قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: " إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب " .
رواه الإمام أحمد والتّرمذي وحسّنه الشيخ مقبل الوادعي.
قال الإمام البغوي – رحمه الله – في " شرح السنة " : قيل : معناه أنها تتواضع لطالب العلم توقيراً لعلمه ، كقوله سبحانه وتعالى { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } وقال الله – عز وجل – { واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } أي : تواضع لهم .
وقيل : وضع الجناح : هو الكف عن الطيران والنزول للذكر كما ذكره في الحديث الأول : " إلا نزلت عليهم السكينة وحفتهم الملائكة " ، وكما روي عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون الذكر ، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا : هلموا إلى حاجتكم ، قال : فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا .
وقيل : معناه : بسط الجناح وفرشهما لطالب العلم لتحمله عليها فيبلغه حيث يقصده من البلاد في طلب العلم .
وقيل : معناه المعونة ، وتيسير السعي له في طلبه .
قال ابن القيم - رحمه الله – في " مفتاح دار السعادة " ( 1/255) : " ووضع الملائكة أجنحتها له تواضعا وتوقيرا وإكراما لما يحمله من ميراث النبوة ويطلبه وهو يدل على المحبة والتعظيم فمن محبة الملائكة له وتعظيمه تضع أجنحتها له لأنه طالب لما به حياة العالَم ونجاته ففيه شبه من الملائكة وبينه وبينهم تناسب فإن الملائكة أنصح خلق الله وأنفعهم لبني آدم وعلى أيديهم حصل لهم كل سعادة وعلم وهدى ومن نفعهم لبني آدم ونصحهم أنهم يستغفرون لمسيئهم ويثنون على مؤمنيهم ويعينونهم على أعدائهم من الشياطين ويحرصون على مصالح العبد أضعاف حرصه على مصلحة نفسه ، بل يريدون له من خير الدنيا والآخرة ما لا يريده العبد ولا يخطر له ببال ؛ كما قال بعض التابعين : وجدنا الملائكة أنصح خلق الله لعباده ووجدنا الشياطين أغش الخلق للعباد .
وقال تعالى {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم } ،فأي نصح للعباد مثل هذا إلا نصح الأنبياء فإذا طلب العبد العلم فقد سعى في أعظم ما ينصح به عباد الله فلذلك تحبه الملائكة وتعظمه حتى تضع أجنحتها له رضا ومحبة وتعظيما .
قلت-الشيخ علي الرملي- : والمراد بطالب العلم : طالب العلم الشرعي ؛ للعمل به وتعليمه من لا يعلمه لوجه الله تعالى .
-شرح الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين : كتاب العلم-