المبحث الأول : ماهية المالية العامة
نتناول في هذا المبحث تعريفات المالية العامة و أهم تطوراتها .
المطلب الأول : مفهوم المالية العامة
تعتبر الدولة في صورتها الحديثة نتيجة تطورها التاريخي الطويل ، و إذا تتبعنا تطور دور الدولة و أهدافها ، و ألقينا الضوء على تطور مفهوم المالية العامة .
الفرع الأول : تعريف المالية العامة
* يقوم مصطلح المالية العامة finance publique على كلمتين إحداهما المالية finance و تعني الذمة المالية(1) بما فيها من جانبين الإيجابي و السلبي .
فالجانب الإيجابي الدائن و يتمثل في إيرادات الدولة recette بما لها من حقوق لدى الأفراد . و الجانب السلبي المدين و يتمثل في النفقات العامة dépenses التي يتوجب على الدولة ( الإدارة العامة ) صرفها ، ووصف هذه المالية بأنها عامة publique و ليست خاصة يعني بأنها مالية الإيرادات و السلطات العامة .
** التعريف الكلاسيكي للمالية العامة : هو علم الوسائل science des moyens التي تستطيع الدولة بواسطتها الحصول على الموارد اللازمة لتغطية نفقاتها العامة عن طريق توزيع الأعباء المترتبة على ذلك بين المواطنين .
** التعريف الحديث للمالية العامة : هو العلم الذي يدرس مجمل نشاطات الدولة التي أصبح بمستطاعها أن تستخدم تقنيات مالية خاصة ( الميزانية ، الضرائب ، سندات الاستثمار و التجهيز ، العمليات النقدية )
** الفرق بين التعريفين : و مما سبق نستطيع أن نقــارن بين التعريفيــن على ضوء النقــــاط التـــاليــة :
استخدام تقنيات خاصة في علم المالية الحديث و خاصة نظام الدولة الائتماني الذي يمكن للدولة بمقتضاه أن تستخدم لفترة ما قروضا من الآخرين .
تعارض بين المفهومين بسبب تطور مفهوم الدولة في حد ذاتها كانت دركية (حارسة) و أصبحت متدخلة .
اتساع نطاق المالية الحديث بالقياس للتعريف الكلاسيكي نظرا لتدخل الدولة و ضرورة ذلك و الطبيعة الطبقية للدولة التي تحدد مضمون النظام المالي أيضا .
العلاقات الجديدة بين المالية العامة و النظام الاقتصادي للبلاد .
يشير علم المالية العامة إلى دراسة المؤسسات العامة و تركيب الهيكل التنظيمي لهذه المؤسسات و الأجهزة المالية . (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
(1): د/ مرغاد لخضر ، محاضرات في المالية العامة , جامعة محمد خيضر – بسكرة / الجزائر
(2): د/ صالح الرويلي ،اقتصاديات المالية العامة ,جامعة وهران معهد العلوم الاقتصادية
- 01 -
** عناصر المالية العامة : رأينا أن الدولة هي التي تتولى إشباع الحاجات العامة و لكي تقوم لهذه المهمة لابد لها من أموال لشراء السلع و الخدمات و يطلق على هذه الأموال بالنفقات العامة ،و يتطلب مواجهة هذه النفقات و تغطيتها قيام الدولة باقتطاع هو ما نسميه بالإيرادات العامة و التي تتخذ صورا متعددة كالضرائب ، الرسوم ، القرض ، الإعانات ، الإيرادات ، أملاك الدولة ..... إلخ .
و لكي تسير الدولة على منهاج واضح منضبط في إنفاقها و إيراداتها يتطلب الأمر أن تحدد أوجه نشاطها خلال مدة زمنية محددة ( سنة عادة ) و مقدار النفقات المطلوبة لمواجهة ذلك النشاط و الإيرادات التي يحتمل الحصول عليها أي لابد من علاقة بين الإيرادات و النفقات و لابد من وثيقة تجمعها و هذه الوثيقة هي ما يطلق عليها بالموازنة العامة للدولة و من خلال ذلك يمكن القول أن عناصر المالية العامة هي :
الإيــــرادات الـــعامــة
الــنــفقــات الــعــامــة
المــوازنــة الــعامــــة
وعلى كل فــإن الموضوعـــات الأساسيـــة التي تنصــب عليــها الماليــة العامـــة تتمثل فيمــــا يلي :
الفرع الثاني : الحاجات العامة و مصادر تمويل الخدمة العامة
1/ الحاجات العامة : تعد دراسة الحاجات العامة المقدمة الأولى في مجال البحث في موضوع المالية العامة و من المعروف أن هدف النشاط الإنساني و بصرف النظر عن ماهيته يتجه إلى إشباع حاجة ما ، و يمكن إشباع بعض هذه الحاجات عن طريق المبادرة الفردية كالحاجة إلى المأكل و المشرب و الملبس و بعض الحاجات لا يمكن إشباعها بالمبادرة الفردية و إنما يتم إشباعها عن طريق تدابير مجتمعية كالحاجة إلى الأمن الداخلي و الخارجي و الاستقرار فهذه الأخيرة حاجات يشعر بها الناس مجتمعين فهي توجد مع وجود جماعة
و يطلق على الحاجات من النوع الأول بالحاجات الفردية و يطلق على الحاجات من النوع الثاني بالحاجات الجماعية و الأولى تكون بطبيعتها غير قابلة للتجزئة و بالتالي تتولى الدولة بوزارتها و هيئاتها و إداراتها مهمة إشباعها .
و لقد اختلف علماء المالية العامة في تحديد معايير التفرقة بين الحاجات الفردية و الحاجات الجماعية لاختلافهم في تحديد طبيعة كل منها و لا تتعدى تلك المعايير عما يأتي :
2/ معايير التفرقة بين الحاجات الفردية و الجماعية :
- معيار طبيعة الجهة القائمة بالإشباع : يتجه هذا المعيار إلى أن الحاجة تكون فردية إذا قام بمهمة إشباعها و جماعية إذا قامت الدولة بتلك المهمة ، و ينتقد هذا المعيار لأنه يعتمد على الجهة القائمة بالإشباع و ليس على الحاجة نفسها .
- 02 –
- معيار مصدر الإحساس بالحاجة : و يتجه هذا المعيار إلى أن الإحساس بالحاجة إن كان فرديا فالحاجة و إن كانت جماعية فالحاجة جماعية و ينتقد هذا المعيار لأن الإحساس بالحاجات العامة أو الجماعية يتم من خلال أفراد الجماعة نفسها كما أن بعض الحاجات لا تقوم الدول بإشباعها و تتلاك ذلك الأمر للقطاع الخاص رغم أن الإحساس بها جماعيا .
- معيار أكبر منفعة ممكنة بأقل نفقة ممكنة : و يذهب هذا المعيار إلى أن الدولة تقوم بإشباع الحاجة العامة ، بصرف النظر عن التكلفة المادية ، أي لا يحكمها قانون الكلفة و المنفعة في حين أن الأفراد يحكمهم ذلك المبدأ فهم يسعون إلى تحقيق أقصى منفعة ممكنة بأقل تكلفة ممكنة ، و ينتقد هذا المعيار لإنكاره خضوع الدولة إلى الموازنة المنفعية إذ أنها ملزمة بإجراء الموازنة بين الكلفة و المنفعة مع اختلاف الدولة عن الأفراد في أن المنفعة المقصودة هي ذات طابع جماعي .
- معيار الدور التقليدي للدولة : يذهب هذا المعيار إلى أن الحاجة جماعية أو عامة إذا كانت داخلة في الوظيفة التقليدية للدولة و هي الأمن الداخلي و الخارجي و العدالة أما ما عدا ذلك فيعد فرديا ، و يعد هذا المعيار أن الدولة لم تعد حبيسة الفلسفة التقليدية بل تجاوزت ذلك إلى الدولة المتدخلة و الدولة المنتجة .
و يتضح من خلال ذلك صعوبة التفرقة بين هذين النوعين من الحاجات لتداخلها و لاختلافها توسعا أو تضييقا تبعا لاختلاف الدول في الفلسفة الاقتصادية و السياسية الذي ينظم مقاليد الأمور فيها و تبعا لغناها الذي يحكم مدى سخائها لإضفاء صفة العمومية اجتماع الشرطين الآتيين : أ/- أن يحقق إشباع الحاجة منفعة جماعية
ب/- أن يدخل إشباع الحاجة في طبيعة دور الدولة
و هو المعيار الذي نؤيده و الذي يتلاقى الانتقادات الموجهة للمعايير السابقة . (1)
3/مصادر تمويل الخدمة العامة :
س: كيف تحصل الدولة أو الإدارات العامة على الأموال اللازمة لإشباع الحاجات العامة و الإنفاق عليها ؟
تحصل الدولة أو الإدارات العامة على الأموال اللازمة لإشباع الحاجات العامة و الإنفاق عليها من عدة مصادر أهمها :
إيرادات الدومين domaine أو الممتلكات الوطنية
الضرائب و الرسوم : و هي تقرضها الدولة من الأفراد
القروض
الإعانات : و هي الأموال التي يتبرع بها الأفراد داخل الدولة و خارجها أو تتبرع بها دولة أجنبية
و هو ما نصت عليه المادة 11 من قانون رقم 84-17 المؤرخ في 7/7/1984 و المادة 132 من قانون الولاية و المادة 146 من قانون البلدية .
بالتوفيق