النظام العام و علاقته بالحريات العامة
________________________________________
مقدمــــة
-إن قضية تحقيق الأمــن وتعزيزه والحفــــاظ على سلامــة وأمن الأشخاص والممتلكات والقضاء على مصادر تهديده بالغة الأهمية.
ووسائل تحقيق هذا الأمــن والحفــاظ على النظــام العـام ليست ظاهــرة جديدة تميز الحياة المعاصرة بل إنهــا رافقـت ظهور المجتمـع البشري في مختلـف مراحل تطوره إلا أنها في الوقت الراهن تكتسي أهمية قصوى واستثنائية نظرا لاحتدام المصالح وكذا توسيع نطـــاق ممارسة الحريات الفردية منها والجماعية.
- فلا شك في أن مسألة حفظ النظام كانـــت ولا تــزال إحدى الدوافع التي تتحكم في سلوك الفرد والجماعات منذ فجر التاريخ.
- حيث كان الناس يسعون إلى ما يجنبهم الخوف والضـــرر وما يوفـــر لهـــم الاستقــــرار والأمان ويتمثل مهمة الأمن في حماية الدولة من الداخل ودفع التهديد الخارجي عنها. بما يكفل لشعبها حياة مستقرة توفر له شروط التطور والتقدم والازدهار ….
- فالدولة بهذا تسلك مناهج وتتخذ إجراءات خاصة بتأمين المواطنين وممتلكاتهـــم داخل الدولة ضد الأخطار المحتملة التي قد تمسهم وكذا ضد كل ما من شأنه تهديد هياكلها أو زعزعة استقرارها، فهي تعمل دون هــوادة فـــي حـــدود طاقتـــها للحفـــاظ على كيانها ومصالحها في الحاضر والمستقبل من أخطار قد تهددها، وتعمل على تأمين مصالحها، فكل هذا مرتبط بمجموعة من العناصر السياسية والعسكرية وحتى الجيوسياسية …
- ماسلف ذكره يشمله ويعبر عنه مصطلح قانوني ألا وهو * حفظ النظام *
- و لاريب في أن كل مجتمع من المجتمعات معرض لوقوع مشاكل اجتماعية به قد تؤدي إلى المساس بالنظــام العـام والحريات العامة معا، كــأعمال التخـــريب والحرق والنهب وأعمال العنف تشكل خطرا على أمن واستقرار البلاد، ويتطلب ذلك تدخل مصالح الأمن لإعادة الوضع إلى حالته الطبيعية واستتباب الأمن.
- فــــالظروف الاستثنائية تستلزم لم الشمل وجمع كل القــوى وتوحيــد الصفـــــوف والتضامن الوطني والاجتماعي لمواجهة هذه الظروف وقــد يستلــزم الأمر تقييد الحريات الجماعية والفردية.
- كما تستدعي ضرورة حفـظ النظام إصدار تشريعات تتـلاءم وتتناســب مع الظروف و المستجدات الحاصلة على الساحة الأمنية أو السياسيـــة حيث تضيق وتتقلص حقوق وحريات المواطنين .
- ومن أجل حماية حقوق المواطنين وحرياتهم ، وتجنبا لتعسف الإدارة يجب أن يكـون التدخل بالقدر الضروري واللازم للمحافظــة علــى النظــام العـــام وحفاظا على المصلحـة العامة ،وحتى لا تكون التدخلات باطلة وغير شرعية ولتفادي تلك الأعمال فقد يتم تحديــد الشروط والقيود التي يجب إتباعها في النصوص القانونية الآتية :
* الدستور.
* القوانين المختلفة وخاصة المراسيم .
المبحث الأول النظــام العام
مقدمة:
إن كل المجتمعات سواء القديم منها أو الحديث هي في حاجة ضرورية إلى من يحكمها و ينظم حياة أفرادها اليومية من حيث المعاملات و التصرفات، سواء تعلق الأمر بالجانب السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الأخلاقي. ومن هذا المنطلق كان ولابد من نظام يستمد من الإرادة الجماعية لأفراد المجتمع يتميز بالعمومية و الشمولية، حيث ينطبق على جميع الأفراد وبالتالي يستوجب عليهم الخضوع و الامتثال له.
المطلب الأول: مفهوم النظام العام.
والقصد من النظام العام هو حماية المصلحة العامة و استمرارية المجتمع ومؤسساته وحمايتهما مما يهددهما أو يؤدي بهما إلى الانهيار و الزوال.
إن هذا النظام قد يتضمن حتى الجوانب العرقية و الدينية بحيث تحدد فيه الحقوق والواجبات للأفراد حتى يلتزم كل واحد حدودهم ويعيش الأفراد في مجتمع يسوده الاستقرار والطمأنينة وبالتالي يمكنه أن يتطلع إلى الرقي و التقدم و مواكبة المجتمعات الحضارية المتقدمة.
و القصد من النظام العام هو مجموعة من القواعد الجوهرية التي يبنى عليه كيان الجماعة سواء تعلق الأمر بالجانب السيـاسي أو الاقتصادي أو الاجتماعـي أو الثقافي أو الخلقي (الأدبي).
المطلب الثاني: عناصر و مميزات النظام العام.
- عناصر النظام العام:
تتضمن فكرة النظام العام أربعة عناصر:
أ)- الأمن العام: قصد بالأمن العام مجموعة القواعد القانونية التي من شأنها أن تحافظ على السلامة العامـة لأفراد كـمنع المخاطر التي تهددهم في أرواحـهم وأموالهم و ممتلكاتهـم، ومصـدر هذه المخاطر قـد يكون من صـنع الطبـيعة كالزلازل و الفيضانات و غيرها، وقد يكون من فعل الإنسان مثل الإجرام كالسرقات و القتل و الاعتداء، وقـد يكون مصدره الحيوان، كما قد تكون المظاهرات و التجمعات مصدرا للإخـلال بالنظام الـعام.
ب)- السكينة العامة: و يقصد بها مجموعة القواعد التي تحمي الإنسان في حياته اليومية بحيث توفر له الاستقرار وسبل الراحة و الهدوء. لذا فمن واجب السلـطات أن تقضي علـى الأسباب التي من شـأنها أن تزعج المواطن و تقلقـه كمكافحة الضوضاء في الطرقـات و الأماكن العامة.
ج)- الصحة العامة: هي مجموعة القواعد التي تقي الأفراد وتحميهم من المخاطر الصحية ووقايتهم من كل ما من شأنه أن يلحق بهم الأذى مثل الأمراض و الأوبئة الخطيرة التي قد تنتشر في المجتمع، لذا فمن واجب السلطات الإدارية المعنية أن تتخذ الإجراءات و الوسائل لمقاومة الأمراض و الحد منها وبالتالي القضاء عليها قبل استفحالها وذلك ببناء المستشفيات و توفـير الأدوية كالتلقيح و النظافـة و مراقـبة المـواد الغذائية و المـياه.
د)- الآداب العامة:هي وضع القواعد التي تحكم وتنظم مختلف التصرفات التي تدخل في إطار آداب و أخلاق مجتمع معين، وتتمثل في الأسس الخلقية و لسلوكيات المجتمـع والتـي يرى من خلالها قيمة الجوهرية و التي يجب أن يحافظ عليها ويتمسك بها، هـذا وتبرز فكرة الآداب العامة في الجانب الثقافي للشعب، فالمهمة تنحصر أساسا في مراقبة الوسائل ذات الطبع الثقافي كالأفلام والمجلات خاصة المستوردة منها لتجنب تسرب الأفكار و الذهنيان التي تتنافى و أخلاقيات الشعب.
مميزات النظام العام:
- إن فكرة النظام العام نسبية ومتغيرة في الزمان ونستخلصها في الآتي:
1- النظام العام مفهوم متطور: وتظهر طبيعته المرنة في صفته الحيوية التي لا تستجيب لاستقرار النصوص ذلك أن فكرة النظام العام تصور حالة سلبية وأن هذه المرونة تقوم على اعتبارات نسبية.
2- النظام العام ليس من وضع المشرع وحده: يلعب المشرع دورا كبيرا في تحديد النظام العام، غير أن النظام العام في التحليل النهائي ليس نتاج النصوص القانونية بصفة مطلقة إنما هو تعبير عن فكرة اجتماعية في لحظة معينة تكون مصدر للنظام العام، وقد تصطدم الأعراف والتقاليد أحيانا مع القانون .
3- النظام العام يعبر أحيانا عن الإرادة الآمرة: لاتكاد تختلف أحيانا وجهة نظر القانونين العام والخاص في أن النظام العام فكرة آمرة قادرة على وضع الحلول حينما تتنازع قواعد وإيرادات مختلفة وذلك عن طريق فرضها لقاعدة سامية تزيل التنازع، باعتبارها قاعدة أساسية لحماية الجماعة، ففكرة النظام العام قيمة تسمو على كل القيم والقواعد والإيرادات التي تهدف إلى غايات اجتماعية.
4- فكرة النظام العام تنتمي إلى التفسير القضائي: بما أنه لدى القاضي الإدراك بالخصائص السياسية لفكرة القانون أوبعبارة أخرى يعي الضمير الكامل للقانون في بلده وروح القانون *النظام العام *لذلك يمكن القول أنه لا يوجد معيار موضوعي للنظام العام، إنما يتعلق الأمر بفكرة اجتماعية يجب أن يحسبها القاضي.
5- النظام العام بطبيعته فكرة سياسية واجتماعية ذلك أنه يعبر عن الخطة السياسية التي ينتهجها نظام الحكم في تنظيمه للروابط الاجتماعية في وقت معين.
ويمكن القول أن النظام العام يستند إلى دعامتين هما :
*أولا: صفة العموم: والتي تعتبر ذات أهمية في تشكيل النظام العام ،وذلك أن تتقيد الحريات عن طريق الضبط الإداري لايمكن تحقيقه إلا قولا لأن هذا التقييد تفرضه ضرورة حفظ الجماعة من التهديد في أمنها وصحتها وسكينتها .
- وهكذا يكون تدخل الضبط الإداري حول مايدور في المحافل العامة ضرورة لتعلق ذلك بأمن الأفراد الآخرين الذين يشكلون الكتلة البشرية.
-ومن هذا يتبينأن صفة العمومية عنصر من عناصر النظام العام ويتمثل ركن هذا النظام الذي بانتفاءه لايصبح نظاما عاما .
*ثانيا: الطبيعة المادية للنظام العام :حينما يكون هناك توجه لحماية النظام العام إنما يكون بإنقاذ مظهره المادي وذلك بحماية الجمهور من الإضطراب عن طريق استئصال أسبابه وتخليص الأفراد منه صونا لصحتهم وتيسيرا لممارسة حرياتهم المكفولة قانونا .
المطلب الثالث: ميادين النظام العام و ظرورة حفظه
1)- ميادين النظام العام :
إن النظام العام الذي يبنى عليه كيان المجتمع هو عبارة عن نظام عام يتلاءم مع طبيعة وخصوصيات المجتمع، لأن قواعده مستوحاة من حياة الأفراد الجماعية من حيث المعاملات والتصرفات اليومية. وقد تؤثر في النظام العام بعض المؤثرات التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار ونذكر منها على سبيل المثال ما يلي :
أ. الميدان السياسي : تختلف المجتمعات باختلاف أنظمتها السياسية التي تحكمها وتنظم حياة أفرادها، فمنها من انتهجت النظام الديمقراطي الذي يقوم على انتخاب ممثلي الشعب، ومنها من أخذت بالنظام الملكي القائم على الوراثة، بينما انتهجت بعض المجتمـعات النظـام الديكتاتوري والذي يقوم أساسا على أنه من يملك القوة يملك السلطة.
ب. الميدان الإقتصادي: إن النظـام الاقتصادي يختـلف باختلاف المجتمـعات و أنظمتها السياسية، فمنها من انتهجت النظام الاقتصادي الموجه بحيث تهيمن الدولة على جميع أوجه الحياة الخاصة بالنشاطات الاقتصادية، من حيث توسيع فكرة النظام العام و القواعد الآمرة و الناهية، خلافا لما هو موجود في المجتمعات التي أخذت بالنظام الليبرالي الحر الذي يقوم أساسـا على الحريـة الفـردية في التجـارة و الملكية، وهذا النظام تقلص فيه القواعد الآمرة و تضيق فيـه فكرة النظـام العام.
جـ. الميدان الاجتماعي: يتمثل في جوانب أساسية لها الدور الهام و الأساسي في تقدم المجتمعات ورقيها والمتمثلة في الجانب الثقـافي و الأخلاقي و الدينـــي و العرقي، وهذه الجوانب هي المكونات الأساسية للمجتمع حيث تظهر فيه قيمة الجوهرية للمجتمع وبالتالي يجب عليه أن يحافظ عليها و يتماسك بها.
1- شرعية النظام العام:
يعتبر النظام العام نظام جماعي بحيث وضعته الجماعة والتزمت به، بالتالي يتم تحديده بقوانين وفقا للمبادئ الأساسية للوطن و التي تعبر عن الإدارة العامة لأفراد المجتـمع، فهـو ينظم جميع نواحـي الحـياة السيـاسيـة و الاقتصاديـة و الإجتماعية وغيرها، ويحدد الحريات الأساسية للمواطنين.
إن مدلول النظام العام يحتوي أولا وقبل كل شيء على المحافظة على النظام السياسي، و مادام يعبر عن الإدارة العامة فهو الذي يضمن السلم و العدالة الإجتماعية و يهيئ الظروف الدائمة و الملائمة المتعلقة بتنظيم السلطات العامة مـن جهة و العلاقة بين سلطة الدولة و المواطنين من جهة أخرى، ومن هذا المنطلق فإن النظام العام هو وليد الإرادة الجماعية بحيث يستمد قوته و حصانته من مدى تقبل الجماعة أو بذلك تثبت شرعيته.
النظام العام و النصوص الخاصة به:
حيث انه لا يمكن أن نتطرق ألي جميع النصوص الخاصة بالنظام العام نكتفي بذكر بعض الأمثلة من القانون المدني في الالتزامات حيث أن السبب غير المشروع محظور لكونه مخالف للنظام العام.
أما في القانون الجنائي فإن عدم مراعاة الأنظمة و الاعتداء على الأشخاص و الأموال تمس بالنظام العام.
أما فيها يخص القانون الإداري فهو أيضا يحدد المبادئ الأساسية التي تضبط النظام العام مثل مبدأ الشرعية بالنسبة للقرارات الإدارية (مبدأ المسؤولية للقوة العمومية الخطأ الشخصي الوظيفي و بمصلحي).
أما من حيث اللوائح التنظيمية فإن القوانين الأساسية الخاصة بموظفي الشرطة، فهنا كعدة نصوص تتعلق بالنظام العام وحفظه، وكذلك فإن قانوني الولاية و البلدية يحددان سلطات كل منهما في ميدان النظام العام.
2- ضرورة حفظ النظام
إن التنـظيمات الإجتماعية وجدت منذ العصور الأولى، و قد مرت بمراحل و تطورات تزامنا مع التطورات الإجتماعية الحاصلة في المجتمعات إلى أن ظهرت الأنظمة الإجتماعية الحديثة حيث سنت هذه الأخيرة بعض القواعد التي يجب احترامها و عـدم التعـدي علـيها و القائـمة أساسا على إحترام الحريات العامة و الفردية.
إن هذه القواعد تمثل النظام العام بحيث تفرض على جميع الموطنين الاحترام المستمد من الإدارة الشعبية ة يجب على كل فرد أن يحترمه ويمتثل له.
1)- الهدف من حفظ النظام العام:
إن حفظ النظام العام واقع فرضـته الضـرورة الاجتماعية بحيث لا يمكن لآي مجموعة اجتماعية أن تستغني عنه سواء تعلق الأمر يسير مصالحها أو ضمان حريات أفرادها، وإذا كانت بعض المجموعات قد استغنت عنه إما خطأ أو بإرادتها فإن ذلك يترتب عنه الإخلال بالنظام العام وتنتج عنه الفوضى في الحياة الإجتماعية.
وعليه ينبغي على كل الحكومات أن تبذل كل ما بوسعها من أجل أن تبسط سيادة النظام العام واحترامه من طرف الجماعة مهما كانت لأهداف و الدوافع التي أدت إلى الاضطراب والتي يجب مقاومتها، وأن تكون الأشغال الأول والثابت للحكومات و أعوانها حتى لا تنتشر الفوضى في المجتمع.
فالهدف من حفظ النظام هو توقع حدوث الاضطرابات قبل التفكير في وسائل قمعها.
Ii- شريعة النظام العام:
إن الدستور هو الذي يحدد مضمون النظام العام بحيث ينبثق من طبيعته القانونية و مشروعيته.
فالتنافر الظاهر مع الحريات العامة يجبر المكلفين بتطبيقه تجنبا لإخلال به و الحفاظ علبه وإعادته إلى طبيعته.
1)- الوقاية:
إن الوقاية تقوم أساسا على جمع المعلومات، والإجراءات الوقائية تظهر عن طريق اليقظة و الحـذر في مراقبة كـل النشاطات التي يهـدد السكينة و السلامة العامتين على جميع المستويات فالمثل الشعبي يقول الحكم هو التنبؤ، فبدون المعلومات فالتوقع يصبح عبارة عن مجرد "تخمين"، فعلى الشرطي أن يستعلم باستمرار كي يعلم السلطات العليا و التي تقوم حيينها بدورها المتمثل في اتخاذ كل الإجراءات الضرورية و المناسبة التي من شأنها أن تحول دون نشوء الاضطرابات أو الحد من مخاطرها عـلى الأقل، وهـذا لا يعـني اتـخاذ كل الإجراءات الردعية و القمعية، بل يجب الـتوصل إلى الحال الأمثل و السلمي عن طريق الحوار و التشاور كلما ظهرت بعض المشاكل الإجتماعية.
فالتشاور و التحاور يؤديان دائما إلى الاتفاق بين الطرفين المتنازعين، ويـمكن أن يجـري الحوار حـتى و إن كانـت المواجهة قد نشـبت في الشوارع و الطرقات و أماكن العامة تجنبا لمزيد من تصاعد العنف.
فإذا لم يؤدي الحوار يؤديان دائما إلى الاتفاق بين الطرفين فعلي القوة العمومية أن تلجأ إلى الإجراءات الوقائية أو الردعية والتي تتمثل في الآتي:
- جمع القوة الضرورية و طلب التعزيزات الأمنية.
- إقامة الحواجز أمام مسلك المظاهرة.
- الرقابة الوقائية.
2)- إعادة حفظ النظام :
عند قيام المظاهر نتيجة مشاكل اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية فيمكن للسلطة العمومية أن تفشل في تحاورها وتشاورها مع الطرف المتسبب في نشوب الفوضى رغم التدابير الأمنية المتخذة والتي لم تؤد من حيث إعادة الأمور إلى نصابها أو مجراها الطبيعي، حينئذ تلجأ القوة العمومية إلى استعمال القوة الردعية.
المطلب الرابع: قواة حفظ النظام
1)الأمن الوطني: تتميز قوات الأمن الوطني بشكل دائم ومستمر في المحافظة على النظام العام من حيث القيمة العملية والفعالة كما تم إنشاء القوة الاحتياطية نتيجة لظروف داخلية وخارجية, حيث ظهرت على المستوى الاجتماعي أشكالا جديدة للجريمة المنظمة وأعمال عنف ذات خطورة كبيرة والتي أصبحت تزعزع من وقت لآخر أمن واستقرار المجتمع وكذا الممتلكات العامة منها والخاصة وأعمال التخريب وتحويل الطائرات, واستعمال المتفجرات والقنابل, احتجاز الرهائن, تجمهرات المسلحة...إلخ.
ومن هذا المنطلق تم إنشاء وحدات الجمهورية للأمن يمكن استعمال هذه القوة في حالة وقوع كوارث وحرائق وانتشار أوبئة خطيرة, وفي حالة الإخلال بالنظام العام وهذا لما تميزها من خصائص تؤهلها لأن تقوم بهذه المهام وكذا تقديم المساعدة والنجدة للمواطنين وحمايتهم من الأخطار التي تهددهم في أرواحهم وممتلكاتهم.
* وحدات الجمهورية للأمن:
1- تعريف: هي قوة احتياطية متحركة تابعة للمديرية العامة للأمن الوطني, وهي عبارة عن مصالح مكلفة في إطار القوانين المعمول بها بحماية النظام العام والتدخل من أجل إعادته إلى حالته الطبيعية, بحيث تسهر على ضمان الأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة للمواطنين وممتلكاتهم, بالتنسيق مع أجهزة قوات الأمن الأخرى, وخاصة تلك التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني.
2- نوعية المهام المسندة لقوات وحدات الجمهورية للأمن:
أ)المحافظة على أمن الأشخاص والممتلكات والآداب العامة في:
• التجمعات.
• المظاهرات.
• الاحتفالات والأعياد الرسمية.
• الحفلات والعروض.
• التظاهرات الثقافية.
• التجمعات والتظاهرات الرياضية.
• الساحات العمومية.
ب)مهمات الحراسة والمراقبة الخاصة:
• حراسة المنشات العمومية والإدارات.
• حراسة المصانع والمؤسسات ذات الطابع الاقتصادي.
• حراسة القنصليات والسفارات الأجنبية.
• حراسة وسائل الاتصال.
ج)التدخل والوقاية في حالة وقوع الكوارث الطبيعية:
• التخريب والحرق.
• أخذ الرهائن.
• تحويل الطائرات.
• استعمال الأسلحة والمتفجرات.
د)القيام بإجراءات التدخل في الحالات التالية:
• عزل المناطق.
• منع وتنظيم المرور.
• وضع الحواجز في الطرقات لتقيد ومراقبة حركة المرور.
• تفريق التجمهر.
• القبض على المشتبه فيهم.
هـ) حراسة الشخصيات:
• حراسة الشخصيات الرسمية.
• تأمين وتوفير الأمن لشخصيات أثناء التنقل.
و) حراسة نقاط العبور:
• حراسة المطارات.
• حراسة الموانئ.
• حراسة نقاط العبور البرية.
ي)تقديم الدعم والمساعدة لقوات الأمن الأخرى:
• تقديم الدعم لشرطة الأمن العمومي.
• تقديم الدعم لشرطة قضائية.
• التعاون مع قوات الدرك الوطني.
• التعاون مع قوات الجيش الوطني الشعبي.
2-الدرك الوطني:
إن قوات الدرك الوطني مهمتها الرئيسية المحافظة على النظام العام وهي تابعة إداريا كما هو معلوم لوزارة الدفاع خلافا لقوات الشرطة التابعة لوزارة الداخلية.
أ) خصوصيات الدرك الوطني: الدرك الوطني جهاز مكلف بأعمال الشرطة القضائية وأعمال الشرطة الإدارية هذا من جهة, ومن جهة أخرى فإن رجال الدرك الوطني عسكريون وهم يلتزمون بالقانون العسكري من حيث مايلي:
• السلم التصاعدي.
• التأديب.
• الالتزامات.
رجال الدرك يخضعون لسلطة وزير الداخلية في كل ما يتعلق بمهام الشرطة الإدارية (مهام المحافظة على النظام العام) وكذا لسلطة النيابة العامة (وكيل الجمهورية, النائب العام) في كل ما يتعلق بأعمال الضبط القضائي.
ب)صلاحيات الدرك الوطني:
• السهر على حماية وتوفير الأمن العمومي.
• حماية الأشخاص والممتلكات.
• ضمان حفظ النظام العام وإعادته إلى حالته الطبيعية عند اختلاله, بالإضافة إلى ما سبق فإن مهمة الدرك الوطني تتمثل أساسا في صلاحيات الرقابة والحماية.
• نشاط وقائي: الشرطة الإدارية.
• نشاط قمعي: الشرطة القضائية.
2-1-صلاحيات ذات الطابع القضائي: في هذا المجال فإن صلاحيات جهاز الدرك الوطني تشبه تلك الصلاحيات الممنوحة لجهاز الشرطة والمتمثلة في البحث والتحري عن الجرائم ومرتكبيها وتقديمهم إلى العدالة في حدود الاختصاص المكاني (الإقليمي) والنوعي, وفي الأماكن الواقعة خارج المدن الكبرى وكذا حوادث المرور, يخضع جاز الدرك الوطني ضمن الصلاحيات ذات الطابع القضائي لسلطة وكيل الجمهورية أو النائب العام.
2-2-صلاحيات ذات الطابع الإداري: إن هذه الصلاحيات تمارس تحت سلطة ورقابة وزير الداخلية وتتمثل أساسا في الشرطة الإدارية ذات الطابع الوقائي والاحترازي وهي:
• الحراسة المستمرة والدائمة لكل النقاط الحساسة والمهمة عبر التراب الوطني.
• الحماية والحفاظ على النظام العام في حالة الإخلال به.
• تتولى أيضا حراسة ومراقبة.
• متابعة العائدين في قضايا الإجرام.
• مراقبة المتشردين والمتسولين.
• مراقبة الأشخاص الممنوعين من الإقامة.
• متابعة ومراقبة الأجانب.
• متابعة الفوضويين والمتطرفين بالتنسيق مع الاستعلامات العامة, مراقبة ومتابعة التجمعات الكبرى.
• الاجتماعات ذات الطابع السياسي.
• المعارض ذات الطابع الاقتصادي.
• التجمعات الرياضية.
• التظاهرات.
• القيام بالدوريات المستمرة في الطرق خارج المدن.
• التقارير الخاصة بمهمات حفظ النظام فيما يخص التجمعات المختلفة كالاجتماعات والمظاهرات والتجمهرات فترسلها إلى السلطات الإدارية المختصة المتمثلة في الوالي المختص إقليميا.
ج- قوات الجيش الوطني الشعبي في مهمات حفظ النظام:
إن مهمة حفظ النظام تقوم أساسا على قوات الشرطة كرجال مدنيين عبر التراب الوطني تحت سلطة وزير الداخلية، إلا أن هذه المهمة قد لا يمكن لقوات الشرطة أن تتصرف فيها بإحكام، و قد تظهر غير قادرة على حماية النظام العام في بعض الحالات الاستثنائية أو الخاصة كحالة النكبات أو الكوارث الطبيعية أو حالات التمرد أو وجود مخاطر جسيمة تهدد أمن الأشخاص و الممتلكات، و كذا المساس بالحريات العامة و الفردية و كذا الحال بالنسبة لحالة الحرب.
في كل الحالات الغير العادية يمكن اللجوء إلى تجنيد قوات الجيش الوطني الشعبي، و ليس معنى هذا اللجوء الحتمي إلى استعمال الجيش للأسلحة كي يعيد النظام العام إلى حالته الطبيعية بل من أجل دعم و مساعدة الوحدات الخاصة المدنية الكلاسيكية المعروفة من شرطة و درك.
إن مشاركة قوات الجيش الشعبي الوطني في عمليات حفظ النظام يعود أساسا إلى أهمية الإمكانات الكبرى المتوفرة التي تتوفر عليها من قوة و عتاد لازمين و كذا طبيعة و تنوع المهام المختلفة التي يمكن لقوات الجيش في مهمات حفظ النظام تطرح مشاكل تتجاوز السلطة و قدرات السلطة المدنية من جهة، من جهة أخرى مشكلة عدم تعود المدنيين على رؤية قوات الجيش في الشوارع و الطرقات داخل المدن، كما تطرح قضية العلاقة التي يجب أن تكون بين السلطة و السلطات العسكرية.
إن مشاركة قوات الجيش الشعبي الوطني في مهمات حفظ الأمن معروفة لدى جميع دساتير دول العالم متى اقتضت الضرورة ذلك و الظروف التي تمر بها البلاد.
غير أن القوانين تتجه أكثر نحو توسيع حالات التدخل الجيش في مهام حفظ النظام حتى في الحالات العادية و في هذا المجال وافق المشرع الجزائري على القانون رقم 91-23 الصادر بتاريخ 06 ديسمبر 96 و المتعلق بمساهمة قوات الجيش الوطني الشعبي في مهام الأمن العمومي خارج الحالات الاستثنائية، فالمادة الثانية منه تنص على ما يلي: يمكن اللجوء إلى وحدات الجيش الوطني الشعبي و تشكيلاته بناءا على قرار رئيس الحكومة بعد الاستشارة المسبقة للسلطات المدنية و العسكرية المختصة للاستجابة إلى المتطلبات التالية:
• حماية السكان و نجدتهم.
• الأمن الإقليمي.
• حفظ النظام.
أما المادة الثالثة من نفس القانون فتنص على ما يلي ’ يمكن تجنيد وحدات الجيش الوطني الشعبي و تشكيلاته في الحالات التالية:
• عندما يكون حفظ الأمن العمومي و صيانته و إعادته خارجا عن نطاق السلطات و المصالح المختصة عادة.
• بسبب المخاطر الجسيمة أو توقعها التي قد يتعرض لها أمن الأشخاص و الممتلكات.
• في حالة المساس المستمر بالحريات الفردية و الجماعية.
أما المادة الرابعة منه فتنص على أنه يمكن أيضا تجنيد وحدات الجيش الوطني الشعبي داخل دائرة إدارية حدودية واحدة أو أكثر إذا كان المساس بالقوانين و التنظيمات يأخذ بكيفية مستمرة طابعا ينذر بالخطر و يهدد ما يلي:
• حرية تنقل الأشخاص و الممتلكات و أمنهم و كذلك أمن التجهيزات الأساسية.
• حفظ الموارد الوطنية ضد كل أشكال التهريب.
• شروط الدخول إلى التراب الوطني و الخروج منه و الإقامة به.
أما المادة الخامسة منه، فقد نصت على ما يلي: " عندما تنتشر وحدات الجيش الوطني الشعبي و تشكيلاته كما هو منصوص عليه في الأحكام أعلاه، تبقى تابعة لسلطاتها السلمية ( التصاعدية) فيما يخص كيفيات تنفيذ المهام التي أسندت لها و تظل خاضعة للقوانين و التنظيمات التي تسير الخدمة داخل الجيش".
أما المادة السابعة منه فتنص: " على أن تطبق أحكام المادة السادسة أعلاه في إطار القوانين و التنظيمات السارية المفعول".
غير أنه في البلدان ذات التوجه الديموقراطي القائم على احترام الحريات الأساسية ( الجماعية و الفردية) يطرح دائما مشكل الموازنة ما بين شروط منح و ممارسة الحريات العامة و بين ضرورة وحتمية قيام الدولة بمهمة الحفاظ على النظام العام داخل المجتمع, لذا لابد من إيجاد حلول, لأن الهدف أولا قبل كل شيء هو وقائي في تجنب كل الأخطار التي يمارسونها وعلى أساس هذا المبدأ (الوقائي المتمثل في حفظ النظام يقتضي مشاركة وتدخل قوات الأمن).
* تسخيرات قوات الجيش الشعبي الوطني من طرف المدينة:
إن السلطة المدنية المتمثلة في رئيس الحكومة أو وزير الداخلية أو الوالي بصفتها صاحبة الصلاحيات في ميدان حفظ النظام وهي المسؤولة عنه, عند لجوءها إلى طلب تدخل قوات الجيش الوطني الشعبي، فلا يمكن لها أن تقوم بذلك من تلقاء نفسها بل يجب على السلطات المدنية أن تقوم بتسخير قوات الجيش في مهمات حفظ النظام على أن تطبق نصوص هذا القانون تحت مسؤولية السلطة المدنية ورقابتها في إطار القوانين والتنظيمات السارية المفعول.
* صلاحيات السلطة العسكرية اختيار الوسائل:
إن مسؤولية تنفيذ التسخير في ميدان حفظ النظام من طرف قوات الجيش يفوض لها وحدها إختيار الوسائل المناسبة والملائمة لتنفيذ المهمة المسندة إليها بحيث لا يحق للسلطات المدنية أن تتدخل في ذلك، وقد نصت المادة 06 من القانون المتعلق بتدخل قوات الجيش في مهمات حفظ النظام على أنه " عندما تنتشر وحدات الجيش الوطني الشعبي وتشكيلاتها طبقا للنصوص السابقة الذكر، فإنها تبقى تابعة لسلطاتها التصاعدية فيما يخص كيفيات تنفيذ المهام التي تسير الخدمة داخل الجيش، ومن هنا فإنه كلما إستمر أثر التسخير فإن السلطة العسكرية تبقى صاحبة القرار فإختيار الوسائل العسكرية والإمكانيات الملائمة والمناسبة لنوع المهمة الموكلة إليها، ولا تنتظر التعليمات إلا من رؤسائها، كما هو الشأن بالنسبة لإستعمال الأسلحة النارية حيث تبقى متروكة للسلطات التقديرية للرؤساء العسكريين
* شروط مساهمة وحدات الجيش الوطني الشعبي في عمليات حفظ النظام:
إن وحدات الجيش الوطني الشعبي لا يجوز لها أن تقوم بالمشاركة في عمليات حفظ النظام التقليدية من تلقاء نفسها أو بإرادتها, بل يكون ذلك بناء على طلب موجه لها من السلطات الإدارية المدنية المتمثلة في رئيس الحكومة أو وزير الداخلية أو الوالي إلى السلطات العسكرية قصد طلب المساعدة منها وتدعيم المؤسسات التقليدية المعروفة (الشرطة والدرك) في عملية حفظ النظام, والتسخير عبارة عن طلب مكتوب يوجه من طرف السلطات السالفة الذكر وهو كذلك عبارة عن النشاط أو العمل الإداري الذي يقوم من خلاله السلطة الإدارية بطلب سلطة أخرى للقيام بعملية معينة من أجل المصلحة العامة وضمن الشروط التي تحددها القوانين والتنظيمات السارية المفعول.
وحتى يكون التسخير قانونيا ومنتجا لأثاره يجب أن تتوفر فيه الشروط التالية:
• يجب أن يكون التسخير صادرا عن الشخص الذي خوله القانون صلاحية المحافظة على النظام العام (رئيس الحكومة, أو وزير الداخلية أو الوالي).
• التسخير يجب أن يكون مكتوبا, متضمنا الشروط الشكلية والفنية والموضوعية الخاصة بالمراسلات الرسمية وهي:
• مكتوبا ومحررا.
• موقعا من المصدر صاحب السلطة.
• مؤرخا تاريخ التحرير والإصدار.
• مختوما.
• التسخير يصدر وينفذ بحدود الاختصاص المصدر له وإلا كان باطلا وغير قانوني.
• تحديد نوع المهمة والقوة اللازمة للتنفيذ.
• طبيعة القوة المادية والبشرية اللازمة للتنفيذ.
• المدة المقررة لتنفيذ المهمة.
• تاريخ وصول القوة العسكرية.
• الأماكن الخاصة بالعمل.
• طرق الدخول إلى الأماكن.
• التصرفات الواجب الإلتزام بها.
أما قضية استعمال الأسلحة أثناء القيام بمهمة حفظ النظام من طرف قوات وتشكيلات الجيش الوطني الشعبي فتبقى متروكة للسلطة العسكرية والرؤساء العسكريين.