داعش هى رامبو الأمريكان الجديد
حدثتنا الأخبار بما حدث في نينوى وغيرها وما حدث من انهيار أمني مخيف بحيث لاحظنا سيطرة داعش والإرهابيين على هذه المدينة والتي تعتبر ثالث كبريات مدن العراق والتي يقطن فيها أكثر من ثلاثة ملايين ونصف من العراقيين... مما لاشك فيه أن هذا الانهيار والخرق الأمني يمثل حالة خطيرة ومأساوية في نفس الوقت لما آلت إليه أمور العراق وشعبه وهو يصبح كل يوم على جرح نازف جديد والذي يمثل احتلال الموصل من قبل الإرهابيين جرح كبير جداً وغائر في جسد العراق وشعبه والذي لا يمكن علاجه وإسعافه مهما بلغت عظم الإسعافات والعمليات التي تجرى له.... الوضع السياسى العراقى بائس ومزرى ولا يبشر بخير ولا تفاؤل .... مما لاشك فيه أن سفينة العراق تسير إلى طريق مجهول وسط أمواج متلاطمة لا تؤدي به إلى وصوله إلى بر الأمان وضرورة الحفاظ على وحدة العراق ... وجعل علم وشعب العراق في وجدان وضمير كل الساسة وجعله الولاء الأول لهم والضمانة الكبرى لعراقيتهم ووطنيتهم وعدم تقديم الولاءات الحزبية والطائفية والعرقية !!...هذه النتائج الخطيرة التي تحصل اليوم فى العراق الشقيق لا يمكن أن نعزوها إلا للسياسات الرعناء لكل ساسة العراق وأحزابه وبغض النظر عن المسميات .... وأرجو أن لا يخرج لنا متحذلق أو متفيقه ليلقى بالتهم على هذا الطرف أو ذاك وكذلك على جهة حزبية أو تلك لأن يجب إن يعرف الجميع أن مسؤولية أدارة العراق وشعبه هي مسؤولية جماعية تقع على عاتق الجميع ... وهي حالها حال لعبة كرة القدم ففوز الفريق يعني الفوز للفريق جميعاً وخسارته ينطبق عليهم نفس الشيء !!...
مما لاشك فيه أن من يقود العراق اليوم, سياسياً, وأمنيا, داخلياً, وخارجياً؛ هو نوري المالكي التابع لكتلة التحالف الوطني لا لدولة القانون, فإنكفاءه داخل كتلته يسحب منه صفة ممثل الأغلبية العراقية ....على المالكي أن يعود إلى التحالف الوطني من جديد, والقبول بالرؤية التي طالما طرحها ممثلوا هذا التحالف, وعدم الإتكال على التفرد والإستشارات, المسبب الرئيس في تلك النتائج الكارثية التى يحصدها الشعب العراقى الشقيق !... يمثل احتلال الموصل من قبل الإرهابيين جرح كبير جداً وغائر في جسد العراق وشعبه !!..ولقد عبر وزير الخارجية الروسي لافروف عن هذه العلاقة المزدوجة للدول الغربية في التعامل مع الارهاب حينما حصلت ازمة مالي، فخاطب المسؤولين الفرنسيين قائلا: انكم تحاربون الارهاب في مالي وتدعمونه في سوريا!.. فالإرهاب اذن خط احمر حينما يهدد مصالحهم او يصل الى بلدانهم، ولكنهم يرحبون به ويشجعون عليه حينما يخدم مخططاتهم.... وما يجري في العراق من فظائع ترتكبها داعش تلك الجماعة التكفيرية الارهابية ضد المدنيين الآمنين في المنازل والاسواق والجامعات ودور العبادة وغيرها، يثبت بما لا يقبل الشك أن هذه الجماعات المتأسلمة لا تملك مشروعا للبناء... لأن مشروعها عدمي هدفه الهدم فقط كمقدمة لإحلال الفوضى، حيث تلتقي في هذه الناحية مع نظرية الفوضى الخلاقة التي نادى بها المحافظون الجدد وسارت عليها الادارة الامريكية حتى يومنا هذا.... وستثبت الايام ان لا مستقبل لهذه الجماعات لأنها عزلت نفسها عن المجتمعات وتحالفت مع الشيطان، الذي سيلفظها ويودي بها الى التهلكة في يوم من الأيام!....
الولايات المتحدة والغرب والقوى الاقليمية النفطية المتحالفة معها مثل السعودية مدت يد العون لتلك الجماعات المتأسلمة شكلا والارهابية مضمونا ... ورسمت لها مخططا جهنميا يقضي بأن تكون تلك الجماعات المتأسلمة المارقة مركزا لتفريخ جماعات العنف الديني المسلح !!.. الولايات المتحدة استخدمت خبرائها المتضلعين في تاريخ الجماعات المتطرفة في مختلف عهود الاسلام، من الخوارج وحتى محمد بن عبد الوهاب فقامت الولايات المتحدة الامريكية بدعم ورعاية حركة طالبان التى هى بالأساس منفصلة عن العصر ومتعصبة قبليا ومتزمتة دينيا ... على صعيد أخر أشرفت الولايات المتحدة على تأسيس تنظيم القاعدة ( داعش)الذي كان ومازال يهدف الى تمزيق المجتمعات العربية والإسلامية عن طريق بث الفتن الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، وبين الشيعة والسنة، وبين السنة والاباضية، وبين السنة انفسهم كالاشاعرة والصوفية واتباع المذاهب الفقهية الرئيسة كالاحناف والمالكية والشافعية، واعتبار ان المذهب الحق هو المذهب الحنبلي !!.. الولايات المتحدة تعمل وما زالت تعمل وستعمل فى المستقبل على اذكاء روح التطرف ومحاربة قوى الاعتدال قي كل دين او مذهب، لأن المعتدلين دعاة تفاهم واستقرار وحل المشاكل بالحوار لا بالسلاح، بينما هدف أمريكا دائما هو خلق حالة من الاحتراب الداخلي بين المكونات الدينية والمذهبية والاثنية للمجتمعات من اجل إضعافها، تطبيقا للمبدأ الاستعماري القديم (فرق تسد)!....
الجماعات المتطرفة من أخوان وتنظيم القاعدة والجماعات الجهادية وداعش هى خير من أدى ومازال يؤدي هذا الدور بالنسبة للأمريكان ومن يقف وراءها من دول عالمية واقليمية.....فهذه الجماعات تعتقد انها على صواب وغيرها على خطأ، لذلك تفرض رأيها بالعنف وقوة السلاح... على صعيد أخر ليس هناك اسهل من تكفير الاشخاص والمذاهب بل والمجتمعات باعتبارها مجتمعات جاهلية يجب قتالها لدى تلك الجماعات المارقة والأرهابية !..وهكذا فان معركة تلك الجماعات الحقيقية أصبحت مع مجتمعاتها وليس مع العدو الذي يغتصب الارض ويهوّد القدس ويريد تدمير المسجد الاقصى لإقامة هيكل سليمان في مكانه، ويهدد اي دولة عربية تمتلك من اسباب القوة العلمية او العسكرية او الاقتصادية ما يمكن ان يشكل خطرا عليها في الحاضر او في المستقبل... فهل هنالك خدمة تقدم لإسرائيل وحلفائها اعظم من الخدمة التي يقدمها لها تلك الجماعات المتأسلمة المارقة التى تكفر المجتمعات وتقتل الأبرياء ؟!.....
لا جدال أن العلاقة بين هذه الجماعات والدول وأجهزة المخابرات الخفية التي هندستها ومولتها ومكنتها من التحكم في بعض المناطق والبلدان هي علاقة ملتبسة وتتميز بنوع من الازدواجية. فالجماعات الارهابية المتطرفة التي تلبس لبوس الدين لا تجد مانعا شرعيا من التعاون مع اجهزة الاستخبارات الدولية والمحلية لتحقيق هدف مشترك حتى وإن بدا انهما مختلفان ظاهريا.... وخير مثال على أن تلك الجماعات المتأسلمة مصنوعة داخل أروقة ودهاليز أجهزة المخابرات !!... بعد مظاهرات الخبز في يناير 1977 والتي اشتعلت فيها مصر بنار الثورة من الاسكندرية وحتى اسوان والتى كادت أن تسقط نظام الرئيس السادات !!...لذلك فقد تفتق ذهن الرئيس السادات المشهور عنه الذكاء والدهاء عن خطة جديدة وهي ضرب النقيض بنقيضه.... فكلف احد اعوانه وهو محمد عثمان اسماعيل الذي كان عضوا قياديا في الاتحاد الاشتراكي العربي ايام الرئيس عبد الناصر ولما توفي عبد الناصر مال مع الريح فاصبح ساداتياً..... كلفه الرئيس السادات بتأسيس الجماعات الاسلامية في الجامعات ثم عينه محافظا لأسيوط ليقوم بتدريب وتسليح تلك الجماعات، مستغلا التعصب القبلي وعادة الثأر المتغلغلة في مجتمعات الصعيد بوجه عام، والوجود القبطي المكثف في الصعيد، فكان باكورة اعمال تلك الجماعات تفجير الفتنة الطائفية بين المسيحيين والمسلمين، والتي حاول السادات تصفية جميع خصومه تحت ستارها، لكن المارد الذي اطلق من عقاله يصعب رده أو ترويضه فبدأ ينمو ويتكاثر وينشطر وينتقل للعالم الأوسع حتى انقلب على السادات نفسه، وتمكن من قتله .... لأن هذه الجماعات سلاح ذو حدين قد تقتل به وقد يقتلك، وهو ما حصل فعليا مع السادات !!...
ما حدث من احتلال الموصل فى العراق من قبل داعش ليس بمستغرب لأن هندسته تمت فى أروقة المخابرات الامريكية والتركية !!... ومن أجل الحبكة الدرامية التى يضحكون بها على السذج من خلال التلفزة والاعلام الموجه قامت داعش بأختطاف دبلوماسى تركى فى نينوى ... نعم الاختطاف عملية قرصنة وبلطجة مرفوضة من كل جوانبها مهما كانت المبررات !!.... ولكن أعلاميا داعش هى نجم هوليود الامريكية الجديد الذى يعطى الحبكة الدرامية السياسية طعما أخر !!... حيث استولت داعش على محافظة تعدادها 3 ملايين نسمة لكى تنقل التجربة السورية المريرة الى أرض العراق .... فنينوى كانت ضد الحكومة المركزية ويحركها حزب البعث !!... ولكن دخول داعش لها كان توقيت مدروس وإلا كيف نفسّر طيران طائرات الهليكوبتر بواسطة طياري الجيش السابق؟.... كيف نصدق أن داعش اختطفت دبلوماسى تركى وهى التى لها علاقات متينة مع تركيا !! ... أردوغان ليس قلقا على الدبلوماسى التركى الذى اختطفته داعش ... لأن داعش حريصه على سلامة المخطوف والخاطفين مثل مرسى !! ... فالقنصل التركى المخطوف سيكون بخير ولن يصاب بأذى لأن جماعة داعش دخلت سوريا عبر الاراضى التركية !!... والأتراك يعرفونهم فردا فردا بالصوت والصورة !!... فكيف تظنون أن داعش ستقوم بالإضرار بعلاقتها معكم؟!... فأفراد جماعة داعش دخلوا من أراضيكم وبعلمكم وتنسيقكم وبرضاكم فكيف يجرأون أن يفعلوا مايفتح عليهم أبواب جهنمكم المعروف؟ لقد سمعت انكم تفكرون بالتدخل العسكري... طبعا لامانع ولكن دون إنتهاك لسيادة وطن جار جريح.... يا اوردغان الدبلوماسى التركى سيعود مكرما معززا لكم فمن يجرؤ من السفلة هناك ان يؤذيه وداعش تعلم حجم معاونتكم ومساعدتكم وقوتكم أيضا؟!... لذلك صرحت الحكومة التركية الاردوغانية انها اتصلت بالخاطفين !! واكدوا سلامة القنصل والحماية وانهم في مكان آمن!! هل عرفتم قيمة أفلام الحركات الامريكية الهوليودية التى تؤديها داعش على أرض العراق الشقيق !!!..
بدأت امريكا والسعودية والمغفلين في الخليج التخطيط لاسقاط ايران منذ ان نجحت الثورة في ايران، وجاء صدام حسين لكي ينفذ المخطط في مؤامرة مكشوفة اوراقها للجميع !!... وبعد ضخ الاسلحة والمال والدعم السياسي فشل صدام ومنذ ان توقفت الحرب في 8/8/ 88 ... لذلك بدأت السعودية وامريكا التفكير بمخطط اخر لضرب الشيعة فكانت اول ضربة هي قمع الانتفاضة الشعبانية بشكل وحشي، وبدأ الحصار ولمدة اثنى عشر سنة!!!... وهنا نطرح سؤالا هاما : من هو المتضرر من الحصار ؟ انها فقط المحافظات الجنوبية والوسطية، اما الاكراد فقد حصلوا على حقوقهم كاملة واما الرمادي والموصل فانهما تمتعتا بنعيم صدام حسين من حيث التجارة والمناصب السيادية.... واما بغداد فلانها غالبية شيعية والاغلب فيهم اصول جنوبية فقد شرع صدام حسين قانونا بترحيل الشيعة من بغداد ولا يحق لهم أمتلاك ارض او عقار على عكس تكريت فانهم كانوا يحق لهم طبقا لتعداد 57 حيث كانت تكريت ناحية تابعة لسامراء وسامراء تابعة لبغداد، واليوم جعلت تكريت محافظة وسامراء تابعة لها... لدرجة ان اهالي سامراء تقبلوا هذا الامر على مضض.... لقد حاولوا اشراك ايران في الانتفاضة الشعبانية الا ان ايران لم تشترك بسبب مصالحها وكان المنتفضون يأملون الامداد منهم ولكن خاب ظنهم، ايران استفادت من الحرب في بناء اقتصادها وترسانتها العسكرية طوال فترة الحصار حتى انها كانت تهرب النفط لصدام حسين بسعر بخس مستفيدة من الفرق.بعد مرور (12) سنة من الحصار عرفت السعودية بانها في منتهى الغباء وعليها ان تعالج الموقف بعيدا عن امريكا....
اليوم الظروف والمعطيات السياسية اخذت منعطفا خطيرا بعد تحكم الشيعة في العراق.... لذلك بذلت السعودية اموال طائلة من اجل اياد علاوي الا ان الانتخابات قالت كلمتها واسقطته ..... اليوم وبعد الانتخابات الاخيرة اصبحوا امام واقع مر بالنسبة لهم لا سيما ان المالكي الشيعي كشف اوراق طارق الهاشمي الارهابي ولجوئه الى تركيا التي دخلت على الخط مؤخرا املا باستعادة امجاد الدولة العثمانية والامر ذاته يقال على ايران للدولة الفارسية او الصفوية،ومن ثم كشف اوراق الارهابي رافع العيساوي وكشف الدول الداعمة له فكانت احداث الانبار، لان الشخص الارهابي الثالث الذي كان على وشك كشف اوراقه هو اسامة النجيفي لهذا لايجب السكوت على الحكومة الشيعية....الغريب : لماذا يختار الارهاب المحافظات السنية ؟ الا يعني ان هنالك دعم من بعض شيوخ العشائر ؟ كما وان المسؤولين في هاتين المحافظتين هم من ابناء بلدهم فلو كان المحافظ شيعيا لثارت ثائرتهم على هذا المحافظ، وبالامس القريب عندما تواجد الجيش في الانبار لمحاربة الارهاب شنوا حملة اعلامية بان الشيعة دخلوا الانبار لذبح السنة وحالما انسحب الجيش دخلت داعش واستعرضت عضلاتها ... هل عرفنا أبعاد اللعبة القذرة فى العراق !!.... مما لاشك فيه أيضا أن مشكلة العراق هي مشكلة جغرافية قبل كل شيء ....وإذا لم تحل مشكلة الجغرافيا سيبقى استمرار الدولة العراقية مهددا....وما أقصده بمشكلة الجغرافيا هي تلك الفجوة ما بين مساحة الأرض التي تدعي الدولة السيادة عليها أمام العالم.....وبين قدرتها على تنمية هذه الأرض أو أحيانا حتى السيطرة على حدودها أو التواصل مع سكانها....وعجبا لك أيها التاريخ ....فأنت تكرر نفسك وكأنه لا جديد....غير أننا لا نستوعب دروسك ....ولكننا للاسف نركز في دراستنا للتاريخ على أضعف جوانبه...وهو جانب الفكر الديني....ونحن عندما ندعو لدراسة التاريخ والاستفادة من دروسه....لا نكرر خطأ المتطرفين حين يدعوننا إلى منهج النسخ الكربوني وإنما ندعو إلى ترجمة حوادث التاريخ بمصطلحات الحاضر....وإلى الاستفادة من دروسه بأسلوب العصر....هذا هو الفرق بيننا وبينهم !!...