الذي يرمي حموله على الله ليس بالزوالي او المسكين
وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماوات الارض انه لحق مثل ما انكم تنطقون
ذكر الإمام القرطبي في تفسيره (17/42) عند تفسير قوله تعالى{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}( الذاريات الآية (22) ). ما نصه:
[ قال الأصمعي: " أقبلت ذات مرة من مسجد البصرة إذ طلع أعرابي جلف جاف على قعود له متقلداً سيفه وبيده قوسه, فدنا وسلم وقال: ممن الرجل؟ قلت من بني أصمع, قال: أنت الأصمعي؟ قلت: نعم.
قال ومن أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن, قال: وللرحمن كلام يتلوه الآدميون؟ قلت: نعم, قال: فآتل علي منه شيئاً, فقرأت { وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} إلى قوله:{ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ...}فقال: يا أصمعي حسبك !! ثم قام إلى ناقته فنحرها وقطعها بجلدها, وقال: أعني على توزيعها, ففرقناها على من أقبل وأدبر, ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما ووضعهما تحت الرحل وولى نحو البادية وهو يقول:{ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} فمقت نفسي ولمتها, ثم حججت مع الرشيد, فبينما أنا أطوف إذا أنا بصوت رقيق, فالتفت فإذا أنا بالأعرابي وهو ناحل مصفر, فسلم علي وأخذ بيدي وقال: أتل علي كلام الرحمن, وأجلسني من وراء المقام فقرأت{وَالذَّارِيَاتِ}
حتى وصلت على قوله تعالى{ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ }فقال الأعرابي : لقد وجدنا ما وعدنا الرحمن حقاً, وقال: وهل غير هذا؟ قلت: نعم, يقول الله تبارك وتعالى: { فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ }قال فصاح الأعرابي وقال: يا سبحان الله! من الذي أغضب الجليل حتى حلف! ألم يصدقوه في قوله حتى ألجئوه إلى اليمين؟ فقالها ثلاثاً وخرجت بها نفسه"] أ. هـ.
· اتقوا الله وأجملوا في الطلب:
إذا تقرر أن الرزق بيد الله جل وعلا, وأنه سبحانه عنده خزائن السموات والأرض وأنه هو الرزاق ذو القوة المتين, فلا داعي إذاً للقلق والاضطراب والاستعجال في طلب الرزق من طرقه الشرعية, فالمولى قد تكفل سبحانه برزق كل مخلوق على وجه البسيطة, فلن يخرج أحد من هذه الحياة إلا بعد حصوله على الرزق الذي قسمه الله له وهو في بطن أمه ويقرر لنا النبي صلى الله عليه وسلم لنا هذه الحقيقة فأقرأ معي هذا الحديث الشريف:
عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أيها الناس إنه ليس من شيء يقربكم من الجنة ويبعدكم من النار إلا قد أمرتكم به, وليس شيء يقربكم من النار ويبعدكم من الجنة إلا قد نهيتكم عنه, وإن الروح الأمين نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها, فاتقوا الله وأجملوا في الطلب, ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعاصي الله فإنه لا ينال ما عنده إلا بطاعته". ([2])
وعند البيهقي في شعب الإيمان (1142) رواية أوضح من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما- قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن عبد يموت حتى يبلغه رزق هو له, فاتقوا الله وأجملوا في الطلب من الحلال وترك الحرام" ([3])