عام من الحزم.. عام الدروس والعِبَر
الآن.. وبعد مرور عام على انطلاقة عاصفة الحزم نرى، ولله الحمد، بين أيدينا مكاسب عديدة منها السياسية والمعنوية والعسكرية، فخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يحفظه الله، اتخذ قرارًا تاريخيًّا للدفاع عن أمن شعوب المنطقة بعد امتداد مشروع تصدير ثورة الشر الخمينية الذي سعى لنشر الخراب والدمار في المنطقة، عبر بعث الحروب الطائفية التي لم نكن نعرفها قبل ثورة ولاية الفقيه.
لقد أحيا قرار الملك سلمان روح العزة والكرامة في المنطقة، وبالذات في العراق، حيث صادر الاحتلال الإيراني البغيض من العراقيين كرامتهم وعزتهم العربية، والآن نرى الشيعة والسُّنة يقفون سويًّا لاستعادة كرامتهم وبلادهم من الاحتلال الفارسي.
طبعًا كل حرب تدخلها دولة للدفاع عن وجودها وكرامتها، أو للدفاع عن الحق والعدل وحماية السلام والأمن لجيرانها أو أصدقائها وحلفائها، لا مفر من الخسائر، (وَمَا الحَرْبُ إِلَّا مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُـمُ)، وأعظم خسائرنا الإنسانية في عاصفة الحزم هي في أرواح الأبطال من جنود قواتنا المسلحة الذين نحسبهم عند الله من الشهداء الذين هم عند ربهم أحياء يُرزقون، وهذه من المكاسب التي تغذي روح البطولة والشرف في نفوسنا.
قناعة الدول العربية والإسلامية وإدراكها أن أمن المنطقة وسلامة ومصلحة شعوبها هو أمر تقرِّره الشعوب وقيادتها، ولادة هذه القناعة تُعدُّ المكسب السياسي والمعنوي الأبرز لعاصفة الحزم.
لقد ترتب على هذه الواقعية السياسية الجديدة مشاريع تعاون سياسي وعسكري في مقدِّمتها عاصفة الحزم، وما تبعها من إنشاء للتحالف العسكري الإسلامي، وإتمام مناورات رعد الشمال.
يُضاف إلى ذلك اتخاذ إجراءات عملية سياسية خليجية وعربية وإسلامية لمحاصرة إيران وجماعاتها وأحزابها السياسية الإرهابية، وكل هذه الخطوات الحاسمة وجدت الدعم والتفهم العالمي؛ لأنها تمت في إطار القانون الدولي، وهدفها واضح، وهو خدمة الأمن والسلام العالميين.
ولا ننسى أمرًا مهمًا وهو معرفة حقيقة مواقف الحلفاء والأصدقاء، فقد كشفت عاصفة الحزم عن معدن الزعماء والشعوب، فهناك مَن وقف إلى جانب الحق والعدل، وقدَّم الشهداء والأموال والدعم السياسي والمعنوي بدون طلب، بل بمبادرة وقناعة وإصرار على الوقوف مع الحق، وكما يقال:
جزى الله الشدائد كل خير
عرفت بها عدوي من صديقي
أيضًا على الجبهة الداخلية لبلادنا، عززت عاصفة الحزم لدينا جميعًا أهمية تكريس الوحدة الوطنية، وبناء وتعزيز الجبهة الداخلية، فالفترة الماضية كانت اختبارًا وتحديًا حقيقيًّا لنا جميعًا، وبكل اقتدار تجاوزنا هذا التحدي الوطني، بل شهدنا ولادة العديد من الفرص الإيجابية لمستقبلنا ووحدتنا.
لقد شهدنا كيف استطاعت قواتنا المسلحة العمل بكفاءة واقتدار، فقد انطلقت عاصفة الحزم لتحقق من الساعات الأولى هدفها الأبرز، وهو تدمير الدفاعات الجوية التي كانت بيد عصابة الحوثيين والخائن علي عبدالله صالح، وهذه كشفت عن القدرات القتالية العالية لقواتنا الجوية، وقوة حلفائنا، فعنصر المباغتة والقدرة على التنسيق والتمويه يأتي في مقدِّمة الدروس المستفادة من عاصفة الحزم.
من المكاسب أيضًا ارتفاع كفاءة التنسيق والتعاون بين قواتنا المسلحة وقطاعاتنا الأمنية، فالدخول في حرب حقيقية دفع بهذه الروح الوطنية إلى آفاق جديدة للتعاون في التصنيع العسكري، وفي إدارة المخزون والإمداد وتوحيد المشتريات، وفي إدارة الموارد البشرية، وكل القيادات في المؤسسات العسكرية والأمنية يتحدثون بإعجاب وثناء على الروح الوطنية العالية للتعاون والتضحية التي أطلقتها عاصفة الحزم داخل منظومة الأمن والدفاع، وهذا كان مطمئنًا لمن كان متشككًا أو متخوِّفًا من عدم جاهزية قواتنا المسلحة.
إننا لا نتحدث هنا استعجالًا للنتائج، وما يهمنا هو استخلاص واستثمار النتائج الإيجابية، وربما مبكرًا الحديث عن مجمل مخرجات الصراع، ونحن على يقين بأننا سوف نربح، بحول الله، الحرب الصغرى وهي استعادة الشعب اليمني بلاده من عصابات الإرهاب والإجرام الحوثية وحليفي الرئيس الخائن لبلاده.
على جبهة أخرى، ما يهمُّنا ويهمُّ الشعب اليمني هو أن نستعد لنكسب الحرب الكبرى، وهي حرب إعادة إعمار اليمن، حرب البناء والتعمير. هذا هو الهدف الأسمى لعاصفة الحزم، إعادة اليمن إلى أهله، وطرد المحتل الإيراني الذي كاد يحتفل باحتلال العاصمة العربية الرابعة، إنها صنعاء، أحد رموز العروبة الهامة على مرِّ التاريخ.
•••
مما نُقِل عن الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قوله: (ليت بيننا وبين فارس جبلًا من نار لا ينفذون إلينا ولا ننفذ إليهم).
* نقلا عن "اليوم"