حول حديث سيدات أهل الجنة وذكر أربعة ليس منهن عائشة ، وفضل عائشه رضي الله عنها
السؤال
لايوجد مسلم على سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يجهل فضل أمنا عائشه رضي الله عنها ، ولكن دائما يردد الناس وخصوصا الشيعة حديث : ( سيدات نساء أهل الجنة أربع : مريم
وآسية ، وخديجة ، وفاطمة ، لما لم تذكر أمنا عائشة من سيدات أهل الجنة ، مع أن فضلها عظيم ؟
الجواب
الحمد لله
أولا :
الحديث الذي ذكره السائل حديث صحيح ، أخرجه الإمام أحمد في "فضائل الصحابة" (1331) ، والحاكم في المستدرك (4853)
، من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قال لِفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَلَا أُبَشِّرُكَ ، أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "
سَيِّدَاتُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْبَعٌ: مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَآسِيَةُ ".
والحديث صحيح ، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3/411) فقال :" أخرجه الحاكم (3 / 185) وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا ". انتهى
ثانيا :
وأهل السنة متفقون على فضل مريم وآسية وفاطمة وخديجة وعائشة وأمهات المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .
وكذلك أهل السنة متفقون على أنهن لسن سواء في الفضل ، مع اختلاف بين أهل العلم من أهل السنة في ترتيبهن في الفضل ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (4/394) :
" وَأَفْضَلُ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ " خَدِيجَةُ " وَ " عَائِشَةُ " وَ " فَاطِمَةُ ". وَفِي تَفْضِيلِ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ نِزَاعٌ " . انتهى .
ومنشأ الخلاف وجود جمع من النصوص في فضلهن جميعا ، ليس بين هذه النصوص نص قطعي الدلالة بترتيب معين ، ولذا تذكر مسألة مشهورة وهي هل خديجة رضي الله عنها أفضل أم عائشة
رضي الله عنها ؟ ويذكر أهل العلم فيها ثلاثة أقوال ، أولها أن خديجة أفضل ، والثاني أن عائشة أفضل ، والثالث : التوقف في المسألة .
قال ابن القيم في "جلاء الأفهام" (ص234) بعد حديثه عن خديجة رضي الله عنها قال :" واختلف في تفضيلها على عائشة رضي الله عنها على ثلاثة أقوال ؛ ثالثها : الوقف ". انتهى
ثالثا :
بالنسبة للحديث الذي أورده السائل ، وأن سيدات أهل الجنة ليس منهن عائشة رضي الله عنها ، فإن ذلك لا يقدح فيها ، بل ولا يلزم منه فضلهن عليها .
وقد جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري (3411) ، ومسلم (2431) من حديث أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ: إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ
وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ ".
فهذا الحديث يثبت فضل عائشة رضي الله عنها على النساء ، واختلف أهل العلم في "ال" في النساء هل تدل على "العموم" ، فتكون عائشة مفضلة على جميع النساء ؟ أم هو عام مخصوص ؟
قال شيخ الإسلام في "منهاج السنة النبوية" (4/301)
:" إِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَيْسُوا مُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ أَفْضَلُ نِسَائِهِ ، بَلْ قَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: " فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ . انتهى .
وقال القاري في "مرقاة المفاتيح" (9/3993) :
" وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّسَاءِ جِنْسُهُنَّ ، أَوْ أَزْوَاجُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمُومًا ، أَوْ بَعْدَ خَدِيجَةَ .
وَالْأَظْهَرُ : أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ النِّسَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ ، مِنْ حَيْثُ الْجَامِعِيَّةُ لِلْكَمَالَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ ، الْمُعَبَّرُ عَنْهُمَا فِي التَّشْبِيهِ بِالثَّرِيدِ ، فَإِنَّمَا يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِالثَّرِيدِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ طَعَامِ الْعَرَبِ
وَأَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنَ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْمَرَقَةِ ، وَلَا نَظِيرَ لَهَا فِي الْأَغْذِيَةِ ، ثُمَّ إِنَّهُ جَامِعٌ بَيْنَ الْغِذَاءِ وَاللَّذَّةِ وَالْقُوَّةِ وَسُهُولَةِ التَّنَاوُلِ وَقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ فِي الْمَضْغِ ، وَسُرْعَةِ الْمُرُورِ فِي الْحُلْقُومِ وَالْمَرِّيءِ ، فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا الْمَثَلَ بِهِ لِيُعْلِمَ أَنَّهَا أُعْطِيَتْ مَعَ حُسْنِ الْخَلْقِ ، وَحُسْنِ الْخُلُقِ، وَحُسْنِ الْحَدِيثِ ، وَحَلَاوَةِ الْمَنْطِقِ ، وَفَصَاحَةِ اللَّهْجَةِ ، وَجَوْدَةِ الْقَرِيحَةِ ، وَرَزَانَةِ الرَّأْيِ
وَرَصَانَةِ الْعَقْلِ = التَّحَبُّبَ إِلَى الْبَعْلِ ؛ فَهِيَ تَصْلُحُ لِلتَّبَعُّلِ ، وَالتَّحَدُّثِ وَالِاسْتِئْنَاسِ بِهَا وَالْإِصْغَاءِ إِلَيْهَا، وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي اجْتَمَعَتْ فِيهَا ، وَحَسْبُكَ مِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي أَنَّهَا عَقَلَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ تَعْقِلْ غَيْرُهَا مِنَ النِّسَاءِ ، وَرَوَتْ عَنْهُ مَا لَمْ يَرْوِ مِثْلُهَا مِنَ الرِّجَالِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ ". انتهى .
ولأجل التردد في دلالة النص على ذلك ، وعدم التصريح في أي من النصوص بخصوص التفضيل المذكور ، ذهب كثير من أهل العلم إلى الوقف في المسألة .
قال الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله ، في "قضاء الأرب في أسئلة حلب" (ص235) :
" وقد قال المتولي من أصحابنا : تكلم الناس في عائشة وفاطمة ، أيهما أفضل ؟ ، والأولى للعاقل أن لا يشتغل بمثل ذلك.... والكلام في التفضيل صعب ، ولا ينبغي التكلم إلا بما ورد ،
والسكوت عما سواه وحفظ الأدب ، رضي الله عن الجميع ، ورزقنا محبتهم ونفعنا بهم ". انتهى
وقال ابن كثير رحمه الله في "قصص الأنبياء" (2/380)
- في معرض حديثه عن التفاضل بين خديجة وعائشة رضي الله عنهما - :" وَالْأَحْسَنُ : الْوَقْفُ فِيهِمَا رَضِيَ الله عَنْهُمَا ؛ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَذْكُورَاتِ وَغَيْرِهِنَّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عَدَا الْمَذْكُورَاتِ".انتهى .