الأزهر الشريف : هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ... ؟ - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد > أرشيف قسم العقيدة و التوحيد

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الأزهر الشريف : هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ... ؟

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2008-12-19, 17:05   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
جويرية
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاكم الله خيرا مشرفنا الفاضل وجعلكم الله شوكة في حلق الحائدين عن درب التوحيد

ولا حرمكم ربي القبول والاخلاص









 


قديم 2008-12-19, 17:11   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

يسدل بعض من يرى جواز التوسل بالذوات بأثر الاستسقاء بدعاء العباس رضي الله عنه على جواز التوسل بالذوات وهذا نص الأثر :

عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال : (( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا )) قال فيسقون . رواه البخاري وغيره .

الرد على هذه الشبهة

من كتاب التوسل حقائق وشبهات تأليف أبي حميد عبد الله بن حميد الفلاسي


الشبهة الأولى: حديث استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما:

يحتجون على جواز التوسل بجاه الأشخاص وحرمتهم وحقهم بحديث انس : ( أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قَحَطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون).

فيفهمون من هذا الحديث أن توسل عمر رضي الله عنه إنما كان بجاه العباس رضي الله عنه ، ومكانته عند الله سبحانه، وأن توسله كان مجرد ذكر منه للعباس في دعائه، وطلب منه لله أن يسقيهم من أجله، وقد أقره الصحابة على ذلك، فأفاد بزعمهم ما يدعون.

وأما سبب عدول عمر رضي الله عنه عن التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم - بزعمهم – وتوسله بدلاً منه بالعباس رضي الله عنه ، فإنما كان لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل ليس غير.

وفهمهم هذا خاطىء، وتفسيرهم هذا مردود من وجوه كثيرة اهمها:

1 – إن القواعد المهمة في الشريعة الإسلامية أن النصوص الشرعية يفسر بعضها بعضاً، ولا يفهم شيء منها في موضوع ما بمعزل عن بقية النصوص الواردة فيه. وبناء على ذلك فحديث توسل عمر السابق إنما يفهم على ضوء ما ثبت من الروايات والأحاديث الواردة في التوسل بعد جمعها وتحقيقها، ونحن والمخالفون متفقون على أن في كلام عمر: (كنا نتوسل إليك بنبينا.. وإنا نتوسل إليك بعم نبينا) شيئاً محذوفاً، لا بد له من تقدير، وهذا التقدير إما أن يكون: (كنا نتوسل بــ (جاه) نبينا، وإنا نتوسل إليك بــ (جاه) عم نبينا) على رأيهم هم، أو يكون: (كنا نتوسل إليك بــ (دعاء) نبينا، وإنا نتوسل إليك بــ (دعاء) عم نبينا) على رأينا نحن.

ولا بد من الأخذ بواحد من هذين التقديرين ليفهم الكلام بوضوح وجلاء.

ولنعرف أي التقديرين صواب لا بد من اللجوء إلى السنة، لتبين لنا طريقة توسل الصحابة الكرام بالنبي صلى الله عليه وسلم .

ترى هل كانوا إذا أجدبوا وقحَطوا قبع كل منهم في دراه، أو مكان آخر، أو اجتمعوا دون أن يكون معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم دعوا ربهم قائلين: ( اللهم بنبيك محمد، وحرمته عندك، ومكانته لديك اسقنا الغيث ) . مثلاً أم كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم ذاته فعلاً، ويطلبون منه أن يدعو الله تعالى لهم، فيحقق صلى الله عليه وسلم طلْبتهم، ويدعو ربه سبحانه، ويتضرع إليه حتى يسقوا ؟

أما الأمر الأول فلا وجود له إطلاقاً في السنة النبوية الشريفة، وفي عمل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ولا يستطيع أحد من الخلفيين أو الطُّرُقيين أن يأتي بدليل يثبت أن طريقة توسلهم كانت بأن يذكروا في أدعيتهم اسم النبي صلى الله عليه وسلم ، ويطلبوا من الله بحقه وقدره عنده ما يريدون. بل الذي نجده بكثرة، وتطفح به كتب السنة هو الأمر الثاني، إذ تبين أن طريقة توسل الأصحاب الكرام بالنبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت إذا رغبوا في قضاء حاجة، أو كشف نازلة أن يذهبوا إليه صلى الله عليه وسلم ، ويطلبوا منه مباشرة أن يدعو لهم ربه، أي أنهم كانوا يتوسلون إلى الله تعالى بدعاء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليس غير.

ويرشد إلى ذلك قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ﴾ [ النساء:64] .

2 – وهذا الذي بيناه من معنى الوسيلة هو المعهود في حياة الناس واستعمالهم، فإنه إذا كانت لإنسان حاجة ما عند مدير أو رئيس , موظف مثلاً، فإنه يبحث عمن يعرفه ثم يذهب إليه ويكلمه، ويعرض له حاجته فيفعل، وينقل هذا الوسيط رغبته إلى الشخص المسؤول، فيقضيها له غالباً. فهذا هو التوسل المعروف عند العرب منذ القديم، وما يزال، فإذا قال أحدهم: إني توسلت إلى فلان، فإنما يعني أنه ذهب إلى الثاني وكلمه في حاجته، ليحدث بها الأول، ويطلب منه قضاءها، ولا يفهم أحد من ذلك أنه ذهب إلى الأول وقال له: بحق فلان (الوسيط) عندك، ومنزلته لديك اقض لي حاجتي.

وهكذا فالتوسل إلى الله عز وجل بالرجل الصالح ليس معناه التوسل بذاته وبجاهه وبحقه، بل هو التوسل بدعائه وتضرعه واستغاثته به سبحانه وتعالى، وهذا هو بالتالي معنى قول عمر رضي الله عنه : ( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا) أي: كنا إذ قل المطر مثلاً نذهب إلى صلى الله عليه وسلم ، ونطلب منه ان يدعو لنا الله جل شأنه.

3 – ويؤكد هذا ويوضحه تمام قول عمر رضي الله عنه : ( وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)، أي إننا بعد وفاة نبينا جئنا بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وطلبنا منه أن يدعو لنا ربنا سبحانه ليغيثنا.

تُرى لماذا عدل عمر رضي الله عنه عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بالعباس رضي الله عنه ، مع العلم ان العباس مهما كان شأنه ومقامه فإنه لا يذكر أمام شأن النبي صلى الله عليه وسلم ومقامه؟

أما الجواب فهو: لأن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم غير ممكن بعد وفاته، فأنى لهم أن يذهبوا إليه صلى الله عليه وسلم ويشرحوا له حالهم، ويطلبوا منه أن يدعو لهم، ويؤمنوا على دعائه، وهو قد انتقل إلى الرفيق الأعلى، وأضحى في حال يختلف عن حال الدنيا وظروفها مما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فأنى لهم أن يحظوا بدعائه صلى الله عليه وسلم وشفاعته فيهم، وبينهم وبينه كما قال الله عز شأنه: ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) [المؤمنون:100] .

ولذلك لجأ عمر رضي الله عنه ، وهو العربي الأصيل الذي صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولازمه في أكثر أحواله، وعرفه حق المعرفة، وفهم دينه حق الفهم، ووافقه القرآن في مواضع عدة، لجأ إلى توسل ممكن فاختار العباس رضي الله عنه ، لقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية، ولصلاحه ودينه وتقواه من ناحية آخرى، وطلب منه أن يدعو لهم بالغيث والسقيا. وما كان لعمر ولا لغير عمر أن يدع التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ويلجأ إلى التوسل بالعباس أو غيره لو كان التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ممكناً، وما كان من المعقول ان يقر الصحابة رضوان الله عليهم عمر على ذلك أبداً، لأن الانصراف عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بغيره ما هو إلا كالانصراف عن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة إلى الاقتداء بغيره، سواء بسواء، ذلك أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا يعرفون قدر نبيهم صلى الله عليه وسلم ومكانته وفضله معرفة لا يدانيهم فيها أحد.

فتعلم من هذا أن الإنسان بفطرته يستنجد بالقوة العظمى، والوسيلة الكبرى حين الشدائد والفواقر، وقد يلجأ إلى الوسائل الصغرى حين الأمن واليسر، وقد يخطر في باله حينذاك أن يبين ذلك الحكم الفقهي الذي افترضوه، وهو جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل. وأمر آخر نقوله جواباً على شبهة أولئك، وهو: هب أن عمر رضي الله عنه خطر في باله أن يبين ذلك الحكم الفقهي المزعوم، ترى فهل خطر ذلك في بال معاوية والضحاك بن قيس حين توسلا بالتابعي الجليل: يزيد بن الأسود الجُرَشي أيضاً؟ لا شك أن هذا ضرب من التمحل والتكلف لا يحسدون عليه.

4 – إننا نلاحظ في حديث استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما أمراً جديراً بالانتباه، وهو قوله: ( إن عمر بن الخطاب كان إذا قَحطوا، استسقى بالعباس بن عبدالمطلب)، ففي هذا إشارة إلى تكرار استسقاء عمر بدعاء العباس رضي الله عنهما، ففيه حجة بالغة على الذين يتأولون فعل عمر ذلك أنه إنما ترك التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بعمه رضي الله عنه ، لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل، فإننا نقول: لو كان الأمر كذلك لفعل عمر ذلك مرة واحدة، ولما استمر عليه كلما استسقى، وهذا بيّن لا يخفى إن شاء الله تعالى على أهل العلم والانصاف.

5 – لقد فسرت بعض روايات الحديث الصحيحة كلام عمر المذكور وقصده، إذ نقلت دعاء العباس رضي الله عنه استجابة لطلب عمر رضي الله عنه ، فمن ذلك ما نقله الحافظ العسقلاني رحمه الله في "الفتح" (3/150) حيث قال: ( قد بين الزبير بن بكار في "الأنساب" صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة، والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال: (اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجّه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث)، قال: فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس).

وفي هذا الحديث:
أولاً: التوسل بدعاء العباس رضي الله عنه لا بذاته كما بينه الزبير بن بكار وغيره، وفي هذا رد واضح على الذين يزعمون أن توسل عمر كان بذات العباس لا بدعائه، إذ لو كان الأمر كذلك لما كان ثمة حاجة ليقوم العباس، فيدعو بعد عمر دعاءً جديداً.

ثانياً: أن عمر صرح بأنهم كانوا يتوسلون بنبينا صلى الله عليه وسلم في حياته، وأنه في هذه الحادثة توسل بعمه العباس، ومما لا شك فيه أن التوسليْن من نوع واحد: توسلهم بالرسول رسول الله عليه وسلم وتوسلهم بالعباس، وإذ تبين للقارىء – مما يأتي – أن توسلهم به صلى الله عليه وسلم إنما كان توسلاً بدعائه صلى الله عليه وسلم فتكون النتيجة أن توسلهم بالعباس إنما هو توسل بدعائه أيضاً، بضرورة أن التوسليْن من نوع واحد.

أما أن توسلهم به صلى الله عليه وسلم إنما كان توسلاً بدعائه، فالدليل على ذلك صريح رواية الإسماعيلي في مستخرجه على الصحيح لهذا الحديث بلفظ: ( كانوا إذ قحطوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم استسقوا به، فيستسقي لهم، فيسقون، فلما كان في إمارة عمر...) فذكر الحديث، نقلته من "الفتح" (2/399)، فقوله: ( فيستسقي لهم) صريح في أنه صلى الله عليه وسلم كان يطلب لهم السقيا من الله تعالى، ففي "النهاية" لابن الأثير (2/381): ( الاستسقاء، استفعال من طلب السقيا أي إنزال الغيث على البلاد والعباد، يقال: سقى الله عباده الغيث وأسقاهم، والاسم السقيا بالضم، واستقيت فلاناً إذا طلبت منه أن يسقيك) .

إذا تبين هذا، فقوله في هذه الرواية (استسقوا به) أي بدعائه، وكذلك قوله في الرواية الأولى: ( كنا نتوسل إليك بنبينا)، أي بدعائه، لا يمكن أن يفهم من مجموع رواية الحديث إلا هذا. ويؤيده:

ثالثاً: لو كان توسل عمر إنما هو بذات العباس أو جاهه عند الله تعالى، لما ترك التوسل به صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى، لأن هذا ممكن لو كان مشروعاً، فعدول عمر عن هذه إلى التوسل بدعاء العباس رضي الله عنه أكبر دليل على أن عمر والصحابة الذين كانوا معه كانوا لا يرون التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا جرى عمل السلف من بعدهم، كما رأيت في توسل معاوية بن أبي سفيان والضحاك بن قيس بيزيد بن الأسود الجرشي، وفيهما بيان دعائه بصراحة وجلاء.

فهل يجوز أن يجمع هؤلاء كلهم على ترك التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم لو كان جائزاً، سيّما والمخالفون يزعمون أنه أفضل من التوسل بدعاء العباس وغيره؟! اللهم إن ذلك غير جائز ولا معقول، بل إن هذا الإجماع منهم من أكبر الأدلة على أن التوسل المذكور غير مشروع عندهم، فإنهم أسمى من أن يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير !

انتهى









قديم 2008-12-19, 17:14   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

<b>

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله ياسين مشاهدة المشاركة



هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء بعد انتقاله صلى الله عليه وسلم ؟



أولا : أدلة القرآن الكريم :
.



3- و قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } ،


.

</b>
كشف الشبهة

يستدل الصوفية بقوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } [النساء : 64] على جواز الاستغاثة بغير الله تعالى وهنا في نذكر رد العلماء المحدث محمد بشير السهسواني الهندي على هذه الاستدلال من كتابه صيانة الانسان عن وسوسة الشيخ دحلان [ ص 26 فما بعدها ] الذي يريد فيه على الشيخ أحمد زيني دحلان وهذا نص الرد :

وقوله: "أما الكتاب فقوله تعالى:  وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ . الخ.

أقول: في هذا الاستدلال فساد من وجوه:

(الأول) : إن قوله دلت الآية على حث الأمة على المجيء إليه صلى الله عليه وسلم، ماذا أراد به ؟ إن أراد حث جميع الأمة فغير مسلم، فإن الآية وردت في قوم معينين كما سيأتي، وليس هناك لفظ عام حتى يقال العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص المورد، بل الألفاظ الدالة على الأمة الواقعة في هذه الآية كلها ضمائر، وقد ثبت في مقره أن الضمائر لا عموم لها ، ولذا لم يتشبث أحد من المستدلين بهذه الآية على القربة من التقي السبكي والقسطلاني وابن حجر المكي بعموم اللفظ، حتى إن صاحب الرسالة( 12) أيضاً لم يذكره. وأما ما قال صاحب الرسالة تبعاً للتقي السبكي والقسطلاني وابن حجر المكي من أن الآية تعم بعموم العلة ففيه أنه على هذا التقدير لا يكون الدليل كتاب الله بل القياس، وقد فرض أن الدليل كتاب الله، على أن المعتبر عند من يقول بحجة القياس قياس المجتهد الذي سلم اجتهاده الجامع للشروط المعتبرة فيه المذكورة في علم الأصول، وتحقق كلا الأمرين فيما نحن فيه ممنوع، كيف وصاحب الرسالة من المقلدين، والمقلد لا يكون من أهل الاجتهاد، مع أن الاجتهاد عند المقلدين قد انقطع بعد الأئمة الأربعة، بل المقلد لا يصلح لأن يستدل بواحد من الأدلة الشرعية، وما له وللدليل ؟ فإن منصبه قبول قول الغير بلا دليل، فذكرُ صاحب الرسالة الأدلة الشرعية هناك خلاف منصبه، وإن أراد حث بعض الامة فلا يتم التقريب.

و(الثاني) : أن صاحب الرسالة جعل المجيء إليه صلى الله عليه وسلم الوارد في الآية عاماً شاملاً للمجيء إليه صلى الله عليه وسلم في حياته وللمجيء إلى قبره صلى الله عليه وسلم بعد مماته، ولم يدر أن اللفظ العام لا يتناول إلا ما كان من أفراده، والمجيء إلى قبر الرجل ليس من أفراد المجيء إلى عين الرجل، ولا يفهم منه أصلاً أمر زائد على هذا، فإن ادعى مدع فهم ذلك الأمر الزائد من هذا اللفظ فنقول له: هل يفهم منه كل أمر زائد، أو كل أمر زائد يصح إضافته إلى الرجل، أو الأمر الخاص أي القبر ؟

والشق الأول مما لا يقول به أحد من العقلاء.

فإن اختير الشق الثاني يقال: يلزم على قولك الفاسد أن يطلق المجيء إلى الرجل على المجيء إلى بيت الرجل وإلى أزواجه وإلى أولاده وإلى أصحابه وإلى عشيرته وإلى أقاربه وإلى قومه وإلى أتباعه وإلى أمته وإلى مولده وإلى مجالسه، وإلى آباره وإلى بساتينه، وإلى مسجده وإلى بلده وإلى سككه وإلى دياره، وإلى مهجره، وهذا لا يلتزمه إلا جاهل غبي، وإن التزمه أحد فيلزمه أن يلتزم أن الآية دالة على قربة المجيء إلى الأشياء المذكورة كلها، وهذا من أبطل الأباطيل.

وإن اختير الشق الثالث فيقال: ما الدليل على هذا الفهم ؟ ولن تجد عليه دليلاً من اللغة والعرف والشرع، أما ترى أن أحداً من الموافقين والمخالفين لا يقول في قبر غير قبر النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أحد أنه جاء ذلك الرجل، ولا يفهم أحد من العقلاء من هذا القول أنه جاء قبر ذلك الرجل.

فتحصل من هذا أن المجيء إلى الرجل أمر، والمجيء إلى قبر الرجل أمر آخر، كما أن المجيء إلى الرجل أمر، والمجيء إلى الأمور المذكورة أمور أخر، ليس أحدها فرداً للآخر.

إذا تقرر هذا فالقول بشمول المجيء إلى الرسول: المجيء إلى الرسول والمجيء إلى قبر الرسول، كالقول بشمول الإنسان الإنسان والفرس، وهذا هو تقسيم الشيء إلى نفسه وإلى غيره، وهو باطل بإجماع العقلاء، وهكذا جعل الاستغفار عنده عاماً شاملاً للاستغفار عند القبر بعد مماته، مع أن الاستغفار عند قبره ليس من أفراد الاستغفار عنده.

فإن قلت: لا نقول إن المجيء إليه صلى الله عليه وسلم شامل للمجيء إليه في حياته وللمجيء إلى قبره بعد مماته حتى يرد ما أوردتم، بل نقول إن المجيء إليه شامل للمجيء إليه في حياته الدنيوية المعهودة والمجيء إليه في حياته البرزخية، ولما كان المجيء إليه في حياته البرزخية مستلزماً للمجيء إلى قبره ثبت من الآية المجيء إلى قبره صلى الله عليه وسلم الذي هو المسمى بزيارة القبر.

قلنا: لا سبيل إلى إثبات الحياة البرزخية من لغة ولا عرف، فلا يفهم من هذا اللفظ – بحروف اللغة والعرف – إلا المجيء إليه في حياته الدنيوية المعهودة، فلا يكون المجيء إليه في حياته البرزخية فرداً للمجيء إليه بحسب اللغة والعرف، إنما تثبت الحياة البرزخية ببيان الشرع، لكن يبقى الكلام في أن كون المجيء إليه في حياته البرزخية فرداً من المجيء إليه هل يثبت من الشرع أم لا ؟ وعلى مدعي الثبوت البيان، وفي أن المجيء إلى قبره هو عين المجيء إليه في حياته البرزخية أو مستلزم له أم لا ؟ وعلى المدعي الدليل، لم لا يحوز أن لا يكون المجيء إلى قبره عين المجيء إليه في حياته البرزخية ولا مستلزماً له بل يتوقف المجيء إليه في حياته البرزخية على أن يموت الجائي وينتقل إلى عالم البرزخ، فلابد من نفي هذا الاحتمال بدليل من الشرع، ويؤدي هذا أنا إذا قلنا جئنا زيداً، إنما نريد به أنا جئنا إلى مكان يُرى منه زيد ويسمع كلامه بحسب العادة، والمجيء إلى القبر ليس مجيئاً إلى مكان يُرى منه المقبور ويسمع كلامه، ويسمع المقبور كلام الجائي، أما تعلم أن الحي لو دفن في القبر كما يدفن الميت لن يرى أصلاً ولن يسمع كلامه، ولا هو يسمع كلام الجائي، وأما سماع الموتى خفق نعالنا وغير ذلك مما ثبت في الأحاديث فليس بحسب العادة، إنما هو بإسماع الله تعالى، يخلق قوة فيه هي خارجة عن العادة، أو بطريق آخر لا علم لنا بتعيينه، إنما نجزم أنه بطرق غير عادي.

يرشدك إلى هذا أن الزوار لا يرون المقبور ولا يسمعون كلامه، والمقبور يرى الزائر ويسمع كلامه، وهذا أدل دليل وأوضح برهان على أن رؤية المقبور وسماعه ليس بطريق عادي بل بطريق غير عادي، وإلا لسمع الزائر أيضاً كلام المقبور ورآه، على أن المجيء إليه قد انقطع بعد موته كما انقطع سائر الأحكام التي سيأتي ذكرها في الوجه الثالث، والفرق بين المجيء إليه وسائر الأحكام لا يقبل بغير بيان فارق شرعي، وأنى لك ذلك ! وأما ما قال السبكي في تعليله وتبعه القسطلاني تعظيماً له فيرد عليه أنه على هذا يلزم أن لا تنقطع جميع الأحكام المذكورة أيضاً تعظيماً له، على أنه ما الدليل على أن التعظيم يوجب عدم انقطاع هذا الحكم بالموت من كتاب وسنة ؟!

و(الثالث) : أن قوله "وهذا لا ينقطع بموته" قول لا دليل عليه، فإن انقطاع هذا الحكم لا استبعاد فيه، كما أن سائر الأحكام – من الإمامة الصغرى والكبرى، والجهاد، والصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحريض المؤمنين على القتال، والمشاورة،وتجهيز الجيوش، وحفظ الثغور – قد انقطعت بعد موته، فإن زعم زاعم أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره فما معنى انقطاعه بعد الموت ؟ إن الحياة البرزخية هل هي مساوية للحياة الدنيوية في كل الأحكام عندكم أم لا ؟ والأول بديهي البطلان لإطباق الأمة على انقطاع الأحكام المذكورة من الإمامة الصغرى وغيرها، وعلى الثاني فلا استبعاد في انقطاع حكم المجيء إليه بعد موته صلى الله عليه وسلم.
(الرابع) قوله : "فأما استغفاره صلى الله عليه وسلم فهو حاصل لجميع المؤمنين بنص قوله تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ . فاسد.

بيانه أن المراد باستغفار الرسول الواقع في آية: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ } . الاستغفار بعد وقوع الظلم استغفاراً مستأنفاً، فإن "استغفر" [ في قوله ] { وَاسْتَغْفَرَ لَهُـمُ الرَّسُولُ }. معطوف على {فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ }. وهو الظاهر، أو على{جَاءُوكَ } كما زعم السبكي في شفاء السقام، وعلى كلا التقديرين يكون بعد وقوع الظلم، أما على المعطوف عليه، فيكون استغفر لهم الرسول متأخراً عن جاءوك، وجاءوك متأخراً عن الظلم، والمتأخر عن المتأخر عن الشيء متأخر عن ذلك الشيء، وأما على الثاني فلأن استغفر لهم الرسول على هذا التقدير معطوف على جاءوك والمعطوف في حكم المعطوف عليه، وجاءوك متأخر عن الظلم فاستغفار الرسول متأخر عن الظلم، فعلم بذلك أن الاستغفار العام المأمور به صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } لا يكفي فيما هنالك، وتدل عليه الآية الأخرى والسنة:

أما الآية فقوله تعالى في سورة الممتحنة: { إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . فعلم أن الاستغفار العام المأمور به صلى الله عليه وسلم لا يكفي بل كان صلي الله عليه وسلم مأموراً باستغفار آخر وقت أخذ البيعة والتوبة من الشرك والمعاصي.

وقوله تعالى في سورة الفتح: {سَيَقُولُ لَكَ المُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا }. وقوله تعالى في سورة المنافقين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } .

فإن هاتين الآيتين تدلان على أن المسلمين كانت عادتهم أن أحدهم متى صدر منه ما يقتضي التوبة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله فعلتُ كذا وكذا فاستغفر لي، وكان هذا فرقاً بينهم وبين المنافقين، وهذا الاستغفار كان غير ما أُمر به صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:  { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ }.

وأما السنة فما روى عن كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك في حديث طويل فيه: فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبداً بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً – وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس – فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله، وفي ذلك الحديث: وسار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك الحديث قال كعب: وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه. رواه البخاري ومسلم وغيرهما واللفظ للبخاري، فعلم من هناك أنه كان من عادته صلى الله عليه وسلم أنه إذا جاءه مذنب وتاب واستغفر يستغفر له النبي صلى الله عليه وسلم استغفاراً مستأنفاً، ولا يقنع بالاستغفار العام.

على أن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ }. بالاستغفار لأهل الإيمان، وآية أخرى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ }. الآية. وردت في شأن المنافقين، فالاستغفار الذي فعله صلى الله عليه وسلم بامتثال قوله تعالى : {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ }. لا يكون شاملاً للاستغفار لأهل النفاق، بل قد نهى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عنالاستغفار للمنافقين فقال تعالى : {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } . وقال تعالى : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ }. وقال تعالى : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ } . فلابد من أن يراد باستغفار الرسول – الذي ورد في شأن المنافقين – غير ما ورد في قوله تعالى : {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} . فإن المنافقين داخلون في آية: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ }. دخولاً أولياً، وإن سلم دخول غيرهم فيها بعموم العلة وما ضاهاه دخولاً ثانوياً.

وههنا نظر وعنه جواب فتأمل. وهكذا فهم جمهور أهل التفسير من الاستغفار الاستغفار الخاص ولم يقل أحد منهم إن الاستغفار العام يكفي هاهنا، قال الشوكاني رحمه الله في فتح القدير: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ }. بترك طاعتك والتحاكم إلى غيرك جاءوك  متوسلين إليك متنصلين عن جناياتهم ومخالفاتهم  فاستغفروا الله . لذنوبهم وتضرعوا إليك حتى قمت شفيعاً فاستغفرت لهم.

وقال الإمام الرازي في مفاتيح الغيب: يعني أنهم عندما ظلموا أنفسهم بالتحاكم إلى الطاغوت والفرار من التحاكم إلى الرسول جاءوا الرسول وأظهروا الندم على ما فعلوه وتابوا عنه واستغفروا منه واستغفر لهم الرسول بأن يسال الله أن يغفر لهم عند توبتهم: {لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }. انتهى.

وقال أيضاً (المسألة الثانية) لقائل أن يقول: أليس لو استغفروا الله وتابوا على وجه صحيح لكانت توبتهم مقبولة ؟ فما الفائدة في ضم استغفار الرسول إلى استغفارهم ؟
(قلنا) الجواب عنه من وجوه : (الأول) أن ذلك التحاكم إلى الطاغوت كان مخالفة لحكم الله، وكان أيضاً إساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإدخالاً للغم في قلبه، ومن كان ذنبه كذلك وجب عليه الاعتذار عن ذلك الذنب كغيره، فلهذا المعنى وجب عليهم أن يطلبوا من الرسول أن يستغفر لهم. (الثاني) : أن القوم لما لم يرضوا بحكم الرسول ظهر منهم ذلك التمرد، فإذا تابوا وجب عليهم أن يفعوا ما يزيل عنهم ذلك التمرد، وما ذاك إلا بأن يذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه الاستغفار.اه‍.

وقال أبو السعود: جاءوك من غير تأخير، كما يفصح عنه تقديم الظرف متوسلين بك في التنصل عن جناياتهم القديمة والحادثة، ولم يزدادوا جناية على جناية بالقصد إلى سترها بالاعتذار الباطل، والأيمان الفاجرة، فاستغفروا الله بالتوبة والإخلاص، وبالغوا في التضرع إليك حتى انتصبت شفيعاً لهم إلى الله تعالى واستغفرت لهم. اه‍.

وقال في المدارك(13) : ولو وقع مجيئهم في وقت ظلمهم مع استغفارهم واستغفار الرسول لوجدوا الله تواباً. اه‍. وقال البيضاوي: فاستغفروا الله بالتوبة والإخلاص، واستغفر لهم الرسول واعتذروا إليك حتى انتصبت لهم شفيعاً. اه‍.

وقد علم من تلك العبارات أن عامة أهل التفسير قد فهموا من الآية أن استغفار الرسول يكون بعد استغفارهم. وأما ما قال السبكي في شفاء الأسقام: وليس في الآية ما يعين أن يكون استغفار الرسول بعد استغفارهم بل هي محتلمة والمعنى يقتضي بالنسبة إلى استغفار الرسول أنه سواء تقدم أم تأخر فإن المقصود إدخالهم بمجيئهم واستغفارهم تحت من يشمله استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما يحتاج إلى المعنى المذكور، إذا جعلنا {واستغفر لهم الرسول }. معطوفاً على {فاستغفروا الله }  أما إن جعلناه معطوفاً على  { جاءوك } لم يحتج إليه. هذا آخر ما في الشفاء(14)، ففيه نظر من وجوه :

( الأول ) أن عامة المفسرين قد فهموا من الآية أن يكون استغفار الرسول بعد استغفارهم، فالقول بأن ليس في الآية ما يعين أن يكون استغفار الرسول بعد استغفارهم تخطئة للجمهور ومخالفة لهم.

( الثاني ) أن تقديم استغفارهم على استغفار الرسول في الآية يستدعي أن يكون استغفارهم قبل استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أن الشافعية استدلوا على وجوب الترتيب في الوضوء بالترتيب المذكور في الآية والسبكي أيضاً منهم، ويقويه ما ورد عن جابر بن عبدالله في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: "ابدءوا بما بدأ الله به". أخرجه النسائي.

و (الثالث) أنه لو سلم أنه ليس في الآية ما يعين أن يكون استغفار الرسول بعد استغفارهم، فلا شك أن في الآية ما يعين أن يكون استغفار الرسول بعد وقوع الظلم منهم، وهذا القدر يكفي لإثبات مرامنا، فإنه يدل دلالة واضحة على أن الاستغفار العام غير كاف فيما هنالك.

و (الرابع) أن في قوله (15)أما إن جعلناه معطوفاً على { جاءوك } لم يحتج إليه اه‍ فإن ذا العطف لا يضرنا أصلاً، فإنه يدل على أن استغفار الرسول بعد وقوع الظلم منهم إذا المعطوف في حكم المعطوف عليه، ولا شك أن جاءوك بعد وقوع الظلم منهم.

(الخامس) من وجوه: الأصل أن قوله(16) "فإذا وجد مجيئهم واستغفارهم فقد تكملت الأمور الثلاثة الموجبة لتوبة الله ورحمته". مردود بأنا لا نسلم أنه إذا وجد المجيء إلى القبر واستغفارهم عنده وجدت الأمور الثلاثة الموجبة لتوبة الله ورحمته، فإن الأمور الثلاثة الموجبة لتوبة الله ورحمته هي المذكورة في الآية، وإنما هي المجيء إليه صلى الله عليه وسلم في الحياة بعد الظلم، واستغفارهم عنده في الحياة بعد الظلم، واستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم لهم في الحياة بعد الظلم، وفي زيارة القبر لا يوجد واحد منها.

(السابع) قوله: "وقد علم من كمال شفقته صلى الله عليه وسلم أنه لا يترك ذلك لمن جاءه مستغفراً ربه، ظن محض وتخمين صرف ليس عليه أثارة من كتاب ولا سنة فلا يسمع، على أن لنا أن نعارض فنقول: إنه لو كان استغفاره لمن جاءه مستغفراً بعد موته ممكناً أو مشروعاً لكان كمال شفقته ورحمته يقتضي ترغيبهم في ذلك وحضهم عليه، ومبادرة خير القرون إليه، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرغب في ذلك، ولم يبادر خيرُ القرون إليه، فتبين أن الاستغفار بعد موته صلى الله عليه وسلم ليس ممكناً أو مشروعاً، وهذا التقرير مستفاد من الصارم(17).

(الثامن) قوله: "والآية الكريمة وإن وردت في قوم معينين في حال الحياة تعم بعموم العلة كل من وجد فيه ذلك الوصف في حال الحياة وبعد الممات.

قلت: الأمر كما أقر به الخصم في هذا المقام من أن الآية وردت في قوم معينين من أهل النفاق، يدل عليه قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً }. وورد نظر ذلك في حقهم في سورة المنافقين: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ }. ولكن عمومها بعموم العلة قد تقدم ما فيه في الوجه الأول، وبعد تسليم ذلك العموم يقال: إن الآية تعم ما وردت فيه وما كان مثله، فهي عامة في كل منافق قيل له تعالى إلى ما أنزل الله وإلى الرسول فصد عن الرسول صدوداً، وتحاكم إلى الطاغوت، ثم جاء الرسول في حياته فاستغفر الله واستغفر له والرسول في حياته وأما المؤمن الذي عصى فجاء قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فليس مثله.

(التاسع) قوله: "ولذلك فهم العلماء منها العموم للجائين واستحبوا لمن أتى قبره صلى الله عليه وسلم أن يقرأها مستغفراً الله تعالى، واستحبوها للزائر ورأوها من آدابه التي ليس(18) له فعلها، وذكرها المصنفون في المناسك من أهل المذاهب الأربعة.

قلت: هذا مما أورده السبكي في الشفاء ورد عليه العلامة ابن عبدالهادي رحمه الله ف الصارم، فلنذكر هنا عبارة الصارم بلفظها، قال في الصارم "وقوله: ولذلك فهم العلماء من الآية العموم في الحالتين" فيقال له: من فهم هذا من سلف الأمة وأئمة الإسلام ؟ فاذكر لنا عن رجل واحد من الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين أو الأئمة الأربعة أو غيرهم من الأئمة أو أهل الحديث والتفسير أنه فهم العموم بالمعنى الذي ذكرته أو عمل به أو أشد إليه، فدعواك على العلماء بطريق العموم هذا الفهم دعوى باطلة ظاهرة البطلان. اه‍.

ومن عجائب فهم صاحب الرسالة(19) أنه زعم أن ضمير "حكاها" في الشفاء راجع إلى الآية فقال: وذكر المصنفون. مع أن مرجعه حكاية العتبى، ولفظ الشفاء هكذا: ولذلك فهم العلماء من الآية العموم في الحالتين، واستحبوا لمن أتى إلى قبره صلى الله عليه وسلم أن يتلوا هذه الآية ويستغفر الله تعالى. وحكاية العتبى في ذلك مشهورة، وقد حكاها المنصفون في المناسك من جميع المذاهب. اه‍.

لا يقال إن الغمام مالكاً من الأئمة الأربعة فهم العموم كما سيأتي في حكاية مناظرة الخليفة المنصور والإمام مالك، لأنا نقول: هذه الرواية ليست مما يعتمد عليه كما سيأتي، على أن من فهم العموم فمناطه حكاية الأعرابي وهي ليست بثابتة، كما ستطلع عليه عن قريب(20)


-------------
(13) هو تفسير النسفي.
(14) أي شفاء السقام للسبكي.
(15) أي السبكي في شفائه.
(16) أي المردود عليه دحلان تبعاً للسبكي في شفائه.
(17) يعني الصارم المنكى في الرد على السبكي للحافظ ابن عبدالهادي رحمه الله.
(18) كذا، وصوا به ينبغي بالإثبات لا بالنفي.
(19) أي الشيخ دحلان المردود عليه.
(20) وانظر (التوسل والوسيلة) لابن تيميه طبع السلفية ص67-82 و 154 الخ.
يتبع....









آخر تعديل ليتيم الشافعي 2008-12-21 في 12:11.
قديم 2008-12-19, 17:20   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

(العاشر) قوله: "ودلت الآية أيضاً على أنه لا فرق في الجائي بين أن يكن مجيئه بسفر أو غير سفر، لوقوع "جاءوك" في حيز الشرط الدال على العموم.

قلت: هذا ذكره ابن حجر المكي في الجوهر المنظم، وهو فاسد. بيانه أن عموم الفل الواقع في حيز الشرط ليس إلا عموم النكرة في موضع الشرط. قال الإمام المحلى في شرحه على جمع الجوامع: لتضمن الفعل المنفي لمصدر منكر. وقال السعد في حاشيته على العضدي: والمحققون من النحاة على أن المراد بتنكير الجملة أن المفرد الذي يسبك منها نكرة، وعموم الفعل المنفي ليس من جهة تنكيره بل من جهة ما يتضمنه من المصدر نكرة، فمعنى "لا يستوي زيد وعمرو" لا يثبت استواء بينهما. اه‍.
وعموم النكرة في موضع الشرط ليس إلا عموم النكرة في موضع النفي، قال السعد في التلويح: يريد أن الشرط في مثل "إن فعلت فعبده حر أو امرأته طالق، لليمين على تحقق نقيض الشرط إن كان الشرط فيها مثل "إن ضربت رجلاً فكذا" فهو يمين للمنع، بمنزلة قولك "والله لأضربن رجلاً"، وإن كان منفياً مثل "إن لم أضرب رجلاً فكذا" فهو يمين للحمل بمنزلة قولك "والله لأضربن رجلاً"، ولا شك أن النكرة في الشرك المثبت خاص يفيد الإيجاب الجزئي فيجب أن يكون في جانب النقيض للعموم والسلب الكلي، والنكرة المنفية عام يفيد السلب الكلي فيجب أن يكون في جانب النقيض للخصوص والإيجاب الجزئي، فظهر أن عموم النكرة في موضع الشرط ليس إلا عموم النكرة في موضع النفي. اه‍.

فتحصل من هذا أن عموم الفعل في سياق الشرط لا يكون إلا في موضع يحصل فيه نكرة في سياق النفي، وهذا لا يحصل إلا في مثل شرط يكون لليمين التي للمنع، ولذا قال السعد في حاشيته على العضدي: قوله "أو في معناه" يعني النكرة الواقعة في الشرط المستعمل موضع اليمين التي للمنع، مثل "إن أكلت فأنت طالق" فإنه للمنع عن الأكل، إذ انتفاء الطلاق مطلوب وذلك بانتفاء الأكل، فهو في معنى لا آكل البتة، وهذا معنى قوله: "إذا ينتفي الطلاق بأن لا يأكل". اه‍.

وقال في التوضيح: والنكرة في موضع الشرط إذا كان مثبتاً عام في طرف النفي، وإنما قيد بقوله إذا كان الشرط مثبتاً، حتى لو كان الشرط منفياً لا يكون عاماً كقوله إن لم أضرب رجلاً فعبدي حر، فمعناه أضرب رجلاً، فشرط البر ضرب واحد من الرجال، فيكون للإيجاب الجزئي. اه‍.

وفي الآية الكريمة كون الشرط لليمين التي للمنع غير مسلم، وأيضاً قد علم أن في قوله "إن لم أضرب رجلاً فعبدي حر" الفعل واقع في سياق الشرط مع أنه ليس عاماً، فالقول بعموم الفعل الواقع ف سياق الشرط عموماً فاسد.

(الحادي عشر) : أن جميع الأمة عصاة مذنبون، وخطّاء ظالمون، ورد في الحديث القدسي "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار"ز رواه مسلم من حديث أبي ذر، وفيه "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته". وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :كل بني آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون" رواه الترمذي وابن ماجه والدارمي، وعن ابن عباس في قوله تعالى:  إلا اللمم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن تغفر اللهم تغفر جما = وأي عبد لك لا ألما " ؟

رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وفي حديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم مذنب إلا من عافيت". رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وفي حديث ابن مسعود قال: "لما نزلت:  الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم . شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله، أينا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس ذاك، إنما هو الشرك". رواه البخاري ومسلم.

فلو كانت الآية تعم كل ظالم سواء كان مؤمناً أو كافراً أو منافقاً، وسواء كانت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم مدة سفر أو لم تكن، وسواء كان يدعي أو لا يدع، وسواء كان مجيئه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته أو إلى قبره بعد وافته كما زعم صاحب الرسالة(21) يلزم أن يكون مجيء كل أحد من أمته بعد كل ظلم ومعصية صغيرة كانت أو كبيرة إليه صلى الله عليه وسلم والاستغفار عنده قربة مطلوبة بالكتاب، وهذا مما لم يقل به أحد من المسلمين، ولا يطيقه أحد، وأيضاً يلزم أن يكون جميع مسلمي زمانه صلى الله عليه وسلم الذين لم يجيئوا إليه صلى الله عليه وسلم بعد كل ظلم تاركين لهذه القربة، وأيضاً يلزم أن لا يكون المجيء إلى القبر مرة كافياً، بل يكون المجيء بمرات غير محصورة على قدر ذنوبهم قربة مطلوبة، كيف وذنوبنا غير محصورة ولا واقفة عند حد، وأيضاً يلزم مزية زيارة القبر على الحج، فإن حج بيت الله فرض في العمر مرة وتكون زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم قربة في كل سنة بل في كل شهر بل في كل أسبوع بل في كل ساعة بل في كل لمحة، فإنا لا نخلو في لمحة من اللمحات من الذنوب، بل يلزم سكنى المدينة فيلزم أن يكون جميع الأكابر الذين لم يقيموا في المدينة من السلف والخلف تاركين لهذه القربة، وأيضاً يلزم أن يكون الزاد والراحلة غير مشروط في الزيارة مع أنهما شرطان في الحج، وهذه المفاسد مما لا يلتزمها إلا جاهل غبي.

(الثاني عشر) أن في الآية تقبيحاً لضرب من المجيء، أي إتيانهم حالفين بالله حلفاً كاذباً كما جاء المنافقون، وتحسيناً لضرب آخر منه وهو أن يجيء مستغفراً فالمقصود الحث على تقدير المجيء على المجيء مستغفراً، فالثابت منها أنه على تقدير المجيء الإتيان مستغفراً قربة، لا أن نفس المجيء مع الاستغفار قربة، والمطلوب الثاني لا الأول فلا يتم التقريب.

(الثالث عشر) أنه لو صح الاستدلال المذكور بالآية المذكورة لصح بالأولى الاستدلال بالآية الواقعة في سورة الحجرات: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . على عدم كون زيارة القبر المعهودة في زماننا قربة الذي هو نقيض مطلوب صاحب الرسالة(22) فإن الآية دلت على ذم نداء النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات، وهذا لا ينقطع بموته صلى الله عليه وسلم تعظيماً له كما قال الخصم في تقرير الآية بل هو أولى، فإن النداء من وراء الحجرات بعد الموت بيارسول الله وغيره من الألفاظ فرد من أفراد نداء النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات بلا ريب ولا شبهة، بخلاف المجيء إلى قبره صلى الله عليه وسلم، فإن كونه فرداً من أفراد المجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاسد كما تقدم، ودلت أيضاً على تعليق ثبوت الخيرية لهم بالصبر على النداء من وراء الحجرات، والآية الكريمة وإن وردت في قوم معينين ف حال الحياة تعم بعموم العلة كل من وجد فيه ذلك الوصف في حال الحياة وبعد الممات كما قرر الخصم في الآية، بل عمومه أولى بالنسبة إلى الآية التي استدل بها الخصم فإن في هذه الآية  الذين  لفظ موصول وهو من الألفاظ العامة، بخلاف الآية المتقدمة فإن فيها ضميراً وهو ليس من العموم في شيء، ولذلك فهم العلماء منها العموم للمنادين.

قال القاضي عياض في الشفا: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوماً فقال:  {لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ }. ومدح قوماً فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ } الآية، وذم قوماً فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحُجُرَاتِ } . وبأن حرمته ميتاً كحرمته حياً، فاستكان له أبو جعفر اه‍. وهذه الرواية وإن كان فيها مقال كثير ولكنها من مسلمات الخصم.

وأيضاً قال القاضي فيه: ولما كثر على مالك الناس قيل له: لو جعلت مستملياً يسمعهم، فقال: قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } . وحرمته حياً وميتاً سواء. اه‍.

وقال القطسلاني في المواهب: روى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: إنه لا ينبغي رفع الصوت على نبي حياً ولا ميتاً، وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تسمع صوت الوتد يوتد والمسمار يضرب في بعض الدور المطيفة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فترسل إليهم: لا تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: وما عمل علي بن أبي طالب رضي الله عنه مصراعي داره إلا بالمناصع توقياً لذلك، نقله ابن زبالة. اه‍.

ودلت الآية أيضاً على أنه لا فرق في الصابر بين أن يكون صبره بحيث تكون بينه وبين قبر النبي صلى الله عليه وسلم مدة سفر أو لا لوقوع "صبروا" في حيز الشرط الدال على العموم كما قرر الخصم، على أن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم المعهودة في زماننا هل يرفع فيها الصوت ويجهر له بالقول أم لا ؟ والأول منهي عنه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }. وعن أبي هريرة قال: لما نزلت: إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله . قال أبو بكر: والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار(23) حتى ألقى الله، أخرجه عبد بن حميد والحاكم وصححه، وفي صحيح البخاري: قال ابن الزبير فما كان عمر يُسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر. قال القسطلاني: وإن أكابر الصحب ما كانوا يخاطبونه إلا كأخي السرار. اه‍.

وبما جاء في صحيح البخاري عن السائب بن يزيد قال: كنت نائماً في المسجد فحصبني رجل، فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: اذهب فائتني بهذين، فجئته بهما فقال: ممن أنتما، ومن أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن مالك قال: بنى عمر رحبة في ناحية المسجد تسمى البطحاء وقال: من كان يريد أن يلغط أو ينشد شعراً أو يرفع صوته فليخرج إلى هذه الرحبة. رواه في الموطأ، كذا في المشكاة، وعن أبي هريرة في حديث مرفوع في أشراط الساعة فيه "وظهرت الأصوات في المساجد"، وفي رواية "وارتفعت الأصوات في المساجد". وعن مكحول في حديث في أشراط الساعة "وأن تعلو أصوات الفسقة في المساجد". رواه ابن أبي الدنيا مرسلاً، هكذا في الترغيب والترهيب للمنذري. ففي هذا الشق يلزم ثلاث محذورات: (الأول) رفع الصوت في المسجد، و(الثاني) رفع الصوت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، و(الثالث) رفع الصوت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال القسطلاني في المواهب: ومنها أنه حرم على الأمة نداءه باسمه، قال تعالى: { لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً }. أي لا تجعلوا دعاءه وتسميته كدعاء بعضكم بعضاً باسمه ورفع الصوت به، والنداء وراء الحجرات، ولكن قولوا: يا رسول الله، يا نبي الله، مع التوقير والتواضع وخفض الصوت. اه‍. قال الزرقاني بحرمة رفعه عليه، والظرف أي "بينكم" متعلق بتجعلوا لا حال من الرسول، لأنه يوهم أنه لا يحرم نداؤه باسمه بعد وفاته مع أن الحرمة ثابتة مطلقاً. اه‍.

وقال القسطلاني في المواهب أيضاً: ومنها أنه يحرم الجهر له بالقول، قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ }. اه‍، قال الزرقاني: أي خشية ذلك بالرفع والجهر المذكورين، روى البخاري عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخيران أن يهلكا: أبو بكر وعمر. لما قدم وفد بني تميم قال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر: أمر الأقرع بن حابس. فقال أبو بكر لعمر: إنما أردت خلافي. فقال عمر: ما أردت خلافك. فارتفعت أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ – قول قوله – عَظِيمٌ . قال ابن أبي مليكة عن ابن الزبير: فكان عمر بعد إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه. ولم يذكر ذلك عن أبيه، يعني أبا بكر اه‍.

وقال القسطلاني في المواهب: وقال ابن عباس لما نزل قوله تعالى: { لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ }. كان أبو بكر لا يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السرار. اه‍.

وقال في المواهب: وينبغي للزائر أن يستحضر من الخشوع ما أمكنه، وليكن مقتصداً في سلامه بين الجهر والإسرار اه‍. وأيضاً في المواهب: ثم يقول الزائر بحضور قلب وغض طرف وسكون جوارح وإطراق: السلام عليك يا رسول الله .. الخ.

وقال ابن حجر في الجوهر المنظم: إذا وقت أو جلس ثم سلم لا يرفع صوته، بل يقتصد فيقول: السلام عليكم أيها النبي ورحمة الله وبركاته .. الخ. وقال السيوطي في (موجز اللبيب في خصائص الحبيب) : ويحرم التقدم بين يديه، ورفع الصوت فوق صوته،والجهر له بالقول، ونداؤه من وراء الحجرات، والصياح به من بعيد اه‍.

والشق الثاني أيضاً باطل، فإن السلام المشروع عند القبر سلام تحية لا سلام دعاء، وسلام التحية لابد فيه من أن يفعل بحيث يسمعه المسلم عليه حتى يرده على المسلم.
قال في المواهب وشرحه للزرقاني: ويكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرته الشريفة حيث يسمعه ويرد عليه، بان يقف بمكان قريب منه ويرفع صوته إلى حد لو كان حياً مخاطباً لسمعه عادة اه‍. وقال الزرقاني: والظاهر أن المراد بالعندية قرب القبر بحيث يصدق عليه عرفاً أنه عنده، وبالبعد ما عداه وإن كان بالمسجد اه‍. ولما سدت حجرة عائشة رضي الله عنها التي هي مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنيت على القبر حيطان مرتفعة مستديرة حوله ثم بنى عليه جدران من ركني القبر الشماليين تعذر الوصول إلى قرب القبر، فالزائرون اليوم إنما يسلمون من مسافة لو سلم على حي من تلك المسافة لما سمعه، فكيف يسمعه النبي صلى الله عليه وسلم ويرد عليه ولو سلم حياته صلى الله عليه وسلم في القبر ؟ فإن قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الممات يمكن أن يزداد قوة سمعه فيسمع من تلك المسافة ؟ فيقال: أي دليل على هذا من كتاب وسنة ؟ ومجرد الإمكان العقلي لا يغني من شيء، على أنه هل لذلك تحديد أم لا ؟ على الثاني يستوي المسلم من بعيد والمسلم عند القبر، وهذا باطل عند من يقول بقربة الزيارة فإنهم فضلوا السلام عند القبر على السلام من بعيد كالسبكي وابن حجر المكي، وعلى الأول فلابد من بيانه بدليل شرعي، وأنى له ذلك ؟

(الرابع عشر) أنه لو صح الاستدلال بالآية المذكورة لجاز أن يستدل على جواز بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الموت، لقوله تعالى في سورة الممتحنة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }. وبقوله تعالى في سورة الفتح: { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }. وهذا لا ينقطع بموته صلى الله عليه وسلم تعظيماً له صلى الله عليه وسلم كما قال الخصم، ودلت الآية على أنه لا فرق في الجائية بين أن يكون مجيئها بسفر أو غير سفر، لوقوع "جاءوك" في حيز الشرط الدال على العموم كما قال الخصم، ولكون "الذين" من الأسماء الموصولة وهي من ألفاظ العموم، مع أن أحداً من الأمة لم يقل بجواز بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الموت، ولم يفعلها أحد من السلف والخلف.

(الخامس عشر) أنه لو دلت الآية على كون زيارة القبر قربة، وعلى أنه شرع لكل مذهب أن يأتي إلى قبره ليستغفر له، لكان القبر أعظم أعياد المذنبين وأجلها، وهذه مضادة صريحة لما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تجعلوا قبري عيداً".

(السادس عشر) أن أعلم الأمة بالقرآن ومعانيه وهم سلف الأمة لم يفهم منهم أحد إلا المجيء إليه في حياته ليستغفر لهم، ولم يكن أحد منهم قط يأتي إلى قبره ويقثول يا رسول الله فعلت كذا وكذا فاستغفر لي، ومن نقل هذا عن أحد منهم فقد جاهر بالكذب والبهت، أفترى عطل الصحابة والتابعون – وهم خير القرون على الإطلاق – هذا الواجب الفرية التي ذم الله سبحانه من تخلف عنها وجعل التخلف عنه من أمارات النفاق، ووفق له من لا يؤبه له من الناس، ولا يعد في أهل العلم(24). ويالله العجب ! أكان ظلم الأمة لأنفسها – ونبيها حي بين أظهرها – موجوداً وقد دعيت فيه إلى المجيء إليه ليستغفر لها وذم من تخلف عن المجيء، فلما توفي صلى الله عليه وسلم ارتفع ظلمها لأنفسها بحيث لا يحتاج أحد منهم إلى المجيء إليه ليستغفر له، وهذا يبين أن هذا التأويل الذي تأول عليه المعترض هذه الآية تأويل باطل قطعاً، ولو كان حقاً لسبقونا إليه علماً وعملاً وإرشاداً ونصيحة، ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو سنة لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه ولا بينوه للأمة(25). وهذان الوجهان الأخيران مأخوذان من الصارم.


------------
(21) أي المردود عليها وهو دحلان.
(22) أي دحلان.
(23) هي المسارَّ، أي كصاحب السرار أو كمثل المساررة، لخفض صوته، والكاف صفة مصدر محذوف. اه‍ مجمع البحار.
(24) زاد في الصارم المنكى هنا ما نصه: وكيف أغفل هذا الأمر أئمة الإسلام، وهداة الأنام، من أهل الحديث والفقه و التفسير ومن لهم لسان صدق في الأمة، فلم يدعوا إليه، ولم يحضوا عليه، ولم يرشدوا إليه، ولم يفعله أحد منهم البتة، بل المنقول الثابت عنهم ما قد عرف مما يسوء الغلاة فيما يكرهه وينهى عنه من الغلو والشرك، الجفاة عما يحبه ويأمر به من التوحيد والعبودية، ولما كان هذا المنقول شجي في حلوق البغاة، وقذى في عيونهم وريبة في قلوبهم، قابلوه بالتكذيب والطعن في الناقل، ومن استحيى منهم من أهل العلم بالآثار قابله بالتحريف والتبديل، ويأبى الله إلا أن يعلي منار الحق ويظهر أدلته ليهتدي المسترشد وتقوم الحجة على المعاند، فيعلي الله بالحق من يشاء، ويضع برده وبطره وغمص أهله من يشاء. اه‍.
(25) يعني أن أحكام العبادات العملية المنصوصة في القرآن لا يعقل أن يجهلها أو يترك العمل بها الصحابة والتابعون وسائر علماء السلف، ثم ينفرد بعملها وفهمهها مثل السبكي وابنحجر المكي بعدهم ببضعة قرون، وليس معناه أنه ليس لأحد بعد الصدر الأول أن يفهم من علوم القرآن وحكمه ما لم ينقل عنهم، فإن هذا باطل لم يقل به أحد، فعلوم القرآن وحكمه كدرر البحار لا تنفد، ولا تفتأ تتجدد، وكتبه محمد رشيد رضا.
انتهى









قديم 2008-12-19, 17:31   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي نظرات في حديث توسل الضرير [ رد على القبورية ]

كثير ما يتشدق اهل البدع بإستحلال التوسل بالذوات إستناداً بحديث الضرير . وكأنهم غفلوا أو تغافلوا عن استقرآء الحديث , وتفهم أحكامة .
ولذلك أحببت أن أعرج لإضاح المغزى من ذلك الحديث .
أسأل الله العلي العظيم أن يوفقني بإيضاح ما غفل عنه عباد القبور .

نص الحديث :

مسند الإمام أحمد بن حنبل ج4/ص138

17279 حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عثمان بن عمر انا شعبة عن أبي جعفر قال سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن حنيف ان رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله ان يعافيني قال ان شئت دعوت لك وان شئت أخرت ذاك فهو خير فقال ادعه فأمره ان يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء اللهم اني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد اني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي اللهم شفعه في
نظرات في حديث الضرير .
أعلم هداك الله أنه اذا كان الثابت توسلهم [ أي الصحابة ] بدعاء النبي حين كان حياً وتوقفهم عن التوسل بدعاء غيره من بعده : فلا يعود ثم حاجة الى تقدير مضاف لأن معنى التوسل والإستشفاع في عرف الصحابة ولسانهم هو التوسل بالدعاء لا بالذات ولا بالجاه , ومن كان عنده ما يثبت توسلهم بالذات فليأتنا به .

*ان النبي هو الذي تعلمنا منه هذه الإضافة حين قال : " إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها : بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم " (رواه البخاري 2896)

وعلمنا أن الدعاء هو المقصود حين قال له " إن شئت دعوت لك " فقال الرجل " بل أدعه " ولكن المصرين على التوسل بالذوات لا يعلمون وإنما يتجاهلون .

وتوسل الأعمى بدعاء النبي هو أمر مشروع لتوافر الأدلة عليه ولا بد من الوقوف في قصة الأعمى على فوائد مهمة :

1-أن الأعمى ذهب الى النبي ليطلب منه الدعاء ولو كان التوسل بالذوات مشروعاً لم يكن ثمة حاجة للذهاب اليه إذا كان يكفيه أن يتوسل به من غير أن يذهب اليه . فيقول " اللهم إني أسالك بنبيك " لكنه ذهب وطلب منه أن يدعوا له .

2-أن النبي وعده بالدعاء له فقال " إن شئت دعوت لك " فألح عليه الأعمى بالدعاء قائلاً " بل أدعه " وهذا وعد من الرسول بالدعاء للأعمى , علقه على مشيئته , وقد شاء الأعمى بقوله " بل أدعه " ويقتضي أنه دعا له , وهو خير من أوفى بما وعد , ويؤكد ذلك أيضاً قول الأعمى في دعائه الذي علمه الرسول أن يدعوا به " اللهم فشفعه في " أي اقبل دعاءه في . والشفاعة معناها دعاء كما قال في لسان العرب " الشفاعة كلام شفيع للملك في حاجة يسألها لغيره . والشافع : الطالب لغيره , يتشفع به الى المطلوب يقال تشفعت بفلان الى فلان " . وبهذا يثبت الأمر كان يدور على دعائه لا ذاته أو جاهه .

3- أن النبي أمره أن يتقرب إلى الله بعدة وسائل منها التوسل إليه بالعمل الصالح وهو " احسان الوضوء " " وإتيان ركعتين " يدعوا اللله عقبهما أن يستجيب دعاءه في أن يقبل دعاء النبي له وهذا هو معنى قوله " وشفعني فيه " أي أدعوك أن تتقبل دعاء النبي لي .

4-وهذه العبارة لا يفقهها المبتدع بل لا يريدون أن يفقهوها لأنها تنسف بنيانهم من القواعد وتكشف وتكشف أن التوسل كان بدعاء النبي وبالعمل الصالح لا بذات النبي فإن شفاعة النبي للأعمى مفهومه عندهم ولكن معنى شفاعة الأعمى لنبي كما قال " وشفعني فيه " ؟ علماً بأن معنى الشفاعة في اللغة : الدعاء . إن معناها " اللهم اقبل دعائي في استجابة دعاء نبيك لي . ولا يمكن لأحد بعد موت الرسول أن يقول : "ة اللهم اقبل شفاعته في " فهذا مذهب باطل لا يزعم أحد أن دعاء النبي حصل له وهو في قبره .

5-فاللغة والشرع يشهدان بصحة ذلك . ولكن ماذا نفعل في أناس تجنوا على اللغة والشرع ؟
ولنتأمل هذين الحديثين فعن أنس وعائشة عن النبي قال : " ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مئة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه " وفي رواية ابن عباس " ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه " فمعنى شفعهم اللله فيه أي قبل دعاءهم له . فيصير معنى " شفعني فيه " أي اقبل دعائي بأن تستجيب دعاءه .

6- أن علماء الحديث كالبيهقي ذكروا هذه الحادثة ضمن معجزات الرسول وهو سر في حصول هذه المعجزة التي لم نسمع بعد موته مثلها بين الصحابة ولا بعدهم الى يومنا هذا . السر هو دعاء النبي .

7-أن الصحابة من أصيبوا بالعمى بعد موته كابن عباس وابن عمر , ولم يعهد أنهم استعملوا هذ الدعاء , بل تركوا التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد موته وتوسلوا بدعاء العباس وغيره . وليس ثمة تفسير لذلك إلا افتقاد شرط دعاء النبي وإلا فجاهه عند الله عظيم حيا أو ميتا . هكذا فهم الصحابة التوسل : تركوا التوسل به اجماعاً كما في قصة عمر يوم أجدبوا وسألوا الله بدعاء عمه العباس . فالثابت المروي عن جماعتهم في ترك التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد موته أصح سنداً مما نقل نقل عن فعل أحد أفرادهم مما يعارض ذلك .

وكل هذه المعاني التي ذكرت دالة على وجود شفاعة بذلك . وهو دعاؤه عليه السلام له أن يكشف عاهته , وليس ذلك بمحظور , غاية الأمر أنه توسل من غير دعاء بل هو نداء , والدعاء أخص من النداء , إذ هو نداء عبادة شامله للسؤال بما لا يقدر عليه إلا الله تعالى وإنما المحظور السؤال بالذوات لا مطلقاً بل بمعنى أنهم وسائل إلى الله سبحانه بذواتهم , وأما كونهم وسائل بدعائهم فغير محظور , وإذا إعتقد أنهم وسائل إلى الله بذواتهم فسأل منهم الشفاعة للتقريب إليهم فذلك عين ما كان عليه المشركون الأولون ( جلاء العينين 455)

8-أن قوله " يا محمد اني توجهت بك الى ربي " أي أتوجه بدعائك الذي وعدتني به حين قلت " إن شئت دعوت لك ". وهذا ما فعله الرجل فإنه توجه الى النبي وطلب منه أ يدعو له .

9-فهو يُشهد الله أنه توجه الى نبيه ليسأله اللله له وكأنه يقدم هذه الشهادة بين يدي سؤاله ربه ومثل هذا كثير في الدعاء كقوله تعالى " ربنا اننا آمنا فاغفر لنا " وتقديم أصحاب الغار عملهم الصالح بين يدي دعائهم لله .

وهذا التوجه هو حكاية حال , يحكي فيه أنه توجه وذهب الى النبي فطلب منه أن يدعوا ربه . ولم يسأله في غيابه كما يفعل أهل البدع
.10- وهؤلاء يفهمون من قوله صلى الله عليه وسلم " إئت الميضاء " وكأنه معناه عندهم إذهب إلى بيتك . ولم لا تكون الميضاة قريبة منه كما يفهم من سياق الرواية , وليس هناك دليل على أن الأعمى ذهب إلى مكان آخر وصلى ثم دعى بهذا الدعاء ؟!

وبتقدير أن يكون كلامه من بعيد .يكون التوجه خطاباً لحاظر في قلبه وليس استغاثة كما نقول في صلواتنا " السلام عليك يا أيها النبي " وكما يقول أحدنا اليوم ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله ) وكما قالت فاطمة حين مات ( وا أبتاه : أجاب رباً دعاه ) . ودليل قوله في نهاية الدعاء "اللهم شفعه في " أي اقبل دعاءه في .

11- فأما التوجهه الذي يفهمه المبتدعة أي التوجه الى النبي الى جهة قبره بعد موته كما علمهم شيوخ طريقتهم ومن ذلك الصوفي محمد الصيادي الرفاعي حين قال "أن من أصابته ضراء فليتوجه نحو قبر الرفاعي ويخطو ثلاث خطوات ويسأل حاجته ( قلادة الجوهر 434) . وهذا من سنن النصارى .

12-أما سنة نبينا فقد كان يستقبل القبلة في دعائه وويسأل الله وحده , ويقول في دعاء الاستفتاح في الصلاة " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما كان من المشركين ان صلاتي ( والدعاء صلاة ) ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " فالتوجه الى اللله بالدعاء هو ملة الحنيفية , ودعوة الناس والتوجهه الى مقابر الانبياء والأولياء هو ملة الشرك فإن توجه بدعاء النبي وهذا حق وهذا ماحدث حقا فقد توجه الى النبي ليدعوا له فوعده بذلك . ولذلك قال في آخر دعائه " اللهم فشفعه في " أي اقبل دعاءه في .

والجل يحكي ما فعله وليس في صيغة كلامه ما يستدل به على جواز قول المشركين " شيء لله يا رسول الله "وقول المالكي :
فبالذي خصك بين الورى برتبة عنها العلى تنزل
عجل بإذهاب الذي أشتكي فان توقفت فمن ذا نسأل

والدليل على ذلك أن ننظرماذا قال الأعمى بعد قوله " يا محمد "؟
هل قال أغثني أعد بصري ؟
نعم , لقد قال ( يا محمد ) لكنه لم يسأله , والمبتدعة اذا قالوا ( يا محمد ) يقولون أغثنا أمددنا , تعطف تكرم تحنن علينا بنظرة .......ألخ .

فإن كان سأله بعد قوله : " يا محمد " فقد قامت حجت المبتدعة , وإن كان لم يسأله فقد قامت الحجة عليهم . فالحديث حجة عليهم لا لهم .
وليس كل خطاب لغير حاظر استغاثة به , وإلا فقد خاطب عمر بن الخطاب الحجر الأسود قائلاً "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع , ولولا إني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك " رواه البخاري ومسلم.










قديم 2008-12-19, 19:15   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شبهة
حديث يا عباد الله أعينوا



يستدل الصوفية لجواز الاستغاثة بأهل الأضرحة وطلب المدد من الأموات بحديث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا عليّ ، فإن لله في الأرض حاضراً سيحبسه عليكم))

هذا الحديث له طرق وألفاظ:

الطريق الأول:

أخرجه الطبراني (3/81) وأبو يعلى في مسنده (1/254 ) وابن السني في عمل اليوم والليلة صفحة (50).

كلهم من طريق معروف بن حسان السمرقندي عن سعيد بن عروبة عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً ((إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا عليّ ، فإن لله في الأرض حاضراً سيحبسه عليكم))

وفي هذا الطريق علل:

أ - أن معروف بن حسان السمرقندي غير معروف، كما قال الحافظ في لسان الميزان ( 6/61).

وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/323) عن أبيه " مجهول "

وقال ابن عدي في الكامل ( 6/325):" منكر الحديث قد روى عن عمر بن ذر نسخة طويلة كلها غير محفوظة "

وقال الهيثمي في المجمع (10/132):" هو ضعيف ".

ب - الانقطاع بين عبد الله بن بريدة وابن مسعود ، قاله الحافظ ابن حجر ، كما في شرح الأذكار لابن علان (5/150)

ج- أن سعيد بن أبي عروبة: اختلط، قال النسائي: من سمع منه بعد الاختلاط فليس بشيء. ومعروف بن حسان من الصغار ولم يسمع منه قبل الاختلاط إلا الكبار. وكان بدأ اختلاط سعيد بن أبي عروبة سنة (132) واستحكم سنة (148) كما قال الإمام البزار.

د- إن سعيد بن أبي عروبة مدلس كثير التدليس ، وقد روى هذا الحديث معنعناً من غير تصريح بالسماع من عبد الله بن بريدة ، فحكمه الانقطاع.

هـ- أن معروفاً قد تفرد بهذا الحديث من هذا الوجه، دون باقي أصحاب سعيد بن أبي عروبة ؛ إذ كيف يكون هذا الحديث عند سعيد عن قتاده ثم يغيب عن أصحاب سعيد الحفاظ الأثبات الذين أطالوا صحبته واعتنوا بحديثه ، من أمثال يحيى القطان وإسماعيل بن علية وأبي أسامة وخالد بن الحارث وأبي خالد الأحمر وسفيان وشعبة وعبد الوارث وابن المبارك والأنصاري وغندر وابن أبي عدي وغيرهم عشرات حتى يأتي به هذا الشيخ المجهول المنكر الحديث.

الطريق الثاني:

روى ابن أبي شيبة في المصنف (10/424): ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا نفرت دابة أحدكم أو بعيره بفلاة من الأرض لا يرى بها أحداً فليقل: أعينوني عباد الله ، فإنه سيعان))

وفي هذا الطريق علل:

أ – عنعنة محمد بن إسحاق ، فهو مدلس مشهور به.

ب – الإرسال ، لأن أبان بن صالح من التابعين ، بل من صغارهم.

الطريق الثالث:

روى البزار عن موسى بن إسحاق حدثنا منجاب بن الحارث حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله ملائكة في الأرض يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصابت أحدَكم عرجةٌ بفلاةٍ من الأرض فلينادِ يا عباد الله أعينوا )) زوائد مسند البزار (303)

وروى البيهقي في شعب الإيمان (6 – 128) حدثنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى قالا: حدثنا أبو العباس الأصم نا عبد الملك بن عبد الحميد نا روح نا أسامة بن زيد ح

وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أنا أبو عبد الله بن يعقوب نا محمد بن عبد الوهاب نا جعفر بن عون أنا أسامة بن زيد عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن لله عز و جل ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة في الأرض لا يقدر فيها على الأعوان فليصح فليقل : عباد الله أغيثونا أو أعينونا رحمكم الله فإنه سيعان لفظ حديث جعفر و في رواية روح إن لله ملائكة في الأرض يسمون الحفظة يكتبون ما يقع في الأرض من ورق الشجر فما أصاب أحدا منكم عرجة أو احتاج إلى عون بفلاة من الأرض فليقل : أعينونا عباد الله رحمكم الله فإنه يعان إن شاء الله.

وفي هذا الطريق علل:

أ – فيه أسامة بن زيد الليثي قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق يهم.

وقال أحمد: ليس بشيء ، وقال عبد الله لأبية أحمد أراه حسن الحديث فقال أحمد: إن تدبرت حديثه فسوف تعرف فيه النكرة.

وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.

وقال النسائي: ليس بالقوي.

وتركه يحيى بن سعيد القطان وقال: اشهدوا أني قد تركت حديثه. تهذيب التهذيب (1/209)

ب – أن جعفر بن عون وروح بن عبادة ، قد خالفا حاتم بن إسماعيل فرويا الحديث موقوفاً على ابن عباس ، وهما ثقتان حافظان ، وحاتم فيه ضعف ، واحتمال تحمل ابن عباس الحديث من مسلمة أهل الكتاب وارد.

الطريق الرابع:

روى الطبراني في المعجم الكبير (17- 117) حدثنا الحسين بن إسحاق التستري حدثنا أحمد بين يحيى الصوفي حدثنا عبد الرحمن بن شريك حدثني أبي عن عبد الله بن عيسى عن زيد بن علي عن عتبة بن غزوان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا أضل أحدكم شيئاً أو أراد عوناً وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني ، فإن لله عباداً لا نراهم)) وقد جرب ذلك.

وفي هذا الطريق علل:

أ – فيه عبد الرحمن بن شريك ، قال الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ.

ب – وفيه شريك بن عبد الله ، قال الحافظ في التقريب: صدوق يخطئ كثيراً.

ج – الانقطاع بين زيد بن علي وبن عتبة بن غزوان ، كما قال الحافظ انظر شرح الأذكار لابن علان (5/151)




وقد روى الهروي "رحمه الله" في كتابه ذم الكلام (4ـ 68ـ1) : أن عبد الله بن المبارك ضل في بعض أسفاره في طريق ، وكان قد بلغه أن من ضل في مفازة فنادى: عباد الله أعينوني. أُعين. قال: فجعلت أطلب الجزء أنظر إسناده. قال الهروي: فلم يستجز أن يدعو بدعاء لا يرى إسناده.

ولو صح شيء من هذه الأحاديث أو الآثار فليس فيها أي دلالة على الاستغاثة بغير الله لأنه ورد في بعض هذه الأحاديث أن المقصود بذلك الملائكة ، والملائكة أحياء.

أما أهل القبور فقد قال الله تعالى: {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ، إِن تدعوهم لا يسمعون دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير}. [فاطر: 13]

والاستغاثة بالحي فيما يقدر عليه جائزة ، كما في قوله تبارك وتعالى في قصة موسى عليه الصلاة والسلام : {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}

يقول الأستاذ عبد الرحمن بن محمد سعيد: " ولو فرضنا أن الرواية بلغت مرتبة الحسن فإنها شاذة بالنسبة لما خالفها من الروايات الأصح سنداً، ابتداء من كتاب ربنا: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيَّاهُ} [الإسراء: 67]، [الإسراء: 67] ولا فرق بين الأرض الفلاة وبين البحر، وتتعارض وقوله: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 63، 64] فالآية تؤكد أن الله وحده هو المنجي لعباده في البر والبحر.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين.










قديم 2008-12-20, 12:02   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
عبد الله ياسين
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

أودُّ أن أنبّه الأخ "ليتيم شافعى" أنّ ((( النسخ و الآلي الماكيني !!!))) - كالآلات المُبرمجة !!! - لا ينفعُ في مثل هذه الحالات فقد يجرُّ عليك الويلات...و انظر فقط إيرادك لشبه ليس لها ذكرٌ في الموضوع أصلاً و مُحاولة الرد عليها...!!! و إقحامها هنا ليس إلاّ مُحاولة يائسة بائسة " لإثارة الزوبعة في الفنجان " من حول جمهور أهل العلم الذين قالوا باستحباب التوسّل عملاً بالكتاب و السنة.

و سيأتيك البيان يا ((( فهمان !!!))) ما طرح الله لنا بركة و فسحة على مرّ الزمان...










قديم 2008-12-20, 12:10   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

[quote=عبد الله ياسين;634312]

شبهك


1-قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ } .

3- و قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } ،

.


ثانيا : أدلة السنة :

1- عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ادع الله أن يعافيني. قال : «إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك ».
2- قصة الحديث : أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف، فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف :


3- حديث الخروج إلى المسجد للصلاة، عن أبي سعيد الخدري ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من قال حين يخرج إلى الصلاة : اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي، فإنى لم أخرج أشرًا، ولا بطرًا، ولا رياء، ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذنى من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت؛ وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له ،وأقبل الله عليه بوجهه حتى يفرغ من صلاته»


4- حديث أنس عند موت فاطمة بنت أسد أم علي رضي الله عنه، وهو حديث طويل، وفي آخره: « وقال : الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها، بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي، فإنك أرحم الراحمين
5- توسل آدم عليه السلام بنبينا صلى الله عليه وسلم أن يغفر له في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لما اقترف آدم الخطيئة، قال : يا رب أسألك بحق محمد، لما غفرت لي. فقال الله : يا آدم، وكيف عرفت محمدًا ولم أخلقه ؟ قال : يا رب؛ لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبًا : لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. فقال الله : صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك »(
6- حديث : «أعينوا عباد الله»؛ فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة ،يكتبون ما يسقط من نوى الشجر، فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة؛ فليناد : أعينوا عباد الله »(
7- قصة الاستسقاء بالنبي صلى الله عليه وسلم عند قبره في زمن عمر، فعن مالك الدار - وكان خازن عمر - قال: أصاب الناس قحط في زمان عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله
8- قصة الخليفة المنصور مع الإمام مالك رضي الله عنه وهي : «أن مالكًا رضي الله عنه لما سأله أبو جعفر المنصور العباسي - ثاني خلفاء بني العباس -
وأعلم.


......................

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه الشبه التى ذكرتها أعلاه دحضناها أخى الكريم. تأمل جيدا!!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته









آخر تعديل ليتيم الشافعي 2008-12-20 في 19:02.
قديم 2008-12-20, 12:38   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
عبد الله ياسين
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

الحافظ ابن كثير يُجيز التوسل بالنبي صلى الله عليه و سلم

قال الحافظ ابن كثير في " البداية والنهاية " عند ذكر أحداث سنة " أربع و خمسين وستمائة " :
و هذه النار في أرض ذات حجر لا شجر فيها ولا نبت ،
وهي تأكل بعضها بعضا إن لم تجد ما تأكله ، وهي تحرق الحجارة وتذيبها حتى تعود كالطين المبلول ، ثم يضربه الهواء حتى يعود كخبث الحديد الذي يخرج من الكير ، فالله يجعلها عبرة للمسلمين و رحمة للعالمين بمحمد و آله الطاهرين.اهــــ

و قال أيضًا عند قوله تعالى [ سورة النساء : 64 ] : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } كما تجدهُ في تفسيره :
يَقُول تَعَالَى " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إِلَّا لِيُطَاعَ " أَيْ فُرِضَتْ طَاعَته عَلَى مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَقَوْله " بِإِذْنِ اللَّه " قَالَ مُجَاهِد : أَيْ لَا يُطِيع أَحَد إِلَّا بِإِذْنِي يَعْنِي لَا يُطِيعهُ إِلَّا مَنْ وَفَّقْته لِذَلِكَ قَوْله " وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه وَعْده إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ " أَيْ عَنْ أَمْره وَقَدَره وَمَشِيئَته وَتَسْلِيطه إِيَّاكُمْ عَلَيْهِمْ وَقَوْله " وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ " الْآيَة يُرْشِد تَعَالَى الْعُصَاة وَالْمُذْنِبِينَ إِذَا وَقَعَ مِنْهُمْ الْخَطَأ وَالْعِصْيَان أَنْ يَأْتُوا إِلَى الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْتَغْفِرُوا اللَّه عِنْده وَيَسْأَلُوهُ أَنْ يَسْتَغْفِر لَهُمْ فَإِنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَابَ اللَّه عَلَيْهِمْ وَرَحِمَهُمْ وَغَفَرَ لَهُمْ وَلِهَذَا قَالَ " لَوَجَدُوا اللَّه تَوَّابًا رَحِيمًا "

وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَة مِنْهُمْ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور الصَّبَّاغ فِي كِتَابه الشَّامِل الْحِكَايَة الْمَشْهُورَة عَنْ الْعُتْبِيّ قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْد قَبْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ أَعْرَابِيّ فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول اللَّه سَمِعْت اللَّه يَقُول " وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ جَاءُوك فَاسْتَغْفَرُوا اللَّه وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُول لَوَجَدُوا اللَّه تَوَّابًا رَحِيمًا " وَ قَدْ جِئْتُك مُسْتَغْفِرًا لِذَنْبِي مُسْتَشْفِعًا بِك إِلَى رَبِّي ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُول :


يَا خَيْر مَنْ دُفِنَتْ بِالْقَاعِ أَعْظُمه *** فَطَابَ مِنْ طِيبهنَّ الْقَاع وَالْأَكَم
نَفْسِي الْفِدَاء لِقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنه *** فِيهِ الْعَفَاف وَفِيهِ الْجُود وَالْكَرَم



ثُمَّ اِنْصَرَفَ الْأَعْرَابِيّ فَغَلَبَتْنِي عَيْنِي فَرَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ فِي النَّوْم فَقَالَ : يَا عُتْبِيّ الْحَقْ الْأَعْرَابِيّ فَبَشِّرْهُ أَنَّ اللَّه قَدْ غَفَرَ لَهُ " . اهــــ

و مثل هذه الحكايات عند أدعياء السلفية - هداهم الله - يُعدُّ من الشرك الجليّ !!! ، يعني لا يخفى على الدّهماء فما بالك العلماء !!! ... اذاً كيف يُفسّر علماء التفسير آيات الله بالشركيات !!!

يجب التنبيه الى أنّ بعض أهل العلم نصوا على أنّ حكاية العتبي غير صحيحة الإسناد لكنَّ الشاهد من ذكرها عند المفسرين هو بيان أنّهم - رحمهم الله - ذكروها استئناساً لبيان أن الآية تفيد العموم و إلاّ لما كان لذكرها مغزًى في مثل هذا الموضع.

فتأمّل !










قديم 2008-12-20, 12:58   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
عبد الله ياسين
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

مفخرة المُفسرين الإمام القرطبي يُجيز التوسل بالنبي صلى الله عليه و سلم

قال الإمام القرطبي في "
التذكرة في أحوال الموتى و أمور الآخرة " :
نجانا الله من أهوال هذا اليوم بحق محمد نبي الرحمة و صحبه الكرام البر
رة و جعلنا ممن حشر في زمرتهم و لا خالف بنا على طريقهم و مذهبهم بمنه و كرمه آمين و صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم.اهــــ

قال الإمام القرطبي عند تفسيره لقوله تعالى [ سورة التوبة : 100
] :{ وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } :

فَهَذِهِ نُبْذَة مِنْ مَعْرِفَة الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ نَطَقَ بِفَضْلِهِمْ الْقُرْآن الْكَرِيم , رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . وَكَفَانَا نَحْنُ قَوْله جَلَّ وَعَزَّ : " كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ " [ آل عِمْرَان : 110 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ , وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ : " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا " [ الْبَقَرَة : 143 ] الْآيَة . وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَدِدْت أَنَّا لَوْ رَأَيْنَا إِخْوَاننَا ... ) . الْحَدِيث . فَجَعَلَنَا إِخْوَانه ; إِنْ اِتَّقَيْنَا اللَّه وَاقْتَفَيْنَا آثَاره حَشَرَنَا اللَّه فِي زُمْرَته وَلَا حَادَ بِنَا عَنْ طَرِيقَته وَمِلَّته بِحَقِّ مُحَمَّد وَآله.اهــــ

و في نسخة :
{ بجاه مُحَمَّد وَآله }

و قال أيضًا :
{ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ }
رَوَى أَبُو صَادِق عَنْ عَلِيّ قَالَ : قَدِمَ عَلَيْنَا أَعْرَابِيّ بَعْدَمَا دَفَنَّا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثَةِ أَيَّام , فَرَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى قَبْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَثَا عَلَى رَأْسه مِنْ تُرَابه ; فَقَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه فَسَمِعْنَا قَوْلَك , وَوَعَيْت عَنْ اللَّه فَوَعَيْنَا عَنْك , وَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْك " وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ " الْآيَة , وَقَدْ ظَلَمْت نَفْسِي وَجِئْتُك تَسْتَغْفِر لِي . فَنُودِيَ مِنْ الْقَبْر إِنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَك .اهــــ

فتأمّل !










قديم 2008-12-20, 13:10   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
عبد الله ياسين
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

نقلاً عن : دار الإفتاء المصرية

هل قول الله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }. باق إلى يوم القيامة أو أنه انتهى بانتقال النبي صلى الله عليه وسلم من الحياة الدنيا ؟

إن الآية التي أنزلها الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم في سورة النساء : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } ؛ آية مطلقة ليس لها مقيد نصي ولا عقلي، فليس هناك ما يقيد معناها بحياة النبي صلى الله عليه وسلم الدنيوية، فهي باقية إلى يوم القيامة، فالعبرة بالقرآن دائمًا بعموم اللفظ وليست بخصوص السبب، ومن زعم تخصيص تلك الآية بحياته صلى الله عليه وسلم أو تخصيصها به ؛فعليه أن يأتي بالدليل، فالإطلاق لا يحتاج إلى دليل؛ لأنه الأصل والتقييد هو الذي يحتاج للدليل.

وهذا ما فهمه المفسرون، بل أكثر المفسرين التزامًا بالأثر كالحافظ ابن كثير رحمه الله، فقد ذكر الآية وعقب عليها بقوله : «وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو النصر الصباغ في كتابه الشامل هذه القصة المشهورة ،عن العتبي قال : (كنت جالسًا عند روضة النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي، فقال : السلام عليك يا رسول الله ،سمعت الله يقول : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } ،وقد جئتك مستغفرًا لذنبي مستشفعًا بك إلى ربي ،ثم أخذ يقول :
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه *** فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه *** فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثم انصرف الأعرابي ، فغلبتني عيني ،فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ،فقال : يا عتبي الحقْ الأعرابي فبشره بأن الله قد غفر له ([1]). وروى القصة كذلك البيهقي([2]).

وهذا لا يعني أننا نستدل بالرؤيا، ولكننا نستدل بعدم اعتراض الإمام ابن كثير على القصة التي ساقها في تعرضه لتفسير تلك الآية، وما ذكره من إقرار العتبي للأعرابي في فعله وعدم الإنكار عليه بطلب الاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله الشريف صلى الله عليه وسلم.

وقد استدل بتلك الآية أغلب الفقهاء على استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم كما استحبوا قراءتها أثناء زيارة روضته الشريفة صلى الله عليه وسلم فذهب الحنفية إلى استحباب قراءة الآية عند قبره الشريف؛ ففي الفتاوى الهندية في آداب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ما نصه : «ثم يقف عند رأسه صلى الله عليه وسلم كالأول ويقول : اللهم إنك قلت - وقولك الحق - : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ ً }»([3]).

ومن مذهب المالكية يقول ابن الحاج العبدري : « فالتوسل به عليه الصلاة والسلام هو محل حط أحمال الأوزار وأثقال الذنوب والخطايا؛ لأن بركة شفاعته عليه الصلاة والسلام وعظمها عند ربه لا يتعاظمها ذنب؛ إذ أنها أعظم من الجميع ؛فليستبشر من زاره . ويلجأ إلى الله تعالى بشفاعة نبيه عليه الصلاة والسلام من لم يزره . اللهم لا تحرمنا من شفاعته بحرمته عندك آمين يا رب العالمين.

ومن اعتقد خلاف هذا فهو المحروم ؛ألم يسمع قول الله عز وجل : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }، فمن جاءه ووقف ببابه وتوسل به ؛وجد الله توابًا رحيمًا؛ لأن الله عز وجل منزه عن خلف الميعاد، وقد وعد سبحانه وتعالى بالتوبة لمن جاءه ووقف ببابه وسأله واستغفر ربه، فهذا لا يشك فيه ولا يرتاب إلا جاحد للدين معاند لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ،نعوذ بالله من الحرمان»([4]).

وقال إمام الشافعية الإمام النووي في بيانه لآداب زيارة النبي صلى الله عليه وسلم : «ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ويتوسل به في حق نفسه، ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب، وسائر أصحابنا عن العتبي مستحسنين له قال : (كنت جالسا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله ،سمعت الله يقول { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } ،وقد جئتك مستغفرًا من ذنبي ، مستشفعًا بك إلى ربي ...)» ([5])، ثم ذكر القصة التي أوردها ابن كثير.

وفي مذهب الحنابلة يرشد الإمام ابن قدامة إلى تلاوة تلك الآية ومخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بها ، وطلب الاستغفار منه صلى الله عليه وسلم في آداب زيارة قبره الشريف؛ حيث قال ما نصه : «ثم تأتي القبر فتولي ظهرك القبلة، وتستقبل وسطه، وتقول : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا نبي الله، وخيرته من خلقه وعباده، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لأمتك، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وعبدت الله حتى أتاك اليقين، فصلى الله عليك كثيرًا، كما يحب ربنا ويرضى، اللهم اجز عنا نبينا أفضل ما جزيت أحدًا من النبيين والمرسلين، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم إنك قلت -وقولك الحق - : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } ،وقد أتيتك مستغفرًا من ذنوبي ، مستشفعًا بك إلى ربي، فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة، كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللهم اجعله أول الشافعين، وأنجح السائلين، وأكرم الآخرين والأولين، برحمتك يا أرحم الراحمين. ثم يدعو لوالديه ولإخوانه وللمسلمين أجمعين»([6]).

وصرح العلامة الرحيباني من الحنابلة باستحباب قراءة الآية عند قبره الشريف أثناء الزيارة حيث قال في إرشاده لخير ما يقال أثناء الزيارة ما نصه : « اللهم اجز عنا نبينا أفضل ما جزيت أحدًا من النبيين والمرسلين، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم إنك قلت - وقولك الحق - : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } ،وقد أتيتك مستغفرًا من ذنوبي ،مستشفعًا بك إلى ربي، فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللهم اجعله أول الشافعين، وأنجح السائلين، وأكرم الأولين والآخرين برحمتك يا أرحم الراحمين. ثم يدعو لوالديه وإخوانه وللمسلمين أجمعين»([7]).

مما سبق نعلم أن جميع المذاهب يستحبون قراءة تلك الآية عند الروضة الشريفة، ويعتقدون أنها باقية، وهو ما عليه أمة الإسلام سلفًا وخلفًا، ولا عبرة لمن شذ منها عن ذلك الفهم، فاستغفار النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لا يمنعه عقل ولا نقل، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله، وما رأيت من شر استغفرت لكم »([8])، والله تعالى أعلى وأعلم.

هوامش :
([1]) تفسير ابن كثير، ج1 ص 521.
([2]) شعب الإيمان، ج3 ص 496.
([3]) الفتاوى الهندية، لجنة برئاسة نظام الدين بلخي، ج1 ص 266.
([4]) المدخل، لابن الحاج، ج1 ص 260.
([5]) المجموع، للإمام النووي، ج8 ص 256.
([6]) المغني، لابن قدامة، ج3 ص 298.
([7]) مطالب أولي النهى، للرحيباني، ج2 ص 441.
([8]) أخرجه البزار في مسنده كشف الأستار، ج1 ص 379، وأخرجه الحارث في مسند الحارث بزوائد الهيثمي، ج2 ص884، وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس، ج 2 ص 137، وذكره أبو بكر الهيثمي في مجمع الزوائد، ج9 ص 24 ،وعقبه بقوله : «ورجاله رجال الصحيح» ،قال عنه الحافظ العراقي في طرح التثريب، ج3 ص 297 : «إسناده جيد»، وصححه الحافظ المناوي في فيض القدير،ج3 ص 401، وتعجب ممن زعم أنه مرسل، وقد صححه جمع غفير من الحفاظ منهم : النووي، وابن التين، والقرطبي، والقاضي عياض، والحافظ ابن حجر.

فتأمّل !









قديم 2008-12-20, 13:28   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
جويرية
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

وفقك الله المنتدى على مذهب اهل السنة والجماعة وليس على مذهب دار الافتاء المصدرية










قديم 2008-12-20, 15:27   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله ياسين مشاهدة المشاركة
وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَة مِنْهُمْ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور الصَّبَّاغ فِي كِتَابه الشَّامِل الْحِكَايَة الْمَشْهُورَة عَنْ الْعُتْبِيّ قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْد قَبْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ أَعْرَابِيّ فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول اللَّه سَمِعْت اللَّه يَقُول " وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ جَاءُوك فَاسْتَغْفَرُوا اللَّه وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُول لَوَجَدُوا اللَّه تَوَّابًا رَحِيمًا " وَ قَدْ جِئْتُك مُسْتَغْفِرًا لِذَنْبِي مُسْتَشْفِعًا بِك إِلَى رَبِّي ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُول :


يَا خَيْر مَنْ دُفِنَتْ بِالْقَاعِ أَعْظُمه *** فَطَابَ مِنْ طِيبهنَّ الْقَاع وَالْأَكَم
نَفْسِي الْفِدَاء لِقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنه *** فِيهِ الْعَفَاف وَفِيهِ الْجُود وَالْكَرَم




ثُمَّ اِنْصَرَفَ الْأَعْرَابِيّ فَغَلَبَتْنِي عَيْنِي فَرَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ فِي النَّوْم فَقَالَ : يَا عُتْبِيّ الْحَقْ الْأَعْرَابِيّ فَبَشِّرْهُ أَنَّ اللَّه قَدْ غَفَرَ لَهُ " . اهــــ



لازلت تنقل لنا شبهاتك هذه !!!

قصة العتبي

قصة العتبي التي تروى في تفسير قوله تعالى: { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً }

قصة ضعيفة لم يثبتها أحد ممن أوردها ، بل صنيع بعضهم يدل على ضعفها ، كصاحب المغني ، والشرح الكبير ، وابن كثير ، وهي مروية عن العتبي وعن محمد بن حرب الهلالي وعن أبي الحسن الزعفراني وعن علي بن أبي طالب بإسناد موضوع ، كما حقق ذلك ابن عبد الهادي ، وكلهم يرويها عن أعرابي أنه أتى إلى القبر فقرأ الآية فرأى العتبي في المنام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتاه وقال له: "الحق بذاك الأعرابي وأخبره أن الله قد غفر له بشفاعتي" وهذا منام لا يحتج به ، والأعرابي مجهول لا حجة في فعله لو صح الإسناد إليه ، فكيف وإسناد القصة لا تقوم به الحجة.

وهذه الآية وردت في قوم مخصوصين وهم الذين لم يرضوا بحكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس هناك لفظ عام لا من جهة الآتي ولا الذي يؤتى إليه حتى يقال أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

وأما من جهة الذي يؤتى إليه فإن اللفظ العام على زعم من قال بالعموم لا يتناول إلا ما كان من أفراده والمجيء إلى القبر ليس من أفراد المجيء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا قيل أن المقصود المجيء إليه في حياته الدنيوية والبرزخية ولما كان المجيء إليه في حياته البرزخية يستلزم المجيء إلى القبر قلنا بذلك فيقال دون إثبات المجيء في حياته البرزخية خرط القتاد .

وكذلك لو صح حمل الآية على العموم لصح ذلك في قوله تعالى: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} الآية . بل هو أولى لأن الاسم الموصول " الذين " من ألفاظ العموم ولا قائل أن مناداة الزائر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله السلام عليك يا رسول الله يدخل في معنى الآية.

وكذلك قوله تعالى {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} الآية . فلو صح الاستدلال بالآية المذكورة على المجيء إلى قبر النبي لكان هنا من باب أولى ولا أحد يقول بهذا .

كما أن ذلك القول فيه مصادمة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تتخذوا قبري عيداً)) لأنه حينئذ سيكون عيداً للمذنبين كلما أذنبوا .

وأما من احتج على مطلق إتيان قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ((أن وسيلة القربة المتوقفة عليها قربة)).



فيقال أن هذه القاعدة غير مطردة لأن هنالك من القرب ما يكون وسيلتها أمر محرم أحيانا فالسفر إلى غير المساجد الثلاثة ليس بقربة مع أن الصلاة بالمسجد قربة فلو أراد أحد أن يسافر لأجل أن يصلي بقباء لأجل أن الصلاة به قربه لكان مأزورا غير مأجوراً .

ويقال لمن يحتج بالآية على شرعية المجيء إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه ذكر في الآية أن استغفار النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكون بعد المجيء فهل لهم أن يثبتوا وقوع هذا الاستغفار ودون هذا خرط القتاد ولا يصلح أن يحتجوا بالنصوص العامة التي فيها استغفار النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمؤمنين ولا باستغفاره عقب عرض الأعمال عليه فإنه لا يصح ولو صح فالمطلوب استغفار عقب المجيء لا قبله .

ولو صح قولهم في الاستدلال بالآية لكان هذا فيه نسب التقصير إلى سلف هذه الأمة لأنه ما ثبت عن أحد منهم أنه كان يأتي القبر بعد الذنب بل لم تثبت الزيارة عن أحد من الصحابة إلا ما ندر كما ثبت عن ابن عمر وكان ذلك فقط إذا أتى من سفر بل جاء عن بعض التابعين كالإمام مالك التزهيد فيها لما تؤدي إليه من الغلو في النبي صلى الله عليه وآله وسلم واتخاذ قبره عيدا وقد ثبت نهيه عن ذلك .

فعن أبي إسحاق إبراهيم بن سعد قال: ما رأيت أبي يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم قط وكان يكره إتيانه.

وهذا عبيد الله بن عمر العمري يقول: ما نعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك غير ابن عمر .

وعندما قيل للإمام مالك إن أناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يقفون على القبر فيصلون عليه ويسلمون فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا وتركه واسع ولا يصلح آخر الأمة إلا ما أصلح أولها .












آخر تعديل ليتيم الشافعي 2008-12-20 في 15:45.
قديم 2008-12-20, 15:34   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله ياسين مشاهدة المشاركة
و قال أيضًا :
{ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ }
رَوَى أَبُو صَادِق عَنْ عَلِيّ قَالَ : قَدِمَ عَلَيْنَا أَعْرَابِيّ بَعْدَمَا دَفَنَّا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثَةِ أَيَّام , فَرَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى قَبْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَثَا عَلَى رَأْسه مِنْ تُرَابه ; فَقَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه فَسَمِعْنَا قَوْلَك , وَوَعَيْت عَنْ اللَّه فَوَعَيْنَا عَنْك , وَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْك " وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ " الْآيَة , وَقَدْ ظَلَمْت نَفْسِي وَجِئْتُك تَسْتَغْفِر لِي . فَنُودِيَ مِنْ الْقَبْر إِنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَك .اهــــ

الرد على هذه الشبهة.


الأعرابي الذي جاء إلى القبر


(روى أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن الكرخي عن علي بن محمد بن علي ثنا أحمد بن محمد بن الهيثم الطائي ثنا أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قدم علينا أعرابي بعد ما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام ، فرمى نفسه على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وحثا على رأسه من ترابه وقال: يا رسول الله: قلتَ فسمعنا قولك ، ووعيت من الله عز وجل ما وعينا عنك ، وكان فيما أنزل الله تبارك وتعالى عليك: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} وقد ظلمت نفسي ، وجئتك لتستغفر لي فنودي من القبر: إنه غفر لك)

الكلام على سند هذا الحديث

يقول الشيخ محمد بشير السهسواني رحمه الله تعليقاً على هذا الحديث في كتابه "صيانة الإنسان": هذا الخبر ضعيف جداً حتى قيل إنه موضوع. قال في "الصارم المنكي": فإن قيل أنه روى أبو الحسن علي بن إبراهيم ...... فنودي من القبر: إنه غفر لك.

والجواب: أن هذا الخبر منكر موضوع ، وأثر مختلق مصنوع لا يصلح الاعتماد عليه ، ولا يحسن المصير إليه ، وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض ، والهيثم جد أحمد بن محمد ابن الهيثم أظنه ابن عدي الطائي فإن يكنه فهو متروك كذاب ، وإلا فهو مجهول ، وقد ولد الهيثم بن عدي بالكوفة ونشأ بها وأدرك زمان سلمة بن كهيل فيما قيل ، ثم انتقل إلى بغداد فسكنها ، قال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: الهيثم بن عدي كوفي ليس بثقة ، كان يكذب ، وقال العجلي وأبو داود: كذاب ، وقال أبو حاتم الرازي والنسائي والدولابي والأزدي: متروك الحديث ، وقال السعدي:ساقط قد كشف قناعه. وقال أبو زرعة: ليس بشيء. وقال البخاري: سكتوا عنه ، أي اتركوه. وقال ابن عدي: ما أقل ماله من المسند ، وإنما هو صاحب أخبار وأسمار ونسب وشعر.

وقال ابن حبان: كان من علماء الناس بالسير وأيام الناس وأخبار العرب ؛ إلا أنه روى عن الثقات أشياء كأنها موضوعات ، يسبق إلى القلب أنه كان يدلسها. وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث. وقال الحاكم أبو عبد الله: الهيثم بن عدي الطائي في علمه ومحله حدث عن جماعة من الثقات أحاديث منكرة. وقال العباس بن محمد:سمعت بعض أصحابنا يقول قالت جارية الهيثم:كان مولاي يقم الليل يصلي فإذ أصبح جلس يكذب.اهـ

قال الذهبي في ترجمة الهيثم بن عدي الطائي: أبو عبد الرحمن المنبجي ثم الكوفي قال البخاري: ليس بثقة،كان يكذب، قال يعقوب بن محمد حدثنا أبو عبد الرحمن من أهل منبج وأُمهُ من سبي منبج، سكتوا عنه. وروى عباس عن يحيى:ليس بثقة، كان يكذب. وقال أبو داود: كذاب. وقال النسائي وغيره: متروك الحديث.

قلتُ: كان إخبارياً علامة ، روى عن هشام بن عروة وعبد الله بن عياش المشرف ومجالد. وقال ابن عدي: هو أوثق من الواقدي، ولا أرضاه في شيء. قال عباس الأودي: حدثنا بعض أصحابنا قال: قالت جارية الهيثم بن عدي: مولاي يقوم عامة الليل يصلي، فإذا أصبح جلس يكذب. انتهى ملخصاً.

وفي الميزان: الهيثم الطائي الآخر هو أيضاً كذاب، ولفظه هكذا: الهيثم بن عبد الغفار الطائي بصري مقل تالف.قال أحمد:عرضت على ابن مهدي أحاديث الهيثم بن عبد الغفار عن همام بن يحيى وغيره فقال:هذا يضع الحديث. وسألت الأقرع وكان صاحبنا حديث عن الهيثم فذكر نحوه.قال أحمد:وسمعت هشيماً يقول:ادعوا الله لأخينا عباد بن العوام سمعته يقول:كان يقدم علينا من البصرة رجل يقال لهُ الهيثم بن عبد الغفار فحدثنا همام عن قتادة وأبيه وعن رجل يقال له ابن حبيب وعن جماعة،وكنا معجبين به،فحدثنا بشيء أنكرته أو ارتبت به ثم لقيته بعد فقال لي:ذلك الحديث دعه ، فقدمت على عبد الرحمن بن مهدي فعرضت عليه بعض حديثه فقال: هذا رجل كذاب،أو قال: غير ثقة. وقال أحمد: ولقيت الأقرع بمكة فذكرت له بعض هذا فقال:هذا حديث البري عن قتادة، يعني أحاديث همام، قال:فخرقت حديثه وتركناه بعد. اهـ ) .
الكلام على متن هذا الحديث

يقول الشيخ محمد نسيب الرفاعي رحمه الله في كتابه القيم (التوصل): "إن هذا الحديث ألغامه موجدة في متنه فضلاً عن سنده ، وفيه من الطامات ما لا يشك فيه مسلم أنه موضوع مكذوب وذلك من وجوه:



1- نحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي دفن في بيت عائشة أم المؤمنين فإذا كان الأعرابي فعل ما فعل … على الشكل الذي يرويه الحديث فلابدَّ أنه دخل بيت عائشة .. وكيف يدخل عليها دونما استئذان … ؟ لأن الحديث خلا من ذكر الاستئذان،وهب أنه استأذن .. فكيف تمكنه عائشة رضي الله عنها،من أن يفعل ما يفعل من الارتماء على القبر،وحثو التراب منه على رأسه؟!



2- ثم إن الحديث مروي عن علي رضي الله عنه .. وهو الذي يروي عن الأعرابي ما فعل على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلابد أن يكون عليٌّ قد رآه فلو أنه سمع فقط دون أن يراه .. فمعنى ذلك أنه سمع من شخص آخر رواية عنه،ولكن لم يذكر هذا الشخص الذي سمع منه ما فعل الأعرابي … فعدم ذكر الشخص الذي سمع منه يدل على أن علياً رأى ما فعل … لا سماعاً من غيره …إذاً ثبت أن علياً رأى ما فعله الأعرابي ما يفعل على القبر .. فكيف لم ينهه عن ذلك؟ لأن الرواية لا تشير أن علياً نهاه .. فعدم النهي عن فعل يفيد الإقرار،فكيف يسكت علي رضي الله عنه عن فعل الأعرابي ولا ينهاه .. وهو يعلم أنه عمِلَ عَمَلَ الجاهلية فهذا لا يعقل صدوره عن علي رضي الله عنه ألبته،لا سيما وإن أبا صادق الذي يروي الحديث عن علي لم يثبت سماعه عن علي رضي الله عنه.



3- ثم إن الحديث يروى عن الأعرابي أنه قال: يا رسول الله:قلت:فسمعنا قولك،ووعيت من الله ما وعينا عنك. فيعلم من هذا أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يسمع من شخص لابد أنه رآه واجتمع به … ثم إن السماع مع الوعي عنه صلى الله عليه وسلم يفيد أنه سمع فوعى وهذه صفات شخص فاهم بصير مما يدل على أن الأعرابي صحابي فاهم بصير .. فصحابي هذه صفته وهذا شأنه … أيعقل أنه يرتمي على قبر الرسول ويحثو منه التراب على رأسه … وهو يعلم أن هذا من عمل الجاهلية،والذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.



4- يقول الأعرابي: ووعيتَ من الله ما وعينا عنك،ولكن العكس هو الصحيح.فإن رسول الله لم يعِ من الله ما وعاه منه صحابته ، بل وعى منه صحابته ما وعى هو عن الله ، ولاشك أن الفارق ظاهر بين العبارتين … لأن عبارة الأعرابي أن الصحابة وعوا من رسول الله ما وعوه منه قبل أن يعي رسول الله ما وعاه عن ربه … وشتان بين قول الأعرابي الخاطئ وما بين القول الذي كان يجب أن يقوله ومثل هذا القول لا يقوله أعرابي فصيح ، فضلاً عن أعرابي من أهل البادية بصرف النظر عن كونه صحابياً أيضاً … يعرف جيداً أنه ما وعاه رسول الله عن ربه كان قبل أن يتلقاه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقول الأعرابي يدل على أن القرآن تلقاه الصحابة عن رسول الله قبل أن يتلقاه رسول الله عن ربه.!!!

وهذا لا يقوله مسلم ما فضلاً عن صحابي فاهم بصير.

ولعله من الدسائس التي يراد منها:أن القرآن من كلام محمد صلى الله عليه وسلم ، والعيــاذ بالله.



5- ثم قال الأعرابي ـ فيما يرويه هذا الحديث ـ… وكان فيما أنزل الله تبارك وتعالى عليك: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} وقد ظلمت نفسي ، وجئتك لتستغفر لي … إن هذه الآية الكريمة تتعلق فيمن يأتيه عليه الصلاة والسلام حال حياته ، لا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. نعم حال حياته ليحصل للمستغفر المغفرة من الله تعالى باستجابة استغفار رسول الله له … أما المجيء إلى قبره صلى الله عليه وسلم والسؤال أن يستغفر للسائل ، فهذا محال … لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد انقطع عمله بوفاته ، فلم يعد يتحرك أبداً فضلاً عن أن يحرك لسانه بالاستغفار أو غيره فهو على ضجعته من يوم أن دفن إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة.



أما أن يسمع أو يتكلم أو يصدر عنه أي عمل .. فلا. وقد انقطع عمله نهائياً كما قال هو عليه الصلوات وأزكى التسليمات: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاَّ من ثلاث:صدقة جارية .. وعلم ينتفع به ، وولد صالح)) ولاشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشمله هذا الحديث. لأنه من بني آدم ، وقد قضى الله عليه بالموت والتحقيق بالرفيق الأعلى.



أما الحياة البرزخية فهي حياة لا يعلمها إلا الله تعالى ، وليس لها أية علاقة في الحياة الدنيا وليس لها بها أي صلة … فهي حياة مستقلة نؤمن بها ولا نعلم ماهيتها.

وإن ما بين الأحياء والأموات حاجز يمنع الاتصال فيما بينهم قطعياً وعلى هذا فيستحيل الاتصال بينهم لا ذاتاً ولا صفات والله سبحانه يقول: {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} والبرزخ معناه:الحاجز الذي يحول دون اتصال هؤلاء بهؤلاء … لاسيما وأن الله تعالى يقول: {أنك لا تسمع الموتى} ويقول عز وجل: {وما أنت بمسمع من في القبور} والرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن توفاه الله هو من الموتى ، ومن أهل القبور فثبت أنه لا يسمع دعاء أحد من أهل الدنيا ، وإن كان هو والأنبياء لا يبلون لأن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجسـاد الأنبياء كم جاء في الصحيح ولكنهم أجساد بلا أرواح وهم أموات بلا شك.فإن الموت شيء وعدم البلى شيء آخر ، فمن كان ميتاً … لا يمكن أن يسمع هو همزة الوصل لحصول الجواب … وإذا لم يسمع طلب الاستغفار فكيف يستغفر..؟ ثم إذا فهم هذا .. فأي معنى يبقى من طلب الاستغفار؟! الجواب: لا معنى لطلب الاستغفار أبداً.



وما يضير هذا المستغفر إذا توجه إلى الله وتاب من ذنوبه ، وطلب من الله المغفرة…؟ أو اختار أحد الصالحين الأحياء وكلفه أن يدعو له فلا مانع من ذلك كما طلب عمر من العباس رضي الله عنهما أن يستسقي للمسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يطلب عمر رضي الله عنه من رسول الله بعد وفاته أن يستسقي للمسلمين.

ولو كان هذا جائزاً لفعله عمر رضي الله عنه ولكن لم يفعل ذلك … لأنه يعلم أن رسول الله التحقيق بالرفيق الأعلى ولم يعد يستطيع الدعاء وما أشبه ذلك.



ثم ما قولك يا أخي المسلم الكريم أن هذه الآية لم تنزل لهذا الغرض مطلقاً ولا علاقة البتة … إنما الآية نزلت في المنافقين الذين كانوا يصدون الناس عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ويتحاكمون إلى الطاغوت … فهؤلاء إذا جاءوا ومصانعةً ، لا اعتقاداً منا بصحة احتكامنا إلى الطاغوت … فهؤلاء إذا جاءوا النبي واستغفروا الله من نفاقهم في مجلسه ، وسألوه أن يعقب على استغفارهم لأنفسهم … بأن يستغفر الرسول لهم عندها يجدون الله تواباً رحيماً … ولكن لم يجيئوا ولم يستغفروا ، ولم يستغفر لهم الرسول فما علاقة هذا .. بواقع الأعرابي الذي جاء رسول الله بعد وفاته وطلب منه وهو ميت أن يستغفر لهم ..؟!!



نعم لا علاقة بين الموضوعين ؛ بل ولا قياس بين الواقعين لاختلافهما وتفارقهما.



على أن واضعي هذا الحديث .. ما كان قصدهم إلا التغرير والإفساد والتضليل فلا يهمهم التوافق بين الواقعين ، حتى يستقيم القياس بينهما … إنما المهم عندهم تشكيك المسلمين بأي ثمن كان ؛ ولكن ردَّ الله كيدهم في نحورهم وأخسرهم وقد بحثنا هذا الموضوع قبل صفحات فليرجع إليه من يشاء[في كتاب الشيخ قبل ص265].



6- قوله في الحديث … (فنودي من القبر: إنه غفر لك …؟؟!!)

إن من وطّن نفسه على الكذب … لا يهمه إن كذب على الله وعلى رسوله وعلى الناس فالكل عنده على حدّ سواء!! لا سيما إذا كان مراده التضليل والتشكيك .. فيستحل كل حرام ، في سبيل الوصول إلى ما يبتغي ويريد! وليس للقيم عنده أقل اعتبار .. ما دام أنه يسعى لتحقيق ما خطّطه هو أو ما خُطط له!! وعند هؤلاء قاعدة يعتمدون عليها ، في كل ما يعملون .. ألا وهي (الغاية تبرر الوسيلة) فكل وسيلة مهما كانت ، فهي في نظرهم مشروعة!!! إذا كانت تحقق لهم أغراضهم وتوصلهم إلى أهدافهم ومراميهم.



فالزنادقة الذين امتلأت قلوبهم بصديد الحقد على الإسلام ، والحنق على المسلمين ما كان باستطاعتهم صدهم عن دينهم بالقوة .. إذا لم يكن ذلك متيسراً لهم .. فلجأوا إلى الدس ، والتغالي ، وبث الأباطيل والترهات .. بوضع الأحاديث والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم إيهاماً للمسلمين وتضليلاً وتشكيكاً بدينهم الحق.

ولعل هذا الحديث من جملة تلك الأحاديث الموضوعة المصنوعة .. ففي متنه فضلاً عن سنده من الطامات ، كشفنا ما قدرنا الله على كشفه آنفاً على أن هذه الفقرة الأخيرة منه أخطر ما جاء فيه وهي: فنودي من القبر:إنه غفر لك!!! أي أن النبي صلى الله عليه وسلم ناداه من قبره إنه غفر لك .. وذلك تحريضاً لكل من يقرأ هذا الحديث الموضوع من أهل الغفلة أن يصدقه ويفعل ما فعله الأعرابي لينال البشرى بمغفرة الذنب كما نالها الأعرابي.

فتفشى بين أغرار المسلمين هذه الأكاذيب وعلى توالي الأيام يحتج به كحقائق لا ينازع فيها .. وهذا ما حصل بالفعل .. فقد جاء بهذا الحديث وأمثاله .. لا أغرار المسلمين فحسب ؛ بل وعقلاؤهم وخاصة أهل العلم فيهم مع الأسف الشديد ، اللهم إلا من رحم ربك الذين يجددون للناس أمر دينهم ، ويعصمهم الله من الزلل ، فينصر بهم دينهم ، ويحفظ بهم ما أنزل من البينات فيردون الأباطيل ويكشفون الخفايا والأعصبة عن الأبصار والبصائر ، ولا يخلو أي عصر منهم والحمد لله.
على أن هذه الأمور غير خافية المقاصد ؛ بل هي ظاهرة بينه ، ولا تنطلي إلا على الذين سلموا قيادهم للباطل ، وأننا نرد عليهم بما يلي:



1 - إن الله تعالى أخبرنا أن {كل نفس ذائقة الموت} وقد قال عز وجل: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} وقال عز من قائل: {إنك ميت وإنهم ميتون} كل هذا يدلنا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات كما مات من قبله ومن بعده والذي ينقطع عن الناس بسبب الموت ، ينقطع عمله لأنه بشر مثلهم فلا يتكلم ولا يسمع وليس له من بعد وفاته فداه أبي وأمي ونفسي أي اتصال بالدنيا ولو كان ذلك ممكناً ؛ ولكن لم يتصلوا به لعلمهم الأكيد أنه لا يمكن الاتصال به إلى يوم القيامة ، فكيف بنادي الأعرابيّ من قبره وهو ميت منقطع العمل والحواس إلى يوم يبعثون؟



2- لقد قرر القرآن أن الأموات لا يسمعون ولا يتكلمون وإنهم في عالم آخر ليس له علاقة بعالمنا هذا: {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} .



3- فما دام رسول الله لا يسمع ولا يتكلم ولا يجيب فكيف يجيب الأعرابي من القبر والقبر والبرزخ من عالم الغيب الذي يجب أن نؤمن به دون أن نراه فإن سمع منه صوت أو كلام أو بشارة صار عالم شهادة ، وهذا لن يكون ، وسيظل من عالم الغيب إلى يوم القيامة فإذا انتفى هذا ، انتفت البشارة بالمغفرة فلو كان في المنام لكان فيه نظر .. فكيف باليقظة؟!!

فإنه من أكذب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم ((من كذب عليَّ يلج النار)) ولكن أين الخوف من الله تعالى حتى لا يكذب عليه ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم،اللهم نعوذ بك من الخذلان وسوء المنقلب.

وهكذا .. فقد اتضح لك يا أخي المسلم ، ما في متن هذا الحديث من الطامات والأباطيل والترهات ، والكذب والافتراء ، مما يدلك دلالة واضحة ، على أن هذا الحديث موضوع ، ومصنوع ، هذا من جهة المتن!! فكيف إذا ثبت لك أيضاً أن سنده موضوع ، فلا شك أنك ستزداد يقيناً بعدم صلاحه للاحتجاج به) .



ولعله من المناسب أن نبين تفسير الأعلام للآية الواردة {ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}

لو تتبعنا الآيات التي قبل هذه الآية وبعدها ؛ لوجدناها تخاطب المنافقين ، وهذه الآية نزلت في قوم نافقوا بصدهم عن حكم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتحاكمهم إلى الطاغوت ؛ فبين الله تعالى أنهم لو اعترفوا بذنوبهم ، وتابوا منه بمجيئهم إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم واستغفروا الله تعالى من هذا الذنب ، ثم استغفر لهم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم شافعا فيهم لتقبل توبتهم ؛ لكان الجزاء المذكور.

وكل هذا كان في حياة النبي صلى الله وعلى آله وسلم ولم يرد في كتب التفسير ولا غيرها من كتب أهل العلم ، عن أئمة السلف الصالح من أهل التفسير والحديث والفقه أن ذلك حدث بعد وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أما استدلال المخالفين لأهل السنة ؛ بأن الآية تدل على المجيء إلى قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وطلب الاستغفار والشفاعة منه في مغفرة الذنوب .. ونحوه ؛ فهو استدلال باطل وقول فاسد يدل على سقم في الفهم ، وبعد عن حقيقة التوحيد .

والصحابة رضي الله عنهم لم يفهموا هذا الفهم الخاطئ من هذه الآية ، ولذا لم ينقل عنهم المجيء إلى قبره صلى الله عليه وعلى آله وسلم لطلب الاستغفار منه ، وقد وقع منهم ظلم لأنفسهم بعد وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم قطعا ؛ فدل هذا على أن فهم المخالفين لأهل السنة فهم فاسد مردود.

قال الإمام الطبري رحمه الله عن تفسير هذه الآية يعني بذلك جلَّ ثناؤه: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين وصف صفتهم في هاتين الآيتين ، الذين إذا دُعوا إلى حكم الله وحكم رسوله صدَّوا صدوداً ، إذ ظلموا أنفسهم باكتسابهم إياهم العظيم من الإثم باحتكامهم إلى الطاغوت وصدودهم عن كتاب الله وسُنَّة رسوله ، إذا دعوا إليها جاؤوك يا محمَّد حين فعلوا ما فعلوا من مصيرهم إلى الطاغوت راضين بحكمه دون حكمك ، جاؤوك تائبين منيبين ؛ فأسالوا الله أن يصفح لهم عن عقوبة ذنبهم بتغطيته عليهم ، وسأل لهم الله رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثل ذلك ، وذلك هو معنى قوله: {فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول} ). انظر تفسير الطبري "4/157"

وقال الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية الكريمة:

( {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} هذا الظلم العظيم غاية العظم ؛ إذْ عرضوها لعذابٍ ، على عذاب ترك النفاق ، بترك طاعتك والتحاكم إلى الطاغوت {جاؤوك} تائبين من النفاق متنصلين عمَّا ارتكبوا {فاستغفروا الله} من ذلك وتابوا إليه تعالى من صنيعهم {واستغفر لهم الرسول} أي ؛ دعا لهم بالمغفرة ، فكان استغفاره شفاعةً لقبول استغفارهم { لوجدوا الله تواباً} أي ؛ قابلاً لتوبتهم {رحيماً} أي ؛ متفضلاً عليهم بالرحمة وراء قبول التوبة) .

"انظر تفسير القاسمي محاسن التأويل 5/272"

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ عن الذين يستدلون بهذه الآية:

(ويقولون: إذا طلبنا منه الاستغفار بعد موته ، كنا بمنزلة الذين طلبوا الاستغفار من الصَّحابة ؛ ويخالفون بذلك إجماع الصَّحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر المسلمين ، فإنَّ أحداً منهم لم يطلب من النَّبِيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد موته أن يشفع له ولا سأله شيئاً ولا ذكر ذلك أحد من أئمة المسلمين في كتبهم …

ثم قال بعد سرد بعض أنواع البدع في سؤال غير الله تعالى:

( فهذا مَّما علم بالاضطرار من دين الإسلام ، وبالنقل المتواتر ، وإجماع المسلمين ؛ أنَّ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يشرع هذا لأمته ، وكذلك الأنبياء قبله لم يشرعوا شيئاً من ذلك بل أهل الكتاب ليس عندهم عن الأنبياء نقل بذلك ، ولا فعل هذا أحدٌ من أصحاب نبيهم ، والتابعين لهم بإحسان ، ولا استحب ذلك أحدٌ من أئمة المسلمين ، لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم ، ولا ذكر أحدٌ من الأئمة لا في مناسك الحج ولا غيرها ؛ أنَّه يستحب لأحدٍ أن يسأل النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عند قبره أن يشفع له ، أو يدعوا لأمته ، أو يشكوا إليه ما نزل بأُمته من مصائب الدُّنيا والدِّين) .

"أنظر قاعدة في التوسل والوسيلة 24-28"

وقال فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العُثيمين عن عدم دلالة هذه الآية للسؤال عن قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك لأنَّ الله تعالى يقول:

( {ولو أنهم إذ ظلموا} و {إذ} هذه ظرف لما مضى ، وليست ظرفاً للمستقبل ، لم يقل الله: "ولو أنهم إذا ظلموا" بل قال: {إذ ظلموا} فالآيـة تتحدث عن أمرٍ وقع في حياة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم …. والآية نزلت في قوم تحاكموا ، أو أرادوا التحاكم إلى غير الله ورسوله ؛ كما يدلُّ على ذلك سياقها السابق واللاحق) .


وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، والحمد لله رب العالمين.









آخر تعديل ليتيم الشافعي 2008-12-20 في 15:49.
قديم 2008-12-20, 15:40   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله ياسين مشاهدة المشاركة

هذه هدية بسيطة لك أخى ياسين.






السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

اخواني الأعزاء
أقدم لكم هذا الكتاب الرائع والهام جدا لا سيما في هذا الزمان
الا وهو : (فتاوى كبار علماء الأزهر الشريف حول الأضرحة والقبور والموالد والنذور )


فجزى الله خيرا من قام بجمع هذه الفتاوي من مصادرها لتكون عظة للمؤمنين وتذكرة للموحدين

الكتاب من تقديم:

1- عبد الستار فتح الله سعيد
(استاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر وأم القرى)
2- عبد الله شاكر الجنيدي
(استاذ العقيدة الاسلامية , نائب الرئيس العام لجماعة انصر السنة المحمدية بمصر)
3-عبد الرحمن يعقوب
(من علماء الأزهر الشريف)
4- محمد يسري ابراهيم
( رئيس مركز البحوث وتطوير المناهج بالجامعة الأمريكية المفتوحة,رئيس مجلس ادارة مركز فجر للغة العربية )

بعض صور الكتاب:













يكفي هذا والكتاب مليء بالمزيد

اضغط هنا للتحميل









 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 22:18

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc