أحاديث مكذوبة في فضائل المعلم
السؤال
هل هذا الحديث الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو : (خير الناس ، وخير من يمشي على وجه الأرض ، المعلمون لكتاب الله ، فإنهم كلما خلق الدين جددوه
أعطوهم ولا تشاحوهم ، فإن المعلم إذا قال للصبي قل : " بسم الله الرحمن الرحيم " فقالها كتب الله براءة للصبي ، وبراءة للمعلم ، وبراءة لأبويه من النار) ومنه : (ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر
ولا ينالهم الحساب ، وهم على كثيب من مسك حتى يفرغ من حساب الخلائق : رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله وأم به قوما هم به راضون ، وداع يدعو إلى الصلاة ابتغاء وجه الله
وعبد أحسن فيما بينه وبين ربه وفيما بينه وبين مواليه) وكذلك عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع : (اللهم اغفر للمعلمين ، وأطل أعمارهم ، وبارك لهم في كسبهم ومعاشهم) وقال : (اللهم اغفر للمعلمين
وأطل أعمارهم ، وأظلهم تحت ظلك ، فإنهم يعلمون كتابك)
الجواب
الحمد لله
لمعلم الخير والقرآن في ديننا مكانة عظيمة ، ومنزلة عالية لا تكاد تعدلها منزلة أخرى ، إذ التعليم وظيفة الأنبياء وعمل الرسل الكرام ، وأي فضيلة أعظم من حمل ميراث الأنبياء وتقسيمه بين الناس .
ويكفي لبيان فضله قول النبي صلى الله عليه وسلم : (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) رواه البخاري (5027) .
وأما الأحاديث الواردة في السؤال : فهي غير صحيحة ، ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
أما الحديث الأول فيروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المعلمون خير الناس ، كلما خلق الذكر جدوده
عظموهم ، ولا تستأجروهم فتحرجوهم ، فإن المعلم إذا قال للصبي قل : (بسم الله الرحمن الرحيم) ، وقال الصبي : (بسم الله الرحمن الرحيم) كتب الله براءة للصبي ، وبراءة لوالديه ، وبراءة للمعلم من النار)
رواه ابن مردويه – كما عزاه إليه غير واحد - ، ومن طريقه ابن الجوزي في " التحقيق في أحاديث الخلاف " (2/219) ثم قال :
"هذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به لأنه من عمل أحمد بن عبد الله الهروي ، وهو الجويباري ، وكان كذابا يضع الحديث" انتهى .
وكذا حكم عليه بالوضع كل من المزي ، وابن عبد الهادي ، والذهبي كما في "تنقيح تحقيق التعليق" (3/67) ، والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (276) .
وأما حديث : (ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر ....إلخ) فقد رواه الطبراني وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (2578) . وظاهرٌ أن الحديث ليس في فضل معلم القرآن .
وأما حديث : (اللهم اغفر للمعلمين - ثلاثا - ، وأطل أعمارهم ، وبارك لهم في كسبهم)
فرواه الديلمي في "مسند الفردوس" (1/500) ، ورواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (3/63)
ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/221)
في "باب ثواب المعلمين" عن ابن عباس رضي الله عنهما ، من طريق أصرم بن حوشب عن نهشل بن سعيد ، وكلاهما كذاب أو متهم بالكذب
انظر "تهذيب التهذيب" (10/479)
"ميزان الاعتدال" (1/272) .
ولذلك تواردت كتب الموضوعات على ذكر هذا الحديث والحكم عليه بالوضع ، منهم الخطيب البغدادي ، وابن الجوزي ، والسيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (1/253)
وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (287) ، والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (276) ، وملا علي القاري في "الأسرار المرفوعة" (107) ، وغيرهم .
وأما حديث : (اللهم اغفر للمعلمين ، وأطل أعمارهم ، وأظلهم تحت ظلك ، فإنهم يعلمون كتابك) .
فهذا يرويه الخطيب البغدادي أيضا في "تاريخ بغداد" (12/399) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/221) من طريق محمد بن الفرخان : قال الخطيب البغدادي : غير ثقة
. وقال الذهبي رحمه الله :
"ومحمد بن الفرخان افتراه ، وألصقه بابن عرفة بسند الصحيحين ، وزاد فيه : (وأظلهم تحت عرشك)"
انتهى . "تلخيص الموضوعات" (ص/57) .
وإتماما للفائدة فقد ذكر الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله مجموعة من الأحاديث الموضوعة في فضل المعلم ، فقال :
"ومنها حديث : ( اللهم اغفر للمعلمين لا يذهب القرآن وأعز العلماء لا يذهب الدين ) وهو موضوع
ومنها حديث : ( من علم عبدًا آية من الكتاب فهو له عبد ) قال الحافظ ابن تيمية : هو موضوع , وقد رواه الطبراني .
ومنها حديث : ( الأنبياء قادة , والفقهاء سادة , ومجالستهم زيادة ) قال الصغاني : موضوع , ونقول : إنه زاد في مدح الفقهاء على مدح الأنبياء
, وظاهره أن الواضع يريد المشتغلين بعلم الأحكام الظاهرة , ولم يكن يسمى هذا فقهًا في العصر الأول كما أنه لم يكن يومئذ في المسلمين صنف يلقبون بالفقهاء .
ومنها حديث : ( سأل النبي صلى الله عليه وسلم سائل عن علم الباطن : ما هو؟
فقال : سألت جبريل عنه , فقال : يقول الله : هو بيني وبين أحبائي وأوليائي وأصفيائي أودعه في قلوبهم , لا يطلع عليه أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ) . ذكره في الذيل عن حذيفة مرفوعا .
قال الحافظ ابن حجر : هو موضوع .
ونقول : إن فيه من الضلالة أن الله يهب لهؤلاء الأولياء المعارف التي لا يهبها للأنبياء والملائكة على الإطلاق , والظاهر أن واضعه من مشايخ الطريق الدجالين .
ومنها حديث : ( من خرج في طلب العلم ؛ حفته الملائكة بأجنحتها، وصلت عليه الطير في السماء والحيتان في البحار , ونزل في السماء منازل سبعين من الشهداء ) . قالوا : في إسناده كذاب .
ومنها حديث : ( من تعلم بابًا من العلم ليعلمه الناس ابتغاء وجه الله ؛ أعطاه الله أجر سبعين نبيًّا ) . قالوا : في إسناده متروك . ونقول : قاتل الله أمثال هذا الواضع، فإنهم لم يزاحموا إلا الأنبياء عليهم السلام .
ومنها حديث : ( إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء ) إلخ ما هو مذكور في الإحياء وغيره , قال الحافظ الذهبي في الميزان : إنه موضوع .
ومنها حديث : ( طلب العلم ساعة خير من قيام ليلة , وطلب العلم يومًا خير من عبادة ثلاثة أشهر ) . في إسناده كذاب , وكأنه أراد أن يعتذر عن عدم عبادته .
ومنها حديث : ( إذا جلس المتعلم بين يدي المعلم ؛ فتح الله عليه سبعين بابًا من الرحمة ) إلخ , وهو موضوع .
ومنها حديث : ( من زار العلماء فقد زارني ، ومن صافح العلماء فقد صافحني ، ومن جالس العلماء فكأنما جالسني ، ومن جالسني في الدنيا أجلس إليّ يوم القيامة ) في إسناده كذاب .
ومنها حديث : ( الشيخ في قومه كالنبي في أمته ) . جزم ابن حجر وغيره بأنه موضوع
. ومنها الحديث المشهور الذي يعلقه كثير من العلماء فوق رؤوسهم بالخط العريض تنبيهًا للناس على علو مقامهم وهو : ( علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل ) . قال ابن بحر الزركشي : لا أصل له " انتهى.
" مجلة المنار " (3/657).
والله أعلم .