أغلب الظن إن معظم وسائل الإعلام العربية والإسلامية, إن لم تكن كلها, تتعمد إظهار صورة مسجد قبة الصخرة عند التحدث عن أي موضوع يتعلق بالمسجد الأقصى, وكأنما أُريد للأقصى أن يختفي ويتلاشى تماما من ذاكرتنا الصورية, ثم يدفن بمرور الزمن في دفاتر النسيان, وانجرفت مؤسساتنا التعليمية العربية مع تيارات الموجة التشويهية والتمويهية, فطبعت صورة مسجد قبة الصخرة في المناهج والمقررات الدراسية, وكتبت تحتها اسم المسجد الأقصى,
صورة قبة الصخرة صارت هي البديلة لصورة المسجد الأقصى
فتجد الكلام المنشور فيها عن الأقصى بينما الصور المعروضة لقبة الصخرة, حتى ترسخت في أذهان صغار التلاميذ الصورة البديلة للمسجد, اما الأغاني الوطنية والأناشيد الحماسية التي تتغنى بعظمة المسجد الأقصى, وتستعرض تاريخه التليد فلم تكن بمنأى عن عمليات التشويه الإعلامي المبرمج, وكأنما اتفقت الفضائيات على تجاهل المسجد الأقصى وعرض لقطات لمسجد قبة الصخرة, وهي على هذا الحال منذ أكثر من نصف قرن من الزمان, حتى انمحت صورة المسجد الأقصى من أذهان الناس شيئا فشيئا, وصاروا لا يفرقون اليوم بين المسجدين, وكثير منهم لا يعرفون ملامح المسجد الأقصى, وربما يضحكون علينا إذا عرضنا عليهم صورته الحقيقة.
وهذا هو المسجد الأقصى المبارك
ودأبت بعض البلدان الإسلامية على إطلاق اسم المسجد الأقصى على الساحات العامة, لكنها زينتها بصور مجسمة لمسجد الصخرة, وكأنها أرادت إيهام الناس بان النموذج المعروض يمثل الأقصى, وهكذا اعتادت وسائل الإعلام العربية والعالمية على إظهار صورة مسجد القبة كلما جرى الحديث عن القدس أو المسجد الأقصى, فاختلط الأمر على عامة الناس, ولم يعلموا أن المسجد ذو القبة الذهبية هو مسجد قبة الصخرة, وليس المسجد الأقصى الذي هو بالنسبة لنا أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
وبات من المؤكد إن هذا الخلط بين المسجدين يعزى إلى مؤامرة خبيثة خُطط لها منذ أكثر من نصف قرن, تهدف إلى تضليل الرأي العام العربي والإسلامي والدولي, وارى إن اكتفاء الإعلام العربي والعالمي بصورة القبة, يضعهم جميعا في قفص الاتهام, ولا يعفيهم من الخطأ الذي نشأ عنه عدم التمييز بين المسجدين.
لقد جاءت هفوات صحفنا وحماقات فضائياتنا مكملة لمساعي الصهاينة الرامية إلى تعظيم الصخرة, والإمعان في إظهارها كبديل للأقصى الشريف, وذلك ليظن المسلمون بأن المسجد الأقصى هو قبة الصخرة, فيتحقق هدفهم بإقامة هيكل سليمان المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى, حتى إذا جاء اليوم المشئوم وقام اليهود بهدم المسجد الأقصى, وأنكر عليهم المسلمون تلك الفعلة الشنيعة, قالوا لهم ها هو المسجد الأقصى أمامكم على حاله, فيُظهرون لهم صورة قبة الصخرة، ويكونون قد نالوا مرادهم، وسلموا من غضب المسلمين, الذين سينظرون إلى مسجد قبة الصخرة, ويجدونه لم يمس بسوء, وسيظنون وقتئذ أن الذي دُمِّر هو شيءٌ آخر لا علاقة لهم به.
لقد تآمرت إسرائيل على هذا المسجد عبر مخططاتها العدوانية لهدمه وزلزلة أركانه وتقويض بنيانه تمهيدا لإقامة ما يسمى بهيكل سليمان, وارتكبت بحقه جرائم كثيرة, منها إغلاق باب المغاربة, ومجزرة الأقصى عام 1990, وأحداث النفق عام 1996 , وحرق باب الغوانمة, والوقوف ضد ترميمه وإصلاحه, ومنع المصلين من الوصول إليه, وبلغت إسرائيل في مخططات التهويد والاستيطان مراحل تتسم بالخطورة, ليس على المسجد الأقصى فحسب, وإنما على المدينة المقدسة بصفة عامة, والمسجد الأقصى بصفة خاصة, ومن نافلة القول نذكر أنها ارتكبت جريمة حرق المسجد الأقصى عن قصد وتعمد وسبق إصرار, في صبيحة يوم الخميس الموافق 22 آب (أغسطس) 1969 , على يد يهودي متطرف استرالي الأصل اسمه مايكل دينس روهن (28 سنة), الذي قام بإضرام النيران في الجامع القبلي, فسقط سقف جناحه الشرقي بالكامل.
آثار الحريق في الجناح الشرقي
كان المسجد الأقصى يعرف ببيت المقدس قبل نزول التسمية القرآنية له، اما معنى (الأقصى), فتعني الأبعد مقارنة بين مساجد الإسلام الثلاثة, أي أنه بعيد عن مكة والمدينة على الأرجح, وكانت منطقة القدس تعرف أيضاً في تلك الفترة باسم إيلياء. وكل هذه الأسماء تدل على عظمة وقدسية وبركة المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين.
نسأل الله تعالى أن يعيد للمسلمين عزهم ومجدهم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.