۝۞مُفرَدَاتٌ قُرءانيّةٌ ۝ ومُصْطَلحَاتٌ فُرقَانِيَّةٌ۞۝ - الصفحة 270 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة

قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

۝۞مُفرَدَاتٌ قُرءانيّةٌ ۝ ومُصْطَلحَاتٌ فُرقَانِيَّةٌ۞۝

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-05-09, 20:40   رقم المشاركة : 4036
معلومات العضو
المسافر 09
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المسافر 09
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قال تعالى
(( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)

ونجد هذه الآية معطوفة على ما سبقها من صفات أولي الألباب الذين يتذكَّرون ويعرفون مَواطن الحق بعقولهم اهتداءً بالدليل؛ الذين يُوفون بالعهد الإيماني بمجرد إيمانهم بالله في كُلِّيات العقيدة الوحدانية ، ومُقْتضيات التشريع الذي تأتي به تلك العقيدة .
ولذلك جعلها سبحانه صفقة أوضحها في قوله تعالى : { إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجنة يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً . . . } [ التوبة : 111 ]
وهي صفقة إيجاب وقَبُول ، والعهد إيجاب وقبول؛ وهو ميثاق مُؤكَّد بالأدلة الفِطْرية أولاً ، والأدلة العقلية ثانياً .
وهُمْ في هذه الآية مَنْ صبروا ابتغاءَ وجه ربهم ، والصبر هو تحمُّل متاعب تطرأ على النفس الإنسانية لتخريجها عن وقار استقامتها ونعيمها وسعادتها ، وكل ما يُخرِج النفس الإنسانية عن صياغة الانسجام في النفس يحتاج صبراً .
والصبر يحتاج صابراً هو الإنسان المؤمن ، ويحتاج مَصْبوراً عليه؛ والمَصْبور عليه في الأحداث قد يكون في ذات النفس؛ كأنْ يصبر الإنسان على مشقَّة التكليف الذي يقول « افعل » و « لا تفعل » .
فالتكليف يأمرك بترْكِ ما تحب ، وأنْ تنفذ بعض ما يصعب عليك ، وأن تمتثل بالابتعاد عما ينهاك عنه ، وكُلُّ هذا يقتضي مُجَاهدة من النفس ، والصبر الذاتي على مشَاقِّ التكليف .
ولذلك يقول الحق سبحانه عن الصلاة مثلاً : { . . . وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين } [ البقرة : 45 ]
وهذا صَبْر الذَّات على الذات . ولكن هناك صَبْر آخر؛ صبر منك على شيء يقع من غيرك؛ ويُخرِجك هذا الشيء عن استقامة نفسك وسعادتها .
وهو ينقسم إلى قسمين : قسم تجد فيه غريماً لك؛ وقسم لا تجد فيه غريماً لك .
فالمرض الذي يُخرِج الإنسان عن حَيِّز الاستقامة الصِّحية ويُسبِّب لك الألم؛ ليس لك فيه غريم؛ لكنك تجد الغريم حين يعتدي عليك إنسانٌ بالضرب مثلاً؛ ويكون هذا الذي يعتدي عليك هو الغريم لك .
وكل صبر له طاقة إيمانية تحتمله؛ فالذي يَقْدر على شيء ليس فيه غريم؛ يكون صَبْره معقولاً بعض الشيء؛ لأنه لا يوجد له غريم يهيج مشاعره .
أما صبر الإنسان على أَلم أوقعه به مَنْ يراه أمامه؛ فهذا يحتاج إلى قوة ضَبْط كبيرة؛ كي لا يهيج الإنسان ويُفكِّر في الانتقام .
ولذلك تجد الحق يفصل بين الأمرين؛ يفصل بين شيء أصابك ولا تجد لك غريماً فيه ، وشيء أصابك ولك من مثلك غريمٌ فيه .
ويقول سبحانه عن الصبر ليس لك غريم فيه : { . . . واصبر على مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمور } [ لقمان : 17 ]
ويقول عن الصبر الذي لك فيه غريم ، ويحتاج إلى كَظْم الغيظ ، وضبط الغضب : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور } [ الشورى : 43 ]
وحينما يريد الحق سبحانه منك أن تصبر؛ فهو لا يطلب ذلك منك وحدك؛ ولكن يطلب من المقابلين لك جميعاً أنْ يصبروا على إيذائك لهم؛ فكأنه طلب منك أنْ تصبر على الإيذاء الواقع من الغير عليك؛ وأنت فرد واحد .
تفسير الشعراوي









 


رد مع اقتباس
قديم 2014-05-09, 20:44   رقم المشاركة : 4037
معلومات العضو
المسافر 09
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المسافر 09
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قال تعالى
((وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) )) الرعد

قوله تعالى : { والذين صبروا } أي : على ما أُمروا به { ابتغاء وجه ربهم } أي : طلباً لرضاه { وأقاموا الصلاة } أتمُّوها { وأنفقوا مما رزقناهم } من الأموال في طاعة الله . قال ابن عباس : يريد بالصلاة : الصلوات الخمس ، وبالإِنفاق : الزكاة .
قوله تعالى : { ويدرؤون } أي : يدفعون { بالحسنة السيئة } . وفي المراد بهما خمسة أقوال :
أحدها : يدفعون بالعمل الصالح الشرَّ من العمل ، قاله ابن عباس . والثاني : يدفعون بالمعروف المنكر ، قاله سعيد بن جبير . والثالث : بالعفو الظلمَ ، قاله جُوَيبر . والرابع : بالحلم السفهَ ، كأنهم إِذا سُفه عليهم حَلُموا ، قاله ابن قتيبة .
والخامس : بالتوبة الذنْبَ ، قاله ابن كيسان .
قوله تعالى : { أولئك لهم عقبى الدار } قال ابن عباس : يريد : عقباهم الجنة ، أي : تصير الجنة آخر أمرهم .
قوله تعالى : { ومن صلح } وقرأ ابن أبي عبلة : «صلُح» بضم اللام . ومعنى «صلح» آمن ، وذلك أن الله تعالى ألحق بالمؤمن أهله المؤمنين إِكراماً له ، لتقرَّ عينُه بهم . { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب } قال ابن عباس : بالتحية من الله والتحفة والهدايا .
قوله تعالى : { سلام عليكم } قال الزجاج : أُضمر القول هاهنا ، لأن في الكلام دليلاً عليه . وفي هذا السلام قولان :
أحدهما : أنه التحية المعروفة ، يدخل الملَك فيسلِّم وينصرف . قال ابن الأنباري : وفي قول المسلِّم : سلام عليكم ، قولان : أحدهما : أن السلام : اللهُ عز وجل ، والمعنى : الله عليكم ، أي : على حفظكم . والثاني : أن المعنى : السلامة عليكم ، فالسلام جمع سلامة .
والثاني : أن معناه : إِنما سلَّمكم الله تعالى من أهوال القيامة وشرِّها بصبركم في الدنيا .
وفيما صبروا عليه خمسة أقوال :
أحدها : أنه أمر الله ، قاله سعيد بن جبير .
والثاني : فضول الدنيا ، قاله الحسن .
والثالث : الدِّين .
والرابع : الفقر ، رويا عن أبي عمران الجَوني .
والخامس : أنه فقد المحبوب ، قاله ابن زيد .
زاد المسير في علم التفسير ابن الجوزي










رد مع اقتباس
قديم 2014-05-09, 20:45   رقم المشاركة : 4038
معلومات العضو
المسافر 09
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المسافر 09
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قال تعالى
((وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) )) الرعد

{ شرح الكلمات } :
{ والذين ينقضون عهد الله } : أي يحلونه ولا يلتزمون به فلم يعبدوا ربهم وحده .
{ ويقطعون ما امر الله به أن يوصل } : أي من الإيمان والأرحام .
{ ويفسدون في الأرض } : أي بترك الصلاة ومنع الزكاة ، وبارتكاب السيئات وترك الحسنات .
{ لهم اللعنة } : أي البعد من رحمة الله تعالى .
{ ولهم سوء الدار } : أي جهنم وبئس المهاد .
{ ويقدر } : أي يضيق ويقتر .
{ الا متاع } : قدر يسير يتمتع به زمناً ثم ينقضي .
{ طوبى لهم وحسن مآب } : أي لهم طوبى شجرة في الجنة وحسن منقلب وهو دار السلام .
{ معنى الآيات } :
قوله تعالى : { والذين ينقضون } الآيات ، هذا هو الطرف المقابل او الشخصية الثانية وهو من لم يعلم ولم يؤمن كأبي جهل المقابل لحمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه ذكر تعالى هنا صفاته الموجبة لعذابه وحرمانه فذكر له ولمن شاكلته الصفات التالية : ( 1 ) نقض العهد فلم يعبدوا الله ولم يوحدوه وهو العهد الذي أخذ عليهم في عالم الأوراح : { والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } .
( 2 ) قطع ما أمر الله به ان يوصل من الايمان وصلة الأرحام : { ويقطعون ما أمر الله به ان يوصل } .
( 3 ) الإفساد في الارض بالشرك والمعاصي : { يفسدون في الأرض } بهذه الصفات استوجبوا هذا الجزاء ، قال تعالى : { اولئك لهم اللعنة } اي البعد من الرحمة { ولهم سوء الدار } أي جهنم وبئس المهاد ، وقوله تعالى : { الله يبسط الرزق لمن شاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا ، وما الحياة الدنيا في الاخرة الا متاع } يخبر تعالى عن سنة من سننه في خلقه وهي يبسط الرزق اى يوسعه على من يشاء امتحاناً هل يشكر ام يكفر ويضيق ويفتر على من يشاء ابتلاء هل يصبر او يجزع ، وقد يبسط الرزق لبعض اذ لا يصلحهم الا ذاك ، وقد يضيق على بعض اذ لا يصلهم الا ذاك ، فلن يكون الغنى دالاً على رضى الله ، ولا الفقر دالاً على سخطه تعالى على عباده ، وقوله { وفرحوا بالحياة الدنيا } اي فرح اولئك الكافرون بالحياة الدنيا لجهلهم بمقدارها وعاقبتها وسوء آثارها وما الحياة الدنيا بالنسبة الى ما اعد الله لأوليائه وهو اهل الايمان به وطاعته الا متاع قليل ككف التمر أو قرص الخبز يعطاه الراعي غذاء له طول النهار ثم ينفذ ، وقوله تعالى في الآية ( 27 ) : { ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه آية من ربه } فقد تقدم مثل هذا الطلب من المشركين وهو مطالبة المشركين النبي صلى الله عليه وسلم ان تكون له آية كناقة صالح عصا موسى ليؤمنوا به وهم في ذلك كاذبون فلم يحملهم على هذا الطلب الا الاستخفاف والعناد والا آيات القرآن أعظم من آية الناقة والعصا ، فلذا قال تعالى لرسوله : { قل إن الله يضل من يشاء } ضلاله ولو رأى وشاهد ألوف الآيات { ويهدي اليه من أناب } ولو لم ير آية واحدة الا انه أناب الى الله فهداه اليه وقبله وجعله من اهل ولايته ، وقوله تعالى في الآية ( 8 ) { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله } أولئك الذين أنابوا اليه تعالى إيماناً وتوحيداً فهداهم إليه صراطاً مستقيماً هؤلاء تطئمن قلوبهم أي تسكن وتستأنس بذكر الله وذكره وعده وذكر صالحي عباده محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقوله تعالى : { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } اي قلوب المؤمنين اما قلوب الكافرين فإنها تطمئن لذكر الدنيا وملاذها وقلوب المشركين تطمئن لذكر أصنامهم ، وقوله تعالى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب } إخبار من الله تعالى بما أعد لأهل الإيمان والعمل الصالح وهو طوبى حال من الحسن الطيب يعجز البيان عن وصفها أو شجرة في الجنة وحسن منقلب وهو الجنة دار السلام والنعيم المقيم .
أيسر التفاسير










رد مع اقتباس
قديم 2014-05-09, 20:48   رقم المشاركة : 4039
معلومات العضو
المسافر 09
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المسافر 09
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قال تعالى
((كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32)

{ شرح الكلمات } :
{ كذلك أرسلناك } : أي مثل ذلك الإرسال الذي أرسلنا أرسلناك .
{ لتتلو عليهم } : أي لتقرأ عليهم القرأن تذكيراً وتعليماً ونذارة وبشارة .
{ وهو يكفرون بالرحمن } : اذا قالوا وما الرحمن وقالوا لا رحمن الا رحمان اليمامة .
{ سيرت به الجبال } : أي نقلت من اماكنها .
{ او قطعت به الارض } : اي شققت فجعلت انهاراً وعيوناً .
{ أو كلم به الموتى } : اي احيوا وتكلموا .
{ أفلم ييأس } : أي يعلم .
{ قارعة } : أي داهية تقرع قلوبهم بالخوف والحزن وتهلكهم وتستأصلهم .
{ او تحل قريباً من دارهم } : أي القارعة او الجيش الإسلامي .
{ فأمليت } : اي امهلت وأخرت مدة طويلة .
{ معنى الآيات }
ما زال السياق في تقرير أصول العقائد : التوحيد والنبوة والبعث والجزاء الآخر ففي الآية الأولى من هذا السياق وهي قوله تعالى : { كذلك أرسلناك } فقرر نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله كذلك اي الارسال الذي ارسلنا من قبلك انت الى امة قد خلت من قبلها امم ، وبين فائدة الارسال فقال : { لتتلو عليهم الذي أوحينا اليك } وهو رحمة والهدى والشفاء { وهو يكفرون بالرحمن } الرحمن الذي ارسلك لهم بالهدى ودين الحق لإكمالهم وإسعادهم يكفرون به ، اذا فقل انت ايها الرسول هو ربي لا اله الا هو اي لا معبود بحق الا هو عليه توكلت واليه متاب اي توبتي ورجوعي فقرر بذلك مبدأ التوحيد بأصدق عبارة وقوله تعالى في الآية الثانية ( 31 ) { ولو أن قرآناً } الخ : لا شك ان مشركي مكة كانوا بما ذكره في هذه الاية اذا قالوا ان كنت رسولاً فادع لنا ربك فيسر عنا هذه الجبال التي تكتنف وادينا فتتسع ارضنا للزراعة والحراثة وقطع ارضنا فاخرج لنا منها العيون والانهار واحيي لنا فلان وفلاناً حتى نكملهم ونسألهم عن صحة ما تقول وتدعي بأنك نبي فقال تعال : { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال او قطعت به الأرض أو كلم به الموتى } اي لكان هذا القرأن ، ولكن ليست الآيات هي التي تهدي بل الله الامر جميعاً يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، ولما صرفهم الله تعالى عن الآيات الكونية لعلمه تعالى أنهم لو اعطاهم اياها لما آمنوا عليها فيحق عليهم عذاب الإبادة كالأمم السابقة ، وكان من المؤمنين من يود الآيات الكونية ظناً منه ان المشركين لو شاهدوا أمنوا وانتهت المعركة الدائرة بين الشرك والتوحيد قال تعالى : { أفلم ييأس الذين آمنوا } أي يعملوا { أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً } بالآيات وبدونها فليترك الأمر له سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وقوله تعالى : { ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا } اي من الشرك والمعاصي { قارعة } أي داهية تفرع قلوبهم بالخوف والفزع ونفوسهم بالهم والحزن وذلك كالجدب والمرض والقتل والأسر { أو تحل قريباً من دارهم } أي يحل الرسول بجيشه الإسلامي ليفتح مكة حتى يأتي وعد الله بنصرك أيها الرسول عليهم والآية عامة فيمن بعد قريش ويكون الوعيد متناولاً امم الكفر عامة وها هي ذي الحروب تقرعهم كل قرن مرة ومرتين والحرب الذرية على أبوابهم ولا يزال أمرهم كذلك حتى يحل الجيش الإسلامي قريباً من دارهم ليدخلوا في دين الله او يهلكوا ، { ان الله لا يخلف المعياد } وقد أنجز ما وعد قريشاً ، وفي الآية الأخيرة ( 32 ) يخبر تعالى رسوله مسلياً إياه عما يجد من تعب وألم من صلف المشركين وعنادهم فيقول له : { ولقد استهزئ برسل من قبلك } أي كما استهزئ بك فصبروا فاصبر أنت ، { فأمليت للذين كفروا } أي امهلتهم وأنظرتهم حتى قامت الحجة عليهم ثم أخذتهم فلم أبق منهم احداً { فكيف كان عقاب } أي كان شديداً عاماً واقعاً موقعه ، فكذلك أفعل بمن استهزا بك يا رسولنا اذا لم يتوبوا ويسلموا .
{ من هداية الآيات } :
1- تقرير التوحيد .
2- لا توكل الا على الله ، ولا توبة لأحد إليه .
3- عظمة القرآن الكريم وبيان فضله .
4- إطلاق لفظ اليأس والمراد به العلم .
5- توعد الرب تعالى الكافرين بالقوارع في الدنيا الى يوم القيامة .
6- الله جل جلالة يملي ويمهل ولكن لا يهمل بل يؤاخذ ويعاقب .
أيسر التفاسير










رد مع اقتباس
قديم 2014-05-09, 20:53   رقم المشاركة : 4040
معلومات العضو
المسافر 09
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المسافر 09
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قال تعالى
((وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) )) الرعد

{ شرح الكلمات } :
{ والذين ينقضون عهد الله } : أي يحلونه ولا يلتزمون به فلم يعبدوا ربهم وحده .
{ ويقطعون ما امر الله به أن يوصل } : أي من الإيمان والأرحام .
{ ويفسدون في الأرض } : أي بترك الصلاة ومنع الزكاة ، وبارتكاب السيئات وترك الحسنات .
{ لهم اللعنة } : أي البعد من رحمة الله تعالى .
{ ولهم سوء الدار } : أي جهنم وبئس المهاد .
{ ويقدر } : أي يضيق ويقتر .
{ الا متاع } : قدر يسير يتمتع به زمناً ثم ينقضي .
{ طوبى لهم وحسن مآب } : أي لهم طوبى شجرة في الجنة وحسن منقلب وهو دار السلام .
{ معنى الآيات } :
قوله تعالى : { والذين ينقضون } الآيات ، هذا هو الطرف المقابل او الشخصية الثانية وهو من لم يعلم ولم يؤمن كأبي جهل المقابل لحمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه ذكر تعالى هنا صفاته الموجبة لعذابه وحرمانه فذكر له ولمن شاكلته الصفات التالية : ( 1 ) نقض العهد فلم يعبدوا الله ولم يوحدوه وهو العهد الذي أخذ عليهم في عالم الأوراح : { والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } .
( 2 ) قطع ما أمر الله به ان يوصل من الايمان وصلة الأرحام : { ويقطعون ما أمر الله به ان يوصل } .
( 3 ) الإفساد في الارض بالشرك والمعاصي : { يفسدون في الأرض } بهذه الصفات استوجبوا هذا الجزاء ، قال تعالى : { اولئك لهم اللعنة } اي البعد من الرحمة { ولهم سوء الدار } أي جهنم وبئس المهاد ، وقوله تعالى : { الله يبسط الرزق لمن شاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا ، وما الحياة الدنيا في الاخرة الا متاع } يخبر تعالى عن سنة من سننه في خلقه وهي يبسط الرزق اى يوسعه على من يشاء امتحاناً هل يشكر ام يكفر ويضيق ويفتر على من يشاء ابتلاء هل يصبر او يجزع ، وقد يبسط الرزق لبعض اذ لا يصلحهم الا ذاك ، وقد يضيق على بعض اذ لا يصلهم الا ذاك ، فلن يكون الغنى دالاً على رضى الله ، ولا الفقر دالاً على سخطه تعالى على عباده ، وقوله { وفرحوا بالحياة الدنيا } اي فرح اولئك الكافرون بالحياة الدنيا لجهلهم بمقدارها وعاقبتها وسوء آثارها وما الحياة الدنيا بالنسبة الى ما اعد الله لأوليائه وهو اهل الايمان به وطاعته الا متاع قليل ككف التمر أو قرص الخبز يعطاه الراعي غذاء له طول النهار ثم ينفذ ، وقوله تعالى في الآية ( 27 ) : { ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه آية من ربه } فقد تقدم مثل هذا الطلب من المشركين وهو مطالبة المشركين النبي صلى الله عليه وسلم ان تكون له آية كناقة صالح عصا موسى ليؤمنوا به وهم في ذلك كاذبون فلم يحملهم على هذا الطلب الا الاستخفاف والعناد والا آيات القرآن أعظم من آية الناقة والعصا ، فلذا قال تعالى لرسوله : { قل إن الله يضل من يشاء } ضلاله ولو رأى وشاهد ألوف الآيات { ويهدي اليه من أناب } ولو لم ير آية واحدة الا انه أناب الى الله فهداه اليه وقبله وجعله من اهل ولايته ، وقوله تعالى في الآية ( 8 ) { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله } أولئك الذين أنابوا اليه تعالى إيماناً وتوحيداً فهداهم إليه صراطاً مستقيماً هؤلاء تطئمن قلوبهم أي تسكن وتستأنس بذكر الله وذكره وعده وذكر صالحي عباده محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقوله تعالى : { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } اي قلوب المؤمنين اما قلوب الكافرين فإنها تطمئن لذكر الدنيا وملاذها وقلوب المشركين تطمئن لذكر أصنامهم ، وقوله تعالى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب } إخبار من الله تعالى بما أعد لأهل الإيمان والعمل الصالح وهو طوبى حال من الحسن الطيب يعجز البيان عن وصفها أو شجرة في الجنة وحسن منقلب وهو الجنة دار السلام والنعيم المقيم .
{ من هداية الآيات } :
1- حرمة الاتصاف بصفات اهل الشقاء وهي نقض العهد ، وقطع أمر الله به أن يوصل والإفساد في الأرض بالشرك والمعاصي .
2- بيان ان الغنى والفقر يتمان حسب علم الله تعالى امتحاناً وابتلاء فلا يدلان على رضا الله ولا على سخطه 3- حقارة الدنيا وضالة ما فيها من المتاع .
5- وعد الله تعالى لأهل الإيمان والعمل الصالح بطوبى وحسن المآب .
أيسر التفاسير










رد مع اقتباس
قديم 2014-05-09, 20:55   رقم المشاركة : 4041
معلومات العضو
المسافر 09
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المسافر 09
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قال تعالى
((أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35) الرعد

{ شرح الكلمات } :
{ أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } : أي حافظها ورازقها وعالم بها وبما كسبت و يجازيها بعملها .
{ قل سموهم } : أي صفوهم له من هم ؟
{ أم تنبونه بما لا يعلم } : أي اتخبرونه بما لا يعمله ؟
{ بظاهر من القول } : أي بظن باطل لا حقيقة له في الواقع .
{ أشق } : أي أشد .
{ واق } : أي مانع يمنعهم من العذاب .
{ مثل الجنة } : أي صفتها التي نقصها عليك .
{ أكلها دائم وظلها } : أي ما يؤكل فيها دائم لا يفنى وظلها دائم لا ينسخ .
{ معنى الآيات } :
ما زال السياق في تقرير التوحيد وإبطال التنديد بقوله تعالى : { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } أي حافظها ورازفها وعالم بها وبما كسبت من خير وشر ومجازيها كمن لا يحفظ ولا يرزق ولا يعلم ولا يجزي وهو الاصنام ، اذا فبطل تأليهها ولم يبق الا الاله الحق الله الذي لا اله الا هو ولا رب سواه ، وقوله تعالى : { وجعلوا لله شركاء } أي يعبدونهم معه { قل سموهم } اي قل لهم يا رسولنا سموا لنا تلك الشركاء صفوهم بينوا من هم ؟ { أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض } أي أتنبئون الله بما لا يعلم في الأرض ؟ { أم بظاهر من القول } أي بل بظاهر من القول أي بظن باطل لا حقيقة له في الواقع .
وقوله تعالى { بل زين للذين كفروا مكرهم } اي قولهم الكاذب وافتراؤهم الماكر فبذلك صدوا عن السبيل سبيل الحق وصرفوا عنه فلم يهتدوا اليه ، { ومن يضلل الله فما له من هاد } وقوله تعالى : { لهم عذاب في الحياة الدنيا } بالقتل والأسر ، و { العذاب الآخرة أشق } أي أشد من عذاب الدنيا مهما كان { وما لهم من الله من واق } أي وليس لهم من دون الله من يقيهم فيصرفه عنهم ويدفعه حتى لا يذوقوه ، وقوله تعالى : { مثل الجنة التي وعد المتقون } أي لما ذكر عذاب الآخرة لأهل الكفر والفجور ذكر نعيم الاخرة لأهل الايمان والتقوى ، فقال : { مثل الجنة التي وعد المتقون } أي صفة الجنة ووصفها بقوله : { تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظللها } دائم كذلك فطعامها لا ينفذ ، وظلها لا يزول ولا ينسخ بشمس كظل الدنيا ، وقوله : { تلك } اي الجنة { عقبى الذين اتقوا } أي ربهم فآمنوا به وعبدوه ووحدوه واطاعوه في أمر ونهيه ، { وعقبى الكافرين النار } والعقبى بمعنى العاقبة في الخير والشر .
{ هداية الآيات }
{ من هداية الآيات } :
1- تقرير التوحيد اذ الاصنام لا تحفظ ولا ترزق ولا تحاسب ولا تجزي ، والله هو القائم على كل نفس فهو الاله الحق وما عداه فآلهة باطلة لا حقيقة لها الا مجرد أسماء .
2- استمرار الكفار على كفرهم هو نتيجة تزيين الشيطان لهم ذلك فصدهم عن السبيل .
3- ميزة القرآن الكريم في الجمع بين الوعد والوعيد إذ بهما تمكن هداية الناس
أيسر التفاسير










رد مع اقتباس
قديم 2014-05-09, 21:00   رقم المشاركة : 4042
معلومات العضو
المسافر 09
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المسافر 09
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

((وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)

{ شرح الكلمات } :
{ والذين آتيناهم الكتاب } : أي كعبد بن سلام ومن أمن من اليهود .
{ يقفرحون بما انزل اليك } : أي يسرون به لأنهم مؤمنون صادقون ولأنه موافق لما عندهم .
{ ومن الأحزاب } : اي من اليهود والمشركين .
{ من ينكر بعضه } : أي بعض القرآن فالمشركون أنكروا لفظ الرحمن وقالوا لا رحمن الا رحمن اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب .
{ وكذلك أنزلناه حكماً عربياً } : أي بلسان العرب لتحكم به بينهم .
{ لكل أجل كتاب } : أي لكل مدة كتاب كتبت فيه المدة المحددة .
{ يمحو الله ما يشاء } : أي يمحو من الاحكام وغيرها ويثبت ما يشاء فما محاه هو المنسوخ وما أبقاه هو المحكم .
{ معنى الآيات }
ما زال السياق في تقرير أصول العقيدة : التوحيد والنبوة والبعث والجزاء ، فقوله تعالى : { والذين آتيناهم الكتاب } كعبدالله بن سلام يفرحون بما انزل اليك وهو القرآن وفي هذا تقرير للوحي وإثبات له ، وقوله { ومن الأحزاب } ككفار اهل الكتاب والمشركين { من ينكر بعضه } فاليهود انكروا اغلب ما في القرآن من الاحكام ولم يصدقوا الا بالقصص ، والمشركون انكروا { الرحمن } وقالوا لا رحمن الا رحمان اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب عليه لعائن الله ، وقوله تعالى : { قل إنما أمرت ان أعبد الله ولا أشرك به } أي امرني ربي أن اعبد ولا اشرك به ، اليه تعالى ادعو الناس اي الى الايمان به والى توحيده وطاعته ، { وإليه مآب } اي رجوعي وإيابي وفي هذا تقرير للتوحيد ، وقوله تعالى : { وكذلك أنزلناه حكماً عربياً } أي وكهذا الانزال للقرآن أنزلناه بلسان العرب لتحكم بينهم به ، وفي هذا تقرير للوحي الالهي والنبوة المحمدية ، وقوله : { ولئن اتبعت اهواءهم بعد ما جاءك من العلم } بان وافقتهم على مللهم وباطلهم في اعتقادهم ، وحاشا رسول الله ( ص ) ان يفعل وإنما الخطاب من باب . . . إياك اعني واسمعي يا جارة . . . { ما لك من الله من ولي ولا واق } اي ليس لك من دون الله من ولي يتولى امر نصرك وحفظك ، ولا واق يقيك عذاب الله اذا اراده بك لأتباعك اهل الباطل وتركك الحق واهله ، وقوله تعالى : { ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم ازواجاً وذرية } فلا معنى لما يقوله المبطلون : لم يتخذ محمد أزواجاً ولم تكون له ذرية ؟ وهو يقول انه نبي الله ورسوله ، فان الرسل قبلك من نوح وإبراهيم الى موسى وداوود وسليمان الكل كان لهم ازواج وذربة ، ولما قالوا { لولا أنزل عليه آية } رد الله تعالى عليهم بقوله : { وما كان لرسول ان يأتي بآية الا باذن الله } فالرسل كلهم مربوبون لله مقهرون لا يملكون مع الله شيئاًَ فهو المالك المتصرف ان شاء اعطاهم وان شاء منعهم ، وقوله : { لكل أجل كتاب } اي لكل وقت محدد يعطي الله تعالى فيه او يمنع كتاب كتب فيه ذلك الأجل وعين فلا فوضى ولا انف ، وقوله : { يمحمو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } رد على قولهم لم يثبت الشيء ثم يبطله كاستقبال بيت المقدس ثم الكعبة وكالعدة من الحول الى اربعة أشهر وعشرة فاعلهم ان الله تعالى يمحو ما يشاء من الشرائع والاحكام بحسب حاجة عباده ويثبت كذلك ما هو صالح لهم نافع ، { وعنده أم الكتاب } اي الذي حوى كل المقادير فلا يدخله تبديل ولا تغيير كالموت والحياة والسعادة والشقاء ، وفي الحديث :
« رفعت الأقلام وجفت الصحف » رواه مسلم .
{ هداية الآيات }
{ من هداية الآيات } :
1- تقرير عقيدة الوحي والنبوة .
2- تقرير عقيدة التوحيد .
3- تقرير ان القضاء والحكم في الاسلام مصدره الأول القرآن الكريم ثم السنة لبيانها للقرآن ، ثم القياس المأذون فيه بإجماع الامة لاستحالة اجتماعها على غير ما يحب الله تعالى ويرضى به .
4- التحذير من اتباع أصحاب البدع والأهواء والملل والنحل الباطلة .
5- تقرير عقيدة القضاء والقدر .
6- بيان النسخ في الاحكام بالكتاب والسنة .
أيسر التفاسير










رد مع اقتباس
قديم 2014-05-09, 21:02   رقم المشاركة : 4043
معلومات العضو
المسافر 09
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المسافر 09
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ختام سورة الرعد
قال تعالى
((وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)

{ شرح الكلمات } :
{ نعدهم } : اي من العذاب .
{ أو نتوفينك } : اي قبل ذلك .
{ ننقصها من اطرافها } : أي بلداً بعد بلد بالفتح ودخول الإسلام فيها وانتهاء الشرك منها .
{ لا معقب لحكمه } : أي لا راد له بحيث لا يتعقب حكمه فيبطل .
{ ومن عنده علم الكتاب } : من مؤمني اليهود والنصارى .
{ معنى الآيات } :
قوله تعالى : { واما نرينك الذي نعدهم او نتوفينك } اي ان أريتك بعض الذي نعد قومك من العذاب فذاك ، وان نتوفينك قبل ذلك فليس عليك الا البلاغ فقد بلغت وعلينا الحساب فسوف نجزيهم بما كانوا يكسبون ، فلا تأس أيها الرسول ولا تضق ذرعاً بما يمكرون ، وقوله { أو لم يروا } اي المشركون الجاحدون الماكرون المطالبون بالآيات على صدق نبوة نبينا { أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } أي نفتحها للاسلام بلداً بعد بلد أليس ذلك آية دالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحة دعوته ، وقوله : { الله يحكم ولا معقب لحكمه } اي والله جل جلاله يحكم في خلقه بما يشاء فيعز ويذل ويعطي ويمنع وينصر ويهزم ، ولا معقب لحكمه اي ليس هناك من يعقب على حكمه فيبطله فإذا حكم بظهور الاسلام وإدبار الكفر فمن يرد ذلك على الله ، وقوله : { وهو سريع الحساب } اذا حاسب على كسب فحسابه سريع يجزي الكاسب بما يستحق دون بطء ولا تراخ وقوله تعالى : { وقد مكر الذين من قبلهم } أي وقد مكرت اقوام قبل قريش وكفار مكة فكيف كان عاقبة مكرهم ؟ وقوله : { فلله المكر جميعاً } اي اذا فلا عبرة بمكرهم ولا قيمة له فلا يرهب ولا يلتفت اليه وقوله : { يعلم ما تكسب كل نفس } من خير وشر فأين مكر من لا يعلم من مكر كل شيء فسوف يصل بالممكور به الى حافة الهلاك وهو لا يشعر ، أفلا يعني هذا كفار قريش فيكفوا عن مكرهم برسول الله ودعوته ، وقوله تعالى : { وسيعلم الكفار لمن عقيى الدار } أي سيعلم المشركون خصوم الوحيد يوم القيامة لمن عقبى الدار اي العاقبة الحميدة لمن دخل الجنة وهو محمد صلى الله عليه وسلم واتباعه او لمن دخل النار وهم دعاة الشرك والكفر واتباعهم ، وقوله تعالى : { ويقول الذين كفروا لست مرسلاً } أي يواجهونك بالانكار عليك والجحود لنبوتك ورسالتك قل لهم يا رسولنا الله شهيد بيني وبينكم وقد شهد لي بالرسالة وأقسم لي عليها مرات في كلامه مثل { يسَ والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين } وكفى بشهادة الله شهادة ، { ومن عنده علم الكتاب } الأول التوارة والانجيل وهم مؤمنوا اهل الكتاب من اليهود والنصارى كعبدالله بن سلام وسلمان الفارسي والنجاشي وتميم الداري وغيرهم .
{ هداية الآيات }
{ من هداية الآيات } :
1- انتصار الإسلام وانتشاره في ظرف ربع قرن أكبر دليل على أنه حق .
2- احكام الله تعالى لا ترد ، ولا يجوز طلب الاستئناف على حكم من احكام الله تعالى في كتابه او سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
3- شهادة الله أعظم شهادة ، فلا تطلب بعدها شهادة اذا كان الخصام بين مؤمنين .
4- فضل العالم على الجاهل ، اذ شهادة مؤمني أهل الكتاب تقوم بها الحجة على من لا علم لهم من المشركين .
ايسر التفاسير










رد مع اقتباس
قديم 2014-05-09, 23:45   رقم المشاركة : 4044
معلومات العضو
أيمن عبد الله
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية أيمن عبد الله
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

بيان وتفسير سورة الرعد
الجزء الأول


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أيمن عبد الله مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الرعد
مدنية وهي ثلاث وأربعون آية.
تسميتها:
سمّيت سورة الرّعد، للكلام فيها عن الرّعد والبرق والصّواعق وإنزال المطر من السّحاب: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً، وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ. وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ [الرّعد 13/ 12- 13] والمطر أو الماء سبب للحياة: حياة الأنفس البشريّة والحيوان والنّبات، والصّواعق قد تكون سببا للإفناء، وذلك مناقض للماء الذي هو رحمة، والجمع بين النّقيضين من العجائب.
مناسبتها لما قبلها:
هناك تناسب بين سورة الرّعد وسورة يوسف في الموضوع والمقاصد ووصف القرآن، أما الموضوع فكلاهما تضمّنتا الحديث عن قصص الأنبياء مع أقوامهم، وكيف نجّى اللّه المؤمنين المتّقين وأهلك الكافرين، وأما المقاصد فكلّ من السّورتين لإثبات توحيد الإله ووجوده، ففي سورة يوسف: أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ. وفي سورة الرّعد: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها .. [2- 4]. قُلْ: مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ: اللَّهُ [16]، وفيهما من الأدلّة على وجود الصّانع الحكيم وكمال قدرته وعلمه ووحدانيته الشيء الكثير، ففي سورة يوسف: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها، وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ. وفي سورة الرّعد آيات دالّة على قدرة اللّه تعالى وألوهيّته مثل الآيات [2- 4]، والآيات [8- 11]، والآيات [12- 16]، والآيتان [30 و33].
وأما وصف القرآن فختمت به سورة يوسف: ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.
وبدئت سورة الرّعد بقوله سبحانه: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ، وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ.
ما اشتملت عليه السّورة:
تحدثت سورة الرّعد عن مقاصد السّور المدنية التّي تشبه مقاصد السّور المكيّة، وهي التّوحيد وإثبات الرّسالة النّبوية، والبعث والجزاء، والرّد على شبهات المشركين.
وأهم ما اشتملت عليه هو ما يأتي:
1- بدئت السّورة بإقامة الأدلّة على وجود اللّه تعالى ووحدانيته، من خلق السّموات والأرض، والشّمس والقمر، والليل والنّهار، والجبال والأنهار، والزّروع والثّمار المختلفة الطّعوم والرّوائح والألوان، وأن اللّه تعالى منفرد بالخلق والإيجاد، والإحياء والإماتة، والنّفع والضّر.
2- إثبات البعث والجزاء في عالم القيامة، وتقرير إيقاع العذاب بالكفار في الدّنيا.
3- الإخبار عن وجود ملائكة تحفظ الإنسان وتحرسه بأمر اللّه تعالى.
4- إيراد الأمثال للحقّ والباطل، ولمن يعبد اللّه وحده ولمن يعبد الأصنام، بالسّيل والزّبد الذي لا فائدة فيه، وبالمعدن المذاب، فيبقي النّقي الصّافي ويطرح الخبث الذي يطفو.
5- تشبيه حال المتّقين أهل السّعادة الصّابرين المقيمي الصّلاة بالبصير،حال العصاة الذين ينقضون العهد والميثاق، ويفسدون في الأرض بالأعمى.
6- البشارة بجنان عدن للمتّقين، والإنذار بالنّار لناقضي العهد المفسدين في الأرض.
7- بيان مهمّة الرّسول وهي الدّعوة إلى عبادة اللّه وحده، وعدم الشّرك به، وتحذيره من مجاملة المشركين في دعوتهم.
8- الرّسل بشر كغيرهم من النّاس، لهم أزواج وذريّة، وليست المعجزات رهن مشيئتهم، وإنما هي بإذن اللّه تعالى، ومهمّتهم مقصورة على التّبليغ، أما الجزاء فإلى اللّه تعالى.
9- إثبات ظاهرة التّغير في الدّنيا، مع ثبوت الأصل العام لمقادير الخلائق في اللوح المحفوظ.
10- الاعلام بأن الأرض ليست كاملة التّكوير، وإنما هي بيضاوية ناقصة في أحد جوانبها: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها.
11- إحباط مكر الكافرين بأنبيائهم في كلّ زمان.
12- ختمت السّورة بشهادة اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بالنّبوة والرّسالة، وكذا شهادة المؤمنين من أهل الكتاب بوجود أمارات النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم في كتبهم. وكان في السّورة بيان مدى فرح هؤلاء بما ينزل من القرآن مصدّقا لما عرفوه من اكتب الإلهية.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
السلام عليكم
نبدأ مع سورة الرعد
'((المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1) )) سورة الرعد

سورة الرعد
مكية إلا قوله: "ولا يزال الذين كفروا" ، وقوله: "ويقول الذين كفروا لست مرسلا" (1) [وهي ثلاث وأربعون آية] (2) . بسم الله الرحمن الرحيم
{ المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (1) } .
{ المر } قال ابن عباس: معناه: أنا الله أعلم وأرى (3) { تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ } يعني: تلك الأخبار التي قصصتها [عليك] (4) آيات التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة، { وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ } يعني: وهذا القرآن الذي أنزل إليك، { مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ } أي: هو الحق فاعتصم به. فيكون محل "الذي" رفعا على الابتداء، والحق خبره.
__________
(1) أخرج النحاس في "الناسخ والمنسوخ" عن ابن عباس، وسعيد بن منصور وابن المنذر عن سعيد بن جبير أن سورة الرعد مكية. وبه قال الحسن وعطاء وقتادة. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس، وابن مردويه عن ابن الزبير: أن سورة الرعد نزلت بالمدينة. وبه قال جابر ابن زيد. وروي عن ابن عباس أنها مدنية إلا آيتين نزلتا بمكة، ورواه ابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة. ومكية السورة شديدة الوضوح: سواء في طبيعة موضوعها، أو طريقة أدائها، أو في جوها العام الذي لا يخطئ تنسمه من يعيش فترة في ظلال القرآن.
.................................................. ..
انظر: الدر المنثور: 4 / 599، الإتقان: 1 / 40-44، زاد المسير: 4 / 299، في ظلال القرآن: 13 / 2039.
(2) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(3) انظر فيما سبق: 1 / 58، وراجع تفسير الطبري: 1 / 205-224، 6 / 149، 12 / 294،292، 15 / 9، 16 / 319-320. طبعة دار المعارف، زاد المسير: 4 / 300.
(4) ساقط من "ب".

معالم التنزيل للشوكاني
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى
((
اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ)) 2 الرعد

{ الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها } أي العمد جمع عماد وهو الأسطوانة وهو صادق بأن لا عمد أصلا { ثم استوى على العرش } استواء يليق به { وسخر } ذلل { الشمس والقمر كلٌ } منهما { يجري } في فلكه { لأجل مسمى } يوم القيامة { يدبر الأمر } يقضي أمر ملكه { يفصِّل } يبين { الآيات } دلالات قدرته { لعلكم } يا أهل مكة { بلقاء ربكم } بالبعث { توقنون } .
تفسير الجلالين
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى
((
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ۖ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) سورة الرعد

قوله تعالى { وهو الذي مد الأرض} لما بين آيات السماوات بين آيات الأرض؛ أي بسط الأرض طولا وعرضا. { وجعل فيها رواسي} أي جبالا ثوابت؛ واحدها راسية؛ لأن الأرض ترسو بها، أي تثبت؛ والإرساء الثبوت؛ قال عنترة : فصبرت عارفة لذلك حرة ** ترسوا إذا نفس الجبان تطلع وقال جميل : أحبها والذي أرسى قواعده ** حبا إذا ظهرت آياته بطنا وقال ابن عباس وعطاء : أول جبل وضع على الأرض أبو قبيس. مسألة : في هذه الآية رد على من زعم أن الأرض كالكرة، ورد على من زعم أن الأرض تهوي أبوابها عليها؛ وزعم ابن الراوندي أن تحت الأرض جسما صعادا كالريح الصعادة؛ وهي منحدرة فاعتدل الهاوي والصعادي في الجرم والقوة فتوافقا. وزعم آخرون أن الأرض مركب من جسمين، أحدهما منحدر، والآخر مصعد، فاعتدلا، فلذلك وقفت. والذي عليه المسلمون وأهل الكتاب القول بوقوف الأرض وسكونها ومدها، وأن حركتها إنما تكون في العادة بزلزلة تصيبها. وقوله تعالى { وأنهارا} أي مياها جارية في الأرض، فيها منافع الخلق. { ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين} بمعنى صنفين. قال أبو عبيدة : الزوج واحد، ويكون اثنين. الفراء : يعني بالزوجين هاهنا الذكر والأنثى؛ وهذا خلاف النص. وقيل : معنى { زوجين} نوعان، كالحلو والحامض، والرطب واليابس، والأبيض والأسود، والصغير والكبير. { إن في ذلك لآيات} أي دلالات وعلامات { لقوم يتفكرون}
تفسير القرطبي
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى
((وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) الرعد 4

{ وفي الأرض قطع } بقاع مختلفة { متجاورات } متلاصقات فمنها طيب وسبخ وقليل الريع وكثيرهُ وهو من دلائل قدرته تعالى { وجنات } بساتين { من أعناب وزرع } بالرفع عطفا على جنات، والجر على أعناب وكذا قوله { ونخيل صنوان } جمع صنو، وهي النخلات يجمعها أصل واحد وتشعب فروعها { وغير صنوان } منفردة { تسقى } بالتاء، أي الجنات وما فيها والياء، أي المذكور { بماء واحد ونفضّل } بالنون والياء { بعضها على بعض في الأكُل } بضم الكاف وسكونها فمن حلو وحامض وهو من دلائل قدرته تعالى { إن في ذلك } المذكور { لآيات لقوم يعقلون } يتدبرون .
تفسير الجلالين
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى
((
وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) الرعد 5

يقول تعالى لرسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم: { وإن تعجب} من تكذيب هؤلاء المشركين بالمعاد، مع ما يشاهدونه من آيات اللّه سبحانه ودلائله في خلقه، ومع ما يعترفون به من أنه ابتدأ خلق الأشياء بعد أن لم تكن شيئاً مذكوراً، ثم هم بعد هذا يكذبون في أنه سيعيد العالم خلقاً جديداً، فالعجب من قولهم: { أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد} وقد علم كل عالم وعاقل أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، وأن بدأ الخلق فالإعادة عليه أسهل، كما قال تعالى: { أو لم يروا أن اللّه الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى؟ بلى إنه على كل شيء قدير} ، ثم بعت المكذبين بهذا، فقال: { أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم} أي يسحبون بها في النار، { وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} أي ماكثون أبداً لايحولون عنها ولا يزولون.
تفسير ابن كثير
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى
((وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ ۗ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ ۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ)) الرعد 6

والاستعجال أن تطلب الشيء قبل زمنه، وتقصير الزمن عن الغاية، فأنت حين تريد غاية ما؛ فأنت تحتاج لزمن يختلف من غاية لأخرى، وحين تتعجل غايةً، فأنت تريد أنْ تصل إليها قبل زمنها.

وكل اختيار للتعجُّل أو الاستبطاء له مميزاته وعيوبه، فهل الاستعجال هنا لمصلحة أمر مطلوب؟

إنهم هنا يستعجلون بالسيئة قبل الحسنة، وهذا دليل على اختلال وخُلْف موازين تفكيرهم، وقد سبق لهم أن قالوا:
{ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً... }
[الإسراء: 90-92]

وهكذا نجد هؤلاء الكافرين وهم يستعجلون بالسيئة قبل الحسنة، كما استعجلوا أنْ تنزل عليهم الحجارة، وهم لا يعرفون أنْ كل عذاب له مدة، وله ميعاد موقوت. ولم يفكروا في أنْ يقولوا: " اللهم إنْ كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه ".

بل إنهم قالوا:
{ ...ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }
[الأنفال: 32]

وهكذا أوضح لنا الحق سبحانه ما وصلوا إليه من خَلل في نفوسهم وفسادها؛ ذلك أن مقاييسهم انتهت إلى الكفر، وليس أدلّ على فساد المقاييس إلا استعجالهم للسيئة قبل الحسنة؛ لأن العاقل حين يُخيَّر بين أمرين؛ فهو يستعجل الحسنة؛ لأنها تنفع، ويستبعد السيئة.

ومادامت نفوس هؤلاء الكافرين فاسدة؛ ومادامت مقاييسهم مُخْتلة، فلابد أن السبب في ذلك هو الكفر.

إذن: فاستعجال السيئة قبل الحسنة بالنسبة للشخص أو للجماعة؛ دليلُ حُمْق الاختيار في البدائل؛ فلو أنهم أرادوا الاستعجال الحقيقي للنافع لهم؛ لاستعجلوا الحسنة ولم يستعجلوا السيئة.

وهنا يقول الحق سبحانه: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ... } [الرعد: 6]

فلماذا يستعجلون العذاب؟ ألم ينظروا ما الذي حاق بالذين كذَّبوا الرسل من قبلهم؟

وحين يقول الرسول: احذروا أن يصيبكم عذاب، أو احذروا أنْ كذا وكذا؛ فهل في ذلك كذب؟ ولماذا لم ينظروا للعِبَر التي حدثتْ عَبْر التاريخ للأقوام التي كذبتْ الرسل من قبلهم؟

و " المَثُلات " جمع " مُثْلة "؛ وفي قول آخر " مَثُلَة ". والحق سبحانه يقول لنا:
{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ... }
[النحل: 126]

ويقول أيضاً:
{ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا... }
[الشورى: 40]

وهكذا تكون " مَثُلات " من المثل؛ أي: أن تكون العقوبة مُمَاثلة للفعل.

وقول الحق سبحانه: { وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ... } [الرعد: 6]

يعني: أنه سبحانه سبق وأنزل العذاب بالمثيل لهم من الأمم السابقة التي كذبتْ الرسل؛ إما بالإبادة إن كان ميئوساً من إيمانهم، وإما بالقهر والنصر عليهم.

ويتابع سبحانه في نفس الآية: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ... } [الرعد: 6]

أي: أنه سبحانه لا يُعجِّل العذاب لِمَنْ يكفرون؛ لعل رجلاً صالحاً يوجد فيهم، وقد صبر سبحانه على أبي جهل؛ فخرج منه عكرمة بن أبي جهل؛ وهو الصحابي الصالح؛ وصبر على خالد بن الوليد فصار سيفَ الله المسلول، بعد أن كان أحد المقاتلين الأشداء في معسكر الكفر.

وتحمل لنا أخبار الصحابة كيف قاتل عكرمة بن أبي جهل؛ إلى أن أصيب إصابة بالغة، فينظر إلى خالد بن الوليد قائلاً: أهذه ميتة تُرضِي عني رسول الله؟

وتحمل لنا أخبار الصحابة كيف حزن واحد من المقاتلين المسلمين لحظة أنْ أفلتَ من خالد بن الوليد أيام أنْ كان على الكفر؛ وهو لا يعلم أن الحق سبحانه قد ادخر خالداً ليكون سيف الله المسلول من بعد إسلامه.

وهكذا شاء الحق أن يُفلت بعض من صناديد قريش من القتل أيام أنْ كانوا على الكفر، كي يكونوا من خيرة أهل الإسلام بعد ذلك.

ويتابع سبحانه: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ... } [الرعد: 6]

فمع أن الناس ظالمون؛ فسبحانه يغفر لهم؛ لأنه سبحانه أفرح بعبده التائب المؤمن من أحدكم، وقد وقع على بعيره، وقد أضلَّه في فلاة.

ولذلك أرى أن مَنْ يُعيِّر عبداً بذنب استغفر منه الله؛ هو إنسان آثم؛ ذلك أن العبد قد استغفر الله؛ فلا يجب أنْ يحشر أحد أنفه في هذا الأمر.

ونلحظ هنا قول الحق سبحانه: { عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ... } [الرعد: 6]

وفي هذا القول يجد بعض العلماء أن الله قد استعمل حرفاً بدلاً من حرف آخر؛ فجاءت " على " بدلاً من " مع ".

ونلحظ أن " على " هي ثلاثة حروف؛ و " مع " مكونة من حرفين؛ فلماذا حذف الحق سبحانه الأخفَّ وأتى بـ " على "؟ لابد أن وراء ذلك غاية.

أقول: جاء الحق سبحانه بـ " على " في قوله: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ... } [الرعد: 6]

ليؤكد لنا أن ظلم الناس كان يقتضي العقوبة؛ ولكن رحمته سبحانه تسيطر على العقوبة.

وهكذا أدت كلمة " على " معنى " مع " ، وأضافت لنا أن الحق سبحانه هو المسيطر على العقوبة؛ وأن رحمة الله تَطْغَى على ظلم العباد.

ومِثْل ذلك قوله سبحانه:
{ وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ... }
[الإنسان: 8]

أي: أنهم يُحِبون الطعام حَبَّاً جَمَّاً؛ لكن إرادة الحفاوة والكرم تَطْغى على حُبِّ الطعام.

ولكن لا يجب أن يظن الناس أن رحمة الله تطغى على عقابه دائماً؛ فلو ظن البعض من المجترئين هذا الظن؛ وتوهموا أنها قضية عامة؛ لَفسد الكون؛ ولذلك يُنِهي الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله: {...وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [الرعد: 6]

أي: أنه سبحانه قادر على العقاب العظيم، وهكذا جمعت الآية بين الرجاء والتخويف.

ويقول سبحانه بعد ذلك:

{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ... }
تفسير الشيخ الشعراوي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى
((وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ۗ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)) الرعد 7


يقول تعالى إخباراً عن المشركين إنهم يقولون كفراً وعناداً: لولا يأتينا بآية من ربه كما أرسل الأولون، كما تعنتوا عليه أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن يزيح عنهم الجبال ويجعل مكانها مروجاً وأنهاراً، قال تعالى: { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون} الآية، قال اللّه تعالى: { إنما أنت منذر} أي إنما عليك ان تبلغ رسالة اللّه التي أمرك بها، و { ليس عليك هداهم ولكن اللّه يهدي من يشاء} ، وقوله: { ولكل قوم هاد} قال ابن عباس: أي ولكل قوم داع، وقال العوفي عن ابن عباس في الآية: أنت يا محمد منذر وأنا هادي كل قوم وكذا قال الضحاك وسعيد بن جبير . عن مجاهد { ولكل قوم هاد} أي نبي كقوله: { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} ، وقال يحيى بن رافع: { ولكل قوم هاد} أي قائد، وعن عكرمة: { ولكل قوم هاد} : هو محمد صلى اللّه عليه وسلم، وقال مالك { ولكل قوم هاد} : يدعوهم إلى اللّه عزَّ وجلَّ.
تفسير ابن كثير
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى
((اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ)) الرعد 8

لقد شاء الحق سبحانه أن يؤكد مسألة أن لكل قوم هادياً، وأن رسوله صلى الله عليه وسلم هو منذر، وأن طلبهم للآيات المعجزة هو ابنٌ لرغبتهم في تعجيز الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولو جاء لهم الرسول بآية مما طلبوا لأصرُّوا على الكفر، فهو سبحانه العَالِم بما سوف يفعلون، لأنه يعلم ما هو أخفى من ذلك؛ يعلم ـ على سبيل المثال ـ ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد.

ونحن نعلم أن كُلَّ أنثى حين يشاء الله لها أن تحبل؛ فهي تحمل الجنين في رحمها؛ لأن الرحم هو مُسْتقرُّ الجنين في بطن الأم.

وقوله تعالى: { وَمَا تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ... } [الرعد: 8]

أي: ما تُنقص وما تُذهب من السَّقْط في أي إجهاض، أو ما ينقص من المواليد بالموت؛ فغاضت الأرحام، أي: نزلتْ المواليد قبل أن تكتمل خِلْقتها؛ كأن ينقص المولود عيناً أو إصبعاً؛ أو تحمل الخِلْقة زيادة تختلف عما نألفه من الخَلْق الطبيعي؛ كأن يزيد إصبع أو أن يكون برأسين.

أو أن تكون الزيادة في العدد؛ أي: أن تلد المرأة تَوْأماً أو أكثر، أو أن تكون الزيادة متعلقة بزمن الحَمْل.

وهكذا نعلم أنه سبحانه يعلم ما تغيض الأرحام. أي: ما تنقصه في التكوين العادي أو تزيده، أو يكون النظر إلى الزمن؛ كأن يحدث إجهاض للجنين وعمره يوم أو شهر أو شهران، ثم إلى ستة أشهر؛ وعند ذلك لا يقال إجهاض؛ بل يقال ولادة.

وهناك مَنْ يولد بعد ستة شهور من الحمل أو بعد سبعة شهور أو ثمانية شهور؛ وقد يمتد الميلاد لسنتين عند أبي حنيفة؛ وإلى أربع سنوات عند الشافعي؛ أو لخمس سنين عند الإمام مالك، ذلك أن مدة الحمل قد تنقص أو تزيد.

ويُقال: إن الضحاك وُلِد لسنتين في بطن أمه، وهرم بن حيان وُلِد لأربع سنين؛ وظل أهل أمه يلاحظون كِبَر بطنها؛ واختفاء الطَّمْث الشهري طوال تلك المدة؛ ثم ولدتْ صاحبنا؛ ولذلك سموه " هرم " أي: شاب وهو في بطنها.

وهكذا نفهم معنى " تغيض " نَقْصاً أو زيادة؛ سواء في الخِلْقة أو للمدة الزمنية.

ويقول الحق سبحانه: {...وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } [الرعد: 8]

والمقدار هو الكمية أو الكيف؛ زماناً أو مكاناً، أو مواهب ومؤهلات.

وقد عَدَّد الحق سبحانه مفاتيح الغيب الخمس حين قال:
{ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ... }
[لقمان: 34]

وقد حاول البعض أن يقيموا إشكالاً هنا، ونسبوه إلى الحضارة والتقدم العلمي، وهذا التقدم يتطرق إليه الاحتمال، وكل شيء يتطرق إليه الاحتمال يبطل به الاستدلال، وذلك بمعرفة نوعية الجنين قبل الميلاد، أهو ذكر أم أنثى؟ وتناسَوْا أن العلم لم يعرف أهو طويل أم قصير؟ ذكي أم غبي؟ شقي أم سعيد؟ وهذا ما أعجز الأطباء والباحثين إلى اليوم وما بعد اليوم.ثم إنْ سألتَ كيف عرف الطبيب ذلك؟

إنه يعرف هذا الأمر من بعد أن يحدث الحَمْل؛ ويأخذ عينة من السائل المحيط بالجنين، ثم يقوم بتحليلها، لكن الله يعلم دون أخذ عينة، وهو سبحانه الذي قال لواحد من عباده:
{ يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ... }
[مريم: 7]

وهكذا نعلم أن عِلْم الله لا ينتظر عيِّنة أو تجربة، فعِلْمه سبحانه أزليّ؛ منزه عن القصور، وهو يعلم ما في الأرحام على أي شكل هو أو لون أو جنس أو ذكاء أو سعادة أو شقاء أو عدد.

وشاء سبحانه أن يجلي طلاقة قدرته في أنْ تحمل امرأة زكريا عليه السلام في يحيى عليه السلام، وهو الذي خلق آدم بلا أب أو أم؛ ثم خلق حواء من أب دون أم؛ وخلق عيسى من أم دون أب، وخلقنا كلنا من أب وأم، وحين تشاء طلاقة القدرة؛ يقول سبحانه:
{ ...كُن فَيَكُونُ }
[يس: 82]

والمثل ـ كما قلت ـ هو في دخول زكريا المحرابَ على مريم عليها السلام؛ فوجد عندها رزقاً؛ فسألها:
{ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا... }
[آل عمران: 37]

قالت:
{ ...هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }
[آل عمران: 37]

وكان زكريا يعلم أن الله يرزق مَنْ يشاء بغير حساب؛ ولكن هذا العلم كان في حاشية شعوره؛ واستدعاه قول مريم إلى بُؤْرة الشعور، فزكريا يعلم عِلْم اليقين أن الله هو وحده مَنْ يرزق بغير حساب.

وما أنْ يأتي هذا القول مُحرِّكاً لتلك الحقيقة الإيمانية من حافة الشعور إلى بُؤْرة الشعور؛ حتى يدعو زكريا ربه في نفس المكان ليرزقه بالولد؛ فيبشره الحق بالولد.

وحين يتذكر زكريا أنه قد بلغ من الكبر عتياً، وأن امرأته عاقر؛ فيُذكِّره الحق سبحانه بأن عطاء الولد أمر هَيِّن عليه سبحانه:
{ قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً }
[مريم: 9]

تفسير الشعراوي
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى

((عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ)) الرعد 9


{ عالم الغيب والشهادة } ما غاب وما شوهد { الكبير } العظيم { المتعالي } على خلقه بالقهر، بياء ودونها .
تفسير الجلالين









رد مع اقتباس
قديم 2014-05-09, 23:49   رقم المشاركة : 4045
معلومات العضو
أيمن عبد الله
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية أيمن عبد الله
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

بيان وتفسير سورة الرعد
الجزء الثاني

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى
((سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ)) الرعد 10


قوله تعالى { سواء منكم من أسر القول ومن جهر به} إسرار القول : ما حدث به المرء نفسه، والجهر ما حدث به غيره؛ والمراد بذلك أن الله سبحانه يعلم ما أسره الإنسان من خير وشر، كما يعلم ما جهر به من خير وشر. و { منكم} يحتمل أن يكون وصفا لـ { سواء} التقدير : سير من أسر وجهر من جهر سواء منكم؛ ويجوز أن يتعلق [بسواء] على معنى : يستوي منكم، كقولك : مررت بزيد. ويجوز أن يكون على تقدير : سر من أسر منكم وجهر من جهر منكم. ويجوز أن يكون التقدير : ذو سواء منكم من أسر القول ومن جهر به، كما تقول : عدل زيد وعمرو أي ذوا عدل. وقيل { سواء} أي مستو، فلا يحتاج إلى تقدير حذف مضاف. { ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار} { بالنهار} أي يستوي في علم الله السر والجهر، والظاهر في الطرقات، والمستخفي في الظلمات. وقال الأخفش وقطرب : المستخفي بالليل الظاهر؛ ومنه خفيت الشيء وأخفيته أي أظهرته؛ وأخفيت الشيء أي استخرجته؛ ومنه قيل للنباش : المختفي. وقال امرؤ القيس : خفاهن من أنفاقهن كأنما ** خفاهن ودق من عشي مجلب والسارب المتواري، أي الداخل سربا؛ ومنه قولهم : انسرب الوحشي إذا دخل في كناسه. وقال ابن عباس { مستخف} مستتر، { وسارب} ظاهر. مجاهد: { مستخف} بالمعاصي، { وسارب} ظاهر. وقيل : معنى { سارب} ذاهب؛ قال الكسائي : سرب يسرب سربا وسروبا إذا ذهب؛ وقال الشاعر : وكل أناس قاربوا قيد فحلهم ** ونحن خلعنا قيده فهو سارب أي ذاهب. وقال أبو رجاء : السارب الذاهب على وجهه في الأرض؛ قال الشاعر : أنَّى سربتِ وكنتِ غيرَ سرُوب وقال القتبي: { سارب بالنهار} أي منصرف في حوائجه بسرعة؛ من قولهم : انسرب الماء. وقال الأصمعي : خلِّ سربه أي طريقه.
القرطبي
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى

((لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)) الرعد 11

{ له } للإنسان { معقبات } ملائكة تتعقبه { من بين يديه } قدامه { ومن خلفه } ورائه { يحفظونه من أمر الله } أي بأمره من الجن وغيرهم { إن الله لا يغيِّر ما بقوم } لا يسلبهم نعمته { حتى يغيِّروا ما بأنفسهم } من الحالة الجميلة بالمعصية { وإذا أراد الله بقوم سوءا } عذابا { فلا مرد له } من المعقبات ولا غيرها { وما لهم } لمن أراد الله بهم سوءا { من دونه } أي غير الله { من } زائدة { وال } يمنعه عنهم .

تفسير الجلالين
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى

((هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ)) الرعد 12

وكُلُّنا يعرف البَرْق، ونحن نستقبله بالخوف مما يُزعِج وبالطمع فيما يُحَبّ ويُرْغَب، فساعةَ يأتي البرق فنحن نخاف من الصواعق؛ لأن الصواعقَ عادة تأتي بعد البَرْق؛ أو تأتي السحابات المُمْطِرة.

وهكذا يأتي الخَوْف والطَّمَع من الظاهرة الواحدة. أو: أنْ يكون الخوف لقوم؛ والرجاء والطمع لقوم آخرين.

والمثل الذي أضربه لذلك دائماً هو قول أحد المقاتلين العرب وصف سيفه بأنه " فَتْح لأحبابه، وحَتْفٌ لأعدائه ".

والمثل الآخر الذي أضربه ما رواه لنا أمير بلدة اسمها " الشريعة " وهي تقع بين الطائف ومكة؛ وقد حدثنا أمير الشريعة عام 1953 عن امرأة صالحة تحفظ القرآن؛ اسمها " آمنة ".

هذه المرأة كان لها بنتان؛ تزوَّجتا؛ وأخذ كُلُّ زَوْجٍ زوجته إلى مَحَلِّ إقامته؛ وكان أحدُ زَوْجَي البنتين يعمل في الزراعة؛ والآخر يعمل بصناعة " الشُّرُك ". وقالت آمنة لزوجها: ألاَ تذهب لمعرفة أحوال البنتين؟ فذهب الرجل لمعرفة أحوال البنتين، فكان أول مَنْ لقي في رحلته هي ابنته المتزوجة مِمَّنْ يحرث ويبذر، فقال لها: كيف حالك وحال زوجك وحال الدنيا معك أنت وزوجك؟

قالت: يا أَبتِ، أنا معه على خير، وهو معي على خير، وأما حال الدنيا؛ فَادْعُ لنا الله أنْ يُنزِل المطر؛ لأننا حرثنا الأرض وبذرْنَا البذور؛ وفي انتظار رَيِّ السماء.

فرفع الأب يديه إلى السماء وقال: اللهم إنِّي أسألك الغَيْث لها.

وذهب إلى الأخرى؛ وقال لها: ما حالك؟ وما حال زوجك؟ فقالت: خير، وأرجوك يا أبي أن تدعوَ لنا الله أنْ يمنع المطر؛ لأننا قد صنعنا الشِّرَاك من الطين؛ ولو أمطرتْ لَفسدتِ الشُّرُك، فَدَعا لها.

وعاد إلى امرأته التي سألته عن حال البنتين؛ فبدا عليه الضيق وقال: هي سَنة سيئة على واحدة منهما، وروى لها حال البنتين؛ وأضاف: ستكون سنة مُرْهِقة لواحدة منهما.

فقالت له آمنة: لو صبرت؛ لَقُلْتُ لك: إن ما تقوله قد لا يتحقق؛ وسبحانه قادر على ذلك.

قال لها: ونعم بالله، قولي لي كيف؟ فقال آمنة: ألم تقرأ قول الله:
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ... }
[النور: 43]

فسجد الرجل لله شكراً أن رزقه بزوج تُعينه على أمر دينه، ودعا: اللهم اصْرِف عن صاحب الشِّراكِ المطر؛ وأفِضْ بالمطر على صاحب الحَرْث. وقد كان.

وهذا المثل يوضح جيداً معنى الخوف والطمع عند رؤية الرعد: { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً... } [الرعد: 12]

إما من النفس الواحدة بأن يخافَ الإنسانُ من الصواعق، ويطمع في نزول المطر، أو من متقابلين؛ واحد ينفعه هذا؛ وواحد يضره هذا.

ويضيف الحق سبحانه: {...وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } [الرعد: 12]

ونحن نعلم أن السحاب هو الغَيْم المُتَراكم؛ ويكون ثقيلاً حين يكون مُعَبئاً؛ وهو عكس السحاب الخفيف الذي يبدو كَنُتَفِ القطن.

ويُقال عند العرب: " لا تستبطئ الخَيْل؛ لأن أبطأَ الدلاء فَيْضاً أملؤها، وأثقلَ السحابِ مَشْياً أَحْفلُهَا ".

فحين تنزل الدَّلْو في البئر؛ وترفعه؛ فالدَّلْو المَلآن هو الذي يُرهقك حين تشدُّه من البئر؛ أما الدلو الفارغ فهو خفيفٌ لحظة جَذْبه خارج البئر؛ وكذلك السحاب الثِّقَال تكون بطيئة لِمَا تحمله من ماء.



تفسير الشعراوي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى

(( وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ )) الرعد 13

{ ويسبح الرعد } هو ملك موكل بالسحاب يسوقه متلبسا { بحمده } أي يقول سبحان الله وبحمده { و } يسبح { الملائكة من خيفته } أي الله { ويرسل الصواعق } وهي نار تخرج من السحاب { فيصيب بها من يشاء } فتحرقه نزل في رجل بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم من يدعوه فقال من رسول الله وما الله أمن ذهب هو أم من فضة أم نحاس فنزلت به صاعقة فذهبت بقحف رأسه { وهم } أي الكفار { يجادلون } يخاصمون النبي صلى الله عليه وسلم { في الله وهو شديد المحال } القوة أو الأخذ .

تفسير الجلالين
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى

(( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ۚ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ )) الرعد 14

{ له دعوة الحق} التوحيد، لا إله إلا اللّه قاله ابن عباس وقتادة { والذين يدعون من دونه} أي ومثل الذين يعبدون آلهة غير اللّه { كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه} ، قال علي بن أبي طالب: كمثل الذي يتناول الماء من طرف البئر بيده، وهو لا يناله أبداً بيده، فكيف يبلغ فاه؟ وقال مجاهد: { كباسط كفيه} يدعو الماء بلسانه ويشير إليه فلا يأتيه أبداً، وقيل: المراد كقابض يده على الماء، فإنه لا يحكم منه على شيء، كما قال الشاعر: فأصبحت مما كان بيني وبينها ** من الود مثل القابض الماء باليد ومعنى هذا الكلام أن الذي يبسط يده إلى الماء إما قابضاً، وإما متناولاً له من بعد، كما أنه لا ينتفع بالماء الذي لم يصل إلى فيه الذي جعله محلاً للشرب، فكذلك هؤلاء المشركون الذين يعبدون مع اللّه إلهاً غيره لا ينتفعون بهم أبداً في الدنيا ولا في الآخرة، ولهذا قال: { وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}

تفسير ابن كثير
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى

((وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۩)) الرعد 15

والسجود كما نعرفه حركة من حركات الصلاة، والصلاة هي وَقْفة العبد بين يدي ربه بعد ندائه له، والصلاة أقوال وأفعال مُبْتدأة بالتكبير ومُخْتتمة بالسلام؛ بفرائض وسنن ومستحبات مخصوصة.

والسجود هو الحركة التي تُبرِز كاملَ الخضوع لله؛ فالسجود وَضْع لأعلى ما في الإنسان في مُسْتوى الأدنى وهو قَدَم الإنسان؛ ونجد العامة وهُمْ يقولون: " لا ترفع رأسك عليَّ " أي: لا تتعالى عليّ، لأن رَفْع الرأس معناه التعالي، وتخفيضها بالركوع أو السجود هو إظهارٌ للخضوع، فإذا قال الله: { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ... } [الرعد: 15]

عليك أن تفهم أن هذا ما يحدث فعلاً؛ وإنْ لم يتسع ذِهْنك إلى فَهْم السجود كما يحدث منك؛ فليتسع ظنُّك على أنه مُنْتهى الخضوع والذِّلة لله الآمر.

وأنت تعلم أن الكون كله مُسخَّر بأمر الله ولأمر الله، والكون خاضع له سبحانه؛ فإن استجاب الإنسان لأمر الله بالإيمان به فهذا خير. وإنْ لم يستجب الإنسان ـ مثلما يفعل الكافر ـ فعليه سُوء عمله.

ولو استقصيتَ المسألة بدقَّة الفَهْم؛ لوجدتَ أن الكافر إنما يتمرد بإرادته المُسَيطرة على جوارحه؛ لكن بقية أبعاضه مُسخرة؛ وكلها تؤدي عملها بتسخير الله لها، وكلها تُنفِّذ الأوامر الصادرة من الله لها؛ وهكذا يكون الكافر مُتمرداً ببعضه ومُسخَّراً ببعضه الآخر، فحين يُمرِضه الله؛ أيستطيع أنْ يعصي؟

طبعاً لا. وحين يشاء الله أن يُوقِف قلبه أيقدر أن يجعل قلبه يخالف مشيئة الله؟ طبعاً لا.

إذن: فالذي يتعوّد على التمرد على الله في العبادة؛ وله دُرْبة على هذا التمرد؛ عليه أن يُجرِّب التمرد على مرادات الله فيما لا اختيار له فيه؛ وسيقابل العجز عن ذلك.

وعليه أنْ يعرف أنه لم يتمرد بالكفر إلا بما أوسع الله له من اختيار؛ بدليل أن تسعة وتسعين بالمائة من قُدراته محكوم بالقهر؛ وواحد بالمائة من قدراته متروك للاختيار، وهكذا يتأكد التسخير.

وخضوع الكافر في أغلب الأحيان؛ وتمرّده في البعض الآخر؛ هو مُنْتهى العظمة لله؛ فهو لا يجرؤ على التمرد بما أراده الله مُسخَّراً منه.

ولقائل أن يقول: ولماذا قال الله هنا: { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ... } [الرعد: 15]

ولم يقُلْ: " ما في السماوات وما في الأرض "؟

وأقول: مادام في الأمر هنا سجود؛ فهو دليل على قِمّة العقل؛ وسبحانه قد جعل السجود هنا دليلاً على أنّ كافة الكائنات تعقل حقيقة الألوهية؛ وتعبد الحق سبحانه.

وهو هنا يقول: { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً... } [الرعد: 15]

وهنا يُعلمنا الحق سبحانه أن كل الكائنات ترضخ لله سجوداً؛ سواء المُسَخَّر؛ أو حتى أبعاض الكافر التي يستخدمها بإرادته في الكفر بالله؛ هذه الأبعاض تسجد لله.ويتابع الحق سبحانه: {...وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } [الرعد: 15]

ونحن في حياتنا اليومية نسمع مَنْ يقول: " فلان يَتْبع فلاناً كَظِله "؛ أي: لا يتأبّى عليه أبداً مطلقاً، ويلازمه كأنه الظل؛ ونعلم أن ظِلَّ الإنسان تابعٌ لحركته.

وهكذا نعلم أن الظِّلال نفسها خاضعة لله؛ لأن أصحابها خاضعون لله؛ فالظل يتبع حركته؛ وإياك أنْ تظنَّ أنه خاضع لك؛ بل هو خاضع لله سبحانه.

وسبحانه هنا يُحدِّد تلك المسألة بالغُدوِّ والآصال؛ و " الغدو " جمع " غداة " وهو أول النهار، والآصال هو المسافة الزمنية بين العصر والمغرب.

وأنت حين تقيس ظِلَّك في الصباح ستجد الظِّل طويلاً، وكلما اقتربت من الشمس طال الظل، وكلما اقترب الزوال يقصرُ الظلُّ إلى أنْ يتلاشى؛ وأبزر ما يتمايل الظل بتمايل صاحبه هو في الصبح وبعد العصر.



تفسير الشعراوي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى
(( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ۗ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ )) الرعد 16

يقرر تعالى أنه لا إله إلا هو لأنهم معترفون بأنه هو الذي خلق السماوات والأرض وهو ربها ومدبرها، وهم مع هذا قد اتخذوا من دونه أولياء يعبدونهم، وأولئك الآلهة لا تملك لا لنفسها ولا لعابديها بطريق الأولى نفعاً ولا ضراً، أي لا تحصل لهم منفعة ولا تدفع عنهم مضرة، فهل يستوي من عبد هذه الآلهة مع اللّه ومن عبد اللّه وحده لا شريك له فهو على نور من ربه؟ ولهذا قال: { هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} أي أجعل هؤلاء المشركون مع اللّه آلهة تناظر الرب وتماثله في الخلق، فخلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم، فلا يدرون أنها مخلوقة من مخلوق غيره، أي ليس الأمر كذلك، فإنه لا يشابهه شيء ولا يماثله، ولا ندّ له ولا عدل، ولا وزير له ولا ولد ولا صاحبة، { تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا} ، فأنكر تعالى عليهم ذلك، حيث اعتقدوا ذلك وهو تعالى لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} ، { وكم من ملك في السموات} الآية، وقال: { إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا} ، فإذا كان الجميع عبيداً فلم يعبد بعضهم بعضاً بلا دليل ولا برهان، بل بمجرد الرأي والاختراع والابتداع فحقت كلمة العذاب لا محالة، { ولا يظلم ربك أحدا} .

تفسير ابن كثير
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى

(( أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ )) الرعد 17

اشتملت هذه الآية الكريمة على مثلين مضروبين للحق في ثباته وبقائه، والباطل في اضمحلاله وفنائه فقال تعالى: { أنزل من السماء ماء} أي مطراً، { فسالت أودية بقدرها} أي أخذ كل واد بحسبه، فهذا كبير وسع كثيراً من الماء، وهذا صغير وسع بقدره، وهو إشارة إلى القلوب وتفاوتها، فمنها ما يسع علماً كثيراً، ومنها من لا يتسع لكثير من العلوم بل يضيق عنها { فاحتمل السيل زبدا رابيا} ، أي فجاء على وجه الماء الذي سال في هذه الأودية زبد عالٍ عليه؛ هذا مثل، وقوله: { ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع} الآية، هذا هو المثل الثاني وهو ما يسبك في النار من ذهب أو فضة { ابتغاء حلية} أي ليجعل حلية أو نحاساً أو حديداً فيجعل متاعاً، فإنه يعلوه زبد منه، كما يعلو ذلك زبد منه، { كذلك يضرب اللّه الحق والباطل} ، أي إذا اجتمعا لإثبات الباطل ولا دوام له، كما أن الزبد لا يثبت مع الماء، ولا مع الذهب والفضة مما سبك في النار، بل يذهب ويضمحل، ولهذا قال: { فأما الزبد فيذهب جفاء} أي لا ينتفع به بل يتفرق ويتمزق ويذهب في جانبي الوادي، ويعلق بالشجر وتنسفه الرياح، وكذلك خَبث الذهب والفضة والحديد والنحاس يذهب ولا يرجع منه شيء ولا يبقى إلا الماء، وذلك الذهب ونحوه ينتفع به، ولهذا قال: { وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب اللّه الأمثال} ، كقوله تعالى: { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} . وقال بعض السلف: كنت إذا قرأتُ مثلاً من القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي لأن اللّه تعالى يقول: { وما يعقلها إلا العالمون} ، قال ابن عباس: هذا مثل ضربه اللّه احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها، فأما الشك فلا ينفع معه العمل، وأما اليقين فينفع اللّه به أهله، وهو قوله: { فأما الزبد} وهو الشك { فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} وهو اليقين، وكما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه ويترك خبثه في النار، فكذلك يقبل اللّه اليقين ويترك الشك. وقال العوفي عن ابن عباس قوله: { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا} يقول: احتمل السيل ما في الوادي من عود ودمنة، { ومما يوقدون عليه في النار} فهو الذهب والفضة والحلية والمتاع والنحاس والحديث، فللنحاس والحديد خبث، فجعل اللّه مثل خبثه كزبد الماء، فأما ما ينفع الناس فالذهب والفضة، وأما ما ينفع الأرض فما شربت من الماء فأنبتت فجعل ذاك مثل العمل الصالح يبقى لأهله، والعمل السيء يضمحل عن أهله، كما يذهب هذا الزبد، وكذلك الهدى والحق، جاءا من عند اللّه فمن عمل بالحق كان له وبقي كما بقي ما ينفع الناس في الأرض، وكذلك الحديد لا يستطاع أن يعمل منه سكين ولا سيف حتى يدخل في النار فتأكل خبثه ويخرج جيده فينتفع به، فكذلك يضمحل الباطل، فإذا كان يوم القيامة وأقيم الناس وعرضت الأعمال فيزيغ الباطل ويهلك، وينتفع أهل الحق بالحق. وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إن مثل ما بعثني اللّه به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع اللّه بها الناس فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا، وأصابت طائفة منها أُخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ؛ فذلك مثل من فقه في دين اللّه ونفعه اللّه بما بعثني ونفع به فعلم وعلم؛ ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى اللّه الذي أرسلت به)

تفسير ابن كثير
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى

(( لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)) الرعد 18

يخبر تعالى عن مآل السعداء والأشقياء: { للذين استجابوا لربهم} أي أطاعوا اللّه ورسوله وانقادوا لأوامره وصدّقوا أخباره الماضية والآتية، فلهم { الحسنى} وهو الجزاء الحسن كقوله تعالى: { وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا} ، وقال تعالى: { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} ، وقوله: { والذين لم يستجيبوا له} أي لم يطيعوا اللّه، { لو أن لهم ما في الأرض جميعا} أي في الدار الآخرة، لو أنه يمكنهم أن يفتدوا من عذاب اللّه بملء الأرض ذهباً ومثله معه لافتدوا به، ولكن لا يتقبل منهم، لأنه تعالى لا يقبل منهم يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً { أولئك لهم سوء الحساب} أي في الدار الآخرة، أي يناقشون على النقير والقطمير، والجليل والحقير، ومن نوقش الحساب عذب، ولهذا قال: { ومأواهم جهنم وبئس المهاد} .

تفسير ابن كثير
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى

(( أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)) الرعد 19


يقول تعالى لا يستوي من يعلم من الناس أن الذي { أنزل إليك} يا محمد { من ربك} هو الحق الذي لا شك فيه ولا مرية، بل هو كله حق يصدق بعضه بعضاً، فأخباره كلها حق، وأوامره ونواهيه عدل، فلا يستوي من تحقق صدق ما جئت به يا محمد، ومن هو أعمى لا يهتدي إلى خير ولا يفهمه، ولو فهمه ما انقاد له ولا صدّقه ولا اتبعه، كقوله تعالى: { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة} ، وقال هنا: { أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى} أي أفهذا كهذا؟ لا استواء. وقوله: { إنما يتذكر أولوا الألباب} أي إنما يتعظ ويعتبر أولو العقول السليمة الصحيحة؛ جعلنا اللّه منهم.

ابن كثير
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى
(( الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ)) الرعد 20

والواحد من أولي الألباب ساعة آمن بالله؛ فهو يعلم أنه قد تعاهد مع الله عهداً بألاَّ يعبد غيره؛ وألاَّ يخضع لغيره؛ وألاَّ يتقرَّب لغيره؛ وألاَّ ينظر أو ينتظر من غيره؛ وهذا هو العهد الأول الإيماني.

ويتفرّع من هذا العهد العقدي الأول كُلُّ عهد يُقطع سواء بالنسبة لله، أو بالنسبة لخَلْق الله؛ لأن الناشئ من عهد الله مثله مثل عهد الله؛ فإذا كنتَ قد آمنتَ بالله؛ فأنت تؤمن بالمنهج الذي أنزله على رسوله؛ وإذا أوفيتَ بالمنهج؛ تكون قد أوفيت بالعهد الأول.

ولذلك نجد كل التكليفات المهمة البارزة القوية في حياة المؤمنين نجد الحق سبحانه يأتي بها في صيغة البناء؛ فيما يسمى " البناء للمجهول "؛ مثل قوله:
{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ... }
[البقرة: 183]

وقوله:
{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى... }
[البقرة: 178]

وقوله:
{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ... }
[البقرة: 216]

وكُلُّ التكليفات تأتي مَسْبوقة بكلمة " كُتِب " والذي كتب هو الله؛ وسبحانه لم يُكلِّف إلا من آمن به؛ فساعةَ إعلان إيمانك بالله؛ هي ساعة تعاقدك مع الله على أن تُنفِّذ ما يُكلِّفك به.

وأنت حُرٌّ في أنْ تؤمن أو لا تؤمن؛ لكنك لحظةَ إيمانك بالله تدخل إلى الالتزام بما يُكلِّفك به، وتكون قد دخلت في كتابة التعاقد الإيماني بينك وبين الله.

ولذلك قال الحق سبحانه " كُتِب " ولم يَقُلْ: " كتبْتُ "؛ لأن العهد بينك وبين الله يقتضي أن تدخلَ أنت شريكاً فيه، وهو سبحانه لم يُكلِّف إلا مَنْ آمن به.

وسبحانه هنا يقول: { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ } [الرعد: 20]

أي: أن العهد الإيماني مُوثَّق بما أخذْتَه على نفسك من التزام.



تفسير الشعراوي










رد مع اقتباس
قديم 2014-05-09, 23:53   رقم المشاركة : 4046
معلومات العضو
أيمن عبد الله
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية أيمن عبد الله
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

بيان وتفسير سورة الرعد
الجزء الثالث

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى

((وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) )) سورة الرعد

وأوَّل ما أمر به الله أَنْ يُوصَل هو صِلَة الرَّحم؛ أي : أن تَصل ما يربطك بهم نَسَبٌ . والمؤمن الحقٌّ إذا سَلْسَل الأنساب؛ فسيدخل كُلُّ المؤمنين في صِلَة الرَّحم؛ لأن كل المؤمنين رَحِم مُتداخِل؛ فإذا كان لك عَشْرة من المؤمنين تَصِلهم بحكم الرَّحِم؛ وكل مؤمن يَصل عشرة مثلك ، انظر إلى تداخل الدوائر وانتظامها؛ ستجد أن كل المؤمنين يدخلون فيها .
ولذلك نجد الحق سبحانه يقول في الحديث القدسي : « أنا الرحمن؛ خلقت الرحم ، واشتققت لها اسماً من اسمي؛ فمن وصلها وصلته؛ ومن قطعها قطعته » .
وقد رَويْتُ من قَبْل قصةً عن معاوية رضي الله عنه؛ فقد جاء حاجبه ليعلن له أن رجلاً بالباب يقول : إنه أخوك يا أمير المؤمنين .
ولابد أن حاجبَ معاوية كان يعلم أن معاوية بن أبي سفيان لا إخوةَ له ، لكنه لم يَشَأْ أنْ يتدخَّل فيما يقوله الرجل؛ وقال معاوية لحاجبه : ألاَ تعرف إخوتي؟ فقال الحاجب : هكذا يقول الرجل . فأذِنَ معاويةُ للرجل بالدخول؛ وسأله : أي إخوتي أنت؟ أجاب الرجل : أخوك في آدم . قال معاوية : رَحِم مقطوعة؛ والله لأكون أوَّلَ من يَصلها .
والتقى الفضيل بن عياض بجماعة لهم عنده حاجة؛ وقال لهم : من أين أنتم؟ قالوا : من خُراسان . قال : اتقوا الله ، وكونوا من حيث شِئْتم .
وقد أمرنا سبحانه أن نَصِلَ الأهل أولاً؛ ثم الأقارب؛ ثم الدوائر الأبعد فالأبعد؛ ثم الجار ، وكُلُّ ذلك لأنه سبحانه يريد الالتحام بين الخلق؛ ليستطرق النافع لغير النافع ، والقادر لغير القادر ، فهناك جارك وقريبك الفقير إنْ وصلْتَه وصلَك الله .
ولذلك يأمر الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم ومِنْ خلاله يأمر كل مؤمن برسالته : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المودة فِي القربى . . . } [ الشورى : 23 ]
وقال بعض مَنْ سمعوا هذه الآية : قُرْباك أنت في قُرْباك .
وقال البعض الآخر : لا ، القربى تكون في الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لأن القرآن قال في محمد صلى الله عليه وسلم : { النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ . . . } [ الأحزاب : 6 ]
وهكذا تكون قرابة الرسول أولى لكل مؤمن من قرابته الخاصة .
يستمر قول الحق سبحانه في وصف أُولِي الألباب : { . . . وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } [ الرعد : 21 ]
والخشية تكون من الذي يمكن أن يُصيب بمكروه؛ ولذلك جعل الحق هنا الخشية منه سبحانه؛ أي : أنهم يخافون الله مالكهم وخالقهم ومُربِّيهم؛ خوف إجلال وتعظيم .
وجعل سبحانه المخاف من سوء العذاب؛ وأنت تقول : خِفْتُ زيداً ، وتقول : خِفْتُ المرض ، ففيه شيء تخافه؛ وشيء يُوَقِع عليك ما تخافه .
وأولو الألباب يخافون سُوء حساب الحق سبحانه لهم؛ فيدعهم هذا الخوف على أَنْ يَصِلوا ما أمر به سبحانه أنْ يُوصَل ، وأنْ يبتعدوا عن أي شيء يغضبه .
ونحن نعلم أن سوء الحساب يكون بالمناقشة واستيفاء العبد لكل حقوقه؛ فسبحانه مُنزَّه عن ظلم أحد ، ولكن مَنْ يُناقش الحسابَ فهو مَنْ يَلْقى العذاب؛ ونعوذ بالله من ذلك ، فلا أحد بقادر على أن يتحمل عذابَ الحق له .
تفسير الشعراوي
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى
(( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)

ونجد هذه الآية معطوفة على ما سبقها من صفات أولي الألباب الذين يتذكَّرون ويعرفون مَواطن الحق بعقولهم اهتداءً بالدليل؛ الذين يُوفون بالعهد الإيماني بمجرد إيمانهم بالله في كُلِّيات العقيدة الوحدانية ، ومُقْتضيات التشريع الذي تأتي به تلك العقيدة .
ولذلك جعلها سبحانه صفقة أوضحها في قوله تعالى : { إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجنة يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً . . . } [ التوبة : 111 ]
وهي صفقة إيجاب وقَبُول ، والعهد إيجاب وقبول؛ وهو ميثاق مُؤكَّد بالأدلة الفِطْرية أولاً ، والأدلة العقلية ثانياً .
وهُمْ في هذه الآية مَنْ صبروا ابتغاءَ وجه ربهم ، والصبر هو تحمُّل متاعب تطرأ على النفس الإنسانية لتخريجها عن وقار استقامتها ونعيمها وسعادتها ، وكل ما يُخرِج النفس الإنسانية عن صياغة الانسجام في النفس يحتاج صبراً .
والصبر يحتاج صابراً هو الإنسان المؤمن ، ويحتاج مَصْبوراً عليه؛ والمَصْبور عليه في الأحداث قد يكون في ذات النفس؛ كأنْ يصبر الإنسان على مشقَّة التكليف الذي يقول « افعل » و « لا تفعل » .
فالتكليف يأمرك بترْكِ ما تحب ، وأنْ تنفذ بعض ما يصعب عليك ، وأن تمتثل بالابتعاد عما ينهاك عنه ، وكُلُّ هذا يقتضي مُجَاهدة من النفس ، والصبر الذاتي على مشَاقِّ التكليف .
ولذلك يقول الحق سبحانه عن الصلاة مثلاً : { . . . وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين } [ البقرة : 45 ]
وهذا صَبْر الذَّات على الذات . ولكن هناك صَبْر آخر؛ صبر منك على شيء يقع من غيرك؛ ويُخرِجك هذا الشيء عن استقامة نفسك وسعادتها .
وهو ينقسم إلى قسمين : قسم تجد فيه غريماً لك؛ وقسم لا تجد فيه غريماً لك .
فالمرض الذي يُخرِج الإنسان عن حَيِّز الاستقامة الصِّحية ويُسبِّب لك الألم؛ ليس لك فيه غريم؛ لكنك تجد الغريم حين يعتدي عليك إنسانٌ بالضرب مثلاً؛ ويكون هذا الذي يعتدي عليك هو الغريم لك .
وكل صبر له طاقة إيمانية تحتمله؛ فالذي يَقْدر على شيء ليس فيه غريم؛ يكون صَبْره معقولاً بعض الشيء؛ لأنه لا يوجد له غريم يهيج مشاعره .
أما صبر الإنسان على أَلم أوقعه به مَنْ يراه أمامه؛ فهذا يحتاج إلى قوة ضَبْط كبيرة؛ كي لا يهيج الإنسان ويُفكِّر في الانتقام .
ولذلك تجد الحق يفصل بين الأمرين؛ يفصل بين شيء أصابك ولا تجد لك غريماً فيه ، وشيء أصابك ولك من مثلك غريمٌ فيه .
ويقول سبحانه عن الصبر ليس لك غريم فيه : { . . . واصبر على مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمور } [ لقمان : 17 ]
ويقول عن الصبر الذي لك فيه غريم ، ويحتاج إلى كَظْم الغيظ ، وضبط الغضب : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور } [ الشورى : 43 ]
وحينما يريد الحق سبحانه منك أن تصبر؛ فهو لا يطلب ذلك منك وحدك؛ ولكن يطلب من المقابلين لك جميعاً أنْ يصبروا على إيذائك لهم؛ فكأنه طلب منك أنْ تصبر على الإيذاء الواقع من الغير عليك؛ وأنت فرد واحد .
تفسير الشعراوي
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى
((وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) )) الرعد

قوله تعالى : { والذين صبروا } أي : على ما أُمروا به { ابتغاء وجه ربهم } أي : طلباً لرضاه { وأقاموا الصلاة } أتمُّوها { وأنفقوا مما رزقناهم } من الأموال في طاعة الله . قال ابن عباس : يريد بالصلاة : الصلوات الخمس ، وبالإِنفاق : الزكاة .
قوله تعالى : { ويدرؤون } أي : يدفعون { بالحسنة السيئة } . وفي المراد بهما خمسة أقوال :
أحدها : يدفعون بالعمل الصالح الشرَّ من العمل ، قاله ابن عباس . والثاني : يدفعون بالمعروف المنكر ، قاله سعيد بن جبير . والثالث : بالعفو الظلمَ ، قاله جُوَيبر . والرابع : بالحلم السفهَ ، كأنهم إِذا سُفه عليهم حَلُموا ، قاله ابن قتيبة .
والخامس : بالتوبة الذنْبَ ، قاله ابن كيسان .
قوله تعالى : { أولئك لهم عقبى الدار } قال ابن عباس : يريد : عقباهم الجنة ، أي : تصير الجنة آخر أمرهم .
قوله تعالى : { ومن صلح } وقرأ ابن أبي عبلة : «صلُح» بضم اللام . ومعنى «صلح» آمن ، وذلك أن الله تعالى ألحق بالمؤمن أهله المؤمنين إِكراماً له ، لتقرَّ عينُه بهم . { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب } قال ابن عباس : بالتحية من الله والتحفة والهدايا .
قوله تعالى : { سلام عليكم } قال الزجاج : أُضمر القول هاهنا ، لأن في الكلام دليلاً عليه . وفي هذا السلام قولان :
أحدهما : أنه التحية المعروفة ، يدخل الملَك فيسلِّم وينصرف . قال ابن الأنباري : وفي قول المسلِّم : سلام عليكم ، قولان : أحدهما : أن السلام : اللهُ عز وجل ، والمعنى : الله عليكم ، أي : على حفظكم . والثاني : أن المعنى : السلامة عليكم ، فالسلام جمع سلامة .
والثاني : أن معناه : إِنما سلَّمكم الله تعالى من أهوال القيامة وشرِّها بصبركم في الدنيا .
وفيما صبروا عليه خمسة أقوال :
أحدها : أنه أمر الله ، قاله سعيد بن جبير .
والثاني : فضول الدنيا ، قاله الحسن .
والثالث : الدِّين .
والرابع : الفقر ، رويا عن أبي عمران الجَوني .
والخامس : أنه فقد المحبوب ، قاله ابن زيد .
زاد المسير في علم التفسير ابن الجوزي
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى
((وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) )) الرعد

{ شرح الكلمات } :
{ والذين ينقضون عهد الله } : أي يحلونه ولا يلتزمون به فلم يعبدوا ربهم وحده .
{ ويقطعون ما امر الله به أن يوصل } : أي من الإيمان والأرحام .
{ ويفسدون في الأرض } : أي بترك الصلاة ومنع الزكاة ، وبارتكاب السيئات وترك الحسنات .
{ لهم اللعنة } : أي البعد من رحمة الله تعالى .
{ ولهم سوء الدار } : أي جهنم وبئس المهاد .
{ ويقدر } : أي يضيق ويقتر .
{ الا متاع } : قدر يسير يتمتع به زمناً ثم ينقضي .
{ طوبى لهم وحسن مآب } : أي لهم طوبى شجرة في الجنة وحسن منقلب وهو دار السلام .
{ معنى الآيات } :
قوله تعالى : { والذين ينقضون } الآيات ، هذا هو الطرف المقابل او الشخصية الثانية وهو من لم يعلم ولم يؤمن كأبي جهل المقابل لحمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه ذكر تعالى هنا صفاته الموجبة لعذابه وحرمانه فذكر له ولمن شاكلته الصفات التالية : ( 1 ) نقض العهد فلم يعبدوا الله ولم يوحدوه وهو العهد الذي أخذ عليهم في عالم الأوراح : { والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } .
( 2 ) قطع ما أمر الله به ان يوصل من الايمان وصلة الأرحام : { ويقطعون ما أمر الله به ان يوصل } .
( 3 ) الإفساد في الارض بالشرك والمعاصي : { يفسدون في الأرض } بهذه الصفات استوجبوا هذا الجزاء ، قال تعالى : { اولئك لهم اللعنة } اي البعد من الرحمة { ولهم سوء الدار } أي جهنم وبئس المهاد ، وقوله تعالى : { الله يبسط الرزق لمن شاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا ، وما الحياة الدنيا في الاخرة الا متاع } يخبر تعالى عن سنة من سننه في خلقه وهي يبسط الرزق اى يوسعه على من يشاء امتحاناً هل يشكر ام يكفر ويضيق ويفتر على من يشاء ابتلاء هل يصبر او يجزع ، وقد يبسط الرزق لبعض اذ لا يصلحهم الا ذاك ، وقد يضيق على بعض اذ لا يصلهم الا ذاك ، فلن يكون الغنى دالاً على رضى الله ، ولا الفقر دالاً على سخطه تعالى على عباده ، وقوله { وفرحوا بالحياة الدنيا } اي فرح اولئك الكافرون بالحياة الدنيا لجهلهم بمقدارها وعاقبتها وسوء آثارها وما الحياة الدنيا بالنسبة الى ما اعد الله لأوليائه وهو اهل الايمان به وطاعته الا متاع قليل ككف التمر أو قرص الخبز يعطاه الراعي غذاء له طول النهار ثم ينفذ ، وقوله تعالى في الآية ( 27 ) : { ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه آية من ربه } فقد تقدم مثل هذا الطلب من المشركين وهو مطالبة المشركين النبي صلى الله عليه وسلم ان تكون له آية كناقة صالح عصا موسى ليؤمنوا به وهم في ذلك كاذبون فلم يحملهم على هذا الطلب الا الاستخفاف والعناد والا آيات القرآن أعظم من آية الناقة والعصا ، فلذا قال تعالى لرسوله : { قل إن الله يضل من يشاء } ضلاله ولو رأى وشاهد ألوف الآيات { ويهدي اليه من أناب } ولو لم ير آية واحدة الا انه أناب الى الله فهداه اليه وقبله وجعله من اهل ولايته ، وقوله تعالى في الآية ( 8 ) { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله } أولئك الذين أنابوا اليه تعالى إيماناً وتوحيداً فهداهم إليه صراطاً مستقيماً هؤلاء تطئمن قلوبهم أي تسكن وتستأنس بذكر الله وذكره وعده وذكر صالحي عباده محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقوله تعالى : { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } اي قلوب المؤمنين اما قلوب الكافرين فإنها تطمئن لذكر الدنيا وملاذها وقلوب المشركين تطمئن لذكر أصنامهم ، وقوله تعالى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب } إخبار من الله تعالى بما أعد لأهل الإيمان والعمل الصالح وهو طوبى حال من الحسن الطيب يعجز البيان عن وصفها أو شجرة في الجنة وحسن منقلب وهو الجنة دار السلام والنعيم المقيم .
أيسر التفاسير
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى
((كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32)

{ شرح الكلمات } :
{ كذلك أرسلناك } : أي مثل ذلك الإرسال الذي أرسلنا أرسلناك .
{ لتتلو عليهم } : أي لتقرأ عليهم القرأن تذكيراً وتعليماً ونذارة وبشارة .
{ وهو يكفرون بالرحمن } : اذا قالوا وما الرحمن وقالوا لا رحمن الا رحمان اليمامة .
{ سيرت به الجبال } : أي نقلت من اماكنها .
{ او قطعت به الارض } : اي شققت فجعلت انهاراً وعيوناً .
{ أو كلم به الموتى } : اي احيوا وتكلموا .
{ أفلم ييأس } : أي يعلم .
{ قارعة } : أي داهية تقرع قلوبهم بالخوف والحزن وتهلكهم وتستأصلهم .
{ او تحل قريباً من دارهم } : أي القارعة او الجيش الإسلامي .
{ فأمليت } : اي امهلت وأخرت مدة طويلة .
{ معنى الآيات }
ما زال السياق في تقرير أصول العقائد : التوحيد والنبوة والبعث والجزاء الآخر ففي الآية الأولى من هذا السياق وهي قوله تعالى : { كذلك أرسلناك } فقرر نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله كذلك اي الارسال الذي ارسلنا من قبلك انت الى امة قد خلت من قبلها امم ، وبين فائدة الارسال فقال : { لتتلو عليهم الذي أوحينا اليك } وهو رحمة والهدى والشفاء { وهو يكفرون بالرحمن } الرحمن الذي ارسلك لهم بالهدى ودين الحق لإكمالهم وإسعادهم يكفرون به ، اذا فقل انت ايها الرسول هو ربي لا اله الا هو اي لا معبود بحق الا هو عليه توكلت واليه متاب اي توبتي ورجوعي فقرر بذلك مبدأ التوحيد بأصدق عبارة وقوله تعالى في الآية الثانية ( 31 ) { ولو أن قرآناً } الخ : لا شك ان مشركي مكة كانوا بما ذكره في هذه الاية اذا قالوا ان كنت رسولاً فادع لنا ربك فيسر عنا هذه الجبال التي تكتنف وادينا فتتسع ارضنا للزراعة والحراثة وقطع ارضنا فاخرج لنا منها العيون والانهار واحيي لنا فلان وفلاناً حتى نكملهم ونسألهم عن صحة ما تقول وتدعي بأنك نبي فقال تعال : { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال او قطعت به الأرض أو كلم به الموتى } اي لكان هذا القرأن ، ولكن ليست الآيات هي التي تهدي بل الله الامر جميعاً يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، ولما صرفهم الله تعالى عن الآيات الكونية لعلمه تعالى أنهم لو اعطاهم اياها لما آمنوا عليها فيحق عليهم عذاب الإبادة كالأمم السابقة ، وكان من المؤمنين من يود الآيات الكونية ظناً منه ان المشركين لو شاهدوا أمنوا وانتهت المعركة الدائرة بين الشرك والتوحيد قال تعالى : { أفلم ييأس الذين آمنوا } أي يعملوا { أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً } بالآيات وبدونها فليترك الأمر له سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وقوله تعالى : { ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا } اي من الشرك والمعاصي { قارعة } أي داهية تفرع قلوبهم بالخوف والفزع ونفوسهم بالهم والحزن وذلك كالجدب والمرض والقتل والأسر { أو تحل قريباً من دارهم } أي يحل الرسول بجيشه الإسلامي ليفتح مكة حتى يأتي وعد الله بنصرك أيها الرسول عليهم والآية عامة فيمن بعد قريش ويكون الوعيد متناولاً امم الكفر عامة وها هي ذي الحروب تقرعهم كل قرن مرة ومرتين والحرب الذرية على أبوابهم ولا يزال أمرهم كذلك حتى يحل الجيش الإسلامي قريباً من دارهم ليدخلوا في دين الله او يهلكوا ، { ان الله لا يخلف المعياد } وقد أنجز ما وعد قريشاً ، وفي الآية الأخيرة ( 32 ) يخبر تعالى رسوله مسلياً إياه عما يجد من تعب وألم من صلف المشركين وعنادهم فيقول له : { ولقد استهزئ برسل من قبلك } أي كما استهزئ بك فصبروا فاصبر أنت ، { فأمليت للذين كفروا } أي امهلتهم وأنظرتهم حتى قامت الحجة عليهم ثم أخذتهم فلم أبق منهم احداً { فكيف كان عقاب } أي كان شديداً عاماً واقعاً موقعه ، فكذلك أفعل بمن استهزا بك يا رسولنا اذا لم يتوبوا ويسلموا .
{ من هداية الآيات } :
1- تقرير التوحيد .
2- لا توكل الا على الله ، ولا توبة لأحد إليه .
3- عظمة القرآن الكريم وبيان فضله .
4- إطلاق لفظ اليأس والمراد به العلم .
5- توعد الرب تعالى الكافرين بالقوارع في الدنيا الى يوم القيامة .
6- الله جل جلالة يملي ويمهل ولكن لا يهمل بل يؤاخذ ويعاقب .
أيسر التفاسير
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
قال تعالى
((أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35) الرعد

{ شرح الكلمات } :
{ أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } : أي حافظها ورازقها وعالم بها وبما كسبت و يجازيها بعملها .
{ قل سموهم } : أي صفوهم له من هم ؟
{ أم تنبونه بما لا يعلم } : أي اتخبرونه بما لا يعمله ؟
{ بظاهر من القول } : أي بظن باطل لا حقيقة له في الواقع .
{ أشق } : أي أشد .
{ واق } : أي مانع يمنعهم من العذاب .
{ مثل الجنة } : أي صفتها التي نقصها عليك .
{ أكلها دائم وظلها } : أي ما يؤكل فيها دائم لا يفنى وظلها دائم لا ينسخ .
{ معنى الآيات } :
ما زال السياق في تقرير التوحيد وإبطال التنديد بقوله تعالى : { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } أي حافظها ورازفها وعالم بها وبما كسبت من خير وشر ومجازيها كمن لا يحفظ ولا يرزق ولا يعلم ولا يجزي وهو الاصنام ، اذا فبطل تأليهها ولم يبق الا الاله الحق الله الذي لا اله الا هو ولا رب سواه ، وقوله تعالى : { وجعلوا لله شركاء } أي يعبدونهم معه { قل سموهم } اي قل لهم يا رسولنا سموا لنا تلك الشركاء صفوهم بينوا من هم ؟ { أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض } أي أتنبئون الله بما لا يعلم في الأرض ؟ { أم بظاهر من القول } أي بل بظاهر من القول أي بظن باطل لا حقيقة له في الواقع .
وقوله تعالى { بل زين للذين كفروا مكرهم } اي قولهم الكاذب وافتراؤهم الماكر فبذلك صدوا عن السبيل سبيل الحق وصرفوا عنه فلم يهتدوا اليه ، { ومن يضلل الله فما له من هاد } وقوله تعالى : { لهم عذاب في الحياة الدنيا } بالقتل والأسر ، و { العذاب الآخرة أشق } أي أشد من عذاب الدنيا مهما كان { وما لهم من الله من واق } أي وليس لهم من دون الله من يقيهم فيصرفه عنهم ويدفعه حتى لا يذوقوه ، وقوله تعالى : { مثل الجنة التي وعد المتقون } أي لما ذكر عذاب الآخرة لأهل الكفر والفجور ذكر نعيم الاخرة لأهل الايمان والتقوى ، فقال : { مثل الجنة التي وعد المتقون } أي صفة الجنة ووصفها بقوله : { تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظللها } دائم كذلك فطعامها لا ينفذ ، وظلها لا يزول ولا ينسخ بشمس كظل الدنيا ، وقوله : { تلك } اي الجنة { عقبى الذين اتقوا } أي ربهم فآمنوا به وعبدوه ووحدوه واطاعوه في أمر ونهيه ، { وعقبى الكافرين النار } والعقبى بمعنى العاقبة في الخير والشر .
{ هداية الآيات }
{ من هداية الآيات } :
1- تقرير التوحيد اذ الاصنام لا تحفظ ولا ترزق ولا تحاسب ولا تجزي ، والله هو القائم على كل نفس فهو الاله الحق وما عداه فآلهة باطلة لا حقيقة لها الا مجرد أسماء .
2- استمرار الكفار على كفرهم هو نتيجة تزيين الشيطان لهم ذلك فصدهم عن السبيل .
3- ميزة القرآن الكريم في الجمع بين الوعد والوعيد إذ بهما تمكن هداية الناس
أيسر التفاسير
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
((وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)

{ شرح الكلمات } :
{ والذين آتيناهم الكتاب } : أي كعبد بن سلام ومن أمن من اليهود .
{ يقفرحون بما انزل اليك } : أي يسرون به لأنهم مؤمنون صادقون ولأنه موافق لما عندهم .
{ ومن الأحزاب } : اي من اليهود والمشركين .
{ من ينكر بعضه } : أي بعض القرآن فالمشركون أنكروا لفظ الرحمن وقالوا لا رحمن الا رحمن اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب .
{ وكذلك أنزلناه حكماً عربياً } : أي بلسان العرب لتحكم به بينهم .
{ لكل أجل كتاب } : أي لكل مدة كتاب كتبت فيه المدة المحددة .
{ يمحو الله ما يشاء } : أي يمحو من الاحكام وغيرها ويثبت ما يشاء فما محاه هو المنسوخ وما أبقاه هو المحكم .
{ معنى الآيات }
ما زال السياق في تقرير أصول العقيدة : التوحيد والنبوة والبعث والجزاء ، فقوله تعالى : { والذين آتيناهم الكتاب } كعبدالله بن سلام يفرحون بما انزل اليك وهو القرآن وفي هذا تقرير للوحي وإثبات له ، وقوله { ومن الأحزاب } ككفار اهل الكتاب والمشركين { من ينكر بعضه } فاليهود انكروا اغلب ما في القرآن من الاحكام ولم يصدقوا الا بالقصص ، والمشركون انكروا { الرحمن } وقالوا لا رحمن الا رحمان اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب عليه لعائن الله ، وقوله تعالى : { قل إنما أمرت ان أعبد الله ولا أشرك به } أي امرني ربي أن اعبد ولا اشرك به ، اليه تعالى ادعو الناس اي الى الايمان به والى توحيده وطاعته ، { وإليه مآب } اي رجوعي وإيابي وفي هذا تقرير للتوحيد ، وقوله تعالى : { وكذلك أنزلناه حكماً عربياً } أي وكهذا الانزال للقرآن أنزلناه بلسان العرب لتحكم بينهم به ، وفي هذا تقرير للوحي الالهي والنبوة المحمدية ، وقوله : { ولئن اتبعت اهواءهم بعد ما جاءك من العلم } بان وافقتهم على مللهم وباطلهم في اعتقادهم ، وحاشا رسول الله ( ص ) ان يفعل وإنما الخطاب من باب . . . إياك اعني واسمعي يا جارة . . . { ما لك من الله من ولي ولا واق } اي ليس لك من دون الله من ولي يتولى امر نصرك وحفظك ، ولا واق يقيك عذاب الله اذا اراده بك لأتباعك اهل الباطل وتركك الحق واهله ، وقوله تعالى : { ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم ازواجاً وذرية } فلا معنى لما يقوله المبطلون : لم يتخذ محمد أزواجاً ولم تكون له ذرية ؟ وهو يقول انه نبي الله ورسوله ، فان الرسل قبلك من نوح وإبراهيم الى موسى وداوود وسليمان الكل كان لهم ازواج وذربة ، ولما قالوا { لولا أنزل عليه آية } رد الله تعالى عليهم بقوله : { وما كان لرسول ان يأتي بآية الا باذن الله } فالرسل كلهم مربوبون لله مقهرون لا يملكون مع الله شيئاًَ فهو المالك المتصرف ان شاء اعطاهم وان شاء منعهم ، وقوله : { لكل أجل كتاب } اي لكل وقت محدد يعطي الله تعالى فيه او يمنع كتاب كتب فيه ذلك الأجل وعين فلا فوضى ولا انف ، وقوله : { يمحمو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } رد على قولهم لم يثبت الشيء ثم يبطله كاستقبال بيت المقدس ثم الكعبة وكالعدة من الحول الى اربعة أشهر وعشرة فاعلهم ان الله تعالى يمحو ما يشاء من الشرائع والاحكام بحسب حاجة عباده ويثبت كذلك ما هو صالح لهم نافع ، { وعنده أم الكتاب } اي الذي حوى كل المقادير فلا يدخله تبديل ولا تغيير كالموت والحياة والسعادة والشقاء ، وفي الحديث :
« رفعت الأقلام وجفت الصحف » رواه مسلم .
{ هداية الآيات }
{ من هداية الآيات } :
1- تقرير عقيدة الوحي والنبوة .
2- تقرير عقيدة التوحيد .
3- تقرير ان القضاء والحكم في الاسلام مصدره الأول القرآن الكريم ثم السنة لبيانها للقرآن ، ثم القياس المأذون فيه بإجماع الامة لاستحالة اجتماعها على غير ما يحب الله تعالى ويرضى به .
4- التحذير من اتباع أصحاب البدع والأهواء والملل والنحل الباطلة .
5- تقرير عقيدة القضاء والقدر .
6- بيان النسخ في الاحكام بالكتاب والسنة .
أيسر التفاسير
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المسافر 09 مشاهدة المشاركة
ختام سورة الرعد
قال تعالى
((وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)

{ شرح الكلمات } :
{ نعدهم } : اي من العذاب .
{ أو نتوفينك } : اي قبل ذلك .
{ ننقصها من اطرافها } : أي بلداً بعد بلد بالفتح ودخول الإسلام فيها وانتهاء الشرك منها .
{ لا معقب لحكمه } : أي لا راد له بحيث لا يتعقب حكمه فيبطل .
{ ومن عنده علم الكتاب } : من مؤمني اليهود والنصارى .
{ معنى الآيات } :
قوله تعالى : { واما نرينك الذي نعدهم او نتوفينك } اي ان أريتك بعض الذي نعد قومك من العذاب فذاك ، وان نتوفينك قبل ذلك فليس عليك الا البلاغ فقد بلغت وعلينا الحساب فسوف نجزيهم بما كانوا يكسبون ، فلا تأس أيها الرسول ولا تضق ذرعاً بما يمكرون ، وقوله { أو لم يروا } اي المشركون الجاحدون الماكرون المطالبون بالآيات على صدق نبوة نبينا { أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } أي نفتحها للاسلام بلداً بعد بلد أليس ذلك آية دالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحة دعوته ، وقوله : { الله يحكم ولا معقب لحكمه } اي والله جل جلاله يحكم في خلقه بما يشاء فيعز ويذل ويعطي ويمنع وينصر ويهزم ، ولا معقب لحكمه اي ليس هناك من يعقب على حكمه فيبطله فإذا حكم بظهور الاسلام وإدبار الكفر فمن يرد ذلك على الله ، وقوله : { وهو سريع الحساب } اذا حاسب على كسب فحسابه سريع يجزي الكاسب بما يستحق دون بطء ولا تراخ وقوله تعالى : { وقد مكر الذين من قبلهم } أي وقد مكرت اقوام قبل قريش وكفار مكة فكيف كان عاقبة مكرهم ؟ وقوله : { فلله المكر جميعاً } اي اذا فلا عبرة بمكرهم ولا قيمة له فلا يرهب ولا يلتفت اليه وقوله : { يعلم ما تكسب كل نفس } من خير وشر فأين مكر من لا يعلم من مكر كل شيء فسوف يصل بالممكور به الى حافة الهلاك وهو لا يشعر ، أفلا يعني هذا كفار قريش فيكفوا عن مكرهم برسول الله ودعوته ، وقوله تعالى : { وسيعلم الكفار لمن عقيى الدار } أي سيعلم المشركون خصوم الوحيد يوم القيامة لمن عقبى الدار اي العاقبة الحميدة لمن دخل الجنة وهو محمد صلى الله عليه وسلم واتباعه او لمن دخل النار وهم دعاة الشرك والكفر واتباعهم ، وقوله تعالى : { ويقول الذين كفروا لست مرسلاً } أي يواجهونك بالانكار عليك والجحود لنبوتك ورسالتك قل لهم يا رسولنا الله شهيد بيني وبينكم وقد شهد لي بالرسالة وأقسم لي عليها مرات في كلامه مثل { يسَ والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين } وكفى بشهادة الله شهادة ، { ومن عنده علم الكتاب } الأول التوارة والانجيل وهم مؤمنوا اهل الكتاب من اليهود والنصارى كعبدالله بن سلام وسلمان الفارسي والنجاشي وتميم الداري وغيرهم .
{ هداية الآيات }
{ من هداية الآيات } :
1- انتصار الإسلام وانتشاره في ظرف ربع قرن أكبر دليل على أنه حق .
2- احكام الله تعالى لا ترد ، ولا يجوز طلب الاستئناف على حكم من احكام الله تعالى في كتابه او سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
3- شهادة الله أعظم شهادة ، فلا تطلب بعدها شهادة اذا كان الخصام بين مؤمنين .
4- فضل العالم على الجاهل ، اذ شهادة مؤمني أهل الكتاب تقوم بها الحجة على من لا علم لهم من المشركين .
ايسر التفاسير









رد مع اقتباس
قديم 2014-05-10, 00:00   رقم المشاركة : 4047
معلومات العضو
أيمن عبد الله
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية أيمن عبد الله
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة يوسف عليه السّلام
مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية.
تسميتها وسبب نزولها:
سميت سورة يوسف، لإيراد قصة النبي يوسف عليه السّلام فيها،
روي أن اليهود سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم عن قصة يوسف فنزلت السورة.
وقال سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه- فيما رواه عنه الحاكم وغيره-: أنزل القرآن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، فتلاه عليهم زمانا، فقالوا: لو قصصت علينا فنزل: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ [يوسف 12/ 3] و[الكهف 18/ 13] فتلاه عليهم زمانا، فقالوا: لو حدثتنا فنزل: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ [الزمر 39/ 23].
وقد نزلت بعد اشتداد الأزمة على النبي صلى اللّه عليه وسلّم في مكة مع قريش، وبعد عام الحزن الذي فقد فيه النبي زوجته الطاهرة خديجة، وعمه أبا طالب الذي كان نصيرا له.
روي في سبب نزولها أن كفار مكة لقي بعضهم اليهود وتباحثوا في شأن محمد صلى اللّه عليه وسلّم، فقال لهم اليهود: سلوه، لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر، وعن قصة يوسف، فنزلت.
وبالرغم من أنها سورة مكية، فأسلوبها هادئ ممتع، مصطبغ بالأنس والرحمة، واللطف والسلاسة، لا يحمل طابع الإنذار والتهديد كما هو الشأن
الغالب في السور المكية. قال عطاء: لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليها. وروى البيهقي في الدلائل عن ابن عباس أن طائفة من اليهود حين سمعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم يتلو هذه السورة، أسلموا لموافقتها ما عندهم.
مناسبتها لما قبلها:
نزلت هذه السورة بعد سورة هود، وهي مناسبة لها، لما في كلّ من قصص الأنبياء، وإثبات الوحي على النبي صلى اللّه عليه وسلّم. وقد تكررت قصة كل نبي في أكثر من سورة في القرآن، بأسلوب مختلف، ولمقاصد وأهداف متنوعة، بقصد العظة والاعتبار، إلا قصة يوسف عليه السّلام، فلم تذكر في غير هذه السورة، وإنما ذكرت جميع فصولها بنحو متتابع شامل، للإشارة إلى ما في القرآن من إعجاز، سواء في القصة الكاملة أو في فصل منها، وسواء في حالة الإجمال أو حالة التفصيل والبيان. قال العلماء: ذكر اللّه أقاصيص الأنبياء في القرآن، وكرّرها بمعنى واحد في وجوه مختلفة، بألفاظ متباينة على درجات البلاغة، وذكر قصة يوسف ولم يكررها، فلم يقدر مخالف على معارضة ما تكرّر، ولا على معارضة غير المتكرر، والإعجاز لمن تأمل «1».
ما اشتملت عليه السورة:
تضمنت هذه السورة قصة يوسف عليه السّلام، بجميع فصولها المثيرة، المفرحة حينا والمحزنة حينا آخر، فبدأت ببيان منزلته عند أبيه يعقوب وصلته به، ثم علاقته بإخوته (مؤامرتهم عليه، وإلقاؤه في البئر، وبيعه لرئيس شرطة مصر، وشراؤهم الطعام منه في المرة الأولى ومنحهم إياه دون مقابل، ومنعهم شراء الطعام في المرة الثانية إن لم يأتوه بأخيهم (بنيامين) وإبقاء أخيه بنيامين لديه في حيلة مدروسة وسرقة مزعومة، حتى يأتوه بأخيهم لأبيهم، ثم تعريفه نفسه لإخوته)، ومحنة يوسف وجماله الرائع، وقصة يوسف مع امرأة العزيز، وبراءته المطلقة، يوسف في غياهب السجون يدعو لدينه، بوادر الفرج وتعبير رؤيا الملك، توليته وزيرا للمالية والتجارة ورئاسة الحكم، إبصار يعقوب حين جاء البشير بقميص يوسف، لقاء يوسف في مصر مع أبويه وجميع أسرته.
ثم إيراد العبرة من هذه القصة، وإثبات نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلّم، وتسليته، وبشائر الفرج بعد الضيق، والأنس بعد الوحشة، فإن يوسف عليه السّلام انتقل من السجن إلى القصر، وجعل عزيزا في أرض مصر، وكل من صبر على البلاء فلا بد من أن يأتيه الفرج والنصر، وتحذير المشركين من نزول العذاب بهم كما حدث لمن قبلهم، والدروس والأخلاق المستفادة من قصة يوسف عليه السّلام، وأهمها نصر الرسل بعد الاستيئاس.
العبر والعظات المستفادة من قصة يوسف:
يمكن استخلاص عبر كثيرة وعظات عديدة، وأخلاق وفضائل سامية من قصة يوسف عليه السّلام، منها:
د تؤدي النقمة إلى النعمة، فقد بدأت قصة يوسف بالأحزان والمفاجآت المدهشة، من الإلقاء به في البئر، ثم بيعه عبدا لرئيس شرطة مصر، ثم كانت محنته الشديدة مع النساء، فزجّ به في غياهب السجون، ثم آل الأمر به إلى أن يصبح حاكم مصر الفعلي.
2- قد توجد ضغائن وأحقاد بين الإخوة ربما تدفع إلى الموت أو الهلاك.
3- كانت نشأة يوسف في بيت النبوة نشأة صالحة، تربى فيها على الأخلاق الكريمة، والخصال الرفيعة، فشب على تلك الأوصاف الكاملة التي ورثها من آبائه وأجداده الأنبياء، وقد أفاده ذلك في مختلف الأحداث الكبرى التي مرا، وانتصر بها على المحن، وجاءه الفرج بعد الشدة، والعز والنصر بعد الذل والانكسار.
4- إن العفة والأمانة والاستقامة مصدر الخير كله، للرجال والنساء، على حدّ سواء، وإن الاستمساك بالدين والفضيلة مصدر الاحترام وحسن السمعة، وإن الحق وإن استتر زمنا لا بدّ من أن يظهر ولو بعد حين.
5- إن مثار الفتنة هو خلوة الرجل بالمرأة، لذا حرمها الإسلام، وحرم سفر المرأة لمسافة قصيرة بغير محرم، ولو بوسائط النقل السريعة الحديثة، لما يطرأ لها من عثرات ومضايقات ملحوظة ومشكلات تصاحب الأسفار، ثبت في الحديث الذي أخرجه الترمذي والنسائي: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان».
6- الإيمان بالمبدأ، وصلابة الاعتقاد سبيل لتخطي الصعاب، والترفع عن الدنايا، وذلك هو الذي جعل ليوسف نفسا كريمة، وروحا طاهرة، وعزيمة صماء لا تلين أمام الشهوات والمغريات.
7- الاعتصام باللّه عند الشدة، واللجوء إليه عند الضيق، فلم يأبه يوسف عليه السّلام بتوعد امرأة العزيز له بالسجن، وإنما لجأ إلى اللّه قائلا: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ.
8- المحنة لا تثني المؤمن عن واجبه في الدعوة إلى اللّه تعالى، فإن يوسف عليه السّلام بالرغم من كونه في السجن، انتهز فرصة تأويل رؤيا سجينين معه، فبادر إلى الدعوة إلى التوحيد ودين اللّه، لعل الموجودين معه يؤمنون بدعوته، وقد أسلم فعلا الملك، ومستعبر الرؤيا الساقي، والشاهد فيما يقال.
9- الفطنة لاستغلال الأحداث والاتصاف بالإباء والشمم، فلم يبادر يوسف عليه السّلام إلى الخروج من السجن، حتى تعلن براءته، وتظهر طهارته، وشرف نفسه، حتى لا يوصف بأنه مجرم، أودع السجون بجرمه.
10- إظهار فضيلة الصبر، فقد كان يوسف متدرعا بدرع الصبر على الأذى، لاجتياز العقبات والصعاب والمصائب التي تعرّض لها وهي ما ذكر، والصبر مفتاح الفرج، ونصف الإيمان، وطريق تحقيق النصر، وقد نصره اللّه كما نصر باقي الرسل بعد الاستيئاس. وتوّج نصره بالعفو عن إخوته وكرمه في العفو الذي أصبح مضرب الأمثال، حتى قال: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ....
11- أسفرت قصة يوسف عن براءته المطلقة، كبراءة الذئب من دمه، فقد تضافرت شهادات عديدة على براءته، كما ذكر الرازي «1»:
أولها- شهادة رب العالمين: فقد شهد اللّه تعالى ببراءته عن الذنب بقوله:
كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ شهد تعالى في هذه الآية على طهارته أربع مرات، بقوله: لِنَصْرِفَ .. واللام للتأكيد والمبالغة، وقوله: وَالْفَحْشاءَ وقوله: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا وقوله:
الْمُخْلَصِينَ.
وثانيها- شهادة الشيطان ببراءته بقوله: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص 38/ 82] فأقر بأنه لا يمكنه إغواء المخلصين، ويوسف من المخلصين، للآية السابقة.
وثالثها- شهادة يوسف عليه السّلام بقوله: هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وقوله: رَبِّ، السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ.
ورابعها- شهادة امرأة العزيز: فإنها اعترفت ببراءته وطهارته، فقالت للنسوة: وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَاسْتَعْصَمَ وقالت: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ، أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ.
وخامسها- الشهود من أهل العزيز: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها، إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ. وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ، فَكَذَبَتْ، وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ .. الآية.
وسادسها- شهادة النسوة اللائي قطّعن أيديهن بقولهن: ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ.
كل تلك الشهادات قاطعة ببراءة يوسف عليه السّلام، فمن أراد أن يتهمه بالهمّ على السوء- علما بأن الهمّ أمر نفسي لا عقاب عليه- فهو من دعاة السوء، وأهل الجهالة والغباوة، وأدنى من الشيطان الذي شهد كما أوضحنا بطهارة يوسف.
12- أرشدت قصة يوسف إلى أنه لا دافع لقضاء اللّه تعالى، ولا مانع من قدر اللّه تعالى، وأنه تعالى إذا قضى للإنسان بخير ومكرمة، لم يمنعه عنه أحد ولو اجتمع العالم عليه.
13- دلت القصة على أن الحسد سبب للخذلان والخسران.
14- الصبر مفتاح الفرج، فإن يعقوب عليه السّلام لما صبر فاز بمقصوده، وكذلك يوسف عليه السّلام لما صبر فاز كما تقدم بيانه.
__________
(1) تفسير الرازي: 18/ 116 وما بعدها.










رد مع اقتباس
قديم 2014-05-10, 00:04   رقم المشاركة : 4048
معلومات العضو
أيمن عبد الله
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية أيمن عبد الله
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم
نبدأ على بركة الله مع سورة يوسف عليه السلام
ما معنى قوله تعالى
((الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) )) سورة يوسف










رد مع اقتباس
قديم 2014-05-10, 00:07   رقم المشاركة : 4049
معلومات العضو
أيمن عبد الله
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية أيمن عبد الله
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم
ما معنى قوله تعالى
((إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) )) سورة يوسف










رد مع اقتباس
قديم 2014-05-10, 00:09   رقم المشاركة : 4050
معلومات العضو
أيمن عبد الله
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية أيمن عبد الله
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم
ما معنى قوله تعالى
((لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10) )) سورة يوسف










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مُفرَدَاتٌ, قُرءانيّةٌ


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 15:05

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc