ثالثاًً :
وقد كتب الأستاذ خالد الروشة نقداً علميّاً متيناً لما احتوته تلك القصص
وذكر ما فيها من خروقات عقيدية وتربوية ، فقال :
" وأحاول هنا بإيجاز أن أقف مع القارئ على بعض الخروق التربوية التي تؤدي إليها مثل تلك القصة وما يتبعها :
1 - القصة تقدِّم نموذجاً للقدوة عند أبنائنا , هو الساحر الشهير " هاري بوتر " , وهي هنا تهدم هذا الجدار الذي يبنيه النموذج الإسلامي بين أبناء الإسلام وبين السحر والسحرة , ولطالما لجأ الغرب إلى اختراع الشخصيات الأسطورية ؛ لإلهاء الأطفال ؛ ولملء الفراغ العميق بداخلهم , فاخترعوا لهم " سوبر مان " و " بات مان
" و " هرقل " ، وغيرهم من شخصيات يقدمونها للأبناء على أنها تستطيع أن تغير العالم وتهدم الجبال ! وهذا ولاشك في ذاته دليل على عجزهم عن تقديم نموذج واقعي جاد جدير بجذب الأبناء وتعلقهم به والإقبال عليه .
2 - تقدِّم القصة السحر كمخلِّص من العقبات التي لا يمكن حلها ، والأزمات التي لا يستطيع أحد السيطرة عليها ، وفي لحظة واحدة ، وبكلمة سحرية : يستطيع الساحر أن يحل الأزمة ، ويتخطى العقبة
وهو – ولا شك - يولِّد لدى الأبناء خللاً عقائديّاً كبيراً , إذ إنه يدعوهم نحو ما يدعو إليه دافعاً إياهم إلى نسيان من ينبغي أن يلجئوا إليه في العقبات ، والأزمات , ونحن ليل نهار نعلم أبناءنا ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) الأنعام/ 17 ، 18
, وهو المنصوص عليه في جميع الديانات الصحيحة ، وعلى لسان جميع الأنبياء من لَعْن السحرة ، والمشتغلين بالسحر , ولكن القصة تجعل أبناءنا يشتاقون للسحر ، ويحبونه ، ويتمنى كل واحد منهم أن لو صار ساحراً !!
3 - الحياة الغربية هي حياة مركزها الإنسان ، ومحورها منفعته ، ومكاسبه , والإسلام يعلِّمنا أن يكون مركز تفكيرنا في مرضات الله سبحانه , فطاعة الله هي مركز حياتنا , ورضاه عز وجل هو محور سعينا , وهذا ما ينبغي أن نعلمه أبناءنا من قوله تعالى ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الأنعام/ 162
وفي تلك القصة الساقطة هم يقدِّمون الشخصية التي تفعل كل المعجزات اعتماداً على قدراتها السحرية ، وسعياً وراء مصلحة الأفراد , ولا يغتر أحد أنهم يقدمونه محارباً للشر , فالخير لا يأتي عن طريق الشر أبداً , وما جعل دواء فيما حُرِّم !
قصة " بوتر " قائمة على شيء حرَمه الله في ديننا الحنيف ، ولعن فاعله ، ذلك الشيء القبيح هو السحر , والمبدأ القرآني عندنا يقول ( وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) طـه/ من الآية 69 .
4 - اعتمدتْ القصة على التخويف والفزع من تخيلات شيطانية لا تطرأ إلا في عالم الجن ، والشياطين ، ومساكنهم في مجاري المياه ، والمراحيض ، وأماكن النجس - هكذا أوردت القصة - , والمزاج السليم يرفض ذلك ، ويبعد بالأبناء عن تلك المجالات المفزعة ، والقابضة لنفوس الأبناء ، والمجرئة لهم – في بعض الأحيان – على عالم الشيطان , حتى يستسيغوا الحياة في ذلك العالم , فلا يجد حينئذ عبَّاد الشيطان صعوبة في دعوتهم إلى السوء !
5 - قدَّمت القصةُ الساحرَ الأكبرَ على أنه بإمكانه أن يحي ويميت ! فهو يميت الطائر كذا ، والحيوان كذا ، ثم يحييه في صورة أفضل ، وشكل أحسن , كما تقدمه على أنه يشفي المرضى ، ويعالج الجروح في لحظة واحدة
وبكلمة سحرية واحدة , وهو خلل أي خلل في التكوين النفسي والفكري لدى أبنائنا الذين يجب أن نعلمهم دوما معنى قوله تعالى ( الَّذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِين . والَّذِي هُوَ يُطْعِمُني وَيَسْقِين . وَإِذَا مَرِضت فَهُوَ يَشْفِين . والَّذي يُمِيتُني ثُمَّ يُحْيين . والَّذي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين ) الشعراء/ 78 - 82 .
6 - لا يهم الغرب أن يتربى الابن وقلبه مملوء بمحبة الله سبحانه والرغبة في عبادته , فهو يهتم بترفيهه وتقديم ما يبهره , ولذلك دوماً نجد أبناءهم يشبُّون على المادية الجامدة ، وعلى النفعية البالغة ، وعلى التقليل من شأن الروح ، وإعلاء المادة عليها ، وعلى البعد الكبير عن شئون القلب ، وحقائق الكون , فقليل منهم من ييمم وجهه نحو البحث عن الإيمان ، ولكنه يتربى على أن الإيمان هو شيء زائد يتمثله ليشعره بالراحة النفسية في بعض المواقف
وهذا يتنافى تماماً مع ما يأمرنا الإسلام بتربية أبنائنا عليه ، حيث أوصانا أن نربِّي أبناءنا على حراسة القلب بالإيمان ، وتعليقه بربه ، وانظر إلى نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم للغلام الصغير عبد الله بن عباس رضي الله عنه وهو يقول له : ( احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ... ) أين الثرى من الثريا ، وأين الظلمات من النور ؟!! " انتهى .