فيجب أن يكون في الصف حيث وجد مكاناً فيه , فإن لم يجد مكاناً سقط عنه هذا الواجب , وكذلك إن لم يكن له مكان شرعاً فإنه يسقط عنه الواجب .
مثال الأول :
إذا وجد الصف تاماً ، فله أن يصلي وحده
لأنه لا واجب مع العجز .
ومثال الثاني :
إذا كانت امرأة مع رجال فإنها تصلي وحدها خلف الصف ، كما ثبتت به السنة . وهذا الذي جاءت به السنة يمكن أن يكون أصلاً يقاس عليه صلاة الرجل وحده خلف الصف إذا لم يجد مكاناً فيه ؛ لأن التعذر الحسي كالتعذر الشرعي .
ويوضح ذلك :
أن الرجل إذا جاء ووجد الصف تاماً فإما أن يتقدم ويقف بجنب الإمام , أو يجذب واحداً من الصف ليقف معه , أو يصلي وحده منفرداً عن الجماعة ، أو يصلي مع الجماعة خلف الصف .
فأما تقدمه إلى جنب الإمام ففيه :
1- مخالفة السنة بإفراد الإمام وحده ليتميز عن المأمومين بتقدمه عليهم مكاناً وأفعالاً . ولا يرد على هذا وقوف النبي صلي الله عليه وسلم إلى جانب أبي بكر
[ رواه مسلم 413 ]
لأن الذي جاء ووقف هو الإمام ، وقف إلى جانب نائبه .
وأيضاً فإن أبا بكر لا يمكنه الرجوع إلى الصف .
وأيضاً فإن من مصلحة الجماعة أن يكون إلى
جنب النبي ليبلغهم تكبيره..
2- وفي تقدم المأموم الذي وجد الصف تاماً إلى جنب الإمام ، إيذاء للجماعة الذين سيتخطاهم ليصل إلى الإمام .
3- وفيه تفويت للمصافة لمن جاء بعده
فإنه لو قام وحده وجاء آخر صار صفاً .
وأما جذبه واحداً من المأمومين ليقف معه ففيه ثلاثة محاذير :
أحدها :
فتح فرجة في الصف , والنبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالمراصة ونهى أن ندع فرجات للشيطان
[ أحمد 5691 وأبو داود 666
وصححه الألباني في الصحيحة ] .
الثاني :
أنه ظلم للمجذوب بنقله من المكان الفاضل إلى المكان المفضول .
الثالث :
أنه يشوش عليه صلاته , وربما ينازعه ويشاتمه إذا فرغ منها .
ولا يرد على هذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن رآه يصلي وحده خلف الصف :
( ألا دخلت معهم أو اجتررت أحداً )
فإنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة
[ رواه الطبراني في الأوسط 8/374
وقال الهيثمي : ضعيف جدا ) .
وأما تركه الجماعة وصلاته منفرداً ، فهو ترك لواجب الجماعة مع القدرة عليه ، فيكون وقوعاً في المعصية .
وأما صلاته مع الجماعة خلف الصف فهو قيام بالواجب عليه بقدر المستطاع ؛ فإن المصلي مع الجماعة يلزمه أمران :
أحدهما :
الصلاة في الجماعة .
والثاني :
القيام في الصف معهم , فإذا تعذر أحدهما وجب الآخر .
فإن قيل : إن قوله صلي الله عليه وسلم ( لا صلاة لمنفرد خلف الصف ) عام ليس فيه تفصيل بين تمام , وعدم تمامه .
فالجواب :
أن هذا دال على بطلان الصلاة للمنفرد لتركه واجب المصافة ,فإذا لم يقدر عليه سقط عنه , والنبي صلي الله عليه وسلم لا يمكن أن يبطل صلاته لتركه ما لا قدرة له عليه .
ونظير هذا الحديث قوله صلي الله عليه وسلم :
( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن )
[ رواه البخاري 756 ومسلم 394 ]
وقوله صلي الله عليه وسلم :
(لا صلاة لمن لا وضوء له)
[ رواه الإمام أحمد 9137
وأبو داود 101 وابن ماجة 399 ]
إن صح هذا , فإن من لم يقدر على الفاتحة أو على الوضوء صلى بدونهما وأجزأته صلاته ، لكنه يقرأ من القرآن بقدر الفاتحة , أو يذكر الله إن لم يقدر على شيء من القرآن ، ويتيمم إن عجز عن الوضوء .
وخلاصة الجواب :
أن المصافة واجبة , وأن من جاء وقد كمل الصف فإنه يصلي مع الجماعة خلف الصف , ولا يتقدم إلى الإمام ليصلي إلى جنبه , ولا بجذب أحداً من الصف ليقف معه , ولا يترك صلاة الجماعة .
وجواز صلاته الجماعة منفرداً عن الصف للعذر هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه , وشيخنا عبد الرحمن سعدي ، وبعض قول من يرى الجواز مطلقا ً.
والحمد لله رب العالمين .