سلطة رئيس الدولة
في تعطيل الدستور وفقاً للاتجاهات الدستورية المعاصرة
المقدمة :
ـ موضوع البحث :
يتضمن النظام السياسي Political system الذي يقرره الدستور ، إلى جانب تنظيم السلطة ، تنظيماً للحرية ، يتقرر من خلاله مجموعة الحقوق والحريات العامة للأفراد ، تمثل الحد الأدنى المعترف به منها ، في النظم الديمقراطية .
والواقع إن الدستور ، وأن تضمن تنظيماً لقضيتي السلطة والحرية ‘إلاّ أن قيمته العملية ، تتوقف على سلوك السلطات العامة في الدولة ، والتي تتولى تطبيق نصوصه . حيث يقع عليها واجب تطبيق النصوص الدستورية ، تطبيقاً سليماً ، عندما تباشر اختصاصاتها ، بأن يتم ذلك على النحو المبين في الدستور .
ويؤكد المشرع الدستوري على مبدأ سيادة الدستور ، و ينيط برئيس الدولة Head of State وظيفة ضمان تطبيق القواعد الدستورية(1).
ومع ذلك فقد توجد حالات تستدعي التصريح لرئيس الدولة، بمزاولة سلطة تعطيل أو إيقاف تطبيق بعض النصوص الواردة في الوثيقة الدستورية ، وذلك لمواجهة ظرف غير عادي ، يهدد كلتي المصلحتين العامة والخاصة ، ويؤدي إلى تقويض النظام الدستوري نفسه .
فالمشرِّع الدستوري ، قد يُضَمِّن نصوص الدستور ، السند الذي يخوِّل رئيس الدولة –صراحةً أو ضمناً – صلاحية تعطيل بعض نصوص الدستور الأخرى .
بيد إن امتلاك رئيس الدولة لسلطة التعطيل ، قد لا يجد سنده في أحكام الدستور ، وإنما يبرز كظاهرة في الواقع السياسي .
ـ مشكلة البحث :
تعد إشكالية تعطيل الدستور من قبل رئيس الدولة ، أحدى المظاهر المشتركة بين عدد من الأنظمة الدستوريةsystems constitutional والتي عملت على تقوية مركز رئيس الدولة في مواجهة السلطات العامة الأخرى ، بما يؤثر على التوازن المفترض بين السلطات .
ويشير واقع الأنظمة الدستورية ، إلى إن نصوص الدستور ، تتعرض إلى تعطيل أحكامها ، في حالتين : الأولى ؛ تجد سندها في التنظيم الدستوري ذاته ، والثانية ؛ تجد سندها في الواقع السياسي والمتمثل في عدم تطبيق أحكام الدستور ، أو تطبيقها بشكل مغاير لمحتواها .
ـ خطة البحث :
تقتضي طبيعة البحث في سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور وفقاً للاتجاهات الدستورية المعاصرة ، معالجته على النحو الأتي :
-مقدمة
-الفصل الأول : مضمون سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور.
-الفصل الثاني : موقف الدساتير من سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور.
-الفصل الثالث : القيود التي ترد على سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور.
-خاتمة : تتضمن أبرز النتائج والتوصيات .
الفصل الأول :
مضمون سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يثير البحث في مضمون تعطيل الدستور ، جدلاً فقهياً على جانب من الأهمية ، بشأن تحديد معنى ومحتوى التعطيل ، وتبيان مسوغاته .
وعلى ذلك ، نتناول بالدراسة هذه الموضوعات ، وذلك في مبحثين :
المبحث الأول : معنى تعطيل الدستور.
المبحث الثاني : مسوغات تعطيل الدستور.
المبحث الأول :
معنى تعطيل الدستور
تميزت آراء الفقه بالانقسام إلى اتجاهين بشأن تحديد معنى ( التعطيل ) . فذهب البعض إلى وجوب الرجوع إلى المعيار اللغوي ، بينما ذهب البعض الآخر إلى وجوب الرجوع إلى المعيار الموضوعي .
ولتبيان ذلك ، سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين نحدد في أولهما المقصود بالتعطيل تبعاً للمعيار اللغوي ، ونحدد في الآخر المقصود بالتعطيل تبعاً للمعيار الموضوعي .
المطلب الأول :
تعطيل الدستور وفقاً للمعيار اللغوي
إن تحديد معنى تعطيل الدستور ، من الناحية اللغوية ، يستلزم بداية ً تبيان المعنى اللغوي لكلمة (التعطيل).
وتشير معاجم اللغة العربية إلى أن ( التعطيل )، هو المصدر من ( عَطَلَ ) و( عَطَّلَ ) الشيء ، أي تركه ضياعاً .
وقد يستعمل ( العَطَلُ ) في الخلو من الشيء ، وإن كان أصله في الحَلي ؛ يقال: ( عطَلَت ) المرأة و( تَعَطَّلَت ) إذا لم يكن عليها حلي ، ولم تلبس الزينة وخلا جيدها من القلائد(2).
ويقال أيضاً : ( تَعَطَّلَ ) الرجل ، إذا بقي لا عمل له .
و رجل ( عُطُلٌ ) : لا سلاح له ، وجمعه أعطالٌ . وكذلك الرعية ، إذا لم يكن لها والٍ يسوسها ، فهم مُعَطلَّون . وقد عُطِّلوا ، أي أُهمِلوا .
و(المعُطَّل ) : المَواتُ من الأرض ، وإذا ترك الثغر بلا حامٍ يحميه ، فقد عُطِّل .
والغلاة والمزارع ، إذا لم تُعمر ولم تُحرَث ، فقد عُطِّلت . و ( التَّعطِيلُ ) : التفريغ(3).
فيقال : ( عَطَّلَ ) الدار : أي أخلاها . وكل ما تُرِكَ ضياعاً ، معُطَّلٌ و مُعطَل .
و ( تعطيل الحدود ) : أن لا تقام على من وَجَبَت عليه .
ـ أصل كلمة ( التعطيل ) في القرآن الكريم :
وردت كلمة ( عُطِّلت ) في القرآن الكريم، في سورة التكوير،الآية (4) ،قال تعالى : ’’ وإذا العِشارُ عُطِّلَت ‘‘ .و العشار: جمع عشراء، وهي الناقة التي أتت عليها عشرة أشهر . وتعطيل العشار ، يعني : تركها مهملة ، لا راعي لها ، ولا حافظ يحفظها(4).
كما وردت كلمة ( مٌعَطَلة ) في سورة الحج ، الآية (44) ، قال تعالى : ’’ ... وبئر معُطَّلة و قصر مشيد ‘‘ . ويراد بالبئر المعُطَّلة : البئر التي تركها واردوها ، فلا يستقى منها ، و لا ينتفع بمائها .
وقيل : بئر معُطَّلة ، لبيود أو هلاك أهلها(5).
ـ كلمة ( التعطيل ) في مجال القانون العام :
وردت كلمة ( التعطيل ) في مجال القانون العام ، وبخاصة في مجال الشؤون الدستورية ، بمعنى محدد ، مفاده : وقف العمل بنصوص الدستور .
ويتحقق تعطيل الدستور في صورتين :
-يترك الدستور ولا يأخذ مجاله في التطبيق ، أي يهمل ويتجاوز عنه .
-تطبيق النصوص الدستورية بشكل مغاير ومختلف عما ورد في الوثيقة الدستورية .
ـ المصطلحات الواردة في الدساتير الأجنبية والعربية :
استخدمت بعض النصوص الدستورية مصطلحات مختلفة للدلالة على معنى التعطيل الدستوري .
ومن خلال الإطلاع على العديد من هذه النصوص ، نجد أن هنالك ثلاثة أنماط دستورية :
النمط الأول : ويتمثل في الدساتير التي استخدمت مصطلح ( تعليق الدستور Suspension ) ، ومن أمثلة ذلك : الدستور التركي لعام 1982 ، والدستور السوداني لعام 1998 .
ألنمط الثاني : ويتمثل في الدساتير التي استخدمت مصطلح ( وقف أو إيقاف العمل بالدستور ) ، ومن أمثلة ذلك : الدستور اليوغسلافي لعام 1963 ، والدستور الجزائري لعام 1989 ، ومشروع الدستور العراقي لعام 1990 .
ألنمط الثالث : ويتمثل في الدساتير التي استخدمت مصطلح ( تعطيل الدستور ) ، ومن أمثلة ذلك : الدستور البلجيكي لعام 1831 ، والدستور الألماني لعام 1919 ، والدستور المصري لعام 1923 ، والدستور الهندي لعام 1949 ، والدستور الكويتي لعام 1962 ، والدستور الأفغاني لعام 1964 ، والدستور القطري لعام 1972 ، والدستور الإماراتي لعام 1973 ، والدستور البحريني لعام 1973 ، والدستور العماني لعام 1996 .
وجدير بالذكر ، أن تعدد المصطلحات ، لا يعني وجود اختلاف وتباين في المعنى ، بل إن تلك المصطلحات حملت معنى واحد ، يفيد :إيقاف تطبيق الأحكام الدستورية .
المطلب الثاني :
تعطيل الدستور وفقاً للمعيار الموضوعي
يأخذ غالبية الفقه الدستوري ، في تبيان معنى تعطيل الدستور بمعيار موضوعي ، فيحددون مفهومه بالنظر إلى مضمونه أو موضوعه .
ومن خلال استقراء الاتجاهات الفقهية ، نلاحظ أن أغلب تلك الاتجاهات ، قد اقتصرت على تحديد مفهوم التعطيل في حالة الظروف غير العادية التي تمر بها الدولة .
وتتفق آراء الفقهاء ، على أن مفهوم تعطيل الدستور يتحدد في : ’’ إيقاف العمل ببعض النصوص الدستورية ولمدة مؤقتة ‘‘(6).
ويرى البعض إن تعطيل الدستور يراد به ’’ صلاحية رئيس الدولة في إيقاف العمل ببعض مواد الدستور من أجل مواجهة الأزمة الطارئة‘‘(7).
كما ذهب البعض إلى أن تعطيل الدستور ، يقصد به : ’’ إمكانية تدخل رئيس الدولة في المجال الدستوري أثناء تطبيق المواد المنظمة لحالة الضرورة ، والتي تبيح له أن يوقف العمل بعض أحكام الدستور خلال فترة الأزمة التي تتعرض لها الدولة ‘‘(8).
إلاّ إن هنالك اتجاهاً فقهياً أخذ منحى آخر في تحديد مفهوم فكرة تعطيل الدستور ، حيث اقتصر على تبيان أشكال التعطيل ونطاقه ، دون تحديد مفهوم التعطيل بشكل مباشر .
وتبعاً لذلك ، يرى جانب من الفقه أن التعطيل يتحقق في جميع الحالات التي يكون فيها ، الدستور عقبة قانونية سياسية أمام تحقيق الأغراض التي يقصد إليها الحكام . وإذا كان هذا التعطيل ( رسمياً ) فثمة تعطيل ( واقعي ) أي تعطيل لا يستند إلى الدستور نفسه ، وإنما إلى إرادة المسئولين عن تطبيقه(9) .
ويؤكد ذات المعنى جانب آخر من الفقه ، إذ يرون ، أن تعطيل الدستور ، كلاً أو جزءاً يستند على قرار صادر عن السلطة ، لسبب أو لآخر ، وفي هذه الحالة ، نكون أمام تعطيل رسمي للدستور . وقد لا يصدر القابضون على السلطة أي قرار بتعطيل كل أو بعض أحكام الدستور ، ولكنهم لا يقومون بتنفيذ أحكامه ، لفترة قد تطول وقد تقصر ، وفي هذه الحالة ، نكون أمام تعطيل فعلي لأحكام الدستور(10).
و يتضح مما تقدم ، إن أشكال تعطيل الدستور ، تتمثل في التعطيل الرسمي ، و التعطيل غير الرسمي ( التعطيل الفعلي) .
ويتحقق التعطيل الرسمي للدستور ، عندما يعلن القابضون على السلطة عن وقف العمل بنصوص الدستور كلاً أو جزءاً ، لمعالجة أزمة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ، أو في حالة الحرب أو عصيان مسلح، أو وجود خطر يهدد استقلال الدولة وسلامة أراضيها ومؤسساتها الدستورية(11).
أما التعطيل غير الرسمي ( التعطيل الفعلي ) ، فالملاحظ أن القابضون على السلطة لا يعلنون بشكل رسمي ، عن وقف العمل بنصوص الدستور ، وإنما تتجه إرادتهم نحو إهمال تطبيق نصوص الدستور بشكل جزئي أو كلي ، أو تطبيق نصوص الدستور بشكل يتعارض مع محتواها(12).
ويمكن ملاحظة التعطيل غير الرسمي ، من خلال دراسة الواقع الدستوري للدولة ومقارنته بالواقع السياسي(13). فإن تبين أن هنالك تمايز أو اختلاف بين مضمون النصوص الدستورية ، و واقع ممارسة السلطة في مجال معين ، حينئذٍ ، يتحقق التعطيل الفعلي للدستور .
وفي ضوء ما تقدم ، فإننا نرى ضرورة إعادة النظر في ما طرح من هذه التعريفات ، ومحاولة وضع تعريف علمي ومنهجي دقيق يوضح معنى تعطيل الدستور .
ومن خلال تحليل فكرة تعطيل الدستور ، نعرف التعطيل بأنه :
إيقاف تطبيق النصوص الدستورية الواردة في وثيقة الدستور ، أو الانحراف في تطبيقها ، بشكل كلي أو جزئي ، و لمدة زمنية معينة ، أياً كانت الظروف التي تحياها الدولة ، عادية ، أم غير عادية .
وانطلاقاً من هذا التعريف ، وفي ضوئه ، نرى أن معنى تعطيل الدستور يتكون من العناصر التالية :
أ- تعليق تطبيق الأحكام المدونة في الوثيقة الدستورية النافذة في الدولة ، ويشمل التعليق بعض أو جميع الأحكام الدستورية .
ب- إهمال تطبيق المبادئ الواردة في النصوص الدستورية .
فالملاحظ أن بعض النصوص الدستورية التي تعالج حقوق الإنسان لا تجد مجالاً في التطبيق العملي .
ج-الانحراف في تطبيق القواعد الدستورية المدونة ، بأن يتم تطبيقها بشكل يتعارض مع مضمونها الصحيح ، ويخل بالمبادئ الأساسية التي احتوتها ، أو يخالف روح الدستور . فالهيئة التي أنشأها الدستور والمنوط بها حماية القواعد الدستورية ، تستخدم سلطتها وتسعى إلى هدم المبادئ الدستورية الأساسية ، التي قصدتها السلطة التأسيسية الأصلية .
فرئيس الدولة ، مثلاً ، قد يستخدم صلاحياته ويضغط باتجاه خلق واقع سياسي ، يغير مبادئ الدستور تغييراً جذرياً ، إذ يقوم بمخالفة روح الدستور، كأن يعطل النصوص الدستورية القائمة على أساس احترام مبدأ الفصل بين السلطات ، ويخلق من الممارسة الواقعية ، قواعد دستورية لها سمة دكتاتورية ، تستند إلى تركيز السلطة في يده. ويترتب على ذلك ، ظهور قواعد دستورية جديدة غير مدونة ، ناتجة عن الممارسة العملية لشؤون الحكم .
ومن هنا ، فإن الانحراف الدستوري سينشئ واقعاً سياسياً يتعارض مع الواقع الدستوري . وبعبارة أدق، سوف تبرز نوعين من القواعد الدستورية ( قواعد مدونة و قواعد غير مدونة ) تعالجان مسألة معينة متعلقة بالنظام الدستوري في الدولة . غير إن هذه المعالجة ، متعارضة متناقضة . أي أن هنالك تباين واختلاف في محتوى ومضمون القاعدة المدونة عن القاعدة غير المدونة .
المبحث الثاني :
مسوِّغات تعطيل الدستور
تستند سلطة رئيس الدولة في تعطيل أحكام القواعد الدستورية ، إلى مسوغات عديدة ، يمكن ردها إلى قسمين : مسوغات سياسية و مسوغات عملية . وسنخصص لكل منها مطلباً مستقلاً لبحثها .
المطلب الأول :
المسوغات السياسية
لئن كانت الأوضاع التي تحيط القابضين على السلطة في المجتمع ، تختلف على الدوام ، فإن هذا الاختلاف لا يعني تعذر تحديد مظاهر عامة لممارسة السلطة ، ففي خضم ذلك التباين توجد دائماً حقيقة مشتركة ثابتة ، تتجسد في أن ثمة نتيجة أساسية تترتب على ممارسة السلطة ، وتتمثل في ولادة قواعد دستورية تعبر عن إرادة ومصالح القابضين على السلطة ، وتحدد الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يؤمنون بها .
وهذه القواعد الدستورية تمثل شكل من أشكال التمييز بين الحكام والمحكومين ، وبالتالي ، تكرس لأحدى صور القبض على السلطة(14).
على أننا يجب أن نلاحظ أن العوامل التي تفسر لنا لجوء الحكام إلى إيقاف العمل بالقواعد الدستورية ، يمكن استخلاصها من واقعة : أن الحكام هم الذين يمارسون السلطة وفق قواعد من وضعهم ( وتتمثل في القواعد الدستورية المكتوبة ) ، أو قواعد ناتجة من طريقة ممارستهم للسلطة ( وتتمثل في القواعد الدستورية العرفية ) ، أي إن ممارسة الحكام للسلطة تحددها القواعد الدستورية المكتوبة أو العرفية .
وعلى ذلك ، فإن الأساس الأول ، في استمرارية تطبيق القواعد الدستورية ، يتمثل في تجسيد هذه القواعد لمصالح القابضين على السلطة ، وتعبيرها عن هيمنتهم على دست السلطة .
ولكن في أية حالة من الحالات ، لو أن القواعد الدستورية لا تعبر عن المصالح الخاصة التي يمثلها متقلدي السلطة ، فإن إرادتهم ستتجه نحو وقف تطبيق قواعد الدستور وتعطيلها ، وتكريس واقع سياسي يكفل حماية هذه المصالح .
وهكذا فإن القبض على السلطة وهي في حالة التركيز ، يعكس خطوطه العريضة في طبيعة المصالح التي يغلبها الواقع السياسي على الواقع الدستوري (15).
وفي ضوء ما تقدم ، فإن المبرر لتعطيل القواعد الدستورية و وقف العمل بأحكامها ، يجد سنده في الأوضاع الخاصة بالقابضين على السلطة ، ورغبتهم في تركيز السلطة بأيديهم ، من أجل تحقيق المصالح والأغراض التي يبغون الوصول إليها ، وقطع الطريق أمام المؤسسات الدستورية الممثلة للشعب ، لتحقيق رغبات الشعب وأمانيه وآماله من خلال الدستور والوسائل الديمقراطية التي يتضمنها .
حيث يعمل القابضون على السلطة ، على اتخاذ قرار يقضي بتعطيل نصوص الدستور بشكل كلي أو جزئي، مستندين في ذلك على أسباب ومبررات سياسية .
وهذا الشكل من التعطيل لا يجد له سنداً في الوثيقة الدستورية يبرر مشروعيته ، وإنما يجد سنده وأساسه في القوة التي يعتمد عليها من جهة ، وإمكانية استمرار القابضين على السلطة الذين اتخذوه من جهة أخرى .
وصفوة القول ، إن الأساس الذي يستند عليه هذا التعطيل يكون ذا طبيعة سياسية صرفة ، فليس هناك نص دستوري يجيزه وينظمه ويجد مشروعيته فيه ، وهو بهذه المثابة يخرج عن نطاق المشروعية ، حيث يكون في حقيقته حالة واقعية وسياسية .
المطلب الثاني :
المسوغات العملية
تكون الضرورة وحتمية استمرار الدولة وسلامتها وحماية إقليمها وشعبها ، هي المبرر لتعطيل الدستور وإيقاف العمل به لمدة تحددها الضرورة ذاتها .
إذ إن حياة الدولة لا تسير على وتيرة واحدة ، بل تتخللها بين الحين والآخر صور مختلفة من الظروف الاستثنائية تهدد كيانها و وجودها تهديداً خطيراً .
حيث تطرأ على حياة الدولة ظروف غير عادية متعددة الأشكال مختلفة المصادر ، فقد يكون سبب هذه الظروف ، الأحوال الدولية ، مثل حدوث حرب عالمية أو محلية ، كما قد يكون سبب تلك الظروف الاستثنائية ، الأحوال الداخلية ، مثل حدوث أزمة من الأزمات الاقتصادية أو انتشار وباء أو فتنة(16).
وليست هذه الظروف الاستثنائية بالوضع المعتاد في حياة الدولة ، وليست لها صفة الدوام،بل هي محتملة الوقوع ،مؤقتة البقاء.على أنه مهما اختلفت هذه الظروف من حيث مصدرها أو شكلها،فإنها تتحد في الأثر والنتيجة ،إذ تمثل خطراً على كيان الدولة وبقائها(17).
وتدعونا هذه الظروف الاستثنائية أن نقف أمام اعتبارين :
- الاعتبار الأول : يترتب على وقوع الظروف الاستثنائية ، توافر حالة الضرورة ، التي تتيح لرئيس الدولة أن يتخذ الإجراءات والتدابير الاستثنائية اللازمة لمواجهة تلك الظروف .
- الاعتبار الثاني :إن إقرار الوثائق الدستورية للضمانات اللازمة لحماية حقوق الإنسان ، تغدو غير مجدية ، إذا أجيز لرئيس الدولة ، اللجوء إلى التدابير الاستثنائية والتي من شأنها أن تؤدي إلى وقف العمل وتعطيل بعض النصوص الدستورية .
ومن ثم كان من الواجب تحقيق التوازن بين الاعتبارين السابقين وعلى النحو الآتي(18):
(أ)-لا يجوز وقف العمل بالنصوص الدستورية الخاصة بالحقوق والحريات ، إلاّ في الحدود الضرورية التي تسمح لمؤسسات الدولة بمواجهة الأخطار القائمة فعلاً(19).
أي أن يكون تعطيل الدستور بالقدر اللازم لمواجهة تلك الظروف . وبتعبير آخر ، أن يتحقق التناسب بين إجراء تعطيل الدستور ، مع طبيعة الظرف الاستثنائي .
(ب)-يجب أن تخضع ممارسة رئيس الدولة لصلاحيته الاستثنائية في وقف العمل بنصوص الدستور،لرقابة السلطتين التشريعية والقضائية،على أن يكفل لهذه الرقابة فعاليتها واستمراريتها.
الفصل الثاني :
موقف الدساتير من سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
إن معرفة الموقف التشريعي من سلطة رئيس الدولة في إيقاف العمل بأحكام الدستور، تقتضي دراسة وتحليل بعض نصوص الوثائق الدستورية العربية والأجنبية ، لمعرفة موقفها من مسألة تعطيل الدستور .
والتساؤل الذي يرد في هذا المجال ، يتمحور في مدى جواز تعطيل أحكام الدستور في الأنظمة الدستورية ؟
تعددت وتباينت الاتجاهات التي تبنتها الدساتير المقارنة ، من مسألة تعطيل الدستور ، وبرزت ثلاثة أنماط من الدساتير ، وعلى النحو التالي :
النمط الأول: ويتمثل في الدساتير التي حظرت تعطيل الدستور
النمط الثاني : ويتمثل في الدساتير التي أجازت صراحةً تعطيل الدستور
النمط الثالث : ويتمثل في الدساتير التي أجازت ضمناً تعطيل الدستور
وسنعرض لهذه الأنماط الدستورية في مباحث ثلاثة ، وفقاً لما يأتي :
المبحث الأول : حظر تعطيل الدستور
المبحث الثاني : الإجازة الصريحة لتعطيل الدستور
المبحث الثالث : الإجازة الضمنية لتعطيل الدستور
المبحث الأول :
حظر تعطيل الدستور
اتجهت بعض الدساتير ، إلى النص بشكل صريح على حظر وقف العمل بالأحكام الواردة فيها .
ونجد تطبيقاً لهذا الاتجاه في الدستور البلجيكي الصادر عام 1831 ، فقد تبنى هذا الدستور ( نظام المنع) ومقتضاه : حظر تعطيل أي نص من النصوص الدستورية لأي سبب كان ، وفي مختلف الحالات . حيث قضت المادة (130) منه ، بما يأتي : ’’ لا يمكن تعطيل الدستور كلاًّ أو جزءاً ‘‘(20).
ومن خلال استقراء محتوى هذا النص ، يتبين لنا ، الآتي :
أ-أكد المشرع الدستوري على تحريم المساس بنصوص الدستور وبشكل خاص ، حظر تعطيل الأحكام الدستورية بشكل جزئي أو بشكل كلي .
ب-إن الحظر الدستوري يتحقق في جميع الظروف التي تحياها الدولة في الظروف العادية و كذلك الظروف غير العادية .
ج-يعكس النص الدستوري ، اعتقاد واضعوا الدستور ، إن النصوص الواردة في وثيقة الدستور تمثل جوهر نظام الحكم السياسي ، وأبرزها القواعد المنظمة للمؤسسات الدستورية ، وكذلك القواعد المنظمة لعلاقة الدولة بالفرد ، لذلك أعلنوا عن عدم جواز المساس بالدستور أي منعوا تعطيله .
والتساؤل الذي يثار في هذا الشأن هو : حينما ينص الدستور على حظر إيقاف العمل بمواده بشكل كلي أو جزئي ، فهل يقيِّد هذا المنع ، السلطات العامة ، وبشكل خاص ، سلطة رئيس الدولة ؟
لاشك أن احترام السلطات العامة ( وبخاصة رئيس الدولة ) لنصوص الدستور ومراعاة الأحكام الواردة فيها ، من شأنه أن يضمن تطبيق القواعد الدستورية(21).
ومن ثم ، فإن المنع أو الحظر ( الذي يحرم المساس بأحكام الدستور و وقف العمل بها ) يفرض على السلطات العامة ، ومنها رئيس الدولة . وبالتالي يقيدها وهي تمارس نشاطها الدستوري . ويستند هذا الرأي على طبيعة سلطة التعطيل ذاتها .
فالاتجاه الدستوري الذي ينادي بمنع تعطيل مواد الدستور ، ينطلق من المسلمة التالية : وجود نوعين من السلطة المؤسسة : السلطة المؤسِسة الأصلية والسلطة المؤسَسة ( السلطة المنشأة) (21).
وإذا كان الأمر كذلك ، فمن المنطقي التسليم حينذاك بالحظر الذي يرد في الدستور ويمنع السلطة المنشأة ( والمتمثلة بسلطة رئيس الدولة ) من تعطيل أحكام الدستور .
وآية ذلك ، أن السلطة المنشأة ، هي سلطة خلقها الدستور وحدد نشاطها . ومن ثم ، لا يجوز لهذه السلطة أن تعطل إرادة السلطة المؤسِسة الأصلية ، وتوقف تطبيق الأحكام الدستورية التي تعبر عن المبادئ والأفكار التي صاغتها صياغة قانونية ، وأصدرتها في شكل نصوص دستورية .
المبحث الثاني :
الإجازة الصريحة لتعطيل الدستور
أقرت بعض الدساتير ، بشكل صريح ، إمكانية وقف أو تعليق بعض النصوص الدستورية ، في حالة الظروف الاستثنائية .
وتجسد هذا النهج في بعض الدساتير الأجنبية التي نصت على منح رئيس الدولة إجازة صريحة لوقف تطبيق بعض المواد الدستورية ،ومن أمثلة ذلك : الدستور اليوغسلافي الصادر عام 1963 ، حيث نص في المادة (117) منه ، على أنه : ’’ يجوز لرئيس الجمهورية في أحوال الحرب ، أن يوقف بصورة استثنائية نصوص الدستور الخاصة ببعض حقوق وحريات المواطنين ، ومنظمات الإدارة الذاتية ، أو تشكيل سلطات الأجهزة السياسية التنفيذية والإدارية ، كلما اقتضت مصلحة الدفاع القومي ذلك ‘‘ .
ونظم الدستور التركي الصادر عام 1982 والمعدل عام 2002 ، الاختصاصات التي يمارسها رئيس الدولة ، ومنحت المادة (104/ثانياً/ب) من الدستور ، رئيس الدولة سلطة إعلان الأحكام العرفية ، وحالة الطوارئ State of Emergency.
ويتمتع رئيس الدولة وفقاً لأحكام الدستور بصلاحية تعليق النصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات ، حيث جاءت المادة (15) من الدستور تحمل عنوان ( تعليق ممارسة الحقوق والحريات الأساسية)، وقررت الفقرة الأولى من ذات المادة ، أنه:’’في أوقات الحرب أو التعبئة Mobilization ، أو الأحكام العرفية ، أو حالة الطوارئ ، يمكن تعليق ممارسة الحقوق والحريات الأساسية ، جزئياً أو كلياً ، وتتخذ الإجراءات التي تقتضيها حالة الضرورة ، والتي تنتقص من الضمانات المنصوص عليها في الدستور، شريطة عدم انتهاك الالتزامات المقررة بموجب القانون الدولي‘‘.
وكذاك أجازت بعض الدساتير العربية ، تعطيل النصوص الدستورية ، في حالة الظروف الاستثنائية . ومن أمثلة ذلك الدستور المصري لعام 1923 ، إذ نصت المادة (45) منه ، على اختصاص رئيس الدولة ( الملك) بإعلان الأحكام العرفية ، وأوجبت أن يعرض إعلان الأحكام العرفية فوراً على البرلمان ليقرر استمراريتها أو إلغائها . كما نصت المادة (46) من ذات الدستور على تمتع رئيس الدولة ( الملك) بصلاحية إعلان الحرب وعقد الصلح .
وبمقتضى نصوص الدستور ، فإن رئيس الدولة يمتلك سلطة تعطيل نصوص الدستور . حيث أوضحت المادة (155) من الدستور نفسه ، أنه : ’’ لا يجوز لأية حال ، تعطيل حكم من أحكام الدستور ، إلاّ أن يكون ذلك وقتياً وفي زمن الحرب ، أو أثناء قيام الأحكام العرفية وعلى الوجه المبين في القانون ، وعلى أية حال لا يجوز تعطيل انعقاد البرلمان متى توافرت في انعقاده الشروط المقررة في هذا الدستور‘‘(22). وجدير بالذكر أن مضمون هذا النص ، ورد في المادة (144) من الدستور المصري الصادر عام 1930.
ومن السمات المشتركة بين دساتير دول الخليج العربي ، أنها أجازت تعطيل النصوص الدستورية في حالة الأحكام العرفية .
ومن أمثلة ذلك دستور الكويت الصادر عام 1962 ، حيث تضمنت المادة (69) منه صلاحية رئيس الدولة ( الأمير ) إعلان الحكم العرفي بمرسوم يصدر في أحوال الضرورة التي يحددها القانون وبالإجراءات المنصوص عليها فيه . ويتمتع رئيس الدولة بسلطات استثنائية في حالة الأحكام العرفية ، إذ نصت المادة (181 ) من الدستور ،على إنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(23).
ونجد ذات الاتجاه ، في دستور قطر الصادر عام 1972 والمعدل عام 1998 ، عندما خوَّلت المادة (69) منه رئيس الدولة ( الأمير ) اختصاص إعلان الأحكام العرفية ، بمرسوم وذلك في الأحوال الاستثنائية التي يحددها القانون ، وله عند ذلك اتخاذ كل الإجراءات السريعة اللازمة لمواجهة أي خطر يهدد سلامة الدولة ، وتتضمن تلك الإجراءات تعطيل نصوص الدستور ، حيث قررت المادة (149 ) من الدستور ،على إنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء فترة سريان الأحكام العرفية وفي الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(24).
وتضمن دستور الإمارات العربية المتحدة الصادر عام 1973 ، المادة (146) التي خولت رئيس الإتحاد، إعلان الأحكام العرفية ، بمرسوم يصدر بناءاً على مبادرة منه ، وموافقة مجلس وزراء الإتحاد ومصادقة المجلس الأعلى ، وذلك في أحوال الضرورة التي يحددها القانون .
ولرئيس الإتحاد أن يتخذ الإجراءات التي تقتضيها حالة الأحكام العرفية ، بما في ذلك تعطيل نصوص الدستور . وقد نصت المادة (145 ) من الدستور ،على إنه : ’’ لا يجوز بأي حال تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون المنظم لتلك الأحكام ...‘‘(25).
وأشار دستور البحرين الصادر عام 1973 والمعدل عام 2002 ، في المادة (36) منه إلى تمتع رئيس الدولة ( الملك ) بصلاحية إعلان حالة السلامة الوطنية أو الأحكام العرفية .
ويجوز لرئيس الدولة إيقاف العمل بأحكام الدستور في حالة الأحكام العرفية . استنادا للمادة (123 ) من الدستور ، والتي قضت بأنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور ، إلاّ أثناء إعلان الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(26).
وأناط دستور عمان الصادر عام 1996(27) في المادة (42) منه ، برئيس الدولة ( السلطان ) ، صلاحية إعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة والحرب ، واتخاذ الإجراءات السريعة لمواجهة أي خطر يهدد سلامة الدولة .
ومن هذه الصياغة ، يتضح أن المشرع الدستوري ، أجاز لرئيس الدولة اتخاذ ما يراه من تدابير وإجراءات ، وتشمل إجراء إيقاف تطبيق أي نص من نصوص الدستور . حيث جاءت المادة (73) من الدستور ، لتقرر أنه : ’’ لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا النظام ، إلاّ أثناء قيام الأحكام العرفية وفي الحدود التي يبينها القانون ... ‘‘(28).
ويستفاد من النصوص الدستورية سالفة الذكر ، والتي تضمنتها دساتير دول الخليج العربي ، أنها احتوت على قواعد ومبادئ مشتركة تمثلت بالآتي :
أ-تمتع رئيس الدولة بوضع خاص بين سائر المؤسسات الدستورية . وامتلاكه لصلاحيات استثنائية .
ب-إن المشرع الدستوري وضع قاعدة عامة ، تقضي بعدم جواز إيقاف العمل بأي حكم من الأحكام الواردة في وثيقة الدستور وذلك في حالة الظروف العادية التي تحياها الدولة .
ج-أورد المشرع الدستوري استثناءاً على القاعدة العامة ، حيث أجاز تعطيل أي حكم من الأحكام الواردة في الدستور في حالة الأحكام العرفية بوصفها أحد أشكال الظروف الاستثنائية .
و نلاحظ أن الاستثناء الذي نص عليه المشرع الدستوري لا ينصرف إلى جميع الأشكال التي تتجلى بها الظروف الاستثنائية . وإنما يتحدد مضمون النص الدستوري في حالة واحدة من الحالات غير العادية وهي حالة الأحكام العرفية(29).
ويحقق أسلوب هذه الدساتير المواءمة بين ما يوجبه الالتزام بضمان التطبيق السليم للنصوص الدستورية ، وبين ما تقتضيه ضرورات تحقيق الصالح العام بجوانبه المختلفة .
وعلى نفس المنوال سار الدستور الجزائري الصادر عام 1989 والمعدل عام 1996 ، حيث نص في المادة (96) منه على أن : ’’ يوقف العمل بالدستور ، مدة حالة الحرب ويتولى رئيس الجمهورية جميع السلطات ..‘‘ (30).
و تأثر مشروع دستور العراق لعام 1990 ، بالاتجاه السائد في بعض الدساتير المعاصرة ، والذي يجيز لرئيس الدولة وقف العمل بأحكام الدستور .
وعمل مشروع دستور العراق ، على تقوية مركز رئيس الدولة وتوسعة وتدعيم وتضخيم صلاحياته ، وترجيح كفته على كفة المؤسسات الأخرى . وتطبيقاً لذلك ، فقد نصت المادة (99/الفقرة 2 ) منه على أنه : ’’ خلال فترة إعلان حالة الطوارئ ، وفي حدود المنطقة المشمولة بها ، يجوز بمرسوم يصدره رئيس الجمهورية ، إيقاف العمل مؤقتاً ، بأحكام المواد : 43 ، 47 ، 52 ، 53 ، 54 ، 56 ، 57 ، 67 ، من الدستور ‘‘ .
و يتضح من هذا النص ، أن مشروع الدستور ، قد منح رئيس الجمهورية صلاحية واسعة ، تمكنه من المساس بأحكام الدستور ، من خلال إصدار قرار يعطل أحكامه ويوقف العمل بالمواد التي تتعلق بجوانب متعددة من ممارسة الحقوق والحريات العامة(30).
ولعل ظاهرة تقوية مركز رئيس الدولة ، متجسدة في أغلب دساتير دول العام الثالث . ونجد هذه الظاهرة متحققة أيضاً في الدستور السوداني لعام 1998 ، والذي منح رئيس الجمهورية صلاحية واسعة، ومنها تعطيل الأحكام الدستورية . حيث نصت المادة (132) منه على أن : ’’ لرئيس الجمهورية أثناء حالة الطوارئ أن يتخذ بموجب قانون أو أمر استثنائي أيّاً من التدابير الآتية : (أ) أن يعلق بعضاً أو كلاًّ من الأحكام المنصوص عليها في فصل الحريات والحرمات والحقوق الدستورية ، ولا يجوز في ذلك المساس بالحرية من الاسترقاق أو التعذيب ، أو الحق في عدم التمييز فقط بسبب العنصر أو الجنس أو الملة الدينية ، أو بحرية العقيدة ، أو بالحق في التقاضي ، أو حرمة البراءة وحق الدفاع ‘‘ .
ومن خلال استقراء هذا النص ، نلاحظ الآتي :
أ-أجاز المشرع الدستوري لرئيس الجمهورية في حالة الطوارئ أن يعطل بشكل جزئي أو كلي ، المبادئ المتعلقة بالحقوق والحريات .
ب-استثنى المشرع الدستوري من صلاحية التعطيل بعض النصوص الدستورية . وبتعبير أكثر دقة ، إن المشرع الدستوري حظر تعطيل بعض النصوص الدستورية والمتعلقة بالموضوعات التي حددها صراحةً وعلى سبيل الحصر .
المبحث الثالث :
الإجازة الضمنية لتعطيل الدستور
تواترت الوثائق الدستورية لعدد من الدول على عدم الإقرار صراحة بصلاحية تعطيل أحكام الدستور في حالة الظروف الاستثنائية .
فعلى الرغم من أن نصوص هذه الوثائق الدستورية قد منحت رئيس الدولة صلاحية اتخاذ تدابير استثنائية ، إلاّ أننا نجد تلك النصوص قد تمت صياغتها في عبارات عامة ، لا تتضمن شيئاً من مدى ونطاق سلطة الرئيس في المجال الدستوري .
وتبعاً لذلك ، فقد اجتهد الفقه الدستوري لتفسير النصوص الواردة في هذه الدساتير ، وانتهى إلى نتيجة مفادها : أن النصوص الدستورية تجيز وبشكل ضمني ، وقف العمل بالأحكام الواردة فيها .
وتجسد هذا الإتجاه في عدد من الدساتير ،و من أبرزها : الدستور الفرنسي لعام 1958 ، والدستور المصري لعام 1971 .
حيث تنص المادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي لعام 1958(31)،على ما يأتي : ’’ عندما تكون مؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة أو سلامة أراضيها أو تنفيذ التزاماتها الدولية مهددة ، بخطر جسيم وحال ، ويكون العمل المنتظم للسلطات الدستورية العامة متعطلاً ، يتخذ رئيس الجمهورية الإجراءات التي تقتضيها هذه الظروف ، بعد مشاورة رسمية مع الوزير الأول و رؤساء مجلسي البرلمان والمجلس الدستوري(32). ويقوم رئيس الجمهورية بإبلاغ هذه الإجراءات إلى الشعب برسالة . ويجب أن تكون هذه الإجراءات مستوحاة من الرغبة في تمكين السلطات العامة الدستورية من أداء مهامها في أقرب وقت . ويستشار المجلس الدستوري بشأن هذه الإجراءات . وينعقد البرلمان بقوة القانون ولا يجوز حل الجمعية الوطنية أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية ‘‘(33).
وجاءت المادة ( 74 ) من الدستور المصري لعام 1971 ، لتقرر إن : ’’ لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري ، أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر ، ويوجه بياناً إلى الشعب ، ويجري الاستفتاء ، على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من اتخاذها ‘‘(34).
ومن خلال تحليل المواد الدستورية ( المادة 16 فرنسي –والمادة 74 مصري ) يتبين لنا أن تطبيق تلك المواد يمنح رئيس الجمهورية ’’ سواء في فرنسا أم في مصر ، صلاحية اتخاذ الإجراءات التي حددها الدستور الفرنسي بأنها ( تقتضيها هذه الظروف /أي لازمة ) ، بينما حددها الدستور المصري بأنها ( سريعة) ‘‘(35).
والصيغة في الحالتين ، بالغة الاتساع ، لأن اصطلاح " الإجراءات " لا يقف عند إصدار قرارات جمهورية يكون لها قوة القانون issue decrees having force of law، بل يشمل أي إجراء في صورة قرار فردي أو قرار تنظيمي(36). وعلى هذا فإنه يكون لرئيس الجمهورية حرية اختيار الإجراء أو التدبير الذي يراه لازماً لمعالجة الحالة الطارئة .
ورغم أن المادتين ( 16 و74 ) من دستوري فرنسا ومصر لم تقرا صراحةً سلطة وقف بعض نصوص الدستور ، إلاّ أنهما اكتفتا بمنح رئيس الجمهورية سلطات واسعة جداً في فترة الأزمات الخاصة .
والتساؤل الذي يطرح نفسه على بساط البحث : هل تتضمن سلطات الأزمات الخاصة ، صلاحية تعطيل أحكام الدستور ؟
يرى أغلب الفقه أن النظام الاستثنائي الذي تقيمه المادة (16) من الدستور الفرنسي ، و المادة ( 74 ) من الدستور المصري يعني ضمناً بأنه يخول رئيس الجمهورية ، صلاحية إيقاف و تعطيل بعض النصوص الدستورية لفترة مؤقتة(37).
ويستند الفقه في تسويغ إقراره بتمتع رئيس الجمهورية بصلاحية إيقاف العمل ببعض الأحكام الواردة في المواد الدستورية ، إلى أن المواد (16) و(74) تفترض مشروعية كل إجراء ضروري يتخذه رئيس الجمهورية للقضاء على الأزمة التي تتعرض لها الدولة ، حتى ولو اقتضى هذا الإجراء المساس بالدستور(38).
على إن وقف الدستور أو بعض أحكامه ، يجب ألاّ يتحقق تلقائياً بمجرد اللجوء إلى تلك السلطات الاستثنائية . وإنما ينبغي أن يصدر قرار صريح بوقف أحكام الدستور المحددة على سبيل الحصر . كما إن الوقف يجب أن يكون ذا صلة بموقف الأزمة وطبيعة الخطر ، وأن يهدف إلى إعادة مؤسسات الدولة إلى مهامها العادية ، كذلك فإن سلطة وقف بعض أحكام الدستور يجب أن تكون مقيدة Restriction ، وربما كان أهم قيد يتمثل بقاعدة التناسب بين ما تقتضيه الضرورة من خروج على أحكام الدستور والمدى الذي يكفي للتغلب على الأزمة .
الفصل الثالث:
القيود التي ترد على سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يقتضي منطق الدراسة القانونية المجرد أن نوضح حدود سلطة رئيس الدولة في مجال وقف العمل بالنصوص الدستورية .
والتساؤل الذي يرد في هذا الشأن ، يدور حول ما إذا كانت سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور ، سلطة مطلقة ، أم مقيدة ؟
وبعبارة أخرى ، هل يمتلك رئيس الدولة سلطة واسعة ومطلقة تسمح له بتعطيل نصوص الدستور ؟ أم أن هنالك قيود تحد من هذه السلطة ، بحيث تسمح لرئيس الدولة بتعطيل بعض نصوص الدستور ، وتمنعه- في ذات الوقت- من تعطيل نصوص دستورية أخرى ؟ .
وللإجابة على هذا التساؤل ، فإن الأمر يقتضينا أن نبرز –بادئ ذي بدء- موقف الدساتير حيال مدى سلطة رئيس الدولة في إيقاف تطبيق نصوص الدستور .
و يمكن القول إن الاتجاهات الدستورية قد اختلفت في أشكال القيود التي تفرضها لتحديد سلطة التعطيل . وقد تبنت الدساتير حيال هذا الأمر منهجين ، الأول : يتمثل في التقييد المباشر ، والثاني : يتمثل في التقييد غير المباشر.
ولذلك فإننا سنحاول توضيح أشكال القيود التي تفرض على سلطة التعطيل ، وذلك في مبحثين :
المبحث الأول : التقييد المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
المبحث الثاني :التقييد غير المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
المبحث الأول :
التقييد المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يحدد المشرع الدستوري صراحة حدود سلطة رئيس الدولة في وقف العمل بأحكام الدستور ، من خلال ما يضعه من قواعد دستورية تحدد بذاتها مضمون هذه القيود .
وفي هذه الحالة تكون نصوص الدستور هي المصدر المباشر الذي يتولد عنه قيود تحد من سلطة التعطيل.
وسنعرض للقواعد الدستورية التي أوردت قيوداً مباشرة على سلطة التعطيل ، وذلك في مطلبين مستقلين: نحدد في أولهما للمبادئ التي تحكم تقييد سلطة تعطيل الدستور ، ونحدد في الآخر موقف بعض الدساتير العربية من المبادئ المقيدة لسلطة تعطيل الدستور .
المطلب الأول :
المبادئ التي تحكم تقييد سلطة تعطيل الدستور
تضمنت بعض الدساتير أحكاماً تحدد سلطة رئيس الدولة في تعطيل نصوص الدستور ، استناداً إلى (نظام الترخيص ) بدلاً من ( نظام المنع أو التحريم ) .
ويترتب على ذلك ، نتيجة أساسية ، مفادها : أن ذكر النصوص الدستورية التي يرخص الدستور ويجيز لرئيس الدولة تعطيلها ، يكون من أثره ، منع أو حظر تعطيل النصوص الأخرى .
فلئن كان من الجائز أن ينص الدستور على الأحكام التي يجوز تعطيلها في الظروف غير العادية ، فإن هذه الأحكام يجب أن تحدد بنص في الدستور . كما يجب أن ينص الدستور على الأحكام التي لا يجوز تعطيلها بأي حال من الأحوال(39).
وتأسس هذا الاتجاه في الدستور الألماني الصادر عام 1919 ، حيث منحت المادة ( 48/الفقرة 2 ) رئيس الدولة حق تركيز كل السلطات في حالة التهديد ضد الأمن أو النظام العام ، إذ قررت أنه:’’ .. في هذه الحالة ، للرئيس ، وبصفة مؤقتة ، أن يعطل الحقوق الأساسية المحددة بالمواد 114 -115-118-123-153، كلياً أو جزئياً ‘‘(40) .
وأخذ المشرع الدستوري في تركيا ، بذات النهج .فقد أشار الدستور التركي الصادر عام 1982 والمعدل عام 2002 في المادة (15) منه ، إلى صلاحية تعليق ممارسة الحقوق والحريات الأساسية بشكل جزئي أو كلي ، وذلك في الظروف غير العادية المتمثلة في حالات : الحرب ، أو الأحكام العرفية ، أو حالة الطوارئ .
والملاحظ ، أنه كان للمشرعين الدستوريين الدور الرئيسي الهام في إبراز المبادئ والضوابط التي تحكم سلطة رئيس الدولة في وقف العمل بالنصوص الدستورية المتعلقة بحقوق الأفراد . وكان سبيلهم إلى ذلك ، محاولتهم إرساء نوع من الموائمة والتوازن بين متطلبات الحفاظ على الصالح العام المشترك ، وضرورات حماية الحقوق وضمان ممارستها .
ومما يجدر ذكره في هذا الصدد ، إن المبادئ التي أوردتها الدساتير -سالفة الذكر-يمكن اعتبارها مبادئ عامة تتطلبها مشكلة الصراع بين السلطة والحرية ، وذلك لما تحتويه من منطق ومراعاة للحقوق والحريات من خلال الصالح المشترك .
ويمكن إجمال المبادئ التي تحكم سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور على النحو الآتي :
-المبدأ الأول :حظر تعطيل أي حكم من أحكام الدستور السياسي والدستور الاجتماعي في الظروف العادية التي تحياها الدولة .
-المبدأ الثاني :جواز إيقاف تطبيق بعض نصوص الدستور الاجتماعي ( أي النصوص المتعلقة بالحقوق والحريات ) وبصفة مؤقتة في الظروف غير العادية التي تطرأ على حياة الدولة .
-المبدأ الثالث : التناسب بين مقتضيات الصالح العام مع متطلبات الصالح الخاص .
حيث إن الصالح العام قد يقتضي تحجيم الإطار الذي يتحرك فيه الأفراد لممارسة حقوقهم ، وتحقيق مصالحهم الخاصة ، بوضع بعض الحدود عليها أو حتى إيقاف العمل بها .
و لا يحول ذلك دون تحقق التناسب بين الأمرين ، لأن النظام العام والصالح العام يعودان في النهاية بالفائدة والنفع على الجميع وعلى الأفراد ، أي على الكل والجزء ، وبهذا يتحقق التناسب .
المطلب الثاني :
موقف الدساتير العربية من المبادئ المقيدة لسلطة تعطيل الدستور
تبنت بعض الدساتير العربية ذات النهج الذي يقرر أحكاماً ومبادئ خاصة تحدد قيوداً موضوعية ترد على سلطة رئيس الدولة في إيقاف تطبيق النصوص الدستورية .
وتمثل ذلك في بعض الوثائق الدستورية، ومن أبرزها : مشروع دستور جمهورية العراق لعام 1990 ، وكذلك الدستور السوداني لعام 1998 .
ـ مشروع دستور العراق لعام 1990 :
منحت المادة (99/2) رئيس الجمهورية في حالة الطوارئ ، صلاحية إيقاف العمل - بشكل مؤقت –بأحكام بعض المواد، والتي تتضمن معالجة الحقوق والحريات(41).
والملاحظ أن مشروع الدستور قد تضمن الآتي :
أولاً- سمح بتعطيل بعض النصوص الدستورية في الظروف غير العادية والتي قصرها على حالة الطوارئ.
ثانياً- حدد النصوص الدستورية التي يجوز تعطيلها ، وهي : المواد : 43 ، 47 ، 48 ، 52 ، 53 ، 54 ، 56 ، 57 ، 67 .
ثالثاً-والناظر إلى المواد التي سمح المشرع الدستوري بتعطيلها ، يجدها تتعلق بحقوق الإنسان ،وتشمل الحقوق الشخصية ، والحقوق الفكرية والحقوق الاجتماعية ،وعلى النحو الآتي :
أ-الحقوق والحريات المتعلقة بشخصية الإنسان(42)، وتجسدت في: الحق في الأمن الفردي ، والحق في حرمة المسكن ، والحق في سرية المراسلات ، والحق في السفر والعودة .
ب- الحقوق والحريات المتعلقة بفكر الإنسان(43)، وتجسدت في:الحق في حرية الفكر والرأي والتعبير ، والحق في حرية الصحافة والطباعة والنشر ، والحق في حرية التجمع والتظاهر ، والحق في حرية تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام إليها ، والحق في تأسيس الجمعيات والانضمام إليها .
ـ الدستور السوداني لعام 1998 :
أسس الدستور السوداني اتجاهاً دستورياً حديثاً ، حيث رسم حدود سلطة رئيس الدولة في تعليق أحكام الدستور. واتجه المشرع الدستوري في المادة (132) نحو الإقرار بتمتع رئيس الدولة بصلاحية تعليق كل أو بعض القواعد الدستورية المنظمة للحقوق والحريات ، وحظر في الوقت ذاته ، تعليق بعض القواعد الدستورية ذات الصلة بالموضوعات الآتية :
-الحرية والحق في الحياة ،والحرية والحق في المساواة ،وحرية العقيدة والعبادة ،والحق في التقاضي ،وحق افتراض البراءة،وحق الدفاع .
ويمكننا أن نبرز المبادئ أو ( الضوابط )التي رسم معالمها وحدود تطبيقها الدستور السوداني ، وعلى النحو التالي :
-المبدأ الأول : سلطة رئيس الدولة في تعليق الدستور لا تؤدي إلى الإيقاف المطلق للنصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات .
-المبدأ الثاني :التناسب العكسي بين سلطة رئيس الدولة في تعليق أحكام الدستور ، وقيمة الحق أو الحرية .
-المبدأ الثالث : التزام رئيس الدولة في عدم الدخول في المجال الدستوري للحقوق والحريات الأساسية، الذي حظرت السلطة التأسيسية الأصلية المساس به وتعليق أحكامه .
ويؤخذ على هذا الاتجاه ، أن تحديد المواد التي يجوز إيقاف العمل بها هو أمر محل نظر .ذلك ، لأن هنالك صلة وترابط وثيق بين جميع النصوص الواردة في وثيقة الدستور . ومن ثم ، فإن تعطيل نص دستوري معين ، أجاز المشرع الدستوري تعطيله ، ينعكس أثره على نصوص دستورية أخرى ، غير مسموح بتعطيلها .
ونؤسس رأينا هذا على فكرة ( وحدة البناء الفكري والفلسفي لوثيقة الدستور ) ، وبالتالي فإن إيقاف العمل ببعض نصوص الدستور ، من شأنه أن يؤثر على نصوص الدستور الأخرى .
المبحث الثاني :
التقييد غير المباشر لسلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور
يصعب البحث حول ما إذا كانت هناك قيود ترد على سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور ، دون أن ترد صراحة في الوثيقة الدستورية ، إلاّ أن هنالك اتجاهات فقهية حاولت أن تستخلص تلك القيود على نحو غير مباشر من النصوص الدستورية التي عالجت حقوق الإنسان والسلطات الاستثنائية ، وفي هذه الحالة تكون المبادئ الدستورية هي المصدر لهذا التحديد المستخلص من ثنايا قواعد الدستور .
على إن الفقه اتجه إبتداءاً إلى الاعتماد في تحديد القيود التي تحد من سلطة رئيس الدولة،على إرادة المشرع الدستوري،من خلال ما يضعه من قواعد في صيغة النص الدستوري. وعلى هذا المنوال ، نص الدستور السويسري لعام 1874 ، وكذلك الدستور السويسري لعام 1999 في المادة (185) منه ، على إن : ’’ يمكن للمجلس الاتحادي استناداً على هذه المادة أن يصدر أوامر ويتخذ قرارات لمواجهة قلاقل حدثت أو تحدث مهددة للنظام العام أو للأمن الداخلي أو الخارجي ، وتكون هذه الأوامر ذات صلاحية زمنية محددة ‘‘ .
والملاحظ إن الدستور السويسري قد منح المجلس التنفيذي الاتحادي والذي يترأسه رئيس الدولة الاتحادية ، صلاحية استثنائية ، تتمثل باتخاذ قرارات ، قد تؤدي إلى إيقاف العمل بنصوص الدستور . ولكن ما مدى سلطة التعطيل وفقاً للدستور السويسري ؟
لم يتضمن الدستور تحديداً مباشراً لنطاق السلطات الاستثنائية . ولذلك اتجه جانب من الفقه السويسري إلى تحديد سلطة رئيس الدولة في تعطيل نصوص الدستور ، من خلال التمييز بين نوعين من النصوص الدستورية من حيث قيمتها الموضوعية ( أي مضمونها و محتواها ) ، حيث صنفها إلى :
- نصوص دستورية جوهرية وأساسية : وهي النصوص التي توضح المبادئ الأساسية في إقامة النظام السياسي ، فهي لذلك ذات معنى ومضمون سياسي ، وفلسفي ، ويستلزم المساس بها ، حدوث تغيير كامل وشامل .
ويرى أصحاب هذا الاتجاه ، حظر تعطيل النصوص الدستورية الجوهرية والأساسية .
- نصوص دستورية غير جوهرية ( أي ثانوية ) : وهي النصوص التي يتمثل دورها في وضع النصوص الجوهرية ، موضع التنفيذ ، وذلك بإنشائها للهيئات وتبيان قواعد عملها ، وإن مسألة تغييرها والمساس بها تشكل إصلاح بسيط ، إذا كشفت الظروف عن أفضلية ذلك الإصلاح لغرض تنفيذ المبادئ الأساسية(44).
وفي ضوء ذلك ، يرى أصحاب هذا الاتجاه ، جواز تعطيل النصوص الدستورية الثانوية .
ويؤخذ على هذا الاتجاه ، أنه لم يضع معيار منضبط للتمييز بين النصوص الدستورية ، كما إن إقامة التدرج بين النصوص الدستورية في الدستور ذاته ، قد يفسح المجال للخلاف ، والذي قد يؤدي إلى تجاوز السلطة .
كما حاول جانب من الفقه الفرنسي ، تحديد سلطة رئيس الدولة في تعطيل الدستور ، من خلال الرجوع إلى المبادئ العامة في نظرية الضرورة . وتطبيقاً لذلك ، نجد أن الفقيه الفرنسي ( بيردو BURDEAU ) يرى أن مجرد اللجوء إلى المادة (16) من الدستور الفرنسي لعام 1958 وتطبيقها بمثابة تعطيل مؤقت للنصوص الدستورية(45).
إلاّ أن البعض الآخر في الفقه الفرنسي ، قد انتقد هذا الاتجاه والذي يعتبر إن تطبيق المادة (16) بمثابة تعطيل النصوص الدستورية الأخرى . ويشير أنصار هذا الرأي إلى إن هنالك نصوص دستورية تخرج عن نطاق التعطيل ، وذلك لضمان عدم توقف ضمانات تطبيق المادة (16) كاجتماع البرلمان بقوة القانون ، أو إمكانية اتهام الرئيس بالخيانة العظمى بمقتضى المادة (68) من الدستور الفرنسي(46).
هذا وقد تباينت آراء الفقه المصري بشأن حدود سلطة رئيس الدولة في إيقاف العمل بنصوص الدستور تطبيقاً للمادة (74) من الدستور المصري لعام 1971 .
فقد أقر ( د. طعيمة الجرف ) بامتلاك رئيس الجمهورية سلطة تقديرية مطلقة في تحديد الخطر ونوع الإجراءات التي يتخذها ، والتي قد تصل إلى حد الترخيص له بتعطيل العمل ببعض أو بكل أحكام الدستور(47).
أما (د. محمد كامل ليلة ) فيرى أن العمل بالمادة (74) وتطبيقها ، من شأنه أن يعطل بعض نصوص الدستور الأخرى لحسابها .إذ أن الإجراءات التي تتخذ في ظلها تقع على خلاف المادة (44) من الدستور التي تقرر حرمة المساكن وعدم جواز دخولها أو تفتيشها إلاّ بأمر قضائي مسبب ، وعلى خلاف المادة (48) من الدستور والخاصة بحظر الرقابة على الصحف وإنذارها أو تعطيلها أو إلغائها بالطريق الإداري(48).
أما ( د. يحيى الجمل ) فيرى أن النظام القانوني الاستثنائي الذي تقيمه هذه النصوص ، يعني ضمناً بأنه تعطيل للنصوص الدستورية الأخرى . ولكن ذلك الإطلاق ، يتقيد بقيد يقرره الفقه الإسلامي . وهو القيد المستفاد من قاعدة ( التناسب بين ما تقتضيه الضرورة من خروج على أحكام الدستور ، والمدى الذي يكفي لمواجهة الأزمة ) وكذلك من قاعدة ( الضرورة تقدر بقدرها ) (49).
الخاتمـة :
أولاً-النتائج :
يمكن إجمال أبرز النتائج التي توصلنا إليها ، بما يأتي :
1-إن بحث مفهوم تعطيل الدستور ، قد أوضح لنا أن مدلول التعطيل يجب أن لا يكون مقتصراً على المعنى الضيق للتعطيل ، والمتمثل بالتعطيل الرسمي للدستور . بل إن للتعطيل مفهوم واقعي . لذلك يتجه الفكر القانوني إلى التوسع في مدلول التعطيل كي يشمل التعطيل الفعلي لنصوص الدستور .
2-برز تعطيل أو إيقاف العمل بنصوص الدستور ، كحالة واقعية ، تمس سيادة وسمو الدستور . وهي مرحلة ، أسبق من مرحلة التنظيم الدستوري .
3-حرص المشرع الدستوري ، على تقنين ظاهرة تعطيل الأحكام الدستورية وتنظيمها في حالة الظروف الاستثنائية .
4-إن تخويل المشرع الدستوري سلطة التعطيل ، لرئيس الدولة ، يشير إلى الفكرة القانونية التي اعتنقها واضع الدستور ، حيث أن تمتع رئيس الدولة بهذه السلطة ، يمثل أحد تطبيقات ظاهرة تقوية مركز رئيس الدولة وترجيح كفته على السلطات العامة الأخرى .
5-إن اللجوء إلى تعطيل الدستور ، قد يؤدي إلى قيام نوع من ( الديكتاتورية ) تحت ستار النصوص الدستورية ، فالسلطة تغري بالمزيد من السلطة ، واستمرار السلطة غير المقيدة ، قد تتفق جزئياً مع منطق تركيز السلطة ، وقد يجعل الممارسون لتلك السلطة يسترسلون مع هذا التيار ، وفي ذلك خطورة على النظام الديمقراطي نفسه .
6-إن التنظيم الدستوري للتعطيل قد يخلق جواً سياسياً ملائماً لتقوية فكرة السلطة الشخصية ، وذلك لأن رئيس الدولة هو الجهاز الذي يختص بسلطة التعطيل .
والتنظيم المسبق لحالة التعطيل يعطي سنداً لرئيس الدولة للخروج على المشروعية مما يجعله أمراً مقبولاً في الحياة السياسية ، وهو الأمر الذي يزيد من مخاطر تقوية وتركيز السلطة الشخصية .
7-تقيم سلطة تعطيل الدستور ، نقطة توازن جديدة ، بين امتيازات السلطة العامة ، من ناحية ، وحماية الحقوق والحريات من ناحية أخرى ، وتتحد في الأثر والنتيجة ، إذ تؤدي إلى إيقاف تطبيق النصوص الدستورية المقررة والضامنة للحقوق والحريات .
ثانياً-التوصيات :
وفي نهاية بحثنا نخلص إلى بعض التوصيات ، التي نود أن تنال اهتمام المشرع في العراق، عند تعديل الدستور المستفتى عليه عام 2005 ، بهدف تحقيق وتوكيد مبدأ سمو الدستور ، وضمان تطبيق المباديء التي احتوتها وثيقة الدستور . ويمكن إيجاز ذلك ، بإضافة نص إلى وثيقة الدستور ، يقرر المباديء التالية :
1-حظر تعطيل أحكام الدستور جزئياً أو كلياً في ظل الظروف العادية .
2-جعل الإجراءات التي تقتضيها حالة الأحكام العرفية ومن ضمنها إجراء تعطيل بعض أحكام الدستور من اختصاص رئيس الجمهورية بعد مشاورة رسمية مع رئيس الوزراء و رئيس مجلس النواب، ورئيس المحكمة الاتحادية العليا .
3-حظر تعطيل النصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق الأساسية للإنسان ، بأي حال من الأحوال.
4- لمجلس النواب بأغلبية ثلثي أعضائه ، مساءلة رئيس الجمهورية ، في حالة تعطيل الدستور كله أو بعضه ، دون إتباع القواعد والإجراءات التي حددها الدستور ،
الهوامش:
1ـ تبنى هذا الاتجاه :الدستور الفرنسي الصادر عام 1958 ( المادة 5 ) ، والدستور المصري الصادر عام 1971 ( المادة 73 ) .
2ـ أنظر :- محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، مختار الصحاح ، دار الرسالة ، الكويت ، 1982، ص440.
-العلامة ابن منظور ، لسان العرب، الجزء 16 ، بيروت ، 1956 ، ص453 .
3ـ أنظر :- محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ، المصدر نفسه ، ص440 .
-العلامة ابن منظور ، المصدر السابق ، ص454 .
4ـ أنظر :-الأمام جلال الدين الحلي ، الأمام جلال الدين السيوطي ، تفسير الجلالين ، ط2 ، دار الجليل ، بيروت ، 1995 ، ص586 .
-الأمام ابن الفداء إسماعيل بن كثير القرشي ، تفسير ابن كثير ، الجزء 4 ، دار المفيد ، بيروت ، لبنان ، 1983 ، ص476 .
-العلامة السيد محمد حسين الطبطبائي ، مختصر تفسير الميزان ، إعداد كمال مصطفى شاكر ، ط1 ، دار مدين ، 2005 ، ص649 .
5ـ أنظر في ذلك :-الأمام جلال الدين الحلي ، الأمام جلال الدين السيوطي ، المصدر نفسه ، ص337 .
-الأمام ابن الفداء إسماعيل بن كثير القرشي ، تفسير ابن كثير ، الجزء 3 ، دار المفيد ، بيروت ، لبنان ، 1983 ، ص228 .
-العلامة السيد محمد حسين الطبطبائي ، المصدر نفسه ، ص398-399 .
6ـ برز هذا الاتجاه في الفقه الفرنسي :
-Maurice Duverger ; Droit Constitutionnel ,4 ed , Paris , 1971 , p.535.
-Georges Vedel ; Droit Constitutionnel, These Paris ,1960 , p.434.
-Pual Leory ; L'organsation Constitutionne et Ise Crises , L.G.D.J. Paris , 1966,P.218.
-وتبنى ذات الاتجاه جانب من الفقه المصري :
-د.سليمان محمد الطماوي ، النظم السياسية والقانون الدستوري –دراسة مقارنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1988 ، ص .
-د. ماجد راغب الحلو ، القانون الدستوري ، دار المطبوعات الجامعية ، الأسكندرية ، 1997 ، ص257 .
-د. يحيى الجمل ، نظرية الضرورة في القانون الدستوري وبعض تطبيقاتها المعاصرة ، دار النهضة العربية ، 1988 ، ص 152 .
-د.مصطفى أبو زيد فهمي ، الدستور المصري ورقابة دستورية القوانين ، منشأة المعارف ، الأسكندرية، 1985 ، ص418 .
7ـ أنظر : -Pual Leory ;op.cit,p.218.
-Georges Vedel ; op.cit,p.434.
8ـ د.إبراهيم عبد العزيز شيحا ، القانون الدستوري تحليل النظام الدستوري المصري في ضوء المبادئ الدستورية العامة ، الدار الجامعية ، بيروت ، 1983 ، ص715 .
-د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، سلطة ومسؤولية رئيس الدولة في النظام البرلماني ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1991 ، ص172 .
-د. محمد شريف إسماعيل عبد المجيد ، سلطات الضبط الإداري في الظروف الاستثنائية ، القاهرة ، 1979، ص400 .
-د. مدحت أحمد علي ، نظرية الظروف الاستثنائية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1978 ، ص74 .
-د.أحمد سلامة بدر ، الاختصاص التشريعي لرئيس الدولة في النظام البرلماني –دراسة مقارنة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2003 ، ص483-484 .
9ـ أنظر : د.صالح جواد الكاظم ، د.علي غالب العاني ، الأنظمة السياسية ، دار الحكمة ، بغداد ، 1991 ، ص 192 .
10ـ أنظر :-د.نوري لطيف ، د.علي غالب العاني ، القانون الدستوري ، بغداد ، 1981 ، ص190.
-د.إحسان المفرجي، د.كطران زغير نعمة ، د. رعد الجدة ، النظرية العامة في القانون الدستوري و النظام الدستوري في العراق ، دار الحكمة ، بغداد ، 1990 ، ص262 .
-د.حميد الساعدي ، مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق ، مطابع دار الحكمة، الموصل ، 1990 ، ص137 .
11ـ أنظر : د.نوري لطيف ، د.علي غالب العاني ، المصدر السابق ، ص190 .
12ـ أنظر : د.حميد الساعدي ، المصدر السابق ، ص137 .
13ـ أنظر : د.إحسان المفرجي، وآخرون ، المصدر السابق ، ص262-263 .
14ـ تعبر القواعد الدستورية عن أفكار ومصالح معينة سائدة في المجتمع ، وهذه المصالح قد تمثل اتجاهاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً , وحينئذٍ نكون إزاء نظام لتركيز السلطة تكون فيه صورة القبض على السلطة محدودة ضمن الاتجاه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي . وقد تمثل المصالح السائدة عدة اتجاهات سياسية واقتصادية واجتماعية ، فتعبر القواعد الدستورية عن تلك الاتجاهات ، وحينئذٍ نكون إزاء نظام لتوزيع السلطة ، تكون فيه صورة القبض على السلطة موزعة بين عدة أطراف ، يمثل كل منها مجموعة من المصالح السائدة اجتماعياً . أنظر في ذلك :
-د.سمير خيري توفيق ، مبدأ سيادة القانون ، دار الحرية للطباعة ، بغداد ، 1978، ص27 .
15ـ لمزيد من التفصيل ، أنظر :
-د.زهير المظفر ، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ، الجزء الأول ، النظرية العامة للقانون الدستوري ، مركز البحوث والدراسات الإدارية ، تونس ، 1992 ، ص242 وما بعدها .
-د. سعيد السيد علي ، حقيقة الفصل بين السلطات في النظام السياسي والدستوري للولايات المتحدة الأمريكية ، القاهرة ، 1999 ،ص16 .
-د.سعيد بو الشعير ، القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة ، الجزء الثاني –النظم السياسية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 1999 ، ص189 .
16ـ أنظر:د.عبد المنعم محفوظ، علاقة الفرد بالسلطة ،المجلد 3 ، ط1 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1989 ، ص1091 .
17ـ لقد جرت عدة دراسات في أروقة الأمم المتحدة لحالة الظروف الاستثنائية وتأثيرها على حقوق الإنسان ، ومن أبرز هذه الدراسات ، التقرير الذي قدمته السيدة ( كويسيتاكوس ) في الجلسة (35) للجنة الفرعية عام 1982 ، والذي أشارت فيه إلى الآثار الواقعية على القواعد القانونية ، وعلى احترام حقوق الإنسان .وأكدت أن ضمانات حقوق الأفراد في الظروف الاستثنائية والمقررة في المواثيق والدساتير تخرق باستمرار . كما لاحظت أن حالات الطوارئ تميل إلى أن تكون مستترة ومستمرة أو حتى ثابتة .
-United Nations .Action In The Field of Human Rights , United Nations , New York ,1983,p.150.
18ـ أنظر : د. نعيم عطية ، النظرية العامة للحريات الفردية ، الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة ، 1965 ، ص201-202 .
19ـ من تقسيمات الحريات الفردية ، تقسيمها إلى حريات تعطلها الأحكام العرفية ، وحريات لا تعطلها الأحكام العرفية . وقد ظهر هذا التقسيم على الأخص في مشروع الدستور الفرنسي لعام 1946 . أنظر :د.علي ماهر ، تمهيد لصياغة باب الحريات والحقوق والواجبات العامة ، القاهرة ، 1953 ، ص52 .
20ـ–Joseph Delpech et Julien La Ferrire : Les Constitution Modernes .Paris,1928,p.367.
21ـ لمزيد من التفصيل، أنظر :د. فتحي عبد النبي الوحيدي ، ضمانات نفاذ القواعد الدستورية ، رسالة دكتوراه ، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، 1982 ، ص67 وما بعدها . وقد صنف الضمانات التي تكفل نفاذ وتطبيق القواعد الدستورية إلى : ضمانات قانونية وضمانات شعبية .
22ـ أنظر في ذلك : -د.إسماعيل الغزال ، الدساتير والمؤسسات السياسية ، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر ، بيروت ، 1996 ، 35 .و-د. محمد المجذوب ، القانون الدستوري والنظام السياسي في لبنان وأهم النظم الدستورية والسياسية في العام ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2002 ، ص50 .و-د. أدمون رباط ، الوسيط في القانون الدستوري العام ، الجزء الثاني ، النظرية القانونية في الدولة وحكمها ، دار العلم للملايين، بيروت ، 1971 ، ص590-591 .
23ـ د. السيد صبري ، النظم الدستورية في البلاد العربية ، 1956 ، ص250-251 . وأنظر كذلك :و-د. إبراهيم عبد العزيز شبحا ، المصدر السابق ، ص431 .
24ـ أنظر : د. محمود حلمي ، دستور الكويت والدساتير العربية المعاصرة ، الطبعة الأولى ، دار السلاسل ، الكويت ، 1988 ، ص136 .
25ـ د. صلاح الدين فوزي ، واقع السلطة التنفيذية في دساتير العالم – مركزية السلطة المركزية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2003 ، ص207 .
26ـ د.عبد الفتاح مراد ، الدساتير العربية والمستويات الدولية ، الإسكندرية ، 2003 ، ص660 .
27ـ أنظر :-د. علي غالب العاني ، د. نوري لطيف ، مصدر سابق ، ص191 .
-د.عبد الفتاح مراد ، نفس المصدر السابق ، ص385 .
28ـ الذي حمل اسم : النظام الأساسي لسلطنة عمان .
29ـ د.عبد الفتاح مراد ، نفس المصدر ، ص633 .
30ـ يرى جانب من الفقه ، أن الأحكام العرفية ، تتخذ أحد شكلين : الأحكام العرفية العسكرية وهو النظام الذي تحكم به المناطق التي تحتلها القوات الأجنبية . والشكل الآخر هو الأحكام العرفية السياسية ، وهو النظام الذي يسمح للسلطة التنفيذية بسلطات واسعة جداً مقارنة مع سلطاتها في الظروف العادية .
أنظر : د. عبد الله إسماعيل البستاني ، مساهمة في إعداد الدستور الدائم وقانون الانتخاب ، بغداد ، 1961 ، ص 1963 .
ويميز المشرع الفرنسي بين الأحكام العرفية وحالة الطوارئ .فهما عبارة عن نظام قانوني استثنائي . وتعلن الأحكام العرفية بمناسبة وقوع حرب أو عند التهديد بالحرب ، أما حالة الطوارئ ، فتعلن لمواجهة إضطرابات داخلية تؤدي إلى اختلال النظام العام . و يتضح من ذلك أن حالة الطوارئ لا تبلغ في شدتها تلك التي تستلزم إعلان ألأحكام العرفية . فالقيود التي تفرض على الحقوق والحريات بعد إعلان الأحكام العرفية أبعد مدى وأخطر أثراً من القيود التي تترتب على إعلان حالة الطوارئ .
-أنظر :د.عصام البرزنجي ، د.مهدي السلامي ، د.علي محمد بدير ، مبادئ القانون الإداري ، بغداد ، 1991 ، ص227 .
31ـ لمزيد من التفاصيل ، أنظر :-د.سعيد بو الشعير ، النظام السياسي الجزائري ، الطبعة الثانية ، دار الهدى ، عين مليلة ، الجزائر ، 1996 ، ص277 .
32ـ أنظر : -د.رعد الجدة ، دراسات في الشؤون الدستورية العراقية ، مطبعة الخيرات ، بغداد ، 2001 ، ص184 .
-د. رعد الجدة ، التشريعات الدستورية في العراق ، بيت الحكمة ، بغداد ، 1998 ، ص145 .
33ـ تستقي المادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي الحالي مصادرها الفكرية من مصدرين أساسيين : يتمثل المصدر الأول في المادة (92) من دستور اللسنة الثامنة والمادة (14) من دستور عام 1814 ، أما المصدر الثاني فينبع من المادة (48) من دستور الألماني لعام 1919 .
-Jean Gicquel : Droit Constitutionnel et , Institutions Politiques , loeed .Montchrestien ,Paris,1989,p.670 .
34ـ ويرى الفقيه الفرنسي ( ريفيرو ) إن إجراء هذه المشاورات ضروري ، إلاّ أن رئيس الجمهورية لا يلتزم بالأخذ بنتيجتها .
وأطلق الفقيه الفرنسي ( أندريه هوريو ) على اللجوء على المادة (16) تعبير عن ( ممارسة الدكتاتورية المؤقتة في فترة الأزمة ) .
- أندريه هوريو ، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ، ترجمة : أ.علي مقلد ، شفيق حداد ، عبد الحسن سعد ، الأهلية للتوزيع والنشر ، بيروت ، 1974 ، ص 402 .
35ـ يرى جانب من الفقه الفرنسي أن رئيس الجمهورية يستطيع ممارسة الدكتاتورية بمقتضى الدستور بما تضمنته المادة (16) من سلطات استثنائية أطلق عليها ( الدكتاتورية الدستورية ).
-Marcel PRELOT : Institutionan Politiques et Droit Constitutionnel , Y'eme ,Paris,1969,p.675 .
-Maurice Duverger : Constitutions et Decumentes Politique ,P.U.F., Collection The'mis, 6e'me edition , Paris , 1971 , p.231.
-Andre Hauriou , Droit Constitutionnel Institutions Politiques , ,Paris,1975,p.143 .
وجدير بالذكر إن المادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي لعام 1958 كانت مصدراً ملهماً للمشرع الدستوري في العديد من دساتير الدول الإفريقية ، وبخاصة الدول الناطقة بالفرنسية . حيث تضمنت دساتير هذه الدول مواداً تعتبر نظيرة للمادة (16) لكونها مستلهمة منها على نحو مباشر . ومن أمثلة ذلك : المادة (23) من دستور جمهورية بوروندي لعام 1974 ، المادة (32) من دستور مالي لعام 1974 ، والمادة (18) من دستور الجابون لعام 1975 ، والمادة (47) من دستور السنغال لعام 1976 ، والمادة (30 ) من دستور جمهورية فولتا العليا لعام 1977 ، والمادة (24) من دستور جمهورية الكاميرون لعام 1978 .
-أنظر : وجدي ثابت غبريال ، السلطات الاستثنائية لرئيس الجمهورية ، منشاة المعارف ، الإسكندرية ، 1988 ، ص15-16 .
36ـ هذه المادة مقتبسة من المادة ( 16 ) من الدستور الفرنسي الصادر في :14 أكتوبر 1958 ، ولم يكن لها نظير في الدساتير المصرية المتعددة ، قبل دستور سنة 1971 .
-د.سليمان محمد الطماوي ، المصدر السابق ، ص476 .
37ـ ولمزيد من التفصيل حول أوجه الاختلاف بين النص الفرنسي ( المادة 16 ) والنص المصري ( المادة 74) ، فيما يتعلق بالشروط الموضوعية والشكلية لممارسة سلطات رئيس الجمهورية ، أنظر :-د.يحيى الجمل ، نظرية الضرورة في القانون الدستوري وبعض تطبيقاتها المعاصرة ، دار النهضة العربية ، 1988 ، ص204 .و-د. احمد مدحت علي ، نظرية الظروف الاستثنائية ، القاهرة ، 1978 ، ص74 .و-د.سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة وضمانة الرقابة القضائية ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1982 ، ص116 وما بعدها .و-د.أحمد فتحي سرور ، الحماية الدستورية للحقوق والحريات ، الطبعة الثانية ، دار الشروق ، القاهرة ، 2000 ، ص809 .و-د.إبراهيم عبد العزيز شيحا، د. محمد رفعت عبد الوهاب ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1988 ، ص792-793 .و-د.محسن خليل ، النظام الدستوري المصري ، الجزء الثاني ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1988 ، ص754-755 .
-Maurice Duverger : op.cit,p.535.
-Georges Vedel ; op.cit,p.434.
38ـ أنظر : د. سليمان محمد الطماوي ، المصدر السابق ، ص 477 .
39ـ انظر :-Maurice Duverger : Droit Constitutionne. op.cit,p.535.
-Georges Vedel ; op.cit,p.434.
-M.Voisset : Larticale 16 dela Constitution du 4 october , 1958 , these L.G.D.J.1969,P.68.
--Pual Leory ;op.cit,p.218.
وأنظر كذلك :-د.مصطفى أبو زيد فهمي ، المصدر السابق ، ص418 .و-د. يحيى الجمل ، المصدر السابق ، ص206 .و-د. عمر حلمي فهمي ، الوظيفة التشريعية لرئيس الدولة في النظامين الرئاسي والبرلماني –دراسة مقارنة ، ط1، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1980 ، ص406 .و- د. سليمان محمد الطماوي ، المصدر السابق ، ص 477 .و-د. ماجد راضي الحلو ، المصدر السابق ، ص 261 .و-د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، المصدر السابق ، ص172 . و-د.حسين عثمان محمد عثمان ، القانون الدستوري ، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية ، 2002 ، ص398 .
40ـ يرى البعض أن سلطة وقف الدستور أو بعض نصوصه لا تعدو مجرد اجتهاد فقهي يستند إلى فكرة تركيز السلطات . أنظر :
-د. وجدي ثابت غبريال ، القانون الدستوري والنظام الدستوري المصري طبقاً لدستور 1971 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1990 ، ص103 .
41ـ أنظر : الأستاذ حسين جميل . حقوق الإنسان والقانون الجنائي . معهد البحوث والدراسات القانونية والشرعية ، دار النشر بالجامعات المصرية ، 1972 ، ص22 .
42ـ –Genevieve Camus :L'etak du Necessite En Democratie, thess,L.G.d.J . Paris ,1965.p.296 .
43ـ أنظر : -د. رعد الجدة ، دراسات في الشؤون الدستورية العراقية ، المصدر السابق ، ص184.و-د. رعد الجدة ، التشريعات الدستورية في العراق ، المصدر السابق ، ص145 .
44ـ نصت المادة الثالثة والأربعون على إنه : ’’ أولاً – لا يجوز حجز الإنسان أو توقيفه ، أو حبسه ، أو سجنه ، إلاّ بقرار صادر من جهة قضائية ، أو جهة مختصة ، طبقاً للقانون . ثانياً-تتكفل الدولة بتعويض عادل للفرد عن الضرر الذي يصيبه جراء مخالفة أحكام الفقرة (أولاً) من هذه المادة . ثالثاً – يملك الشخص الذي يحجز أو يوقف ، حق الاتصال بأسرته ومحاميه ‘‘ .
و نصت المادة السابعة والأربعون على إنه : ’’ للمساكن حرمة ، ولا يجوز دخولها ، أو تفتيشها ، إلاّ في الحدود والإجراءات التي يقررها القانون ‘‘ . وأوضحت المادة الثامنة والأربعون أن : ’’ سرية المراسلات البريدية والبرقية والهاتفية مكفولة . ولا يجوز انتهاكها ، إلاّ لضرورات العدالة والأمن ، في الحدود والإجراءات التي يقررها القانون ‘‘ . وأقرت المادة السابعة والستون ، في الفقرة الأولى ، حق المواطن في السفر إلى خارج البلاد ، أو العودة إليها ، مضمون . و لا يجوز تقييد تنقله وإقامته إلاّ في الحالات التي يحددها القانون . ونصت الفقرة الثانية ، على إنه : ’’ لا يجوز إبعاد أي مواطن عن البلاد، أو منعه من العودة إليها ‘‘.
45ـ نصت المادة الثالثة والخمسون على إنه : ’’ حرية الفكر والرأي والتعبير عنه ، وتلقيه بالوسائل الإعلامية والثقافية ، مضمونة ، وينظم القانون ممارسة هذه الحريات ‘‘ . كما أشارت المادة الرابعة والخمسون إلى إن : ’’ حرية الصحافة والطباعة والنشر مضمونة ، وينظم القانون ممارسة هذه الحرية ، ولا تفرض الرقابة على الصحف والمصنفات إلاّ بموجب أحكام القانون ‘‘ .وأوضحت المادة الثانية والخمسون أن : ’’ التجمع والتظاهر السلميان مكفولان في حدود مقتضيات حماية الأمن ، أو النظام العام ، أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم ، وينظم القانون هذه الممارسة ‘‘ .و نصت المادة السادسة والخمسون على إنه : ’’تأسيس الأحزاب السياسية وحرية الانضمام إليها ، مكفولان للمواطنين وينظمها القانون بما لا يتعارض وأحكام الدستور والنظام العام والوحدة الوطنية ‘‘ .
وأبانت المادة السابعة والخمسون إن : ’’ تأسيس الجمعيات وحرية الانضمام إليها مكفولان بموجب القانون بما لا يتعارض وأحكام الدستور والنظام العام والوحدة الوطنية ‘‘ .
46ـ - Genevieve Camus : op.cit,p.300-301 .
47ـ–Georges Burdeau : Droit Constitutionnel . 21 Edition , L.D.S. Paris , 1988 , p.622.
48ـ –M.Voisset p.cit.p.79 .
49ـ - د. طعيمة الجرف ، مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الدولة للقانون ، مكتبة القاهرة ، 1976 ، ص173 .
50 ـ أورد هذا الرأي : -د. وجدي ثابت غبريال ، المصدر السابق ، ص224-225 .
51ـ د. يحيى الجمل ، المصدر السابق ، ص153 .
سمو الدولة عن القانون
المطلب الأول :
المذاهب الشكلية : هي المذاهب التي تكتفي بالمظهر الخارجي للقاعدة القانونية، فلا تنظر إلا إلى الشكل الذي تخرج به هذه القاعدة إلى الوجود في صورة ملزمة ولذلك فهي ترجع تكوين القاعدة القانونية إلى السلطة التي اكتسبت هذه القاعدة عن طريقها قوة الإلزام في الحياة العملية إذن فهي تربط بين القانون والسلطة التي تكسبه قوة الإلزام في العمل .
وقد نادى بهذه المذاهب الشكلية كثير من الفقهاء والفلاسفة اتفقوا جميعا من حيث المبدأ وهو رد القانون إلى إدارة الحاكم أو السلطان مع خلافات بسيرة في بعض الجزيئات لا تحل ولا تتقص من اتفاقهم على المبدأ ومن هؤلاء الفلاسفة والفقهاء ومنهم أوستن الفيلسوف الإنجليزي شغل منصب أستاذ في فلسفة القانون في جامعة لندن في النصف الأول من القرن 19 استمد مذهبه من نظريات الفلاسفة اليونان منذ القدم إذ كانوا يرون أن القانون مبدأ للقوة كما تأثر بما جاء به الفقيه الإنجليزي "توماس هوين" من أن القانون ليس طلبا ولا نصيحة وإنما هو أمر صادر عن حاكم بل القانون هو إدارة الحاكم أو السلطان الذي له السيطرة المطلقة إلا أن له الفضل في سياقة هذه الأفكار بشكل نظري والفكرة التي تقوم عليها مذهب أوستن بحيث عرف القانون بأنه أمر أو نهي يصدره الحاكم إسنادا إلى سلطة السياسية ويوجه إلى المحكومين ويتبعه انجزاء ومن هذا التعريف يتبين أنه لكي يوجد قانون لابد من توفر ثلاث شروط :
1-وجود حاكم سياسي: فالقانون في نظر أوستن لا يقوم إلا في مجتمع سياسي يستند في تنظيمه إلى وجود هيئة عليا حاكمة لها السيادة السياسية في المجتمع وهيئة أخرى خاضعة لما تصدره الهيئة الحاكمة من أوامر ونواهي .
2-وجود أمر أو نهي : القانون في منظور ليس مجرد نصيحة أو إرشاد للأفراد إن شأوا التزموا به أو خالفوه بل هو أمر ونهي لا يجوز مخالفة وقد يكون صريحا أو ضمنيا. وكذلك بالنسبة لقواعد قانون العقوبات أحيانا تقتصر على تحديد العقوبة التي توقع على من يرتكب جريمة معينة وهي بذلك لا تصدر في صيغة أمر او نهي ولكنها ضمنيا تأمر بعدم إرتكاب الجرائم أو تنهي عنها .
3-وجود الجزاء : فكرة الجزاء لدى أوستن هي فكرة جوهرية في القاعدة القانونية بغيرها لا توجد القاعدة القانونية فالحاكم السياسي له من القوة والسلطة ما يمكنه من فرض إدارته على المحكومين عن طريق الجزاء على من يخالفة .
النتائج المترتبة عن مذهب أوستن :
1/إنكار صفة القانون على القانون الدولي العام لأنه يرى بأن جميع الدول متساوية في السيادة ولا توجد في المجتمع الدولي سلطة عليا فوق سلطة الدول توقع الجزاء على الدول التي تخالف القواعد القانونية وعلى هذا الأساس يعتبر أوستن أن قواعد القانون الدولي ما هي إلا مجرد مجاملات تراعيها الدول في سلوكها فيما بينها .
2/انكار صفة القانون على القانون الدستوري: لأن قواعد القانون الدستوري هي التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها والسلطات العامة داخل الدولة وعلاقتها بعضها ببعض كما تبين حقوق الأفراد السياسية وحرياتهم والمقومات الأساسية للمجتمع وعليه فإن قواعد القانون الدستوري هي قواعد بمحض اختياره وبما أنه هو الذي يصدر هذه القواعد فهو يستطيع دائما مخالفتها لأنها من ناحية ليست صادرة من سلطة أعلى منه ومن ناحية أخرى غير مقترنة بجزاء يوقع في حالة مخالفته لأنه لا يعقل أن يوقع الحاكم الجزاء على نفسه على هذا الأساس يرى أوستن أن قواعد القانون الدستوري ماهي إلا مجرد قيود أو قواعد الأخلاق الوضعية على حد تعبيره تنظم علاقة الحاكم بالأفراد لم تلزمه بها سلطة أعلى منه
3/ جعل التشريع هو المصدر الوحيد لقواعد القانونية باعتباره يتضمن أمرا أو نهيا يصدره الحاكم إلى المحكومين وعدم الإعتراف بالمصادر الأخرى كالعرف مثلا لأنه لا يصدر من الحاكم إلى المحكومين وإنما ينشأ من إتباع الناس سلوك معين ومنا طويل مع شعورهم بإلتزاميته .
4/وجوب التقيد في تفسير نصوص القانون بإدارة المشرع وقت وضع هذه النصوص وعدم الأخذ بما يطرأ بعد ذلك من ظروف جديدة لأن العبرة بإرادة الحاكم وقت وضع النص ولا عيره يتغير الظروف .
مذهب الشرح على المتون :يختلف مذهب الشرح على المتون عن مذهب أوستن لأنه لم يكن نتاج رأي فقيه واحد وإنما كان ثمرة لأراء مجموعة من الفقهاء الفرنسيين الذين تعاقبوا خلال القرن 19 على فكرة تجميع أحكام المدني الفرنسي في مجموعة واحدة أطلق عليها " تقنين نابليون" وكذلك يختلف مذهب الشرح على المتون عن مذهب أوستن في أن فقهاء مذهب الشرح على المتون ليسوا هم الذين نادوا بهذا المذهب ذلك أن هذا الأخير ماهو إلا مجرد طريقة تفسير وشرح القانون أستخلص منها الفقهاء في أوائل القرن 20 المبادئ والأسس التي قام عليها هذا الأسلوب بالشرح والتفسير وساقوا منها مذهبا له مميزاته الخاصة وحددوا أسماء الفقهاء الذين سارو على هذا الأسلوب وأطلقوا عليه اسم مذهب أو نظرية الشرح على المتون نظرا لطريقة التي سار عليها هؤلاء الفقهاء في شرح تقنين نابليون مثنا متنا وبنفس الترتيب الذي وردت به هذه النصوص في التقنين وقد سميت المدرسة التي تكونت من فقهاء الشرح على المتون " بمدرسة إلتزام النصوص" والأسس التي تقوم عليها مذهب الشرح على المتون على أساسين هما:
1-تقديس النصوص التشريعية: لقد أحدثت تقنيات نابليون جوا من الإبهار والإعجاب دفعت برجال القانون إلى قصر مفهوم القانون على المدونات التي يتم الإعلان عنها رسميا من طرف أجهزة الدولة فالتقنين أصبح هو الوجه المعبر للقانون وإدارة المشرع هي الترجمان الوحيد لإدارة الدولة ولعل السبب في تقديس فقهاء الشرح على المتون للنصوص القانونية يرجع إلى أن النظام القانوني السائد في فرنسا قبل صدور التقنين المدني الفرنسي الذي عرف باسم تقنين نابليون يختلف من الشمال إلى الجنوب فقد الجزء الشمالي يخضع لنظام قانوني أساسه قواعد العرف والتقاليد بينما الجزء الجنوبي يخضع لنظام قانون مستمد من القانون الروماني وقد كان توحيد القانون بلورة تقنين جديد شامل جامع ومانع أمل رجال الثورة الفرنسية غير أن هذا الأمل لم يتحقق إلا في عهد نابليون بصدور تقنية المعروف باسمه وقد قال تقنينه " إن القانون الوضعي مهما بلغ من التطور والدقة لا يمكنه حل محل العقل الطبيعي " مشيرا بذلك إلى محدودية التقنين وقصوره عن الإستعاب الكامل للظواهر القانونية ونظرا للمزايا الكبيرة التي حققها هذا التقنين بتوحيده لنظام القانوني في فرنسا فقد شعر رجال القانون بعاطفة قوية تدفعهم إلى احترام وتقديس هذا التقنين باعتباره المصدر الوحيد للقانون فهو بنظرهم قانون شامل كالكتاب المقدس قد أحاط بكل شيء مما جعلهم يتبعون في شرح هذا التقنين الطريقة التي تتبع في شرح الكتب المقدسة وهي شرح نصوصه نصا بعد نص .
2-اعتبار التشريع هو المصدر الوحيد للقانون: ذلك أن النصوص القانونية في منظور فقهاء مذهب الشرح على المتون تتضمن جميع الأحكام القانونية وتضع جميع الحلول لشتى الحالات وبذلك يعتبر التشريع هو المصدر الوحيد للقانون باعتباره المعبر عن إدارة المشرع ولقد ترتبت نتائج على هذا المذهب وهي:
أ-التزام القاضي بأحكام النصوص التشريعية إذ لا يجوز له الخروج عنها أو المسار بها نظرا لقدوسيتها فمهمته تتمثل في الحكم بمقتضى القانون وليس الحكم على القانون .
ب- إذا عجز الشارع عن استخلاص قاعدة مامن النصوص التشريعية فإن اللوم والعيب في المشرع ذلك لأن التشريع يحوي جميع القواعد والمبادئ اللازمة في جميع الحالات .
جـ- وجب الخضوع إلى نية وإرادة المشرع وقت وضع النصوص وهذا عند تفسير وشرح النصوص التشريعية .
مذهب هيجل : وهو فيلسوف ألماني وأستاذ له عدة مؤلفات منها كتابه الذي صدر سنة 1821 م بعنوان " مبادئ فلسفة القانون " يرى هيجل أن الدول الحقيقية الواقعية هي التي توقف في حسم التناقض الأساسي بين الوجدان الفردي والمصلحة العامة فالدولة وفق فلسفة هيجل هي تجسيد لإرادة الإنسان وحريته فلا أساس ولا شرعية للقانون إلا إذا كان صادرا عن الدولة فالقانون هو إرادة الدولة سواءا في الداخل أو الخارج ففي الداخل لا يمكن للمجتمع أن يرقى في مصاف الدولة إلا إذا اندمج الأفراد في كيان الدولة فتذوب إرادتهم وحريتهم داخل الكيان من أجل تحقيق صالح عام يبغي أن يكون قاسما مشتركا بين الأفراد وهذا يقتضي خضوع الأفراد المطلق للدولة ويقتضي أن تكون سيادة الدولة واحدة لا تتجزأ تتجسد في شخص واحد له السلطان المطلق وقراره واجب النفاذ باعتباره معبر عن الإدارة العامة التي تذوب في وحدتها جميع الإختلافات، أما في الخارج فطالما أن جميع الدول متساوية في السيادة وطالما أنه لا توجد سلطة عليا تختص في الفصل في النزاعات التي تنشئ بين الدول إذ أن الحرب هي الوسيلة الوحيدة لتنفيذ إدارة الدولة في المجتمع الدولي وحل النزاع يكون لصالح الدولة الأقوى طبقا لمبدأ البقاء للأقوى والنتائج المترتبة عن هذا المذهب هي :
1-تدعيم وتبرير الحكم الاستبدادي المطلق طالما أن إدارة الحاكم هي القانون الواجب النفاذ .
2-اعتبار التشريع هو المصدر الوحيد للقانون باعتباره هو المعبر عن إرادة الحاكم
3-لا مجال للإعتراف بقواعد القانون الدولي فالقوة وحدها هي السبيل الوحيد لتنفيذ رغبات الحاكم وقض النازعات كذلك الشأن بالنسبة لقواعد القانون الدستوري فالحكم له السلطان المطلق في علاقته مع الأفراد .
مذهب كلسن : كلسن فيلسوف نمساوي اشتغل منصب أستاذ في مادة فلسفة القانون بجامعة فينا سنة 1917 كون مذهبا عرف بـ " النظرية الصافية " ووفقا لكلسن يجب أن يقتصر علم القانون على دراسة السلوك الإنساني مجرد من الاعتبارات والضوابط الأخرى التي هي من اختصاص علوم أخرى كعلم الإقتصاد والسياسة …إلخ فالنظرية الصافية للقانون تبحث في تحديد ماهو القانون وكيف يتكون غير مبالية بما يجب أن يكون عليه والأسس التي يقوم عليها مذهب أوستن هي :
أ- استبعاد جميع العناصر غير القانونية : يرى كلسن وجوب استبعاد كافة العوامل الغير قانونية كالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والمبادئ الأخلاقية والمفاهيم السياسية وغيرها فالقانون البحت يجب أن يقتصر في دراسته على القانون كما هو والبحث عن صحة صدوره من الهيئة أو الشخص صاحب الاختصاص والتحقيق من مدى إتباعه كما حددته السلطة المختصة أو عدم اتباعه دون البحث في مضمونه إذ كان عادلا أم لا متفق مع مصلحة الجماعة أم غير ذلك إن البحث يتضمن أسباب نشأة القواعد هو من إختصاص علماء الإجتماع والسياسة والتاريخ فالقانون حسب كلسن هو مجموعة الضوابط القانونية ويتكون من قواعد قانونية عامة وفردية .
ب- وحدة القانون والدولة: القانون ليس تعبيرا عن إرادة الدولة وليست الدولة صانعة للقانون بل القانون هو الدولة والدولة هي القانون والقانون هو مجموعة إرادات في شكل هرمي إذن فالقانون هو نظام هرمي كل قاعدة تحيا وتستمد شرعيتها وفعاليتها من القاعدة الأعلى منها وصولا إلى نظام القانون هو الدولة فالدولة ليست شخص معنوي بل هي مجموعة من القواعد القانونية وفق تدرج تسلسلي يبدأ من الأوامر الفردية أو القرارات وصولا إلى الدستور الذي هو النهاية الحتمية والسامية لهذه القواعد، أي الدستور وما يتفرع عنه من قواعد قانونية هي الدولة إلا أن كلسن لا يعتبر هذا النظام القانوني دولة إلا بوجود جهات مركزية مختصة بالتعبير عن القواعد القانونية التي تكون منها هذا النظام القانوني وتطبقها عن طريق الإلزام وعلى هذا النحو يدخل كلسن في هذا النظام القانوني الهرمي جميع الضوابط القانونية سواء كانت تتعلق بالنشاط الخاص بالأفراد أو النشاط الإداري أو باستعمال القوة الجبرية مثل المحضر القضائي عمله تعبير عن إرادة الدولة إذ هو مكلف تنفيذ حكم قضائي صادر من القاضي تطيقا لقاعدة عامة وضعها المشرع ومن أهم النتائج المترتبة على هذا المذهب هي :
*رفع التناقض بين اعتبار القانون إرادة الدولة وبين ضرورة تقيد الدولة بسلطان القانون
*وحدة القانون وعدم جواز تقسيمه إلى قانون عام وخاص .
المطلب الثاني : مظاهر عدم الخضوع :
النقد الموجه لأوستن :
-يخلط بين القانون والدولة وكذلك بين القانون والقوة .
-يؤخذ عنه أن التشريع المصدر الوحيد .
-إنكاره للقانون الدولي العام .
-إنكاره للقانون الدستوري .
-يؤخذ عليه التعبير بإدارة المشرع وقت وضع النصوص .
أما بالنسبة للنقد الموجه لمدرسة الشرح على المتون هي
-انه يعتمد على التشريع كمصدر وحيد للقانون .
-الاكتفاء بإدارة المس\شرع وقت وضع النصوص .
-تقديس النصوص يؤدي إلى النزعة الاستبدادية .
أما فما يخص النقد الموجه لهيجل هو :
-الإدعاء بوجود مصدر وحيد للقانون هو التشريع .
-التوحيد بين إدارة الحاكم المعززة بالقوة وبين القانون يؤدي إلى الاستبداد المطلق (لكونه
ألماني يريد إعطاء الشرعية حتى يسيطر الشعب الألماني على العالم )
أما النقد الموجه لكلسن هو :
-انه يخفي مشكلة أساس القانون(لم يتمكن من إسناد الدستور إلى قاعدة أعلى منه)
-دمج الدولة في القانون (أغلب الدساتير تنص على وجوب تقيد سلطة الدولة).
-التشريع المصدر الوحيد .
-أقفل قواعد القانون الدولي .
-القول بوجود قواعد قانونية فردية .
-تجريد القانون من كافة العناصر والعوامل غير القانونية .
المبحث الثاني :
المطلب الأول :
خضوع الدولة للقانون :
أصبح خضوع الدولة للقانون خاصية تميز الدولة الحديثة ومبدأ من المبادئ الدستورية التي تجتهد كل دولة في تطبيقها واحترامها ويعني هذا المبدأ بصفة عامة خضوع الحكام وكافة الأجهزة ومؤسسات الدولة الممارسة السلطة للقانون ومثلها مثل الأفراد إلى أن يعدل أو يلغى ذلك القانون طبقا لإجراءات وطرق معروفة ومحددة مسبقا .
هذا يعني أن الدولة ليست مطلقة الحرية في وضع القانون وتعديله حسب أهوائها حتى وغن كانت الدولة التي تضعه وتصدره بل هناك قيود وحدود نظرية وعملية تصطدم وتلزم بها وإلا كانت الدولة استبدادية حيث قسم الدولة من زاوية مدى احترامها للقانون إلى دولة استبدادية لا تخضع للقانون ودولة قانونية تخضع له وتلتزم بمبدأ المشروعية التي يعني ضرورة مطابقة أعمال وتصرفات الحكام ومؤسسات الدولة للنصوص القانونية السارية المفعول واسنادها إليها وقد وجدت عدة ميكانيزمات ومبادئ تضعه موقع التطبيق في الدولة الحديثة "1"
النظريات (ميكانيزمات) المقرة لمبدأ خضوع الدولة للقانون :
نجد منها نظرية ق . ط. و نظرية الحقوق الفردية، نظرية التقيد الذاتي وأخيرا نظرية التضامن الإجتماعي، لكننا أخذ النظريتين (القانون الطبيعي ونظرية التقيد الذاتي) وذلك لتأثير البارز أكثر من النظريات الباقية .
نظرية القانون الطبيعي ترى أن سلطة الدولة مقيدة بقواعد القانون الطبيعي وهي قواعد سابقة عن وجود الدولة وأن العدالة وقواعد القانون الطبيعي قيد على الحكام يجب الالتزام بها، ومن أصحاب هذه النظرية أرسطو ، تشرون ، وبول ، وأخلص مدافع عن هذه النظرية ليفور، والذين يقولون بأن إرادة الدولة ليست مطلقة في القيام بأي تصرف تريده يل هي خاضعة لقوة خارجية عنها وتسمو عليها وهي قواعد القانون الطبيعي وبرزت أكثر هذه النظرية في القرنيين 17 و18 على يد الفقيه " جروسيوس"
-1- الأمين شريط الوجيز في القانون الدستوري ص 89
لم تسلم هذه النظرية من النقد حيث وجهت لها إنتقاد خاصة من طرف الفقيه الفرنسي" كاردي مالبرغ "الذي يعتبر قواعد القانون الطبيعي لا تشكل قيدا قانونيا على إرادة الدولة فهي مجرد قيد أدبي أو سياسي لأن القواعد لا تصبح قانونية إلا إذا تقرر لها جزاء مادي معين والدولة هي من تضع الجزاء وتلزم الأفراد به فكيف توضع الجزاء على نفسها .
أما بالنسبة لنظرية التقييد الذاتي والتي تعد من أهم النظريات وهي تقوم على أساس فكرة جوهرية تتمثل في أن الدولة لا يمكن أن تخضع لأي قيد من القيود إلا إذا كان نابعا من ارادتها الخاصة وهذا الأمر يتماشى مع خاصية السيادة التي تتمتع بها،فقواعد القانون التي تقيدها هي من يصنعها وبالتالي يتحقق التقييد الذاتي ونشأة هذه النظرية في ألمانيا من روادها "حنيليك" وتبناها في فرنسا الفقيه "كاردي مالبرغ ". رغم اقتراب هذه النظرية من الواقع إلا أنها لم تسلم من الانتقاد، ويعبر الفقيه الفرنسي ليون ديجي من أعنف المنتقدين لها حيث انتهى به القول إلى أنه لا خضوع إذا كان الخضوع من إرادة الخاضع وأنه ليس من المنطقي أن يقيد شخص نفسه بإرادته، فهذا القيد كاذب وأن هذه النظرية تحمل في طياتها الاستبداد
ضمانات خضوع الدولة للقانون :
ضمانات قيام دولة قانونية هي الممارسة العملية للسلطة والدساتير أسفرت عن تكريس ضمانات قانونية تسمح بتطبيق مبدأ خضوع الدولة للقانون .
1/وجود الدستور:
الدولة بدون دستور لا تعتبر دولة قانونية لما يتميز به من خصائص تميزه عن غيره من القوانين فهو المنشأ للسلطات والمحدد لاختصاصاتها وإلتزاماتها واحتوائها ويقيد السلطة التشريعية في سنها اللوائح التي يجب أن تكون مجسدة للدستور، كذلك نجد يحدد للسلطة التنفيذية فيما تحدده من قرارات ولوائح وكذلك يفيد السلطة القضائية في حكمها في النزاعات والدستور الذي يحدد للأفراد حقوقهم وحرياتهم ويعتبر قمة النظام القانوني في الدولة لسموه على كل القانون وتعديله لا بد من إجراءات معقدة .
2/ الفصل في السلطات :
صاحب هذه النظرية هو الفقيه "مونتيسكيو" في كتابه "روح القوانين " يرى أن السلطة بطبيعة مستبدة ولهذا يجب على كل سلطة احترام القواعد التي وضعها لها الدستور لكي تمارس بموجبها اختصاصاتها لا تعتمد على كل صلاحيات سلطة أخرى هذا من ناحية الموضوعية ومن الناحية الشكلية فإن السلطة لها جهاز معين وهذا ما سماه "مونتيسكيو" أن السلطة توقف السلطة، ويقتضي على أنه تجمع السلطة في يد واحدة فكل واحدة مستقلة عن الأخرى .
3/ سيادة القانون:
بمعناه السلطة التنفيذية ملتزمة في إصدار اللوائح بالقانون للسلطة التشريعية الخضوع للقانون فهي ملتزمة بالقانون .
4/تدرج القواعد القانونية :
القواعد القانونية مندرجة من حيث القوة من الأعلى إلى الأسفل أي أن قانون في الدولة موضوع في شكل هرمي قمته الدستور قانون العادية ثم اللوائح التنظيمية .
5/ الرقابة القضائية :
رقابة تشريعية وإدارية وقضائية فكلهم وسيلة لحماية الفرد من اسنداد السلطة وتعسفها فالرقابة التشريعية الأغلبية البرلمانية "سياسة " والإدارية تجعل الفرد تحت رحمة الإدارة فهي حلم وطرف أحيانا غير حيادية وتبقى الرقابة القضائية مواجهة لمن يخالف القانون فيجب ان يكون مستقل وحيادي عن كل السلطات في الدولة فقد تتعسف السلطة التشريعية أو التنفيذية بإصدار قوانين لا يقبلها الشعب فتبقى الرقابة القضائية لنرى وتحكم بالعدل حتى وأن كان القضاء مزدوج .
6/ الاعتراف بالحقوق والحريات العامة :
يجب أن يكون هناك اعتراف صريح بحريات وحقوق الأفراد وتقديسها لكن الدولة الحديثة أضافة تدخلها بشكل إيجابي، متمثل في حمايتها لهذه الحقوق والعمل على تحقيق تنمية للأفراد حقوق اقتصادية اجتماعية وثقافية .
7/ الرقابة الشعبية :
وليس بمعناها الضيق أي عن طريق المنتخبين على مستوى البرلمان ولكن يقصد بها المعنى الواسع فالشعب له دور حاسم وأساسي في اجبار الدولة للخضوع للقانون واحترامه في طريق الجمعيات أو الأحزاب ….إلخ
8/المعارضة السياسية :
على أساس التعددية الحزبية تسمح بوجود معارضة منظمة للسلطة الحاكمة وتعمل على انتقاد السلطة الحاكمة وكشف عيوبها وبالتالي محاولة اخذ السلطة بموجب القانون وعن طريق الانتخابات
المقدمة :
إن مفهوم خضوع الدولة للقانون يعني أن تتقيد جميع جميع سلوكات السلطات العامة في الدولة بالقانون مثلها مثل الأفراد العاديين فلا يمكن للدولة أن تضع القانون الذي تريد او أن تعدله او تلغيه حسب ما تريد بل تتبع في ذلك إجراءات معينة ومحددة، وهذا ما يعرف بمبدأ المشروعية .
ونحن حين تكلمنا عن السلطة فلا نقصد أن نثير تساؤل فيما إذا كانت قانونية أم لا بل التساؤل المطروح هو حول كيفية ممارسة السلطة . هل حين تمارس السلطة يجب ان تظل دائما هذه الممارسة في إطار القانون ؟ أي خاضعة للقانون وإن كانت كذلك فما هو أساس هذا الخضوع ؟
وما هي الأساليب والوسائل الناجعة أو الكفيلة لإخضاع الدولة القانون …، كل هذه التساؤلات كلها وغيرها تصب في قالب واحد ولكن يبقى الإشكال الأم والتساؤل الأساسي :
هل السلطة فوق القانون أم أنها خاضعة له ؟
خطـة الـبحـث
مـقدمـة
المبحث الأول : سمو الدولة عن القانون ومظاهر عدم خضوعها له
المطلب الأول :سمو الدولة عن القانون و عدم خضوعها له
المطلب الثاني :مظاهر عدم الخضوع
المبحث الثاني :سيادة القانون في الدولة وخضوعها له وضمانات خضوعها له
المطلب الأول : خضوع الدولة للقانون
* نظرية قانون الطبيعي
* نظرية التقيد الذاتي
المطلب الثاني : ضمانات خضوع الدولة للقانون
الخــاتـمــة
المـراجع المـعتمدة
د . إبراهيم أبونجا محاضرات فلسفة القانون د.م.ح 72
د. الأمين شريط الوجيز في القانون الدستوري
د. فاضلي إدريس محاضرات في فلسفة القانون جامعة الجزائر 99
الخاتمــة
وختاما نخلص إلى القول بأن كل دولة في العــالم تسعى جاهدة لأن تكون دولة قــانونية بمعـنى الكـلمة وذلـك من خــلال تجسـيدها للضمانات المذكـورة آنـفا بيد أن الـدول لم تتمكن من تطبـيق هـذا على أرض الـواقع ولو اتجهـنا قـليلا إلى ما يدور في الـعالم فنجد من بين الـدول التي تحـاول تطبيق
الضمانات عمليا لـتكون دولـة قـانونيـة فعـلا.
الجزائـر التي وبالـرغم مما تبـذله مـن مجـهودات تبـقى صفـة قـانونيتـها نسبيـة فقـط.