![]() |
|
قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها ..... |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 16 | ||||
|
![]() المدخل لدراسة حقوق الإنسان...(7) وعلى هذا الأساس صدرت الدساتير والقوانين التي حمت هذه الحقوق ففي الولايات المتحدة الأمريكية صدرت تشريعات عادية تضمنت بعض الحقوق التي اشرنا إليها بعد الأزمة الاقتصادية التي حدثت سنة 1935 والتي أطلق عليها اسم (السياسة الجديدة)، أما في انكلترا فقد قررت بعض الحقوق ذات المضامين الاقتصادية والاجتماعية بموجب قوانين صدرت عن البرلمان الانكليزي ابتداءاً من نهاية الحرب العالمية الأولى، ولم تكن فرنسا بعيدة عن هذه التطورات إذ تضمن دستور 1946 في مقدمته تحديداً شاملاً لهذه الحقوق ومنها تضمين القوانين لفكرة المساواة بين الرجل والمرأة في المجالات كافة، وضمان حقوق العمال، بالتأكيد على حق العمل، وعدم جواز ان يضار إنسان من عمله بسبب الجنس أو الرأي أو العقيدة، والحق في ان ينضم أي إنسان إلى النقابة التي يمكن ان تدافع عن مصالحه، وأقر الحق في الاضراب ضمن حدود القانون الذي ينظمه، فضلاً عن ضمان التأمين الصحي والراحة، والحق في التمتع بأوقات الفراغ وتوفير الوسائل الضرورية لاستمرار حياة العاجزين عن العمل نتيجة الشيخوخة أو المرض(81). وفي الدستور الفرنسي النافذ والصادر عام 1958 فقد نص على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تضمنتها المبادئ السابقة ولكن بطريقة غير مباشرة إذ أُشير إلى تمسك الشعب الفرنسي بإعلان سنة 1789 ومقدمة دستور 1946. وهنا يمكن الإشارة إلى حقيقة تتمثل في ان الديمقراطيات الغربية لم تعطِ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية نفس القدر من الأهمية التي تعطيها للحقوق والحريات الفردية فمجموعة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في دساتير الدول الرأسمالية هي مجرد أهداف عامة يجب على الحكومات ان تحاول تحقيقها في حين ان الحريات التقليدية تتمتع بحماية تشريعية وقضائية تمنع الاعتداء عليها أو الحد من فعاليتها(82). ومن المهم القول بان الدستور العراقي لعام 2005 قد اكد في المادة (22) منه على ان العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة ، كما نص على الحقوق الاخرى التي تساهم في كفالة هذا الحق من قبيل تأسيس النقابات والاتحادات المهنية وحرية الانضمام اليها . وفي المادة (30) منه اورد ( تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة او المرض او العجز عن العمل او التشرد او اليتيم او البطالة ، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقه ,وتوفر لهم ,السكن والمناهج الخاصه لتاهيلهم والعنايه بهم , وينظم ذالك بقانون ) . ومن جانبه اكد الدستور الاردني النافذ لعام 1952 في الماده (23) منه على حق العمل لجميع الاردنيين , كما اشار الى واجب الدوله في توفيره لهم باجور تتناسب مع كمية العمل وكيفيته , كما قرر تعويض خاص للعمال المعيلين , وفي احوال التسريح و المرض والعجز واصابات العمل . الفرع الثاني حق الملكية يعد حق الملكية من الحقوق الأساسية والمهمة بالنسبة لكل فرد وربما كانت مشكلة الإنسان قد بدأت عندما وضع شخص ما قدمه على قطعة أرض وقال هذه ملكي، وكتب لوك يقول (إن السلطة العليا يجب إلا تسلب الفرد جزء من ملكه دون ان تحصل على رضاه، وذلك لأن حماية الملكية هو الغرض الذي من أجله أُنشئت الحكومة، وكون الأفراد الجماعة)، ووجد هذا الكلام صداه في إعلان عام 1789 الذي أكد على ان (الملكية حق مقدس لا يمكن المساس به ولا يجوز ان تنزع الملكية الخاصة لشخص إلا إذا كان ذلك للمصلحة العامة وطبقاً للقانون على ان يكون ذلك في مقابل دفع تعويض سابق وعادل)(84). والنص المتقدم يعبر عن النظرة التي سادت لهذا الحق في نهاية القرن الثامن عشر والنص الأول من القرن التاسع عشر حيث كان يعد من الحقوق الطبيعية للأفراد بعد الحرية وقبل الضمان ومقاومة الطغيان، وهذا يعني ان النص الذي جاء به إعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789 قد عبر عن إيمان الثورة الفرنسية بان الملكية الخاصة تمثل القلعة الحصينة للحريات الفردية فهي التي تعبر أصدق تعبير عن حرية الإنسان، وان شخصية كل إنسان لا يمكن ان تنمو إلا إذا نشأت بحرية لا تحت رحمة الغير، لذا فان مُكنة تملك الأموال هي خصيصة جوهرية وأساسية لجميع المكنات الفردية المكونة لحريات الفرد، وعبرت النظرية التقليدية لحقوق الأفراد العامة عن مفهوم يربط بين الملكية والحرية حيث اعتبرت ان الفرد يستوفي مقومات استقلاله عن الدولة ويستطيع ان يستغني عن مساعدتها متى ما توافرت الملكية والحرية، وعلى هذا الأساس عدت الملكية مثل الحرية حق طبيعي يمكن الاحتجاج به أمام الكافة بما فيهم الدولة ذاتها، إلا ان المفهوم المتقدم للملكية باعتبارها حق مقدس وطبيعي وغير قابل للزوال تحت ضغط التطورات الاقتصادية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وربما قبل ذلك بفترة قصيرة حيث يمكن تحديد ثلاث اتجاهات فكرية عبرت عن موقفها من حق الملكية هي: 1- اتجاه يذهب إلى تضييق الملكيات الفردية وإحلال ملكية الدولة أو الملكيات الجماعية محلها. 2- اتجاه ثانٍ يذهب إلى تغير طبيعة النظرة إلى الملكية وذلك عن طريق اعتبارها تقوم بوظيفة اجتماعية (نظرية الملكية كوظيفة اجتماعية) ويراد بها تقيد حق الملكية بإخضاعه لمجموعة من الالتزامات التي تقود إلى تحقيق الحاجات الاجتماعية فالمالك عليه عندما يقوم باستخدام ملكية ان يراعي حاجات الجماعة قبل كل شيء. 3- اتجاه ثالث جمع العناصر الجيدة في الاتجاهين السابقين إذ يفضل هذا الاتجاه نقل الملكية من الفرد إلى الدولة أو إلى الجماعة إذا كان أداء المال لوظيفته الاجتماعية لا يتحقق إلا بنقله إلى الدولة أو الجماعة وهذا ما يتحقق عن طريق التأميم، ومن الأمثلة على التأميم كجزء نجده فيما قامت به الحكومة الفرنسية من تأميم لمصانع رينو للسيارات بعد الحرب العالمية الثانية بسبب النشاط المعادي لمالك هذه المصانع لفرنسا أثناء الاحتلال الألماني، والحالة الثانية تتمثل بتغيير طبيعة الحق بحيث يحل طابع نسبي للملكية محل الطابع المطلق لها وذلك عن طريق تحديد سلطات المالك على ملكه وهذا يعني الاعتراف بالملكية الخاصة لكن مع اعطاء السلطة السياسية القائمة بتفسير المصلحة الاجتماعية التي لا تستطيع فكرة الملكية الهروب منها(85). من جانب آخر أكدت الاتفاقيات الدولية على حق الملكية وكذلك الاعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث نصت المادة 17 منه على حق كل فرد في التملك سواء بمفرده أو مع غيره وأضافت إلى ذلك عدم جواز تجريد شخص من ملكه تعسفاً، والمضمون ذاته أشارت إليه المادة (5) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري وإعلان القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 7 تشرين الثاني 1967 وكذلك الحال مع الإعلان الخاص بحقوق المعوقين(86). الفرع الثالث- الحقوق الثقافية من أهم الحقوق الثقافية الحق في التعليم والثقافة حيث تم الاعتراف في القوانين الداخلية للدول والمعاهدات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بالحق في الثقافة والتعليم بهدف توجيه الثقافة نحو بناء وتنمية الشخصية الإنسانية والإحساس بكرامتها والاشتراك بشكل مؤثر وفعال في نشاط المجتمع الحر، وهذا ما يتم تحقيقه عبر إتاحة فرصة التعليم الابتدائي وجعله إلزامياً ومجانياً للجميع، والعمل على جعل التعليم الثانوي والفني والمهني متاحاً وميسوراً وبكل الوسائل المناسبة وعلى وجه التحديد عن طريق جعل الثقافة مجانية للجميع، فضلاً عن جعل التعليم العالي ميسوراً للجميع على أساس كفاءة كل شخص والعمل على تطوير المناهج المدرسية واحترام حق الآباء وحريتهم في اختيار ما يرونه من مدارس لتعليم أبنائهم واحترام حرية البحث العلمي والانتفاع بالتقدم العلمي وتطبيقاته، وكذلك حرية الأفراد في تأسيس المعاهد التعليمية ضمن المبادئ التي تنسجم مع الحد الأدنى للمستويات التي تقررها الدولة. ان حق الآباء في تعليم أبناءهم قد أشير إليه منذ القرن الثامن عشر على ان يكون ذلك تحت رقابة الدولة بالشكل الذي يمكنها من اختيار المدرسين واشرافها على برامج التعليم والنظريات والأفكار التي تلقن للطلاب(87). فعلى سبيل المثال كان التعليم في انكلترا حتى نهاية القرن الثامن عشر محتكراً تقريباً من جانب الكنيسة الرسمية ونتيجة للثورة الصناعية والاقتصادية وأفكار الثورة الفرنسية طرحت آراء من قبل جوزيف لانكستر دعا فيها إلى ايجاد تعليم حر لا يلقن التلميذ فيها ديانة معينة بينما دعا أندروبيل إلى التمسك بالنظام القديم، وفي عام 1833 بدأ البرلمان الانكليزي يهتم بالتعليم فمنح إعانات للاتجاهين السابقين وفي عام 1870 صدر قانون التعليم الأولي حيث تدخلت الدولة طبقاً لنصوصه لتنظيم التعليم العام حيث اعتمد هذا التنظيم على إتاحة الفرصة لكل طفل في ان يتلقى تعليماً أولياً واتخذت إجراءات عملية لتحقيق هذا الهدف عن طريق إنشاء هيئة تدريسية في كل مقاطعة، فضلاً عن بناء المدارس ثم صدرت بعد ذلك قوانين أخرى نظمت العملية التعليمية في هذا البلد(88). أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد كان من الأمور المهمة بالنسبة للمجتمع الديمقراطي الصحيح طبقاً لتوجهات جيفرسون، ان تقوم فيه الثقافة الشعبية، فهذه هي التي تحرر عقل الإنسان وتعمل على اتساع أفقه ومداركه، وهو أمر يؤدي إلى خلق إنسان أكثر قدرة على تطوير المجتمع بنواحيه المتعددة(89). ويلاحظ مما تقدم ان بداية تنظيم التعليم كان لأسباب دينية ولازال العامل الديني يثير بعض التحفظات على مستوى العملية التعليمية ككل، فموضوع التعليم من المواضيع المهمة بحيث يجب تطويعه لتحقيق الغايات الإنسانية النبيلة فلكل فرد حق في التعليم وحق في العمل يرتبط به ويمكن من خلال الحق في التعليم اعمال الحق في العمل حيث يستغل المتعلم ما لديه من معلومات وبدون تعليم وطني متاح للجميع تصبح المساواة في الحقوق تعبيراً بلا معنى. المطلب الثالث الجيل الثالث من الحقوق تتسع مجالات حقوق الإنسان مع مرور الزمن وتتطور فأصبحت هناك مجموعة من الحقوق التي تحتاج إلى تعاون الجميع سواء على المستويين الداخلي أو الدولي لكون هذه الحقوق ذات بعد انساني عام كالحق في التنمية، والحق في السلام، والحق في التضامن، والحق في بيئة نظيفة، والحق في الثروة الموجودة في قاع البحار، والحق في الإغاثة عند الكوارث الكبرى. الفرع الأول الحق في التنمية يوجد بعد انساني لمفهوم التنمية وإعطاء تعريف يشتمل على جانب واحد من هذا المصطلح ليس بالأمر الصحيح فالتنمية كمفهوم أعطيت لها تعاريف متعددة وقد تطورت هذه التعاريف بتطور الزمن حيث اقترنت بالنمو الاقتصادي ثم تطور مفهوم التنمية ليشتمل على البعد السياسي والاجتماعي والثقافي إلى جانب البعد الاقتصادي ومجموع المضامين المتقدمة يعبر عنها بالتنمية البشرية ويعرف اعلان الحق في التنمية الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1986، عملية التنمية بأنها (عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية تهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهية كل السكان وكل الأفراد، والتي يمكن عن طريقها اعمال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية). والهدف من وراء الحق في التنمية القضاء على الفقر والعمل على تدعيم كرامة الإنسان واعمال حقوقه، فضلاً عن إدارة المجتمع والدولة بصورة جيدة بتوفير فرص متساوية أمام كل الأفراد فهذه الإدارة الجيدة إذا ما تحققت يمكن تحقيق كل حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والمدنية(90). أما تقرير التنمية البشرية فمنذ بداية صدوره عام 1990 عرفها بانها عملية توسيع لخيارات الناس بزيادة القدرات البشرية وطرق العمل وحدد هذه القدرات الأساسية الواجب توافرها لأعمال التنمية البشرية بثلاث هي: أ- ان يعيش الناس حياة طويلة وصحية. ب- ان يكونوا مزودين بالمعرفة. ج- ان يكون بامكانهم الحصول على الموارد اللازمة لمستوى معيشة لائق. وسبق ان صدر الإعلان العالمي للحق في التنمية عام 1986 حيث أكد على اعتبار التنمية حقاً من حقوق الإنسان وهو جعل الهدف من التنمية تمكين الإنسان من الحصول على حقوقه فحقوق الإنسان والتنمية سيدعم كل منهما الآخر فالتنمية البشرية بمعناها الواسع لن تتحقق إذا لم تتحقق المساواة بين الأفراد في المجتمع الواحد كما ان الجهود الرامية لتعزيز احترام حقوق الإنسان ستكون أكثر حظاً في النجاح إذا ما تم القضاء على الفقر ورفع مستوى المعيشة(91). أما المسألة الثالثة فهي الربط بين الحق في التنمية والحق في المشاركة الشعبية والتوزيع العادل لفوائد التنمية وهذا ما يتحقق عن طريق تمكين الناس من أخذ القرار وبالشكل الذي يربط بين الديمقراطية والتنمية عن طريق ايجاد مؤسسات دستورية تعمل على تعميق مشاركة الناس في الشأن العام كما تلعب المنظمات غير الحكومية دوراً مهماً بهذا الاتجاه لأنها تملك القدرة على الاتصال والتعامل مع الفئات المهمشة وخرق مركزية الدولة(92). الفرع الثاني الحق في بيئة نظيفة وضع اعلان المؤتمر الخاص بالبيئة البشرية الذي دعت إليه الأمم المتحدة عام 1972 بهدف الهام الشعوب وارشادها للمحافظة على البيئة وتعزيزها ونصت الفقرة الأولى من الديباجة على (الإنسان هو، في الوقت نفسه، مخلوق بيئته ومحدد شكلها، فهي تؤمن له عناصر وجوده المادي وتتيح له فرصة النمو الفكري والاجتماعي والروحي، وخلال التطور الطويل والقاسي للجنس البشري على هذا الكوكب، تم الوصول الآن إلى مرحلة أكتسب فيها الإنسان، عبر التقدم السريع للعلم والتكنولوجيا، القدرة على تحويل بيئته بأساليب لا تحصى وعلى نطاق لم يسبق له مثيل، وكلا الجانبين من بيئة الإنسان، الطبيعي والذي من صنع الإنسان، ضروري لرفاهيته وللتمتع بحقوق الإنسان الأساسية، وحتى بالحق في الحياة). وقد أكد المبدأ الأول من اعلان ستوكهولم على (للانسان حق أساسي في الحرية، والمساواة وظروف عيش مناسبة، في بيئة ذات نوعية تتيح حياة الكرامة والرفاه، وهو يتحمل مسؤولية جليلة في حماية بيئته وتحسينها للجيل الحاضر وللأجيال المقبلة .)(93). ان الاهتمام بالحق في بيئة نظيفة لا يعني الوصول إلى تحقيق بيئة مثالية لعيش الإنسان بل ان الغاية هو المحافظة على التكوين الطبيعي للمحيط الذي يعيش فيه الإنسان وحماية هذا المحيط من أي تدهور خطير وتطويره بالشكل الذي يؤدي إلى خدمة الإنسان وهناك نصوص دستورية في العديد من دساتير دول العالم نصت على حماية الحق في البيئة إذ نصت المادة 54 من الدستور الاسباني لعام 1978 على تمتع الإنسان ببيئة مناسبة تساهم في تطويره، بينما نصت المادة 123 من دستور بيرو لعام 1979 على (الحق بالعيش في بيئة سليمة وملائمة لتطوير الحياة والحفاظ على الريف والطبيعة)(94). ولعل الدستور العراقي من الدساتير العربية القليله التي اهتمت بهذا الحق فقد اورد في المادة (33) منه (اولاً:- لكل فرد حق العيش في ظروف بيئية سليمة . ثانياً :- تكفل الدولة حماية البيئة والتنوع الاحيائي والحفاظ عليهما .) وإذا كانت حقوق الإنسان على وجه العموم، تمثل التزاماً على الأفراد أو الدولة في الوقت نفسه التي تعد فيها حقوقاً لمصلحة الإنسان فقد حدد المبدأ رقم 23 من الميثاق العالمي للطبيعة 1982 بوضوح مضمون المشاركة الفردية حيث نص على (يجب اتاحة الفرصة لجميع الأشخاص وفقاً لتشريعهم الوطني للاسهام منفردين أو مشاركين مع غيرهم في صياغة القرارات ذات الصلة المباشرة ببيئتهم، واتاحة وسائل الانتصاف أمامهم إذا الحق بهم ضرر أو تدهور). واعمالاً للاتجاه المتقدم نصت المادة 66 من الدستور البرتغالي على (1- للجميع الحق ببيئة بشرية سليمة ومتوازنة وعليهم واجب حمايتها. 2- تلتزم الدولة عن طريق مؤسساتها بالمناشدة وبمساندة المبادرات الجماهيرية في أ- منع التلوث والسيطرة على آثاره وأشكال التآكل المؤذية التي يسببها. ب- تنظيم مساحة اقليمية وذلك بغية اقامة مناطق مستقرة بايلوجياً. ج- خلق وتطوير المتنزهات الطبيعية. د- تشجيع الاستمتاع العقلاني بالموارد الطبيعية مع الحفاظ على مسؤوليتها واستقرارها البيئي)(95). وعلى مستوى التطبيقات القضائية الوطنية يمكن الإشارة إلى قرار المحكمة الهندية العليا التي أكدت بان الالتزام بالمحافظة على التوازن الآيكولوجي لا يقتصر على الدول فحسب وإنما يمتد إلى الأفراد(96). كذلك تعرضت المؤسسات القضائية الدولية للحق في البيئة فقد أكدت محكمة العدل الدولية في الفتوى الصادرة عنها عام 1996 بخصوص مشروعية استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها على الحق في بيئة نظيفة وأقرت بوجود القانون البيئي العرفي وذكرت (ان وجود التزام عام على الدول بضمان احترام الأنشطة الجارية في إطار ولايتها أو سيطرتها لبيئة الدول الأخرى أو المناطق الواقعة خارج السيطرة الوطنية، شكل الآن جزءاً من القانون الدولي المتصل بالبيئة)(97). الفرع الثالث الحق في التضامن يقوم الحق في التضامن على أساس ما ورد في المادة 1 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان التي أكدت على ان الناس جميعاً (قد وهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم ان يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء)، فضلاً عن كون التضامن واقع اجتماعي ويفترض ان يمتثل الفرد لإرادة الجماعة باعتبارها تعبيراً عن ذلك التضامن، ويبدو ان المعاني المتقدمة تحمل في طياتها جانباً أخلاقياً كبيراً إلا ان هذا البعد الأخلاقي المميز لا يعني انها غير متمتعة بوصف الالزام باعتبارها قواعد قانونية طالما تم النص عليها في اتفاقيات دولية أو في تشريعات داخلية. وعلى اساس الحق في التضامن يقع التزام أخلاقي أولاً وقانوني ثانياً بضرورة تقديم المساعدة والعمل على نجدة الإنسان أو المجتمعات التي يمكن ان تتعرض لبعض النكبات أو المشاكل أو الاعتداءات في حالات الحروب والكوارث الطبيعية. ان الحق في التضامن يجد له أساساً قانونياً وأخلاقياً متيناً في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة التي نصت على (.. ان نأخذ أنفسنا بالتسامح، وان نعيش معاً في سلام وحسن جوار. ). الفرع الرابع الحق في السلام يجد الحق في السلام الأساس له في نصوص ميثاق الأمم المتحدة التي تعمل على تحقيق مجموعة من الأهداف وعلى رأسها تحقيق السلم والأمن الدوليين وديباجة الميثاق تصدرتها الكلمات الآتية (نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا ان ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف ..). وإعمالا لنص الميثاق اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 12 تشرين الثاني 1984 اعلاناً بشأن حق الشعوب في السلم أكدت فيه (ان الحياة دون حرب هي بمثابة الشرط الدولي الأساسي للرفاهية المادية للبلدان ولتنميتها وتقدمها وللتنفيذ التام لكافة الحقوق والحريات الأساسية التي تنادي بها الأمم المتحدة). وأضافت الجمعية العامة في هذا الإعلان انها (. تدرك ان اقامة سلم دائم على الأرض، في العصر النووي، يمثل الشرط الأولى للمحافظة على الحضارة الإنسانية وعلى بقاء الجنس البشري، وإذ تسلم بان ضمان حياة هادئة للشعوب هي الواجب المقدس لكل دولة 1- تعلن رسمياً ان شعوب كوكبنا لها حق مقدس في السلم. وان المحافظة على حق الشعوب في السلم وتشجيع تنفيذ هذا الحق يشكلان التزاماً أساسياً على كل دولة . وان ضمان ممارسة حق الشعوب في السلم يتطلب من الدول ان توجه سياساتها نحو القضاء على أخطار الحرب، وقبل أي شيء آخر الحرب النووية، ونبذ استخدام القوة في العلاقات الدولية، وتسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية على أساس ميثاق الأمم المتحدة .. وناشدت الجمعية العامة جميع الدول والمنظمات الدولية ان تبذل كل ما في وسعها للمساعدة في ضمان تنفيذ حق الشعوب في السلم باتخاذ التدابير الملائمة على المستوى الوطني والدولي لتحقيق هذا الهدف(98). يتبع >
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 17 | |||
|
![]() هوامش الفصل الرابع تابع القادم > :
المدخل لدراسة حقوق الإنسان...(8) |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 18 | |||
|
![]() المدخل لدراسة حقوق الإنسان...(8) المطلب الثاني الضمانات القانونية لتطبيق القواعد الدستورية ينتج عن مبدأ سمو الدستور على القواعد القانونية الأخرى بمختلف مراتبها - سواء كانت تشريعاً عادياً صادرا من السلطة التشريعية أو تشريعا فرعياً صادراً عن السلطة التنفيذية - إن تعلو أحكام الدستور على كل أعمال السلطات في الدولة ، اعتباره المعبر الوحيد عن الإرادة الشعبية وتكون هذه الأعمال لاغيه وباطلة إذا ما خلقته. ولكن السؤال هو من الذي يقرر ما إذا كانت تلك الأعمال الصادرة من السلطة التشريعية أو من السلطة التنفيذية تتناقض مع الدستور وما هي الإجراءات الواجب مراعاتها لضمان تطبيق القواعد الدستورية. الفرع الاول ( الرقابة على دستورية القوانين ) . الدستور يقيد المشرع العادي في الحدود التي رسمها له ومن ثم تمنع السلطة التشريعية عن إصدار التشريعات التي تتعارض مع نصوص الدستور وفق ما يسمى بمبدأ دستورية القوانين . ولضمان التزام السلطة التشريعية بتلك الحدود من الضروري فرض الرقابة عليها. والملاحظ إن الدساتير مختلفة في إتباع الطريقة التي تحقق بها تلك الرقابة وسلكت في هذا المجال سبل مختلفة أهمها ما يلي: اولاً :-الطعن في دستورية القوانين أمام لجنة أو مجلس دستوري. تباشر الرقابة على دستورية القوانين في بعض الأحيان من قبل هيئة أو لجنة ذات صيغة سياسية غير قضائية. وقد انفردت فرنسا منذ أواخر القرن الثامن عشر في الدعوة إلى إيجاد هيئة سياسية يكون من اختصاصها إلغاء جميع القوانين التي تسن مخالفة لأحكام الدستور. ولم تعهد بهذه المهمة إلى القضاء بسبب السمعة السيئة له في ذلك الوقت (1) وقد أخذت العديد من الدول عن فرنسا هذا النوع من الرقابة مع اختلاف بين دستور وآخر. فاخذ الاتحاد السوفيتي السابق بهذا الأسلوب في دستور عام1977 وجعل الرقابة من اختصاص السلطة التشريعية كما اخذ به دستور ألمانيا الديمقراطية في دستورها لعام 1949 و بلغاريا في دستورها لعام1947 والصين في دستورها لعام1954. وقد أناط الدستور الفرنسي الحالي الصادر عام 1958 مهمة الرقابة إلى هيئة اسماها المجلس الدستوري تتكون من نوعين من الأعضاء : تسعة أعضاء يتم تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ. كما يضم المجلس رؤساء الجمهورية السابقون للاستفادة من خبراتهم السياسية التي اكتسبوها من سني خدمتهم من ناحية أخرى. أما رئيس المجلس فيعين من بين أعضاء المجلس من قبل رئيس الجمهورية. (2) ويتميز هذا النوع من انواع الرقابة على دستورية القوانين في انه يمارس رقابه وقائية على القوانين غير الدستورية وهي في مرحلة تشريعها قبل ان تصدر ، لكنه بالرغم من ذلك تعرض للانتقاد من حيث إن تحريكه يعود أما للسلطة التشريعية أو التنفيذية مما يقيم الرقابة على اعتبارات سياسية أكثر من إقامتها على اعتبارات قانونية وموضوعية(3) بحكم ان جهة الرقابة غالباً تتكون من هيئة يتم تعيينها أو اختيارها من إحدى هاتين السلطتين ولا شك إن الطابع السياسي يتدخل في هذا التعيين مما يفقدها الاستقلال والحياد الأمني في ممارسة دورها الرقابي. ثانياً : الرقابة القضائية على دستورية القانون: بموجب هذا النوع من الرقابة يمارس القضاء مهمة الفصل فيما إذا كان القانون دستوريا من عدمه ويتم ذلك في الغالب بإتباع طريقين هما: 1-رقابة الامتناع أو الدفع الفرعي: ويتم ذلك بان يهمل القضاء القانون غير الدستوري ويمتنع عن تطبيقه في القضية المعروضة. وقد اتبعت هذه الطريقة من طرق الرقابة في الولايات المتحدة الأمريكية. وتتم من خلال نزاع قضائي يدفع فيه احد الخصوم بان القانون المراد تطبيقه عليه غير دستوري فتنظر المحكمة في هذا الدفع فإذا ثبت لديها انه مخالف للدستور امتنعت عن تطبيقه وإذا ظهر العكس استمرت في نظر النزاع. ومن الجدير بالذكر انه ليس في الدستور الأمريكي نص صريح يرجح أو يقر مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين. لكن نص المادة السادسة من الدستور قد أكد إن (( هذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر طبقا له.. تكون هي القانون الأعلى للبلاد، ويكون القضاة في جميع الولايات ملزمين به،ولا يعتد بأي نص في الدستور أو قوانين أية ولاية يكون مخالفا ًلذلك)). (4) وقد ذهب الرأي الراجح في الفقه الدستوري الأمريكي إلى القول بان الرقابة على دستورية القوانين هي بطبيعتها من اختصاص السلطة القضائية بحكم إنها تمتلك ميزة البعد عن التأثير السياسي فضلا عن الخبرة(5) مع إن البعض قد ذهب إلى إن إسناد هذه السلطة للقضاء فيه اعتداء على اختصاص السلطة التشريعية ويجعل منها سلطة سياسية أعلى من سلطة الأمة الممثلة ببرلمانها. (6) ووفق هذا النوع من الرقابة وعندما تحكم إحدى المحاكم في دعوى أمامها بعدم دستورية قانون ما فإنها لا تلغي القانون وإنما تمتنع عن تطبيقه ويضل القانون سليما على الرغم من ذلك ويجوز لمحكمة أخرى إن تطبقه كما يصح إن تطبقه ذات المحكمة التي امتنعت عن تطبيقه في قضية أخرى إذ إن حجية الحكم بعدم الدستورية نسبية يقتصر أثرها على طرفي النزاع. ما لم يكن الحكم الصادر بعدم الدستورية صادرا من المحكمة الاتحادية العليا. ويعد هذا الطريق الأسلوب الأكثر نجاحا في فرض الرقابة على دستورية القوانين في الدول التي تخلو دساتيرها من النص صراحة على حق القضاء في الرقابة على دستورية القوانين ، إذا ما دفع أمامه – أثناء نظر دعوى مرفوعة – بعدم دستورية قانون ما واجب التطبيق. ومن ذلك ما درج عليه القضاء المصري في ظل دستور عام 1956 ودستور عام 1958 رغم خلوهما من نصوص تنظيم الرقابة.(7) 2-الطعن في دستورية القوانين بطريق الدفع الأصلي أو رقابة الإلغاء. يجيز هذا النوع من الرقابة لبعض المحاكم إلغاء القانون غير الدستوري وإنهاء العمل به وقد يكون هذا الحكم قبل صدور القانون فتسمى رقابة الإلغاء السابقة أو بعده فيسمى رقابة الإلغاء اللاحقة. وبسبب خطورة الأثر المترتب على هذا الحكم والمتمثل بإلغاء تشريعات البرلمان ، حرصت الدول على إن تمارسه محاكم دستورية عليا متخصصة أو أعلى درجات القضاء في الدولة ، كما لم تجز كثر منها للأفراد إن يطعنوا مباشرة في دستورية القوانين بينما أجاز بعضها ذلك بطريق غير مباشر بان يتقدموا بالطعن بعدم دستورية قانون ما أمام بعض المحاكم، فان اقتنعت هذه المحكمة بجدية الطعن تقدمت به إلى المحكمة الدستورية. (8) ومن الدول التي أخذت بهذا الأسلوب من طرق الرقابة، العراق في ظل القانون الأساسي عام 1925 حيث أناط فحص دستورية القوانين بمحكمة عليا وجعل حق الطعن في دستورية القانون من اختصاص السلطة التنفيذية دون الأفراد. وهذا الامر منتقد لأنه حرم المواطنين من ضمانة أساسية لكفالة احترام الدستور وما يتضمنه من حقوق وحريات. كما اخذ الدستور الايطالي لعام 1947 بتشكيل محكمة دستورية من خمسة عشر قاضياً تمتلك سلطة إلغاء القانون غير الدستوري اعتباراً من تاريخ صدور الحكم. واخذ به الدستور المصري الحالي الصادر في 11 سبتمبر 1971 بان جعل الرقابة على دستورية القوانين من اختصاص المحكمة الدستورية العليا بعد إن نبذ المشرع الدستوري نظام الرقابة السياسية على دستورية القوانين. على انه بالرغم من مزايا الرقابة القضائية بطريق الدعوى المباشرة إلا إنها لم تسلم من النقد من جانب من الفقه باعتبار إنها تمثل خروجا على حدود مهمة القضاء وتؤدي إلى إقحامه في المجال التشريعي وإهداره لعمل السلطة التشريعية ، مما يعتبر مساسا بمبدأ الفصل بين السلطات. كما إن إعطاء المحكمة سلطة إلغاء القانون، يعطيها مركزا قويا ونفوذا كبيراً باتجاه سلطات الدولة الأخرى لاسيما السلطة التشريعية. (9) المبحث الثاني الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية مما لا شك فيه ان السلطة التنفيذية عندما تمارس وظيفتها قد تنتقص من حقوق وحريات الافراد خلافاً لما هو مقرر في الدستور . لذلك يجب ان لا تترك لها هذه السلطة دون ضابط يرسم الحدود التي لا تتجاوزها ويعرض تصرفاتها للبطلان . ويفرض ذلك وجود ضمانات ووسائل تراقب عمل السلطة التنفيذية . وتختلف هذه الضمانات باختلاف الدولة والنظم القانونية المتبعة فيها . غير ان المستقر في اغلب الدول ان الضمانات القانونية في مواجهة السلطة التنفيذية تتمثل برقابة البرلمان لاعمال السلطة التنفيذية ورقابة القضاء وأخيراً رقابة الهيئات المستقلة . المطلب الاول رقابة البرلمان لاعمال السلطة التنفيذية يتمثل هذا الطريق من الرقابة برقابة البرلمان على اعمال السلطة التنفيذية وذلك عن طريق الشكاوى المقدمة من الافراد والمتضمنة طلباتهم التي قد يجد البرلمان انها على قدر من الوجاهة مما يدعو الى مواجهة الوزراء بحق السؤال او الاستجواب او سحب الثقة من الوزارة كلها(10) . ويتحدد شكل الرقابة بما هو مرسوم في الدستور . وهي تختلف من دولة الى اخرى وتكون الرقابة البرلمانية اقوى في النظم النيابية منها في النظم الاخرى ، حيث تكون الوزارة مسؤولة امام البرلمان مسؤولية تضمانية ناهيك عن المسؤولية الفردية لكل وزير عن اعمال وزارته . وقد كفل الدستور العراقي لعام 2005 رقابة البرلمان على اعمال الحكومة احتراماً لمبدأ المشروعية عن طريق توجيه السؤال الى رئيس مجلس الوزراء والوزراء في أي موضوع يدخل في اختصاصهم ، كما يجوز لخمسة وعشرين عضواً في الاقل من مجلس النواب طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة واداء مجلس الوزراء ، ولعضو مجلس النواب وبموافقة خمسة وعشرين عضواً ، توجيه استجواب الى رئيس مجلس الوزراء او الوزراء ، لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم . وقد ورد في المادة 61/ ثامناً من الدستور ان لمجلس النواب سحب الثقة من احد الوزراء بالاغلبية المطلقة ، ويعد مستقيلاً من تاريخ قرار سحب الثقة ، كما يملك المجلس بناءً على طلب خمس اعضائه وبالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء بعد استجواب وجه له . ومن جانبه تبنى الدستور الاردني الرقابة البرلمانيه على اعمال الحكومة عن طريق توجيه السؤال الى رئيس مجلس الوزراء والوزراء. فقد ورد في المادة 96 من الدستور : لكل عضو من اعضاء مجلس الاعيان و النواب ان يوجه الى الوزراء اسئله واستجوابات حول اى امر من الامور العامه وفقا لما هو منصوص عليه في النظام الداخلي للمجلس الذي ينتمي اليه ذالك العضو ، ولا يناقش استجواب ما , قبل مضي ثمانة ايام على وصوله الى الوزير الا اذا كانت الحاله مستعجله ووافق الوزير على تقصير المده المذكوره ." في حين ورد في الماده 53 منه :" 1- تطرح الثقه بالوزاره او باحد الوزراء امام مجلس النواب . 2- اذا قرر المجلس عدم الثقه بالوزاره بالاكثريه المطلقه من مجموع عدد اعضائه وجب عليها ان تستقيل .3- واذا كان قرار عدم الثقه خاصا باحد الوزراء وجب عليه اعتزال منصبه " . لكن مع ما تتمتع به الرقابة البرلمانية على اعمال السلطة التنفيذية من اهمية في مجال احترام وسيادة القانون فان دورها مقيد غالباً بالارادة الحزبية السائدة في البرلمان التي تكون في احيان متوافقة مع ارادة الحكومة لو صادف انها من الحزب نفسه فتكون الحكومة الخصم والحكم(11) . كما ان عدم نضج الوعي السياسي لدى اعضاء البرلمان وافتقارهم الى الخبرة وضعف المعارضة قد تؤدي الى ضعف هذه الضمانة ويختفي دورها الحقيقي في حماية حقوق الافراد وحرياتهم . المطلب الثاني رقابة القضاء على اعمال الادارة تعد رقابة القضاء على اعمال السلطة التنفيذية ممثلة بالادارة واحدة من اهم عناصر الرقابة واكثرها ضماناً لحقوق الافراد وحرياتهم لما تتميز به الرقابة القضائية من استقلال وحياد . وما تتمتع به احكام القضاء من قوة وحجية يلتزم الجميع بتنفيذها واحترامها والا تعرض المخالف للمسائلة وما في ذلك من تبني لشرعية دولة القانون . ومن المستقر وجود نوعين من نظم الرقابة القضائية على اعمال الادارة هما نظام القضاء الموحد ونظام القضاء المزدوج . النوع الاول نظام القضاء الموحد : يسود هذا النظام في انكلترا والولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الاخرى ومقتضاه ان تختص جهة قضائية واحدة بالنظر في جميع المنازعات التي تنشأ بين الافراد انفسهم او بينهم وبين الادارة او بين الهيئات الادارية نفسها . وهذا النظام يتميز بانه اكثر اتفاقاً مع مبدأ المشروعية اذ يخضع الافراد والادارة الى قضاء واحد وقانون واحد مما لا يمنح الادارة أي امتيازات في مواجهة الافراد(12) . بالاضافة الى اليسر في اجراءات التقاضي . النوع الثاني نظام القضاء المزدوج : يقوم هذا النظام على اساس وجود جهتين قضائيتين مستقلتين جهة القضاء العادي وتختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الافراد او بينهم وبين الادارة عندما تتصرف كشخص من اشخاص القانون الخاص ويطبق على هذا النزاع احكام القانون الخاص . وجهة القضاء الاداري تختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الافراد والسلطات الادارية عندما تظهر بصفتها صاحبة السلطة وتتمتع بامتيازات لا يتمتع بها الافراد ويطبق القضاء الاداري على المنازعة قواعد القانون العام ، وتعد فرنسا مهد القضاء الاداري ومنها انتشر الى كثير من الدول كبلجيكا واليونان ومصر والعراق . ومن المهم القول بان هذا النظام قد نشأ اساساً على مبدأ الفصل بين السلطات ومقتضاه منع القضاء العادي من النظر في المنازعات التي تكون الادارة طرفاً فيها احتراماً لاستقلال السلطة التنفيذية . وقد اتسم القضاء الإداري بسرعة الفصل في المنازعات الادارية والبساطة في الاجراءات ضماناً لحسن المرافق العامة. كما ان وجود قضاء متخصص يمارس الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية يمثل ضمانة حقيقية لحقوق الافراد وحرياتهم في مواجهة تعسف الادارة ، وتتجلى اهمية وجود قضاء اداري متخصص للفصل في المنازعات الادارية في ان رقابة القضاء على اعمال الادارة تعتبر الجزاء الاكبر لمبدأ الشرعية والضمانة الفعالة لسلامة تطبيق القانون والتزام حدودة وبه تكتمل عناصر الدولة القانونية وحماية حقوق وحريات الافراد من جور وتعسف الادارة . ومن الدول التي اتبعت اسلوب القضاء المزدوج الاردن والتي كانت في اول عهد تنظيمها القضائي تتخذ اسلوبا متميزا يتمثل في ازدواجية القانون ووحدة القضاء . الا انها عدلت عن هذا التوجه بعد فصل محكمة العدل العليا عن محكمة التمييز بموجب القانون المؤقت رقم 11 لسنة 1989 حيث اصبحت الاردن من دول القضاء المزدج. غير ان الاردن لازالل بحاجه الى دعم استقلال القضاء الاداري في الاردن وتفعيل دوره بالغاء الاستثناءات الواردة على ولاية محكمة العدل العليا في الغاء القرارات الادارية واعتبارها صاحبة الولاية العامة في نظر طلبات الافراد في الغاء القرارات الادارية لما في بقاء هذه الاستثناءات من تجاوز على مبدأ المشروعية وخضوع الادارة للقانون ، ويفتح المجال امام تعسفها وانتهاك حقوق الافراد وحرياتهم . كما انه من الضروري ان يمنح المشرع الاردني للاداره سلطة الغاء احكام القوانين المؤقته المخالفه للدستور او الانظمه المخالفه للقانون او الدستور لامجرد تجميدها او وقف العمل باحكامها . ويبرز دور القضاء الاداري عندما تتخذ الادارة مجموعة من الاجراءات والاوامر والقرارات بهدف المحافظة على النظام العام وقد تؤدي هذه الاجراءات الى فرض قيود على الحريات الفردية وحماية لمصلحة المجتمع . مما يستدعي وضع حدود لاختصاصات الادارة في ممارستها لسلطات تقييد الحرية ويتم هذا من خلال الموازنة بين متطلبات النظام العام وضمان حقوق وحريات الافراد ، وقد درجت احكام القضاء الاداري على منح الادارة حرية واسعة في ممارسة سلطات ضبط او تقييد الحريات او كما يطلق عليها بسلطات الضبط الاداري ، غير انها اخضعتها في ذلك لرقابة القضاء الاداري من نواح عدة . وفي هذا المجال نبين باختصار حدود سلطات الضبط الاداري في الاوقات العادية ثم نعرض لحدود هذه السلطة في الظروف الاستثنائية . الفرع الاول رقابة القضاء في الظروف العادية تخضع سلطة الادارة في الظروف العادية لمبدأ المشروعية الذي يستدعي ان تكون الادارة خاضعة في جميع تصرفاتها للقانون ، وإلا كانت تصرفاتها وما تتخذه من قرارات باطلاً غير مشروعاً وتتمثل رقابة القضاء على سلطات الادارة في هذه الظروف فيما يلي : أولاً :- الرقابة على الهدف . يجب ان تتقيد الادارة بالهدف الذي من اجله قرر المشرع منحها هذه السلطات ، فليس للادارة تخطي هذا الهدف سواء كان عاماً ام خاصاً ، فاذا استخدمت سلطتها في تحقيق اغراض بعيدة عن حماية النظام العام . او سعت الى تحقيق مصلحة لا تدخل ضمن الاغراض التي قصدها المشرع فان ذلك يعد انحرافاً بالسلطة ويخضع قرار الادارة لرقابة القضاء المختص . ثانياً : الرقابة على السبب . يقصد بالسبب الظروف الخارجية التي دفعت الادارة الى التدخل واصدار قرارها ، ولا يعد تدخل الادارة مشروعاً إلا اذا كان مبنياً على اسباب صحيحة وجدية من شأنها ان تخل بالنظام العام بعناصره الثلاثة الامن العام والصحة العامة والسكينة العامة . وقد بسط القضاء الاداري رقابته على سبب القرار الضابط للحرية مثلما هو الحال في القرارات الادارية الاخرى وكما استقر عليه القضاء في فرنسا ومصر والاردن . ثالثاً : الرقابة على الوسائل . يجب ان تكون الوسائل التي استخدمتها الادارة مشروعة ، ومن القيود التي استقر القضاء على ضرورة اتباعها في استخدام الادارة لوسائل الضبط الاداري انه لا يجوز ان يترتب على استعمال هذه الوسائل تعطيل الحريات العامة بشكل مطلق لان ذلك يعد الغاء لهذه الحريات ، فالحفاظ على النظام العام لا يستلزم هذا الالغاء وانما يكتفي بتقييدها . ومن ثم يجب ان يكون الحظر نسبياً ، أي ان يكون قاصراً على زمان ومكان معينين . وعلى ذلك تكون القرارات الادارية التي تصدرها سلطة الضبط الاداري بمنع ممارسة نشاط عام منعاً عاماً ومطلقاً غير مشروعة.(13). رابعاً :- رقابة الملائمة . لا يكفي ان يكون قرار الضبط الاداري جائزاً قانوناً او انه صدر بناءً على اسباب جدية ، انما تتسع رقابة القضاء لبحث مدى اختيار الادارة الوسيلة الملائمة للتدخل ، فيجب ان لا تلجأ الى استخدام وسائل قاسية او لا تتلائم مع خطورة الظروف التي صدر فيها . ومن الضروري ان نبين ان سلطة القضاء في الرقابة على الملائمة هي استثناء على القاعدة العامة في الرقابة على اعمال الادارة فالاصل هو استقلال الادارة في تقدير ملائمة قرارتها ، لكن بالنظر لخطورة قرارات الضبط على الحقوق والحريات فان القضاء يبسط رقابته على الملائمة .(14) وفي هذا المجال لا يجوز مثلاً لرجال الامن ان يستخدموا اطلاق النار لتفريق تظاهرة في الوقت الذي كان استخدام الغاز المسيل للدموع او خراطيم المياه كافياً لتحقيق هذا الغرض . الفرع الثاني رقابة القضاء في الظروف الاستثنائية قد تطرأ ظروف استثنائية تهدد سلامة الدولة كالحروب والكوارث الطبيعية ، وتجعلها عاجزة عن توفير وحماية النظام العام باستخدام القواعد والاجراءات السابق بيناها . وفي هذه الحالة لابد ان تتسع سلطات هيئات الضبط لمواجهة هذه الظروف من خلال تمكينها من اتخاذ اجراءات سريعة وحازمة لمواجهة الظرف الاستثنائي . على ان الظرف الاستثنائي اياً كانت صورته حرباً او كوارث طبيعية لا يجعل الادارة في منأى من رقابة القضاء بشكل مطلق ، فلا يعدو ان يكون الامر توسعاً لقواعد المشروعية ، فالادارة تبقى مسؤولة في الظروف الاستثنائية على اساس الخطأ الذي وقع منها ، غير ان الخطأ في حالة الظروف الاستثنائية يقاس بميزان آخر غير ذلك الذي يقاس به الخطأ في الظروف العادية . اولاً :- التنظيم القانوني لسلطة الضبط في الظروف الاستثنائية . حيث ان نظام الظروف الاستثنائية من شأنه المساس المباشر بحقوق وحريات الافراد التي يكفلها الدستور ، فلابد ان يتدخل المشرع بتحديد ما اذا كان الظرف استثنائياً او لا ، ويتم ذلك باتباع اسلوبين : الاول ان تصدر قوانين تنظم السلطات الإدارية في الظروف الاستثنائية بعد وقوعها ، ويتسم هذا الاسلوب بحماية حقوق الافراد وحرياتهم لانه يحرم السلطة التنفيذية من اللجوء الى سلطات الظروف الاستثنائية إلا بعد موافقة السلطة التشريعية ، ويعيبه ان هناك من الظروف الاستثنائية ما يقع بشكل مفاجئ لا يحتمل استصدار تلك التشريعات بالاجراءات الطويله المعتادة(15) ، بينما يتمخض الاسلوب الثاني عن وجود قوانين منظمة سلفاً لمعالجة الظروف الاستثنائية قبل قيامها ويرخص الدستور للسلطة التنفيذية باعلان حالة الظروف الاستثنائية والعمل بمقتضى هذا القانون . ولا يخفي ما لهذا الاسلوب من عيوب تتمثل في احتمال اساءة الادارة سلطتها في اعلان حالة الظروف الاستثنائية في غير اوقاتها للاستفادة مما يمنحه لها المشرع من صلاحيات في تقيد الحريات الافراد وحقوقهم . وقد اخذ المشرع الفرنسي بالاسلوب اذا منحت المادة السادسة عشرة من دستور الجمهورية الخامسة الصادر عام 1958 رئيس الجمهورية الفرنسية سلطات واسعة ، كذلك فعل المشرع الاردني في المواد 124 و125 من دستور عام 1952 فقد ورد في الماده 124 " اذا حدث مايستدعي الدفاع عن الوطن في حالة وقوع طواريء فيصدر قانون باسم قانون الدفاع تعطي بموجبه صلاحيه وقف قوانين الدوله العاديه لتامين الدفاع عن الوطن ويكون قانون الدفاع نافذ المفعول عندما يعلن عن ذالك باراده ملكيه تصدر بناء على قرار من مجلس الوزراء" . ثانيا : الرقابة القضائية على سلطات الضبط في الظروف الاستثنائية . يمارس القضاء الاداري دوراً مهماً في الرقابة على سلطات الادارة في الظروف الاستثنائية مع ان هذه السلطات تتسع بشكل كبير لمواجهة ما يهدد النظام العام وحسن سير المرافق العامة فقد وضع القضاء الاداري في فرنسا ومصر حدوداً لسلطات الضبط الاداري في ظل الظروف الاستثنائية ، حتى لا تتعسف الادارة في استعمال سلطاتها تلك او تنتهك حقوق وحريات الافراد(16) . وفي هذا المجال لا يجوز ان تستخدم الادارة سلطاتها الاستثنائية دون ضابط ، كما ان التوسع في استخدام سلطات الضبط الاداري يجب ان يكون بالقدر اللازم لمواجهة خطورة الظرف الاستثنائي وان تتحدد ممارسة هذه السلطات بمدة الظرف الاستثنائي ولا يجوز ان تستمر فيه لمدة تزيد عن ذلك . فالقاضي يراقب في هذه الظروف قرارات الادارة من حيث اسبابها والغاية التي ترمي اليها من اتخاذها ولا يتجاوز في رقابته الى العيوب الاخرى – الاختصاص والشكل والمحل – وهو ما استقر عليه القضاء الاداري في العديد من الدول(17) . وعلى ذلك فان الظرف الاستثنائي ايا كانت صورته حرباً او كوارث طبيعية لا يجعل الادارة في منأى من رقابة القضاء بشكل مطلق ، فلا يعدو الامر ان يكون توسعاً لقواعد المشروعية . تأسيساً على مقولة "الضرورات تبيح المحضورات" . ويمارس للقضاء الاداري دورا مهما في تحديد معالم نظرية الظروف الاستثنائية ، فان احكام القضاء الاداري في فرنسا ومصر قد قطعت شوطاً كبيراً في ذلك ، ووضعت شروط الاستفادة من هذه النظرية وبسطت الرقابة على الادارة في استخدام صلاحيتها الاستثنائية حماية لحقوق الافراد وحرياتهم وهذه الشروط هي :- 1- وجود ظرف استثنائي يهدد النظام العام وحسن سير المرافق العامة سواء تمثل هذا الظرف بقيام الحرب او اضطراب او كارثة طبيعية . 2- ان تعجز الادارة عن اداء وظيفتها باستخدام سلطتها في الظروف العادية فتلجأ لاستخدام سلطتها الاستثنائية التي توفرها هذه النظرية . 3- ان تحدد ممارسة السلطة الاستثنائية بمدة الظرف الاستثنائي فلا يجوز للادارة ان تستمر في الاستفادة من المشروعية الاستثنائية مدة تزيد على مدة الظرف الاستثنائي.(18) 4- ان يكون الاجراء المتخذ متوازناً مع خطورة الظرف الاستثنائي وفي حدود ما يقتضيه . وللقضاء الاداري دور مهم في الرقابة على احترام الادارة لهذه الشروط وهو ما يميز هذه النظرية عن نظرية اعمال السيادة التي تعد خروجاً على مبدأ المشروعية ويمنع القضاء من الرقابة على الاعمال الصادرة استناداً اليها . يتبع >
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 19 | |||
|
![]() المطلب الثالث تابع القادم > :
المدخل لدراسة حقوق الإنسان...(9) |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 20 | |||
|
![]() المدخل لدراسة حقوق الإنسان...(9) وكان يتم تعيين المدعي العام السوفيتي بواسطة السوفيت الاعلى لمدة سبع سنوات ويمثل السوفيت اعلى هيئة سياسية ممثلة للشعب هناك ويشرف هذا المدعي العام على المدعين العامين على اختلاف مستوياتهم في البحث والامن القومي ومعسكرات العمل وتحدد لائحة الادعاء العام المؤهلات القانونية والخبرة المتطلبة للتعيين في وظيفة الادعاء العام . يتضح من هذا السرد ان هذا النظام يتمتع بالكثير من الاختصاصات التي تمكنه من الرقابة على اعمال الادارة وضمان مطابقة اعمالها وتصرفاتها للقانون وهو في ذلك يعد مساعدا للقضاء في ذلك الامر وحاميا للافراد من خلال حفاظه على مبدأ الشرعية اللازمة لحماية حقوقهم وحرياتهم رغم ما يكشف عمله بعض الأحيان من عدم ألزام آراءه للإدارة وعدم قدرته على تغير مسلكها اذا ما اصرت على رأيها . وللأهمية التي كان يتمتع بها هذا النظام في الاتحاد السوفيتي نجد ان دستور عام 1993 الروسي قد أبقى عليه رغم تفكك الاتحاد السوفيتي. المبحث الثالث الضمانات الواقعية لاحترام حقوق الانسان الى جانب الضمانات القانونية لتطبيق القواعد الدستورية وحقوق وحريات الافراد هناك ضمانات واقعية غير منظمة تعزز دور الضمانات القانونية التي قد تعجز احياناً عن توفير الحماية اللازمة للدستور واحترام حقوق الافراد وحرياتهم وتتمثل هذه الضمانات في رقابة الرأي العام ومقاومة الطغيان . المطلب الاول رقابة الرأي العام يراد بمصطلح الرأي العام مجموعة الآراء التي تسود مجتمع معين في وقت ما بخصوص موضوعات معينة تتعلق بمصالحهم العامة والخاصة (32). ان رقابة الراي العام تعد في الواقع العامل الرئيس في ردع الحكام واجبارهم على احترام الدستور وما يتضمنه من حقوق وحريات للافراد فكلما كانت هذه الرقابة قوية كلما كان التقيد بالدستور قوياً . وكلما كانت رقابة الرأي العام ضعيفة او منعدمة كلما ضعف تبعاً لذلك احترام الدستور . إذ إن احترام القواعد الدستورية انما يرجع الى مراقبة الافراد لحكامهم ، إلا ان هؤلاء لا يمكنهم التأثير على تصرفات الحكام ما لم يكن رايهم مستنيراً ناضجاً ومنضماً من جهة اخرى . ومن الواضح ان هذا النوع من الرقابة له الاثر البالغ في الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية ومنعها من التعسف في استعمال السلطة غير ان هذا الطريق لا يتسع تأثيره إلا في الدولة التي تكفل حرية التعبير والتي يبلغ فيها الرأي العام من النضج ما يؤهله القيام بواجب الرقابة وعدم الخضوع لمصالح فئات معينة تسخر الارادة الشعبية والرأي العام لتحقيق اهدافها ومصالحها الخاصة فتفقد بذلك حقيقة تعبيرها عن المصلحة العامة . ويشترك في تكوين الرأي العام مختلف الهيئات والتنظيمات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني والاحزاب عن طريق طرح افكارها والدعوة اليها في مختلف الوسائل التي تؤدي الصحافة والوسائل السمعية والبصرية دوراً كبيراً في نشرها وتعبئة الجماهير وتوجيههم من خلالها . اولاً : مؤسسات المجتمع المدني . برز مفهوم المجتمع المدني في اطار افكار ورؤى بعض المفكرين والفلاسفة خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر والتي تعتمد افكارهم اساساً على ان الانسان يستمد حقوقه من الطبيعة لا من قانون يضعه البشر وهذه الحقوق لصيقة به تثبت بمجرد ولادته . وان المجتمع المتكون من اتفاق المواطنين قد ارتأى طواعية الخروج من الحالة الطبيعية ليكون حكومة نتيجة عقد اجتماعي اختلفوا في تحديد اطرافه. والمفهوم المستقر للمجتمع المدني يقوم على اساس انه مجموعة المؤسسات والفعاليات والانشطة التي تحتل مركزاً وسطياً بين العائلة باعتبارها الوحدة الاساسية التي ينهض عليها البنيان الاجتماعي والنظام القيمي في المجتمع من ناحية والدولة ومؤسساتها واجهزتها ذات الصبغة الرسمية من جهة اخرى(33) . وبهذا المعنى فان منظمات المجتمع المدني تساهم بدور مهم في ضمان احترام الدستور وحماية حقوق الافراد وحرياتهم وتمثل الاسلوب الامثل في احداث التغيير السلمي والتفاهم الوطني مع السلطة في سبيل تعزيز الديمقراطية وتنشئة الافراد على اصولها وآلياتها. فهي الكفيلة بالارتقاء بالفرد وبث الوعي فيه وتعبئة الجهود الفردية والجماعية للتأثير في السياسات العامة وتعميق مفهوم احترام الدستور وسيادة القانون. ثانياً : وسائل الاعلام تلعب وسائل الاعلام دوراً سياسياً مهماً يساهم في تعبئة الرأي العام الشعبي من خلال كتابات واقوال المفكرين والصحف والفضائيات المرأية والمسموعة والاجتماعات والندوات التي تساهم في اطلاع الجماهير على المشاكل الاكثر إلحاحاً والتي يتعرض لها المجتمع وتكون مراقب جماعي لصالح الشعب من خلال انتقاد سياسات الحكام وكشف فضائحهم وفسادهم وانتهاكهم لسيادة القانون(34) . ثالثاً :- الاحزاب السياسية من اساسيات العمل الديمقراطي ان تسعى الاحزاب السياسية الى تحقيق الاتصال الجماهيري . فالدور الاساسي الذي تقوم به الاحزاب السياسية هو السعي للحصول على تأييد الافراد لبرامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعد بتنفيذها اذا ما وصلت الى السلطة عبر الانتخاب . وحتى تحقيق ذلك تبقى الاحزاب مراقبة لعمل الحكومات لضمان احترامها للدستور وسيادة القانون . المطلب الثاني مقاومة طغيان السلطة قد لا تؤدي الضمانات القانونية دورها في حماية حقوق الافراد وحرياتهم ويتمادى الحكام في انتهاك الدستور اما لضعف المؤسسات القانونية او لسيطرة الحكام عليها . مما يستدعي رد فعل شعبي لردع السلطات عن تعسفها وجورها . وقد حفل تاريخ الشعوب بكثير من الثورات والانقلابات فما مدى مشروعية مقاومة الطغيان لضمان احترام القواعد الدستورية وحقوق الافراد وحرياتهم ؟ الفرع الاول موقف الفكر السياسي من حق مقاومة الطغيان . كان الخضوع للسلطة يمثل فضيلة وواجب في الديانة المسيحية ، ففي رسالة ( بولس الرسول) الى اهل روما يقول (لتخضع كل نفس للسلطات العليا ، فما السلطان إلا لله والسلطات القائمة على الارض انما هي من امره ، فمن يعص السلطات الشرعية فأنما يعصي الرب ومن يعصها حلت عليه اللعنه ))(35) . وان التزام المسيحي بطاعة الحكام مبدأ راسخ لا يمكن انكاره إلا إن هذه الطاعة قد تدرجت من كونها طاعة عمياء مطلقة حتى اصبحت مشروطة بفعل الاراء التي قال بها الفقهاء ورجال الدين المسيحيون(36) . وكان اول من خرج على نظرية الطاعة العمياء الفقيه ورجل الدين ((جون نوكس)) الذي ذهب الى ان من واجب المسيحي تصحيح وقمع اي خروج من الملك على كلمة الرب وشرفه ومجده ، ((فهو يقول ان القول بأن الله امر بطاعة الملوك عندما يفتقدون التقوى والصلاح لا يقل تجديفاً عن القول بأن الله بسنته هو المبدع والمحافظ على كل جور)).(37) . وبذلك دافع جون نوكسن عن حق مقاومة الطغيان والخروج على طاعة السلطان الظالم بل انه جعل ذلك واجباً دينياً واخلاقياً يلتزم به المسيحي فالحاكم يكون مطاعاً ما كان قائماً بواجباته الدينية والدنيوية وفق ما تمليه عليه العدالة والايمان فأذا انحرف عن ذلك كان الافراد في حل من طاعته واصبح واجباً عليهم ان يخلعوه . اما في الشريعة الاسلامية فقد اكد القرآن الكريم على واجب طاعة الله ورسوله واولي الامر قال تعالى (( يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ))(8 3) ويظهر من هذه الاية الكريمة ان طاعة اولي الامر واجبه . وفي حديث للرسول (( من اطاعني فقد اطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن اطاع اميري فقد اطاعني ومن عصى اميري فقد عصاني)).(39) لكن السؤال ما حدود هذه الطاعة وهل هي مقيدة ام لا ؟ ذهب الجانب الاكبر من الفقهاء المسلمون الى القول بان الاسلام حينما اوجب على الرعية ان تطيع اميرها لم يأمر بان تكون هذه الطاعة عمياء ، وانما حددها في اطار دائرة معينة لا تخرج عنها ، فطاعة الامير واجبة ما دام مؤمناً محافظاً على المصالح التي يحميها الاسلام.(40) والاصل ان يأمر الحاكم المسلم الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر وينشر العدل والفضائل بينهم فان فعل ذلك استحق الطاعة من رعيته ، اما اذا خالف ذلك حرمت طاعته. ضوابط مقاومة الطغيان في الشريعة الاسلامية . اذا وجبت طاعة الحاكم القائم بأمور الحكم في الشريعة الاسلامية فان مقاومته وبلا سبب ظاهر يعد جريمة (( حرابة)) لان ذلك يعد افساداً في الارض . وعليه فيحرم على الرعية او أي فرد من افرادها ان تعص امر الحاكم المسلم اذا كان هذا الامر اجتهادياً وان كان يخالف رأيه. اما اذا خرج الحاكم عن اصول الحكم وعاث فساداً في امور الدين والرعية فان طاعته غير واجبة وتجوز مقاومته وفق قيود معينة حفاظاً على اقامة الامن والاستقرار في المجتمع ، وانقاذه من الفتنة وما تجره على الامة من ويلات . فقد تدرج الفقهاء في كيفية الخروج على الامير ودرجة مقاومته بحسب كل حال وحسب التدرج الآتي :- أ- انكار القلب من الاعتزال : اول رد فعل على المنكر هو انكار القلب ولا يعذر المسلم بتركه لقول الرسول "ص" ( من راى منكم منكراً فليغره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان) . ب- انكار اللسان : من اكبر الجهاد عند الله الكلمة عند السلطان والسكوت على هذه الكلمة مشاركة في المعصية. ج- اسقاط حق الطاعة والامتناع عن تنفيذ الامر : اذا لم تجد الوسيلتان السابقتان يمتنع المسلم عن تنفيذ امر الحاكم تبعاً لقدر المعصية التي ارتكبها الحاكم . د- الخروج على الحاكم : بعد استنفاذ الوسائل السابقة يكون من الواجب الثورة على الحاكم والخروج لعزلة بشرط الاستطاعة على الخروج والقدرة على النجاح . الفرع الثاني موقف الوسائل الدستورية القانونية من حق مقاومة الطغيان . من الصعب ان تتضمن الدساتير والقوانين الاعتراف للافراد بحق مقاومة السلطة على الرغم من اعتراف بعض نصوص اعلانات الحقوق بذلك ومنها العهد الاعظم في انكلترا سنة 1215 واعلان الحقوق الامريكي 1776 والاعلانات الفرنسية لعامي 1789 (المادة2) ولعام 1793 في المواد 33و34 . بل نجد ان من النظم الوضعية قد جرمت الثورة ومحاولات الانقلاب باعتبارها عنف سياسي غير مشروع . لشل ارادة الجماهير في السعي للتغيير السياسي والاجتماعي . فقد يلجأ الافراد الى المقاومة بقصد اقصاء الحكومة وتولي السلطة او تصحيح مسارها فيقعون تحت طائلة القانون الذي يجرم ذلك باعتباره جريمة سياسية في منظور القانون الداخلي . إلا إنه واستثناءً من هذا المنع هناك بعض المظاهر المشروعة لمقاومة الطغيان من قبيل : أ- المظاهرات العامة : وتكون لمطالب محددة او احتجاجاً على وضع معين وقد اعترفت الكثير من الدساتير بحق الافراد في التظاهر السلمي . ب- حق الاضراب: وهو حق العمال او الموظفين بالامتناع عن تأدية عمالهم او وظائفهم بصفة مؤقتة تعبيراً عن عدم الرضا عن امر من الامور او لحمل السلطة على تلبية طلباتهم دون ان تنصرف نيتهم الى ترك العمل نهائياً وحق الاضراب من الحقوق السياسية التي اعترفت بها بعض الدول إلا انه ليس هناك موقف موحد بشأنه ومدى مشروعيته فهنالك من الدول التي تسمح به بحدود ضيقة ومنها فرنسا وكندا والمكسيك ومن الدول التي تحرمه بريطانيا والولايات المتحدة وسويسرا وبلجيكا . ومن الدول العربية التي تحرمه جمهورية مصر العربية التي تجرم الاضراب وتجعل عقوبته الاشغال الشاقة المؤبدة(41) ) والعراق الذي يعاقب في الماده 364 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969بالحبس مده لاتزيد على سنتين وبغرامه لاتزيد على مئتي دينار او باحدى هاتين العقوبتين كل موظف اومكلف بخدمه عامه ترك وظيفته ولو بصورة الاستقاله او امتنع عمدا عن واجب من واجبات وظيفته او عمله متى كان من شان الترك او الامتناع ان يجعل حياة الناس اوصحتهم او امنهم في خطر وكان من شان ذلك ان يحدث اضطرابا او فتنه بين الناس او اذا عطل مرفقا عاما. وقد عد هذا القانون ارتكاب هذا الفعل بالاتفاق من ثلاثة اشخاص او اكثر ضرفا مشددا . هوامش الفصل الخامس 1- د. اسماعيل مرزة – مبادئ القانون الدستوري والعلوم السياسية – النظرية العامة في الدساتير – الطبعة الثالثة ، 2004 ، ص169 . 2- د. احسان المفرجي ، نظرية الدستور ، ص173 . 3- د. احسان المفرجي ، المصدر السابق ، ص175 . 4- جيروم أ. بارون و س. توماس دينس ، الوجيز في القانون الدستوري ، المبادئ الاساسية للدستور الامريكي ، الجمعية المصرية لنشر المعرفة ، 1980 ، ص51 . 5- جيروم أ. بارون ، المصدر السابق ، ص52 . 6- د. اسماعيل مرزا ، المصدر السابق ، ص180 . 7- د. ابراهيم عبد العزيز شيحا ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، منشأة المعارف بالاسكندرية ، 2000 ، ص756. 8- د. اسماعيل مرزا ، المصدر السابق ، ص93 . 9- د. احسان المفرجي ، المصدر السابق ، ص182 . 10- د. محسن خليل ، القضاء الاداري ورقابته لاعمال الادارة ، القاهرة 1968 ، ص77. 11- د. عبد القادر باينه ، القضاء الاداري الاسس العامة والتطور التاريخي ، دار توبقال للنشر ، المغرب ، 1985 ، ص40 . 12- د. مازن ليلو راضي ، القضاء الاداري ، دراسة الاسس ومبادئ القضاء الاداري في الاردن ، دار قنديل ، عمان – الاردن ، 2005 ، ص60 . 13- د. عبد الغني بسيوني – القانون الاداري – منشأةى المعارف 1991 ، ص 931 . 14- د. محمود ابو السعود حبيب – القانون الاداري – ص386 . 15- صبيح بشير مسكوني – القضاء الاداري – جامعة بنغازي ، 1974 ، ص71 16- للمزيد ينظر : د. احمد مدحت – نظرية الظروف الاستثنائية – القاهرة – 1978 – ص129 . 17- عبد القادر باينه – القضاء الاداري الاسس العامة والتطور التاريخي دار توبقال المغرب – ص28 . 18- د. احمد مدحت علي – نظرية الظروف الاستثنائية – القاهرة – 1978 – ص192 . 19- د.حمدي عبد المنعم –نظام الامبودسمان او المفوض البرلماني –مجلة العدالة – 1981ص61 . 20- د.مازن ليلو راضي – نظام الامبودسمان ضمانة لحقوق الافراد وحرياتهم – مجلة القادسية مجلد 3 عدد 2- 1998 -249 . 21- في 24/9/1970 قدم احد اعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية مشروعا لانشاء لجنة عليا للدفاع عن حقوق الانسان ويحتوي هذا المشروع العديد من اختصاصات الامبودسمان السويدي الا ان هذا المشروع لم يحظ بالموافقة اللازمة لاصدار. 22- وفي عام 1972 قدم عضوا اخر مشروعا جديد معدلا اسماه الوسيط وتمت الموافقة على هذا المشروع فصدر في 3-1-1973 . 23- د. محمد انس قاسم جعفر – نظام الامبودسمان السويدي مقارنا بناظر المظالم والمحتسب في الاسلام – مجلة العلوم الادارية القاهرة 14 لسنة 1975 – ص78 . هذا وبموجب تعديل الدستور السويدي لعام 1971 اصبح الامبودسمان ينتخب من 48 عضوا في مجلس واحد . 24- د. حمدي عبد المنعم – المصدر السابق – ص63 . 25- د. محمد انس قاسم جعفر – المصدر السابق –ص82 . 26- د. جابر جاد نصار – مستقبل نظام المدعي العام الاشتراكي في النظام القضائي المصري – بحث مقدم الى المؤتمر السنوي الثامن لجامعة المنصورة –ص35 . 27- مجموعة احكام محكمة القيم – العدد الثالث 1987 – جهاز المدعي العام الاشتراكي –ص146. اشار اليه د.جابر جاد نصار –المصدر السابق –ص28. 28- د. حاتم علي لبيب جبر – نظام المفوض البرلماني في اوربا – مجلة المعاصرة – ص941 . 29- د. ليلا تكلا– نظام الامبودسمان – المجلة الانجلو مصرية -1979 – ص29 30- حاتم علي جبر ص939 . 31- د. علي محمد بدير – الوسيط في النظام القانوني الفرنسي – مجلة العلوم القانونية – كلية القانون – جامعة بغداد – المجلد 11 ع2 1996 ص86 . 32- لاري الويتز ،ترجمة جابر سعيد ,نظام الحكم في الولايات المتحده الامريكيه, الجمعيه المصريه لنثر المعرفه, 1996 ص 46.د د. عبد الحميد اسماعيل الانصاري ، نحو مفهوم عربي اسلامي للمجتمع المدني ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 2002 ، ص18 . 33- د.عبد الحميد اسماعيل الانصاري, نحو مفهوم عربي اسلامي للمجتمع المدني . دار الفكر العربي ,القاهره 2002, ص18 34- للمزيد ينظر : لاري الويتز ، المصدر السابق ، ص66 . 35- رسالة بولس الرسول الى اهل روما ، الاصحاح 13 ، الكتاب المقدس . 36- ول ديورنت ، قصة الحضارة ، الجزء الثالث ، المجلد الثالث ، قيصر والمسيح ، ترجمة محمد بدران ، ص370. 37- جورج سباين ، تطور الفكر السياسي ، دار المعارف ، مصر الكتاب الثالث ، ص512. 38- سورة النساء ، الآية 59 . 39- د. صبحي عبده سعيد ، الحاكم واصول الحكم في النظام الاسلامي ، دار الفكر العربي ، 1985 ، ص191 . 40- د. محمد عبد القادر ابو فارس ، النظام السياسي في الاسلام ، ط3 ، 1986 ، ص561 . 41- د. ماجد راغب الحلو ، القانون الاداري ، 1988 ، ص30 -31 . الفصل السادس الحماية الدولية لحقوق الإنسان إذا كانت القوانين الداخلية قد اهتمت بحقوق الإنسان بقصد توفير وسائل حماية فعالة لها، فان النظام القانوني الدولي قد فعل الشيء نفسه بعد ان تكونت القناعة لدى دول العالم المختلفة ونظراً لما عاناه الإنسان في القرن العشرين تحديداً من ويلات وآلام نتجت عن حربين عالميتين فقد بدء اهتمام القانون الدولي بالفرد من خلال صيغ وأشكال مختلفة منها الاهتمام بتفاصيل الحقوق والحريات التي نادى بها المفكرون والفلاسفة وتبنتها الدساتير واعلانات الحقوق فضلاً عن خلق آليات للحماية مقررة لمصلحة الفرد في مواجهة الدولة، والحقيقة ان كل هذا العمل قديم طبقاً للوسائل الدولية، أي الأساليب التي يعبر بها النظام القانوني الدولي عن أفكار واتجاهات أشخاصه وهم الدول والمنظمات الدولية فكانت المعاهدات والأعراف والمبادئ العامة للقانون التي أقرتها الأمم المتمدنة. ان البوادر الأولى لوجود نوع من الحماية لحقوق الإنسان دولياً محددة الأهداف وذات فكرة واضحة قد ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى، وهذا أمر ارتبط حتى قبل هذا التاريخ بتحديد مركز الفرد في القانون الدولي. وبقصد توضيح الجوانب المختلفة لتطور الحماية الدولية لحقوق الإنسان سنقوم بالبحث في هذه الجوانب أو المظاهر المتعددة طبقاً للمباحث الآتية: المبحث الأول تطور موقف القانون الدولي من الفرد وحقوقه لم يكن الموقع الذي يشغله الفرد حالياً في النظام القانوني الدولي قد حصل عليه دفعة واحدة، فالقانون التقليدي الذي ينظم العلاقات بين الدول لم يكن يسمح للفرد بأية مساحة ولو كانت محدودة في بنيانه إلا ان المسالة لم تعد كذلك مع بدايات القرن العشرين، وقد تجلت أولى ملامح هذا التغيير بعد انشاء عصبة الأمم التي لعبت دوراً في مجال التعامل مع الشخصية الإنسانية، ومن ثم سنتعرض في هذا المبحث للوضع القانوني الذي يتمتع به الفرد في ظل النظام القانوني الدولي التقليدي والتطورات التي حدثت في عهد عصبة الأمم. المطلب الأول موقع الفرد في النظام القانوني الدولي التقليدي ظلت الدولة القومية منذ إبرام معاهدة صلح وستفاليا عام 1648 هي اللاعب المباشر والوحيد على مستوى العلاقات الدولية باعتبارها الشخص الوحيد للقانون الدولي وما يعنيه ذلك من القدرة على التمتع بالحقوق وتحمل الالتزامات التي يفرضها النظام القانوني الذي يحكم العلاقات بين الدول، وقد ترتب على هذا الأمر حقيقتين: الأولى ان الدولة كانت تصنع قواعد القانون الدولي وتخضع لها، والثاني ان مبدأ السيادة كان يعتبر طيلة هذه الفترة هو المبدأ الأساسي أو الحاكم المنظم للعلاقات المتبادلة فيما بين الجماعة الدولية.(1) ومع ذلك فان الحقيقة المتقدمة لم تمنع المتخصصين في العلوم الإنسانية ومنها القانون الدولي من الاهتمام بحماية حقوق الإنسان الأساسية، فوضع الفرد في القانون الدولي على وجه التحديد كان ومازال موضع نقاش منذ ظهور القانون الدولي التقليدي، ولكن النتائج كانت تقود بصورة دائمة الى إنكار أي دور للفرد يلعبه بصورة مباشرة في النظام القانوني الدولي، رغم الاعتراف بانه يمثل الوحدة الإنسانية التي يقوم ويرتكز عليها أي نظام قانوني، فالقانون الدولي بقي ينظر إلى الفرد باعتباره مجرد شيء لا يمكن ان يتمتع بأي حقوق أو يلتزم بأي واجب بصورة مباشرة، وهكذا كان الفرد العادي بما له من حقوق وما عليه من التزامات مستبعداً من دائرة القانون الدولي فهو أحد مواضيع هذا القانون لا أحد أشخاصه، وكان يحق لصاحب السلطان أو الملك الذي يدين له الأفراد بالولاء والطاعة السهر على حماية مصالح رعاياه في الخارج دون ان يترتب على ذلك أي واجب تجاهه إذ ان الملك عندما يقرر حماية رعاياه في الخارج فهو يفعل ذلك من منطلق حقه الخاص. ورأت بعض الدول الأوربية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على وجه التحديد وبعد ان اتسعت تجاربها وعلاقاتها مع بعض الدول انه من الضروري ان تقوم بعقد معاهدات تتضمن احكاماً محددة تقضي بحماية مجموعة معينة من رعاياها، وهو ما قامت به المملكة المتحدة التي أبرمت عدة معاهدات مع المغرب وافق بموجبها على وجه التحديد على معاملة جميع رعاياه من مسيحيين وغير مسيحيين على قدم المساواة.(2) ان المرحلة التي بدأت مع تكون أولى قواعد القانون الدولي في العصر الحديث فيما يتعلق بمركز الفرد حصل فيها نوع من التكوين لقيم مشتركة ومفاهيم متفق عليها على المستوى الدولي عبر جهود فكرية ذات طابع قانوني. يتبع >
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 21 | |||
|
![]() على المستوى الفقهي يمكن الحديث عن اتجاهين يتحدد بموجبها الموقف من الفرد، الاتجاه الأول يرى ان الفرد يتمتع بالشخصية الدولية سواء كانوا من المنتمين لمدرسة القانون الطبيعي أو من الذين ينتمون لمدرسة القانون الموضوعي، فانصار مدرسة القانون الطبيعي يؤمنون بوحدة القانون ولا يترددون عن الاعتراف بالشخصية القانونية الدولية للفرد إذ انهم يرون ان القواعد القانونية يجب ان تتفق وتنسجم مع الطبيعة العاقلة للإنسان حيث يرى جروشيوس ان الأفراد هم أشخاص القانون الداخلي والدولي مما يترتب عليه الاعتراف لهم بحقوق طبيعية أساسية، كالحق في مقاومة الظلم، والحق في الملاحة عبر البحار، والحق في تملك الأقاليم التي لا سيادة عليها، والحق في شراء الأشياء الضرورية بثمن عادل، كما يتحمل الأفراد بعض الالتزامات وقت الحرب، كالالتزام بعدم الاشتراك في الحرب غير العادلة، أو الحق في عقد الاتفاقات مع الدول، مثل الاتفاق الذي يبرمه أسير الحرب مع الدولة في نظير تحريره. تابع القادم > :
المدخل لدراسة حقوق الإنسان...(10) |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 22 | |||
|
![]() لمدخل لدراسة حقوق الإنسان...(10) يتبع >
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 23 | |||
|
![]() أما الحقوق المدنية والسياسية فقد جاء تفصيلها في المواد 6-27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهذه النصوص تعترف بالحق في الحياة مع وجوب عدم توقيع عقوبة الإعدام فيما عدا الجرائم الأكثر خطورة وبشروط وضمانات خاصة، وتحريم التعذيب والعقوبات والمعاملات القاسية وغير الإنسانية، وحظر اخضاع أي فرد دون رضاه للتجارب الطبية أو العلمية، وتحريم الاسترقاق والسخرة والحق في الحرية والسلامة الشخصية، وحق كل منهم في معاملة إنسانية، وتحريم سجن إنسان على أساس عدم قدرته على الوفاء بالتزاماته التعاقدية (عدم حبس المدين المعسر) والحق في التنقل والمساواة أمام القضاء والنص على مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وحق كل إنسان في ان يعترف به كشخص أمام القانون وحرمة الحياة الخاصة، وحرية الفكر والضمير والديانة، وتحريم الدعاية للحرب، والدعوات الهادفة إلى بث الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية، والحق في الاجتماعات السلمية، والحق في إنشاء الجماعات كتشكيل النقابات والانضمام إليها، والحق في الزواج، وحق الأطفال في الحماية بما في ذلك الحق في الاسم والجنسية، وحق المشاركة في إدارة الشؤون العامة، والمساواة أمام القانون، وعدم التمييز، وحماية الاقليات العنصرية أو الدينية أو اللغوية والتي تتضمن حقهم في التمتع بثقافتهم أو الإعلان عن ديانتهم وإتباع تعاليمهم أو استعمال لغتهم. يتبع >
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 24 | |||
|
![]() ونصت الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان على تحريم التعذيب والعقوبات والمعاملات غير الإنسانية أو الاستثنائية أو المهينة، وهو ما نصت عليه المادة (7) من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية، والمادة (5) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.(61) المدخل لدراسة حقوق الإنسان...(11) ثانياً: الجرائم ضد الإنسانية عرفت الأشكال الخاصة بهذه الجريمة في ميثاق نورمبرغ، ونظام محكمة طوكيو، وأن كان هناك من يقول انه قد عرفت قبل هذا التاريخ وردوها إلى جروشيوس الذي فرق بين الحرب العادلة والحرب غير العادلة وبخصوصها ثبتت محكمتي نورمبرغ وطوكيو مبدئيين أساسيين هما: 1)عدم الاعتداد بالحصانة المقررة لأعضاء الحكومة فيما يتعلق بأعمال السيادة. 2) عدم جواز الدفع الذي يتقدم به الموظف العام ومضمونه انه كان ينفذ الأوامر الصادرة عن رئيسه الأعلى في حالة قيامه بتنفيذ أعمال غير مشروعة طبقاً للقانون الدولي العام.(68) ونصت المادة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 على الأشكال المكونة لهذه الجريمة إذا ما أرتكب أحد هذه الأشكال في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم.(69) وبعد انتهاء الفترة الزمنية التي استغرقتها محاكمات نورمبرغ وطوكيو بقيت الملامح العامة للاتجاهات القانونية الدولية تدين الجرائم ضد الإنسانية دون ان نشهد تطبيقات عملية حتى صدر قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 808 بتاريخ 25/9/1991 القاضي بتشكيل محكمة جنائية لمحاكمة المسؤولين اليوغسلاف عن انتهاكات وجرائم مختلفة، والقرار رقم 955 الصادر بتاريخ 8/11/1994 حيث شهدت هذه المحاكم إضافة صور جرمية جديدة للجرائم ضد الإنسانية، كالاختفاء القسري، والعنف الجنسي، والاستعباد الجنسي، والحمل القسري، والبغاء، وقد شهد نظام روما الأساسي تطوراً آخر فيما يتعلق بموقفه من الجرائم ضد الإنسانية حيث أخرجت هذه الجرائم تماماً من نطاق جرائم الحرب إذ كان يشترط لتحقيقها ارتكابها أثناء الحرب أو تكون مرتبطة بجريمة من الجرائم ضد السلام إلى صيغة وشكل جديد حيث لا يشترط ارتكابها أثناء الحرب.(70) وتعد جريمة الفصل العنصري احدى الأشكال المكونة للجرائم ضد الإنسانية، والحقيقة ان الفصل العنصري يعد جريمة بموجب الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها المعتمدة عام 1973 والتي دخلت حيز النفاذ عام 1976.(71) ثالثاً: جرائم الحرب اهتمت الجمعية العامة لعصبة الأمم بهذه الجريمة وأصدرت قراراً عام 1937 وصفت فيه حرب الاعتداء بأنها جريمة دولية(72) وهي جريمة تنتهك حق الإنسان في الحياة ونص عليها نظام روما الأساسي كذلك في المادة (8) منه إذ أكدت الفقرة الأولى منها على (يكون للمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب، ولاسيما عندما ترتكب في إطار خطة سياسية عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم)، بينما تولت الفقرة (2) من المادة ذاتها إيراد الصور المكونة لها، ومن أبرزها الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 12/8/1949 والتي ترتكب ضد الأشخاص أو الممتلكات موضوع الحماية لأحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة. أخيراً نشير إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت عام 1968 اتفاقية دولية تقضي بعدم تقادم جرائم الحرب، والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، والتي دخلت حيز النفاذ بتاريخ 11 تشرين الثاني 1970.(73) رابعاً: جريمة العدوان كانت الحروب تشن تحت مختلف الذرائع حتى بدأت وثائق دولية معينة تشير إلى عدم جواز اللجوء إلى الحرب لفحص المنازعات كاتفاقية لاهاي الثانية 1907 ومعاهدة فرساي (م227) وميثاق عصبة الأمم 1920 وبروتوكول جنيف 1924 واتفاق لوكارنو 1925 وميثاق بريان كيلوج 1928 ، والحقيقة ان أولى الخطوات الجادة التي بدأت لمحاسبة ومعاقبة مجرمي الحرب العدوانية قد نظمت بموجب وثائق دولية منها الاتفاق المتعلق بمحاكمة ومعاقبة مجرمي الحرب الرئيسيين في جانب المحور، وهو ميثاق نورمبرغ الموقع في لندن بتاريخ 8 آب 1945 وميثاق طوكيو لسنة 1946، فضلاً عن قرارات الجمعية العامة المرقمة (65) لسنة 1946 و (2625) لسنة 1970 و (3314) لسنة 1974 وهذا الأخير صدر تحت عنوان تعريف العدوان.(74) أخيراً من المفيد الإشارة إلى ان اتفاقيات دولية مختلفة، قد نصت على جرائم ذات طابع دولي تضمن بعض أشكالها نظام روما الأساسي منها جريمتا القرصنة، والاتجار بالرقيق.(75) المبحث الثالث الحماية الإقليمية لحقوق الإنسان لا تقتصر الحماية الدولية لحقوق الإنسان على الوثائق العالمية المشار إليها آنفاً إذ توجد وثائق إقليمية سعت طبقاً لها مجموعة من الدول إلى تكريس تنظيم دولي إقليمي لحقوق الإنسان مما يعني وجود نصوص وقواعد قانونية إقليمية تتناول هذا الجانب، وهي على وجه العموم تستهدف الاستجابة للثقافات التي تتميز بها هذه المجموعة الإقليمية عن طريق إضافة لمسات تميزها عن الوثائق العالمية. ومن الجدير بالذكر ان هناك أساس قانوني لهذا التنظيم الإقليمي لحقوق الإنسان الذي قامت ولازالت تقوم به منظمات دولية إقليمية إذ تنص المادة (52) من الميثاق على (ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج من الأمور المتعلقة بحفظ الأمن والسلم الدولي ما يكون العمل الإقليمي صالحاً فيها ومناسباً مادامت هذه التنظيمات أو الوكالات الإقليمية ونشاطها متلائمة مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها)، كما دعت الجمعية العامة إلى انشاء أنظمة إقليمية لحقوق الإنسان تساعد على توفير الحماية لها، ومن أهم الوثائق الإقليمية أو مظاهر الحماية الإقليمية لحقوق الإنسان يمكن الإشارة إلى: المطلب الأول الحماية الأوربية لحقوق الإنسان أنشأت منظمة مجلس أوربا عام 1949 من قبل مجموعة من الدول الأوربية بهدف تحقيق وحدة هذه الدول بصورة أوثق والعمل على توفير حماية للمبادئ والقيم المشتركة، ودفع التقدم الاقتصادي والاجتماعي إلى الأمام، وهو ما يمكن أن يتحقق عن طريق تطوير مفاهيم حقوق الإنسان وحمايتها.(76) وتم التوقيع على الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية نتيجة لجهود منظمة مجلس أوربا في مدينة روما بتاريخ 4 أيلول 1950 ودخلت حيز النفاذ يوم 3 أيلول 1953، وتحتوي الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان على ديباجة، وخمسة أبواب، موزعة على (66) مادة. تؤكد الديباجة على (ان حكومات الدول الأوربية، التي تتماثل في التفكير، وذات ميراث مشترك من التقاليد السياسية، والمثل العليا، والحرية وسيادة القانون …… قررت ان تتخذ الخطوات الأولى للتنفيذ الجماعي لحقوق معينة مقررة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) واشتملت الاتفاقية على أهم الحقوق والحريات التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فهي لم تتضمن قائمة متكاملة للحقوق لكن هذا النقص تم تفاديه بموجب مجموعة من البروتوكولات التي أُلحقت بالاتفاقية في مراحل لاحقة ابتداءا ًمن البروتوكول الأول لاتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية لسنة 1952 وانتهاءاً بالبروتوكول رقم (12) للاتفاقية ذاتها لعام 2000.(77) ومع ان الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان تركز بشكل أكبر على الحقوق المدنية والسياسية إلا ان هناك مجالاً كذلك للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إذ تؤكد المواد (2-10) منها على ضرورة تمتع كل إنسان بالحقوق والحريات الشخصية كالحق في الحياة، والحق في محاكمة عادلة فضلاً عن حرية الفكر والعقيدة والدين، وحرية الرأي، وحرية الاجتماع، وحقوقاً أخرى كحظر التعذيب والعقوبات والمعاملات الوحشية أو الحاطة بالكرامة، وحظر الرق والعمل الجبري، والحق في الحرية والأمان، والحق في الحياة الخاصة والحياة العائلية وحرمة مسكن الشخص ومراسلاته، والحق في تكوين الجمعيات بما فيها الاشتراك في النقابات، والحق في الزواج وتأسيس أسرة وعدم التمييز، وقد أضافت البروتوكولات الإضافية عدداً من الحقوق الأخرى، كالحق في احترام الملكية، والحق في التعليم، والحق في انتخابات حرة، وحظر الحبس بسبب العجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي، وحرية الانتقال، وحظر ابعاد رعايا الدولة، وحظر الابعاد الجماعي للأجانب، وتحريم عقوبة الإعدام. كذلك تضمنت الاتفاقية إنشاء جهازين لضمان احترام التعهدات هما اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان، والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، ويبدو واضحاً ان هذه الاتفاقية قد تولت الكشف عن حقوق موجودة سبق الاعتراف بها على مستوى القوانين الداخلية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان فضلاً عن ان واضعي هذه الاتفاقية قد فضلوا تخصيص وثيقة منفصلة للحقوق الاجتماعية هي الميثاق الاجتماعي الأوربي الموقع عام 1961 ودخل حيز النفاذ يوم 26 شباط عام 1965(78) ولا تقتصر الحقوق المثبتة في الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان على الإنسان الأوربي وإنما هي مقررة لمصلحة كل البشر، وهو ما تشير إليه المادة الأولى من الاتفاقية كما ان لكل دولة طرف في الاتفاقية الحق بمطالبة الدول الأطراف الأخرى أو احداها باحترام الحقوق الواردة فيها سواء أكان ذلك لمصلحة مواطنيها أو غيرهم حتى وان كان لا يحمل جنسية أية دولة، وهذا يشمل الزائرين للدول الأطراف في المعاهدة في حالة انتهاك حقوقهم طبقاً لما تقرره المعاهدة والاتفاقية تسمح للدول الأعضاء باتخاذ تدابير مخالفة للالتزامات التي تطبقها داخل اقليمها في حالة الطوارئ وحالة الحرب أو أي ظرف آخر يهدد حياة الأمة بالخطر كما سمحت المادة (11) منها بالحد من حرية التجمع والاجتماع، وعندما اعتبرت ممارسة هذه الحرية مضرة بالنظام العام واجازت المادة (15) لكل دولة طرف في الاتفاقية باتخاذ تدابير مخالفة للميثاق الأوربي في حالات الحرب أو الأخطار الأخرى المهددة لحياة الأمة مع عدم المساس بالحق في الحياة، والحق في عدم التعرض للتعذيب، والحق في عدم الاسترقاق والعبودية، والحق في محاكمة عادلة. ان النظام القانوني الأوربي يشتمل في حقيقة الأمر على عدة وثائق أو اتفاقيات أولها الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لعام 1950 التي أُلحق بها حتى عام 2000 اثنا عشر بروتوكولاً، والاتفاقية الأوربية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة غير الإنسانية أو المهينة لعام 1989 التي أُلحق بها بروتوكولان عام 1993 والاتفاقية الأوربية بشأن ممارسة حقوق الأطفال 1996 والاتفاق الأوربي المتعلق بالأشخاص المشاركين في إجراءات المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان لعام 1996 والمعاهدة المنشئة للمجتمع الأوربي (المعدلة) 1997 والميثاق الاجتماعي الأوربي (المعدل) 1996 وميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوربي لسنة 2000.(79) المطلب الثاني النظام القانوني الأمريكي لحماية حقوق الإنسان يتضمن النظام القانوني الإقليمي في القارة الأمريكية المتعلق بحماية حقوق الإنسان مجموعة من النصوص القانونية المعبر عنها بصفة إعلانات واتفاقيات دولية كالإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان لعام 1948 والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان عام 1969 والبروتوكول الإضافي للاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1988 والبروتوكول الخاص بالاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لالغاء عقوبة الإعدام لعام 1990 والاتفاقية الأمريكية لمنع التعذيب والعقاب عليه لعام 1987 والاتفاقية الأمريكية بشأن منع واستئصال العنف ضد النساء والعقاب عليه عام 1994 والاتفاقية الأمريكية بشأن الاختفاء القسري للأشخاص الصادرة عام 1996 والاتفاقية الأمريكية بشأن إزالة كافة أشكال التمييز ضد الأشخاص المعاقين 1999 والإعلان الأمريكي المقترح بشأن حقوق السكان الأصليين 1997 والنظام الأساسي للمحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان 1980 والنظام الأساسي للجنة الأمريكية لحقوق الإنسان 1993.(80) والحقيقة ان ميثاق الدول الأمريكية المعروف باسم ميثاق بوغوتا لعام 1948 قد تضمن عدة نصوص بشأن حقوق الإنسان إذ ان مقدمته توضح ان المهمة التاريخية التي قدرت لأمريكا تتمثل في تقديمها للإنسان أرضاً للحرية ومكاناً مناسباً لتطوير شخصيته ولتحقيق آماله المشروعة، وهي تؤكد كذلك على ان التضامن الحقيقي بين دول أمريكا وحق الجوار لا يمكن ان يتحقق دون إقرار نظام من الحرية الفردية والعدالة الاجتماعية اللتان تقومان على احترام الحقوق الأساسية للإنسان في إطار من المؤسسات الديمقراطية في القارة كما يؤكد الميثاق على ان العدل والأمن الاجتماعي هما أساس السلام الدائم، وهذا الميثاق يفرض على الدول احترام حقوق الإنسان دون تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو الدين أو الجنسية كما ورد في المادة (5) والمادة (13) منه وتشير المادة (16) إلى حق كل دولة في تطوير حياتها الثقافية بحرية مع احترام حقوق الإنسان ومبادئ الأخلاق العالمية، كما يشتمل الميثاق على نصوص تتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المواد 28-31) إلا انه يتعامل معها باعتبارها مجرد توجيهات موجهة إلى الدول التي يجب عليها ان تعترف بها وتشجع احترامها فقط. ويربط الإعلان بين الحقوق والواجبات إذ ان قيام كل شخص بواجباته هو شرط مسبق لحق الجميع فضلاً عن ان حق كل إنسان مقيد بحقوق الآخرين وبأمن المجموع ومقتضيات العدالة والرفاهية العامة.(81) أما الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان فقد أبرمت عام 1969 ولم تدخل حيز التنفيذ إلا في 18 تموز 1978 بإتمام إيداع عشر دول لوثائق التصديق وقد صيغت في الكثير من أحكامها على نمط الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان لعام 1966 وتتضمن الاتفاقية الأمريكية أثنين وثمانين مادة أقرت ما يزيد على أربع وعشرين حقاً من حقوق الإنسان المستمدة من الوثائق المذكورة آنفاً كما ان هناك اعتراف بعدد من الحقوق غير المذكورة في الاتفاقية الأوربية والبروتوكولات الملحقة بها، كالحق في عدم الخضوع للرقابة المسبقة على حرية الفكر والتعبير والاعتراف بجميع الأطفال بمن فيهم الذين يولدون خارج نطاق الرابطة الزوجية، وبحق كل فرد في جنسية وحقه في جنسية الدولة التي يولد فيها إذ لم يكن له الحق في التمتع بجنسية أخرى والحق في اللجوء مع عدم السماح بابعاد الأجنبي إلى بلد آخر إذا كان حقه في الحياة قد يتعرض للخطر بسبب جنسه أو جنسيته أو دينه أو وضعه الاجتماعي أو آرائه السياسية،(82) فضلاً عن حظر الرق والحق في احترام الخصوصية وحرية الاعتقاد والديانة(83) والحق في اسم (م18) وحق الشخص الذي يدان بموجب حكم نهائي أو بات مبني على خطأ قضائي في التعويض، وفي المقابل يلاحظ ان الاتفاقية لا تشير إلى الحق في تقرير المصير وحقوق الأقليات. وتشير الاتفاقية إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتلزم الدول باتخاذ الخطوات التي تحقق هذه الحقوق وتضعها موضع التنفيذ بصورة تدريجية، ويلاحظ عدم تحديد الاتفاقية لهذه الحقوق لكنها تحيل بهذا الخصوص إلى ميثاق منظمة الدول الأمريكية المعدل بموجب بروتوكول بوينس آيرس (م 26).(84) المطلب الثالث حقوق الإنسان في المواثيق الأفريقية يتضمن النظام القانوني الأفريقي لحقوق الإنسان على المستوى الإقليمي مجموعة من الوثائق هي الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب 1981 والبروتوكول الخاص بالميثاق الأفريقي لإنشاء المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب 1997 وقواعد الإجراءات الخاصة باللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب 1995 والميثاق الأفريقي لحقوق ورفاهية الطفل 1990 والاتفاقية التي تحكم الجوانب المختلفة لمشاكل اللاجئين في أفريقيا 1974 ووثيقة أديس أبابا بشأن اللاجئين والتشريد القسري للسكان في أفريقيا 1994 وإعلان كمبالا بشأن الحرية الفكرية والمسؤولية الاجتماعية1990.(85) والحقيقة ان أفريقيا التي ورثت أنظمة حكم شبيهة بالأنظمة البرلمانية السائدة في الدول المستعمرة والتي تبنت في دساتيرها أي الدول الأفريقية المستقلة حديثاً نصوص الحقوق التي جاءت بها دساتير الدول المستعمرة إلا ان هذا التوجه لم يكتب له البقاء بسبب فشله فلا النظام البرلماني ولا الدساتير التي وضعت بعد الاستقلال كانت تعبر عن حقيقة الواقع الأفريقي، فضلاً عن تبريرات أخرى أدت إلى ان تقوم في الدول الأفريقية أنظمة حكم تسيطر عليها أجهزة تنفيذية قوية أو يسيطر عليها عسكريون أو ديكتاتوريون مما ساهم في تهميش مواثيق الحقوق الوطنية، وهو ما أدى بدوره إلى ان تبرز الحاجة إلى نوع من التنظيم الإقليمي لحقوق الإنسان على مستوى القارة الأفريقية، وجاءت أول إشارة إلى هذا الموضوع في قانون لاغوس الصادر عن المؤتمر الذي دعت إليه اللجنة الدولية للفقهاء في لاغوس عاصمة نيجيريا عام 1961 إذ دعا فيه المؤتمرون الدول الأفريقية إلى دراسة فكرة وضع ميثاق أفريقي لحقوق الإنسان بهدف توفير ضمانات إضافية تحقق الحماية على المستوى العملي وقدر لهذه الفكرة ان تكون محل نقاش في مؤتمرات أفريقية عدة حتى عرض الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان على مؤتمر القمة الأفريقي في نيروبي عام 1981 وتمت الموافقة عليه ودخل حيز النفاذ عام 1986.(86) يتألف هذا الميثاق من ديباجة وثمان وستين مادة حيث أكدت الديباجة التي تعد جزءاً لا يتجزأ من الميثاق على ان الدول الأعضاء مقتنعة بضرورة كفالة الاهتمام الخاص بالحق في التنمية، وعدم فصل الحقوق المدنية والسياسية عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وان الوفاء بالحقوق الثانية هو الذي يكفل التمتع بالحقوق الأولى، كما أكدت الديباجة على عزم الدول الأفريقية على إزالة كل اشكال الاستعمار، وعن وعيها للفضائل التي تتمتع بها التقاليد ذات الطابع التاريخي وقيم الحضارة في أفريقيا التي يجب ان تنبع منها وتتسم بها أفكارها حول مفهوم حقوق الإنسان والشعوب، وهذا يبرر الطابع المميز والخاص لحقوق الإنسان وأولوية بعضها على بعضها طبقاً لمفهوم أفريقي ينبع من مشاكل وحاجات القارة السوداء. كما يربط الميثاق بين حقوق الإنسان وحقوق الشعوب بطريقة تؤكد التكامل وتكفل الترابط فيما بينها ويتم التأكيد في الديباجة كذلك على الربط بين حقوق الأفراد وواجباتهم باعتبار ان التمتع بالحقوق والحريات مسألة تتطلب ان ينهض كل شخص بواجباته وذكرت الفقرة (7) من الديباجة على ضرورة اعطاء أهمية خاصة للحق في التنمية فضلاً عن تأكيد الفقرة (8) من الديباجة على التزام الدول الأفريقية بمساعدة التحرر الأفريقي، والقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري القائم بسبب العنصر أو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي، أما الفقرتين الأخيرتين من الديباجة فتؤكدان تمسكها بحريات وحقوق الإنسان والشعوب كما جاءت في وثائق دولية متعددة. أشار الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان إلى ضرورة التمتع بمجموعة من الحقوق السياسية والمدنية كعدم التمييز بين الأشخاص في تمتعهم بالحقوق والحريات المكفولة في الميثاق لأي سبب كان وهذه مضمونة لكل شخص يقيم في بلد طرف في هذا الميثاق، إلا ان الميثاق فرق بين المواطنين وغيرهم بخصوص ممارسة بعض الحقوق كالحق في تكوين جمعيات، والحق في المشاركة في إدارة شؤون البلاد وتولي المناصب العامة ، أما فيما عدا ذلك فلكل فرد الحق في المساواة أمام القانون في الحماية المتساوية أمام القانون وعدم انتهاك حرمته واحترام حياته وسلامة شخصه من الناحية البدنية والمعنوية واحترام كرامته وعدم تعرضه للاهانة أو الاستعباد، والحق في الحرية والأمن الشخصي، والحق في اللجوء إلى القضاء، والحق في حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية، والحق في التعبير والحصول على المعلومات والاجتماع بحرية مع الآخرين، والحق في التنقل، والحق في الحصول على ملجأ، وكفلت المادة (14) الحق في الملكية التي لا يجوز المساس بها إلا لضرورة أو مصلحة عامة طبقاً لأحكام القوانين المعمول بها. يتبع >
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 25 | |||
|
![]() ويلاحظ هنا ان بعض الحقوق كالحق في الحصول على المعلومات المنصوص عليه في المادة (9) جاء دون قيد على ممارسته في حين ان التعبير عن الأفكار ونشرها هو حق مسموح به في إطار القوانين واللوائح كما ان الميثاق الأفريقي يخلو من نصوص تجيز تعطيل ضمان بعض الحقوق لأسباب طارئة على الرغم من العمل بهذه الفكرة أو الاقرار بها لظروف استثنائية في الاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية السياسية.(87) |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 26 | |||
|
![]() ممكن كتب في علم النفس للتحميل؟ |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 27 | |||
|
![]() بارك الله فيكم وجزاكم ألف خير |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 28 | |||
|
![]() شكرااااااااااااااااااااااااااااااااا |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 29 | |||
|
![]() بارك الله فيكم وجزاكم ألف خير |
|||
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc