الشياطين...و الغروب

[أبو جابر الجزائري]

سؤالي السابق:

وماذا لو لم تعلم الحكمة من ذلك؟ وقد ثبت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الأمر الغيبي قطعا؟

جوابكم:

وهل يعد عيبا سؤالي عن الحكمة من ذلك؟ ألم يقل الله عز وجل لعلكم تتفكرون؟

التعليق :

-لم تجبني أخي الكريم عن سؤالي (هل هذا " تهربا" كما رميتني به؟ ـ إن أسأتَ الظنّ بّي، فلن أسيء بك الظنّ)، بل أجبتم بسؤال أثرتم به أمرا لم يُطرح البتة.

فحتى لا نضيّع الوقت في التحاور عن " الحكمة "من أمرغيبي،"الانتشار في ذلك الوقت بالضبط"، والتي لا يعلمها إلا الله تعالى، أردت اقتصار النقاش، بأنّ أوضحّ من خلال سؤالي :أنّ معرفة الحكمة ليست شرطا في تصديق هذا الأمر.

فالحكمة في أمر شرعه تعالى أو أخبر عنه، الذي قد يفسره أو يخفيه ـ كما هو الأمر في معظم الأمور التعبدية والأمور الغيبية ـ،حتى لو استنتجنا حكمة معينة، فمن يجزم لي بأنها الحكمة بعينها التي أرادها الشارع الحكيم، بل قد يظهر بعد حين إنها ليس الحكمة المعنية، أو أنّ هناك عدّة حِكَم التي من أجلها شرعها الله؟؟

نعم معرفتي للحكمة أمرا يزيدني يقينا، ولكن إن لم أعرفها فلن تضرني شيئا، ولن تزعزع عقيدتي قيد أنملة، بل لستُ مطالبا شرعا بوجوب معرفتها حتى.

فالشارع الحكيم لم يأمرنا بالتفكر لمعرفة الحكمة من الأمور الغيبية أو التعبدية ،من انتشار الشياطين وقت الغروب كما لم يأمرنا بالتفكر لمعرفة الحكمة من الصوم حتى غروب الشمس، والوقوف بعرفة حتى الغروب وغير ذلك.... ممّا هو على منواله.

قولكم:

إن هذا الرجل الثقة العدل الضبط قد يخطئ، وقد يسهو، وقد ينسى. فالصحة المطلقة مستحيلة في غير القرآن.

التعليق :

كلام صحيح مئة بالمئة، ولكن لا يكون ما تفضلتم به منفذا لضرب عرض الحائط كل حديث لم يستيغه عقل كالمعتزلة أو هوى أو تعصب وما أشبه ذلك.

نعم إذا حكم أهل الاختصاص على حديث ما بأنّ صاحبه أخطأ وسها أونسى ( وهذا ما يعرف بالعلة التي توجب ضعف الحديث ) فهو كما قالوا، ولتعلم أنّ الحُكم بأنّ الراوي الفلاني أخطأ في حديث ما، له قواعد دقيقة وضوابط علمية، ليس هذا محلّ شرحها.

فأمّا أن يحدث العكس، فيُحكم على حديث لم يقبله عقل فلان، أن راوه قد أخطأ، فهذا استدلال بالمقلوب.

قولكم:

ولماذا لا تصنف سؤالي في صنف الذي يسأل عن الشيء مخافة أن يقع فيه.

التعليق :

أي محظور ستقع فيه لو لم تعرف لماذا تنتشر الشياطين وقت الغروب " بالضبط"؟ وأي حرام سوف ترتكبه ؟ لذا لم أصنف سؤالك في هذه الصنف.

والشيء نفسه يقال عن سؤال الثاني لا تنتشر عن وقت الشروق؟

لن يستطيع أحد أن يجيبك، لأنّ هذا أمر غيبي بحت، مثل من يسأل: لماذا الإمساك يكون عند الفجر وليس الشروق؟. فدعك من الأسئلة التي طائل منها وما عليك إلا التسليم لأمر الغيب ما دام قد صحّ الحديث، " إذا ثبت النقل شهد العقل " ، مثلما أسلم خليل الرحمن وابنه وزوجه لمّا أمر الله تعالى إبراهيم بذبح ابنه ـ دون توضيح " الحكمة " من ذلك، بل ما كان منهم إلا أن " صدقوا الخبر" و" طبقوا الأمر".

ومثلما أسلم رسول الله تعالى في الحديث الصحيح:

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهماعن أبي هريرة قال : صلى رسول الله صلاة الصبح ثم أقبل على الناس فقال "بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت: إنا لم نخلق لهذا ، إنماخُلقنا للحرث، فقال النّاس :سبحان الله - تعجباً وفزعاً - أبقرة ٌ تتكلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أؤمن به وأبو بكر وعمر.

ومثلما أسلم الصديق رضي الله عنه عندما أخبر بإسراء ومعراج الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : إن كان قالها (إذا ثبت النقل) فقد صدق (شهد العقل).

قولكم:

فلو كان الحديث الذي نقلته بمفهومك أنت لكان لزاما على كل واحد منا أن يلزم بيتهويتوقف عن طلب العلم.

التعليق

إن كان كل من يطلب العلم يريد أن يفهم " الحكمة " من الأمور الغيبة والتعبدية على حساب تعلم مبادئ دينه ممّا أوجبه عليه من أمور عقدية وتعبدية ومعاملات، فليزم بيته أفضل له، حتى يُستراح من أسئلته التي لا طائل منها.

ذكر أحد الدعاة أنّه سأله أحدهم : كم عدد الدراهم التي باع بها أخوة يوسف، يوسف؟ ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ.
فقال له الداعية: مثل عدد فرائض الوضوء؟
قال : وكم عدد فرائض الوضوء؟.
قال: لا تعرف فرائض الوضوء وتسأل عن عدد الدراهم؟.

قولكم:

أما رده السابق فقد كان هروبا من الإجابة بطريقة تحمل في طياتها الكثير...

التعليق

أظن بعد هذا الشرح الوافي، قد توضحت لكم الفكرة.

أمّا طريقتي التي " تحمل في طياتها الكثير"، فلم أفهم مدلولها، اللهم إلا إذا قصدتَ أني أعرف أنك لا تؤمن بالجنّ والشياطين أصلا، وإني تحاشيتُ فتح الحوار في هذا الأمر، وأني اكتفيتُ بمجارتك في كلامك على ظاهره

أسأل الله لي ولكم السداد والتوفيق لما يحبّه ويرضاه

[قلب متعلق با لله]

بارك الله فيك

[بوسعادية2012]

مشكورين جميعا علي الردود والمشاركات المفيدة تحيتى لكم جميعا