرسي .
فمن أحق أن يتبع الله أم أهل العلمانية؟
يقول الله تعالي\" يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان و من يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء و المنكر و لولا فضل الله عليكم و رحمته ما زكي منكم من أحد أبدا و لكن الله يزكي من يشاء و الله سميع عليم\". فتدبروا و اعتبروا يا أولي الألباب.
مما سبق يتبين أن الإسلام يشتمل علي كل عناصر النظام الديمقراطي مع أفضلية أن التشريع يأتي من الله سبحانه و تعالي فهو أعدل و أحكم و أطهر.
و لكن المؤسف أن تجد الجميع في مصرنا يتسابقون لإستعمال كلمة الديمقراطية حتي في الإسلام. فنجد الأحزاب الإسلامية تقول أنها ستطبق الأمور بطريقة ديمقراطية؟؟؟؟؟؟
ماذا ينقص في ديننا لنكمله بالديمقراطية ؟ و ديننا كامل بقول الله تعالي \" اليوم أكملت لكم دينكم\" و يقول \" ورضيت لكم الإسلام دينا\" أيرتضي لنا دينا ينقصه شيئ؟
لماذا لا نقول سنطبق الأمور بطريقة إسلامية ؟ كيف ندعوا لديننا و نروج له بأنه الدين الكامل و نحن سنكمله بالديمقراطية ؟؟؟؟ أجهل هذا بالإسلام ؟ تلك مصيبة إذا كان من سيقودوننا جهلة أما إن كانوا يعلمون فالمصيبة أعظم فقد دخلنا في نطاق النفاق ، أيقولون هذا لطمأنة الغرب \" أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين\" أين ذهب عقلكم و علمكم يا أولي الألباب و يا أولي العلم؟؟؟؟؟؟
أن الحرية و الكرامة و العدل و الإحترام و إحترام الرأي الأخر و التسامح و الإحسان و الأمانةو النظام و الحسني كلها من أصل الإسلام و الأديان السماوية كلها لا الديمقراطية.
كيف نقول أننا أتباع محمد (صلعم) و أننا أهل الإسلام و حملة نور الدعوة و النبوة إلي يوم الدين و أن ديننا هو الدين الكامل ثم نكمله بالديمقراطية ؟؟؟؟؟أي تناقض هذا و أي منطق هذا.
لماذا لا نري العالم كله ما هو الإسلام الحق القائم علي العدل و الحرية( و تشمل حرية الرأي) و الشوري و التسامح والإحترام و إحترام الرأي الأخر و النظام و الأمانة والنزاهة و النظافة و الرحمة ، لماذا لا نريهم أن ديننا يشمل كل محاسن نظامهم و يخلوا من كل عيوب نظامهم ، لماذا لا نريهم أن ديننا هو الدين الكامل الذي أنزله الله تعالي للناس ليخرجهم من الظلمات إلي النور \" ذلك الدين القيم و لكن أكثر الناس لا يعلمون\" .
ماذا ينقص في الأسلام بالله عليكم؟ نحن من لا نطبقه و لا نعمل به حق العمل، لماذا لا نعود إليه و نذهب إلي الديمقراطية؟؟